رجـــال جاهروا بطغيان القذافي منذ البداية ...!!!

رجـــال جاهروا بطغيان القذافي منذ البداية ...!!!
مدونة الـكــوز الكوز- مقالات


(خذ الحكم من أفواه عامة الناس وبسطائهم) كثيراً ما يرددها العوام منذ الأزل وهي لا تبتعد عن الواقع الذي نحياه بشيء . فيوجد من بين شرائح هذا المجتمع شريحة تقدمت بهم السنون وعصفت بمحيطهم رياح الحياة وأنهكتهم الظروف فأفقدتهم الذاكرة وتهلوست ألسنتهم وتنطلق من أفواههم تمتمات تعبر عن وجدانهم وتترجم أحاسيسهم ولا يفقه كنهها إلا اللمم ولا يعرف مصطلحاتها إلا القليل : ففي مدينتنا هذه العريقة (أجدابيا) وبشارع سوسة كان في سبعينات القرن الماضي يتسمر شيخ مسن ذو لحية بيضاء منهك الإطراف نحيل الجسم تداعب أنامله البسيطة حبيبات المسبحة التي عاصرته منذ عرفناه يدعى ( منصور أجويلي يونس ألمجبري )وهو من رواد المسجد وقراء القرآن ولا يخشى في الحق لومه لائم حين يزجر من يسب الدين وينهر من يتعاطى التدخين ويوضح له حرمة هذه العادة الوخيمة النتنة . وكثيراً ما ينصح الناس ويحذرهم من مغبة إغضاب الوالدين وإيذاء الجيران وترك الصلاة والجديد في الأمر أنه يردد عقب مواعظه هذه المعتادة عبارات لو قالها سوي ذو عقل لزج به في إحدى سجون الكويفيه أو الحصان الأسود أو بوسليم وهي معالم وحشيه شهدت مجازر مشينه في حق هذا الشعب الأبي قائلاً : جاكم معمر أجعنه مدمر ... وسيدي إدريس عطبك عليكم يوم يوم أفراقه ..!! ولا يجرؤ أحد من أجهزة النظام أن يسكت سخطه أو يوقف صخبه فهو سنوسي يعشق السنوسية كطريقة مثلي ويقدر الملك السابق ويقول:إن قلت الحق العقل اذهب.... والباطل فوق الحق اركب. ويتشاءم من يوم رحيله مرددا: ياويلي من جي لثنين....ومصاباتم عند راسي ايحاسبوا علي رمشت العين ... يا بال يلقوا معاصي ذكر انه تاه ذات مرة في الصحراء ونعاه رفاقه إلي أهله وأقاموا مأتمه وبعد أسبوع من المعاناة استيقظ على مناد يقول له أنهض فالماء بجوارك والأثر يهديك الطريق وفعلا نهض فشرب وتقفي الطريق فجاءت به إلي واحة أوجلة. وقد يكون عامل السن وشرود الذاكرة وجنوح العقل عوامل حالت دون المساس به وتعريضه لطائلة القانون المميتة ويعتبر آنذاك الوقت بتلك المدينة المعارض الوحيد المجاهر بعدائه للنظام رغم أنه في سنواته الأولى والمحذر من شؤم هذا العهد البربري المستجد ويروي احد جيرانه انه استدعي إلي الجهات الأمنية بعد أن سمع منه أدعيته المأثورة في احد المأتم والتي تمس قيادة العهد المنهار وأودع السجن وجئ به إلي المحكمة للتداول وقدم له مصحف ليقسم عليه انه لم يقصد الحكم ولا القيادة فقال للقاضي أنا على استعداد لأداء القسم شريطه أن تقسم أنت أيها القاضي أن تعدل بالحق فاستشاره القاضي طرفي الجلسة وأفرج عنه بقناعه.وقد توفاه الله في بداية السبعينات بمدينة أجدابيا .
وليس ببعيد عن هذه المدينة ففي واحة الكفرة عمق الصحراء يتحدث الناس عن شيخ لا يقل شجاعة عن سابقه إنه المرحوم (على عبد الله الهيرما) إمام وخطيب المسجد العتيق بالجوف ويقال أن الناس يتسابقون على حضور خطبه الارتجالية المثيرة للجدل رغبة منهم في سماع ما يشفي غليلهم ويعبر عما يجوش بخواطرهم وعن سخطهم على ذلك الوضع المتردي وكان يتحدث عن كل ما يجد في المجتمع من قرارات واهية خاصة قرار الحصار الذي فرض على سكان ليبيا بلا ذريعة وكذلك قرارات الزج بشبابنا في حروب لاناقة لنا فيها ولا جمل خاصة حربنا مع أوغندا وتشاد ولبنان ومصر المجاورة التي أفقدتنا الأخضر واليابس ولا مبرر لها . وكان يقول رحمه الله حين عروج جنود الحملة على متجره القابع بوسط سوق الكفرة سائلاً الجنود وهم يتبضعون منه بعض مستلزماتهم :وين شايلكم هالكافر المجنون ... إيريد إيودركم في حرب تشاد الخاسرةويقسم لهم أن هذه الحرب باطلة ولا يربح من يطيع مخلوقاً في معصية الخالق وكان هذا في ثمانينات القرن الماضي حيث طغى المقبور وأدعى أنه منقذ أفريقيا وأمين القومية العربية وانتهت تلك المواجهات الدموية بانتصار جيش تشاد البسيط على قوات المدمر المدججة بكافة الاسلحه .وكان يسمي القذافي بمسميات مغايرة كقولة المدمر والسفاح والمخرب وزعيم الطغاة . ويحكى أنه حين دعاه أحد أقاربه ببنغازي إلى مأدبة غداء لأحد المسؤولين وأثناء دخوله إلى حجرة الضيافة رأى صورة المقبور على واجهتها فقذف تجاهها بعصاه وأقسم أن لايدخل المربوعة والطاغية بها فتدارك الحاضرون الموقف وعرجوا به إلى منزل أخر مجاور لينقذوا المضيف من محرجته ويبرّوا قسم الشيخ الوافد.
وروى أحد مرافقيه في الحج انه استحلف عائشة بالنيران عندما قيل له أنها والدة القذافي المزعومة فامسك بطرفها وطلب منها إن تقسم له بجوار الكعبة وأمام حراسها أنها والدة القذافي التي أنجبته فقالت بأعلى صوتها وبحرج ( أنها ربته ولم تلده ) .
أما النمط الثالث من هؤلاء الذين وافتهم المنية ولم يعترفوا بهذا الطاغية وحكمه وحذروا الناس من طغيانه إنه المرحوم (أقبيلي ذاوود أقبيلي) الذي ولد ونشأ في واحة تازربو الخضراء

وأمتهن حرفة زراعة النخيل وفلاحة الأرض منذ نعومة أظفاره وأشتهر هو الأخر بمجاهرة القوم خاصة أنه عاصر قيام ما يسمى بثورة القذافي وقد ناهز الثمانين من عمره ويعاني من استفحال الشيخوخة المبكرة التي أثرت في حواسه حيث أصبح في أواخر حياته يهذو بعبارات جريئة يستغربها معاصروه وتثير اهتمامهم كقولة : جاكم (كولومبو) وهو المكوك الفضائي الذي أطلقته أمريكا في بداية الستينات ويعتبر أعظم أنجاز في القرن العشرين ونواة لاستخدام الأقمار الصناعية وكذلك قوله: جاكم راعي الخضر ولد القذافية خليفة عبد الناصر يحكمكم أربعين سنة إيقطّر في عيونكم الثوم و يعطيكم كف وكانشو وبعدها إيجيكم راعي لبيض أيوازي الحق م الباطل ..!!!
يا سبحان الله رجل أمي بسيط فاقد البصيرة وهي العقل يخشى أبناؤه وأحفاده عليه من التهلكة حيث الاجهزه القمعية أقوى مما كانت عليه في عهد الطاغية ويتحدث أمام الملأ بهذه الجمل التي أقلها دخول سجون القذافي الغابرة . والطريف في الأمر أنه يحذر مستمعيه من مجئ راعي الخضر أي صاحب الكتاب الأغبر الذي يحمل بين دفتيه ترهات لا تخطر على بال أحد ولم يقتنع به إلا القليل من أزلام هذا الكذاب الأشر . أما قوله ولد القذافية فقصة هذا الطاغية لاتخفى على أحد ينسب إلى والد لم يكن من صلبه ولا كان من رحم تلك إلام التي ربته فهو أبن يهودية ويهودي جاء من ايطاليا ضمن جنود الحرب العالمية الثانية وخالته يهودية على قيد الحياة في الأرض المحتلة والتقتها القنوات الإعلامية بعد الثورة لتحكي قصة نسب اللقيط ( ابن صامويل )على الملأ ، أما قوله خليفة عبد الناصر رغم أنه لم يعاصره إلا بضعة أشهر فقد خطب الرئيس الراحل في أخر كلمة له ببنغازي : أترككم اليوم وأنا أقول لكم أن أخي ..هو ألامين على القومية العربية وكانت هذه إحدى خطايا الزعيم عبد الناصر التي ختم بها حياته .أما قوله أربعين سنه فهي يقيناً أنه أمضى هذه العقود الأربع بين زج وتنكيل وتقتيل وتشريد وإزهاق للأرواح البريئة وتقطيع لأواصر هذا الشعب الأبي الذي ما ترك له هذا الأرعن مسمىً إلا وسلكه ليطيعه ويصبح ملكاً له ولأولاده ولا أظن أن هناك تفسيراً لكلمتي الكف والكانشو على الطريقة الليبية والمعروفة بقساوتها أقبح من هذه الحرب الضروس القذرة التي أفترضها الطاغية على شعبه وكانت نهايتها وبالاً عليه وحداً فاصلاً لعهده المشؤم . أما مجئ راعي لبيض فتفسيرها قدوم هذه الثورة الشبابية (ثورة السابع عشر من فبراير) والتي نتعشم أن تكون فأل خير على هذا الشعب الأبي لإحقاق الحق وجلب الراحة والاستقرار لهذه الرقعة الطاهرة .
أما رابع هؤلاء المجاهرين بمقتهم لنظام ألقذافي المتعفن فهو المرحوم بإذن الله (عبد اللهالسنوسي الشويحثي ألمجبري) صنديد شجاع لا يهاب أجهزة القمع ولا يخاف عواقب القانون الجارف الذي كان يدير البلاد طيلة أربعة عقود بالحديد والنار ، فنراه في كل محفل يجاهر بعبارة : الله يرحم الملك إدريس وأيامه ويطلب من الحاضرين الترحم والفاتحة علي روحه بعد مماته حتى أنه سئل حين كتب أحد الازلام تقريرا إلى الطاغية يخبره فيه عن هذا الرجعي كما يسميه وما يبديه من تأييد للملكية التي أطيح بها في سنة1969م ولم يتورع رحمه الله ولو بدعاء تأييد لنصرة الثورة آنذاك الوقت خاصة وهو يخطب الناس ذات يوم في المسجد وكانت إجابته عند السؤال عن محبته للسنوسية فقال أنها محبة روحيه لا أقطعها ما حييت . وله مآثر طيبة وكثيرا ما يقرأ القران ويحفظه ويتصدر الناس في الصلح بينهم في نزاعاتهم القبلية وهو معروف بطول قامته وجهورية صوته والتزامه قول الحق وكثيرا ما ينتقد الممارسات الخاطئة رغم بساطتها مقارنة بما عايشناه ما قبل ثورة الشباب المباركة . وافته المنية متواضعا عفا صابرا يقول الحق ولو علي نفسه . فهو ابن المجاهد السنوسي الشويحثي الذي خدم السنوسية ووصل إلي درجة وكيل الرحلات الخاصة إلي مصر وكان يقدر العائلة وكان ابنه يترحم على فقدائها ويشيد بالسنوسية وحكمها الملكي حتى زج به أكثر من ست مرات في السجن وأخرجه في المرة الأخيرة سيد قذاف الدم وأمر بتزويد منزله بجهاز هاتف ليستطيع الاتصال به كلما الم به أي ظرف وتوفي رحمة الله في 21/10/1984 .
فرحم الله هؤلاء الشيوخ الأربعة الذين اختلفت مداركهم وتناءت مواطنهم وتعددت ثقافاتهم ولكن قاسمهم المشترك ولسان حالهم العداء للقذافي منذ بداية عهده وتنبأ أربعتهم بأن عهده سيوحل هذا الشعب في مآسي وخيمه وترسخت فيما بعد هذه الرؤى الصادقة وكان ضحيتها سكان هذه البلاد الطاهرة الذين لجمت أفواههم طيلة عقود حكمه وكبلت أيديهم واستنزفت خيراتهم وهتّكت أعراضهم وجهلت أفكارهم وقيض الله في نهاية المطاف أن يهرع أحفادهم ليزيلوا عرش هذا الطاغية ويقذفوا به في مزبلة التاريخ حيث مات ميتة الجبناء وقبر غير مأسوف عليه في مجاهل الصحراء لينال ما أعد الله له من عقاب وكانت هذه نهاية كل من طغي وتجبر والله أكبر .