قراءة في المصطلحات العسكريةوعبقرية اللغةالعربية(بقلم العضو)

من طرف كدوع 2012-05-17, 11:40 am

كانت دروس اللغة الإنجليزية التي نتلقاها في الكلية العسكرية تنقسم إلى مقررين:

- المقرر الأول, لغة عادية للمحادثة والقواعد والتصريف لحالات الأفعال ولها مدرس خاص هو( د. سعدون السويح ) الذي كان يحمل شهادة الماجستيرفي الأدب الإنجليزي, في ذلك الوقت، ويتذوق ويشجع على تذوق العربية شعرا ونثرا ,وأظن أني فهمت منه أن في اللغة العربية الماضي البسيط past simple, مثل( فاز عليه) والماضي التام past perfect مثل( كان قد فاز عليه) ولكنه أهمل الا عند بعض كُتّاب المغرب العربي .

- المقرر الثاني,وهو موضوع هذه القراءة, لغة عسكرية تتناول المصطلحات العسكرية( idioms military ) والمختصرات ( abbreviations ) معروضة في دروس التعبية ومهنة الميدان،وفي دروس تتناول الحياة داخل الكلية العسكرية وتقسيم وتنظيم الطلبة و القوات وما إليها كان ينفذ هذا الجانب في ذلك الوقت ضابط من أكثر الضباط الذين درسونا ثقافة وذكاء هو " نقيب مفتاح سبيع " رحمه الله .

كان أحد الدروس يتحدث عن الحد الأمامي لدفاعاتنا والحد الأمامي لدفاعات العدو والموانعobstacles) ) والغارات الجوية ( air raids ) والتمويهcamouflage) ) والصولة Assault) ) ومن ضمن المصطلحات التي ذكرها المعلم بالطريقة الفرنسية , المكتوبة بها rendez vous " روندى فو "وقال أنها تعني " المثابة " , سرى همس خفيف في الطلبة الذين يعرفون لكلمة rendez vousمعنى واحدا هو " موعد أو ملتقى" وعادة موعد خاص , قال المعلم أن المصطلحات التي مرت بنا هي من وضع ضابط فرنسي وهو جنرال ذو ثقافة واسعة وقد وضع كثيرا من المصطلحات بالفرنسية وغيرها و قد أعتُمدت هذه المصطلحات في جيوش المانيا وبريطانيا, و دخلت إلى اللغة الألمانية والإنجليزية " لغة الأعداء التقليديين لفرنسا " , إن كلمات مثل الصولة التي تعني "لغة وليس اصطلاحا" الهجوم والإعتداء والإقتحام ,هي من الجذور العربية في المصطلح الأجنبي كما هو واضح .

الجنرال الفرنسي وضع لنقطة ومكان الأجتماع للقائمين من قواتنا بخطف أسير أو سلاح أو تنفيذ تخريب أو تنفيذ غارة صاخبة أو صامتة على العدو بعد الرجوع من الحد الأمامي لدفاعات العدو, وقبل الدخول إلى الحد الأمامي لدفاعاتنا اسم " راندي فو " استحضارا لشعور المنتصر الناجي فالاصطلاح يعبر عن الناحية النفسية لمن وصل سالما إلى نقطة الاجتماع نقطة اللقاء "الموعد " أخذنا نكيل المديح للجنرال الفرنسي على عبقريته و" واستئناسه " للخوف والخطر بهذا المصطلح الذي أعجب به الاعداء .

غير أن ذلك الضابط القومي المثقف حول كثيرا من الإعجاب بل كال ثناء وإعجابا أكبرإلى الذي سمى " الراندي فو " مثابة, التي كانت سنة 1974 لاتعني لنا شيئا وغير مستعملة منفردة في لغتنا اليومية العادية ...

إن العراقي العربي الذي إقترح أن تكون المثابة مقابلا لنقطة الإجتماع كما تسمى في الجيش المصري هو أكثر عمقا من الواضع الاصلي للمصطلح فالمثابة تقع بين الحد الأمامي لدفاعتنا والحد الأمامي لدفاعات العدو وهي في المساحة الفاصلة المزودة بشتى الموانع كالأسلاك الشائكة العادية والمنفاخية والألغام والمشاعل العاثورية لكشف المتسللين, والممنوع اختراقها ودخولها، وتسمى الأرض الحرام .

والمثابة في اللغة و الثقافة العربية هي مكان الاجتماع الآمن هكذا وصف البيت " مكة" في القرآن فهو في الأرض الحرام والمكان الآمن ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وآمنا ) البقرة 125 .انتهى كلام النقيب مفتاح سبيع معلم المصطلحات العسكرية.

إن الشعور بالأمن أكثر أصالة من الشعور بالفرح, لقد أستأنست عبقرية اللغة العربية الحرب وأنسنتها بالأدلجة الراقية الطبيعية السلسة وغير المتعسفة لقد أستحضرت الدين والتاريخ ووجدان الأمة بلفظ عبقري الإنتقاء والدلالة أيضا هو المثابة.

لم يفت كبار الأدباء والكتاب إدراك خصائص المدلولات الإضافية(مستقلة عن المعنى) للمفردات, لقد استثمر الأديب الليبي الكبير خليفة التليسي هذه الخاصية فقال معلنا حبه لبلاده:

وقف عليها الحب ساقط نخلها رطبا جنيّا أم حشيفا ضامرا

لم يصف حبه لوطنه بأن يقول "حكر عليها ،أو قصرٌ عليها أو حصرٌ عليها الحب ساقط نخلها .." مع جواز ذالك للشاعر وزنا ومعنى ,لكنه اختار" وقفاعليها الحب",لأن الوقف والأوقاف تعبيرديني إيماني معروف من قبل الجميع في العالم العربي والإسلامي, وهذا اللفظ يُلبس حبّ الوطن قداسته , إذ يستدعي اللفظ الديني في هذا السياق المكين الحديث الشريف "حبّ الوطن من الإيمان",وهذا ما يحفز تداعي الخواطر خاصة وأن البيت قد تم نسجه على منوال إرث ثقافي متأصل في قلوب المسيحيين والمسلمين ولايمكن لأي عربي يسمع في جملة واحدة تساقط الرطب الجني من النخل إلا ويغمر وجدانه ويقفز إلى خاطره مولد المسيح عليه السلام.....ويستحضر الآية الكريمة (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا )مريم25.

ذلك كان مثالا للتوفيق أنبثق من الالمام بالتخصص المهني ومعرفة اللغة والتاريخ ومقومات الأمة وهذا ما نلاحظه في المصطلحات العسكرية المستخدمة في ليبيا والعراق بصورة خاصة فإننا نجد في تعابيرها العسكرية حتى قبل الجامعة العربية مفردات مثقلة بالإيحاءات التاريخية والتراثية والحماسة والإحماء ويميزها جميعا الترفع عن إسفاف القول ,وعلى ذكر الإحماء فإن أول إطلاقتين يقوم برمايتهما المستجد, في حياته العسكرية هما اطلاقتا الإحماء ويكون رميهما بوجود مرشد وباتجاه الدريئة مع وجود هدف أوبدونه ومنطوق إيعاز الرمي هو (إطلاقتان للإحماء باتجاه الدريئة عندما تكون جاهزا..... أرم!) قد يخشى بعض المستجدين السلاح ويرهبونه وللتغلب على الخوف , دون الإشارة إليه, تذرع المدربون باطلاقتي الإحماء لرفع عتبة الشعور لدى الرامي, وشكل الإيعاز يوحي للرامي المستجد بأن الغرض إحماء السبطانة , وفي الحقيقة الإحماء هو للرامي ذاته.

نرجع إلى القول بأن المصطلحات العسكرية في ليبيا والعراق مليئة بالإيحاءات التاريخية والتراثية والحماسة والمضامين الدينية والنفسية المؤكدة للذات والمعززة للهوية, مثل نقيب,وهو من يتكلم باسم جماعته, وطائفة "طاقم البندقية 106 م/د"والفوج والسرية والزمرة"مفرزة تعليم التخطيط وقراءة الخريطة", والدريئة"ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين" الآية 8 من سورة النور وهي مصطلحات قرآنية أو دينية, واللواء" راية و علم القيادة يعقد للزعيم فكانت رتبة لواء وللرجال الكثيرين فكان تشكيل لواء ",والمشير "غير المستشارالذي يبدي رأيا غير ملزم إذا طلب منه".إن المشير هو مصدر الأمر والنهي ومرجع الرأي والمشورة وفي اللغات الغربية مارشال وتعني في عصر الاقطاع"كبير الخدم"(لاحظ ماأضفت اللغة العربية من رفعة ونبالة على المشير وما أضفى التاريخ من" تواضع" على الماريشال),و في التراث عميد القوم وعقيدهم والرائد"الرائد لايكذب أهله"وهي من تراث النظم الإجتماعية العربية, وهي متوافقة مع معجم المصطلحات الموحد الذي وضعته الجامعة العربية بلجنة تضم ضباطا من مختلف الدول العربية ومنها بلادنا, يعتمد هذا المعجم من ضمن مراجعة أربعة معاجم منها إثنان ليبيان , على قلة انتاجنا في هذا المضمار,هما " مختار القاموس و مختار الصّحَاح "للطاهر الزاوي رحمه الله, وهذا مؤشر ينبغي لنا أن نعتز به .

عندما انفصلت الكلية الجوية وضمت إلى المواصلات تم تسميتها أكاديمية الدراسات والعلوم الجوية بعد انفصالها,وهذا يجانب التدقيق والتوفيق من ناحية الترمينولوجيا والتخصص لمن هو مطلع على منهجها مواضيعه ومفرداته ومخرجاته.

كلمة أكاديمية لها عدة استعمالات :

1- معهد أو هيئة أو مركز بحثي راق في تطوير العلوم النظرية والعملية والتكنولوجية فيه باحثون وليس طلبة كأكاديمية العلوم السوفياتية سابقا أحد بحاثها "المنشق ساخاروف " الشهير " أبوالقنبلة الهيدروجينية الروسية " .والاكاديمية الألمانية للعلوم التي ولدت على يديها القذيفة الطائرة((V1,V2و أكاديمية العلوم الامريكية ,التي يناط بها إضافة الى بحوثها العادية, البحوث المستجدة والعاجلة كالنانو تكنولوجي والتغير المناخي ..وأخيرا كلفت بالبحث في إنفلونزا الخنازير حسب الإعلام.

2- معهد أهلي ذو منحى تطبيقي مثل معهد الهندسة التطبيقية "يمنح شهادة محلية ويخرج أفرادا يعملون مباشرة في سوق العمل كمساحين.

3- مجمع اللغة العربية لاعتماده تعريب المصطلحات وليس مجرد ترجمتها يمكن تسميته أكاديمية لبحثه في نقاء اللغة .

4- جميع الكليات العسكرية تسمى أكاديميات ,ذلك أنها معاهد أهلية ذات منحى عملي تطبيقي.

5- أكاديميات الفنون و الرياضة كالمسرح والتمثيل والرقص والألعاب, ومن هذه الأكاديميات أكاديمية ركوب الخيل في فرنسا, وأكاديمية الرقص الشرقي في فلوريدا وفي فرنسا .

ماهو شكل الخريج ومستوى إعداده وإمكانياته, سؤال يحدد المنهج وما يجب أن يحتويه من مهارات و من حقائق يجب أن يلم بها المتلقي.

ما هي الغاية من المخرجات للتعليم و التدريب ,سؤال يحدد دور وواجب المؤسسة التعليمية وملاكها ونظامها ومَهامّها ,وذلك ما يحدد بدوره اسم المؤسسة.

أبقى على اسم أكاديمية الدراسات والعلوم الجوية عند إعادة ضمها الى الجيش وكذلك الحال بالنسبة إلى اسم أكاديمية الدراسات البحرية , من المعروف في اللغة الإنجليزية والفرنسية على الأقل,أنه عندما نقول الكلية العسكرية تترجم فى اللغة العسكرية الإنجليزية إلىmilitary academy وفي الفرنسية :academie militaire لأنها كلية أهلية ذات منحى تطبيقي كماسبق القول,وكما تقول قواميس اللغة... فخريج الكلية العسكرية يستطيع الدخول إلى الحرب كآمر فصيل من الكلية مباشرة ودون إعداد خاص وكذلك كل الكليات العسكرية,لذلك يمكن أن نقول بالعربية الأكاديمية العسكرية والأكاديمية الجوية والأكاديمية البحرية , أما إذا حددت الاكاديمية بالدراسات والعلوم العسكرية,مثلا, فإن ذلك الكائن أعلى حتى من كلية الاركان ,إن أكاديمية الدراسات العسكرية اسم لهيئة أو مركز يبحث في فن الحرب واستخلاص النظريات والقوانين الخاصة بهذا الشأن,كأننا نصف شيئا يشبه أكاديمية العلوم العسكرية في الإتحاد الروسي التي وضعت سنة 2007 العقيدة العسكرية للاتحاد الروسي بتكليف وتخويل من الرئيس بوتين لرئيس هذه الأكاديمية الجنرال غارييف (العقيدة العسكرية صنع قرار سياسي وهو بيد أعلى مستويات السلطة السياسية في أي دولة) " , وهذا ما ينطبق على أكاديمية الدراسات والعلوم الجوية من حيث عدم دقة الدلالة فقد كان اسمها قبل الضم الكلية الجوية معظم منهجها باللغة الإنجليزية وقد كتب على غلاف جميع كتبها ومراجعها من تأسيسها ( air academy ) .

وهذا صحيح لانها ذات منحى تطبيقي فخريجها يعمل كمراقب أو فني صيانة أو طيار...... .

أما بالاسم الحالي أكاديمية الدراسات الجوية أو البحرية فانه لاينطبق لا مع الغاية والغرض ولا مع المنهج والملاك .

لاحظ أنه لاأصل لما يشاع من أن الأكاديمية لها علاقة بالمدة من تاريخ الإنشاء أو عدد الطلاب... .

إن أكاديمية الدراسات والعلوم الجوية هو مصطلح يعبر عن مركز أو كيان أو مؤسسة بحثية واجبها التحقيق والبحث والتدقيق في علوم متعلقة بأبحاث الجو والفضاء , ومخرجاتها أبحاث ونظريات وتطبيقات جديدة أو محسنة, وليس طلبة بإختصاص طيارين وفنييى أرصاد أوفنييى هيكل ومحرك وراديو ورادار .

هكذا يفهم من المصطلح وليس بعيدا عن هذا المفهوم أكاديمية الدراسات البحرية فعند سماع كلمة الدراسات الجوية ينصرف الذهن إالى " ناسا "وأبحاث الفضاء والبحوث الجوية من تغير مناخ وتقلبات وأعاصير, وعند سماع الدراسات البحرية يخطر على البال العالم الفرنسي مخترع الرئة الأصطناعية سنة 1944 القبطان كوستو وأبحاثه تحت سطح الماء وفوقه بسفينته كاليبسو, فالدلالة ليست دقيقة إذ أن المصطلح لايعبر عن غرض وغاية و تنظيم وملاك الكيانين "الكلية البحرية والكلية الجوية".

نخلص إلى القول: إن واضعي المصطلحات والتعريفات يبذلون جهدا كبيرا, يتناول مراعاة الجانب القانوني و مراعاة الأدلجة "العقيدة والرؤية التاريخية أوالعوامل الإجتماعية والسياسية"والإستئناس والحماسة والإحماء ,ومراعاة أن يكون المصطلح جامعا مانعا كما يقال, فتكون دلالة المصطلح تشير الى مقصد المصطلح ومايتعلق به دون التباس "جامع", وتكون الدلالة مانعة بحيث لاتذهب الى موضوع أو مقصد آخر....

وبعد لم يكن العرب عندما كانوا يقودون الحضارة يتحسسون أو يأنفون من إبقاء المصطلح على لغته الأصلية إن رأوا ذلك أولى وأنسب وأكثر دلالة واحكاما, كما هو الحال في مصطلح "اصطرلاب" مثلا الذي بقي شاهدا على ان الاختراع غير عربي (مشتق من astronomy)التي تعني علم الفلك, وتمثلته اللغة كما تمثلت القنطار وصرفته "قناطير مقنطرة"وكذلك الدرهم والدينار وفي وقتنا لانرى غريبا أن نقول" مليون, وجيجا بايت, وميجا طن, وكيلو هرتز.... " .

من طرف **حبة مسك** 2012-05-17, 8:30 pm

مشكور على الافاضة القيمة والمعلومات الرائعة

قراءة في المصطلحات العسكريةوعبقرية اللغةالعربية(بقلم العضو)

قراءة في المصطلحات العسكريةوعبقرية اللغةالعربية(بقلم العضو)

رد: قراءة في المصطلحات العسكريةوعبقرية اللغةالعربية(بقلم العضو)