مقالات مختارة : بكم كيلو الوطنية ؟

(هذه المقالة التي كتبها الأستاذ عبدالرحمن الشاطر ونشرت أمس علي عدد من مواقع الأنترنت.تعبر عما يجول في فكر كثير من الليبين...لقد حول المستشار ومجلسه الأنتقالي وحكومته ثورة 17 فبراير من ثورة أحرار أنتفضوا في سبيل حريتهم إلي ثورة عبيد أنتفضوا من أجل المال, أو هكذا خيل للمستشار ومن معه, سواء قصدوا ذلك أو لم يقصدوا فالنتيجة واحدة أنهم يقومون بتحويل ثورتنا الي ثورة مقصدها كسب المال مقابل القضاء علي الروح الوطنية ....وستكون نتيجة ذلك كارثية علي هذا الوطن...تفضلوا وأقرؤا قبل أن يجرف تيار المال الجميع) :

لم نعد نسأل بكم كيلو اللحم أو أي نوع من الخضار.. بدأنا نسأل عن ثمن الوطنية والمواقف الثورية والتاريخ النضالي للشخص.
المجلس الوطني الانتقالي المؤقت أحدث نقلة موضوعية مهمة في مفاهيم التعامل مع الوطنيين والثوار والمناضلين. بدأ في اغداق المال عليهم كما لو أنه يوزع غنائم الحرب على الجميع.. فقد كافأ المواطنين العاديين باعطائهم منحة تبلغ آلاف الدينارات لكل كتيب عائلة.. وأعطى لحملة السلاح دون أن يتثبت من ماضيهم وعلاقتهم العضوية بالثورة عند قيامها أو طلب منهم تسليم السلاح في مقابل.. آلاف الدنانير أيضا.. وواصل مشروعه في اهدار المال العام فقرر منح تعويض لكل سجين سياسي ثمانية آلاف دينار عن كل شهر قضاه في السجن..
الوطنية يا اخوتي أصبح لها سعر وثمن.. فلا تسألوا بكم كيلو اللحمة بل اسألوا بكم كيلو الوطنية في هذا الزمن التعيس.
لا تطالبوا الحكومة بتعبيد طرقات أحيائكم التعيسة ولا ترميم وتجهيز عياداتكم ومستشفياتكم ومدارسكم وحتى مطاراتكم.. فالمجلس الوطني الانتقالي وحكومته الرشيدة يعملان ليلا نهارا لتوزيع الثروة عليكم عدا ونقدا.. وواصلوا حياتكم البائسة في دولة تغرق في وحل التخلف كل يوم.. كل ساعة.. وكل دقيقة.. وواصلوا شد الرحال الى دول الجوار شرقا وغربا وشمالا اذا أردتم علاجا أو تعليما لأطفالكم.. واصلوا فتح الاعتمادات المستندية لتصلكم البضائع من كل حدب وصوب لتستهلكوها في ايام معدودات.. في انتظار القادم من البواخر التي تشق عباب المحيطات والبحار لارضاء شغفكم ونهمكم للحياة الوديعة.
كل شيئ أصبح له ثمن ويقاس بمقياس الفلوس.. حتى الاقتتال بين مدننا مرده المال وكذلك الاستحواذ على المال العام شئنا أم أبينا. فالكل يسعى الى (هبر) ما يمكن (هبره) من هذه البقرة التي سقطت بين أيدينا فلم نرحمها بالعلاج بل انقضضنا عليها بسكاكيننا، الكل يريد نصيبه من لحمها ودمها.. وفي المساء نستلقي أمام التلفزيونات في بيوتنا أو في حلقات السمر أو في مقاهي (المكياطا) استراحة المحارب المغوار.. لنشاهد مقاطع من حرب التحرير والمعاناة القاسية التي عاناها أبطالنا.. شهداء وجرحى ومكلومين ومفزوعين تنهمر الدموع من مآقيهم.. نساء وأطفال وشيبا وشبابا وشابات تملؤ وجوههم شاشات الفضائيات الليبية.. نهز رؤوسنا الغبية في استحسان لما صنعوه. صنعوا لنا الحرية ووهبونا اياها في ملحمة تاريخية عظيمة لن تتكرر.. نستغرق في الاستماع الى الأغاني الوطنية ( نبو نعيشوا في حرية.. نبو نعيشوا في أمان) ونتبادل الأحاديث الصاخبة عن الوطنية.. ونتنافس في التعبير عن أينا يحب ليبيا أكثر من الآخر.. واينا أكثر غيرة على الوطن.. ونتساءل بحرقة.. كيف يمكن أنقاذ الوطن من هذا الذي يحدث له؟.
لم يسأل أي منا ماذا يمكن أن يعمل من اجل استقرار البلد ونزع فتيل الفتنة؟.. لم يسأل أي منا نفسه كيف يتقي الله في المال العام؟.. ويخشي الله في الحرمات.؟. اننا نكذب على أنفسكم ليلا لنمارس ضغائننا وأحقادنا ضد بعضنا البعض في النهار.
استوى الماء والخشب.. يريدون أن لا يكون لمناضل من مناضلينا الكثر مزية علينا.. ولا يريدون لثائر من ثوارنا الأشاوس مزية علينا. يريدون أن يشتروا الشرفاء بالمال.. يريدون أن يضعوا تسعيرة للوطني المخلص والثائر والمناضل.. يريدون أن يسرقوا منا أبطالنا.. يريدون أن يسرقوا منا التاريخ المشرف.. عندما يقررون ثمنا للمواقف الوطنية والثائرة والمناضلة.. يريد المجلس الوطني الانتقالي أن نقبض ثمن شرف النضال والجهاد ليساوونا باللحمة والبطاطا والسلاطة.
ثمانية آلاف دينار عن كل شهر قضاه مناضل في السجن. ثمن بخس يقرره المجلس الوطني الانتقالي.. شراء بخس لمحو ذاكرة تاريخ النضال الليبي.. ليتهم يدركون أنهم يوجهون اهانة بعطيتهم هذه الى المناضلين والشرفاء والثوار.. ليتهم يدركون أن أحفادنا سيلعنونهم لأنهم شوهوا تاريخ الجهاد الليبي ضد الطاغية.
لكل شئ ثمنا الا شرف النضال.. شرف الشهادة.. وشرف المواقف الوطنية الصادقة.
عد الى رشدك أيها المجلس الانتقالي.. وامحوا هذا العار الذي تريد أن ترتكبه بمسمع ومرأى منا جميعا نحن الذين نحب ليبيا.. نحن الذين لا نطلب ثمنا لمواقفنا الصادقة المدافعة عن حقنا في أن نعيش في وطننا بحرية متمتعين بالعدل والمساواة وحقوق الانسان.. هذه هي مكافأتنا وليس سعرنا.
اتقوا الله في هذا الوطن.. اتقوا الله في هذا الوطن. فأبطال النضال الليبي لا يشترون.. لأنهم يرفضون أن يبيعوا نضالهم بمال الدنيا.. تضحياتهم شرف وشهادة تكتب في سجل حسناتهم.. الله عز وجل وحده من سيكافئهم على أعمالهم.. وليس أنتم.
حفظ الله ليبيا
عبد الرحمن الشاطر
16 -6- 2012