الدور القطري و"تنابلة السلطان" الليبيين!!

المقال يعبر عن راى الكاتب

الدور القطري و"تنابلة السلطان" الليبيين!!
حسين التربي

بداية لابد من التنويه الى ضرورة الالتفات الى أن الحديث هنا عن حكومة قطر لا يعني الحديث عن شعب قطر الذي نكن له الحب والاحترام ونشكره على ما قدم لثورتنا من دعم خالص لوجه الله وبسم الاخوة والانسانية.
أخيراً صارحنا سيادة المستشار مصطفى عبد الجليل بجزء بسيط عن دور حكومة قطر في ليبيا.
ما ذكره السيد عبد الجليل عن تلقى بعض الليبيين لهبات وصدقات قطرية، وعن الوضع الأمني الهش وعرقلة بعض الجماعات التابعة لتيارات دينية معينة تأسيس الشرطة والجيش الوطني، وعن أن خطة تحرير العاصمة وضعت في قطر وبعض الامور الأخرى، كانت من الأشياء المعروفة لدى أغلبية الليبيين تقريباً. من الأشياء والمعطيات الأخرى التي لم تكن غائبة عن دائرة معلومات جزء كبير من الليبيين هو الدور القطري الغير معلن في ليبيا. كانت ولاتزال الشكوك تحوم حول دور حكومة قطر في الشأن الليبي وتساورنا..ثم أتى كلام السيد المستشار ليؤكد شكوك الشارع الليبي بخصوص دعم حكومة قطر لجماعة ليبية ضد جماعة ليبية أخرى.
لنفكر بدون تشنج وبدون عواطف رومانسية ولو للحظة بسيطة في معني قيام حكومة ما بدعم جماعة ما في دولة أخرى..ماذا يعني ذلك في العرف السياسي ومنطق الاصول الدبلوماسية الدولية؟ معلوماتي المتواضعة تقول أن ذلك يعتبر في كل الاعراف الدبلوماسية والدينية والاخلاقية تدخلاً سافراً في شؤون الآخرين..والا أنا غلطان؟
رحبنا بدعم حكومة قطر عندما كان –او اعتقدنا أن- ذلك الدعم كان لكل الشعب الليبي، لكننا اليوم نرفضه لأنه تحول الى دعم لجماعة ليبية معينة ومحددة ضد بقية الشعب وارادته.
في اعتقادي الشخصي وقد أكون مخطئاً، أن ذلك الدعم وذلك التدخل لن يتوقف الا بعد خلط نتائج واوراق انتخابات المؤتمر الوطني العام ومن ثم الخروج بنتيجة انتخابية ترضي رغبة و"رؤية" حكومة قطر لما يجب أن تكون عليه الأمور في ليبيا اليوم وفي المستقبل. نحمد الله على أننا لازلنا نثق بأخوتنا الشرفاء في المفوضية العليا للانتخابات وفي وطنيتهم التي لا يمكن لأحد مساومتهم عليها، لأنهم يدركون انه على عاتقهم تقع مسؤولية تاريخية وهي حماية قرار الشعب الليبي.
هذا ما اوصلنا اليه بعض ضعاف النفوس والطامعين في السلطة والمهرولين خلف الصدقات والهبات، لأننا تركناهم يؤمنون بأن ليبيا كعكة يمكنهم اقتسامها كما ومع من يريدون!
اِن ما تشهده ليبيا اليوم من انفلات أمني تدعمه بعض جماعات الاجندة الخفية وبعض الدول الشقيقة وللأسف، ما هو الا نتيجة حتمية لعوامل ومراحل مررنا بها قبل وخلال حرب تحرير ليبيا من قبضة آل القذافي، وعلى سبيل الذكر لا الحصر:
طيبة ليبية مفرطة..وهذا ليس عيباً في حد ذاته ولكن، كل الأشياء والامور والمشاعر والموازين والخصال هي خاضعة لقوانين الطبيعة وتدخل عقل وعاطفة البشر فيها..وعندما يزيد الشئ عن حده تعلمون أنه ينقلب الى ضده.
للأسف الشديد نحن لم نتعلم بعد كيف ومتى ولمن نقول لا. ولم نتعلم أنه عندما نؤمن بمنطقية "لا" وأن "لا" هي الصح، يجب أن نقولها برغم قسوتها وقسوة تبعياتها للقائد المخطئ..وللرئيس المتكبر..وللامام المتسلط..وللوزير الفاسد..وللموزعين الفرديين للفتاوي باِسم الدين..وللأمراء والملوك الأنانيين ولكل المتاجرين بملفات الجرحى والمصالحة الوطنية من اخوان وغير اخوان وسلفيين وعلمانيين وليبيراليين وبعثيين وغيرهم!
علينا أن ننسى الخصال البشرية المشوهة مثل الطيبة المفرطة والاندفاع العاطفي الغير موزون، وهذه ليست دعوة للتخلي عن الخصال الحميدة بل عن الخصال السلبية المشوهة.
العالم منذ زمن بعيد تحوّل الى عالم مصالح والكثير من الدول والحكومات والشركات الكبرى لا تهتم حقيقة بمشاعر الشعوب او حقوق الانسان الا من أجل المنظر فقط وبما يخدم مصالحها.. وهذا سبق وأن حدث معنا وجربناه عندما عقدت الدول الغربية صفقة "ام التعويضات اللوكربية" مع آل القذافي، وقيل أن القذافي تنازل ووافق على تخلي ليبيا عن اسلحة الدمار الشامل، ومع وصول التعويضات للمتضررين الغربيين وتدفق الغاز والبترول واموال الشعب الليبي لشريان الاقتصاد الغربي ولجيوب ملوك الوثنية في افريقيا، بدأت عملية تلميع صورة القذافي دولياً وتطبيع العلاقات السياسية معه بميزانية مهولة جداً كان من المفروض أن تبنى بها مستشفيات ومدارس وطرق ومكتبات ومطارات في طبرق والزاوية واجدابيا والخمس وبنغازي ودرنه ونالوت وسبها وفي الكفرة وغيرها من مدن الوطن المظلوم. ولم يهتم لا عربي ولا غربي لما يتعرض له الشعب الليبي من انتهاكات ومآسي. في ذلك الوقت العصيب، لم ينتبه مسؤولاً واحداً سوى كان قطرياً او مصرياً او تركياً او غربياً او شرقياً للمتضررين الليبين او من يعوضهم! الصراحة مفيدة ولا يوجد أفضل منها اذا اردنا تأسيس علاقات جيدة ومتينة مع الشعوب الآخرى: فهل سمعتم مثلاً عن صدور أي بيان ادانت فيه جامعة الدول العربية او مجلس التعاون الخليجي او الاتحاد الأفريقي او المغاربي او تجمع الساحل والصحراء مجزرة سجن بو سليم؟
أين كانت شفقة حكومة قطر على الليبيين؟ وأين كان كرم حكومة قطر في ذلك الوقت يا ترى؟
الى متى طيبة الليبي المفرطة تمنعه أن يتسائل: كتب الكثير من شيوخ الدين وتجار صفقات المصالحة من الساعين لتنفيذ الدور القطري في ليبيا عشرات البحوث والمقالات في الفقه واصول الدين والعبادة وفي الجهاد وفي تحريم هذا وفي تجريم وتخوين ذاك ونشروها في مواقع ليبيا وطننا وفي المنارة وفي ليبيا المستقبل وليبيا جيل وليبيا اليوم وفي اخبار ليبيا وفي السلفيوم وقورينا واويا وجليانه وذلك خلال سنين طويلة من عمر معاناة الشعب الليبي ولكن، لماذا لم يكتب اولئك الشيوخ المتعلمين والفقهاء الأجلاء والمتديين الملتزمين ولو سطرين عن محنة ليبيا وشعبها في ذلك الوقت؟ هل حضر احد منكم أي محاضرة او ندوة لشيخ من شيوخ الكولسة الدينية السياسية قبل 17 فبراير 2011 وتحدث فيها ذاك الشيخ الليبي الوطني الشجاع عن ظلم القذافي لليبيين؟ هل ادانت الاحزاب الدينية العربية بشاعة حكم القذافي؟
أين كانت مواقف حكومة قطر وتنابلة قصور امرائها من الليبيين في ذلك الوقت؟
الذين قاموا بالتفجيرات الأخيرة في بنغازي مهد الثورة، لماذا لم نسمع انهم حرقوا ولو صورة واحدة للقذافي قبل 17 فبراير2011؟
الشباب الشجعان الذين قاموا بتحطيم صنم الكتاب الأخضر في طبرق خلال الايام الاولى للثورة لم يكونوا ملتحين او سلفيين او من جماعة الاخوان او من هواة اصدار فتاوى الريموت كونترول ولم يصلهم درهما او دينارا واحداً لا من روما ولا من الدوحة ولا من القاهرة..كانوا مثلهم مثل اخوتهم الشجعان في بنغازي واجدابيا والزاوية وطرابلس ومصراته والزنتان وسبها شباباً واعياً ومتشوقاً للحرية وللديمقراطية وللانعتاق من قيود القائد وامير الجماعة ويسعون من اجل تأسيس ليبيا جديدة..ليبيا الحضارة والتقدم والنمو والعدالة وحرية الرأي..ليبيا الشباب المبدع والمتطلع لعهد جديد.
شباب سراويل الجينز والتي شيرت والانترنت والفيسبوك ومحاميي بنغازي هم من قاموا بالثورة وليس اصحاب السراويل القصيرة والملتحين ومنتجي الفتاوي بالجملة التابعين لمرشد او امير يقيم في مصر او السعودية او قندهار او في الدوحة..اولئك الشباب هم الذين اوصلوا خبر اندلاع الثورة الى العالم ونقلوا ما كان يحدث في ليبيا للعالم..شاهدوا أول فيديوات ثورة 17 فبراير وسترون أن اول من ركض باتجاه جبهات قتال الطاغية لم يكن ملتحياً ولم يكن يرتدي سروالاً قصيراً ولم يهبط علينا لا من دول الخليج ولا من افغانستان ولم يكن يحمل سوى حبه لوطنه وعلم الاستقلال وكان يكبّر "الله اكبر" بدون اجندات مخفية وبكل عفوية واخلاص وليس تستراً بالدين..لم يكن بين اولئك الشباب من عقد الصفقات السرية مع اي جهة اجنبية ولم يكن مرتدياً لجلباب الدين. نعم لقد شارك الكثير من المتدينين المخلصين لله وللوطن في الجهاد ضد قوات الطاغية بكل وطنية وتفاني وكانوا ليبيين مخلصين وشرفاء لم يركضوا وراء الغنائم والهبات القطرية او السلطة..شارك من يصلي ومن لا يصلي بدمائه في تحقيق النصر على الطاغية وبعد هدؤ الامور عاد اغلبيتهم الى حياتهم العادية من جديد وبدون عنطزة او تعالي على الليبيين او غطرسة وبدون سمسرة او استغلال لما قاموا به في الجبهات..كانت مشاركتهم الشجاعة في تحرير ليبيا خالصة لوجه الله ولليبيا وليس من اجل ايصال جماعة دينية معينة لتحكم ليبيا برؤية قطرية.
الوطنية ليست حكراً على أحد، والليبي الشريف لا يرضى لها أن تباع لا خلف ولا امام كواليس منابر "رؤية قطر"..والليبي الحر الشريف لن يرضى أن تباع "شوالات" الوطنية لا في الدوحة ولا في القاهرة ولا في اجنحة ريكسوس بتسعيرة تعتمد على مقدار ما يحمله المتسوق من انتماء لجماعة اخوان زعيط او اخوان امعيط!
تصبحو على وطن وتمسو على خير
حسين التربي

المقال يعبر عن راى الكاتب