سبب وجود العرب في برقه بقلم: الشيخ السنوسي 1938م

سبب وجود العرب في برقه
بقلم: الشيخ السنوسي محمد مولود الغزالي
طالب بالجامعه الازهريـه 1938م

كانت قبائل هلال وسليم في الجهة الشرقيه من نيل مصر بعد انفصالهم عن القرامطه الى ان اظلم الجو بين المعز بن باديس حاكم القيروان وبين المستنصر بالله الخليفه الفاطمي سنة 443هـ فقطع بن باديس الخطبه باسم المستنصر ودعا باسم القائم بأمر الله الخليفه العباسي، فبلغ ذلك الخبر المستنصر بالله الفاطمي فقامت قيامته وفاوض
وزيره ابامحمد في امر ابن باديس فاشار عليه بان يسرح العرب الذين بالصعيد ويستميل قلوب رؤسائهم بالعطاء وتوليتهم البلاد، فوقع ذلك الرأي من الخليفه الفاطمي موقعا عظيما وارسل وزيره الى احياء العرب وقابل امرائهم وارضخ لهم الهدايا واباح لهم اجازة النيل وقال لهم قد اعطيناكم المغرب وملك ابن باديس العبد الآبق وكتب وزير المستنصر الى ابن باديس يتوعده قائلا:
{اما بعد.. فقد اوفدنا اليكم خيولا فحولا وارسلنا عليها رجالا كهولا ليقضي الله امرا كان مفعولا} فعبرت العرب النيل وتوجهوا الى برقه فنزلوا بها واعجبتهم حالتها ثم خف امير العرب اذذاك وهو (مونس بن يحي الرياحي) ومعه ثلاثة الاف من فرسان العرب وصاروا الى القيروان، وعند وصولهم الى ضواحي طرابلس بلغ خبرهم ابن باديس فضاق صدره وجمع جموعه وخرج لمبارزة العرب بثلاثين الف مقاتل والتقى الجمعان في (جبل ميدران) فانهزم جيش ابن باديس وشتت العرب شملهم وذلك في سنة 449 هـ وقد قال شاعر العرب حينئذ وهو علي بن رزق الرياحي قصيده منها:
وان ابن باديس لأحزم مالك لعمري ولكن ما لديه رجـال
ثلاثة الف لنا هزمت لــــــه ثلاثيــــن الفـــا ان ذا لنكــال
ولما تم النصر للعرب قسموا البلاد بينهم بالقرعه فحصل لبني سليم شرقها ولبني هلال غربها وتوجه كل منهم الى مكان اقامته وكان من زعماء بني سليم اخوان احدهما يدعى الذئب وملقب بأبي الليل والثاني يدعى كعب وهما من بطن لبيد بن لعته بن جعفر بن كلاب بن ربيعه ابن عامر بن مالك بن زعب بن الناصر بن حفاف ابن قيس ابن بهنه ابن سليم ، فسكنا برقه وتناسلت ذريتهما في تلك الربوع فاولاد كعب هم اولاد سليمان ومعدان وما عطف عليهم واقامتهم بحدود برقه البيضاء الغربيه وما بعدها الى الصحراوات التي بتخوم طرابلس جنوبا، واما الذئب قد تزوج امرأه من زناته تدعى سعده واليها ينسبون السعادي، وولدت سعده من الذئب المذكور ثلاثة اولاد وهم : برغوث ، سلام، عقار ،فجاسوا خلال برقه وتناسلوا بها وكثر عددهم واتباعهم الى ان تحاسدوا وتفرقت كلمتهم فاتفق ابناء برغوث وابناء عقار علي ابناء سلام وبعد حرب طويله فر ابناء سلام وهاجروا الى الديار المصريه وهم الآن يقيمون بالشرقيه والزقازيق ويدعون [الهنادي وبني عونه] وهم اول من هاجر من برقه الى مصر ، وبقى ببرقه ابناء برغوث وابناء عقار، فابناء برغوث يقطنون الجهة الغربيه من برقه وابناء عقار يسكنون شرقها، ثم حصلت حروب بين ابناء برغوث ومن جراء ذلك هاجرت قبيلة الفوائد الى مصر وهي تقيم الآن بالصعيد والفيوم، ثم وقعت حرب ايضا بين بقية ابناء برغوث ونتج منها ان هاجر الجوازي الى مصر وهم الآن يقطنون بالصعيد غرب البحر البوسفي، ومن ذرية برغوث المذكور الاخوان الفاضلان فخرا العرب ومعدنا الجود والادب صاحب السعاده حمد الباسل باشا وصاحب العزه عبدالستار بك الباسل وهما ابناء محمود بن الباسل ابن صالح بن زيدان بن منصور الملقب بالتريريس ابن موسى الملقب بالضريوي بن ابراهيم بن محمد بن علي بن رمح بن فائد بن برغوث.
ثم ننتقل الى ثالث ابناء الذئب من سعده واليه تنسب القبيلتان اللتان كلامنا فيهما واسمه عقار كما مر وولد له ثلاثة اولاد وقيل اربعه اكبرهم حرب وبعده شريع وبعده علي والذئب علي والي علي تنسب القبيله المسماه باولاد علي والي شريع ينسبون الشرائع المقيمون الآن بفيوم مصر، وولد لحرب خمسة اولاد وقيل اربعه وهم حمد، ادريس ، حواس ، فائد، اعبيد، والى الاخير تنسب قبيلة العبيدات التي كتب عنها الكاتب وهذه قد وقع الحرب بينها وبين اولاد علي والسبب في ذلك ما ذكره الكاتب، الا ان اولاد علي لم يباشروا قتل الشيخ عبدالمولى بن واعر بل انهم وشوا عليه لدى حكومة وقتها بدرنه فسجن بها وفر من السجن مكبلا بالحديد فاقتفت اثره الحكومه باحثه عليه ومعها (النعيعيس) وهذا من اولاد علي فاهتدوا اليه في الغابه بقرب عقبة جوه فاخذوه الى درنه وقتلوه بها فترتب الحرب علي ذلك وانتصر حبيب بن عبد المولى ومن معه (3) على اولاد علي وشتت شملهم ولم يزل في اثرهم الى ان وصلوا الحدود المصريه ولهم في ذلك اشعار محفوظه عندهم ، وقبيلة العبيدات هي اعظم قبيله في برقه واكثرهم عدد ومنتشره في الجبل الاخضر وتملك اكثر من نصفه، وتنقسم هذه القبيله الى عمائر وبطون وافخاذ كثيره فقد شاهد الجهاد منهم 10000 في معسكر درنه تحت قيادة انور باشا وثمانية آلاف في معسكر طبرق تحت بقيادة ادهم بك وهذا العدد بالقرعه من كل ثلاثة واحد.
وبمناسبة ذكر هذه القبيله ارى لامانع من ذكر البعض منهم ومزاياهم الكريمه ، فان هذه القبيله باجمعها تذعن لرجل واحد اذا حضر المجلس لايخالفون رايه ويدعى الشيخ عبدالقادر بن ابريدان بن المبروك بن شولاك بن عبدالله بن عويضه ابن غيث بن عبد المولى بن واعر بن اعبيد وهو ابو القبيله المذكوره وهذا الرجل ، اعني الشيخ عبدالقادر بريدان ، وهو صاحب هيبه ووقار كانه الاسد وكثير الحرص على ابناء وطنه وقد عرفته وهو شيخ ادرد وكنت كثيرا ما اجالسه واساله على ما وقع في تلك الصقاع من الحروب التي يحفظها كانما حضرها بنفسه وهي متقدمه عليه بمئات السنين وقد سالته في سنة 1344هـ عما يبلغ من العمر فاخذ سبحته وطفق يعد { زرعنا في وادي كذا او في غوط كذا او في جهة كذا ومكثنا في كذا في جدب } الى ان بلغ السنة التي نحن فيها فعددنا ما في السبحه فوجدناه ستين سنه ومن المعلوم ان الزرع في تلك الجهات كل عام مرة واحده ، فبالتقريب وجدناه في نصف العقد الثامن والاميه سائده في احياء تلك القبائل فقليل من يوجد منهم من يحسن القراءه والكتابه لكنهم لهم اخلاق راقيه وكرم طبيعي جبلوا عليه من غير تعليم وهذا وفاقا لقول الشاعر:
حسن الحضارة مجلوب بتطريه وفي البداوة حسن غير مجلوب
ومن قبائل العبيدات على باشا العبيدي فانه ممن تلقوا العلم بالاستانه وذلك ان والده المرحوم حامد سعيد كان من اعز الاصدقاء لدى المرحوم الوالد فاشار عليه بأن يبعث احد ابنائه الى معهد الجغبوب والثاني الى الاستانه وقد فعل المرحوم الشيخ حامد ما اشار عليه المرحوم الوالد فرجع كل منهما متعلما ، فالذي تلقى العلم بمعهد الجغبوب هو الشيخ محمود حامد رجع فقيها بالسنه ويحفظ الكتاب عن ظهر غيب والثاني الذي تلقى العلوم بالاستانه اسمه علي باشا العبيدي المذكور وقد برع في ماهو بصدده وتخرج من الاستانه معه من الشهادات ما يخول له الاشتراك في خدمة البلاد ولم يزل متقدما من مرتبه الى ارفع منها حتى تحصل على رتبة (ميرمران) من الحكومة التركيه ولم يبرح في خدمة وطنه وترفيه حالها والذود عن كيانها ونسبه: علي باشا حامد بن سعيد بن سميع بن عقيله بن فكيرين سعيد بن ادريس بن عوكل بن عبيد وهذا ابو قبيلة العبيدات وفيه يجتمعان علي باشا العبيدي والشيخ عبدالقادر بن بريدان ولا يزالا بقيد الحياة لغاية كتابة هذه السطور, وقد بلغني ان الشيخ عبدالقادر بريدان اصبح مدقعا بعد ان كان من اغنياء العرب الذين يعدون على الاصابع بتلك الجهة.
هذه كلمه اجماليه اقولها في سكان برقه ولعلني اتيت بالمقصود ولم التهم حقهم عسى انني قمت ببعض الواجب نحوهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هذا المقال ارسله المؤلف الى مجلة ليبيا المصورة في عام 1938م من القرن الماضي تقريبا وهو يدرس بالجامعة الأزهرية واظن ان المجلة نشرته مبتورا [محمد]
(2)ربما يعني الاجيال اللاحقة. [محمد]
(3) يقصد المؤلف بمن معه قبائل مصراته وزليتن وتاجوراء الذين جاء بهم حبيب لنصره على اولاد علي وهي الحرب التي سميت ب (جردة حبيب ) وقد رواها المؤلف بالتفصيل في الجزء الاول الطبعة الاولى من كتابه السبك الحديث في تاريخ برقه القديم والحديث. القاهرة 1938م. وحذفت بالكامل من الطبعة الثانية(1973م.) بيروت التي اختصر عنوان الكتاب فيها الى (برقه قديما وحديثا) 1973م.[محمد]
( صورة نادرة و ذات قيمة توثيقية رائعة تكرم بإضافتها الى هذه الصفحة الكاتب و الاديب محمد السنوسى الغزالى و هى من ارشيف و الده الشيخ السنوسي الغزالي و قد التقطت هذه الصورة بالازهر الشريف بالقاهرة فى العام 1938 م لمجموعة من الطلبة آنذاك و هم من اليمين الى اليسار الشيوخ.." فضيل الزوي " ." احمد الغزالي" ." السنوسي الغزالي ." طالب.باكستانى " السيد الزبير احمد الشريف." السيد عبدالله احمد الشريف " )