إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
وثائق مخابرات القذافي 4
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
وثائق مخابرات القذافي 4
تواصل «الشرق الأوسط» نشر حلقات من وثائق مخابرات العقيد الليبي الراحل معمر القذافي. وتتناول الحلقة الرابعة محاولة المخابرات الليبية السابقة تجميل سياسات القذافي المقلقة لدول عربية وأفريقية، لكن يبدو أن ذلك كان بعد فوات الأوان. وبدا من صور الوثائق أن استمرار دعم النظام الليبي السابق لحركات انفصالية وإرهابية قابله في عام 2010 انخفاض في مشاركة الزعماء العرب في القمة العربية بمدينة سرت الليبية، وقيام السلطات الأوغندية بنزع صور القذافي من شوارع كمبالا أثناء انعقاد القمة الأفريقية هناك.
ويتضح من خلال صور الوثائق أيضا أنشطة ليبية كثيرة أغضبت عدة دول من بينها النشاط في شمال مالي، والذي يتضح منه أن عناصر في النظام السابق تسببت في نزع أسلحة الكثير من القبائل هناك، وفي المقابل سمحت بتزايد نفوذ تنظيم القاعدة وقياداته الهاربة من الجزائر، والتي كانت تقوم بعمليات اختطاف لرعايا أوروبيين، والمفاوضة على قتلهم أو الحصول على فدية مقابل إطلاق سراحهم، إضافة إلى التجارة في الكوكايين بين متشددين إسلاميين وبعض المسؤولين المحليين في شمال مالي مع حركة فارك الكولومبية اليسارية الانفصالية، بواسطة طائرات، ومهبط بدائي في الصحراء، وقوافل من سيارات الدفع الرباعي.
أمر التدخل في شؤون الدول الأخرى حدث أيضا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، حيث اضطر القذافي، إلى استضافة وفد من «المدن الصحراوية المغربية» بعد أن تعرض لانتقادات بسبب مساندته لجبهة البوليساريو التي لم يكن من المرحب بها من جانب المغرب في ذلك الوقت. هذا بالإضافة إلى مراسلات عن منح أموال ووساطات فيها وزراء ورؤساء أفارقة مقابل عمليات غامضة.
تحت عنوان «المحطات المنتظرة من زيارة الوفد الصحراوي (المغربي) للجماهيرية» توجد رسالة أعدها أحد عناصر الاستخبارات الليبية، وهو في نفس الوقت من أقارب العقيد الراحل معمر القذافي، واسمه «أ.م.أ.ق»، تعكس الخيط الرفيع الذي يمكن من خلاله أن يضغط القذافي على المغرب والجزائر، وفي نفس الوقت يبدو كمن يريد مساعدة هاتين الدولتين.
ويظهر مثل هذا الأسلوب في عدد آخر من الرسائل المتبادلة بين عناصر وعملاء للاستخبارات الليبية ومقر العقيد في «باب العزيزية» في طرابلس، خاصة بعد أن بدا أن الكثير من الدول العربية والأفريقية تضج من تدخلات النظام الليبي السابق في شؤونها، لا سيما في العامين الأخيرين من حكم القذافي، إلى أن انتهى الأمر بضعف إقبال الزعماء العرب على قمة سرت بليبيا في مارس (آذار) 2010. وبقيام السلطات في دولة أوغندا بنزع اللافتات المعلق عليها صور القذافي من شوارعها ومباني مؤسساتها، أثناء استعداده للتوجه إلى هناك لحضور القمة الأفريقية في كمبالا في يوليو (تموز) 2010.
ومن خلال الكثير من الأوراق الخاصة بمراسلات العملاء وتقارير المخابرات الليبية نفسها، يمكن أن تلمس إصرار النظام على السير على نفس النهج في ممارسة أنشطة على أراضي دول أخرى، وفي نفس الوقت الدفاع عن هذه الطريقة في العمل الذي يتعارض مع أبسط قواعد الدبلوماسية، تحت اسم المساعدة على عقد الصلح بين الفرقاء في هذه الدولة أو تلك. ويقول دبلوماسي يعيش خارج ليبيا حاليا، ممن عملوا عن قرب مع العقيد الراحل، إن هذا النوع من سياسات القذافي انتشر في مالي، والسودان، وإريتريا، واليمن، ومصر، والسنغال، والجزائر، والمغرب وغيرها، ما أغضب الكثير من الدول، وأثر بالسلب على علاقات ليبيا الخارجية خاصة فيما يتعلق بنشاط سفاراتها في تلك الدول.
وفي رسالة «أ.م.أ.ق»، تتجه سياسات القذافي هذه المرة إلى نزاع الصحراء. وكان القذافي يدعم «جبهة البوليساريو»، وهو أمر لم يكن مرحبا به من جانب المغرب.
يقول نص هذه الرسالة التي يعود تاريخها للثاني من يونيو (حزيران) 2009: «أولا: انتظارات القائد.. نعرف بأن الخيمة (مقر القذافي) لم تستقبل قبل هذا التاريخ أي وافدين من الصحراء أي من داخل المدن الصحراوية: العيون والداخلة وبوجدور وطرفاية وطانطان وغيرها (تجدر الإشارة إلى أن طرفاية وطانطان توجدان في المنطقة غير المتنازع عليها)، وهي مناسبة كي يستمع القائد (القذافي) إلى الجبهة الداخلية للصحراء بعدما كان دائما يستمع إلى جبهة البوليساريو، وهي نقطة مهمة ليستخلص الرجل موقفا متوازيا يكون بوابة للحديث عن الحلول الممكنة لقضية الصحراء».
ويريد القذافي هنا على ما يبدو أن يظهر بمظهر الوسيط النزيه. تضيف الرسالة: «لهذا ارتأينا أن يكون الوفد لا موسميا ولا احتفاليا ولا مظهرا إعلاميا، بل يكون وفدا يشكل حلقة لبداية تفان مستمر على طاولة الخبراء مع الذين سيكونون مصاحبين للوفد الصحراوي (المغربي)، لمزيد من التعمق في الطرح المغربي وللاستماع كذلك لاستنتاجات الحلول في طرح الليبيين دون استبعاد أن يكون هناك لقاء بين الأشقاء في المنطقة (الوحدويين والانفصاليين) على أرض الجماهيرية، وبيد مباركة (يد القائد) تشكلها خيمة الوحدة (خيمة معمر القذافي)، التي ظلت دائما ترفع شعارات التحدي في حل نزاع بؤر التوتر في المنطقة الأفريقية على الخصوص».
وتتابع الرسالة: «كذلك إتاحة الفرصة للقائد أن يعمل على خلق تقارب بين وجهات النظر في أفق حل المشكلة بشكل نهائي». وتشير الرسالة إلى أن الرأي العام في المغرب والجزائر لم يستوعب ما يريده القذافي بالضبط من تدخله في قضية الصحراء. وتقول: «ويوضح خطابه (أي خطاب القذافي) الذي بدا متناقضا لدى الرأي العام المغربي والجزائري من خلال لقائه الوفدين المغربي والجزائري مؤخرا والذي فسر بغير شيء من الود من الطرفين اللذين اعتبرا أن القائد يجامل وليس له وضوح في الرؤية فيما يخص قضية الصحراء، وهي فرصة للقائد أن يستمع لأهل الصحراء من شيوخ قبائل، وفعاليات نسائية وشبابية، ليكون هذا الاستماع أرضية لدعوة الصحراويين إلى البدء في بناء مؤسساتهم والعمل على تنمية المنطقة، وتثبيت السلم والسلام، والتفكير في التنمية المستدامة وخلق فرص الشغل والسكن والعيش الكريم لساكني المنطقة. ودعم هذا الجهد التنموي من طرف الجماهيرية انسجاما مع مخططاتها التنموية في أفريقيا ككل لسد الباب أمام كل أطماع أجنبية تريد أن تجعل من المغرب العربي محطة عسكرية لوجستيكية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة».
وفيما يتعلق بسياسة ليبيا في مالي، تكشف الوثائق أيضا عن نشاط غريب يسير على محورين.. المحور الأول يعمل على تفريغ منطقة شمال مالي من الجماعات القبلية المسلحة، والمحور الثاني، في المقابل، يعمل على تعزيز قدرات الجماعات الإسلامية المتشددة وعلى رأسها تنظيم القاعدة، الذي كان في ذلك الوقت قد بدأ ينشط عبر الحدود الجزائرية - المالية، ويقوم بعمليات اختطاف لرعايا أوروبيين، والمفاوضة على قتلهم أو الحصول على فدية مقابل إطلاق سراحهم.
ولا تبين الوثائق الهدف من هذه الخلخلة التي أحدثتها سياسات القذافي في شمال مالي، والتي أدت في نهاية المطاف إلى زيادة قدرات تنظيم القاعدة ما دفع الحكومة المالية، في نهاية المطاف للاستعانة بفرنسا من أجل كبح جماح المسلحين القادمين من عدة دول مجاورة لمالي. لكن مجالات العمل الليبي في شمال مالي، تظهر أن هناك أكثر من فريق يحاول الحصول على مكاسب من النشاط الليبي هناك. وبشكل عام أثارت تصرفات القذافي حفيظة جيرانه، خاصة دولة الجزائر، التي ينتمي إليها مطلوبون من قادة تنظيم القاعدة ممن وجدوا أرضا خصبة للتحرك والعمل في صحراء شمال مالي.
ويبين شريط فيديو منسوب لأحد عملاء مخابرات القذافي قافلة من نحو 150 من سيارات الدفع الرباعي من نوع «تويوتا» محملة بما يبدو أنه بضائع تخص الجماعات الإسلامية المسلحة المنتشرة في شمال مالي وجنوب الجزائر، ويشير تقرير آخر إلى أن هذه السيارات كانت تحاول إمداد طائرات ركاب ليبية، صغيرة وكبيرة، بالوقود، وتسلم ما فيها من مخدرات، بعد أن جاءت من دول بأميركا الجنوبية محملة بأطنان من مخدر الكوكايين، لصالح متشددين إسلاميين في شمال مالي ضمنهم قيادي جزائري معروف في التنظيم، ويشارك في إتمام هذه الصفقات بعض المسؤولين المحليين في مالي، وعناصر من دول أخرى مجاورة. أما فيما يتعلق بتدخل القذافي في شمال مالي وهو ما أزعج السلطات الجزائرية، فيرد ذكره في عدة تقارير ومراسلات، منها تقرير أعدته المخابرات الليبية للقذافي لكي يدافع به عن نفسه بعد أن تحدث معه بعض الزعماء العرب عن قلق دول مجاورة لمالي من تدخلاته، وهي ثاني عملية تبرير لسياسات القذافي يعدها له جهاز مخابراته خلال عام. أما موضوع التبرير الأول لتصرفات القذافي فيعود للشهور التي سبقت انعقاد القمة العربية في سرت، إلا أن تلك التبريرات لم تقنع، على ما يبدو، الزعماء العرب خاصة أولئك الذين لم يحضروا القمة.
التقرير يخص نشاط مخابرات القذافي مع المسلحين في مالي. ويرجع تاريخه إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2010 ويعطي في البداية انطباعا بأن ليبيا ضد «خطر تنظيم القاعدة» في تلك المنطقة، خاصة بعد أن ظهر قائد فرع الصحراء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (جزائري الجنسية)، وهو يتحرك بحرية في المنطقة الحدودية هناك، وتم رصد مجموعاته المسلحة وعربات الدفع الرباعي التابعة له على بعد نصف ساعة بالسيارة من إحدى أهم قواعد الجيش في شمال مالي.
ومن المعروف أن أساس نشأة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تعود في الأصل للحركة الإسلامية المسلحة التي بدأت بعد إلغاء الحكومة الجزائرية للجولة الثانية من الانتخابات التي أظهر فيها الإسلاميون تقدما عام 1992. لكن إرهاصات العمل المسلح هناك تعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بنحو عشر سنوات على يد مجاهدي حركة مصطفى بو يعلى، التي حاولت قلب نظام الحكم بالجزائر عام 1982.
ومع أن حركة بو يعلى تم القضاء عليها تقريبا بحلول عام 1987. فإن أتباعها كان لهم الدور الكبير في العودة للعمل المسلح بعد إلغاء انتخابات 1992. وانخرط في الموجة الجديدة من العمليات المسلحة ضد الحكومة الجزائرية قيادات ممن سبق وأسسوا في أفغانستان «الجماعة الإسلامية المسلحة»، وأعلنوا فيما بعد موالاتهم لتنظيم القاعدة.
ويحاول التقرير أيضا أن يعطي انطباعا بأن ليبيا متضررة من الجماعات المسلحة الجزائرية، بقوله إن أول من انخرط مع المسلحين الإسلاميين الجزائريين كانت المجموعة الليبية العائدة حديثا من أفغانستان في ذلك الوقت. ويضيف أنه تبع ذلك وقوع الكثير من الانشقاقات داخل المجموعات المسلحة (وقادتها من الأفغان الجزائريين والليبيين)، إلى أن تم الإعلان عن «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي انضمت لتنظيم القاعدة في خريف عام 2006. ثم تغير اسمها في عام 2007 إلى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
ويتطرق التقرير إلى تنامي نفوذ المسلحين على الحدود الجزائرية الجنوبية مع مالي، في وقت كانت فيه الكثير من دول العالم تستشعر خطورة الوضع في تلك المنطقة المهمة من غرب أفريقيا، وانتشار عمليات خطف الرعايا الأجانب، من سياح وموظفين، خاصة من الفرنسيين والبريطانيين. وهنا يرد النظام الليبي السابق في التقرير المشار إليه قائلا وفقا، لصور الوثائق، إنه يعمل جاهدا من أجل عقد المصالحات بين المسلحين هناك، وأنه يخشى من خطر تدويل الأوضاع في شمال مالي، بل اتهم دولا عربية مجاورة لمالي بأنها هي التي تتبع سياسة ضد الاستقرار من خلال استمرارها في استفزاز تنظيم القاعدة بشن الهجمات عليه. وتكشف الوثائق عن أن النظام الليبي السابق كان قد تمكن من جمع أسلحة لقبائل في تلك المنطقة، وهو أمر يبدو أنه أسهم في تسهيل حركة تنظيم القاعدة، ومسؤولين محليين بالمنطقة يبدو أيضا أنهم كانوا يتعاونون مع مخابرات القذافي، إلى الحد الذي تتمكن فيه من تهيئة مدارج صالحة لهبوط وإقلاع طائرات ركاب صغيرة وكبيرة، وتفريغ شحناتها من أطنان الكوكايين ثم نقلها بسيارات الدفع الرباعي إلى أصحابها.
حدث ذلك في وقت كان فيه رجال المخابرات الليبية في عهد القذافي قد تمكنوا من جميع أسلحة القبائل هناك تحت شعار «إلقاء السلاح والاندماج في المجتمع المالي». وكان القائم على هذه العملية رجلا يدعى «م.ك»، وهو من الطوارق ويحمل الجنسية الليبية، وكتب ما لا يقل عن عشرين رسالة لمخابرات القذافي منها ما يدور عن خطوات نزع السلاح خلال أعوام 2008 و2009 و2010، من قبائل شمال مالي في منطقة قاوا «عرب تلمسيي» وفي منطقة تمبكتو «البربيش»، وفي منطقة فافا قبيلتا «قنديكوي» و«الفلان».
وبالتزامن مع عمليات نزع السلاح من قبائل في شمال مالي، كانت عمليات تجرى على قدم وساق لزيادة نفوذ تنظيم القاعدة هناك. وتتحدث الوثيقة التي تحمل عنوانا خارجيا «حرق طائرة»، وعنوانا داخليا «مـــذكرة عــــــرض 35»، عن عملية تهريب الكوكايين لصالح جماعات مسلحة منها جبهة فارك المتمردة على الحكومة الكولومبية، وعناصر من تنظيم القاعدة في شمال مالي، والحركات السلفية الجهادية المنتشرة في تلك المنطقة، بالاشتراك مع عناصر أخرى تنتمي لعدة دول منها النيجر وبوركينافاسو، وبلغت قيمة واحدة من صفقات الكوكايين نحو نصف مليار دولار.
واقترن النشاط الليبي في مالي بأنشطة أخرى في عدة دول أفريقية وعربية، خاصة في السنوات الأربع الأخيرة قبل سقوط نظام القذافي. وتقول رسالة مرسلة من أحد عملاء مخابرات القذافي في صيف 2010، من السودان يدعى «ز.أ»، وهو ينقل معلومات استقاها من أحد الوزراء السودانيين عن رئيس دولة أفريقية مجاورة للسودان: «يقول الدكتور (..) إن (..) رئيس (..) طلب مبلغ 50 مليون دولار قبل البدء في العمل لضمان جدية العمل، وهو على استعداد لتجهيز القوات والمعسكرات والمشاركة في العمل. رأيي أن توجه إليه دعوة للحضور إلى الجماهيرية ومقابلة القائد».
ويضيف العميل «زهير» متحدثا عن الوزير السوداني نفسه: «الدكتور (..) يرغب في الحضور إلينا عن طريق القاهرة، وطلب مني الحضور إلى القاهرة لإحضاره».
ثم يضيف في البند الثالث من الرسالة متحدثا عن شخص يدعى عبد الفتاح، قائلا: «(ع) يعرف مجموعة من الضباط الأوغنديين، وسوف أعطيه مصروفاته للذهاب إلى أوغندا لإحضارهم إلى مقديشو (في الصومال) لمقابلتهم هناك».
ومن المعروف أن هذه الفترة شهدت قيام حركة شباب المجاهدين الصومالية بتنفيذ تفجيرات في كمبالا في دولة أوغندا أودت بحياة 74 شخصا. لكن لا توجد أي إشارة صريحة عن علاقة الرسالة السالفة الذكر بهذا التفجير، وإن كانت تظهر تنوع التدخلات الليبية وغرابتها في أفريقيا وغيرها. وتتحدث رسالة أخرى موقعة من اثنين من رجال الاستخبارات الليبية هما «ب.ص»، و«ع.م»، عن التدخل الليبي في قضية بين الحكومة النيجيرية وفصائل من المعارضة الطوارقية، ويظهر من خلال الرسالة نفسها غضب حكومات دول أخرى كالجزائر وموريتانيا من تدخلات القذافي، ونشاط أجهزته المحموم في شؤون حكومات الدول الأفريقية ومعارضيها.
وتقول الرسالة بخصوص لقاء القذافي مع مسؤول من الحكومة النيجيرية وفضائل المعارضة: «قبل اللقاء كان هناك خلاف شديد بين مطالب فصائل المعارضة والحكومة من جهة، وكذلك وجود خلاف بين الفصائل الثلاثة حيث إن أحد الفصائل لا تريد الجلوس في طاولة واحدة مع الفصائل الأخرى. ونظرا لتعثر الجهود في التغلب على الخلاف كان من وجهة نظرنا يتم لقاء هذه الفصائل والوفد الحكومي معا برعاية الأخ القائد. وكان الغرض من اللقاء هو الضغط على الفصائل وإحراج الحكومة لقبولها الحوار. وهذه أول خطوة تمهد لإتمام عملية السلام الحقيقي ولكن نخشى من بعض الفصائل أن تحرج الوفد الحكومي أو العكس الأمر الذي قد ينعكس على الحوار والمفاوضات».
وتواصل الرسالة قائلة: «ورأينا أن السلام يحتاج إلى سرية تامة حتى لا يتآمر عليه آخرون لهم مصالح في وجود هذه الفصائل، والدليل رد الفعل الذي قامت بها الحكومة الجزائرية في تمنراست بعدم السماح لأعضاء فصيل جبهة المعارضة النيجيرية التي يرأسها (إياد آغ) غالي، بالإقامة وأبلغتهم بالخروج من البلاد خلال 24 ساعة. وكان هذا بعد إذاعة اللقاء الذي جرى مع الأخ القائد».
وتمضي الرسالة موضحة: «وبما أن وجهات النظر كانت مختلفة بين المجموعات تجنبنا عدم حضور وسائل الإعلام الأخرى حتى تكون هناك شفافية في الحديث.. وحتى لا يتكرر ما حصل في موريتانيا. وكان من وجهة نظرنا أن يتم التركيز الإعلامي على المهرجان الختامي الذي يقام في مدينة أغاديس، شمال النيجر، والذي يسمى (مهرجان السلام) عن عودة كل الفصائل وتسليمها للسلاح، والإعلان عن سلام حقيقي». ويبدو أن محاولات القذافي للظهور بمظهر ملك ملوك أفريقيا، ورئيس القارة السوداء وإمام المسلمين، وعميد الحكام العرب، وكذا محاولات فرض نظرياته وتدخلاته في مشكلات تخص دولا أخرى، لم تكن تلقى ارتياحا عند الكثيرين. ويتضمن تقرير آخر مطول مقدم للقذافي من جانب وحدة المعلومات السرية التابعة له، الطريقة التي يرد بها على من يتهمون نظامه بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، بما في ذلك دعوته لاستعادة «الدولة الفاطمية»، ودعوته لعناصر يمنية لليبيا وتشجيعها على الانحياز للشيعة الحوثيين الذين كانت التقارير تقول إنهم مدعومون من إيران أيضا.
ونعود للتقرير الذي قدمه رجال الاستخبارات الليبية للقذافي لتوضيح سبب الانتقادات الإعلامية والدينية الموجهة إليه مع ملاحظة أن التقرير نفسه لا يغفل تمجيد القذافي وأفعاله، وكأنه يشجعه على المضي قدما في السياسات التي يتبعها، قائلا: «أما ما يخص الملاحظات على بعض نشاطات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية (الليبية) فالمتابع لهذه الجمعية، ومنذ تأسيسها يلحظ مدى التزامها بمنظومة الأخلاق القرآنية، وحرصها على وحدة الأمة الإسلامية، خاصة أنها لا تعمل في الخفاء». ويضيف: «أما الملاحظة حول نشاط مركز (..) للدراسات والبحوث فهو مركز دراسات وبحوث مصري لا علاقة لنا به، ولا يعمل فيه أي عنصر ليبي ولا يتلقى منا أي مساعدات، وهو موجود منذ فترة ليست بالقصيرة (..) وعرف أصحابه بأهدافهم الخاصة في الشأن المصري، ودفاعهم عن فلسطين، وتعبيرهم علنا عن إعجابهم بحزب الله وبالمقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس، ويقيمون الندوات في مختلف الشؤون التي يشارك فيها العلماء والاستراتيجيون وفقهاء شؤون الأمة. ولم يحضر ندواته أي عنصر ليبي أو محسوب على الجماهيرية».
ويدافع التقرير الليبي عن مركز آخر أثار استياء بعض الدول تديره امرأة ليبية كانت من الحلقة القريبة من القذافي وجهاز استخباراته. ويقول: «أما ما ذكر حول مركز (..) فهو مركز ثقافي إعلامي أسس بطرابلس سنة 2006، وله نشاطات إعلامية كثيرة في الداخل مما دعا مسؤوليه إلى التفكير في فتح فرع له في دبي سنة 2008، وهو ما لم يحدث لأسباب إدارية ومالية، وتديره واحدة من العناصر الليبية المعروفة»، ويقول إن المركز ليس له أي علاقة بنشاطات تهدف إلى إساءة العلاقة بين ليبيا والدول الأخرى.
من جهة أخرى, وقبل يومين من انعقاد القمة الأفريقية في كمبالا في دولة أوغندا عام 2010، وردت رسالة من أحد العملاء يدعى «أبو ذر»، والرسالة مرسلة إلى رجل في المخابرات الليبية يدعى «أبو هريرة»، وهي مكتوبة بخط عربي ركيك ومؤرخة بيوم 23 يوليو، تحت عنوان «أفراد أجهزة الأمن الأوغندية ينزلون صور القائد». وتضيف: «في عملية أثارت استغراب الجميع قام أفراد الأمن الأوغندي بإزالة جميع اللافتات والصور الخاصة بالقائد التي كانت قد وضعت على الطرق ووسط شوارع كمبالا».
وتواصل الرسالة قائلة: «وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يستغربون ذكر أحد المسؤولين الأمنيين، والذي رفض ذكر اسمه، بأنه لا يجوز تعليق صور رئيس واحد والبلد يستضيف عددا من الرؤساء. وتساءل لماذا هذه اللافتات التي تمدح القائد وغيره كثير من الرؤساء سيزورون البلاد. وهنا بدأوا ينزلونها وأصدروا أوامر إلى جميع الهيئات التي كانت قد علقت هذه اللافتات والصور بعدم تعليقها مرة ثانية. وقد تناول عدد من الإذاعات المسموعة هذا الموضوع في أخبارها الصباحية اليوم. نوافيكم بالتطورات لاحقا. أبو ذر».
صورة مأخوذة من شريط فيديو كان محفوظا لدى مخابرات القذافي عن موكب سيارات تقول التقارير إنه لمتشددين إسلاميين كانوا في شمال مالي
رسالة عميل الاستخبارات الليبية يدعى «أبو ذر» مرسلة إلى مسؤول أمني ليبي يلقب نفسه بـ«أبو هريرة»
تقرير أعدته الاستخبارات للقذافي ليرد به على غضب عدة دول من تدخلاته في شؤونها
صورة أخرى من تقرير يبرر سياسات القذافي التي أثارت حفيظة عدد من الدول العربية والأفريقية
صفحة إضافية من التقرير نفسه ويبدو فيه ذكر لبدء عدة دول اتخاذ إجراءات ضد تحركات عملاء النظام الليبي السابق خاصة في 2010
ويتضح من خلال صور الوثائق أيضا أنشطة ليبية كثيرة أغضبت عدة دول من بينها النشاط في شمال مالي، والذي يتضح منه أن عناصر في النظام السابق تسببت في نزع أسلحة الكثير من القبائل هناك، وفي المقابل سمحت بتزايد نفوذ تنظيم القاعدة وقياداته الهاربة من الجزائر، والتي كانت تقوم بعمليات اختطاف لرعايا أوروبيين، والمفاوضة على قتلهم أو الحصول على فدية مقابل إطلاق سراحهم، إضافة إلى التجارة في الكوكايين بين متشددين إسلاميين وبعض المسؤولين المحليين في شمال مالي مع حركة فارك الكولومبية اليسارية الانفصالية، بواسطة طائرات، ومهبط بدائي في الصحراء، وقوافل من سيارات الدفع الرباعي.
أمر التدخل في شؤون الدول الأخرى حدث أيضا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، حيث اضطر القذافي، إلى استضافة وفد من «المدن الصحراوية المغربية» بعد أن تعرض لانتقادات بسبب مساندته لجبهة البوليساريو التي لم يكن من المرحب بها من جانب المغرب في ذلك الوقت. هذا بالإضافة إلى مراسلات عن منح أموال ووساطات فيها وزراء ورؤساء أفارقة مقابل عمليات غامضة.
تحت عنوان «المحطات المنتظرة من زيارة الوفد الصحراوي (المغربي) للجماهيرية» توجد رسالة أعدها أحد عناصر الاستخبارات الليبية، وهو في نفس الوقت من أقارب العقيد الراحل معمر القذافي، واسمه «أ.م.أ.ق»، تعكس الخيط الرفيع الذي يمكن من خلاله أن يضغط القذافي على المغرب والجزائر، وفي نفس الوقت يبدو كمن يريد مساعدة هاتين الدولتين.
ويظهر مثل هذا الأسلوب في عدد آخر من الرسائل المتبادلة بين عناصر وعملاء للاستخبارات الليبية ومقر العقيد في «باب العزيزية» في طرابلس، خاصة بعد أن بدا أن الكثير من الدول العربية والأفريقية تضج من تدخلات النظام الليبي السابق في شؤونها، لا سيما في العامين الأخيرين من حكم القذافي، إلى أن انتهى الأمر بضعف إقبال الزعماء العرب على قمة سرت بليبيا في مارس (آذار) 2010. وبقيام السلطات في دولة أوغندا بنزع اللافتات المعلق عليها صور القذافي من شوارعها ومباني مؤسساتها، أثناء استعداده للتوجه إلى هناك لحضور القمة الأفريقية في كمبالا في يوليو (تموز) 2010.
ومن خلال الكثير من الأوراق الخاصة بمراسلات العملاء وتقارير المخابرات الليبية نفسها، يمكن أن تلمس إصرار النظام على السير على نفس النهج في ممارسة أنشطة على أراضي دول أخرى، وفي نفس الوقت الدفاع عن هذه الطريقة في العمل الذي يتعارض مع أبسط قواعد الدبلوماسية، تحت اسم المساعدة على عقد الصلح بين الفرقاء في هذه الدولة أو تلك. ويقول دبلوماسي يعيش خارج ليبيا حاليا، ممن عملوا عن قرب مع العقيد الراحل، إن هذا النوع من سياسات القذافي انتشر في مالي، والسودان، وإريتريا، واليمن، ومصر، والسنغال، والجزائر، والمغرب وغيرها، ما أغضب الكثير من الدول، وأثر بالسلب على علاقات ليبيا الخارجية خاصة فيما يتعلق بنشاط سفاراتها في تلك الدول.
وفي رسالة «أ.م.أ.ق»، تتجه سياسات القذافي هذه المرة إلى نزاع الصحراء. وكان القذافي يدعم «جبهة البوليساريو»، وهو أمر لم يكن مرحبا به من جانب المغرب.
يقول نص هذه الرسالة التي يعود تاريخها للثاني من يونيو (حزيران) 2009: «أولا: انتظارات القائد.. نعرف بأن الخيمة (مقر القذافي) لم تستقبل قبل هذا التاريخ أي وافدين من الصحراء أي من داخل المدن الصحراوية: العيون والداخلة وبوجدور وطرفاية وطانطان وغيرها (تجدر الإشارة إلى أن طرفاية وطانطان توجدان في المنطقة غير المتنازع عليها)، وهي مناسبة كي يستمع القائد (القذافي) إلى الجبهة الداخلية للصحراء بعدما كان دائما يستمع إلى جبهة البوليساريو، وهي نقطة مهمة ليستخلص الرجل موقفا متوازيا يكون بوابة للحديث عن الحلول الممكنة لقضية الصحراء».
ويريد القذافي هنا على ما يبدو أن يظهر بمظهر الوسيط النزيه. تضيف الرسالة: «لهذا ارتأينا أن يكون الوفد لا موسميا ولا احتفاليا ولا مظهرا إعلاميا، بل يكون وفدا يشكل حلقة لبداية تفان مستمر على طاولة الخبراء مع الذين سيكونون مصاحبين للوفد الصحراوي (المغربي)، لمزيد من التعمق في الطرح المغربي وللاستماع كذلك لاستنتاجات الحلول في طرح الليبيين دون استبعاد أن يكون هناك لقاء بين الأشقاء في المنطقة (الوحدويين والانفصاليين) على أرض الجماهيرية، وبيد مباركة (يد القائد) تشكلها خيمة الوحدة (خيمة معمر القذافي)، التي ظلت دائما ترفع شعارات التحدي في حل نزاع بؤر التوتر في المنطقة الأفريقية على الخصوص».
وتتابع الرسالة: «كذلك إتاحة الفرصة للقائد أن يعمل على خلق تقارب بين وجهات النظر في أفق حل المشكلة بشكل نهائي». وتشير الرسالة إلى أن الرأي العام في المغرب والجزائر لم يستوعب ما يريده القذافي بالضبط من تدخله في قضية الصحراء. وتقول: «ويوضح خطابه (أي خطاب القذافي) الذي بدا متناقضا لدى الرأي العام المغربي والجزائري من خلال لقائه الوفدين المغربي والجزائري مؤخرا والذي فسر بغير شيء من الود من الطرفين اللذين اعتبرا أن القائد يجامل وليس له وضوح في الرؤية فيما يخص قضية الصحراء، وهي فرصة للقائد أن يستمع لأهل الصحراء من شيوخ قبائل، وفعاليات نسائية وشبابية، ليكون هذا الاستماع أرضية لدعوة الصحراويين إلى البدء في بناء مؤسساتهم والعمل على تنمية المنطقة، وتثبيت السلم والسلام، والتفكير في التنمية المستدامة وخلق فرص الشغل والسكن والعيش الكريم لساكني المنطقة. ودعم هذا الجهد التنموي من طرف الجماهيرية انسجاما مع مخططاتها التنموية في أفريقيا ككل لسد الباب أمام كل أطماع أجنبية تريد أن تجعل من المغرب العربي محطة عسكرية لوجستيكية لتنفيذ مخططاتها في المنطقة».
وفيما يتعلق بسياسة ليبيا في مالي، تكشف الوثائق أيضا عن نشاط غريب يسير على محورين.. المحور الأول يعمل على تفريغ منطقة شمال مالي من الجماعات القبلية المسلحة، والمحور الثاني، في المقابل، يعمل على تعزيز قدرات الجماعات الإسلامية المتشددة وعلى رأسها تنظيم القاعدة، الذي كان في ذلك الوقت قد بدأ ينشط عبر الحدود الجزائرية - المالية، ويقوم بعمليات اختطاف لرعايا أوروبيين، والمفاوضة على قتلهم أو الحصول على فدية مقابل إطلاق سراحهم.
ولا تبين الوثائق الهدف من هذه الخلخلة التي أحدثتها سياسات القذافي في شمال مالي، والتي أدت في نهاية المطاف إلى زيادة قدرات تنظيم القاعدة ما دفع الحكومة المالية، في نهاية المطاف للاستعانة بفرنسا من أجل كبح جماح المسلحين القادمين من عدة دول مجاورة لمالي. لكن مجالات العمل الليبي في شمال مالي، تظهر أن هناك أكثر من فريق يحاول الحصول على مكاسب من النشاط الليبي هناك. وبشكل عام أثارت تصرفات القذافي حفيظة جيرانه، خاصة دولة الجزائر، التي ينتمي إليها مطلوبون من قادة تنظيم القاعدة ممن وجدوا أرضا خصبة للتحرك والعمل في صحراء شمال مالي.
ويبين شريط فيديو منسوب لأحد عملاء مخابرات القذافي قافلة من نحو 150 من سيارات الدفع الرباعي من نوع «تويوتا» محملة بما يبدو أنه بضائع تخص الجماعات الإسلامية المسلحة المنتشرة في شمال مالي وجنوب الجزائر، ويشير تقرير آخر إلى أن هذه السيارات كانت تحاول إمداد طائرات ركاب ليبية، صغيرة وكبيرة، بالوقود، وتسلم ما فيها من مخدرات، بعد أن جاءت من دول بأميركا الجنوبية محملة بأطنان من مخدر الكوكايين، لصالح متشددين إسلاميين في شمال مالي ضمنهم قيادي جزائري معروف في التنظيم، ويشارك في إتمام هذه الصفقات بعض المسؤولين المحليين في مالي، وعناصر من دول أخرى مجاورة. أما فيما يتعلق بتدخل القذافي في شمال مالي وهو ما أزعج السلطات الجزائرية، فيرد ذكره في عدة تقارير ومراسلات، منها تقرير أعدته المخابرات الليبية للقذافي لكي يدافع به عن نفسه بعد أن تحدث معه بعض الزعماء العرب عن قلق دول مجاورة لمالي من تدخلاته، وهي ثاني عملية تبرير لسياسات القذافي يعدها له جهاز مخابراته خلال عام. أما موضوع التبرير الأول لتصرفات القذافي فيعود للشهور التي سبقت انعقاد القمة العربية في سرت، إلا أن تلك التبريرات لم تقنع، على ما يبدو، الزعماء العرب خاصة أولئك الذين لم يحضروا القمة.
التقرير يخص نشاط مخابرات القذافي مع المسلحين في مالي. ويرجع تاريخه إلى شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2010 ويعطي في البداية انطباعا بأن ليبيا ضد «خطر تنظيم القاعدة» في تلك المنطقة، خاصة بعد أن ظهر قائد فرع الصحراء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (جزائري الجنسية)، وهو يتحرك بحرية في المنطقة الحدودية هناك، وتم رصد مجموعاته المسلحة وعربات الدفع الرباعي التابعة له على بعد نصف ساعة بالسيارة من إحدى أهم قواعد الجيش في شمال مالي.
ومن المعروف أن أساس نشأة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تعود في الأصل للحركة الإسلامية المسلحة التي بدأت بعد إلغاء الحكومة الجزائرية للجولة الثانية من الانتخابات التي أظهر فيها الإسلاميون تقدما عام 1992. لكن إرهاصات العمل المسلح هناك تعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بنحو عشر سنوات على يد مجاهدي حركة مصطفى بو يعلى، التي حاولت قلب نظام الحكم بالجزائر عام 1982.
ومع أن حركة بو يعلى تم القضاء عليها تقريبا بحلول عام 1987. فإن أتباعها كان لهم الدور الكبير في العودة للعمل المسلح بعد إلغاء انتخابات 1992. وانخرط في الموجة الجديدة من العمليات المسلحة ضد الحكومة الجزائرية قيادات ممن سبق وأسسوا في أفغانستان «الجماعة الإسلامية المسلحة»، وأعلنوا فيما بعد موالاتهم لتنظيم القاعدة.
ويحاول التقرير أيضا أن يعطي انطباعا بأن ليبيا متضررة من الجماعات المسلحة الجزائرية، بقوله إن أول من انخرط مع المسلحين الإسلاميين الجزائريين كانت المجموعة الليبية العائدة حديثا من أفغانستان في ذلك الوقت. ويضيف أنه تبع ذلك وقوع الكثير من الانشقاقات داخل المجموعات المسلحة (وقادتها من الأفغان الجزائريين والليبيين)، إلى أن تم الإعلان عن «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، التي انضمت لتنظيم القاعدة في خريف عام 2006. ثم تغير اسمها في عام 2007 إلى «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
ويتطرق التقرير إلى تنامي نفوذ المسلحين على الحدود الجزائرية الجنوبية مع مالي، في وقت كانت فيه الكثير من دول العالم تستشعر خطورة الوضع في تلك المنطقة المهمة من غرب أفريقيا، وانتشار عمليات خطف الرعايا الأجانب، من سياح وموظفين، خاصة من الفرنسيين والبريطانيين. وهنا يرد النظام الليبي السابق في التقرير المشار إليه قائلا وفقا، لصور الوثائق، إنه يعمل جاهدا من أجل عقد المصالحات بين المسلحين هناك، وأنه يخشى من خطر تدويل الأوضاع في شمال مالي، بل اتهم دولا عربية مجاورة لمالي بأنها هي التي تتبع سياسة ضد الاستقرار من خلال استمرارها في استفزاز تنظيم القاعدة بشن الهجمات عليه. وتكشف الوثائق عن أن النظام الليبي السابق كان قد تمكن من جمع أسلحة لقبائل في تلك المنطقة، وهو أمر يبدو أنه أسهم في تسهيل حركة تنظيم القاعدة، ومسؤولين محليين بالمنطقة يبدو أيضا أنهم كانوا يتعاونون مع مخابرات القذافي، إلى الحد الذي تتمكن فيه من تهيئة مدارج صالحة لهبوط وإقلاع طائرات ركاب صغيرة وكبيرة، وتفريغ شحناتها من أطنان الكوكايين ثم نقلها بسيارات الدفع الرباعي إلى أصحابها.
حدث ذلك في وقت كان فيه رجال المخابرات الليبية في عهد القذافي قد تمكنوا من جميع أسلحة القبائل هناك تحت شعار «إلقاء السلاح والاندماج في المجتمع المالي». وكان القائم على هذه العملية رجلا يدعى «م.ك»، وهو من الطوارق ويحمل الجنسية الليبية، وكتب ما لا يقل عن عشرين رسالة لمخابرات القذافي منها ما يدور عن خطوات نزع السلاح خلال أعوام 2008 و2009 و2010، من قبائل شمال مالي في منطقة قاوا «عرب تلمسيي» وفي منطقة تمبكتو «البربيش»، وفي منطقة فافا قبيلتا «قنديكوي» و«الفلان».
وبالتزامن مع عمليات نزع السلاح من قبائل في شمال مالي، كانت عمليات تجرى على قدم وساق لزيادة نفوذ تنظيم القاعدة هناك. وتتحدث الوثيقة التي تحمل عنوانا خارجيا «حرق طائرة»، وعنوانا داخليا «مـــذكرة عــــــرض 35»، عن عملية تهريب الكوكايين لصالح جماعات مسلحة منها جبهة فارك المتمردة على الحكومة الكولومبية، وعناصر من تنظيم القاعدة في شمال مالي، والحركات السلفية الجهادية المنتشرة في تلك المنطقة، بالاشتراك مع عناصر أخرى تنتمي لعدة دول منها النيجر وبوركينافاسو، وبلغت قيمة واحدة من صفقات الكوكايين نحو نصف مليار دولار.
واقترن النشاط الليبي في مالي بأنشطة أخرى في عدة دول أفريقية وعربية، خاصة في السنوات الأربع الأخيرة قبل سقوط نظام القذافي. وتقول رسالة مرسلة من أحد عملاء مخابرات القذافي في صيف 2010، من السودان يدعى «ز.أ»، وهو ينقل معلومات استقاها من أحد الوزراء السودانيين عن رئيس دولة أفريقية مجاورة للسودان: «يقول الدكتور (..) إن (..) رئيس (..) طلب مبلغ 50 مليون دولار قبل البدء في العمل لضمان جدية العمل، وهو على استعداد لتجهيز القوات والمعسكرات والمشاركة في العمل. رأيي أن توجه إليه دعوة للحضور إلى الجماهيرية ومقابلة القائد».
ويضيف العميل «زهير» متحدثا عن الوزير السوداني نفسه: «الدكتور (..) يرغب في الحضور إلينا عن طريق القاهرة، وطلب مني الحضور إلى القاهرة لإحضاره».
ثم يضيف في البند الثالث من الرسالة متحدثا عن شخص يدعى عبد الفتاح، قائلا: «(ع) يعرف مجموعة من الضباط الأوغنديين، وسوف أعطيه مصروفاته للذهاب إلى أوغندا لإحضارهم إلى مقديشو (في الصومال) لمقابلتهم هناك».
ومن المعروف أن هذه الفترة شهدت قيام حركة شباب المجاهدين الصومالية بتنفيذ تفجيرات في كمبالا في دولة أوغندا أودت بحياة 74 شخصا. لكن لا توجد أي إشارة صريحة عن علاقة الرسالة السالفة الذكر بهذا التفجير، وإن كانت تظهر تنوع التدخلات الليبية وغرابتها في أفريقيا وغيرها. وتتحدث رسالة أخرى موقعة من اثنين من رجال الاستخبارات الليبية هما «ب.ص»، و«ع.م»، عن التدخل الليبي في قضية بين الحكومة النيجيرية وفصائل من المعارضة الطوارقية، ويظهر من خلال الرسالة نفسها غضب حكومات دول أخرى كالجزائر وموريتانيا من تدخلات القذافي، ونشاط أجهزته المحموم في شؤون حكومات الدول الأفريقية ومعارضيها.
وتقول الرسالة بخصوص لقاء القذافي مع مسؤول من الحكومة النيجيرية وفضائل المعارضة: «قبل اللقاء كان هناك خلاف شديد بين مطالب فصائل المعارضة والحكومة من جهة، وكذلك وجود خلاف بين الفصائل الثلاثة حيث إن أحد الفصائل لا تريد الجلوس في طاولة واحدة مع الفصائل الأخرى. ونظرا لتعثر الجهود في التغلب على الخلاف كان من وجهة نظرنا يتم لقاء هذه الفصائل والوفد الحكومي معا برعاية الأخ القائد. وكان الغرض من اللقاء هو الضغط على الفصائل وإحراج الحكومة لقبولها الحوار. وهذه أول خطوة تمهد لإتمام عملية السلام الحقيقي ولكن نخشى من بعض الفصائل أن تحرج الوفد الحكومي أو العكس الأمر الذي قد ينعكس على الحوار والمفاوضات».
وتواصل الرسالة قائلة: «ورأينا أن السلام يحتاج إلى سرية تامة حتى لا يتآمر عليه آخرون لهم مصالح في وجود هذه الفصائل، والدليل رد الفعل الذي قامت بها الحكومة الجزائرية في تمنراست بعدم السماح لأعضاء فصيل جبهة المعارضة النيجيرية التي يرأسها (إياد آغ) غالي، بالإقامة وأبلغتهم بالخروج من البلاد خلال 24 ساعة. وكان هذا بعد إذاعة اللقاء الذي جرى مع الأخ القائد».
وتمضي الرسالة موضحة: «وبما أن وجهات النظر كانت مختلفة بين المجموعات تجنبنا عدم حضور وسائل الإعلام الأخرى حتى تكون هناك شفافية في الحديث.. وحتى لا يتكرر ما حصل في موريتانيا. وكان من وجهة نظرنا أن يتم التركيز الإعلامي على المهرجان الختامي الذي يقام في مدينة أغاديس، شمال النيجر، والذي يسمى (مهرجان السلام) عن عودة كل الفصائل وتسليمها للسلاح، والإعلان عن سلام حقيقي». ويبدو أن محاولات القذافي للظهور بمظهر ملك ملوك أفريقيا، ورئيس القارة السوداء وإمام المسلمين، وعميد الحكام العرب، وكذا محاولات فرض نظرياته وتدخلاته في مشكلات تخص دولا أخرى، لم تكن تلقى ارتياحا عند الكثيرين. ويتضمن تقرير آخر مطول مقدم للقذافي من جانب وحدة المعلومات السرية التابعة له، الطريقة التي يرد بها على من يتهمون نظامه بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، بما في ذلك دعوته لاستعادة «الدولة الفاطمية»، ودعوته لعناصر يمنية لليبيا وتشجيعها على الانحياز للشيعة الحوثيين الذين كانت التقارير تقول إنهم مدعومون من إيران أيضا.
ونعود للتقرير الذي قدمه رجال الاستخبارات الليبية للقذافي لتوضيح سبب الانتقادات الإعلامية والدينية الموجهة إليه مع ملاحظة أن التقرير نفسه لا يغفل تمجيد القذافي وأفعاله، وكأنه يشجعه على المضي قدما في السياسات التي يتبعها، قائلا: «أما ما يخص الملاحظات على بعض نشاطات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية (الليبية) فالمتابع لهذه الجمعية، ومنذ تأسيسها يلحظ مدى التزامها بمنظومة الأخلاق القرآنية، وحرصها على وحدة الأمة الإسلامية، خاصة أنها لا تعمل في الخفاء». ويضيف: «أما الملاحظة حول نشاط مركز (..) للدراسات والبحوث فهو مركز دراسات وبحوث مصري لا علاقة لنا به، ولا يعمل فيه أي عنصر ليبي ولا يتلقى منا أي مساعدات، وهو موجود منذ فترة ليست بالقصيرة (..) وعرف أصحابه بأهدافهم الخاصة في الشأن المصري، ودفاعهم عن فلسطين، وتعبيرهم علنا عن إعجابهم بحزب الله وبالمقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس، ويقيمون الندوات في مختلف الشؤون التي يشارك فيها العلماء والاستراتيجيون وفقهاء شؤون الأمة. ولم يحضر ندواته أي عنصر ليبي أو محسوب على الجماهيرية».
ويدافع التقرير الليبي عن مركز آخر أثار استياء بعض الدول تديره امرأة ليبية كانت من الحلقة القريبة من القذافي وجهاز استخباراته. ويقول: «أما ما ذكر حول مركز (..) فهو مركز ثقافي إعلامي أسس بطرابلس سنة 2006، وله نشاطات إعلامية كثيرة في الداخل مما دعا مسؤوليه إلى التفكير في فتح فرع له في دبي سنة 2008، وهو ما لم يحدث لأسباب إدارية ومالية، وتديره واحدة من العناصر الليبية المعروفة»، ويقول إن المركز ليس له أي علاقة بنشاطات تهدف إلى إساءة العلاقة بين ليبيا والدول الأخرى.
من جهة أخرى, وقبل يومين من انعقاد القمة الأفريقية في كمبالا في دولة أوغندا عام 2010، وردت رسالة من أحد العملاء يدعى «أبو ذر»، والرسالة مرسلة إلى رجل في المخابرات الليبية يدعى «أبو هريرة»، وهي مكتوبة بخط عربي ركيك ومؤرخة بيوم 23 يوليو، تحت عنوان «أفراد أجهزة الأمن الأوغندية ينزلون صور القائد». وتضيف: «في عملية أثارت استغراب الجميع قام أفراد الأمن الأوغندي بإزالة جميع اللافتات والصور الخاصة بالقائد التي كانت قد وضعت على الطرق ووسط شوارع كمبالا».
وتواصل الرسالة قائلة: «وفي الوقت الذي كان فيه الجميع يستغربون ذكر أحد المسؤولين الأمنيين، والذي رفض ذكر اسمه، بأنه لا يجوز تعليق صور رئيس واحد والبلد يستضيف عددا من الرؤساء. وتساءل لماذا هذه اللافتات التي تمدح القائد وغيره كثير من الرؤساء سيزورون البلاد. وهنا بدأوا ينزلونها وأصدروا أوامر إلى جميع الهيئات التي كانت قد علقت هذه اللافتات والصور بعدم تعليقها مرة ثانية. وقد تناول عدد من الإذاعات المسموعة هذا الموضوع في أخبارها الصباحية اليوم. نوافيكم بالتطورات لاحقا. أبو ذر».
صورة مأخوذة من شريط فيديو كان محفوظا لدى مخابرات القذافي عن موكب سيارات تقول التقارير إنه لمتشددين إسلاميين كانوا في شمال مالي
رسالة عميل الاستخبارات الليبية يدعى «أبو ذر» مرسلة إلى مسؤول أمني ليبي يلقب نفسه بـ«أبو هريرة»
تقرير أعدته الاستخبارات للقذافي ليرد به على غضب عدة دول من تدخلاته في شؤونها
صورة أخرى من تقرير يبرر سياسات القذافي التي أثارت حفيظة عدد من الدول العربية والأفريقية
صفحة إضافية من التقرير نفسه ويبدو فيه ذكر لبدء عدة دول اتخاذ إجراءات ضد تحركات عملاء النظام الليبي السابق خاصة في 2010
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: وثائق مخابرات القذافي 4
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: وثائق مخابرات القذافي 4
مجرم وقع في شر أعماله
المارد الأصفر- عقيد
-
عدد المشاركات : 767
العمر : 43
رقم العضوية : 1673
قوة التقييم : 8
تاريخ التسجيل : 04/05/2010
رد: وثائق مخابرات القذافي 4
شكرا للمرورك الكريم
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: وثائق مخابرات القذافي 4
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: وثائق مخابرات القذافي 4
ههههههههههههههههه
اخيرا فطنوا والله حالة ...
اخيرا فطنوا والله حالة ...
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
الكلمة الطيبة صدقة
A good word is charity
الكابتن- المشرف العام للمنتدي
-
عدد المشاركات : 14594
العمر : 56
رقم العضوية : 1
قوة التقييم : 423
تاريخ التسجيل : 15/08/2008
مواضيع مماثلة
» وثائق مخابرات القذافي (1)
» وثائق مخابرات القذافي (2)
» وثائق مخابرات القذافي 3
» وثائق مخابرات القذافي (3):
» وثائق مخابرات القذافي 2
» وثائق مخابرات القذافي (2)
» وثائق مخابرات القذافي 3
» وثائق مخابرات القذافي (3):
» وثائق مخابرات القذافي 2
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR