إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
الاشتباكات الحدودية بين القوات الأفغانية والباكستانية
صفحة 1 من اصل 1
الاشتباكات الحدودية بين القوات الأفغانية والباكستانية
أسباب الأزمة الحالية
ما مشكلة خط "ديورند"؟
هل إثارة المشكلة حاليا في صالح أفغانستان؟
ما الحل؟
حصلت اشتباكات بين القوات الحدودية الأفغانية والجيش الباكستاني يوم 2/5/2013 في مديرية "غوشته" بولاية ننغرهار المتاخمة للحدود الباكستانية، وقتل فيها أحد الجنود الأفغان وجرح آخرون، وجاءت هذه الأحداث بعد اتهام الحكومة الأفغانية للجيش الباكستاني بأنه أقام عدة مواقع عسكرية في داخل الأراضي الأفغانية بعمق نحو خمسين كيلومترا داخل مديرية "غوشته" التابعة لولاية ننغرهار، كما أنه أقام معبرا وبابا بداخل الأراضي الأفغانية في المنطقة نفسها.
كما أن الجانب الأفغاني يتهم القوات الحدودية الباكستانية بالتقدم نحو الأراضي الأفغانية وتغيير مواقعها الحدودية في مناطق أخرى في الجنوب والجنوب الغربي كذلك، وكانت وزارة الدفاع الأفغانية أعلنت قبل الاشتباكات المذكورة أن إقامة المواقع العسكرية الباكستانية داخل الأراضي الأفغانية على امتداد خط "ديورند" المتنازع عليه يتعارض مع المواثيق الدولية، وأن أفغانستان تحتفظ بكل الخيارات لإزالة المواقع المذكورة،
يتهم الجانب الأفغاني الجيش الباكستاني كذلك بالقصف المدفعي والصاروخي للمناطق الحدودية في ولاية كونر باستمرار منذ السنة الماضية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت هذه الاشتباكات والقصف الصاروخي والمدفعي حوادث عارضة تحدث نتيجة سوء التفاهم؟ أم إنها حوادث وراءها أسباب لابد من البحث عنها؟ وكيف كانت ردود الأفعال الأفغانية الشعبية والرسمية؟ وهل كانت تلك الردود للأفعال مناسبة؟ وما حل المشكلة إن كانت تنمّ هذه الحوادث عن مشكلة؟ هذا ما سنتناوله في السطور القادمة.
أسباب الأزمة الحالية
لا شك أن الأزمة الحالية ليست أزمة عابرة، بل وراءها أسباب، تتلخص في أمرين:
الأول: رغبة أميركية في الإيقاع بين أفغانستان وباكستان
يرى المحللون أن الأزمة الحالية وراءها أياد أميركية واضحة، فإن رئيس مكتب رئاسة الجمهورية السيد عبد الكريم خرّم اتهم القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي بأنها متورطة في إيجاد الأزمة الحالية بين أفغانستان وباكستان، وذلك لأن المناطق الأفغانية التي استولت عليها القوات الباكستانية كانت تحت سيطرة القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي بعد مجيئها إلى المنطقة، ولما أرادت أن تنسحب منها هيأت الظروف لاستيلاء القوات الباكستانية عليها، ولما سئل الناطق الرسمي باسم قوات حلف شمال الأطلسي الجنرال غانتر كاتز عن تصريحات السيد عبد الكريم خرّم قال: إنه ليس بين يديه تفاصيل الحادثة حاليا، وإنه لن يتمكن من التعليق عليها إلا بعد معرفة التفاصيل المتعلقة بها.
"
أميركا تريد إحياء أزمة حدودية بين باكستان وأفغانستان على خط "ديورند" لتقف باكستان في مواجهة أفغانستان وتنسى عداءها التقليدي للهند، وبذلك ستتفرغ الهند لمواجهة الصين التي تهدد القيادة الأميركية للعالم
"
يرى المحللون أن أميركا تريد إحياء أزمة حدودية بين باكستان وأفغانستان على خط "ديورند" لتقف باكستان في مواجهة أفغانستان وتنسى عداءها التقليدي للهند، وبذلك ستتفرغ الهند لمواجهة الصين التي تهدد القيادة الأميركية للعالم اقتصاديا وعسكريا في المستقبل القريب، ويبدو أن باكستان متجهة هذه الوجهة منذ أكثر من سنة تقريبا بتشجيع أميركي مستمر، وكان من أمارات هذا التوجه التغيير في العقيدة العسكرية التي أعلن عنها الجيش الباكستاني السنة الماضية، والتي نصت على أن الهند لم تعد العدو الأكبر لباكستان واحتلت مكانها الجهات الإرهابية التي تهدد أمن باكستان أكثر من تهديد الهند لها، حسب إعلان الجيش الباكستاني أواخر العام الماضي.
وكان السفير الأميركي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندريس فوغ راسموسن قد تحدثا قبل ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2012 عن خط "ديورند"، وأكدا أن أميركا وحلف شمال الأطلسي يعترفان بالخط المذكور كحدود دولية بين باكستان وأفغانستان، وهذا أيضا كان بمثابة إثارة المشكلة المذكورة، لأن الأمور كانت في ذلك الوقت هادئة، فماذا كانت تعني التصريحات المذكورة غير إثارة المشكلة بين البلدين؟
الثاني: الرغبة الباكستانية الجامحة في حل مشكلة خط "ديورند"
يبدو أن السياسة الأميركية بخصوص إثارة المشاكل الحدودية بين البلدين قد صادفت هوى لدى الجيش الباكستاني والساسة الباكستانيين، الذين لديهم رغبة جامحة في إثارة مشكلة خط "ديورند" الحدودية في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها أفغانستان حيث إنها منقسمة ولا تتمتع بحكومة تمثل الشعب الأفغاني كله، ويواجه البلد ظروفا استثنائية بسبب وجود المعارضة المسلحة ضد الحكومة الحالية والوجود الأميركي.
ويبدو أن من أكبر أسباب الأزمة الحالية والاشتباكات التي حصلت في ولاية ننغرهار هو هذه الرغبة الجامحة لدى الجانب الباكستاني في إثارة قضية "ديورند" في ظروف أفغانستان الحالية، حيث تظن باكستان أنها ستتمكن من إجبار الجانب الأفغاني على قبول خط "ديورند" كحدود دولية من غير أن تقدم أي نوع من التسهيلات التي يحتاجها بلد من غير منفذ بحري مثل أفغانستان.
فالجيش الباكستاني يحرك مواقعه الحدودية باستمرار إلى داخل الأراضي الأفغانية في أكثر من منطقة، ويصل هذا التوغل في بعض المناطق إلى أكثر من 60 كيلومترا داخل خط "ديورند" المتنازع عليه ليثير الجانب الأفغاني ولتحصل الاشتباكات، لتصبح القضية حساسة، ولتتدخل القوى العالمية لحل المشكلة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، ولتضغط على أفغانستان للقبول بالأمر الواقع، ومن هنا يبدو أن الاشتباكات الأخيرة لن تكون آخر هذه الحوادث الحدودية بين البلدين، وأن الأمر سيتكرر في مناطق حدودية أخرى كذلك.
وهذا ما تنبّه له الجانب الأفغاني، فقد علق حامد كرزاي على الاشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية في مديرية "غوشته" يوم 4/5/2013 قائلا: تحاول باكستان أن تجبر أفغانستان على المحادثات بشأن الأزمة الحدودية المسماة "خط ديورند" ومن ثم القبول بها. لكنه أضاف قائلا: إن أفغانستان لم تقبل الاتفاقية التي تم توقيعها عام 1893 بين أفغانستان وحكومة الهند البريطانية حينذاك، ولن تجرؤ أية حكومة على أن تعترف بالحدود المذكورة، لأن الشعب الأفغاني سيلعن من سيفعل ذلك. وأشار إلى أن الجانب الباكستاني حاول أن يثير المشكلة المذكورة أكثر من مرة بصورة مباشرة وغير مباشرة في المحادثات الرسمية بين البلدين، إلا أن الجانب الأفغاني اعتذر بلباقة عن بدأ المحادثات بهذا الخصوص في الظروف الحالية.
ما مشكلة خط "ديورند"؟
وقع ملك أفغانستان حينذاك الأمير عبد الرحمن خان -بضغوط شديدة من قبل بريطانيا- يوم 12/11/1893 اتفاقية مع حكومة الهند البريطانية لتحديد مناطق النفوذ السياسي لبريطانيا، وكان يرأس الوفد البريطاني "السير هنري مارتيمور ديورند" سكرتير الشؤون الخارجية في حكومة الهند البريطانية، لذلك سمي الخط الذي رسم لتحديد مناطق النفوذ السياسي بـ"خط ديورند".
"
كان الغرض الأساسي من إصرار بريطانيا على اتفاقية "ديورند" هو إيجاد خط دفاعي آخر أمام روسيا التي كانت أفغانستان تمثل منطقة عازلة بينها وبين بريطانيا العظمى
"
كانت ظروف الأمير عبد الرحمن خان سيئة للغاية في تلك الفترة، حيث كان يواجه تمزق أفغانستان إلى دويلات إن لم يقبل بالاتفاقية المذكورة، وهذه المنطقة لم تكن تحت سيطرة الإنجليز، وحكومة الهند البريطانية لم تكن تتوقع أن تكون هذه المنطقة تحت سيطرتها، بل كان الغرض الأساسي من إصرار بريطانيا على الاتفاقية المذكورة هو إيجاد خط دفاعي آخر أمام روسيا التي كانت أفغانستان تمثل منطقة عازلة بينها وبين بريطانيا العظمى، ولما انتهت بريطانيا من تحديد الحدود الشمالية لأفغانستان مع روسيا عام 1892، أرادت أن تحصن الهند البريطانية من نفوذ روسيا فبدأت تضغط على أفغانستان، فأوقفت نقل البضائع الضرورية إليها.
كما هددت بتسيير قوة عسكرية قوامها عشرة آلاف شخص بقيادة الجنرال "رابرتس" الشهير للهجوم على جلال آباد إنْ لم يرسل الأمير عبد الرحمن خان وفدا للمحادثات، وفي نفس الوقت ضاعفت بريطانيا المبلغ الذي كانت تدفعه للأمير عبد الرحمن خان استفادة من سياسة العصا والجزرة، ولما وصل الوفد البريطاني إلى كابل بقيادة "ديورند" هدّد الأمير بأنه إذا لم يخضع للمطالب البريطانية فإن بريطانيا ستسمح لمعارضيه بالتحرك ضده، في إشارة صريحة إلى سردار محمد أيوب خان (بطل معركة ميوند) غريمه الذي كان يستمتع بضيافة الإنجليز في "راولبندي" حينذاك.
وكان الأمير عبد الرحمن يرى أن الخط المذكور سيبقى حبرا على الورق، وأن الإنجليز لن يراقبوه لأنه يمر على قمم الجبال الشاهقة. في هذه الظروف العصيبة وتحت تهديد بريطانيا المباشر تم توقيع الاتفاقية المذكورة، وكانت مدة الاتفاقية مائة سنة، ومن ثم لم تعترف بها الحكومات الأفغانية المتعاقبة، وهذا ما أشار إليه حامد كرزاي في خطابه الأخير معلقا على الحوادث الحدودية بين القوات الأفغانية والباكستانية.
هل إثارة المشكلة حاليا في صالح أفغانستان؟
بعد الاشتباكات بين الحرس الحدودي للبلدين وقتْل أحد الجنود الأفغان، خرجت المظاهرات في المدن الكبرى الأفغانية من شرقها إلى غربها منددة بالتوغل الباكستاني داخل الأراضي الأفغانية، وزارت وفود من الشباب مواقع الحرس الحدودي للتضامن معهم وشد أزرهم، وعقدت حلقات كثيرة للنقاش في الإعلام المرئي والمسموع، كما أن البرلمان الأفغاني ناقش الموضوع وأرسل وفدا من أعضائه لتقصي الحقائق، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إثارة المشكلة بهذه الصورة تعتبر في صالح أفغانستان؟ هل تستطيع أفغانستان في هذه الحالة من التمزق والضعف والاقتتال أن تحافظ على مصالحها ومصالح الشعب الأفغاني في هذه القضية، إنْ أثيرت واسترعت اهتمام القوى والمحافل الدولية؟
ما الحل؟
يرى المحللون أن هذه المشكلة، مثل كثير من المشاكل الحدودية العالقة بين كثير من البلاد عموما والبلاد الإسلامية خصوصا، لا طريق لحلها إلا بالمحادثات التي تضمن للطرفين مصالحهما، وأن استخدام السلاح والحروب يعقد المشاكل ولا يحلها، لكن الطريق التي يختارها الجانب الباكستاني ليست مناسبة، لأن التوغل في داخل الأراضي الأفغانية وداخل خط "ديورند" المتنازع عليه أيضا سيؤجج مشاعر الشعب الأفغاني وشبابه وسيعقّد الأزمة.
"
إذا قبلت أفغانستان بأي حل نتيجة الضغوط التي تمارس عليها فإن الأزمة لن تنتهي، لأن الشعب الأفغاني ينظر لمشكلة "ديورند" على أنها قضية وطنية
"
كما أن الظروف التي اختيرت لإثارة المشكلة بعيدة عن المروءة، حيث إن أفغانستان تمر بأزمات حادة، ولا تتمتع بحكومة تمثل جميع فئات الشعب الأفغاني، وهي في حالة ضعيفة، وإن توصلت إلى حل نتيجة الضغوط التي تمارس عليها فإن الأزمة لن تحل، لأن الشعب الأفغاني ينظر لمشكلة "ديورند" على أنها قضية وطنية وما لم يحصل الوفاق الوطني بشأنها لا يمكن حلها.
إلى جانب ذلك لم توجه أفغانستان أي تهديد إلى باكستان مثلما تهدد من قبل الهند، ومن هنا يجب على الجانب الباكستاني أن لا يثير هذه المشكلة في هذه الظروف، وأن ينتظر عودة الاستقرار والوحدة الوطنية إلى أفغانستان، وأن تحل الأزمة المذكورة عن طريق محادثات جادة بين الطرفين في ظروف يشعر فيها كل طرف باطمئنان كامل بأن مصالحه لن تتعرض لخطر الهضم، وإن أثيرت بالصورة التي تثار بها الآن وفي الظروف التي تمر بها أفغانستان حاليا فإن ذلك لن يؤدي إلى حل، بل بالعكس سيؤدي إلى تأزيم الموقف أكثر.
المصدر:الجزيرة
ما مشكلة خط "ديورند"؟
هل إثارة المشكلة حاليا في صالح أفغانستان؟
ما الحل؟
حصلت اشتباكات بين القوات الحدودية الأفغانية والجيش الباكستاني يوم 2/5/2013 في مديرية "غوشته" بولاية ننغرهار المتاخمة للحدود الباكستانية، وقتل فيها أحد الجنود الأفغان وجرح آخرون، وجاءت هذه الأحداث بعد اتهام الحكومة الأفغانية للجيش الباكستاني بأنه أقام عدة مواقع عسكرية في داخل الأراضي الأفغانية بعمق نحو خمسين كيلومترا داخل مديرية "غوشته" التابعة لولاية ننغرهار، كما أنه أقام معبرا وبابا بداخل الأراضي الأفغانية في المنطقة نفسها.
كما أن الجانب الأفغاني يتهم القوات الحدودية الباكستانية بالتقدم نحو الأراضي الأفغانية وتغيير مواقعها الحدودية في مناطق أخرى في الجنوب والجنوب الغربي كذلك، وكانت وزارة الدفاع الأفغانية أعلنت قبل الاشتباكات المذكورة أن إقامة المواقع العسكرية الباكستانية داخل الأراضي الأفغانية على امتداد خط "ديورند" المتنازع عليه يتعارض مع المواثيق الدولية، وأن أفغانستان تحتفظ بكل الخيارات لإزالة المواقع المذكورة،
يتهم الجانب الأفغاني الجيش الباكستاني كذلك بالقصف المدفعي والصاروخي للمناطق الحدودية في ولاية كونر باستمرار منذ السنة الماضية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت هذه الاشتباكات والقصف الصاروخي والمدفعي حوادث عارضة تحدث نتيجة سوء التفاهم؟ أم إنها حوادث وراءها أسباب لابد من البحث عنها؟ وكيف كانت ردود الأفعال الأفغانية الشعبية والرسمية؟ وهل كانت تلك الردود للأفعال مناسبة؟ وما حل المشكلة إن كانت تنمّ هذه الحوادث عن مشكلة؟ هذا ما سنتناوله في السطور القادمة.
أسباب الأزمة الحالية
لا شك أن الأزمة الحالية ليست أزمة عابرة، بل وراءها أسباب، تتلخص في أمرين:
الأول: رغبة أميركية في الإيقاع بين أفغانستان وباكستان
يرى المحللون أن الأزمة الحالية وراءها أياد أميركية واضحة، فإن رئيس مكتب رئاسة الجمهورية السيد عبد الكريم خرّم اتهم القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي بأنها متورطة في إيجاد الأزمة الحالية بين أفغانستان وباكستان، وذلك لأن المناطق الأفغانية التي استولت عليها القوات الباكستانية كانت تحت سيطرة القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي بعد مجيئها إلى المنطقة، ولما أرادت أن تنسحب منها هيأت الظروف لاستيلاء القوات الباكستانية عليها، ولما سئل الناطق الرسمي باسم قوات حلف شمال الأطلسي الجنرال غانتر كاتز عن تصريحات السيد عبد الكريم خرّم قال: إنه ليس بين يديه تفاصيل الحادثة حاليا، وإنه لن يتمكن من التعليق عليها إلا بعد معرفة التفاصيل المتعلقة بها.
"
أميركا تريد إحياء أزمة حدودية بين باكستان وأفغانستان على خط "ديورند" لتقف باكستان في مواجهة أفغانستان وتنسى عداءها التقليدي للهند، وبذلك ستتفرغ الهند لمواجهة الصين التي تهدد القيادة الأميركية للعالم
"
يرى المحللون أن أميركا تريد إحياء أزمة حدودية بين باكستان وأفغانستان على خط "ديورند" لتقف باكستان في مواجهة أفغانستان وتنسى عداءها التقليدي للهند، وبذلك ستتفرغ الهند لمواجهة الصين التي تهدد القيادة الأميركية للعالم اقتصاديا وعسكريا في المستقبل القريب، ويبدو أن باكستان متجهة هذه الوجهة منذ أكثر من سنة تقريبا بتشجيع أميركي مستمر، وكان من أمارات هذا التوجه التغيير في العقيدة العسكرية التي أعلن عنها الجيش الباكستاني السنة الماضية، والتي نصت على أن الهند لم تعد العدو الأكبر لباكستان واحتلت مكانها الجهات الإرهابية التي تهدد أمن باكستان أكثر من تهديد الهند لها، حسب إعلان الجيش الباكستاني أواخر العام الماضي.
وكان السفير الأميركي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندريس فوغ راسموسن قد تحدثا قبل ذلك في أكتوبر/تشرين الأول 2012 عن خط "ديورند"، وأكدا أن أميركا وحلف شمال الأطلسي يعترفان بالخط المذكور كحدود دولية بين باكستان وأفغانستان، وهذا أيضا كان بمثابة إثارة المشكلة المذكورة، لأن الأمور كانت في ذلك الوقت هادئة، فماذا كانت تعني التصريحات المذكورة غير إثارة المشكلة بين البلدين؟
الثاني: الرغبة الباكستانية الجامحة في حل مشكلة خط "ديورند"
يبدو أن السياسة الأميركية بخصوص إثارة المشاكل الحدودية بين البلدين قد صادفت هوى لدى الجيش الباكستاني والساسة الباكستانيين، الذين لديهم رغبة جامحة في إثارة مشكلة خط "ديورند" الحدودية في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها أفغانستان حيث إنها منقسمة ولا تتمتع بحكومة تمثل الشعب الأفغاني كله، ويواجه البلد ظروفا استثنائية بسبب وجود المعارضة المسلحة ضد الحكومة الحالية والوجود الأميركي.
ويبدو أن من أكبر أسباب الأزمة الحالية والاشتباكات التي حصلت في ولاية ننغرهار هو هذه الرغبة الجامحة لدى الجانب الباكستاني في إثارة قضية "ديورند" في ظروف أفغانستان الحالية، حيث تظن باكستان أنها ستتمكن من إجبار الجانب الأفغاني على قبول خط "ديورند" كحدود دولية من غير أن تقدم أي نوع من التسهيلات التي يحتاجها بلد من غير منفذ بحري مثل أفغانستان.
فالجيش الباكستاني يحرك مواقعه الحدودية باستمرار إلى داخل الأراضي الأفغانية في أكثر من منطقة، ويصل هذا التوغل في بعض المناطق إلى أكثر من 60 كيلومترا داخل خط "ديورند" المتنازع عليه ليثير الجانب الأفغاني ولتحصل الاشتباكات، لتصبح القضية حساسة، ولتتدخل القوى العالمية لحل المشكلة الحدودية بين أفغانستان وباكستان، ولتضغط على أفغانستان للقبول بالأمر الواقع، ومن هنا يبدو أن الاشتباكات الأخيرة لن تكون آخر هذه الحوادث الحدودية بين البلدين، وأن الأمر سيتكرر في مناطق حدودية أخرى كذلك.
وهذا ما تنبّه له الجانب الأفغاني، فقد علق حامد كرزاي على الاشتباكات بين القوات الأفغانية والباكستانية في مديرية "غوشته" يوم 4/5/2013 قائلا: تحاول باكستان أن تجبر أفغانستان على المحادثات بشأن الأزمة الحدودية المسماة "خط ديورند" ومن ثم القبول بها. لكنه أضاف قائلا: إن أفغانستان لم تقبل الاتفاقية التي تم توقيعها عام 1893 بين أفغانستان وحكومة الهند البريطانية حينذاك، ولن تجرؤ أية حكومة على أن تعترف بالحدود المذكورة، لأن الشعب الأفغاني سيلعن من سيفعل ذلك. وأشار إلى أن الجانب الباكستاني حاول أن يثير المشكلة المذكورة أكثر من مرة بصورة مباشرة وغير مباشرة في المحادثات الرسمية بين البلدين، إلا أن الجانب الأفغاني اعتذر بلباقة عن بدأ المحادثات بهذا الخصوص في الظروف الحالية.
ما مشكلة خط "ديورند"؟
وقع ملك أفغانستان حينذاك الأمير عبد الرحمن خان -بضغوط شديدة من قبل بريطانيا- يوم 12/11/1893 اتفاقية مع حكومة الهند البريطانية لتحديد مناطق النفوذ السياسي لبريطانيا، وكان يرأس الوفد البريطاني "السير هنري مارتيمور ديورند" سكرتير الشؤون الخارجية في حكومة الهند البريطانية، لذلك سمي الخط الذي رسم لتحديد مناطق النفوذ السياسي بـ"خط ديورند".
"
كان الغرض الأساسي من إصرار بريطانيا على اتفاقية "ديورند" هو إيجاد خط دفاعي آخر أمام روسيا التي كانت أفغانستان تمثل منطقة عازلة بينها وبين بريطانيا العظمى
"
كانت ظروف الأمير عبد الرحمن خان سيئة للغاية في تلك الفترة، حيث كان يواجه تمزق أفغانستان إلى دويلات إن لم يقبل بالاتفاقية المذكورة، وهذه المنطقة لم تكن تحت سيطرة الإنجليز، وحكومة الهند البريطانية لم تكن تتوقع أن تكون هذه المنطقة تحت سيطرتها، بل كان الغرض الأساسي من إصرار بريطانيا على الاتفاقية المذكورة هو إيجاد خط دفاعي آخر أمام روسيا التي كانت أفغانستان تمثل منطقة عازلة بينها وبين بريطانيا العظمى، ولما انتهت بريطانيا من تحديد الحدود الشمالية لأفغانستان مع روسيا عام 1892، أرادت أن تحصن الهند البريطانية من نفوذ روسيا فبدأت تضغط على أفغانستان، فأوقفت نقل البضائع الضرورية إليها.
كما هددت بتسيير قوة عسكرية قوامها عشرة آلاف شخص بقيادة الجنرال "رابرتس" الشهير للهجوم على جلال آباد إنْ لم يرسل الأمير عبد الرحمن خان وفدا للمحادثات، وفي نفس الوقت ضاعفت بريطانيا المبلغ الذي كانت تدفعه للأمير عبد الرحمن خان استفادة من سياسة العصا والجزرة، ولما وصل الوفد البريطاني إلى كابل بقيادة "ديورند" هدّد الأمير بأنه إذا لم يخضع للمطالب البريطانية فإن بريطانيا ستسمح لمعارضيه بالتحرك ضده، في إشارة صريحة إلى سردار محمد أيوب خان (بطل معركة ميوند) غريمه الذي كان يستمتع بضيافة الإنجليز في "راولبندي" حينذاك.
وكان الأمير عبد الرحمن يرى أن الخط المذكور سيبقى حبرا على الورق، وأن الإنجليز لن يراقبوه لأنه يمر على قمم الجبال الشاهقة. في هذه الظروف العصيبة وتحت تهديد بريطانيا المباشر تم توقيع الاتفاقية المذكورة، وكانت مدة الاتفاقية مائة سنة، ومن ثم لم تعترف بها الحكومات الأفغانية المتعاقبة، وهذا ما أشار إليه حامد كرزاي في خطابه الأخير معلقا على الحوادث الحدودية بين القوات الأفغانية والباكستانية.
هل إثارة المشكلة حاليا في صالح أفغانستان؟
بعد الاشتباكات بين الحرس الحدودي للبلدين وقتْل أحد الجنود الأفغان، خرجت المظاهرات في المدن الكبرى الأفغانية من شرقها إلى غربها منددة بالتوغل الباكستاني داخل الأراضي الأفغانية، وزارت وفود من الشباب مواقع الحرس الحدودي للتضامن معهم وشد أزرهم، وعقدت حلقات كثيرة للنقاش في الإعلام المرئي والمسموع، كما أن البرلمان الأفغاني ناقش الموضوع وأرسل وفدا من أعضائه لتقصي الحقائق، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إثارة المشكلة بهذه الصورة تعتبر في صالح أفغانستان؟ هل تستطيع أفغانستان في هذه الحالة من التمزق والضعف والاقتتال أن تحافظ على مصالحها ومصالح الشعب الأفغاني في هذه القضية، إنْ أثيرت واسترعت اهتمام القوى والمحافل الدولية؟
ما الحل؟
يرى المحللون أن هذه المشكلة، مثل كثير من المشاكل الحدودية العالقة بين كثير من البلاد عموما والبلاد الإسلامية خصوصا، لا طريق لحلها إلا بالمحادثات التي تضمن للطرفين مصالحهما، وأن استخدام السلاح والحروب يعقد المشاكل ولا يحلها، لكن الطريق التي يختارها الجانب الباكستاني ليست مناسبة، لأن التوغل في داخل الأراضي الأفغانية وداخل خط "ديورند" المتنازع عليه أيضا سيؤجج مشاعر الشعب الأفغاني وشبابه وسيعقّد الأزمة.
"
إذا قبلت أفغانستان بأي حل نتيجة الضغوط التي تمارس عليها فإن الأزمة لن تنتهي، لأن الشعب الأفغاني ينظر لمشكلة "ديورند" على أنها قضية وطنية
"
كما أن الظروف التي اختيرت لإثارة المشكلة بعيدة عن المروءة، حيث إن أفغانستان تمر بأزمات حادة، ولا تتمتع بحكومة تمثل جميع فئات الشعب الأفغاني، وهي في حالة ضعيفة، وإن توصلت إلى حل نتيجة الضغوط التي تمارس عليها فإن الأزمة لن تحل، لأن الشعب الأفغاني ينظر لمشكلة "ديورند" على أنها قضية وطنية وما لم يحصل الوفاق الوطني بشأنها لا يمكن حلها.
إلى جانب ذلك لم توجه أفغانستان أي تهديد إلى باكستان مثلما تهدد من قبل الهند، ومن هنا يجب على الجانب الباكستاني أن لا يثير هذه المشكلة في هذه الظروف، وأن ينتظر عودة الاستقرار والوحدة الوطنية إلى أفغانستان، وأن تحل الأزمة المذكورة عن طريق محادثات جادة بين الطرفين في ظروف يشعر فيها كل طرف باطمئنان كامل بأن مصالحه لن تتعرض لخطر الهضم، وإن أثيرت بالصورة التي تثار بها الآن وفي الظروف التي تمر بها أفغانستان حاليا فإن ذلك لن يؤدي إلى حل، بل بالعكس سيؤدي إلى تأزيم الموقف أكثر.
المصدر:الجزيرة
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
مواضيع مماثلة
» تدريب القوات الأفغانية يسير وفقا للخطة الموضوعة
» تجدد الاشتباكات بين القوات المسلحة والإرهابين في درنة
» ضعف نسبة المشاركة فى الانتخابات الأفغانية بسبب طالبان..
» طالبان والحكومة الأفغانية تناقشان انهاء الحرب
» إطلاق نار مصدره مقر الـ"سي اي ايه" في العاصمة الأفغانية
» تجدد الاشتباكات بين القوات المسلحة والإرهابين في درنة
» ضعف نسبة المشاركة فى الانتخابات الأفغانية بسبب طالبان..
» طالبان والحكومة الأفغانية تناقشان انهاء الحرب
» إطلاق نار مصدره مقر الـ"سي اي ايه" في العاصمة الأفغانية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» الإكوادور وجهة مثالية لقضاء العطلات وسط المناظر الطبيعية
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» سر ارتفاع دواسة الفرامل عن دواسة البنزين في السيارة
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» ما ميزات شبكات "Wi-Fi 8" المنتظرة؟
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» رد فعل صلاح بعد اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي
اليوم في 8:04 am من طرف STAR
» هل تعاني من الأرق؟ طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الكبة المشوية على الطريقة الأصلية
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:00 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR