إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
رسالة من السيد مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا السابق
صفحة 1 من اصل 1
رسالة من السيد مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا السابق
رسالة من السيد مصطفى بن حليم رئيس وزراء ليبيا السابق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق أجمعين
وبــــــعد ..
... فإني أتوجه بهذه إلى جميع مواطني الأحرار ، إخوتي وأخواتي ، أبنائي وبناتي ، أحفادي وحفيداتي ، إلى الجيل الليبي الصاعد ، شاكراً لهم قراءة رسالتي هذه التي أحمل لهم فيها كل أمالي الوطنية ، ورجائي إلى مالك الملك الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء أن يجدوا فيها الرأي الصواب والنصح الخالص من الأغراض ، والسبيل المؤدي إلى أنبل الأهداف .
إن أهم هدف لأي شعب من الشعوب في أية مرحلة من المراحل هو ضم الصفوف وتأمين الاستقرار لكي ينتقل إلى مرحلة يستطيع فيها أن يتحرك بثقة واطمئنان إلى مستقبل يسوده التقدم والازدهار وتتحق فيه الحرية والكرامة لجميع أبنائه وفق نظام سياسي واقتصادي واجتماعي يكون محل توافق وطني . ونحمد الله العلي القدير الذي وفِّرَ لوطننا الحبيب كل مايتمناه أي شعب لتحقيق هذا كله . وهذا هو ما مر به شعبنا قبل مجيء الطاغية .
إن ضم الصفوف يتطلب من الجميع أولاً وقبل كل شيء التصافي والتسامح والتفكير في مصلحة الوطن العليا قبل التفكير في أية مصلحة شخصية . والمصالح الشخصية تتحقق للجميع بالعودة إلى القيم الإسلامية والأخلاقية التي هي قيمنا ، قيم ديننا ومجتمعنا . ونحمد الله أن ليبيا كلها على دين واحد ، هو الإسلام وماتميز به من قيم وأخلاق . ومن أهم هذه القيم العدل ، واحترام الحقوق ، والتسامح ، والعفو عند المقدرة ، والتكافل الاجتماعي وغيرها من القيم التي عاشها ومارسها شعبنا ، وتأصلت فيه ، بحيث لا يحتاج إلا إلى التذكير بها ليعود إليها .
ومن نعم المولى علينا أننا جميعا نعيش ثقافة واحدة وتاريخاً واحداً وتراثاً واحداً وتقاليد واحدة . ومن أبرز خصائصنا استعدادنا للتصالح مهما كانت الخلافات ، وأن شعورنا بالانتماء لوطن واحد نحن أبناؤه يتغلب دائماً على أية خلافات ، وقد ثبت ذلك في الماضي وفي الحاضر ، وأتمنى عليكم أن يظل التصالح دائماً نصب أعيننا يعيش معنا ونعيش معه بحيث يسود الوئام دائماً ويقطع الطريق على المفسدين وكل من يحاول بث الفرقة بين أبناء وطننا .
أمامنا الآن أهم مرحلة وهي بناء الدولة الليبية الحديثة ، وفي هذه المرحلة بالذات التي هي أهم وأدق من أية مرحلة أخرى ، يجب علينا جميعاً أن تكون مصلحة الوطن هي المصلحة العليا وهي المقدمة على جميع المصالح الخاصة ، قبيلة أو عشائرية أو فردية . فالخير عميم بحمد الله والمستقبل للجميع ، وأدعوكم جميعاً للعمل لبناء ليبيا الحديثة ، الحرة الأبية ، بلد الأحرار الأُباة ، ليبيا الخير لجميع أبنائها . ليبيا التي يبحث أبناؤها دائماً على ما يوحد بينهم ويجمع شملهم لا ما يفرق الصفوف ويولد الأحقاد والضغائن ويورثها للأجيال القادمة . ولنا في المصالحة الهامة التي رعاها السيد محمد إدريس المهدي السنوسي سنة 1946 ( وهو في زيارة خاصة ) عندما كادت قبائل الحرابي والجبارنة الاحتكام للسلاح ، والتي توجت بوثيقة الإخاء والمسامحة ، ووقع عليها رؤساء الجانبين ، وهذه الوثيقة موجودة لدى المؤرخ الليبي السيد فرج نجم .
إن مصير ليبيا ومصير أبنائها يتقرر الآن من جديد ، ويجب ألا يقرر هذا المصير إلا أبناؤها المجتمعون على كلمة واحدة وهي أنهم جميعا أبناء هذا الوطن وشركاء فيه ، يبنونه بسواعدهم وعقولهم ووحدتهم . والتطلع إلى المستقبل ، وتذكر الماضي لتجنب أخطائه والاستفادة من تجاربه .
إنني عشت الأربعين سنة الماضية بعيداً عن أرض الوطن ، ولكن الوطن وأبناؤه وما كانوا يعانون من الطاغية لم يغب عني لحظة واحدة . وكما تعلمون فقد فشل عملاء الطاغية مرات ثلاث عندما حاولوا اغتيالي , ولولا رحمة الله وقدره لما كنت بينكم اليوم ، ومع كل الألم والغضب الذي أشعر به ، وتشعرون به ، إلا أن ليبيا تنادينا من أعماق الجراح للبحث عن كل ما يصون وحدتنا ويهيء الظروف الأمثل لبناء المستقبل . ومن هذا المنطلق ، إنني أدعوكم إلى ضم الصفوف والإحتكام إلى مصلحة الوطن العليا ، بحيث لا يطبق ذلك القانون إلا على من يثبت عليهم في محاكمة عادلة أنهم ارتكبوا فعلاً فساداً أو جرائم يعاقب عليها القانون أو يعلمون للقضاء على ثورة الشعب ولا يتسع لها باب الرحمة أو العفو أو إصلاح الضرر . إنني أدعو إلى تعميق التآخي والمصالحة من أجل حماية وطننا الغالي وبنائه .
وقبل أن أودعكم أرى من واجبي نحوكم ومن حقكم عليَّ أن أعرض عليكم رأيي المتواضع في ما يدور الآن في حلقات الحوار عن النظام الأمثل لليبيا المستقبل ، هل هو النظام الفدرالي لأجزاء الوطن الثلاث ، أم نظام الوحدة الذي ساد في النصف الثاني من النظام الملكي .
الأخطار الجسيمة والمشاكل الجمة التي ينطوي عليها لبلد صغير في عدد سكانه كليبيا تتركز عليه أطماع خارجية يهمها أن تكون صاحبة نفوذ عليه وعلى خيراته . وهذه الأخطار والمشاكل والمطامع التي كنا نواجهها يومياً هي التي أقنعت مولاي الملك إدريس وأقنعتني وأنا في موقع المسؤولية بأن مصلحة الوطن تتطلب إلغاء النظام الفدرالي وتبني النظام الوحدوي .
أيام النظام الفدرالي كانت مغريات الانفصال والاستئثار بالسلطة قلما كانت تغيب عن الأذهان . وكان الصراع على الاختصاصات وتنازعها في ميادين التشريع والتنفيذ وحدود الإشراف عليه هي الشغل الشاغل للإتحاد والولايات على حد سواء ، ومصدر القلق الدائم خاصة عندما كان التشريع في يد الاتحاد والتنفيذ في يد الولايات تحت إشراف الاتحاد ، أو عندما يكون التشريع في يد الولايات وكل ولاية تشرع على هواها دون أن يكون من حق الاتحاد التدخل لضمان توحيد التشريع . ففضلاً عن الفوضى في التنفيذ أو التشريع التي تترتب على هذا الوضع ، فإن توزع معظم الأمور ، وخاصة في الاختصاص بسن القوانين والتخصصات على هذا الوجه يتيح الفرصة للتدخل الأجنبي لخلق تنافس ضار بين الولايات أو لتحريض الولايات كلها أو بعضها ضد الاتحاد لمقاومة سياساته أو الاعتراض على القوانين الاتحادية التي يسنها ضمن اختصاصه التشريعي ولكن الجانب الأجنبي يرى أنها ضد مصلحته . كل هذه وكثير غيرها كانت تثير مشاكل شبه يومية وتعطل سير العمل وتهدد وحدة البلاد وتتيح الفرص لمحاولات التدخل الأجنبي والاستقطاب وعرض المغريات . هذه ليست اعتبارات نظرية وإنما كانت واقعا كي نبقى يقظين لمواجهته والتصدي له . إن الصراع على السلطة والاختصاص وما يترتب على ذلك لا يمكن تجنبه في النظام الفدرالي ، ولذا فإن الابتعاد عنه هو الأسلم كلما أمكن ذلك.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن النظام الفدرالي فيه هدرٌ كبيرٌ للمال العام دون مبررٍ سوى الوفاء بمقتضيات ذلك النظام ، وهو مال يكون دائماً بالإمكان استثماره في مشروعات إنتاجية تثري الوطن وأبناؤه . والسبب في ذلك أن النظام الفدرالي يتطلب إزدواجات في مؤسسات الدولة وأجهزتها وهذا يؤدي إلى مضاعفة النفقات العامة . ففي النظام الاتحادي الفدرالي يكون هناك الأجهزة والدوائر والمؤسسات الاتحادية تمارس اختصاصاتها وإلى جانبها في كل إقليم أو ولاية أجهزة ودوائر ومؤسسات أقيمت فقط استجابة للنظام الفدرالي وكان بالإمكان الاستغناء عنها لو أتبع النظام الوحدوي . فمثلاً ليبيا الفدرالية كان لكل ولاية والٍ يعينه الملك مقابل رئيس الوزراء ، مجلس تنفيذي مقابل مجلس الوزراء الاتحادي ، ومجلس تشريعي مقابل مجلس الأمة الاتحادي ، ودوائر مقابل الدوائر الاتحادية . وكل جهاز أو هيئة يحتاج إلى موظفيه وإلى خدمات خاصة به . ولا يمكن إقامة نظام فدرالي بدون هذه الأجهزة ، مما يقتضيه توزيع الاختصاصات والسلطات بين السلطة الاتحادية والولايات . وفي هذا إرهاق لموارد الدولة المالية وتبديد دون ضرورة . والمبرر الوحيد له هو التمسك بالنظام الفدرالي .
ويبدو لي ان العامل الأساسي الذي يدعو الليبيين في بعض المناطق للإحتماء بالنظام الفدرالي هو خشيتهم من التهميش ورغبتهم بأن يتمتع الليبيون في جميع المدن والقرى بنفس الخدمات العامة وبنفس الحقوق والفرص ، وبإختصار أن لا ينتظر المواطن الليبي قراراً يتخذ من طرابلس ليسمح له بعمل أو خدمة أو علاج وهو مقيم في الشرق أو في الجنوب وهكذا ، فإذا كان ما ذكرت هو سبب تلك المطالب فهناك نظم دستورية غير النظام الاتحادي تفي بالغرض دون مشاكل هذا النظام وأعبائه ومخاطره قد اعتمدتها دولٌ كثيرة مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا والدول الإسكندنافية واليابان والدول العربية الأخرى كلها . والنظام الغالب في الدول الأوروبية واليابان مثلاً هو النظام الوحدوي مع اللامركزية التي تؤمن للمواطنين الخدمات بشكل متكافيء أينما كانوا عن طريق حكم محلي يكون في متناول المواطنين في دائرتهم ، وهم الذين ينتخبونه ويراقبون أداءه في توفير الخدمات لهم . ويتم هذا كله في إطار دستور توافقي تقره وترتضيه قوى المجتمع المدني على اختلاف توجهاتها , ولا يفرض فرضاً من أية جهة كانت استغلالا لإنفرادها بالسلطة مثلاً ، كما كان الحال أيام الطاغية ، أو لأنها فازت بأغلبية عابرة في وقت من الأوقات . الدستور هو العقد الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد الذي يكونون قد توافقوا عليه ليعيشوا في ظله مهما اختلفت مشاربهم أو مذاهبهم أو توجهاتهم . هو لهم جميعاً باختيارهم بصفتهم مواطنين في وطن واحد , ومن نعم الله علينا كما ذكرت أننا شعبٌ واحدٌ يجمعنا دينٌ واحدٌ وتراثٌ وثقافةٌ واحدةٌ ومصير واحد ، ولذا فإن توافقنا يجب أن يكون ميسوراً ، وعلى أي حال فبالإمكان دائماً إثراء تجاربنا بتجارب الآخرين والاستفادة منها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مصطفى بن حليم
رئيس وزراء ليبيا السابق
10 يونيو 2013م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق أجمعين
وبــــــعد ..
... فإني أتوجه بهذه إلى جميع مواطني الأحرار ، إخوتي وأخواتي ، أبنائي وبناتي ، أحفادي وحفيداتي ، إلى الجيل الليبي الصاعد ، شاكراً لهم قراءة رسالتي هذه التي أحمل لهم فيها كل أمالي الوطنية ، ورجائي إلى مالك الملك الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء أن يجدوا فيها الرأي الصواب والنصح الخالص من الأغراض ، والسبيل المؤدي إلى أنبل الأهداف .
إن أهم هدف لأي شعب من الشعوب في أية مرحلة من المراحل هو ضم الصفوف وتأمين الاستقرار لكي ينتقل إلى مرحلة يستطيع فيها أن يتحرك بثقة واطمئنان إلى مستقبل يسوده التقدم والازدهار وتتحق فيه الحرية والكرامة لجميع أبنائه وفق نظام سياسي واقتصادي واجتماعي يكون محل توافق وطني . ونحمد الله العلي القدير الذي وفِّرَ لوطننا الحبيب كل مايتمناه أي شعب لتحقيق هذا كله . وهذا هو ما مر به شعبنا قبل مجيء الطاغية .
إن ضم الصفوف يتطلب من الجميع أولاً وقبل كل شيء التصافي والتسامح والتفكير في مصلحة الوطن العليا قبل التفكير في أية مصلحة شخصية . والمصالح الشخصية تتحقق للجميع بالعودة إلى القيم الإسلامية والأخلاقية التي هي قيمنا ، قيم ديننا ومجتمعنا . ونحمد الله أن ليبيا كلها على دين واحد ، هو الإسلام وماتميز به من قيم وأخلاق . ومن أهم هذه القيم العدل ، واحترام الحقوق ، والتسامح ، والعفو عند المقدرة ، والتكافل الاجتماعي وغيرها من القيم التي عاشها ومارسها شعبنا ، وتأصلت فيه ، بحيث لا يحتاج إلا إلى التذكير بها ليعود إليها .
ومن نعم المولى علينا أننا جميعا نعيش ثقافة واحدة وتاريخاً واحداً وتراثاً واحداً وتقاليد واحدة . ومن أبرز خصائصنا استعدادنا للتصالح مهما كانت الخلافات ، وأن شعورنا بالانتماء لوطن واحد نحن أبناؤه يتغلب دائماً على أية خلافات ، وقد ثبت ذلك في الماضي وفي الحاضر ، وأتمنى عليكم أن يظل التصالح دائماً نصب أعيننا يعيش معنا ونعيش معه بحيث يسود الوئام دائماً ويقطع الطريق على المفسدين وكل من يحاول بث الفرقة بين أبناء وطننا .
أمامنا الآن أهم مرحلة وهي بناء الدولة الليبية الحديثة ، وفي هذه المرحلة بالذات التي هي أهم وأدق من أية مرحلة أخرى ، يجب علينا جميعاً أن تكون مصلحة الوطن هي المصلحة العليا وهي المقدمة على جميع المصالح الخاصة ، قبيلة أو عشائرية أو فردية . فالخير عميم بحمد الله والمستقبل للجميع ، وأدعوكم جميعاً للعمل لبناء ليبيا الحديثة ، الحرة الأبية ، بلد الأحرار الأُباة ، ليبيا الخير لجميع أبنائها . ليبيا التي يبحث أبناؤها دائماً على ما يوحد بينهم ويجمع شملهم لا ما يفرق الصفوف ويولد الأحقاد والضغائن ويورثها للأجيال القادمة . ولنا في المصالحة الهامة التي رعاها السيد محمد إدريس المهدي السنوسي سنة 1946 ( وهو في زيارة خاصة ) عندما كادت قبائل الحرابي والجبارنة الاحتكام للسلاح ، والتي توجت بوثيقة الإخاء والمسامحة ، ووقع عليها رؤساء الجانبين ، وهذه الوثيقة موجودة لدى المؤرخ الليبي السيد فرج نجم .
إن مصير ليبيا ومصير أبنائها يتقرر الآن من جديد ، ويجب ألا يقرر هذا المصير إلا أبناؤها المجتمعون على كلمة واحدة وهي أنهم جميعا أبناء هذا الوطن وشركاء فيه ، يبنونه بسواعدهم وعقولهم ووحدتهم . والتطلع إلى المستقبل ، وتذكر الماضي لتجنب أخطائه والاستفادة من تجاربه .
إنني عشت الأربعين سنة الماضية بعيداً عن أرض الوطن ، ولكن الوطن وأبناؤه وما كانوا يعانون من الطاغية لم يغب عني لحظة واحدة . وكما تعلمون فقد فشل عملاء الطاغية مرات ثلاث عندما حاولوا اغتيالي , ولولا رحمة الله وقدره لما كنت بينكم اليوم ، ومع كل الألم والغضب الذي أشعر به ، وتشعرون به ، إلا أن ليبيا تنادينا من أعماق الجراح للبحث عن كل ما يصون وحدتنا ويهيء الظروف الأمثل لبناء المستقبل . ومن هذا المنطلق ، إنني أدعوكم إلى ضم الصفوف والإحتكام إلى مصلحة الوطن العليا ، بحيث لا يطبق ذلك القانون إلا على من يثبت عليهم في محاكمة عادلة أنهم ارتكبوا فعلاً فساداً أو جرائم يعاقب عليها القانون أو يعلمون للقضاء على ثورة الشعب ولا يتسع لها باب الرحمة أو العفو أو إصلاح الضرر . إنني أدعو إلى تعميق التآخي والمصالحة من أجل حماية وطننا الغالي وبنائه .
وقبل أن أودعكم أرى من واجبي نحوكم ومن حقكم عليَّ أن أعرض عليكم رأيي المتواضع في ما يدور الآن في حلقات الحوار عن النظام الأمثل لليبيا المستقبل ، هل هو النظام الفدرالي لأجزاء الوطن الثلاث ، أم نظام الوحدة الذي ساد في النصف الثاني من النظام الملكي .
الأخطار الجسيمة والمشاكل الجمة التي ينطوي عليها لبلد صغير في عدد سكانه كليبيا تتركز عليه أطماع خارجية يهمها أن تكون صاحبة نفوذ عليه وعلى خيراته . وهذه الأخطار والمشاكل والمطامع التي كنا نواجهها يومياً هي التي أقنعت مولاي الملك إدريس وأقنعتني وأنا في موقع المسؤولية بأن مصلحة الوطن تتطلب إلغاء النظام الفدرالي وتبني النظام الوحدوي .
أيام النظام الفدرالي كانت مغريات الانفصال والاستئثار بالسلطة قلما كانت تغيب عن الأذهان . وكان الصراع على الاختصاصات وتنازعها في ميادين التشريع والتنفيذ وحدود الإشراف عليه هي الشغل الشاغل للإتحاد والولايات على حد سواء ، ومصدر القلق الدائم خاصة عندما كان التشريع في يد الاتحاد والتنفيذ في يد الولايات تحت إشراف الاتحاد ، أو عندما يكون التشريع في يد الولايات وكل ولاية تشرع على هواها دون أن يكون من حق الاتحاد التدخل لضمان توحيد التشريع . ففضلاً عن الفوضى في التنفيذ أو التشريع التي تترتب على هذا الوضع ، فإن توزع معظم الأمور ، وخاصة في الاختصاص بسن القوانين والتخصصات على هذا الوجه يتيح الفرصة للتدخل الأجنبي لخلق تنافس ضار بين الولايات أو لتحريض الولايات كلها أو بعضها ضد الاتحاد لمقاومة سياساته أو الاعتراض على القوانين الاتحادية التي يسنها ضمن اختصاصه التشريعي ولكن الجانب الأجنبي يرى أنها ضد مصلحته . كل هذه وكثير غيرها كانت تثير مشاكل شبه يومية وتعطل سير العمل وتهدد وحدة البلاد وتتيح الفرص لمحاولات التدخل الأجنبي والاستقطاب وعرض المغريات . هذه ليست اعتبارات نظرية وإنما كانت واقعا كي نبقى يقظين لمواجهته والتصدي له . إن الصراع على السلطة والاختصاص وما يترتب على ذلك لا يمكن تجنبه في النظام الفدرالي ، ولذا فإن الابتعاد عنه هو الأسلم كلما أمكن ذلك.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن النظام الفدرالي فيه هدرٌ كبيرٌ للمال العام دون مبررٍ سوى الوفاء بمقتضيات ذلك النظام ، وهو مال يكون دائماً بالإمكان استثماره في مشروعات إنتاجية تثري الوطن وأبناؤه . والسبب في ذلك أن النظام الفدرالي يتطلب إزدواجات في مؤسسات الدولة وأجهزتها وهذا يؤدي إلى مضاعفة النفقات العامة . ففي النظام الاتحادي الفدرالي يكون هناك الأجهزة والدوائر والمؤسسات الاتحادية تمارس اختصاصاتها وإلى جانبها في كل إقليم أو ولاية أجهزة ودوائر ومؤسسات أقيمت فقط استجابة للنظام الفدرالي وكان بالإمكان الاستغناء عنها لو أتبع النظام الوحدوي . فمثلاً ليبيا الفدرالية كان لكل ولاية والٍ يعينه الملك مقابل رئيس الوزراء ، مجلس تنفيذي مقابل مجلس الوزراء الاتحادي ، ومجلس تشريعي مقابل مجلس الأمة الاتحادي ، ودوائر مقابل الدوائر الاتحادية . وكل جهاز أو هيئة يحتاج إلى موظفيه وإلى خدمات خاصة به . ولا يمكن إقامة نظام فدرالي بدون هذه الأجهزة ، مما يقتضيه توزيع الاختصاصات والسلطات بين السلطة الاتحادية والولايات . وفي هذا إرهاق لموارد الدولة المالية وتبديد دون ضرورة . والمبرر الوحيد له هو التمسك بالنظام الفدرالي .
ويبدو لي ان العامل الأساسي الذي يدعو الليبيين في بعض المناطق للإحتماء بالنظام الفدرالي هو خشيتهم من التهميش ورغبتهم بأن يتمتع الليبيون في جميع المدن والقرى بنفس الخدمات العامة وبنفس الحقوق والفرص ، وبإختصار أن لا ينتظر المواطن الليبي قراراً يتخذ من طرابلس ليسمح له بعمل أو خدمة أو علاج وهو مقيم في الشرق أو في الجنوب وهكذا ، فإذا كان ما ذكرت هو سبب تلك المطالب فهناك نظم دستورية غير النظام الاتحادي تفي بالغرض دون مشاكل هذا النظام وأعبائه ومخاطره قد اعتمدتها دولٌ كثيرة مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وإسبانيا والدول الإسكندنافية واليابان والدول العربية الأخرى كلها . والنظام الغالب في الدول الأوروبية واليابان مثلاً هو النظام الوحدوي مع اللامركزية التي تؤمن للمواطنين الخدمات بشكل متكافيء أينما كانوا عن طريق حكم محلي يكون في متناول المواطنين في دائرتهم ، وهم الذين ينتخبونه ويراقبون أداءه في توفير الخدمات لهم . ويتم هذا كله في إطار دستور توافقي تقره وترتضيه قوى المجتمع المدني على اختلاف توجهاتها , ولا يفرض فرضاً من أية جهة كانت استغلالا لإنفرادها بالسلطة مثلاً ، كما كان الحال أيام الطاغية ، أو لأنها فازت بأغلبية عابرة في وقت من الأوقات . الدستور هو العقد الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد الذي يكونون قد توافقوا عليه ليعيشوا في ظله مهما اختلفت مشاربهم أو مذاهبهم أو توجهاتهم . هو لهم جميعاً باختيارهم بصفتهم مواطنين في وطن واحد , ومن نعم الله علينا كما ذكرت أننا شعبٌ واحدٌ يجمعنا دينٌ واحدٌ وتراثٌ وثقافةٌ واحدةٌ ومصير واحد ، ولذا فإن توافقنا يجب أن يكون ميسوراً ، وعلى أي حال فبالإمكان دائماً إثراء تجاربنا بتجارب الآخرين والاستفادة منها .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مصطفى بن حليم
رئيس وزراء ليبيا السابق
10 يونيو 2013م
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
مواضيع مماثلة
» رئيس وزراء ليبيا السابق: الليبيون يحتاجون الى وعي انتخابي
» تسليم تونس رئيس وزراء القذافى السابق الى ليبيا.
» رئيس وزراء ليبيا السابق يفجّر الخلاف بين المرزوقي والجبالي
» رئيس وزراء ليبيا السابق يرفض تسليمه للسطات الليبية
» وثيقه تفيد بأن رئيس وزراء بريطانيا السابق تونى بلير ساعد سيف
» تسليم تونس رئيس وزراء القذافى السابق الى ليبيا.
» رئيس وزراء ليبيا السابق يفجّر الخلاف بين المرزوقي والجبالي
» رئيس وزراء ليبيا السابق يرفض تسليمه للسطات الليبية
» وثيقه تفيد بأن رئيس وزراء بريطانيا السابق تونى بلير ساعد سيف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR