يا عيني على التقوى

المكان دكان قديم فيه ترابيزة وتليفون قديم من اللى بنشوفه في الأفلام القديمة ورجل كبير
في السن يجلس خلفها وعلى كرسي قديم في خارج الدكان جلس رجل مسن آخر ينظر الى
الافق دون هدف وكانه نائم ومستيقظ في نفس الوقت , كان الرجل داخل الدكان أو المكتب
يطالع أوراقاً بيده ويقرأ ويحسب على الآلة الحاسبة أرقاماً وبين الحين والآخر يتمتم
لا حول ولا قوة إلا بالله
ثم يستمر بالكتابة ويعود ويتمتم لا حول ولا قوة إلا بالله .
ويبدوا أن الرجل الاخر قد تعود على هذا فلم يلق بالاً لما يقوله الرجل الآخر أو يفعله.عندما إنتهى الرجل من حساباته رفع رأسه عن الورق وقال :
- هي الناس ما بقتش تخاف من ربنا كده ليه يا جابر؟
- خير يا حاج حصل ايه ؟
- سكان العمارة بتاعتي ما فيش واحد فيهم يخاف ربنا أو يقول إن فيه حلال وحرام في الدنيا دي.
أجابه الرجل الآخر ببرود من تعود على سماع نفس الكلام مرة بعد أخرى.
- همه عملو ايه المرة دي يا حاج ؟
- تصور الولية ام أحمد اللي ساكنة في الدور الثالث ما دفعتش الإيجار من شهرين
- بس دي ست أرملة وغلبانة وبتجري على عيالها.
- طب هي أرملة وأنا ذنبي ايه؟ هو أنا اللي موّت جوزه ؟
- ده أمر الله وقدره يا حاج.
- ونعم بالله المهم من بكره تروح المحامي علشان يبتدي في إجراءات الطرد.
- بس دي بتجري على أيتام يا حاج حرام!!
- وايه يعني؟ مش ربنا أوصى إن ماحدش ياكل مال اليتيم؟ طب ما أنا يتيم برضه وأبويا وأمي ميتين.
- بس دول ميتين من 40 سنة يا حاج!!
- وايه يعني؟ أنا كمان يتيم وده من حقي أحافظ على أموالي!!
- أمرك يا حاج حاكلم المحامي.
عاد الحاج الى مطالعة حساباته ودفتر آخر عندما عاد ليقول:
- إستغفر الله ربي العظيم وأتوب إليه ؟
- خير يا حاج فيه ايه المرّة دي ؟
- تصور الكفار اللي ما يعرفوش ربنا سكان العمارة حاطين انوار في كل بير السلم من أول دور لآخر دور وأنا المسكين لازم أدفع الفاتورة.
- بس بير السلم ضلمة يا حاج ولو ما حطوش إنارة الناس حتوقع وتكسر رجلها.
- اللي عنده إيمان في قلبه ربنا حينور له طريقه ومش محتاج للمبة أو نور كهرباء !! من بكرة تروح تفك كل اللمبات والإضاءة اللي في العمارة وتجيب بتاع الكهرباء يلغي التوصيلات من أساسها علشان ما يحطوش غيرها!!
- أمرك يا حاج.
عاد الحاج الى دفاتره وهو يحسب ويتمتم ثم عاد ليقول :
- اللهم لا تحاسبنا بما فعل السفهاء منّا يا رب.
- خير يا حاج حصل ايه ؟
- المستأجرين الكفرة بتوع عمارتى التانية باعتين لي إنذار بإن لازم أركب خزان ميّه في السطوح علشان الميّه بتتقطع كل شويه
- معاهم حق يا حاج الناس ما تقدرش تعيش من غير ميّه.
- وما تقدرش ليه؟ هو أنا مأجر العمارة لسمك وإلا بني آدمين ؟
- وجعلنا من الماء كل شيءً حي يا حاج.
- آمنا بالله بس ده إسراف بكره يقولولي أعمل لهم حمام سباحة كمان !!
- حمام سباحة ايه يا حاج ؟ هي الناس لاقية ميّه تستحمى بيها حتى علشان تعمل حمام سباحة؟ دي السكان طلعت ريحتها من قلة الميّه وقبل كام يوم الأستاذ سعيد الساكن في الدور الخامس حدفوه بره الأتوبيس علشان ريحته كانت قارفة الناس كلها والركاب ما قدروش يستحملوا.
- أنا ما ليش دعوة بالكلام ده وكل مستأجر يرّكب خزان ميّه على حسابه واللي مش عاجبه يقدر يسيب الشقة وأنا أأجّرها بضعف اللي بيدفعوه دلوقتي.
عاد الحاج الى دفتره مرة ثانية والى آلته الحاسبة ثم رفع رأسه كالعادة وقال :
- حسبي الله ونعم الوكيل حسبي الله ونعم الوكيل
- فيه ايه يا حاج؟
- الناس الكفرة دول اللي ساكنين في عمارتى الثالثة ما عندهمش ذرة دين وإيمان تصور عايزين أشيل الخرفان والمعيز والفراخ اللي حاططهم في جنينة العمارة وقال ايه؟ ريحتهم ووساختهم جابت الأمراض ليهم ولولادهم.
- طب معاهم حق يا حاج همه ساكنين في عمارة وإلا زريبة؟
- زريبة ايه؟ مش الأجانب كلهم بيربوا حيوانات أليفة في بيوتهم؟ قطط وكلاب ومش عارف ايه؟ طب أنا حاطط لهم حيوانات أليفة من عندي ومن غير ما يدفعوا حاجة ده بدل ما يشكروني؟ بس ناس ما عندهاش دين ولارحمة ولا رفق بالحيوان .
- معاك حق يا حاج.
- من بكرة تجيب كام جاموسة من العزبة بتاعتي و تحطهم مع الخرفان والمعيز وحنشوف الكفرة دول حيعملوا ايه؟
وهنا دخل محضر من المحكمة وسلّم على الحاج وناوله ورقة وذهب ، قرأ الحاج الورقة بتمعن وكعادته إنفجر قائلاً:
- أستغفر الله ربي العظيم وأتوب إليه إنا لله وإنا إليه راجعون.
- خير يا حاج فيه ايه؟
- الناس اللي ماعندهمش شرف اللي بيتهجموا على أعراض الناس؟
- ناس مين؟
- الست الشريفة اللي ساكنة في عمارتى بتاعت حلوان تصور رافعين عليها دعوة لطردها من البناية قال ايه بتمارس البغاء والفجور !!.
- بس دي ست سمعتها مش كويسة وعندها كذا محضر في بوليس الآداب.
- دي أشرف منهم كلهم كفاية إنها ست حقانية وبتدفع إيجار الشقة كل 6 أشهر مقدم وبالدولار كمان ونكاية فيهم الست دي مش ماشية واللي مش عاجبه يمشي هو .
- أمرك يا حاج أي أوامر ثانية ؟
- لا ما فيش حاجة خلاص خلينا نلحق صلاة الظهر قبل ما تفوتنا ويبقى ذنب كبير الواحد حيقول ايه ربنا يهديهم الفجرة !اللي كانوا السبب في التأخير ده.

ربنا يتقبل اعمالك واعمال امثالك ياحاج !!!!!