منتديات عيت ارفاد التميمي
أهلاً وسهلاً بك عزيزي الزائر في منتديات عيت أرفاد التميمي .. تفضل بالدخول ان كنت عضواً وبالتسجيل ان لم يكن لديك حساب وذلك للحصول علي كامل المزايا ولمشاهدة المنتديات المخفية عن الزوار..

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات عيت ارفاد التميمي
أهلاً وسهلاً بك عزيزي الزائر في منتديات عيت أرفاد التميمي .. تفضل بالدخول ان كنت عضواً وبالتسجيل ان لم يكن لديك حساب وذلك للحصول علي كامل المزايا ولمشاهدة المنتديات المخفية عن الزوار..
منتديات عيت ارفاد التميمي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
إعلانات المنتدي

الأخوة الزوار

سجل فوراً في منتديات عيت أرفاد التميمي لتنال احقية مشاهدة اخبار المنطقة ومتابعة كل صغيرة وكبيرة في التميمي - اخبار المنطقة محجوبة عن الزوار

الأعضاء الكرام

الكلمة الطيبة صدقة والاحترام المتبادل تاج علي رؤوسكم وتذكروا قول الله عز وجل !! ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد
المواضيع الأخيرة
» أندية السعودية تزاحم آرسنال على صفقة عربية
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:51 pm من طرف STAR

» مانشستر يونايتد يستهدف مهاجم ريال مدريد
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:51 pm من طرف STAR

» نجم آرسنال على طاولة برشلونة
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:50 pm من طرف STAR

» مدن في ماليزيا تضمن للسائحين قضاء إجازة استثنائية
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:50 pm من طرف STAR

» كيفية تعطيل وظائف مشاركة الملفات في الهواتف الذكية
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:49 pm من طرف STAR

» ما هو سبب الخمول خلال النهار وما هي الاطعمة التي علينا تجنبها
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:48 pm من طرف STAR

» حالة مزمنة تؤثر على 40% من سكان العالم تسرع من شيخوخة الدماغ
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:48 pm من طرف STAR

» كيك الشاي بالزعفران والبرتقال
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:47 pm من طرف STAR

» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime1أمس في 2:44 pm من طرف STAR

» عناصر غذائية تنشط الغدة الدرقية
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime12024-03-27, 2:13 pm من طرف STAR

» رونالدو يصب غضبه على الحكم الرابع بعد خسارة مدوية للبرتغال
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime12024-03-27, 2:13 pm من طرف STAR

» ما الأفضل الاستحمام ليلا أم صباحا؟
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime12024-03-27, 2:11 pm من طرف STAR

» كبدة دجاج مقلية مع حمص بالبصل
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime12024-03-27, 2:10 pm من طرف STAR

» مباريات الثلاثاء 26/3/2024 وقنوات الناقلة
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime12024-03-26, 3:24 pm من طرف STAR

» جولة على الجسور القديمة... معالم شهيرة صمدت على مر التاريخ
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Icon_minitime12024-03-26, 3:21 pm من طرف STAR

بحـث
 
 

نتائج البحث
 


Rechercher بحث متقدم


الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Empty الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ

مُساهمة من طرف dude333 2017-02-03, 7:30 pm

الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ
-------------------------------------------

لقد اكتسبت الروايات الشفوية أهمية كبيرة، كمصدر من مصادر التوثيق التاريخي، وخاصة في مراحل التاريخ التي يقل فيها الاعتماد على الكتابة وغيرها من وسائل التدوين والتوثيق، إما لعدم المعرفة بالكتابة أصلا، وإما لأن الذين يلمون بها ويعرفونها قليلون، إلى درجة تجعل الاعتماد عليهم يأتي في مرتبة متأخرة وفي مثل هذه الظروف كانت الشعوب لا تجد في متناولها إلا تناقل تاريخها وخبرتها ومعارفها المختلفة عن طريق الروابة الشفوية التي يأخذها الخلف عن السلف، وتتناقلها الأجيال من جيل إلى جيل وقد ثبت بالتجربة العملية أن المقدرة على تناقل الروايات التي تنتظم في أشكال فنية نمطية، كالشعر الموزون المقفى، والأمثال والحكم المسجوعة، هي أكبر من القدرة على تناقل الروايات غير المنظومة، التي يصعب على الذاكرة البشرية الاحتفاظ بها وتناقلها بين الأجيال المتعاقبة وهكذا أصبح الشعر المنظوم والأقوال المسجوعة المختصرة، من أهم أدوات الشعوب لحفظ تاريخها وتوثيق ما يمر بها من أحداث، وتسجيل خبراتها ومعارفها في مناحي الحياة المختلفة، في صورة تيسر تداولها ونقلها بين المتلقين في الزمن الواحد، ومن ثم بين المتلقين عبر الأزمان والأجيال المتعاقبة ولم يكن شعبنا الليبي يختلف عن غيره من الشعوب، إذ عاش حقبا طويلة من تاريخه، وهو يعتمد على الرواية الشفوية كأداة أولى، بل ربما كانت وظلت حتى وقت قريب، أداة وحيدة لحفظ تاريخه، وتدوين أحداثه، ونقل ذلك التاريخ إلى الأجيال، جيلا بعد جيل
وكما أشرنا آنفا كانت الرواية الموضوعة في شكل شعري، منظوم في أوزان معروفة متداولة، هي الوسيلة الأنجع والأكثر تهيؤا لأداء المهمة المطلوبة على أفضل وجه ومن هنا فإننا لا نبالغ أو نشتط في القول إذا أكدنا أن الشعر الشعبي هو أحد المصادر الأساسية لتاريخ بلادنا وشعبنا، في مختلف مجالات الحياة، على الأقل فيما يتصل بالمراحل التاريخية التي وصلتنا منها أشعار متداولة، عبر الروابة الشفوية، وهي مراحل قد تعود إلى ما قبل مائتين وخمسين سنة على الأقل.
ومع ذلك فقولنا إن الشعر الشعبي هو أحد المصادر التاريخية، قد يكون فيه إجحاف بالحقيقة، التي تؤكد في مجالات وجوانب كثيرة، أن الشعر الشعبي، وغيره من أنماط المأثورات الأدبية الشعبية، كالحكايات والأمثال والحكم وغيرها، هي المصادر الوحيدة للتاريخ، إذ نجد فيها من المعلومات والتفاصيل، ومن المعارف والخبرات، ما لا نجد له أي ذكر أو توثيق في أي مصدر آخر من المصادر التاريخية، كالوثائق والصور وما في حكمها وقد تحدثنا بتفصيل في مناسبة أخرى عن جوانب من الأهمية التوثيقية للشعر الشعبي، ولكننا في هذه المرة نريد أن نركز حديثنا على جانب محدد، نود أن نتخذ منه مثالا عمليا على القيمة التوثيقية التاريخية التي يكتسبها هذا الشعر، فيما يتصل بصفحة واحدة صغيرة من صفحات تاريخنا الطويل، وقد اخترنا لهذا المثال صفحة من صفحات تجربة مريرة خاضها آباؤنا وأجدادنا
إبان الاحتلال الإيطالي الغاشم، هي تجربة الاعتقال والنفي إلى السجون والمنافي الموزعة في عدد من المواقع في إيطاليا، وخاصة في جزيرة صقلية وما حولها من الجزر الصغيرة المجهولة وقد اخترنا للحديث عن هذه الصفحة من التاريخ قصائد لشاعر شعبي، بات معروفا على نطاق واسع منذ أن نشرت أربع من قصائده في المجلد الأول من ديوان الشعر الشعبي، الذي أعدته لجنة جمع التراث في كلية الآداب بجامعة قاريونس، هو الشاعر " فضيل حسين الشلماني واختيارنا للشاعر فضيل الشلماني، كمثال في هذا السياق، لا يأتي لمجرد الرغبة في التمثيل أو الاختيار، فهو اختيار يفرض نفسه فرضا، وهو اختيار لا مناص منه، فالحقيقة الماثلة أمامنا، حتى الآن على الأقل، تقول إن قصائد فضيل الشلماني هي في الحقيقة القصائد الوحيدة التي وثقت ودونت تجربة آبائنا وأجدادنا في المنافي الإيطالية، ونقلت إلينا من أبعادها وجوانبها وتفاصيلها ما لا نجد له أي أثر أو ذكر فيما وصل إلينا من وثائق تاريخية، سواء تلك المدونة باللغة العربية أو تلك التي ترجمت إلى اللغة العربية من وثائق إيطالية تعود إلى تلك المرحلة التاريخية ونهدف في هذه العجالة إلى استعراض عدد من قصائد فضيل الشلماني التي اتصلت على نحو . مباشر بتجربته الشخصية في الاعتقال والمنفى، لنتبين من خلالها أبعاد وجوانب تلك التجربة التي عاشها إلى جانب الشلماني الآلاف من آبائنا وأجدادنا، الذين اختلفت مصائرهم، فمنهم من كتب الله له النجاة من تلك المنافي، والعودة إلى الوطن، ومنهم من وافته منيته هناك، وغيب رفاته تراب إحدى الجزر الإيطالية النائية المجهولة ونبدأ الرحلة مع الشلماني منذ اللحظة التي ألقي عليه القبض فيها، وأودع زنزانة في سجن مدينة بنغازي، قبل أن تجري محاكمته، ويحكم عليه بالسجن، ثم النفي إلى إيطاليا يذكر الشاعر هذه اللحظة في قصيدته
" بتنا نخمموا"، فيقول


بتنا نخمموا ، والقلوب شفاقة .. والقلوب راحن في الفواد ثريد
مفيت زول واحد ما معاي رفاقة .. مقرون في ويحنن تقول غديد


حيث يشير إلى تلك اللحظة التي شهدت مفارقة إنسانية مؤثرة، إذ جمعت في الزنزانة نفسها الشاعر فضيل الشلماني الذي ألقي القبض عليه بسبب اكتشاف رسالة كانت موجهة إليه من أحد المجاهدين مع شخص لم يكن يعرفه ولا تربطه به علاقة، ولم يكن سوى مسافر تطوع بحمل تلك الرسالة إلى شخص قيل له إنه يسمى فلانا ويوجد في منطقة قمينس التي كان ذلك الشخص مسافرا إليها وتشاء الظروف أن يكتشف الإيطاليون في نقطة تفتيش في مدخل المدينة
تلك الرسالة، فيتهم حاملها بأنه متواطئ مع المجاهدين، فيودع السجن، ثم يقبض على من أرسلت إليه الرسالة، وهو فضيل الشلماني، ويودع بدوره الزنزانة نفسها وحين أدخل إلى الزنزانة وجد فيها شخصا ملقى هناك، يبكي ويندب حظه ومصيره، فيسأله الشلماني عن سبب اعتقاله، فيقول له إنه بسبب رسالة كان يحملها إلى شخص يدعى فضيل الشلماني، ثم يظل يؤكد ويقسم أنه لا يعرف الشلماني هذا وليس له به أية علاقة، وأنه كان قادما إلى قمينس لكي يشتري جهاز عرسه وهنا تكون المفارقة العجيبة، فيخبر الشاعر رفيقه في الزنزانة أنه هو فضيل الشلماني الذي اعتقل بسببه، ثم يمضي في محاولة التخفيف عليه، مؤكدا أنه هذا قدر مقدور، وأنه لا مفر منه، ولعل الله يجعل الفرج منه قريبا.. وما إلى ذلك
ويسجل لنا الشاعر كيف أنه ورفيقه في الزنزانة كانا يقيدان إلى قيد واحد، إذ يقول مقرون في". ويصف الزنزانة التي تضيق عليهما ضيقا شديدا، ويسجل كيف كانت توضع القيود في أيدي المعتقلين، ويشدون بعضهم إلى بعض في قيد واحد، وكيف أن هذا التقييد كان يتم في عصر كل يوم، حيث يبقى المعتقلون مقيدين، وملقين على أرض الزنزانة، كما يلقى الشيء البالي، إلى صباح اليوم التالي


في حجف ضيق، زارتني طاقة ** وم العصر ياتوني بقفل جديد
ونبقى مطوح شبهة الشلفاقة ** لا عند لمباكر وهو في ليد


هذه صورة المرحلة الأولى من المأساة، أي مرحلة السجن التي قضاها الشاعر في بنغازي، وكان السجن خلالها يتلقى كل يوم المزيد من المعتقلين، الذين تجمع منهم في النهاية عدد كبير، فقدموا إلى محاكمة مزعومة، حكمت على معظمهم بالسجن لمدة تتراوح من عشر سنوات إلى عشرين وخمس وعشرين سنة، ولكن الأقسى من كل ذلك كان الحكم بقضاء تلك المدد في المنافي الإيطالية التي اختيرت اختيارا مقصودا، لتضيف إلى مأساة النفي في ذاتها، مختلف الجوانب المأسوية الأخرى المتعلقة بظروف الحياة في السجون المختلفة ولكن الشاعر، بعد أن يستطرد في الحديث عن الحياة وتقلباتها بين الهناء والشقاء، وبين السرور والحزن، وكيف أنها تحفل بالكثير من المصائب والآلام، التي قد لا تكون مصيبة السجن هي أشدها وطأة وإيلاما، يعبر عن تشبثه بالأمل، وإيمانه بقدرة الله، العزيز الكريم، أن يدمر الدولة الإيطالية الغاشمة، وأن يسلط عليها قوة تقهرها وتهزمها شر هزيمة، فيتخلص منها الوطن، ويتطهر من دنسها وظلمها
وفي ثنايا هذا التعبير نجد الشاعر، ولعله دون أن يقصد إلى ذلك، أو يعلق عليه أهمية كبيرة، يوثق لنا جزئية بالغة الأهمية، تتصل بالدور القذر الذي لعبه بعض أبناء الوطن، من المتعاونين مع سلطات الغزو والاحتلال، الذين كانوا يمارسون مهمة التجسس والوشاية بإخوانهم المجاهدين أو المتعاونين مع المجاهدين، فيشمل الشاعر هذه الفئة مع العدو الإيطالي في دعاء واحد، فيقول


المولى كريم وواجدات ارزاقه ** وحاسب ايام العمر بالتفقيد
يسلط علي ها الخاربة طرشاقة ** ومدفع يناوب يشبه الترعيد
نين يقطع الطليان واللقاقة ** اللي كملوا لسلام بالتحشيد



ويصور لنا الشلماني المرحلة الثانية من المأساة التي تمثلت في قصة ترحيل المعتقلين إلى إيطاليا، وتوزيعهم على مختلف المنافي التي كانت قد جهزت لاستقبالهم ويبدأ قصيدته في هذا الخصوص بوصف الحالة المؤلمة التي كان يعيشها هو ورفاقه في المعتقل، ويركز على الآثار التي كانت تخلفها في معاصم أيديهم تلك القيود التي يقيدون إليها، بكل قسوة وفظاظة
يقول الشاعر


يانا اللي طابن اليوم يديا ** وتمن تقول محرقات بنار
دايرين بي دريو والوردية ** هو ذيل من غادي وهم كفار
الواحد يمت ايدي بعين قوية ** وان كان قلت يانا يكرب المسمار
شداد عزما ما فيهم حنون عليا ** خاطر جدودي خربك دوار


ونلفت النظر في هذه الأبيات إلى توثيق الشاعر لاسم هذا الإيطالي الذي يدعوه" دريو" الذي يبدو من السياق أنه كان مسؤولا في السجن أو رئيسا له، إذ يفهم من قول الشاعر أن عملية إيثاق أيدي المعتقلين كان يباشرها الحراس الوردية تحت إشرافه وقد تبين لنا أن كلمة دريو قد تكون تحريفا لاسم الإيطالي الذي هو " ديل ريو"، ويمكن أن يؤكد البحث في الوثائق الإيطالية هذا الاحتمال وبعد أن يندفع الشاعر في تخيل المصير الذي يتمناه لدولة المستعمر، حيث يسلط الله عليها قوة عسكرية تقهرها وتهزمها شر هزيمة، حتى يزول حكمها الغاشم من أرض الوطن، ويتسنى لمن بقي حيا من المعتقلين المنفيين أن يعود إلى أرضه وأهله، فيطفئ جذوة شوقه وحنينه إلى ولده الذي تركه صغيرا ضعيفا، ثم يسرد عليه قصته منذ بدايتها كما سجلتها ذاكرته حرفا حرفا يقول الشاعر:



ونجي غصب عنهم مي بطيبة نية ** ويبات حكمهم فاسد اديان الفار
ونقلع رياف وليد شوقه بيا ** ونخبر علي ما دير في وصار
من يوم مشيتي لاعند يوم الجية ** مكتوبات في دفتر اسطار اسطار


وتبدأ القصة حين تقرر نقلهم إلى إيطاليا، وكان النذير بذلك تلك الصرخة التي أطلقتها أبواق السفينة التي كانت راسية على رصيف الميناء، حيث حشد المعتقلون، عصر أحد الأيام، لحملهم على ظهرها :


بابورهم عيط يحذر فيا ** نوى شيلنا من وطننا العقار
فيه طوحونا في عصير عشية ** ولمد مخاطيفة نوى لسفار


ولا يفوتنا قوة وجمال التعبيرات التي استخدمها الشاعر للإيحاء بمشاعر الهلع والألم، ونقل جو الحزن والعزاء والفقد، وهو أقسى وآلم فقد يجده الإنسان، أي فقد الوطن، وانتزاع جذوره من تربته التي كان يغتذي عليها فسفينة الطليان تصرخ " بابورهم عيط" وهو صراخ تحذير من الكارثة التي ستحل بهم " يحذر فيا" ، وهذه الكارثة هي اقتلاعهم من تربة وطنهم نوى شيلنا من وطننا العقار". ثم نلفت النظر إلى قول الشاعر " فيه طوحونا"، لندرك بعدا آخر من الصورة المؤلمة وهي معاملة أولئك الرجال معاملة الأشياء المحتقرة التي تلقى إلقاء، كيفما اتفق ويصور لنا الشاعر حالة هؤلاء الرجال وهم يعانون مشقة السفر بالبحر الذي يركبونه لأول مرة في حياتهم، بعد أن كانوا يلتذون بركوب صهوات الجياد، ويأنسون لهزتها التي تشفي النفوس وانطلقت السفينة إلى وجهتها التي يهم الشاعر منها صفة الابتعاد عن أرض الوطن وخذ الليل متكاصي بجد ونية نوى البعد لا حونن ولا محتار وعندما أصبحوا في أعماق البحر، لم يعد يرى من حولهم إلا الماء والسماء، أو الحوت الذي يطالعهم من حين إلى آخر وهو يتقافز :


ولا عاد تنظر إلا سما وموية ** والا حوت يزاقب ، وموج كبار


ويصف لنا الشاعر ما حدث لأولئك الرجال من أثر دوار البحر، ويعتذر لهم بأنهم عاشوا حياتهم في بيئة أخرى، ولم يألفوا البحر وأمواجه :


داخوا ضنا لجواد من قلبية ** عاشوا عصر ما يعرفوا له كار


ثم تنتهي رحلة البحر، وتحط السفينة مراسيها في ميناء " سيراكوزة" بجزيرة صقلية، ويبدو أن انبهار الشاعر بطبيعة الإجراءات التي استقبلوا بها وطرافتها، قد جعلته يعجب بها، وينسى معناها الحقيقي، فيقول:


جابنا على " كوزة" عرب روسية ** الزين تشكره حتى من الكفار


وتمثلت تلك الإجراءات التي يتحدث عنها الشاعر في إجراءات الوقاية الصحية التي أخضع لها المعتقلون حال إنزالهم من السفينة، وقبل أن يختلطوا بغيرهم من الإيطاليين، حيث أدخلوا إلى المغاسل، فنزعت ملابسهم، وطهرت عن طريق الحرارة والبخار، وغسلت جلودهم
ع الحال سبحونا عند وان الجية ** وحتى الدبش حطوه في مبخار
ثم أدخلوا إلى أماكن النوم، وعلم كل معتقل السرير الذي سوف ينام عليه، وذهبوا إلى أماكن الطعام، ولفت انتباه الشاعر تلك المناضد الطويلة التي صفت عليها الصحون صفوفا منتظمة، وكيف سلم كل منهم أدوات طعامه وشرابه الخاصة به :


ولا هناك زول ولو بناموسية ** ولقبت الصواني دايرات اسطار
وكل نفر منا كلفوه بشيه ** ولا عاد منا جار يطلب جار


كانت تلك هي الحال في الليلة الأولى التي قضاها المعتقلون في محطتهم الأولى في سيراكوزة، التي غادروها في الصباح الباكر على متن قطار، كان هو أيضا تجربة جديدة في حياة أولئك الرجال، لم يكونوا قد مروا بها من قبل، ويصف لنا كيف شحنوا في ذلك القطار وهم مقيدو الأيدي، بعضهم إلى بعض، في هيئة لم يجد لها الشاعر في ذاكرته مثيلا إلا صورة الجمال التي كانت تربط بعضها إلى بعض وتشد إلى العمود الذي يستخدم لدرس سنابل الغلة المكدسة في" المجرن"، وهي صورة تجسد لدى البدوي إحدى حالات المهانة التي يتعرض لها الجمل، حين يكلف بهذا العمل الذي لا يليق به



ومنها سرينا سروة جهمية ** مقرونين في سدي تقول مدار


ثم ينطلق يصف ذلك القطار، ويتعجب من غرابة صنعته، ويصف صوته الذي يشبه دوي الرعد، وإيقاع عجلاته المتتابع كأنه قرع الدف أو البندير، ثم ينقل لنا بضعة تفاصيل من الطريق التي سلكها القطار، حيث كان يمر على السهول المزروعة المسكونة، والقرى الصغيرة التي كان يطالعهم فيها أصحابها من المزارعين، ويتعجب من رؤيتهم وهم حاسرو الرؤوس، ثم يسجل لنا ما كان يحدث لهم حين يتوقف القطار في بعض المحطات على الطريق، إذ كانت النساء يأتين ليشاهدن تلك المخلوقات الغريبة، بتقاطيعها ومناظرها وملابسها، وكيف كانت تأخذهن إزاءها مشاعر النفور والخوف


حطونا على شيطي عمل ذمية ** شغله مخالف يعجب النظار
حسه تقول زنيف رعادية ** وحرك دوليبه كما البندار
يا ما جا علي بندر عجب ساطيه ** سبحان خالق البناي والجيار
وما م البلاد اللي مغير كوية ** زراعة سواني روسها حسار
تجي فازعة كلها تتعارش فيا ** كما راس ضبع وجا صداف حمار



وبعد أن يمر القطار بتلك الجبال الشاهقة التي تلامس قممها السحب، وتغطيها الغيوم، وتبدو من بعيد طبقات فوق طبقات، لا تلبث حتى تختفي في الاتجاه المعاكس، مع ارتفاع صراخ القطار، الذي يعيد بدوره إلى ذاكرة الشاعر، صراخ من يستغيث ويطلب النجدة


وما من جبال تقول غيم عشية ** يبانن علينا دايرات ادوار
ع الحال في ساعة يجن قبلية ** يعيط كما فزاع يوم مغار


ومع ذلك، تبهرنا قوة تشبث الشاعر بالإيمان بالله وقدره، وبقدرته، تعالى، على تفريج الكرب عن عباده، وجعل هذا القطار نفسه، الذي يأخذهم في هذه اللحظة إلى المصير المجهول، يعود بهم أدراجه نحو الوطن


وطالبين فضله ما يكن عليا ** خالق الخلايق عالي المقدار
ان شا الله في ساعة يعاود بيا ** ومعاي جملة المسلم الكل حضار


وتنتهي رحلة القطار بالشاعر ورفاقه إلى المعتقل الذي رحلوا إليه، ونعرف من إحدى قصائد الشاعر التي سوف نتطرق إليها أن هذا المعتقل يقع في جزيرة صغيرة توجد في أقصى شمال غرب جزيرة صقلية، تسمى " فافنيانا". في المعتقل تبدأ مشاهدات الشاعر ، ومعها تتوالى أشعاره التي توثق وتسجل تلك المشاهد، وتنقلها إلينا عبر مختلف التعبيرات المؤثرة، والصور الموحية الدالة أول هذه المشاهد مشهد أولئك الرجال الذين كانوا في الوطن فرسانا وأعيانا ورؤساء، وباتوا في المعتقل يتعرضون، كغيرهم، لأصناف العذاب والمهانة والمذلة، وهم عاجزون عن فعل شيء إزاء ذلك وتتجسد المأساة من خلال تلك المقارنة التي يجريها الشاعر بين حال هؤلاء الفرسان في الوطن، وما عرف عنهم من البطولة والفروسية والشجاعة في ميادين القتال والصراع، وبين صورتهم وهم صاغرون ذليلون خاضعون، في عجز مؤلم، لممارسات السجانين الظالمة المهينة :


شغلني صغاهم، باهيين وتاهم ** اللي هم ذراهم، ساعة الدهشان
ما من الخيرة ، عند قولة ديره ** اليوم في دزيرة في بحر طليان
لموهم نصارى ، كلهم في حارة ** خلوهم جضارى ، حالهم تعبان


ويسجل لنا الشاعر إحدى تلك الممارسات المهينة، التي تمثلت في حلق لحى أولئك الشيوخ المبجلين، وما سببته لهم من شعور ممض بالإهانة والمذلة، ويقول إنه بالرغم من كونه أحدهم، وأنه تعرض لمثل ما تعرضوا له ، إلا أنه ألم لهم أكثر من ألمه لنفسه


حتى ونا معاهم ، شاطني مطراهم ** تحسينة لحاهم غيبت لذهان


ثم يستطرد في وصف أولئك الرجال الفرسان، وتصوير حياتهم الحافلة بالعزة والشموخ والبطولة، وكيف أنهم واجهوا المحتل الغاصب ببطولة فائقة، وخاضوا ضده المعارك الطاحنة التي كبدته الخسائر الفادحة، إلا أن الفارق في القوة والعتاد قد غلبت في النهاية، وتمكن المحتل من السيطرة :


ان تاق ينطحنه ، ما يولن عنه ** ولايل علي الكافر عدو لديان
ان جرد وجاهن ، قادات وتاهن ** محاميل من موزر ومن يونان
يا ما كسرنه ، نين راح مدنة ** نين عفن الغيطان والوديان
وراحوا دقايل غالبين الشايل ** لكن جيوش تقول غيم امزان
وفي النهاية كان ذلك قدرا مكتوبا، لا مفر منه، ولا محيد عنه
تسليم العصايا ، ما لهم في غاية ** لكن قسامي جي ها المكان


ثم يركز الشاعر إشارته السابقة، فيخص بالذكر عددا من أعيان مدينة بنغازي وأثريائها ممن كان لهم دور مهم في دعم حركة الجهاد وإسنادها، وحكمت عليهم سلطات الاحتلال بالسجن والنفي، ويجسد من خلال هذه الإشارة تلك المفارقة المؤلمة، حين يصف ما آل إليه أعيان مصراتة"
الذين مثل لهم بالسنوسي جبر وسليمان منينة، من مذلة وهوان، وهم قابعون في ناحية من تلك الزنزانة المظلمة القذرة، بعد أن كانوا أسيادا في مجالس الرئاسة والشهامة والكرم ورفعة الشأن :


مصراتة بلادي ، جايين سدادي** ريت السنوسي جبر وسليمان
اركان المجالس ، قاعدين كرايس ** عازلينهم كي عزلة الجديان
حاكم عليهم ، حق مو عاطيهم ** ما جا علي عهده قليل آمان


وبعد أن يذكر الشاعر جوانب مختلفة من جوانب رئاسة أولئك الرجال ومظاهر العزة والثراء التي كانوا يعيشون فيها، في أبيات تحفل بالتصوير الدال الموحي


يا هل مراتب ، م القضا للكاتب ** للمدير للباشا فلان فلان
ويا هل علالي ، مزوقات عوالي ** ديما ممالي ، عز للضيفان
ويا هل تجارة ، مي قروش وبارة ** ذهب صاغ صافي كيل بالميزان
ويا هل فلاحة ، في وطا السماحة ** ليش في علاوي ، وليش في وديان
في وسط برقة ، حاملين الطرقة ** سماح الوتا برا وفي الحيشان



يؤكد أن القوة الطاغية، والفارق الرهيب في العدد والعتاد، هو الذي جعل قوات المحتل، تقهر هؤلاء الرجال، حتى جلبتهم إلى ذلك المكان :


لو كانن لغاوي ، والخبر متساوي ** ما يجيبهم لا عند ها المكان


ثم يلخص المأساة في مآل أولئك الرجال من حال السعة والحرية والعزة، إلى حال الضيق والاختناق والخضوع لممارسات السجانين :


خلوكم خنايق ، حالكم متضايق** مالين م الكسوة وم الحسان


في تلك البقعة النائية، وعبر معاناة أحاسيس الألم البدني والنفسي الممض، يحن الشاعر إلى الوطن وأهله، ويرى عصفورا طائرا بجناحيه في السماء، يحلق حرا طليقا، فيخطر له أن هذا الطائر يمكن أن يصل إلى الوطن، فيحمله إليهم سلاما وأشواقا وجملة من الأخبار، يخاطبه قائلا :


يا طير يا طيار يا حايم السما ** يا اللي خلق لك ربنا جنحان
تعال هنا نحكي لك علي حال ما جرى ** راني غريب، وانت م الحبان
يا خوي يا مشكاي راح لوطننا ** بلغ سلامي ، والسلام آمان


وبعد أن يحمله السلام إلى كل الوطن: رجاله ونسائه وأطفاله، بل حتى الحيوان به، ولا يستثني من ذلك حتى الحيوان المفترس


سلم لي علي لجواد فرسان القسا ** حماة السخايا ساعة الزنان
علي كبارهم وصغار واللي في الندا ** وجار جارهم واللي يلحظ النيران
وعلي وطننا كله عموم علي ولا ** حتى كلابهم والذيب في الوديان


ولا يخفى بالطبع ما في هذه اللمسة من تعبير غني بالإيحاء عن المعنى المجرد الرفيع لحب الوطن، حتى أن المرء ليحب كل ما له علاقة بالوطن، سواء أكان محبوبا في ذاته أم مكروها وهذا المعنى هو ما ورد في صورته القصوى لدى حسين لحلافي الذي يقول :
لفاعي الوطن ولا عقارب غيره
بعد ذلك يبدأ في تدوين الأخبار التي يريد أن يحملها الطائر إلى الوطن وأهله وأولها وصف حالته وحالة رفاقه في ذلك المعتقل، وما يعانونه من آلام الحبس وقسوة العيش فيه، إضافة إلى تباريح الشوق والحنين إلى الوطن والحرية


وإن كان ينشدوا ع الحال في حالة الكدا ** مرايف عليهم خاطري ولهان
بعد ايامهم والله ما رينا زها ** ولا رجلنا جالت علي جيران



ثم يورد وصفا لذلك المعتقل، ليس أمامنا إلا أن نأخذه على أنه الوصف الوحيد، حتى نجد من الوثائق ما يؤكده أو ينفيه، وهو قوله إن ذلك المعتقل عبارة عن قبو مظلم في أعماق الأرض، لا يرى النور مطلقا، وأنه مغلق عليهم بأبواب من الحديد، ذات أقفال قوية، وأنهم لا يرون حولهم أحدا إلا من جنس الإيطاليين


في حجف نازل في تسابيع الوطا ** مظلم علينا ما الشمس تبان
مسكر بباب حديد واقفاله قوا ** واللي تنظره عيني الكل طليان


ثم يبدأ في ذكر أخبار بعض رفاقه، راثيا لحالة بعضهم، وناعيا بعضهم الآخر ممن وافتهم المنية هناك وبالطبع تعتبر أبيات الشلماني هذه مصدرا تاريخيا مهما لتوثيق وجود أولئك الذين يذكرهم في شعره في معتقل فافنيانا في ذلك الوقت، ثم توثيق وفاة من أورد نعيه منهم يقول


أول سلامي فيه من ساعة البدا **لعيت العبيدي هم كبار الشان
يا بعاد ما علمتوا اللي صار عندنا ** كسوة لعادي فوق من عثمان
لكن ثقيل الروز صابر للقضا ** مخلي قلوب الخافين رزان


ويقول الرواة إن المقصود في هذه الأبيات هو عثمان الشامخ من فرع مريم قبيلة العبيدات ثم ينعي إلى آل رفاد من قبيلة العبيدات أيضا اثنين من رجالهم، وافتهم المنية هناك هما . :
حسين مومن الرفادي والساعدي اللافي ، فيقول :


ونثني بعيت رفاد سميحن الوتا ** مناعة اللي خايف ذرا الردان
وقل لهم حسين تعيش لله ما خذا ** واللي بقي م الحي للفنيان
الدايم الله يا كامل العرف والبها ** لذيذ الطبايع ما علينا هان
والساعدي اللافي عالي النقب والنبا ** ركاب من توالي سمحة الردحان
يا عز ضيف الله في الكرب والرخا ** يا بو فريقا يطعم الجيعان


ثم يعبر الشاعر في أبيات غنية بمشاعر الأسى والأسف، والإحساس بمرارة العجز والضعف، إذ يرى كيف يموت أمام أعينهم في ظلمات ذلك المعتقل البعيد هؤلاء الفرسان الكرام، فلا يجدون من يقيم عزاءهم، أو يندبهم بما هو قدرهم، وكيف أنهم لا يجدون إلا ذرف الدموع الذليلة، وحمل رفاقهم الشهداء لدفنهم في تراب الغربة:


ما كارهمشي لا عياط ولا شلا ** كارهم نواجع يضبحن طيران
يجنهم معازي من هناك ومن هنا ** هناك تبرى عجرة الحبان


وكعادته لا يغيب عن الشاعر لحظة إيمانه بالله وقدره، فيستدرك بأن كل ما حدث ويحدث لهم هو قضاء مكتوب من عند الله سبحانه وتعالى، وأنه هو وحده سبحانه القادر على تفريج الكربة، وإنهاء المأساة والمعاناة، وإنه لقادر برغم ظلمة اليأس، وثقل الإحساس ببعد الخلاص، أن ينهي مأساتهم على نحو ما، كأن يأتي عفو عام يشمل المعتقلين، فيفرج عنهم، ويعودوا ، أو بالأحرى يعود من بقي منهم حيا، إلى أرض الوطن


لكي اللي قدر عليهم بالخطا ** نين جاب تربتم لها المكان
عالم عداد الخلق والنجم في السما ** وعالم اللي صاير خفا وبيان
من غير ربنا ما لي كريما نطلبه ** صاحب العطا والجود ع الانسان
ياتي بعفو عموم يطلق سجننا ** ويفرج علي اللي خاطره مليان



5ونأتي الآن إلى القصيدة الوحيدة، لا في شعر فضيل الشلماني وحسب، بل لعلها في الشعر الشعبي الليبي كله، التي توثق اسم الجزيرة التي كان يوجد بها ذلك المعتقل الذي ضم الشاعر ورفاقه، وهي جزيرة فافنيانا، والتي يختصر الشاعر اسمها لضرورة الشعر إلى " فنيانا"، فيقول :


خرب قرارك دوم يا فنيانا ** بلاد الكدر والمرمدة والهانة


ثم يندفع يصب نقمته على تلك البلاد التي لا يجد فيها المعتقلون سوى المذلة والإهانة وصنوف الآلام والكدر، ويورد مشاهد دالة على ذلك في صورة ذلك العسكري الإيطالي الذي لا يرتوي من الخمر، ثم يأتي ليشبع نهمه للتعذيب والإيلام، فيجمع المعتقلين في أي وقت يشاء، ويجعلهم يقفون صفوفا أمامه، وفي يده السجل الذي يدون به أصناف العقوبات والجزاءات، على الذنوب والمخالفات التي يزعم أن المعتقلين يرتكبونها، سواء بالحق أو بالباطل، والتي لا يكون وراءها من هدف سوى الإذلال والإهانة، وتحقير أولئك الرجال الذين لم يعتادوا حياة الذل والإهانة :


الله يخربها ** من حدها م الشرق لا مغربها
هذي بلاد ما تعرف الله عربها ** ولا عندهم ع المسلمين حنانة
نصراني يدني فياشكة يشربها ** وفيده دفاتر والقلم في ذانه
يطلبنا علي حاجة عطيب سببها ** وكيف ننكروه الحجر ما نجانا
علينا اللي مي صادقة يصلبها ** ويخلي كبير الشان صاغر شانه



وإذا مررنا على كل الأبيات التي تقتصر على تصوير النقمة على تلك البلاد، والدعاء عليها بالخراب والدمار والهلاك، فإننا نتوقف عند أبيات لها قيمة كبيرة في تصوير جانب من حياة المعتقلين في هذا المنفى، وبخاصة ذلك الذي يتعلق بسوء التغذية، ونوع الطعام الذي كان يقدم لهم، الذي يذكر الشلماني بعض أنواعه في صور قوية التعبير، بالغة الدلالة :


يا غدارة ** يا اللي اهاليك الكل نصارى
يا اللي ضنا لجواد فيك فقارة ** عايشين غير قريب بالسبحانة
مونتك لهم خبزة تقول حجارة ** ومغيرف شريبة ما تجي مليانة
حبات مكرونة ما يطقن حارة ** ويجن قفار ما فيهن غيار دهانة



محطتنا التالية مع فضيل الشلماني هي من أهم المحطات في رحلته التوثيقية المهمة، ذلك أنها عبارة عن سجل، مصاغ في ثوب فني بالغ الجمال والتأثير، يذكر أسماء عدد من الأشخاص كانوا معتقلين مع الشاعر في المعتقل نفسه وقصة هذه القصيدة في ذاتها قصة ذات دلالات عديدة مهمة يذكر الرواة نقلا عن الشاعر نفسه أنه كان معهم في المعتقل عدد من أعيان مدينة بنغازي وأثريائها من التجار والملاك، حكم عليهم هم أيضا بالسجن والنفي، بتهمة التعاون مع المجاهدين وإمدادهم بالمؤن والمال وغير ذلك وقد مر بنا إشارة إلى هؤلاء في القصيدة التي ذكر فيها الشاعر اسمي اثنين منهم هما:
السنوسي جبر وسليمان منينة، وهي القصيدة التي جسد فيها الشاعر قمة المأساة، حينما تبدو المفارقة المؤلمة بين حال هؤلاء الرجال الكرام السادة الفرسان، وهم في وطنهم أحرار موفورو الكرامة والعزة، وبين حالهم في المعتقل، مقهورين مذلين، مضطرين للخضوع لأحكام وممارسات السجانين ويذكر الشاعر أن هؤلاء الأعيان الأثرياء
كانت تصلهم من أهاليهم في بنغازي العديد من الطرود التي تحمل أغراضا متنوعة، مما يحتاج إليه المعتقلون حاجة ماسة، كالمال والغذاء والملابس، وقد ضربوا مثالا نادرا في الكرم، إذ كانوا يغدقون على رفاقهم من المعتقلين الذين لم يكن يصلهم من أهلهم شيء، وكانوا يعانون أشد المعاناة من الجوع والعري وسوء الحال. ويذكر الشاعر أن كرم هؤلاء " البنغازيين" قد أخجل رفاقهم وطوق أعناقهم بالفضل والمعروف، وكانوا حائرين ويتساءلون كيف يمكنهم أن يردوا ولو جزءا من هذا الفضل، أو يشكروا فاعليه عليه ويذكر الشاعر أن أحد رفاقه قال له يا فضيل، إننا لا نجد ما نشكر به صنيع هؤلاء الكرام، إلا قصيدة من شعرك، تذكرهم فيها، وتذكر موقفهم هذا الذي يجل عن الوصف والشكر وبالفعل أنشأ الشاعر هذه القصيدة التي تكتسب، إلى جانب قيمتها الفنية الخالصة، قيمة تاريخية عظيمة، فقد سجلت لنا أسماء سبعة من أولئك الرجال الكرام، وذكرت صورا من كرمهم وفضلهم وقد وجدنا بعد شيء من التقصي والتحقيق أن هؤلاء السبعة هم، بحسب ترتيب ذكرهم في قصيدة الشلماني
منصور البابور، عبد الله مخلوف، حسن بوليفة، رجب علي يوسف، الزروق الرعيض، حسن بوقعيقيص، سليمان منينة يذكرهم الشاعر في قصيدته، ويبدع في مدحهم وذكر كرمهم وفضلهم وإننا نعتقد أن القصيدة صفحة واحدة متكاملة، جديرة بأن تقرأ كلها كاملة غير مجزأة أو منقوصة يقول الشلماني:


ودّي في تْشكّر للسّمايا ** لكن رَا اذْهاني غايْبات
لَو تشْحِيت طامع في سعايا ** وْلا هنْشِي حَجايج كاذْبات
لا هم لِيّ من غادي دْمايا ** الاّ مناصب شكْر مْقابْلات
طْرِي مَنصُور يصْرف عَ الكبايا ** بْجاوِي ما يْملَّه قَولْ هات
واقفْ وَقفْ ما هُو م السّهايا ** ينْشد دَومْ عَ اللي عايْزات
عَطاه الله مَو عامل جنايا ** يْرَضّي في القْلُوب الشّاكّات
وْبُو مْخَلُوف كَسّاي العَرايا ** وْهُو هاناك عزّ الضّايفات
حَسَن هُو زاد لهْ طَولة عْناية **يصْرف ما يْعِدّ الخاسْرات
والحاج رجب كَي بير الحَطايا ** اللي مْعَلُوم يسقي الواردات
والزَّرُّوق غالبْهم كْفاية ** خِيرَة غَير ايّامَه هالْبات
وبُوقْعَيقِيص كَي بَرّ الوسايا ** ظِهيرَة في السّنِين الكالاّت
يْجَن فرّاغ ووْجُوهّن كبايا ** ويْردَّن كلّ خَير مْحَمّلات
وسْليمان هُو حَدّ الغوايا ** ديما هُو خَلاص الواحْلات
وانْ جا فوق مَرفُوع الشّوايا ** يْرَضِّي في قْدُوم السّايْرات
كْسرْنا فِيهْ كَسْراً جا شطايا ** يَوم عَطِيب يوماً قِيلْ مات
الله الله يا قلّة صبايا ** يْباتَن فَوق طارَه سامْرات
أَجواد الْكلّ ما همْشِي ردايا ** أَفراع طْوال من عالي النّبات
ولا يسْتاهَلوا حكْم الجّنايا ** وْلاهم كار حَبْس وشَيلاّت
ودَّك فَوق من سبّق علايا ** وَالاّ في قهاوي مروحات
بْجاه الله واخْوان الزّوايا ** انْعَنْهم في تساكر جايّات
بْعَفْو عْمُوم طالع بالنّوايا ** ما هنْشِي حجايج كاذبات
ويباتوا في مْحلاّتهم هَنايا ** ويَفْرَغ حَكِي عَ اللي سايْرات


صورة أخرى من صور المأساة يسجلها الشلماني في قصيدته التالية، حيث يخاطب عينيه اللتين لا تكفان عن ذرف الدموع أسى وحزنا وألما، على مصيره ورفاقه، أولئك الرجال الكرام الفرسان الذين باتوا يُرمَون فوق أراضي الزنزانات المظلمة الموحشة، كما تُرمَى الأحمال في مواطن التخزين، ويتركون هنالك، في معاناة الجوع والوحشة وآثار الطقس، باردا وحارا، ثم حين يحل نهار اليوم التالي يؤمرون بالخروج للوقوف في صفوف، حتى يأتي المسؤول عن تشغيل المساجين في أعمال السخرة المختلفة، فيمر عليهم، ويتأمل هيآتهم وأجسامهم، ويختار من يراه صحيح البدن، قوي البنية، قادرا على العمل، فيأخذهم للعمل ويتألم الشاعر لهذا الموقف، الذي يستحضر إلى ذهنه مشهد العبيد الذين يعرضون في سوق النخاسة، لكي يختار منهم المشترون من يروق لهم، ويصلح لأغراضهم المختلفة في أبيات مؤثرة قوية، بنغمة الحزن والشجن الدافقة من خلالها، يقول الشلماني :


نداري علي عيني وخايف تنعمى ** وهي مغير تذري دمعها سيال
تعتا علي لجواد فرسان القسا ** اللي يشونوا فيهم تقول احمال
يستاهلوه الحزن والهر والبكا ** هداية المشالي يوم جور المال
اليوم ما لنا قدرة مفيت ع البكا ** كيف الجلب واقفين للعزال
كل يوم مطلوبين ويجينا سطى ** ويقول هذا صاغ وهذا فيه خيال
تمينا تقول عبيد للبيع والشرا ** نصراني وما صدق علينا دال


وبعد أن يستطرد الشلماني، كعادته في كل قصائده، في ذكر الدنيا وأحوالها، وتقلبها بين السعادة والحزن، وبين الأمل واليأس، وبين الشدة والرخاء، ويستحضر في هذا السياق العديد من الأمثلة المشتقة من قصص القدماء، وبخاصة من قصص الطغاة المتجبرين الذين طغوا وظلموا وأفسدوا في الأرض، ثم انتهوا أبشع نهاية وأقساها، وانتقم الله تعالى منهم، جزاء ما صنعوا بالعباد الذين ظلموهم وقهروهم، بعد كل هذا يعبر الشلماني عن ثقته وإيمانه بتحول الحال، وزوال الكرب، وانتهاء المأساة، فينتهي المغتصب الإيطالي الظالم، ويعود من كتب الله له النجاة والحياة من المعتقلين إلى الوطن سالما غانما، ويصبح كل ما مر به من آلام ومعاناة وتجارب مريرة، قصصا وحكايات يرويها لأبنائه وإخوانه يقول الشاعر :


كل طاغيا هالك، وكل حي للفنا ** وكل حد خالق له الله ميجال
ويهبن رياح العون ويهون القضا ** و لاسبد ما نرجع بعد لمحال
ويرجع طويل العمر ويجي لوطننا ** ويبقى اللي صاير مغير علال


في قصيدة أخرى من روائع شعر الحنين إلى الوطن، يخاطب الشاعر عينيه اللتين يمضهما الشوق إلى تراب الوطن، ولا تنفكان تتذاكرانه، وتستحضران ذكرياتهما فيه، بقعة بقعة، مقارنا بين الحياة الحرة الغنية في تلك الربوع الفسيحة المترامية الأبعاد، وبين قبوعه منكمشا على نفسه من الذل والقهر في زنزانة ضيقة مظلمة كئيبة، بعيدا بعدا هائلا عن الأهل والأحباب والرفاق والجيران، فيذكر تلك المقارنة في قصيدته التي مطلعها:


يا انظار شين الموح ما طقتنه ** تهاتن علي البطنان وتريدنه
تريدن السد الغالي ** مرباكن اللي عشتن عليه التالي
تسيلن عليه دموعكن شتوالي ** ويرقن عزايمكن بعد تطرنه
يا ما نظرتن فيه عز ليالي ** بيت يعجب النظار وين بننه
واليوم حجف مظلم والحديد قبالي ** لا حبيب يرعيكن ولا ترعنه



ثم يحاول الشاعر تعزية نفسه، فيذكر تقلب الدنيا وعدم دوام أحوالها من الرضا والسعادة والعمران، ويرثي خاله صالح الشريف الذي بلغه نبأ وفاته، وبعد استطراد طويل في ذكر أسماء لأماكن مختلفة، من سهول وتلال وغيطان وعيون ماء، كانت له فيها ذكريات، يعود لذكر حالته الحاضرة في زنزانة المعتقل، حيث لا يرى أمامه إلا قضبان الحديد، والجدران والأقفال، والحراس الإيطاليين القساة، وحالة البؤس والفقر والعوز والحاجة:


يا نا اللي صفنا اليوم جضارى ** لا علم ياتي لا خبر من هلنا
فيت الحديد وباب بالسكارة ** ووردان في كفره قديم معنى
وقبينا بعد خوجة اليوم فقارى ** وفقد الغوالي هو اللي شرغنا



وبعد عتاب طريف يوجهه الشاعر إلى نفسه، أو بالأصح بينه وبين عاطفته، التي يرمز لها بعينيه، يلقي عليها اللوم، ويعتبرها هي السبب فيما حدث له، فلولا أنه انساق وراءها وتبعها حتى أوصلته إلى قمينس، فحدث ما حدث، ووقع في أيدي الإيطاليين، لعله كان نجا من ذلك المصير، ولعله كان قد تمكن من الفرار بعيدا عن أيدي المحتلين وسلطاتهم، وفي بيت يتفجر بالسخرية المريرة ينهي الشاعر عتابه لعينيه بدعوتهما للتوقف عن ذرف الدموع، وتأمل المشهد الماثل أمامهما، وهو مشهد أبواب وأقفال وقضبان الحديد :


يا انظار كنكن فيا ** مظيليم ما معاكن وطيت خطية
انتن اللي ديما تقودن فيا ** والخاطر تبعكن نين ضليتنه
خرابة قمينس مي بلادا ليا ** لو ما نظركن طاش وتبعتنه
هذا عشم من بيعة المرخية ** اللي حقها في الغوط ودرتنه
كل عام تجارن علي

-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ 116669782
dude333
dude333
مشرف المنتدى السياسي
مشرف المنتدى السياسي

ذكر
عدد المشاركات : 5585
العمر : 54
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ Empty رد: الروايات الشفوية و الشعر الشعبى و التاريخ

مُساهمة من طرف STAR 2017-02-04, 9:25 am

شكرا للطرح الرائع

-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
STAR
STAR
النائب الثاني للمشرف العام
النائب الثاني للمشرف العام

ذكر
عدد المشاركات : 126398
العمر : 39
رقم العضوية : 31
قوة التقييم : 211
تاريخ التسجيل : 08/03/2009

https://tamimi.own0.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى