إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
البنت سقاوة....!!!!
+7
فرج احميد
بوفرقه
عبدالحفيظ عوض ربيع
مثيل القمر
المرتجع حنتوش
ادريس بوزويتينة
c.ronaldo
11 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
البنت سقاوة....!!!!
للتين حكاية وحكاية.. ومن التين يصنع أهل ليبيا شرابا لذيذا.. شرابا بمثابة المال.. يدفعون منه مكوس باتوس وسلالته.. شجرة ذات شذا.. شذا يلهب المشاعر.. يرفع معدلات العشق.. الحشرات تتسافد أسفلها.. الطيور في أعشاش على أغصانها.. العشاق يلتفون مسحورين تحتها.. يُصحّنون زادهم في أوراقها.. كرموسة أقويدر النابتة داخل منخفض.. تراود مخيلتي الآن.. المنخفض جراب كنغر وشجرة التين ابنه النباتي.. في الحرب جعلها الجنود الأستراليون مشفى ميدانيا وعند مغادرتهم حملوا أغصانا منها إلى أستراليا.. غرسوها هناك ولقموا (لقحوا) منها أشجار تينهم الضخمة لتنتج لهم ثمرة جامحة لذيذة أسموها شمس طبرق.
الشمس مشرقة الآن.. لا سحاب يحجبها.. آذان الظهر ينطلق من الجامع العتيق.. تتردد أصداؤه مترحمةً.. الآذان يملك لغة عامة لا أملكها يعرف كيف يترحم بكل اللغات.. ترجمان مشاعر يسبر غور مقاصد الراحلين.. ضحايا الحرب العالمية الثانية يصلهم في مقابرهم السّتة.. ويهيم شفيعا في مقابر المسلمين.. ويغوص في مدْرس السيارات أمام نزل الجلاء حيث كانت مدفنة اليهود.. الآذان يصل مسامع الموتى.. حتى الطرش يسمعونه بمراهف الروح..
أجلس إلى طاولة على رصيف مقهى الأموي.. المسجد يميني.. الكنيستان المتحولتان إلى مكتبة ومتحف أمامي.. كنيس اليهود خلفي.. الشمس مشرقة على الأرض العارية.. أجلس إلى طاولة على رصيف تظلله شرفة خشبية قديمة مكللة بغرسات فل وورد.. فتيات المدارس والمعاهد تمر.. يتزاحمن على ظلال الرصيف.. مراهقات بدويات ذوات أبدان فائجة.. ملامح ليبية ذات سمرة القمح.. عيون واسعة.. شعر أسود حالك.. خدود نقية يتخللها بعض النمش والأخوال ذات الجمالية.. يثرثرن مع بعض ويبتسمن فتتألق مضاحكهن البيضاء الناصعة.. يسرن بخطوات واثـقة.. يتأملن واجهات الدكاكين ولا يرددن على مغازلاتنا بالكلام إنما بالنظرات الآسرة المشحونة بالشجا والعشق الطبرقي العميق.
الشمس يشتد سطوعها.. وعبر أشعتها الدافئة تحمل سردنا هذا إلى حيث الفن.. إلى حيث المرايا الملتصقة على لعابنا ودمنا.. تحملنا شرقا صاعدة بنا مرقاب طبرق الذي هُزِم عنده الطليان ذات يوم.. تصلنا إلى حيث محراب الفن.. إلى غرفة جون برايل ثانية وثالثة ودائما.. تضعنا الشمس وسط اللوحة الإنسانية الرائعة.. الناضحة بالأمل والعبر.. تصعد لنا الجنيّة من أعماق بحر البردي.. تستقبلنا بمتعة لا تضاهى.. الجنيّة الجميلة آسرة النفوس.. جدّة المبدعين وساردة الحواديث.. وناقشة الحكايات على أعصاب المغزى.
عندما أغرقت بَحريّة المحور فرقاطة للحلفاء قرب شاطئ البردي.. نجا جنديان أستراليان.. سبحا حتى الخليج الضيق المفضي إلى وادي الراهب.. توغلا في الوادي بحذر واختفيا في الأدغال.. أنفاسهما تلهث.. تستنشق الهواء المنعش المشبّع بعبق الحرمل.. الزريقة.. القزاح.. الزعتر.. القرضاب.. الخبيز.. اللاونطا.. القميلة.. روائح لا حصر لها ينفثها المكان.. روائح عطرة مزفورة من التراب وأبنائه وأحفاده.
المكان عطر.. إذن آمان.. لا خوف.. لا رعب.. لا ألم.. هكذا تتكلم العطور أو هكذا تتكلم زفرات النحل في صدوعه الوفيرة المنفلقة في الجروف والكهوف كرمان ملّ نضجه.
الصدوع فارزة العسل ليس كالصدوع فارزة الصديد..
الصديد صديد.. والقدّيد قدِّيد.. جرح النحل للورد ليس كجرح الإنسان للحم.. العطور.. العطور.. العطور.. العطور ملأت روحي الجنديين اطمئنانا وسكينة.. لكن جسديهما خائفان.. يتألمان من الجروح والخدوش والبرد والجوع والمفاجآت.. الجنود الألمان يمشِّطون المنطقة للقبض عليهما واستجوابهما بوسائل الجستابو الذي لا يرحم.. الجنديان يزحفان.. بحذر وعلى بعد نصف كيلو متر شاهدا خيالين جالسين تحت شجرة تين وارفة.. أمامهما قطيع ماعز يلوك الحشائش ويتطاول برشاقة إلى الأوراق الطريّة المتدلية من الشجر.. وقف الخيالان.. تعانقا لدقائق يتبادلان القبل.. ثم افترقا مترنحين.. أحدهما ركب حماره ومضى والآخر تلقف عصاه والتحق بالقطيع يجمعه ويوجهه صوب دغل كثيف الحشائش.. اقترب الجنديان بحذر أكثر وعلى بعد 200 متر تقريبا تبيّن لهما أن هذا الخيال لفتاة ليبية فاقتربا منها أكثر ملوحين بغصن مورق والجندي الآخر خلع قميصه الداخلي الأبيض سريعا يلوّح به للفتاة.. السلوقي أخذ ينبح بصخب ويُقبل ويُدبر نحوهما مكشرا متوعدا متحفزا.. انتبهت الفتاة للجنديين شبه العاريين المنهكين الجريحين.. ارتعبت حاولت أن تبتعد مهددة بعصاها وخنجرها غير أنهما بدآ يلوحان بالقميص الأبيض المرشوق في الغصن المورق.. يلوحان بإلحاح واستعطاف.. اتجهت نحوهما بحذر في حراسة كلبها السلوقي.. شاهرة خنجرها.. وشادة بهراوتها الطويلة.. تتقدم منهما وفي كل خطوة ترى الآمان في عيونهما فتخفض العصا وتعيد الخنجر إلى غمده وتربت على ظهر السلوقي الذي أخفض أذنيه وأقفل سجن شفتيه على أنيابه الشرسة.
هي فتاة بدوية اسمها سقاوة.. والسقاوة هي أنثى الصقر.. طائر جارح جميل يمتاز بحدّة البصر.. وقد ورد ذكر هذا الطائر النبيل في العديد من مجاريد الموروث الليبي الشجي :
مرحبتين بعد جيتينا.. ما شمّتي والي فينا
يوم سعيد اللى أنت رينا.. صفي طايحلك بالزين
صفي طايحلك ببهاوة.. ياللي عينك عين سقاوة
مركزها عالي ميلين
مركزها عالي في داره.. ولا طالوه ولا نقارة
وين ما تلحظ طير احبارة.. تسفاه اتجيبا نصين
نصين ونصين اتجيبا.. أنا مدعاي اللي شاقيبا
توصيفك يا عين الذيبة.. ياللى ما كيفك حيين
ياللى ما كيفك لا والي.. يام اعيون اسماح ذبالي
نحكيلك توا عن حالي.. جيتك نشكي مالتكوين
جيتك نشكي مالتكوينا.. ومالياس اللى جار علينا
حتى وين بعيد مشينا.. رابع يوم لفا للعين
رابع يوم لفا والقينا.. في وطن يقولوا بالسينا
قلنالا خيي هنينا.. قال بعدكم حالي شين
قال بعدكم شاين حالي.. فيكمش من عندا غالي
قلنالا ما معانا والي.. مفيت خدم سود زياتين
مفيت خادم سودا غفتها.. واخرى ما نعرف لغتها
لكن والفنا دوتها.. تم خبرنا باليدين
وإلى آخر المجرودة الشجية التي ربما سنعود أو ستعود إلينا مع سمرة كوندليزا رايس وتمبكتو وفزان وقضية الخدم والعبيد والسود الذين سيسودون في العالم بإنسانيتهم وحنطتهم ودمهم الخفيف الأخف من رائحة النسيم على كؤوس البهجات.
لكن سقاوة فعلا جميلة وما كيفها حيين ولا ميتين ربما.. ذات بنية متينة وقوام ممشوق كلاعبات السباحة.. ونهدان متناسقان.. وساقان ممتلئتان وجبين ضاوي وشفاه مكتنزة وخدان بلون المشمش في صهد القبلي وبمذاق الخوخ الهابز.. ترعي قطيعها لوحدها.. تفاهما معها بالإشارة وبفراستها عرفت أنهما ليسا إيطاليين.
حلبت لهما قدح لبن كبير وأعطتهم رغيف خبز مجردق وهو ليس خبز تنور.. المجردق أقل سماكة ويُعد بإلصاق العجين على صفيح ساخن.. وألصقت على جروحهم أوراق خروع وتين.
قادتهم إلى كهف الراهب.. خبأتهم فيه ريثما تخبر أهلها.. وكهف الراهب هذا غرفتان فوق بعض منحوتتان في الصخر.. يقال إن راهبا من أتباع القديس مرقس شيدهما ومكث في خلوتهما زاهدا متعبدا بعيدا عن ظلام الرومان ووثنيتهم.
أمر شيخ النجع بعض الشباب بإسعافهما وإطعامهما والتحقق من شخصيتيهما.. وبعد الأكل والراحة قليلا أجاب الأستراليان عن الأسئلة.. عرفوا أنهما أستراليان فأمروهما بالمكوث في هذا الكهف وعند الليل سيعودان لأخذهما إلى مكان أكثر أمنا.. بئر جافة في وادي حبون.. وادي المحبة والحنان.. ثدي المياه العذبة المرشوشة عبر أخدود ضيق على خليج صغير.. دائما الجنيّة تنتظر في هذا الخليج وصول مياه الحب الحلوة.. عصارة نحل وادي حبّون.. تجمعها في أباريق شفافة وتوزعها على عرائس البحر في أعماق العطش.. وإذ تصعد إلى غرفة مأنوسها جون برايل عند منتصف الليل تأخذ رشفة في فمها وتفرغها في فمه فيشتعل ويتطرّى وأمله الذي يبنيه يجد قوت زمانه ولبن مكانه وصفاء حظه.. يجد نوره المالح المبلل المحصّن ضد فيروسات الظلام.
بقيا في الكهف.. شربا الماء.. اغتسلا من عينه الجوفية الملحقة به.. صليا متوجهين للصليب المنحوت في الصخر بعدها التصقا إلى بعضهما وناما.. استغرقا في الأحلام.. كلاهما يحلم على حدة.. كلاهما يحلم باطمئنان ولسانه يتلمظ بقايا نكهة حليب الماعز.. الأول حلم أنه في الجنة وماذا يريد ؟!.. لبن.. خبز.. فتاة بهيّة خداها بلون نوّار الربيع.. لا ينقص سوى الخمر.. والخمر أمره سهل.. بل إنه يشم الآن عبقات من مريسة الزنوج.. والخمر ليس مشكلة.. فالوادي زاخر بأشجار التوت والتين والرمان واللوز والليمون والنخيل وحيثما كانت الفاكهة كانت الخمر.. والوادي زاخر بالأشجار العطرية السامقة.. كالخروب.. والصنوبر.. والسدر.. والعرعر.. والسرو.. والكافور.. والبطوم.. هذه جنة الله.. الطيور تغرّد في أذنيه.. زيو.. زيو.. والشياه تصيح ماه ه ه.. والقطط ميو.. ميو.. والضفادع عند العين تنق.. تنق مزغردة لعرس خياله الذي أزف.. والموسيقا تأتيه تنبعث من اللوحة التي يرسمها جون برايل في علـِّيته.. والبارود والقنابل والألعاب النارية تلعلع في سماء ربي وتنزفها.. والشمس تشرق والقمر يبتسم.. والجنيّة ترقص أمامه.. تضع في حضنه أكياس التبر واللؤلؤ والمرجان.. واستغرق في هذا الحلم الجميل رافضا أن يستيقظ وليُقبض عليه هكذا على هذه الحالة.. وليُقبَض عليه وهو في جنته وليَقبِض عليه الألمان والطليان واليابان وكل أبالسة العالم النتن.
والجندي الآخر حلم بالحلم ذاته بيد أنه استيقظ فقد أحس بشيء غير مألوف.. أنفاس وخرخشة تصل مسامعه.. رائحة خمر تجوس أنفه المدمن.. رأسه مسنود على جدار الغرفة الأولى.. أصوات حركة في الغرفة العلوية.. استراب وتقاوى على خدوشه وجروحه ووقف.. في يده عصا قطعها من شجرة زيتون.. هي العصا ذاتها المرشوق بها غلالة زميله البيضاء التي لوّحا بها لسقاوة.. صعدا إلى الطابق الثاني.. في آخر الغرفة آدمي أسمر يرتدي أسمالا بالية.. وجهه للجدار وظهره للجندي.. رفع الجندي عصاه محترزا وهامسا للأسمر من أنت ؟!.. استدار الأسمر رافعا صليبا أخضر مصنوعا من أغصان شجيرة لوز وأجاب: أخوك.
تصافحا.. وتحدّثا متعارفين إلى بعضهما.. قال الأسمر الذي هو الضابط المصوعي الهارب من الخدمة في الجيش الإيطالي: في الحرب أنت عدو.. في الدين أنت أخ.. في الحياة أنت أكثر من أخ.. وصلـّب صدره بإشارة الصليب.. قال الجندي الأسترالي وقد تبيّن مذهبه من طريقة تصليبه.. لا فرق بين مرقس ومتـّى.. كلنا أتباع يسوع.. ومعك أشعر بالأمان.. لقد كتب لنا الله حياة جديدة.. فتاة ليبية أنقذتنا وأطعمتنا وآوتنا.. اليوم نحن أحياء وغداً مجهول مصيرنا..
قال الأسمر: كنت ضابطا إيطاليا وصرت راهبا إنسانيا.. أنا هنا منذ شهر.. أتنقل من كهف إلى كهف.. نفعتني تجربتي في ملاحقة البدو واليهود في كهوف الجبل الأخضر.. تمكنت من العيش والاختفاء عن الأنظار.. أكثر كهوف ليبيا باركها القديس مرقس وأتباعه إبان مقاومتهم للتطرف اليهودي و للوثنية الرومانية.. بثوا فيها حصونا من أمان وحقولا من رغيد.. كل كهف تجد قربه ماء تعميد وطعام ربّاني.. أي عشب تأكله مفيد.. وفي الوقت نفسه دواء فعال.. تعال معي.. وأخذه من يده يشرح له خصائص كثير من الأعشاب.. هذا يقاوم الإسهال وهذا لوجع الرأس وهذا لديدان البطن وهذا لوجع الركبتين وهذا لانحباس البول وهذا يا فالح يزيد القدرة الجنسية يجعلك هائجا كتيس ماعز.. وضحكا بخفوت وسكب الأسمر للجندي قدحا من خمرة الزنوج المريسة كرعه على دفعتين وانتشى سريعا وتذكر أنثى الصقر الليبية سقاوة التي أنقذته وصاحبه.. لكن نظر إلى صليب اللوز الأخضر في يد الأسمر وطفر مستغفرا طالبا الاعتراف الفوري.
جلس الأسمر ينصت إلى اعترافاته ويمنحه الغفران والبركة.
قال الراهب الأسمر أنت ابن أصول لا تعض اليد التي أطعمتك.. تصون العفة وترعى ميثاق الشرف.. أراه الأسمر المخبأ المموه بالحشائش في صدع طبيعي أعلى الكهف بجانبه صدع صغير آخر يشري منه عسل النحل ويرتاده النحل داخلا وخارجا.. صدع اختباء وصدع حراسة وغذاء.. هنا أنام ولو أنني لم أخرج لك فلن تكتشفني أبدا وللأسف لا يتسع الصدع إلا لواحد.. إن أردته منحته لك وسرت باحثا عن مأوى آخر.. لا أرى أي فرق بين روحي الآمنة وروحك القلقة المطاردة.. عانقه الجندي بتأثر ونزلا إلى تحت.. أيقظا الجندي الآخر وتصافحا وتشاركوا في الطعام.. صلوا معا على الرغم من اختلاف المذهب الكاثوليكي والبروتستاني.. لكن للحرب مفارقاتها وظروفها.. صعدوا إلى الطابق الثاني.. أوقدوا نارا صغيرة يتدفئون بها ويتأملون أسفل الوادي حيث سقاوة العائدة إلى النجع بقطيعها الشبعان.
أخبرت أباها بأمر الجنديين ومكانهما الجديد الذي سينقلان إليه في الظلام.. وسألها أبوها: أمتأكدة أنهما ليسا إيطاليين؟.. لقد أخبرني الشباب بذلك.. لكن أحب سماع رأيك أيتها الناجمة.. متأكدة يا أبي وليس ألمانيين أيضا.. لم ألحظ في ملابسهم علامة الصليب المعكوف.. وهما يا أبي بيض كالشمع.. كالشمع.
في اليوم الثاني مشطت القوات الألمانية المنطقة وعثرت على آثارهما عند شجرة التين ثم في الكهف.. جمعوا أهل النجع.. طلبوا منهم أن يخبروا عنهم.. هددوهم أولا بالشنق والذبح ثم وعدوهم بالمال والأرز والسكر والسجائر والشاي والقهوة والمعاطف.. لكن شيخ البدو كان شهما فنص في رعيته ولم يبع الأستراليين المستجيرين بوسخ دنيا.. وتمتم ومن استجارك فأجره حتى يبلغ مأمنه.
وزيادة لتحوطات الأمان أمر بتغيير مكانهما مرة أخرى إلى بئر رومانية قديمة منقورة في الصخر أكثر غورا واتساعا ومغطاة بطبقة سميكة من الأعشاب والشجيرات القزمة.
صارت سقاوة تتسلل إلى البئر كل ليلة.. تنزل لهما الطعام والماء بالحبل فتسمع منهما كلمات :
thank you my gad
Thank you sister
Thank you Libya
فتنقل تلك الكلمات التي أسمتها غناوي علم النصارى إلى بنت عمتها العاملة في مستوصف به راهبات نصرانيات.. تترجمها لها : يقولون شكرا يا الله وشكرا يا أخواتنا بنات ليبيا الحلوات..
في الليلة التالية أنزلت لهما الزاد والماء وجرة بها لاقبي (خمر النخيل) وانتظرت أن تسمع فسمعت منهما thank you girl فرددتها لهما بلسانها الليبي وتجاوب صداها في أرجاء البئر وعرفت أن كل الكلام الذي سيقولانه هو كلام شكر ومدح وصداقة فحدثت الألفة على الرغم من انغلاق اللغة.. بادلتهم كلماتهم التي لا تفهمها وبادلاها كلماتها التي لا يفهمونها.. صاروا ببغاوات تنضح بالإنسانية.. يقلدانها ويضحكان بحبور.. تقلدهما وتزغرد بخفوت.. وتصفق فيصفقان.. هي تضحك وهما يضحكان والصدى داخل البئر يتحول إلى وجيب فرح متواصل تغنيه لغة الآبار والينابيع.. فوهة البئر الرومانية الضيقة اتسعت واستحضرت ضحكات وارداتها من فتيات الحبّون والقطعان الجميلات.. واستحضرت المواعيد البريئة بين العشاق أبناء العمومة والخؤولة.. بعد هذا الابتهاج المتبادل صارت سقاوة تشاكسهما مازحة بالليبي:
يا نعلي منكم يا البيض لوكان نبرم عليكم اندير فيكم البصر.
ووجدا الأستراليان صعوبة في نطق هذا المقطع الطويل خاصة حرف العين وقبل أن تغادر استغرقها الوجد والانتشاء والهيام وسط النسيم الليلي العليل فما سيطرت على نفسها وغرست سبابتها في أذنها صادحة بغناوة علم بدوية :
يرجاني وأنا نرجاه عزيز ما مشا نين قالي.
في هذه الأثناء تسمع جلبة آليات فتبتعد سقاوة عن البئر راكضة بعيدا.. ترى أسفل الجبل مفرزة دراجات نارية ألمانية ذات الراكبين تصعد الدرب حثيثا.. فتبتعد سقاوة سريعا عن البئر وتتوغل مختفية في الأدغال.. يمر الألمان بدراجاتهم النارية قرب البئر.. يتوقفون.. يضيئون مصابيحهم اليدوية.. يُجَوِّبون حزم ضوئها هنا وهناك.. ومن مكان ليس ببعيد يستمعون إلى نهيق حمار حاد متواصل.. يتجهون صوبه سريعا.. يقبضون على فتى متكئ تحت شجرة تين.. الفتى اسمه غيث الله.. يسألونه ماذا تفعل هنا ؟.. وأين الجنديان الأستراليان ؟ لا يجيب.. يقول لا أعرف.. يهددونه بالضرب المبرح والشنق فيكرر لا أدري عن أي جنود.. أنا هنا تحت شجرة التين أنتظر حبيبتي سقاوة.. لقد واعدتها على اللقاء عندما يتوسط القمر السماء.. ينظرون إلى أعلى.. القمر في كبد السماء حقا.. كم هو القمر جميل.. كم هي غرفة جون برايل جميلة متألقة.. القمر يغمرها بهالات النور.. جون برايل قابع فيها الآن.. صحبة جنيته الجميلة.. تمسد جسده بأصابعها ذات زغب الجحيم.. تحقنه بدروب تفضي إلى أعصاب أصابعه المنتظرة أشعة الشمس.. الشمس تشرق على الكربون.. جون برايل يغمس أصابعه في الكربون المقدد و المشمس ويبدأ عزف الرماد.
في الحروب دائما يكثر الشعراء.. ضابط المفرزة الألمانية مثل نيكولاس الأسترالي شاعر أيضا.. شاعر متحمس لكتابات الشاعر الألماني الكبير جوته خاصة كتابه الديوان الشرقي.. أخذ يهزهز رأسه مستحسنا كلام العاشق غيث الله.. لكن عنصر الجستابو ذا التقاطيع الجامدة لم يقتنع بهذا التبرير الحالم فركل غيث الله بعنف ووغر فوهة المسدس في صدغه وصاح أين الجنديان يا كلب الخنازير وإلا جذبت الزناد وانتهينا.. آنذاك صاحت سقاوة لا شعوريا توقفوا.. stop.. stop وخرجت من تحت أكمة كثيفة تركض صوبه وتحتضنه صارخة في المفرزة.. اقتلوني قبل ولد سيدي ( عمِّي ).. اقتلوني قبل حبيبي.. اقتلوني وسيبو وليد العم غيث الله.
ابتسم الضابط الشاعر وأعاد عنصر الجستابو مسدسه ببطء إلى جرابه وغادرت المفرزة تبحث عن بغيتها في أودية غير ذي شعر.
منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ cope ــــــــــــــــــــــــــــــــــــول...
ادريس بوزويتينة- فريق اول
-
عدد المشاركات : 4426
العمر : 38
رقم العضوية : 102
قوة التقييم : 11
تاريخ التسجيل : 03/04/2009
المرتجع حنتوش- مشرف قسم المنتدي العام
-
عدد المشاركات : 21264
العمر : 32
رقم العضوية : 121
قوة التقييم : 41
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: البنت سقاوة....!!!!
سلمت يداك......................اْخي رونالدو وعساك عالقوة دوم
مثيل القمر- لواء
-
عدد المشاركات : 2365
العمر : 35
رقم العضوية : 1216
قوة التقييم : 12
تاريخ التسجيل : 18/02/2010
رد: البنت سقاوة....!!!!
مشكور على الموضوع بارك الله فيك ولك منى اجمل التحايا على هذا الموضوع الجد قيم
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: البنت سقاوة....!!!!
مشكور رونالدو
فرج احميد- مستشار
-
عدد المشاركات : 17243
العمر : 62
رقم العضوية : 118
قوة التقييم : 348
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: البنت سقاوة....!!!!
مشكور رونالدو على الموضوع الشيق
تحياتي واحترامي
دلع ليبيا
تحياتي واحترامي
دلع ليبيا
دلع ليبيا- مستشار
-
عدد المشاركات : 15254
العمر : 24
رقم العضوية : 1253
قوة التقييم : 30
تاريخ التسجيل : 26/02/2010
المرتجع حنتوش- مشرف قسم المنتدي العام
-
عدد المشاركات : 21264
العمر : 32
رقم العضوية : 121
قوة التقييم : 41
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: البنت سقاوة....!!!!
مشكورعلى هذه المشاركهااخي رونالدو
محمد اللافي- مستشار
-
عدد المشاركات : 27313
العمر : 45
رقم العضوية : 208
قوة التقييم : 54
تاريخ التسجيل : 28/06/2009
رد: البنت سقاوة....!!!!
مـــشكور رونالدو عـــلى المـــوضوع الشـــيق تـــحياتي واحــــترامي
يوسف منعم امهدى- لواء
-
عدد المشاركات : 1661
العمر : 33
قوة التقييم : 11
تاريخ التسجيل : 05/02/2010
رد: البنت سقاوة....!!!!
منور رونالدو على المواضيع الجد قيمة وفى انتظار القادم منك
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» البنت الليبيـــــــــــة !!
» البنت اهم من الولد ....
» قمه الرقة عند البنت !!!
» البنت الليبيـة
» من عيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوب البنت الليبية
» البنت اهم من الولد ....
» قمه الرقة عند البنت !!!
» البنت الليبيـة
» من عيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوب البنت الليبية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR