إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
د. سلمان العودة: زيارة ليبيا مليئة بالمفاجآت
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
د. سلمان العودة: زيارة ليبيا مليئة بالمفاجآت
د. سلمان العودة: زيارة ليبيا مليئة بالمفاجآت
11:46:48 9/6/2010
أيمن بريك – الاسلام اليوم
أَكَّد فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة -المشرف العام على مؤسسة 'الإسلام اليوم'- أن زيارته الأخيرة للجماهيرية العربية الليبية مليئةٌ بالمفاجآت، مشيرًا إلى أن فضيلتَه يشعر وكأنه يكتشف هذا البلد من جديد.
وقال الشيخ سلمان -في محاضرة له بمسجد الأنصار في مدينة بنغازي: إنني لم أكن أتصوَّر أن أجد نفسي بينكم في هذا البلد الطيب، وأرى هذا الجمعَ الحافل وهذه الوجوهَ المباركة، لقد أتينا إلى ليبيا وعبر أيَّام عديدة كنا في غاية الاندهاش، لافتًا إلى أن فضيلته كان يتحدث في أوقات الفراغ مع رفيقه الشيخ عبد الوهاب بن ناصر الطريري، ويقولان: كأننا نكتشف ليبيا من جديد.
وأضاف فضيلته: إن زيارتنا هذه إلى ليبيا مليئةٌ بالمفاجآت، فلقد وجدنا أُناسًا غمرونا بحبِّهم وصدقِهم ومشاعرِهم وعطفِهم واحتوائِهم، فلقد كنا قد قابلنا من قبلُ الكثير من الشباب الليبيين في المملكة العربية السعودية وفي أوروبا وفي أماكن شتَّى، ورأينا أخلاقًا كريمةً ونُبلًا وفضلًا، لكن عندما أتَيْنا إلى هذا البلد فإننا قد وصلنا إلى المصبِّ والمنبَع، حيث رأيْنَا روحًا عالية وحفاوةً وحبًّا وخلقًا وكرمًا، وعلى الرغم من أننا توقعنا الكثير إلا أننا لم تصلْ توقعاتُنا إلى حجم ما شاهدنا ورأينا وسمعنا.
عرس.. واحتفالية نادرة
وأردف الدكتور العودة: إنني لا أذيعُ سرًّا إذا قلتُ أنني في غاية البهجة والسرور والانبساط من وجودي في ليبيا، ومن مشاهدتي لهذه الوجوه الطيِّبَة، وشعوري بأن قلبي اليوم هو في مهرجان وفرح وعرس واحتفالية نادرة حينما أشعر بأنني بينكم في هذا المكان، كما أرجو أن يكون المستقبل شاهدًا على ما هو خير وأفضل ومزيد من التواصل والاندماج وأن يرى هذا المشهد الذي رأيته وفرحت وابتهجت به غيري وإخواني من المشايخ والعلماء والدعاة، سواء من المملكة العربية السعودية أو من بلاد الإسلام الأخرى بالمغرب أو المشرق.
وتابع فضيلته: إن من حق هؤلاء المشايخ والعلماء والدعاة أن يشاهدوا ما شاهدنا وأن يسرحوا طرفهم كما فعلنا، ويُبهجوا قلوبهم وعيونهم وأسماعهم بالكلام والفعل الطيب والوجوه الطيبة، معربًا عن حبِّه وتقديرِه لأهل ليبيا، متمنيًا أن يبادلوه نفس المشاعر، حيث أنشد فضيلته، قائلا:
واذكرونا مثل ذكرانا لكم رب ذكرى هيجت من نزحا !
قالوا لي بالدنيا وازي قلت لهم نفدي بنغازي
تجانس.. وانفتاح
وأكَّد الشيخ سلمان أن هذه المدينة الوادعة الجميلة الرائعة (بنغازي) تستحق الكثير، مشيرًا إلى أن أحد الشباب من أبناء بنغازي جلس إلى فضيلته، وقال له: 'إن مدينة بنغازي هي ربّاية الدايح' قلت له: وما رباية الدايح؟ قال: إنها تؤوي الغريب، قلت: فلا غرابة إذًا أن نجد هذه الوجوه المبتسمة، وهذه النفوس الطيبة الكريمة، وأن نجد أن الشارع في مدينة بنغازي هو عبارة عن أسرة واحدة، فلقد أتينا إلى المسجد فرأينا مجموعات من الشباب بأدب وذوق ولطف يجتمعون وكأنهم أبناء أسرة واحدة.
وذكر فضيلته أن هذا التجانس في هذا البلد، وذلك على الرغم من أنه مستقرّ (بفتح القاف) لكثير من الغرباء الذين يجدون فيه الأُنس والروحة والراحة، لهو دليل على الجو والبيئة واللطف والمناخ الرائع الذي يتميز به هذا البلد، كما أنه تعبير عن جمالية التعايش الذي أثبتها محمد -صلى الله عليه وسلم- حينما انتقل إلى المدينة المنورة وأسس عاصمة الإسلام، فضلا عن كونه تعبيرًا عن الانفتاح الفكري والثقافي الذي يتميز به هذا البلد، ومن هنا كادت بنغازي أن تكون هي العاصمة الثقافية لهذه الدولة المباركة بتميزها وعمقها ورسوخها، وأنشد فضيلته في بنغازي، قائلا:
شوقي إلى أهل الكرام حجازي أهوى هواكم يا بني بنغازي
الشعر حار فما القصيد بمسعفي وكأنه ضرب من الألغاز
والحب معنى في الضمير مفصّل عذب فمن يقوى على الإيجاز
ها قد أتينا داركم وعيوننا في جنة من صنعة الإنجاز
والأذن تسمع كل لحن صادق من فتية في غاية الإعزاز
وأنا أرى حولي مجموعة من الأطفال والصبايا الصغار فأخاطبهم بهذا البيت:
ولطفلتي الصغرى الجميلة قُبلة من أختها وحفيدتي ريماز
أنا عندي حفيدة اسمها ريماز بنت ولدي فهي تقدم تحياتها وحبها لكم، ومما يزيدها قربًا منكم اسمها الجميل المتوافق جزئيًّا مع مدينتكم الجميلة:
ولطفلتي الصغرى الجميلة قُبلة من أختها وحفيدتي ريماز
لك يا بلاد الفاتحين تحية أحفاد مختار تحدّى الغازي
زيارة لمنزل عمر المختار
وأشار الدكتور العودة إلى أن فضيلته قام بزيارة إلى منزل محمد بن عمر المختار، حيث استمع إلى البطولات الضخمة التاريخية لشيخ المجاهدين 'عمر المختار' هذا البطل العظيم ولرفاقه المجاهدين، كما اطَّلع فضيلته على إنجاز تاريخي هائل لهذا الشعب الذي يسجل بطولاته وقوتَه وصبرَه في مقاومة المحتل وبتلك القوى الغازية التي لم ترقب في هذا الشعب المؤمن إلًّا ولا ذمة، مشيرًا إلى أن ما سمعه يؤكد، وبدون مبالغة، أن أقسى صور الاستعمار هو ذلك الاستعمار الذي بسط سلطانه يومًا من الأيام على هذا البلد، وقتل نصف الشعب، ما يقرب من سبعمائة وخمسين ألف من مليون ونصف، وهجّر عددًا آخر من أبناء هذا البلد الصابر إلى آفاق شتى، وحاول أن يفرض سياسة استيطانية يحلُّ بموجبها أناسًا غرباء الدين والسحنة واللغة.
واستطرد فضيلته: ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، متسائلا: هل بقي من هؤلاء الغزاة أحد؟! قالوا: أبدًا لم يبق إلا القلائل والندرة الذين دخلوا في الإسلام وصبغتهم ثقافة هذا البلد واندمجوا في أهله وأصبحوا جزءًا من مكوناته، وهكذا يسجل هذا الدين تفوقًا في كل زمان وفي كل مكان، (وَاللَّه غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف 21)، وأنشد فضيلته قائلا:
لك يا بلاد الفاتحين تحية أحفاد مختار تحدى الغازي
أنا ما وقفت على الحياة بحبكم فلينعتوني الدهر بالمنحاز
أنتم هوايَ أحبُّكم مهما نأَتْ داري ولو ما كنت بالمتجاز
رفيق الدرب.. الشيخ عبد الوهاب الطريري
وأوضح الدكتور العودة أنه قدم إلى ليبيا ومعه رفيق درب أضناه الهوى، وهو صديقه ورفيقه وشريكه في الحياة والعمل والإنجاز والسفر فضيلة الشيخ الدكتور عبد الوهاب بن ناصر الطريري، 'الذي شاركني بل شاركته في هذه الرحلة فأفدت منه أيما إفادة، وشاركني في الحياة حلوَها ومُرَّها، وكان نعم العون لي في كثير من الشدائد والمواقف'، مشيدًا بهذا الموقف النبيل الذي هو محلّ الأسوة والقدوة، منشدًا:
ومعي رفيقُ الدرب أضناه الهوى حتى أتى يمشي على عكاز
فهتفت غزة في الحصار رهينة أيضًا وهذا قد أتاه النازي
أي أن اليهود يعملون بإخواننا الفلسطينيين الشيء ذاته الذي يقولون إن أقران النازية عملته بهم فهم يقتلونهم تحت طائلة الحصار!
صبرًا لليل الظالمين نهاية لن يغلبوا القهّار ذا الإعجاز
وسيفرح المستبشرون بنصره لا ليس تحجبه قوى استفزاز
آمنت بالتغيير لا شيء على الدنيا يدوم ولو رقا كالباز
أهوى هوى الأحباب في بنغازي كهوى القصيم وعارض وحجاز
مع المصطفى
واستهلَّ الشيخ سلمان محاضرته التي جاءت تحت عنوان 'مع المصطفى' عليه الصلاة والسلام، منشدًا:
ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ
رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَدًا يا ساكِنَ القاعِ أَدرِكْ ساكِنَ الأَجَمِ
وكان الدكتور العودة قد قسَّم محاضرته إلى عدة محاور استهلَّها بالحديث عن شهادة القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم العتاب الرباني للرسول الأكرم في القرآن الكريم، ثم تحديد المهمة النبوية، وكان الختام مع مميزات شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.
شهادة ربانية
أولًا : شهادة القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم:
في بداية حديثه أكد الشيخ سلمان على شهادة القرآن الكريم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، والتي جاءت في مواقف عديدة، منها:
1 - وعد حق: وذلك في قوله تعالى: 'إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)' مشيرًا إلى أن هذه السورة نزلت وأتباعه -صلى الله عليه وسلم- يعدون على الأصابع، ولكن وعد الله حق وخبره صدق؛ يقول تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْه مِنْ رَبِّه وَالْمُؤْمِنُونَ) (البقرة 285) وما هي إلا سنوات حتى أصبح الإسلام قوة ضاربة في مشارق الأرض ومغاربها، وارتفعت آلاف الحناجر في أنحاء الأرض من على المنائر تهتف صباح مساء: 'أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله'.
وأنشد فضيلتُه، قائلا:
يا طريدًا ملأ الدنيا اسمه وغدا لحنًا على كل الشفاه
وغدت سيرتُه أنشودة يتلقاها رواة عن رواة
ليت شعري هل درى من طاردوا عابد اللات وأتباع مناة
طاردت في الغار من بوأها سؤددًا لا يبلغ النجم مداه
سؤدد عالي الذرا ما شاده قيصرٌ يومًا ولا كسرى بناه
وأردف الدكتور العودة: لقد وعد الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالخير الكثير الطيب المبارك، لافتًا إلى أن الأمة التي تنتمي إليه تُقاس اليوم بالمليار ونصف المليار مسلم، كما أن عدد المسلمين يزيدُ زيادةً ضخمة مقارنةً بأي دين أو ملة أخرى على الأرض، ففي حين أن أتباع الديانات الأخرى ينقصون، تجد أن هذا الدين يزيد أتباعًا وقوةً ورسوخًا، وذلك مصداقًا لوعد الله -عز وجل- والله لا يخلف الميعاد.
خبرٌ صادِق.. وحفظ كتاب الله
2- خبر صادق: وذلك في شهادة القرآن للرسول -صلى الله عليه وسلم- بهذا الخبر الصادق الذي أطلقه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم تحققت نبوءته يومًا فيومًا، كما شهد بغلبة الروم يقول تعالى: 'الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ'، فمن الذي أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهذا الغيب الذي لم يتحقق إلا بعد عشر سنوات أو تزيد؟ إنه الله الواحد الأحد.
3 - حفظ القرآن الكريم : يقول تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَه لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، فهذه عصمة ربانية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه وَاللَّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(المائدة 67)، ونحن نشاهد اليوم أن القرآن يُطبع في الجماهيرية الليبية، وفي السعودية، وقطر، والسودان، وفي أكثر من مكان والناس كلهم يجمعون على مصحف واحد لا يختلف منه حرف حسب الروايات والقراءات الثابتة المتواترة تصديقًا لوعد الله تعالى لحفظ هذا النبي الكريم وعصمته وحفظ كتاب الله عز وجل.
عناية الله أغنت عن مضاعفة من الدروع وعن عالٍ من الأطم
عتاب.. ولكن
ثانيًا : عتاب رباني :
وأوضح الشيخ سلمان أن القرآن الكريم أشار إلى عتاب رباني للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في مواقف، مثل:
1 - قصة عبد الله ابن أم مكتوم: حيث يعاتب الله -عز وجل- نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بشأن الرجل الأعمى الذي انشغل عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعوة الملأ من قريش، فينزل القرآن وينادي الرسول -صلى الله عليه وسلم- كتّاب الوحي ويُملي عليهم ليكتبوا ويدونوا 'عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَه الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّه يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَه الذِّكْرَى (4)'.
ولفت فضيلته إلى أن هذا خطاب فيه إعراض وعتاب وتنبيه وتوجيه، فيأبى النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن يقيده اعترافًا بالنبوة والرسالة وأن هذا وحي من عند الله عز وجل.
تقوى.. وتحريم
2 - اتق الله : حيث ينزل الوحي مرة أخرى، بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِي اتَّقِ اللَّه وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ)(الأحزاب 1)، في حين أننا لو سمع أحدنا هذه الكلمة من أحد يحبه أو يجله لطواها ولم يستطع أن يرويها لبعض أصدقائه، أما محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنه دوّنها وأمّ المسلمين بها يذكِّرهم بعتاب الله تعالى له ودعوته إياه إلى مزيد من تقوى الله وتحذيرٍ من طاعة الكافرين والمنافقين.
3 - ابتغاء مرضاة الزوجات: حيث يقول تعالى في سورة التحريم، (يَا أَيُّهَا النَّبِي لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّه لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ)(التحريم 1)، وفي هذه الآية الكثير من الشواهد، منها: أن رسول الله يبتغي مرضاة أزواجه، ونعم ما ابتغى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو يعلمنا أن الحرص على مرضاة الزوجة وطلب رضاها بل وتقديم الاعتذار إليها في حالة الخطأ وطلب المسامحة معنى لا يخلُّ بالنبوة ولا بالرجولة، بل هو من كمال الرجولة أن يسعى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طلب رضا أزواجه.
وتابع فضيلته: ولكن الله عاتبه على أن يحرم ما أحل الله تعالى له من أجل مرضاة بعض أزواجه كما قد حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا شرب العسل وحلف ألا يشربه، فأذن له ربه في شربه وقال: (قَدْ فَرَضَ اللَّه لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانِكُمْ)(التحريم 2).
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّه مُبْدِيه
4 - قصة زيد بن حارثة: وذلك حينما أخبر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأنه سوف يتزوج زينب بنت جحش وهي زوج زيد بن حارثة، وتقع المشكلات بين زينب وزيد، وتأتي الشكوى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول لزيد: (أَمْسِكْ عليكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ)(الأحزاب 37)، وهو يدري أن الأمر صائرٌ إلى الطلاق وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سيتزوجها من بعده، فيعاتبه ربه -عز وجل- في آية تتلى إلى يوم القيامة كخطاب من الملأ الأعلى من الله العظيم إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- النبي العربي المصطفى المختار.
يقول تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّه عليه وَأَنْعَمْتَ عليه أَمْسِكْ عليكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهوَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّه مُبْدِيه وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَي لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا)(الأحزاب 37).
وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا
5 - من السارق؟ حيث وقعت في المدينة حادثة سرقة، وأصبح الناس يتحدثون مَن السارق؟ فتدور التهمة على يهودي أو على أحد المسلمين، ويميل ظن المسلمين إلى أن السارق هو اليهودي، فينزل العتابُ من الله تعالى للرسول -صلى الله عليه وسلم: (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّه وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّه إِنَّ اللَّه كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّه لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) (النساء 105- 107)، فكل هذه النصوص تبيّن بجلاء ربانية القرآن ومصدريته الإلهية وأنه وحي من عند الله، كما تبيّن حدود الرسول -صلى الله عليه وسلم.
مُهمَّة محددة
ثالثا : تحديد المهمة النبوية للرسول صلى الله عليه وسلم:
وأكد الشيخ سلمان أن الله عز وجل حدَّد المهمَّة النبوية للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ)(الأنعام 50)، وذلك حين يدعوهم إلى الإسلام، فلم يكن صلى الله عليه وسلم يعِدُهم بكنوز الدنيا ولا بالأموال وإنما يعدهم بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، وكان يقول لهم : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّه وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)(الأنعام 50) فلم يكن يعلم الغيب.
وأضاف فضيلته أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما سمع مرةً امرأةً تغني وتقول: (وفينا نبي يعلم ما في غد)، قال لها: دعي هذا وقولي ما كنتِ تقولين، كذلك عندما مات عثمان بن مظعون -رضي الله عنه- وقالت امرأة: هنيئًا له الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني وأنا رسول الله لا أدري ما يُفعل بي ولا بكم، يقول تعالى: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ)(الأحقاف 9).
رفض المبالغات
وأردف الدكتور العودة أن الشمس انكسفت يومًا، وتوافق ذلك مع موت إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: لقد 'انكسفت الشمس لموت إبراهيم' حيث ربما يروق ذلك لكثير من العظماء والقادة، ويحبون أن تُنسب بعض الظواهر الكونية لمناسبات شخصية، مثل أن يكون نزل المطر بمناسبة قدومه إلى البلد على سبيل المثال، أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يكن يسمح بأن تتسرب مثل هذه المبالغات إلى نفوس الناس، فيرقى المنبر ويقول : 'إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّه يُخَوِّفُ اللَّه بِهِمَا عِبَادَه وَإِنَّهُمَا لاَ يَنْكَسِفإن لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّه حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ'.
وأنشد فضيلته، قائلا:
نبي رماه الله بالحسن وافيًا على وجهه من كل مكرمة صور
كأن الثريا علقت في جبينه وفي خده الشعرى وفي وجهه القمر
ولما رأى المجد استعيرت ثيابه تردى رداءً واسع الثوب واتَّزَر
رابعًا : مميزات شخصيته صلى الله عليه وسلم:
وفيما يتعلق بمميزات شخصيته -صلى الله عليه وسلم- قال الشيخ سلمان: هناك العديد من المميزات التي اتصفت بها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم، منها :
1 - التواضع : فلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- مجرد ملقن لمعلومات أو معارف, وإنما كان مربيًا ومرشدًا ومعلمًا لأصحابه؛ ولذلك لم يكن يهذ الحديث، وإنما كان إذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاثًا، وعلى سبيل المثال، فقد كان يومًا من الأيام يتكلم على المنبر فجاء رجل يتخطى صفوف الناس ويصيح ويقول: يا محمد أنا رجل غريب لا أعرف ما ديني، علمني مما علمك الله، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المنبر ووُضع له كرسي من حديد في وسط الناس، ثم أقبل على هذا الرجل الغريب فعلّمه ما كان يحتاجه ويسأل عنه ثم رجع -صلى الله عليه وسلم- إلى خطبته فأكملها.
وأضاف فضيلته: أن من أعظم خصاله -صلى الله عليه وسلم- التواضع، فقد كان يقول: 'أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ'، لأنه خُيّر أن يكون ملكًا رسولًا أو عبدًا رسولًا، فاختار -صلى الله عليه وسلم- أن يكون عبدًا رسولًا؛ ولذلك كان النبي يدعو، كما في الحديث الذي عند الترمذي وأحمد بسند صحيح، ويقول: 'اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَة قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ'.
عبدٌ متواضع
واستطرد الدكتور العودة: يقول أنس -رضي الله عنه: إن أمه دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي في البيت، فجاء وقبل من تلك العجوز قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَقُمْتُ إلى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُه بِمَاءٍ فَقَامَ عليه رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَه وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ).
ولفت فضيلته إلى أنه لم تكن هناك بروتوكولات أو رسوم معينة لمخاطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو للحديث معه أو لدعوته، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: 'لَوْ دُعِيتُ إلى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِي إلي ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ' كما كان النبي يقبل الهدية مهما كانت تافهة، ويأتي إلى الدعوة مهما كانت صغيرة لأنه عبد ميزه الله -عز وجل- بالتواضع.
عفوية.. وانضباطٌ نفسي
وأردف الشيخ سلمان: لقد كثر أتباعه -صلى الله عليه وسلم- في آخر عمره ولكن ذلك لم يغير من طبيعته شيئًا، بل ظلَّ محتفظًا بتواضعه وعفويتِه وانضباطه النفسي، ولم يُغيِّر ذلك من مزاجه قليلًا ولا كثيرًا، بينما نجد أن الكثير من الناس يتغيرون إذا كثرت أموالهم، أو أتباعهم، أو ارتقى في منصب معين، إلا من رحم الله وقليل ما هم.
وتابع : يقول الله عز وجل: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآه اسْتَغْنَى) (العلق 6-7)، أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يكن كذلك.
مشاركة إيجابيَّة
2- المشاركة: فقد كان صلى الله عليه وسلم خلقه المشاركة؛ وضرب فضيلته أمثلة لمشاركة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه:
أ - المشاركة في بناء المسجد: فعندما بنى أصحابه المسجد شاركهم في البناء وحمل اللَّبِن وكان التراب على شعره الطاهر -صلى الله عليه وسلم- وتحمَّس الصحابة وهم يرون هذا العمل، فكانوا يقولون:
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل
لا يستوي من يعمر المساجدا
يدأب فيها قائمًا وقاعدا
ومن يُرى عن الغبار حائدا
كما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يتداعبون ويتضاحكون، فيهم رجل اسمه جعيل، وهو اسم غير جميل، ولجمال النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُغيّر الأسماء السيئة إلى أسماء حسنة، غيّر عاصية وسماها جميلة، لم يسمها مطيعة وإنما سماها جميلة لأنها أنثى، وغيّر اسم جُعيل هذا وسماه عمرًا، فكان الصحابة ينقلون اللَّبِن ويقولون :
سماه من بعد جُعيل عمرًا وكان للبائس يومًا ظهرًا
فكان هذا الهزج والزجل والشعر يُحمسهم على العمل وهم يرَوْن النبي -صلى الله عليه وسلم- يشاركهم في هذا العمل بصورة مباشرة.
ب - المشاركة في حفر الخندق : فقد كان الصحابة يحفرون والنبي -صلى الله عليه وسلم- يحفر معهم، وربما صعب عليهم كسر حصاة فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وضربها حتى أصبحت كثيبًا مهيلًا، يقول عثمان -رضي الله عنه- : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَعُودُ مَرْضَانَا وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا وَيَغْزُو مَعَنَا وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ.
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا
فانزلن سكينة علينا وثبِّت الأقدام إن لاقينا
إن الذين قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
هدي الأنبياء
وأوضح الدكتور العودة أن هذا كان هدي الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام، فموسى سقى للفتاتين ثم تولى إلى الظلّ على الرغم من كونه في بلد غريب، وسقى لنساء لا يعرفهم ومع ذلك حملته أريحيته ومروءته وأخلاقه على أن يقوم بهذا العمل التطوعي الإنساني النبيل لأناس لا يعرفهم وفي بلد غريب على رغم أنه كان مطاردًا مطلوبًا من قِبَل القوات الفرعونية.
كما أن الخضر -عليه السلام- يأتي إلى جدار في المدينة (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ)(الكهف 77)، فأقامه، فقال له موسى: (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عليه أَجْرًا)(الكهف 77) لأن هؤلاء الناس أبوا أن يضيفوهما، فقال: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ)(الكهف 82).
وتابع فضيلته: وهكذا يكون الأنبياء والصالحون قدوة حسنة في عمل الخير والوقوف إلى جانب الضعيف والمحتاج سواء كانت قوتهم قوة بدنيَّة كقصة موسى، أو كانت قوة لدنيّة من عند الله تعالى في قصة الخضر، أو كانت قوة عقلية بالخبرة والتجربة والمشورة والنصيحة، أو كانت قوة مالية بالدعم والإسناد المالي، أو قوة سلطانيَّة باستخدام الإنسان قدرته ونفوذه في مصالح الناس.
هدي الصحابة
واستطرد الشيخ سلمان قائلا: ولقد كان هذا هو هدي الصحابة -رضي الله عنهم- فهذا أبو بكر الصديق الذي كان يحلب المنائح للبنات قبل الخلافة، فلما تولى الخلافة جلس البنات بعضهن مع بعض وقلن: اليوم لا يحلب لنا أبو بكر منائحنا! فلما سمع ذلك أبو بكر، قال: والله لا أترك عملًا كنت أعمله قبل الخلافة إلا عملته بعدها.
وأضاف فضيلته: ظل أبو بكر الصديق رائد هذه الأمة، فلم تكن مهمته الخلافة فحسب، بل مرتبة الصديقية وهي مرتبة أجلّ وأعظم وأعلى، لا يمنعه ذلك من أن يذهب ليحلب المنائح للبنات.
أُسَر تطوعية
وتابع الدكتور العودة: وهذا أيضًا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في خلافته يمرُّ بخيمة قرب المسجد قد أوقد فيها النار، فيأتي إلى صاحبها يقول له: من أنت؟ قال: أنا رجل غريب أتيت إلى المدينة، قال: لماذا أتيت؟ قال: انصرف عني رحمك الله، فأصرّ عليه عمر، قال: عندي امرأة في حالة المخاض والولادة وأنا لا أعرف أحدًا هنا، فيذهب عمر إلى زوجته أم كلثوم ويقول لها: هل لك إلى خير؟ قالت: وما ذاك؟ قال: امرأة ضربها المخاض.
فأخذوا اللحم والقدر والسكين والطعام، وأخذت المرأة الملابس والأدوات الطبية وذهبوا، ودخلت المرأة زوجة عمر على المرأة تولدها وعمر يوقد النار ويُقطِّع اللحم ويُسامر ذلك الرجل الغريب الذي أعجب بهذا الإنسان النبيل وبهذا المعنى الرائع والعمل التطوعي الذي يدل على طيبة أهل المدينة وكرمهم واستيعابهم للغرباء، وبعد قليل تأتي زوجة عمر وتقول: يا أمير المؤمنين بشِّر صاحبك بغلام، فينتفض هذا الرجل الذي كان يوقد له النار ويقطع اللحم ويسامره ويضاحكه ويداعبه: إذًا هو أمير المؤمنين، فيقول له عمر -رضي الله عنه: هوّن عليك. هذا ما نسميه اليوم بـ 'الأسر التطوعية'، فهذا ليس عملًا فرديًّا، بل هو عمل يشارك فيه الزوج والزوجة والأبناء حتى الأطفال الصغار، حيث يتم تدريبهم على الإحسان إلى الآخرين وفعل المعروف.
خُلُقٌ إسلامي
ولفت الشيخ سلمان إلى أنه يوجد بلاد في العالم يعتبرون هذا نوعًا من المسابقة، مشيرًا إلى أن نصف البالغين من شباب وفتيات الولايات المتحدة الأمريكية لا بدَّ أن يكونوا قد مارسوا عملًا طوعيًّا خيريًّا في حياتهم، مثل أن يقوموا بتنظيف الشارع، أو صبغ الرصيف، أو إزالة النفايات، أو تقليم الحدائق، أو مساعدة الفقراء والمحتاجين، أو زيارة دور العجزة والإيواء والأيتام وغيرها، موضحًا أن هذا العمل الطوعي الذي تحوّل إلى مؤسسات، هو في صميم رسالة الإسلام وجزء من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر فضيلته أنه ليس صحيحًا أبدًا أن يقول الواحد منا 'خطا راسي وقص' لا أبدًا، ولكن يقول تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَع راجل يعجبكوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة:71)، حيث تشير الآية إلى أن المؤمنين يجب أن تكون بينهم هذه اللحمة الواحدة، فكل معروف صدقة حتى الابتسامة « تَبَسُّمُكَ في وَجْه أَخِيكَ لَكَ صَدَقَة »، وكذا الكلمة الطيبة صدقة دون شروط حتى لو كنت لا تعرف هذا الإنسان.
الاحترام مطلوب
3 - احترام الآخرين : فقد كان خلقه -عليه الصلاة والسلام- احترام الآخرين، فكان صلى الله عليه وسلم يقول في الأنصار: « إِنَّ الأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيْبَتِي »، ويثني عليهم ويقول : « وَلَوْلا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ» «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الأَنْصَارِ» وكذا المهاجرون، كما كان النبي يحترم الصغار ويدري أنهم صغار قوم كبار آخرين، فلا يحتقرهم ولا يزدريهم وإنما يُقبل عليهم ويخاطبهم.
وضرب فضيلته مثالًا لذلك بما وقع لأنس -رضي الله عنه وأرضاه- الذي خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين فما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لشيء فعله لم فعلت هذا ؟ ولا شيء لم يفعله ألا فعلت هذا ؟ وإنما كان يعامله في غاية الثقة والتقدير والاحترام.
احترامُ الأعداء
وأوضح الدكتور العودة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحترم أعداءه، فهذا عبد الله بن أبي ابن سلول الذي حاربه وكاد له وخطط لقتله غير مرة، يمرض فيعوده النبي -عليه الصلاة والسلام- ويدعوه إلى الله، ويموت فيتقدّم النبي -صلى الله عليه وسلم- ليصلي عليه، ويأتي عمر ويقول: يَا رَسُولَ اللَّه أَتُصَلِّي عليه وَقَدْ نَهَاكَ اللَّه أَنْ تُصَلِّي عليه فَقَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّه فَقَالَ (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ' فيصلي عليه النبي عليه الصلاة والسلام.
وتابع فضيلته: ليس هذا فقط بل يتبع جنازته إلى المقبرة، ثم يخلع النبي -صلى الله عليه وسلم- قميصه ويلفّه فيه، وينزله في قبره وينفث فيه من ريقه ويدعو له رجاء أن يرحمه الله ويغفر له، رحمةً بالميت وحرصًا على الحي وحفاظًا على نفسية عبد الله بن عبد الله الذي كان أحد المؤمنين الصادقين، ثم ينهاه ربه -عز وجل- عن ذلك (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ) (التوبة 84).
ودّ.. وتسامح
وأردف الشيخ سلمان: لقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في معركة بدر: « لَوْ كَانَ الْمُطْعمُ بْنُ عَدِي حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلاَءِ النَّتْنَى، لَتَرَكْتُهُمْ لَه» ويقول -صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَع راجل يعجبكوفًا فَكَافِئُوه» فكان هذا تعامله مع الذين خالفوه وحاربوه من المشركين، حيث صبر عليهم وتألّف قلوبهم بالودّ والاحترام والتقدير والمسامحة والإعراض وتشجيعهم على أن يفتحوا صفحة جديدة، حتى قال أبو سفيان:
لعمرك إني يوم أحمل راية لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله فهذا أواني حين أهدى وأهتدي
هداني هادٍ غير نفسي ودلني مع الله من طردت كل مطرد
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: نعم.. أنت طردتني كل مطرد!
صبْرٌ.. وابتسامة
وذَكَّر الدكتورُ العودة بقصة هند بنت عتبة، وذلك أنه حينما بايع الرسولَ -صلى الله عليه وآله وسلم- النساءُ بعد فتح مكة، وكانت معهن امرأةٌ مجهولة قد غطَّت نفسها فلا يعرف من هي فبايعهن (عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ)، فرفعت هذه المرأة صوتها وقالت: يا رسول الله نحن ربيناهم صغارًا وأنت قتلتهم كبارًا، وأنت بذلك أعلم، فيقول: هند بنت عتبة! فتقول: نعم يا رسول الله.
فيكتفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يتبسم ولم يذكِّرها بأنه قتلهم في ميدان المعركة، حيث كانوا مسلَّحِين قد أتوا ليستأصلوا شأفة المسلمين، ولا ذكّرها بقصتها مع حمزة حينما أخذت كبده ولاكتها ثم لفظتها، ولا بكثير من الأشياء التي عملوها، ولكن اكتفى -صلى الله عليه وسلم- بالابتسامة التي هي خير تعبير؛ وذلك لأن المقام مقامُ تصالح ونسيان للماضي وتأسيس لمرحلة جديدة تتطلب الكثير والكثير من الصبر والقوة والمعنويات العالية.
فَبِمَا رَحْمَة مِنَ اللَّه لِنْتَ لَهُمْ
4 - الرفق : يقول تعالى: (فَبِمَا رَحْمَة مِنَ اللَّه لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران 159)، وهذا دليل على أن الناس تجمعُهم الرحمة وتفرقهم الشدة والغلظة، مشيرًا إلى أن الأداء الصحيح في الإدارة يكون بتأليف الناس على الحب والرحمة والحرص على استِلالِ ما في قلوبهم من المعاني المكروهة والحزازات والعَدَاوات والأحقاد والذكريات المؤلِمة، فإذا كان هذا زعيم جماعة أو زعيم قبيلة فإنه يحتاج إلى قدر من الرفق والتأليف والحفاظ على نفسيته ومعنويته، فقد قيل للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله ألا تدعو على المشركين ؟ فقال: إن الله تعالى إنما بعثني رحمةً ولم يبعثني لعَّانًا.
وأكَّد الشيخ سلمان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَدْعُ على المشركين، ولكنه دعا لهم بالهداية وبالتوبة، وعندما قيل له: إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّه عليهَا، واستقبل القبلة حتى قال أبو هريرة: خشيتُ أن يدعو على قبيلتي دعوة تستأصلهم فقال -صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَائْتِ بِهِمْ» وقد هداهم الله تعالى، يقول ابن مسعود: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ ضَرَبَه قَوْمُه فَأَدْمَوْهُ، وَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فإنهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ».
أثر بالغ
ولفت الدكتور العودة إلى أن الرفق يكون له بالغ الأثر في نفوس الناس، وعلى سبيل المثال فعندما أمسك أصحاب رسول الله بثمامة بن أثال وربطوه في سرية من سواري المسجد، وهو عدو لله ورسوله، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ' فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْه مَا شِئْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم: « أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ'، فانطَلَقَ إلى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلاَّ اللَّه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُه وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَض إلي مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلي وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَض إليّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّه إلي وَاللَّه مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إليّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلاَدِ كُلِّهَا إليّ.
رحمة للعالمين
وذكر الشيخ سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رفيقًا بأمتِه حتى من عارضوه، وعلى سبيل المثال، فإنه عندما أخرجه أهل مكة إلى الطائف ورماه أهل الطائف ببذيء القول، فانطلق -صلى الله عليه وآله وسلم- هائمًا على وجهه لا يدري أين هو، ويقطع مسافة طويلة من الطائف إلى قَرْن الثعالب عبر الجبال دون أن يَعِيَ بذاتِه، فيستفيق فإذا بسحابةٍ فوق رأسه قد أظلَّته وينزل منها ملك الجبال قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عليهِمِ الأَخْشَبَيْنِ» وهما جبلان في مكة، وفي هذه الحالة فإنه لن يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- مسئولًا عن هذا العمل لأنه عمل إلهي ربَّانيّ لا يدَ للبشر فيه.
كذلك فإنه ربَّما ظنَّ أحدٌ أن هذا سيكون سببًا في أن يتسامع العرب والعالم كله بهذا الخبر وبنبأ هؤلاء القوم فيكون في ذلك إشهار ونشر للإسلام ورسالته ودعوته، وهم قوم مشركون وثنيون يعبدون (اللَّات وَالْعُزَّى * وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى)، وعلى الرغم من ذلك كله، فقد كان جواب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- الذي كأننا نسمعه الآن من وراء الدهور والعصور والمسافات «بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّه مِنْ أَصْلَابِهِمْ» حتى لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يرجو أن يسلموا هم، لأن فيهم مَن قد يكون بعيد الإسلام والله تعالى أعلم، ولكن كان رجاؤه إذا لم يسلموا هم «أَنْ يُخْرِجَ اللَّه مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّه وَحْدَه ولاَ يُشْرِكُ بِه شَيْئًا» فالإسلام إذًا لم يكن يأتي لزرعِ الكراهية ولا لسفك الدماء، وإنما جاء كما قال الله -عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء 107).
نساءٌ.. وصبية
وأوضح الدكتور العودة أنه -صلى الله عليه وسلم- كان رحيمًا بالنساء؛ وعلى سبيل المثال فعندما غارتْ عائشة -رضي الله عنها- وكسرت آنية الطعام التي جيء بها للنبي عليه الصلاة والسلام، ابتسم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقال: « طَعَامٌ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ»، ويأخذ الآنيةَ المكسورةَ لعائشة ويردّ آنية عائشة السليمة لأم المؤمنين الأخرى، وكم له من المواقف مع أزواجه -عليه الصلاة والسلام- والتي فيها الكثيرُ من الرحمة والرفق والصبر وحسن التعامل.
وتابع فضيلته: كما كان صلى الله عليه وسلم رحيمًا بالصّبيان حتى رُفع إليه ابنه إبراهيم، وهو يموت وروحُه تُسَلُّ منه سلًّا، فيتأثر النبي ويبكي وتدمع عينه، فيقول بعض الصحابة: هذا وأنت رسول الله؟! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «هَذِه رَحْمَة جَعَلَهَا اللَّه في قُلُوبِ عِبَادِهِ، وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّه مِنْ عِبَادِه الرُّحَمَاءَ»، « تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ َاللَّه إِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ'.
التيسير أنواعٌ
ولَفَتَ الشيخ سلمان إلى أنه من الرِّفْق أيضًا 'التيسير ورفع الحَرَجِ عن الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ» ويقول عز وجل: (وَمَا جَعَلَ عليكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج 78)، فهذا الدين كله يسر، سواء في العبادة 'اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ' ولا تحمِلُوا أنفسَكُم فوق طاقتِها، أو في 'المعاملات' بأن جعل الله تعالى الأصل في المعاملات كلها أن تكون حلالًا إلا ما كان مخالفًا للشرع بأن يكون من الربا أو يكون من الغرر أو أكل أموال الناس بالباطل.
وأضاف فضيلته: بل هو يسرٌ في الحياة كلِّها، مشيرًا إلى أن اليُسر أنواع:
1- تيسير أصلي: ويكون في الأمور كلها.
2- تيسير طارئ: وذلك لمن ألمّت به ظروف أو ضرورة (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عليكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)(الأنعام 119)؛ ولهذا أباح الله تعالى لنا أكل الميتة في حال الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، وإذا ضاق الأمر اتسع، كما أن الضرورات لها أحكام.
3 - تيسير استدراكي: وذلك أن يستدرك الإنسان المعصية في التوبة إلى الله -عز وجل- (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان:70).
4 - تيسير بالكفارات: التي جعل الله تعالى لنا (قَدْ فَرَضَ اللَّه لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانِكُمْ)(التحريم 2) كفارة اليمين، كفارة الظهار، كفارة الجماع في نهار رمضان وغير ذلك.
5 - تيسير بالتعويض: وذلك في الأعمال الصالحة (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود:114).
6- تيسير في الإدارة: فلم يكن -صلى الله عليه وآله وسلم- بيروقراطيًّا صعبًا، وإنما كان يدير الأمور بغاية اليسر والسهولة وكان الوصول إليه ميسورًا، كما كان يُربي أصحابه على هذه المعاني في الإدارة الناجحة الموفَّقَة، وكذلك ما يتعلق بتعليم الناس الكثير من الأمور حتى تلقّى عنه ذلك أصحابه -رضي الله عنهم وأرضاهم؛ ولذلك فكان -عليه الصلاة والسلام- يعلِّم الناس أن يكونوا مدركين لما يُؤخذ وما لا يؤخَذُ، وألَّا يتحوَّلُوا إلى مجرد مقلِّدين.
تقليد أعمى
وأشار الدكتور العودة إلى أن كثيرًا من الأتباع والطلاب يتحوّل تلقيه عن شيخه إلى نوع من التقليد الأعمى حتى يقلدَه في لباسه وهيئته وشكله وحركات يده وطريقته في الكلام، وربما يكون عند الشيخ مشكلة في النطق أو عيب أو خطأ فيصبح هذا الطالب مقلدًا لشيخه، وعلى سبيل المثال فقد رأيت عددًا من الإخوة من هذا البلد تعلموا في السعودية، حيث وجدت بعضهم يلبسون الثياب السعودية، وربما يرون أن ذلك جزءًا من أثر التعليم أو من الوفاء للشيوخ، مشيرًا إلى أن الأوْلى في الإنسان أن يكون موافقًا في لباسه لأهل بلده.
وضرب فضيلته مثالًا آخر، قائلا: لقد كنا في مكة المكرمة في يوم من الأيام ورأينا مجموعة من الشباب من بلاد القوقاز، كما رأينا مجموعة من الشباب من البوسنة في أوروبا وجوههم المشرقة تدلُّ على أنهم تعلّموا في مكة على أحد الشيوخ من القصيم وهو الشيخ عبد الله البسام رحمة الله تعالى عليه، فتحدث هؤلاء الشباب الذين هم في الأصل يتكلمون اللغة الإنجليزية، بلغة قصيمية غريبة، حتى القصيمي ربما يحتاج إلى أن يطلب منهم أن يعيدوها مرة أخرى حتى يفهم عنهم ما يقولون، فلقد تلقّوا هذا القدر من اللغة والكلام عن شيخهم، بينما يحتاج الطالب إلى أن يذكر دائمًا وأبدًا بالتعليم الذي يمكن أن يأخذه والتعليم الذي ينبغي أن يتجاوزه.
عفوية.. وعدم تكَلُّف
5- شخصية فطريَّة: فلقد كان -عليه الصلاة والسلام- فطريًّا في حياته يحرص على العفوية وعدم التكلُّف، يقول تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عليه مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (ص:86)، فلم يترك -صلى الله عليه وآله وسلم- شيئًا قط من الطعام الطيب ولا الشراب الطيب ولا اللباس الطيب إذا تيسَّر له (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَة اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِه وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)(الأعراف 32).
وهكذا كان -صلى الله عليه وسلم- يحرصُ على الجمال في ملبسه ، وفي شعره، وهيئته، فكان طيب الرائحة حتى قال أنس -رضي الله عنه: وَاللَّه مَا مَسسْتُ بِيَدِي دِيبَاجًا وَلاَ حَرِيرًا أَلْيَنَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَلَا وَجَدْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرَقًا كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ أَوْ رِيحِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، شممت يومًا يده فَوَجَدْتُ لِيَدِه بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَة عَطَّارٍ.
حبُّ الحياة
وأوضح الشيخ سلمان أنه كان -صلى الله عليه وسلم- نموذجًا حيًّا في شكله الطاهر سواء في لباسه أو شعره أو هيئته أو جماله أو حسنه، وكما يقول الشاعر:
وَأَبيَضَ يُستَسقى الغَمامُ بِوَجهِه ثِمالُ اليَتامى عِصمَة لِلأَرامِلِ
يَلوذُ بِه الهُلّاكُ مِن آلِ هاشِمٍ َهُم عِندَه في رَحمَة وَفَواضِلِ
لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يكره الحياة ولا يضيق بها ولا يتبرَّم منها ولا يتمنى الرحيل عنها بالموت، كان يقول: «لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِه فإن كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاة خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاة خَيْرًا لِي».
فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُه إِلاَّ خَيْرًا»، وكان يقول -صلى الله عليه وسلم: « خَي راجل يعجبك النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُه وَحَسُنَ عَمَلُهُ'، وفي ذلك تربية للمسلمين على أن يحبوا الحياة ويتفاعلوا بها ويتطلعوا إليها ويفرحوا بأن يمدَّ اللهُ تعالى في أعمارهم حتى يكبروا ويصحوا ويتعلموا ويجربوا ويتجاوزوا سن المراهقة والشباب والاندفاع والجهل إلى مرحلة الرشد والعقل والبصيرة والحكمة.
زهدٌ.. ولكن
ولفت الدكتور العودة إلى أن كثيرًا من المسلمين يجهلون اليوم هذا المعنى ويظنون أن الزهد يعني الإعراض التام عن طيبات الحياة الدنيا، في حين أن الأمر ليس كذلك فلم يكن الزاهد مالك بن دينار الذي أعرضت عنه الدنيا فأعرض عنها، ولكن الزاهد هو عمر بن عبد العزيز الذي أقبلت عليه الدنيا فأعرض عنها، مشيرًا إلى أن الزهد أن تكون الدنيا في يدك ولا تكون الدنيا في قلبك، فليس الزاهد هو زاهد الصومعة الذي اعتزل الحياة، وإنما الزاهد هو زاهد المدينة الذي ينغمس في الناس ويضرب في الأسواق ويخالط الناس ويصبر على أذاهم وهو خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.
وتابع فضيلته: لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند يهودي على طعام اشتراه لأهله، ومع ذلك كان عنده نخلٌ بخيبر وفدك، وكان عنده خير كثير فكان -صلى الله عليه وسلم- لا يستسلم لنمط خاص من العيش، وإنما لا بأس أن يجوع يومًا فيصبر ويشبع يومًا فيشكر، ويكون في ذلك درس وعبرة.
اهتمام عجيب
6 - رعاية الحقوق: لقد كان -صلى الله عليه وسلم- مهتمًّا بالحقوق كافة، سواء أكانت:
أ ـ حقوق الحيوان: حتى إنه حذَّر من إيذاء الحيوان كما في قصة المرأة التي دخلت النار في هرة والمرأة التي دخلت الجنة في كلب سقته فشكر الله لها.
ب - حقوق الطير : حتى إنه رأى ذات مرة قنبرة تصيح تبحث عن أولادها فقال -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ فَجَعَ هَذِه بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا »، مشيرًا إلى أن هذا القلب الكبير الذي يتألم لطير يبحث عن فراخه إنه يتألم أكثر وأكثر للإنسان حينما يفقد شيئًا من ضرورياته.
ج - المحافظة على البيئة : فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- محافظًا على البيئة، وذلك بدعوته إلى نظافة البيئة وألا يتبول الإنسان تحت شجرة أو في ظل نافع أو طريق أو حديقة أو ماء يستفيد الناس منه، فيُربي أصحابه على الاهتمام بالبيئة، لافتًا إلى أن مثل هذه المعاني يحتاجها الناس اليوم ويتحدثون عنها.
د - حقوق الإنسان: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم له اهتمام عجيب بحقوق الإنسان، يقول تعالى: (وَلَق
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: د. سلمان العودة: زيارة ليبيا مليئة بالمفاجآت
اخصــائى فى نقــل الآحــــداث السيـــاسيه المتفــرقه. بــــــــــــــــــــــــــارك الله فيك...
رد: د. سلمان العودة: زيارة ليبيا مليئة بالمفاجآت
مشكورين على المرور بارك الله فيكم
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: د. سلمان العودة: زيارة ليبيا مليئة بالمفاجآت
مشكور علي التغطيه الليبيه بارك الله فيك
الاسطوره- مستشار
-
عدد المشاركات : 7580
العمر : 38
رقم العضوية : 110
قوة التقييم : 70
تاريخ التسجيل : 06/04/2009
رد: د. سلمان العودة: زيارة ليبيا مليئة بالمفاجآت
مشكورين على المرور بارك الله فيكم
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
مواضيع مماثلة
» رحلة في ليبيا!..د. سلمان بن فهد العودة
» برنامج الشيخ سلمان العودة في ليبيا
» سلمان العودة يزور ليبيا الثلاثاء المقبل
» د. سلمان العودة بالبيضاء ودرنة
» عدد من الجرحى يرفضون العودة إلى ليبيا
» برنامج الشيخ سلمان العودة في ليبيا
» سلمان العودة يزور ليبيا الثلاثاء المقبل
» د. سلمان العودة بالبيضاء ودرنة
» عدد من الجرحى يرفضون العودة إلى ليبيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR