إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
السالساعات الأخيرة من حياة البطل الشهيد عمر المختار
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
السالساعات الأخيرة من حياة البطل الشهيد عمر المختار
الساعات الأخيرة من حياة عمر المختار
شبكة البصرة
تأليف : باولو باقانيني
ترجمة بتصرف : د. إبراهيم أحمد المهدوي
مجلة البحوث التاريخية ، العدد 2 ، يوليو 1988 م
بعد حوالي نصف قرن مضي على إعدام الثائر الليبي عمر المختار بواسطة رودلفو غراتسياني ، تحدث ليفي livio dall Aglio سجان عمر المختار عن الساعات الأخيرة التي قضاها عمر المختار في معتقله بسوسة . أشار كاتب المقال في فقرات عنوان المقالة إلى عمر المختار باعتباره غاريبالدي ليبيا ، وذلك بمناسبة توزيع فيلم عمر المختار أسد الصحراء على دور العرض العالمية بعد أن فرغ من إخراجه مصطفى العقاد السوري الجنسية ، والذي كان قد قام بإخراج فيلم الرسالة من قبل ، وقد بلغت تكاليف الفيلم الأخير حوالى 50 مليون دولار أمريكي ، وقد تم الاعتماد في سيناريو شريط عمر المختار على الوقائع التاريخية .. ولكن برغم ذلك فقد تجاوز المخرج بعضاً من تلك الوقائع . وقد صرح مصطفى العقاد في مقابلة صحفية له مع مجلة " الدستور اللندنية Aldoustouor بقوله : " إن قيامي بإخراج فيلم عمر المختار في ليبيا ، جعلني أكتشف ولأول مرة مدى فضاعة جرائم الفاشيست الطليان في ليبيا ، حيث قام الجنرال رودلفو غراتسياني أثناء محاولاته اليائسة تنفيذ خطته في ترسيخ الاستيطان الاستعماري في ليبيا ، قتل 200,000 نسمة من المواطنين الأبرياء طوال ثلاث سنوات فقط قبل عثوره على الثائر عمر المختار واعتقاله ثم يستمر الكاتب في توجيه بعض الانتقادات إلى الشريط منها استخدام نوع من السيارات الحربية أثناء محاصرة عمر المختار لاعتقاله كانت لم تستخدم بعد بواسطة القوات الإيطالية في أفريقيا ، ثم يشير إلى أن الجلاد الذي وضع حبل المشنقة في رقبة عمر المختار لم يكن من بين الفاشيست الإيطاليين ، بل كان زنجياً سودانياً من أهالي البلاد يدعى محمود كان يعرف بلقب اللونقو " الطويل " وهو زنجي سكير مات أخيراً بضاحية البركة في مدينة بنغازي ، كما يروي أحد شهود العيان الذين عاصروه وعرفوه . وذلك وفقاً لما ذكره سجان الشهيد في اعترافاته لكاتب المقال . ولكن الذي يعنينا في هذا المقال ليس من وضع حبل المشنقة حول رقبة الشهيد .. فهو واحد ، فسواء كان الجلاد الحقير هو محمود السوداني السكير أو غيره من المتعاونين مع الفاشيست الإيطاليين .. فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين كانوا يتقربون من رودلفو غراتسياني سفاح ليبيا ، فالذي يهمنا هنا أنه ساعد على توضيح بعض الجوانب الخفية في تاريخ بلادنا حيث أشار باولو باقانيني إليها خلال حواره مع Livio سجان الشهيد عندما تم اعتقاله في سوسة . وقد قام الكاتب بتقسيم مقاله إلى فقرات صغيرة لكي يمكن إدراك تلميحاته إلى بعض النقاط التي يوردها على لسان السجان الذي قام بحراسة عمر المختار طيلة بقائه لبضع ساعات في سوسة .. كما نجد أن إحدى الفقرات بالمقال تعطي نبذة مختصرة عن الشهيد عمر المختار ، حيث يورد أنه قد ولد بالبطنان عام 1862م ، ثم التحق فيما بعد بمدرسة الجغبوب القرآنية حيث قضى بها 8 سنوات استطاع بلباقته ومهارته اكتساب ثقة معلميه مما ساعد على انتقاله إلى الكفرة حيث أسند إليه منصب شيخ زاوية القصور عندما بلغ من العمر 40 عاماً . وقد تزوج عمر المختار من ثلاث زوجات في حياته ، كانت الزوجة الأولى من أقاربه المنفه توفيت بعد سنوات قليلة من اقترانه بها ، أما الثانية فقد كانت ابنة أحد أعيان البلاد ، والزوجة الأخيرة فقد كانت ابنة أحد المجاهدين توفيت خلال معركة وقعت ما بين المجاهدين بقيادة عمر المختار والقوات الإيطالية عام 1927م .
وبعد احتلال بنغازي أصبح عمر المختار من أنشط المبشرين بالحرب المقدسة "الجهاد" ضد القوات الإيطالية ، حيث كان يقوم بتحريض القبائل العربية وتدريب رجالها على السلاح ، بالإضافة إلى أنه كان قد رفض عقد أية اتفاقيات من شأنها الخضوع للحكومة الإيطالية ، حيث نجد غراتسياني يورد ذلك في مذكراته بقوله " لقد كان عمر المختار يقوم بتحريض سكان الجبل بالتحرش ضدنا بل ومهاجمة الحاميات العسكرية الإيطالية وقطع جميع الطرق في وجه قوافل التموين التي كانت تزود مراكز الحاميات العسكرية " كما حاول عمر المختار في يونيه عام 1922م تكوين تحالف إسلامي مع الزعماء الوطنيين بإقليم طرابلس من أجل محاربة القوات الإيطالية .
ويمتاز عمر المختار بذكاء متوقد حاضر البديهة ، كما أنه مثقف واسع الاطلاع خاصة في الأمور الدينية ويرجع ذلك إلى تعليمه الديني ، وكان نقياً ورعاً عاش فقيراً طيلة حياته ، فمنذ عام 1922م إلى أن تم القبض عليه بقي على الجبل يقضي معظم أيام حياته في التخطيط والتنظيم للهجمات الشرسة التي كان يقودها ضد جنود الحاميات العسكرية الإيطالية . فقد كان دائماً يحرص على قيادة المجاهدين بنفسه وأحياناً يكتفي بإدارة المعارك من بعيد . وباتباعه أسلوب قيادة المعارك بنفسه كان يزيد من جذوة ارتفاع الروح المعنوية القتالية بين أتباعه ضد الإيطاليين ، وعندما ترك إدريس السنوسي البلاد إلى مصر مع أتباعه ، أصبح عمر المختار القائد الوحيد في البلاد ، حيث كان يقوم بجمع المال وقيادة حرب التحرير ، وقد كان بالإضافة إلى ذلك يجمع الأتاوات السنوية التي كانت تدفعها القبائل البرقاوية لصالح حركة الجهاد .
وبإصرار عمر المختار على خوض الحرب المقدسة ضد القوات الإيطالية بالرغم من قلة المؤن والعتاد بالإضافة إلى هروب الكثير من الشخصيات المرموقة إلى مصر وغيرها إلى البلدان المجاورة استطاع عمر المختار قيادة المجاهدين لمدة 15عام دوخ فيها القوات الإيطالية التي كانت تعتبر من القوات المجهزة بأحدث الآليات العسكرية الراقية في ذلك الوقت ، حيث جعل قادتها العسكر يشعرون بالخيبة والفشل بعد كل معركة يخوضها ضدهم . وقد تم القبض على عمر المختار يوم 11/9/1931 ، وفي يوم 16/9/1931 بسلوق جرى تنفيذ حكم الإعدام الصادر ضده شنقاً حتى الموت . وقد اعتبر المختار أحد شهداء الحرية ذلك لأنه استطاع أن يقدم أسلوباً جاداً ليس فقط لليبيين ، بل إلى جميع المضطهدين في العالم الذين كانوا يقاومون شتى أنواع الاستعمار من أجل نيل الحرية لشعوبهم المقهورة . إن إعدام البطل عمر المختار بحضور الجنرال غراتسياني نفسه الذي حرص على إعطاء إشارة البدء في تنفيذ الحكم إلى الجلاد الطويل القامة والضخم الجثة الزنجي الذي كان يقف وراء عمر المختار فوق منصة المشنقة .. لم يوقف حركة الجهاد الليبي التي استمرت ضد القوات الإيطالية كما توقع عمر المختار أثناء مقابلة غراتسياني له في مدينة بنغازي . وقد أشار رودلفو غراتسياتي إلى أحداث الحرب الليبية كافة خاصة فيما يتعلق بوصف مراحل عمر المختار إلى أن تم تنفيذ حكم الإعدام فيه ، وذلك في كتابيه الأول بعنوان " برقة المهدأة " أما الثاني فقد كان بعنوان الكتاب الأول تقريباً ويورد الكتابان المذكوران بالتفصيل بيانات جغرافية للمناطق البرقاوية بالإضافة إلى حصر لأسماء الشخصيات التي لها علاقة بأحداث الحرب الليبية الإيطالية ، ولكن بالرغم من ذلك فإن غراتسياني قد حاول الإشارة بإيجاز إلى عملية نقل عمر المختار إلى سوسة بعد اعتقاله في سلطنة مباشرة ، ولعل ذلك الإيجاز من غراتسياني يخفي المعاملة القاسية التي لقيها البطل عمر في اللحظات الأولى من أسره في سوسة قبل أن يتم اقتياده إلى بنغازي . تلك اللحظات كان يجب على غراتسياني الإشارة إليها بالرغم من أنها تفضح المعاملة السيئة التي وجدها عمر فليس هناك أهم شيء لدى المؤرخ سوى محاولته معرفة تلك اللحظات في حياة عمر المختار وذلك من خلال الاعتماد على الفضول التاريخي لكي يصل إلى ردود الفعل التي كانت قد لازمت عمر المختار أثناء القبض عليه والذي كان يعتبر شخصية مهمة لما يتمتع به من وجاهة واستقامة بين مواطنيه ، فقد كان عمر يعتبر العقل المفكر للمجاهدين في برقة ، فقد استطاع القيام بحشد وتدريب بالإضافة إلى تنظيم وقيادة المجاهدين بكل مهارة ورباطة جأش وعزيمة قوية لم تعرف الاستسلام في مقاومة القوات الإيطالية الفاشستية المجهزة بمختلف الأسلحة المتطورة وذلك طيلة سنوات الجهاد التي خاضها ضد قوات الغزو الإيطالي . وقد أورد غراتسياني في كتابه الأول من دون التوسع في الشرح اللحظات الأولى لاعتقال عمر المختار ونقله إلى سوسة حيث أمضى بضع ساعات هناك ثم انتقل بعدها إلى بنغازي .. حيث أشار في بعض فصول كتابه قائلاً " لقد اتسم عمر المختار بالهدوء والصبر أثناء الاتصالات الأولية التي قام بها بعض المسؤولين الإيطاليين معه ، حيث أجاب بهدوء على جميع الأسئلة الموجهة إليه بنبرة تحد وتمرد " .
وقد وصل عمر المختار إلى بنغازي يوم 12/9/1931 عند تمام الساعة الخامسة مساء على ظهر الطراد الحربي أورسيني ، حيث كان يرافقه متصرف الجبل والقائمقام كاستريوتا . ومن خلال قراءة بعض فقرات من كتاب غراتسياني " برقة المهدأة " في طبعته الأولى يظهر جلياً للقارئ أن غراتسياني طمس بعض المعلومات التاريخية المهمة ، حيث نجد المؤلف قد أشار إلى اعتقال عمر المختار بسرعة وبإيجاز لدرجة أنه اكتفى بعدم الإشارة إلى أسماء بعض الشخصيات التي حضرت بسرعة إلى مكان اعتقال المختار للتعرف عليه ، بالرغم من أنه أشار إلى رتب تلك الشخصيات والوظائف التي كانت تشغلها ، بالرغم من أنه كان من المعروف عن غراتسياني اهتماماته الدقيقة بالشخصيات الواردة خلال الوقائع التاريخية وذلك من حيث عنايته بذكر شتى التفاصيل الخاصة بتلك الشخصيات سواء كانت الأسماء والألقاب التي كانت تعرف بها بالإضافة إلى ذكر الوظائف التي كانت تشغلها . إن غراتسياني قد أشار بغموض إلى شخصية متصرف الجبل الذي رافق عمر المختار إلى بنغازي ، فلماذا لم يورد غراتسياني في الطبعة الأولى لكتابه المذكور اسم المتصرف الغامض .. ؟ بينما حاول بواسطة جبرية حتمية تاريخية أن يورد اسم داودياتشي لأقدميته في رتبة جنرال باعتباره متصرف الجبل الأخضر في جميع الطبعات التالية للكتاب ، بينما حاول التستر على القاتل الحقيقي أغسطس ملاكريا Augusto Malacria والذي كان يعتبر متصرف الجبل الفعلي أثناء قضية اعتقال عمر المختار ، فماذا كان وراء قصد غراتسياني عندما أغفل ذكر اسم متصرف الجبل في الطبعة الأولى من كتابه ؟ لماذا هذا الغموض وعدم ذكر متصرف الجبل ؟
ولإزالة هذا الغموض نقول إن متصرف الجبل هو المدعو أغسطس مالاكريا الذي كان أحد المتورطين عام 1924م في حادثة قتل ماتيوتي Matteotti زعيم الاشتراكيين الطليان مما جعل موسوليني يقربه إليه حيث أسند إليه منصب متصرف الجبل في ليبيا . هذا وقد تم نشر كتابي رودلفو غراتسياني وهما : " برقة المهدأة " و " السلام الروماني في ليبيا " بكل حرص وحكمة فقد كان نشر الكتابين المذكورين يهدف إلى غاية ما .. لذلك كان على المؤلف غراتسياني التحليق بعيداً عن بعض الوقائع التاريخية وذلك بحرصه على عدم ذكر اسم المجرم القاتل أغسطس مالاكريا خاصة فيما يتعلق بمناسبة إلقاء القبض على الشيخ عمر المختار ، فقد حاول المؤلف إعادة إيراد الوقائع التاريخية لتلك الواقعة بصخب رنان بدلاً من ذكر الحقيقة بالتفصيل .
وإذا ما عدنا إلى الواقع نجد أن اعتقال عمر المختار قد تم بعد مناوشة بالذخيرة الحية حدثت ما بين المجاهدين بقيادة عمر المختار نفسه وسرية الصوراي للفرسان التي كان أغلبية جنودها من الليبيين ، حيث أصيب حصان عمر المختار بطلقة نارية فوقع على الأرض وعلى ظهره عمر المختار الذي أصيب بجرح بسيط ، مما أدى إلى محاصرته بجميع جنود السرية بعد أن تعذر على اتباعه مساعدته على النهوض ، مما جعله يحاول الاختباء تحت إحدى الشجيرات حيث لم يبق طويلا حتى تعرف عليه أحد الليبيين الذي كان من بين جنود سرية الصوراي الإيطالية ، حيث أخذ يصيح بأعلى صوته منادياً بقية الجنود قائلا " عمر .. عمر المختار أسرعوا .. " مما جعل ضابط السرية يصدر أوامره لجميع الجنود بمحاصرة الجريح من أجل اتخاذ الاستعدادات السريعة لنقل عمر المختار إلى مقر القوات الإيطالية في سوسة . وقد صادف أن كان غراتسياني في روما يستعد لأخذ القطار إلى باريس لزيارة معرض المستعمرات ، وعندما علم باعتقال عمر المختار سافر بالطائرة رأساً إلى طرابلس في الساعة الواحدة صباحاً .. ومن طرابلس سافر على متن طائرة عند الساعة 14 بعد الظهر إلى بنغازي وذلك لمشاهدة عمر المختار الذي كان مكبلا بالسلاسل يرقد في السجن تحت حراسة مشددة .
وقد كان لانتشار نبأ اعتقال عمر المختار صدى عميقاً بين فرق القوات العسكرية الإيطالية والمواطنين في البلاد ، وقد وجد غراتسياني أن تلك فرصة ثمينة لا يجب التفريط فيها ، فقام باستغلالها إعلاميا من أجل تدمير أسطورة البطل عمر المختار ، كذلك من أجل إخماد استمرارية المقاومة نفسيا سيكولوجيا لدى المجاهدين الليبيين وكذلك في نفوس بقية المواطنين العرب حيث أخذ يلوح بالدرس القاسي الذي لحق بعمر المختار على حد قوله بسبب عناده وعدم استسلامه لسلطة الحكومة الإيطالية . وقد تحدد مصير عمر المختار يوم 15/9/1931 في صالون بالاس ليتوريا بمدينة بنغازي ، حيث تم إجراء محاكمة صورية له تم فيها الحكم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت وفي صباح يوم 16/9/1931 كما يورد غراتسياني في كتابه " برقة المهدأة " بقوله : عند الساعة التاسعة صباحا بالضبط من يوم 16/9/1931 وبحضور جميع أعيان القبائل البرقاوية في المعسكرات القريبة من بنغازي تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في عمر المختار زعيم الثوار المتمردين .
" إنا لله وإنا إليه راجعون " هذا ما ردده عمر المختار عندما وقف على منصة المشنقة ، ولكن نجد أنه في الحقيقة وقبل تنفيذ حكم الإعدام فيه ، قد قال بازدراء ومن دون مبالاة للجنود الطليان المحيطين به : " هكذا أنتم أيها التعساء .. ليس لديكم على الأقل رصاصتين تقتلوني بهما " . هذا هو نص العبارة التي رواها ليفي Livio الذي كان يعتبر شاهد عيان على الحرب الليبية والذي تم بواسطته كشف غموض شخصية متصرف الجبل أغسطس مالاكريا ، كما أنه ساعد برواياته أن يسد ثغرة الساعات الأخيرة من حياة عمر المختار التي قضاها في معتقل بسوسة تحت الحراسة المشددة .
ولقد كان من أهم واجبات متصرف الجبل مالاكريا المكلف بها هي إخضاع سكان منطقة الجبل بالقوة ، لذلك أصبح من واجبات فرقة الصوراي غير النظامية والتي كانت تتكون من أهالي البلاد والتي كانت تعتبر رهن إشارة متصرف الجبل حماية القبائل في تلك المناطق من غارات رفاق عمر المختار الذين كانوا يقومون بتلك الغارات المتكررة على نجوع القبائل من أجل الحصول على الماشية والتموين اللازم بعد قيام غراتسياني بإغلاق الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمسافة 270 كم ، من أجل منع وصول التموين للمجاهدين والذين كان يصلهم عن طريق الحدود المصرية وعندما تم إلقاء القبض على عمر المختار سارع متصرف الجبل للتعرف على هوية الأسير ، لذلك فعندما فرغ من التأكد من شخصية عمر المختار قام بإيداعه لدى السجان ليفي Livio مساء يوم 11/9/1931 في سوسة وأشار إليه محذرا وهو يرفع سبابته في وجهه نحو عمر المختار قائلاً : "هل ترى هذا المتمرد .. احرص لا تدعه يهرب منك .. لأني سوف أقتله " . وقد حاول المجاهدون من أتباع عمر المختار الإفراج عن زعيمهم بعدما علموا بوقوعه في الأسر بواسطة القوات الإيطالية .. وذلك بعد انتظار له لم يدم طويلاً . ويصف شاهد العيان ليفي ، عمر المختار قائلا : "كان شيخاً متوسط الطول عنيدا عيناه تشعان ببريق الدهاء والحيلة ، ويبدو منظره كطائر جارح بسبب التقوس الذي يبدو في ظهره ، بالإضافة إلى عمق التقاطيع التي تمتد من أعلى جبهته لتستمر فوق حاجبيه ثم تنحدر إلى أسفل حيث تتقاطع عند فمه ثم تتوارى عند ذقنه تحت لحيته البيضاء القصيرة ، أما لون بشرته فإنه كان يميل إلى اللون الأسمر . ويستطيع المرء أن يدرك مدى ما يتميز به عمر المختار من سمو وطموح بالإضافة إلى عزة النفس عن قرب ، حيث أن تلك الصفات جميعا لا تنفي مدى ما يتصف به من نبل ووجاهة " .
وقد نظر عمر المختار إلى سجانه قائلا : هل تعرفني ؟ فأجاب ليفي بقوله " كلا لم أعرفك أبدا " ولكن عمر بادره بهدوء " إني قد رأيتك عدة مرات ، فأنت معروف بين الأهالي بارتدائك الزي الوطني العربي ، كما أنك تعتبر أشهر وأسرع قناص في إطلاق النار ، أنا أعرف ذلك فالحرب هي التي جعلت منا أعداء . إن رجالي يعرفونك جيداً حيث يلقبونك باسم " الشيطان " فأنت الذي كنت تحرس بنات القبيلة عندما كن يقمن بزيارة سيدي عبد الواحد .. أتذكر رجالي عندما قاموا بمهاجمتك عند وادي الكوف .. لقد نجوت بأعجوبة من وابل الرصاص عندما اضطررت إلى تغيير الحصان الذي كنت تمتطيه والذي كان قد أصيب بطلقات الرصاص لثالث مرة .. فلنقل إن الله قد نجاك .. بعد توقف إطلاق النار .. هذا كل ما حدث وأنا الآن أعتبر نفسي سجينك " . وعندما توقف عمر المختار عن الكلام ، بادره ليفي بقوله : " سوف أعقد معك معاهدة سلام إلى غد .. فأنت لست سجيني فقط ، بل أيضاً ضيفي في اليوم الأول ، حيث يعتبر الضيف عندكم في ذلك اليوم ابن الله " ثم يستمر ليفي في روايته أن عمر المختار قد التفت إليه مجيبا إياه بقوله : "السلام عليك " حيث رد عليه ليفي وهو يتركه لوحده قائلا " وعليك السلام إلى غد " .
ويستمر السجان في روايته لكاتب المقالة السنيور باولو باقانيني بقوله " وعندما تركت عمر المختار وحده ، ذهبت لإعداد الطعام له ، والذي كان يتكون من طهي دجاجة له ، وعندما قدمت له الطعام ، اعتدل عمر في جلسته ولم تمر إلا ثوان وقد التهم الدجاجة حيث لم يترك منها إلا العظام بعد أن خرطها من اللحم بواسطة أسنانه الناصعة البياض .. وعندما شعر بنظراتي تتجه إليه التفت إلي قائلا " إن اللحم يعتبر غذاء رئيسيا لي ؛ لأنه يمنحني القوة .. " وبعد أن فرغ من التهام الطعام جلس وأخذ ينظر إلي بينما بادرته قائلا " أريد أن أسألك الآن " وبعد أن رد بالإيجاب وهو يعتدل في جلسته قلت له متسائلا : كيف استطعت أنت ورفاقك البقاء على قيد الحياة طويلا دون حماية وتموينات ؟ أجابني وهو يهز رأسه قائلا : نحن البدو مثل عصافير السماء التي تجد ما تأكله في المكان الذي يخيل إليك أنه يخلو من الطعام .. وبعد أن تركت عمر يسرح في خياله ، نهض من مكانه وهو يزمجر غاضباً كالأسد متأثراً بما حصل له .. بينما أخذ يتفوه ببعض العبارات يرددها قائلا " الكلب الكلب .. حتى عمر غدر به .. حتى عمر كان له يهوذا " وعندما هدأ غضبه اقتربت منه حيث جلس وأخذ يروي كيف وقع من على حصانه الذي أصيب بجراح ، ثم كيف حاول الاختباء تحت الشجيرات القريبة منه ، ولكن أحد فرسان الصواري والذي كان من العرب استطاع اكتشاف عمر المختار وهو مختبئ تحت الشجيرة . ( يصمت عمر قليلا .. ثم يضيف بحدة وغضب : إن العربي الذي اكتشفني تحت الشجيرة يعتبر أخي .. لم يسكت بل بدأ يصرخ عندما عرفني بأعلى صوته باسمي كاملا .. وهو يردد عمر .. عمر المختار ، فلو أن ذلك الكلب الخائن لم يتفوه بكلمة واحدة عني فلربما تم نقلي مع بقية الأسرى كشخص عادي ، فلا أحد يعلم فيما بعد فلربما أستطيع الهرب بمساعدة أحد رفاقي .
وطوال تلك الليلة التي قضاها عمر في سوسة ، والتي لم يعرف أبدا بأنه سوف ينقل بواسطة البحر إلى بنغازي صباحا ، أخذ يروي شتى القصص على مسامعي ، بينما كان بين الحين والآخر يتململ وهو يتأوه قائلا ّ مكتوب .. مكتوب فالذي قد سطر فلا مفر منه .. فحياة الإنسان كالسبحة تتساقط حباتها متتالية مثل توارد الأفكار على الإنسان نفسه .. فمرة يشعر بالسعادة وأخرى بالحزن .. وهكذا إلى النهاية .. فمرة حظ سعيد وأخرى حظ سيء تعس .. فالمكتوب هو المكتوب لن يتغير أبدا . وبعد أن توقف عن الكلام حدجني بنظرة وهو يقول : أنت شاب محارب مخلص .. فأنا مسرور جدا لأكون سجينك .. هذا بالإضافة إلى أنك متزوج من فتاة مسلمة عربية من قومنا .. ولكن المسلمة لا تتزوج من مسيحي ، فقاطعته قائلا : إن الفتاة العربية التي من قومك قد تزوجت من رجل طيب وأمين . ثم بسطت له يدي مصافحا .
ثم يستمر ليفي سجان الشهيد في سرد حكاياته عن الساعات الأخيرة في حياة البطل عمر المختار حيث يصف شخصية البطل المسلم المؤمن بالقضاء والقدر بقوله " وفي الحقيقة كان عمر رجلا يصلي لله منذ انبلاج الصبح إلى غروب الشمس مع نهاية كل يوم ، رجلا يصلي لله ليلا بدلا من أن يتمشى .. رجلا يصلي لله من أجل أسرته وماشيته ثم الطريق الذي سوف يسلكه .. رجلا يصلي لله من أجل حماية حياة المسلمين جميعا ومن أجل مواصلة الكفاح العادل المقدس الذي أمر به الله سبحانه وتعالى .. الله أكبر .. الله أكبر .. ألقى عمر المختار نظرة إلى الخارج .. إن بزوغ الصبح لقريب هكذا قال وهو يتململ في مكانه ثم أضاف قائلا : " إن بزوغ النهار يكون طريا منعشا مثل صوت شابة تغني على البئر .. ثم يكون توالي النهار فيما بعد باعثا على السأم والملل مثل سير خطوات الجمل البطيئة .. أو حارق مثل حدوة الحصان الذي يركض مسرعا .. وأخيرا يأتي المساء وهو مثل لون الرماد .. إن الحياة مثل تعاقب النهار .. شعارها فعل وإرادة يكونان معا شيئا مهما في حياة الإنسان ، ثم يتدخل القدر فيما بعد ليدل على مصير حياة الإنسان .. إن حتمية النهاية أو المكتوب "المقدر" بالنسبة للإنسان تأتي تلقائيا مثل نافورة مياه أو مسجد في الصحراء عندما تصل إليهما تجد نفسك تعبان وبالتالي غير قادر على مواصلة السير .. فتبقى تنتظر بجوارهما حلول المساء أو بمعنى آخر النهاية أو المصير ، فأنت كما ترى أن حياتي قد رسمت مسيرتها منذ الولادة حتى النهاية ، فحياتي ليست مثل حياة أولئك الشبان تبدأ مع شهر رمضان ولكنها كانت قد بدأت قبل ذلك ، فأنا ولدت لأقود الآخرين ولأفهم ما جاء به القرآن الكريم من معان .. بينما البعض الآخر يكتفي بتعلم قراءته فقط . ثم قام عمر بخلع جرده عن كتفه ، وبينما انهمك ليفترشه فوق حصيرة الديس استعدادا للنوم خرجت أنا – ليفي – لأقوم بالدورية الليلية المعتادة ممتطيا صهوة حصاني وذلك للتأكد من أن كل شيء يدور حول المعسكر على ما يرام ، وما إن رجعت إلى عمر بعد أن تأكدت من الهدوء الذي كان يحيط بالمعسكر حتى وجدته مستغرقا في النوم ، بينما لا زال رفاقه لم يعرفوا بعد المكان الذي كان يعتقد أن المختار لم يقبض عليه ، بل تائه لم يستطع الوصول إليهم بسبب الجروح التي أصيب بها يجري مهرولا في الجبل مناديا بيأس : ياباتي .. ياباتي .. بينما كانت أسرته تشعر بالقلق عليه لعدم عودته مع رفاقه كالعادة .
" وفي الفجر عندما سمع عمر المؤذن ينادي المسلمين لأداء الصلاة بقوله : الله أكبر .. الله أكبر .. . قام عمر من نومه وتوجه نحو القبلة بمكة وأدى الصلاة كبقية المسلمين . وفي الحقيقة وجدت نفسي (ليفي) معجبا بفلسفته في الحياة .. فهو يشعر في وجدانه بأنه محارب قد هزم ولكنه مع ذلك لم يفقد الهدوء وعزة النفس والوقار التي كانت تتميز بها شخصيته .
وعند تمام الساعة السادسة صباحا قمت بمرافقته إلى الطراد الحربي أورسيني حيث تم التسليم والاستلام مع الجنود الذين اقتادوه إلى داخل الطراد الحربي بينما كان يلقي علي تحية الوداع .. وعندما عدت إلى المعسكر ، كنت أفكر في عمر المختار بينما كنت أهمس إلى نفسي في هدوء .. لربما أراه وربما لن أراه ، أحقا أن الموتى لا يرجعون ؟ وما إن وصلت إلى المعسكر حتى قلت لنفسي .. يموت عمر .. لا مفر من ذلك . أما أن يقاسي إهانة الشنق كأي مجرم عادي أو أي شرير جاحد لله .. فهذا ما يعتبره المسلمون إهانة .. حيث يعتقدون أن حبل المشنقة عندما يلتف حول الرقبة لا يسمح بخروج الروح من الحلق .. وهكذا كما يعتقدون أن روح عمر سوف لن تستطيع الرجوع إلى الخالق !!
صور نادرة لعمر المختار
شبكة البصرة
تأليف : باولو باقانيني
ترجمة بتصرف : د. إبراهيم أحمد المهدوي
مجلة البحوث التاريخية ، العدد 2 ، يوليو 1988 م
بعد حوالي نصف قرن مضي على إعدام الثائر الليبي عمر المختار بواسطة رودلفو غراتسياني ، تحدث ليفي livio dall Aglio سجان عمر المختار عن الساعات الأخيرة التي قضاها عمر المختار في معتقله بسوسة . أشار كاتب المقال في فقرات عنوان المقالة إلى عمر المختار باعتباره غاريبالدي ليبيا ، وذلك بمناسبة توزيع فيلم عمر المختار أسد الصحراء على دور العرض العالمية بعد أن فرغ من إخراجه مصطفى العقاد السوري الجنسية ، والذي كان قد قام بإخراج فيلم الرسالة من قبل ، وقد بلغت تكاليف الفيلم الأخير حوالى 50 مليون دولار أمريكي ، وقد تم الاعتماد في سيناريو شريط عمر المختار على الوقائع التاريخية .. ولكن برغم ذلك فقد تجاوز المخرج بعضاً من تلك الوقائع . وقد صرح مصطفى العقاد في مقابلة صحفية له مع مجلة " الدستور اللندنية Aldoustouor بقوله : " إن قيامي بإخراج فيلم عمر المختار في ليبيا ، جعلني أكتشف ولأول مرة مدى فضاعة جرائم الفاشيست الطليان في ليبيا ، حيث قام الجنرال رودلفو غراتسياني أثناء محاولاته اليائسة تنفيذ خطته في ترسيخ الاستيطان الاستعماري في ليبيا ، قتل 200,000 نسمة من المواطنين الأبرياء طوال ثلاث سنوات فقط قبل عثوره على الثائر عمر المختار واعتقاله ثم يستمر الكاتب في توجيه بعض الانتقادات إلى الشريط منها استخدام نوع من السيارات الحربية أثناء محاصرة عمر المختار لاعتقاله كانت لم تستخدم بعد بواسطة القوات الإيطالية في أفريقيا ، ثم يشير إلى أن الجلاد الذي وضع حبل المشنقة في رقبة عمر المختار لم يكن من بين الفاشيست الإيطاليين ، بل كان زنجياً سودانياً من أهالي البلاد يدعى محمود كان يعرف بلقب اللونقو " الطويل " وهو زنجي سكير مات أخيراً بضاحية البركة في مدينة بنغازي ، كما يروي أحد شهود العيان الذين عاصروه وعرفوه . وذلك وفقاً لما ذكره سجان الشهيد في اعترافاته لكاتب المقال . ولكن الذي يعنينا في هذا المقال ليس من وضع حبل المشنقة حول رقبة الشهيد .. فهو واحد ، فسواء كان الجلاد الحقير هو محمود السوداني السكير أو غيره من المتعاونين مع الفاشيست الإيطاليين .. فالتاريخ لن يرحم أولئك الذين كانوا يتقربون من رودلفو غراتسياني سفاح ليبيا ، فالذي يهمنا هنا أنه ساعد على توضيح بعض الجوانب الخفية في تاريخ بلادنا حيث أشار باولو باقانيني إليها خلال حواره مع Livio سجان الشهيد عندما تم اعتقاله في سوسة . وقد قام الكاتب بتقسيم مقاله إلى فقرات صغيرة لكي يمكن إدراك تلميحاته إلى بعض النقاط التي يوردها على لسان السجان الذي قام بحراسة عمر المختار طيلة بقائه لبضع ساعات في سوسة .. كما نجد أن إحدى الفقرات بالمقال تعطي نبذة مختصرة عن الشهيد عمر المختار ، حيث يورد أنه قد ولد بالبطنان عام 1862م ، ثم التحق فيما بعد بمدرسة الجغبوب القرآنية حيث قضى بها 8 سنوات استطاع بلباقته ومهارته اكتساب ثقة معلميه مما ساعد على انتقاله إلى الكفرة حيث أسند إليه منصب شيخ زاوية القصور عندما بلغ من العمر 40 عاماً . وقد تزوج عمر المختار من ثلاث زوجات في حياته ، كانت الزوجة الأولى من أقاربه المنفه توفيت بعد سنوات قليلة من اقترانه بها ، أما الثانية فقد كانت ابنة أحد أعيان البلاد ، والزوجة الأخيرة فقد كانت ابنة أحد المجاهدين توفيت خلال معركة وقعت ما بين المجاهدين بقيادة عمر المختار والقوات الإيطالية عام 1927م .
وبعد احتلال بنغازي أصبح عمر المختار من أنشط المبشرين بالحرب المقدسة "الجهاد" ضد القوات الإيطالية ، حيث كان يقوم بتحريض القبائل العربية وتدريب رجالها على السلاح ، بالإضافة إلى أنه كان قد رفض عقد أية اتفاقيات من شأنها الخضوع للحكومة الإيطالية ، حيث نجد غراتسياني يورد ذلك في مذكراته بقوله " لقد كان عمر المختار يقوم بتحريض سكان الجبل بالتحرش ضدنا بل ومهاجمة الحاميات العسكرية الإيطالية وقطع جميع الطرق في وجه قوافل التموين التي كانت تزود مراكز الحاميات العسكرية " كما حاول عمر المختار في يونيه عام 1922م تكوين تحالف إسلامي مع الزعماء الوطنيين بإقليم طرابلس من أجل محاربة القوات الإيطالية .
ويمتاز عمر المختار بذكاء متوقد حاضر البديهة ، كما أنه مثقف واسع الاطلاع خاصة في الأمور الدينية ويرجع ذلك إلى تعليمه الديني ، وكان نقياً ورعاً عاش فقيراً طيلة حياته ، فمنذ عام 1922م إلى أن تم القبض عليه بقي على الجبل يقضي معظم أيام حياته في التخطيط والتنظيم للهجمات الشرسة التي كان يقودها ضد جنود الحاميات العسكرية الإيطالية . فقد كان دائماً يحرص على قيادة المجاهدين بنفسه وأحياناً يكتفي بإدارة المعارك من بعيد . وباتباعه أسلوب قيادة المعارك بنفسه كان يزيد من جذوة ارتفاع الروح المعنوية القتالية بين أتباعه ضد الإيطاليين ، وعندما ترك إدريس السنوسي البلاد إلى مصر مع أتباعه ، أصبح عمر المختار القائد الوحيد في البلاد ، حيث كان يقوم بجمع المال وقيادة حرب التحرير ، وقد كان بالإضافة إلى ذلك يجمع الأتاوات السنوية التي كانت تدفعها القبائل البرقاوية لصالح حركة الجهاد .
وبإصرار عمر المختار على خوض الحرب المقدسة ضد القوات الإيطالية بالرغم من قلة المؤن والعتاد بالإضافة إلى هروب الكثير من الشخصيات المرموقة إلى مصر وغيرها إلى البلدان المجاورة استطاع عمر المختار قيادة المجاهدين لمدة 15عام دوخ فيها القوات الإيطالية التي كانت تعتبر من القوات المجهزة بأحدث الآليات العسكرية الراقية في ذلك الوقت ، حيث جعل قادتها العسكر يشعرون بالخيبة والفشل بعد كل معركة يخوضها ضدهم . وقد تم القبض على عمر المختار يوم 11/9/1931 ، وفي يوم 16/9/1931 بسلوق جرى تنفيذ حكم الإعدام الصادر ضده شنقاً حتى الموت . وقد اعتبر المختار أحد شهداء الحرية ذلك لأنه استطاع أن يقدم أسلوباً جاداً ليس فقط لليبيين ، بل إلى جميع المضطهدين في العالم الذين كانوا يقاومون شتى أنواع الاستعمار من أجل نيل الحرية لشعوبهم المقهورة . إن إعدام البطل عمر المختار بحضور الجنرال غراتسياني نفسه الذي حرص على إعطاء إشارة البدء في تنفيذ الحكم إلى الجلاد الطويل القامة والضخم الجثة الزنجي الذي كان يقف وراء عمر المختار فوق منصة المشنقة .. لم يوقف حركة الجهاد الليبي التي استمرت ضد القوات الإيطالية كما توقع عمر المختار أثناء مقابلة غراتسياني له في مدينة بنغازي . وقد أشار رودلفو غراتسياتي إلى أحداث الحرب الليبية كافة خاصة فيما يتعلق بوصف مراحل عمر المختار إلى أن تم تنفيذ حكم الإعدام فيه ، وذلك في كتابيه الأول بعنوان " برقة المهدأة " أما الثاني فقد كان بعنوان الكتاب الأول تقريباً ويورد الكتابان المذكوران بالتفصيل بيانات جغرافية للمناطق البرقاوية بالإضافة إلى حصر لأسماء الشخصيات التي لها علاقة بأحداث الحرب الليبية الإيطالية ، ولكن بالرغم من ذلك فإن غراتسياني قد حاول الإشارة بإيجاز إلى عملية نقل عمر المختار إلى سوسة بعد اعتقاله في سلطنة مباشرة ، ولعل ذلك الإيجاز من غراتسياني يخفي المعاملة القاسية التي لقيها البطل عمر في اللحظات الأولى من أسره في سوسة قبل أن يتم اقتياده إلى بنغازي . تلك اللحظات كان يجب على غراتسياني الإشارة إليها بالرغم من أنها تفضح المعاملة السيئة التي وجدها عمر فليس هناك أهم شيء لدى المؤرخ سوى محاولته معرفة تلك اللحظات في حياة عمر المختار وذلك من خلال الاعتماد على الفضول التاريخي لكي يصل إلى ردود الفعل التي كانت قد لازمت عمر المختار أثناء القبض عليه والذي كان يعتبر شخصية مهمة لما يتمتع به من وجاهة واستقامة بين مواطنيه ، فقد كان عمر يعتبر العقل المفكر للمجاهدين في برقة ، فقد استطاع القيام بحشد وتدريب بالإضافة إلى تنظيم وقيادة المجاهدين بكل مهارة ورباطة جأش وعزيمة قوية لم تعرف الاستسلام في مقاومة القوات الإيطالية الفاشستية المجهزة بمختلف الأسلحة المتطورة وذلك طيلة سنوات الجهاد التي خاضها ضد قوات الغزو الإيطالي . وقد أورد غراتسياني في كتابه الأول من دون التوسع في الشرح اللحظات الأولى لاعتقال عمر المختار ونقله إلى سوسة حيث أمضى بضع ساعات هناك ثم انتقل بعدها إلى بنغازي .. حيث أشار في بعض فصول كتابه قائلاً " لقد اتسم عمر المختار بالهدوء والصبر أثناء الاتصالات الأولية التي قام بها بعض المسؤولين الإيطاليين معه ، حيث أجاب بهدوء على جميع الأسئلة الموجهة إليه بنبرة تحد وتمرد " .
وقد وصل عمر المختار إلى بنغازي يوم 12/9/1931 عند تمام الساعة الخامسة مساء على ظهر الطراد الحربي أورسيني ، حيث كان يرافقه متصرف الجبل والقائمقام كاستريوتا . ومن خلال قراءة بعض فقرات من كتاب غراتسياني " برقة المهدأة " في طبعته الأولى يظهر جلياً للقارئ أن غراتسياني طمس بعض المعلومات التاريخية المهمة ، حيث نجد المؤلف قد أشار إلى اعتقال عمر المختار بسرعة وبإيجاز لدرجة أنه اكتفى بعدم الإشارة إلى أسماء بعض الشخصيات التي حضرت بسرعة إلى مكان اعتقال المختار للتعرف عليه ، بالرغم من أنه أشار إلى رتب تلك الشخصيات والوظائف التي كانت تشغلها ، بالرغم من أنه كان من المعروف عن غراتسياني اهتماماته الدقيقة بالشخصيات الواردة خلال الوقائع التاريخية وذلك من حيث عنايته بذكر شتى التفاصيل الخاصة بتلك الشخصيات سواء كانت الأسماء والألقاب التي كانت تعرف بها بالإضافة إلى ذكر الوظائف التي كانت تشغلها . إن غراتسياني قد أشار بغموض إلى شخصية متصرف الجبل الذي رافق عمر المختار إلى بنغازي ، فلماذا لم يورد غراتسياني في الطبعة الأولى لكتابه المذكور اسم المتصرف الغامض .. ؟ بينما حاول بواسطة جبرية حتمية تاريخية أن يورد اسم داودياتشي لأقدميته في رتبة جنرال باعتباره متصرف الجبل الأخضر في جميع الطبعات التالية للكتاب ، بينما حاول التستر على القاتل الحقيقي أغسطس ملاكريا Augusto Malacria والذي كان يعتبر متصرف الجبل الفعلي أثناء قضية اعتقال عمر المختار ، فماذا كان وراء قصد غراتسياني عندما أغفل ذكر اسم متصرف الجبل في الطبعة الأولى من كتابه ؟ لماذا هذا الغموض وعدم ذكر متصرف الجبل ؟
ولإزالة هذا الغموض نقول إن متصرف الجبل هو المدعو أغسطس مالاكريا الذي كان أحد المتورطين عام 1924م في حادثة قتل ماتيوتي Matteotti زعيم الاشتراكيين الطليان مما جعل موسوليني يقربه إليه حيث أسند إليه منصب متصرف الجبل في ليبيا . هذا وقد تم نشر كتابي رودلفو غراتسياني وهما : " برقة المهدأة " و " السلام الروماني في ليبيا " بكل حرص وحكمة فقد كان نشر الكتابين المذكورين يهدف إلى غاية ما .. لذلك كان على المؤلف غراتسياني التحليق بعيداً عن بعض الوقائع التاريخية وذلك بحرصه على عدم ذكر اسم المجرم القاتل أغسطس مالاكريا خاصة فيما يتعلق بمناسبة إلقاء القبض على الشيخ عمر المختار ، فقد حاول المؤلف إعادة إيراد الوقائع التاريخية لتلك الواقعة بصخب رنان بدلاً من ذكر الحقيقة بالتفصيل .
وإذا ما عدنا إلى الواقع نجد أن اعتقال عمر المختار قد تم بعد مناوشة بالذخيرة الحية حدثت ما بين المجاهدين بقيادة عمر المختار نفسه وسرية الصوراي للفرسان التي كان أغلبية جنودها من الليبيين ، حيث أصيب حصان عمر المختار بطلقة نارية فوقع على الأرض وعلى ظهره عمر المختار الذي أصيب بجرح بسيط ، مما أدى إلى محاصرته بجميع جنود السرية بعد أن تعذر على اتباعه مساعدته على النهوض ، مما جعله يحاول الاختباء تحت إحدى الشجيرات حيث لم يبق طويلا حتى تعرف عليه أحد الليبيين الذي كان من بين جنود سرية الصوراي الإيطالية ، حيث أخذ يصيح بأعلى صوته منادياً بقية الجنود قائلا " عمر .. عمر المختار أسرعوا .. " مما جعل ضابط السرية يصدر أوامره لجميع الجنود بمحاصرة الجريح من أجل اتخاذ الاستعدادات السريعة لنقل عمر المختار إلى مقر القوات الإيطالية في سوسة . وقد صادف أن كان غراتسياني في روما يستعد لأخذ القطار إلى باريس لزيارة معرض المستعمرات ، وعندما علم باعتقال عمر المختار سافر بالطائرة رأساً إلى طرابلس في الساعة الواحدة صباحاً .. ومن طرابلس سافر على متن طائرة عند الساعة 14 بعد الظهر إلى بنغازي وذلك لمشاهدة عمر المختار الذي كان مكبلا بالسلاسل يرقد في السجن تحت حراسة مشددة .
وقد كان لانتشار نبأ اعتقال عمر المختار صدى عميقاً بين فرق القوات العسكرية الإيطالية والمواطنين في البلاد ، وقد وجد غراتسياني أن تلك فرصة ثمينة لا يجب التفريط فيها ، فقام باستغلالها إعلاميا من أجل تدمير أسطورة البطل عمر المختار ، كذلك من أجل إخماد استمرارية المقاومة نفسيا سيكولوجيا لدى المجاهدين الليبيين وكذلك في نفوس بقية المواطنين العرب حيث أخذ يلوح بالدرس القاسي الذي لحق بعمر المختار على حد قوله بسبب عناده وعدم استسلامه لسلطة الحكومة الإيطالية . وقد تحدد مصير عمر المختار يوم 15/9/1931 في صالون بالاس ليتوريا بمدينة بنغازي ، حيث تم إجراء محاكمة صورية له تم فيها الحكم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت وفي صباح يوم 16/9/1931 كما يورد غراتسياني في كتابه " برقة المهدأة " بقوله : عند الساعة التاسعة صباحا بالضبط من يوم 16/9/1931 وبحضور جميع أعيان القبائل البرقاوية في المعسكرات القريبة من بنغازي تم تنفيذ حكم الإعدام شنقاً في عمر المختار زعيم الثوار المتمردين .
" إنا لله وإنا إليه راجعون " هذا ما ردده عمر المختار عندما وقف على منصة المشنقة ، ولكن نجد أنه في الحقيقة وقبل تنفيذ حكم الإعدام فيه ، قد قال بازدراء ومن دون مبالاة للجنود الطليان المحيطين به : " هكذا أنتم أيها التعساء .. ليس لديكم على الأقل رصاصتين تقتلوني بهما " . هذا هو نص العبارة التي رواها ليفي Livio الذي كان يعتبر شاهد عيان على الحرب الليبية والذي تم بواسطته كشف غموض شخصية متصرف الجبل أغسطس مالاكريا ، كما أنه ساعد برواياته أن يسد ثغرة الساعات الأخيرة من حياة عمر المختار التي قضاها في معتقل بسوسة تحت الحراسة المشددة .
ولقد كان من أهم واجبات متصرف الجبل مالاكريا المكلف بها هي إخضاع سكان منطقة الجبل بالقوة ، لذلك أصبح من واجبات فرقة الصوراي غير النظامية والتي كانت تتكون من أهالي البلاد والتي كانت تعتبر رهن إشارة متصرف الجبل حماية القبائل في تلك المناطق من غارات رفاق عمر المختار الذين كانوا يقومون بتلك الغارات المتكررة على نجوع القبائل من أجل الحصول على الماشية والتموين اللازم بعد قيام غراتسياني بإغلاق الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمسافة 270 كم ، من أجل منع وصول التموين للمجاهدين والذين كان يصلهم عن طريق الحدود المصرية وعندما تم إلقاء القبض على عمر المختار سارع متصرف الجبل للتعرف على هوية الأسير ، لذلك فعندما فرغ من التأكد من شخصية عمر المختار قام بإيداعه لدى السجان ليفي Livio مساء يوم 11/9/1931 في سوسة وأشار إليه محذرا وهو يرفع سبابته في وجهه نحو عمر المختار قائلاً : "هل ترى هذا المتمرد .. احرص لا تدعه يهرب منك .. لأني سوف أقتله " . وقد حاول المجاهدون من أتباع عمر المختار الإفراج عن زعيمهم بعدما علموا بوقوعه في الأسر بواسطة القوات الإيطالية .. وذلك بعد انتظار له لم يدم طويلاً . ويصف شاهد العيان ليفي ، عمر المختار قائلا : "كان شيخاً متوسط الطول عنيدا عيناه تشعان ببريق الدهاء والحيلة ، ويبدو منظره كطائر جارح بسبب التقوس الذي يبدو في ظهره ، بالإضافة إلى عمق التقاطيع التي تمتد من أعلى جبهته لتستمر فوق حاجبيه ثم تنحدر إلى أسفل حيث تتقاطع عند فمه ثم تتوارى عند ذقنه تحت لحيته البيضاء القصيرة ، أما لون بشرته فإنه كان يميل إلى اللون الأسمر . ويستطيع المرء أن يدرك مدى ما يتميز به عمر المختار من سمو وطموح بالإضافة إلى عزة النفس عن قرب ، حيث أن تلك الصفات جميعا لا تنفي مدى ما يتصف به من نبل ووجاهة " .
وقد نظر عمر المختار إلى سجانه قائلا : هل تعرفني ؟ فأجاب ليفي بقوله " كلا لم أعرفك أبدا " ولكن عمر بادره بهدوء " إني قد رأيتك عدة مرات ، فأنت معروف بين الأهالي بارتدائك الزي الوطني العربي ، كما أنك تعتبر أشهر وأسرع قناص في إطلاق النار ، أنا أعرف ذلك فالحرب هي التي جعلت منا أعداء . إن رجالي يعرفونك جيداً حيث يلقبونك باسم " الشيطان " فأنت الذي كنت تحرس بنات القبيلة عندما كن يقمن بزيارة سيدي عبد الواحد .. أتذكر رجالي عندما قاموا بمهاجمتك عند وادي الكوف .. لقد نجوت بأعجوبة من وابل الرصاص عندما اضطررت إلى تغيير الحصان الذي كنت تمتطيه والذي كان قد أصيب بطلقات الرصاص لثالث مرة .. فلنقل إن الله قد نجاك .. بعد توقف إطلاق النار .. هذا كل ما حدث وأنا الآن أعتبر نفسي سجينك " . وعندما توقف عمر المختار عن الكلام ، بادره ليفي بقوله : " سوف أعقد معك معاهدة سلام إلى غد .. فأنت لست سجيني فقط ، بل أيضاً ضيفي في اليوم الأول ، حيث يعتبر الضيف عندكم في ذلك اليوم ابن الله " ثم يستمر ليفي في روايته أن عمر المختار قد التفت إليه مجيبا إياه بقوله : "السلام عليك " حيث رد عليه ليفي وهو يتركه لوحده قائلا " وعليك السلام إلى غد " .
ويستمر السجان في روايته لكاتب المقالة السنيور باولو باقانيني بقوله " وعندما تركت عمر المختار وحده ، ذهبت لإعداد الطعام له ، والذي كان يتكون من طهي دجاجة له ، وعندما قدمت له الطعام ، اعتدل عمر في جلسته ولم تمر إلا ثوان وقد التهم الدجاجة حيث لم يترك منها إلا العظام بعد أن خرطها من اللحم بواسطة أسنانه الناصعة البياض .. وعندما شعر بنظراتي تتجه إليه التفت إلي قائلا " إن اللحم يعتبر غذاء رئيسيا لي ؛ لأنه يمنحني القوة .. " وبعد أن فرغ من التهام الطعام جلس وأخذ ينظر إلي بينما بادرته قائلا " أريد أن أسألك الآن " وبعد أن رد بالإيجاب وهو يعتدل في جلسته قلت له متسائلا : كيف استطعت أنت ورفاقك البقاء على قيد الحياة طويلا دون حماية وتموينات ؟ أجابني وهو يهز رأسه قائلا : نحن البدو مثل عصافير السماء التي تجد ما تأكله في المكان الذي يخيل إليك أنه يخلو من الطعام .. وبعد أن تركت عمر يسرح في خياله ، نهض من مكانه وهو يزمجر غاضباً كالأسد متأثراً بما حصل له .. بينما أخذ يتفوه ببعض العبارات يرددها قائلا " الكلب الكلب .. حتى عمر غدر به .. حتى عمر كان له يهوذا " وعندما هدأ غضبه اقتربت منه حيث جلس وأخذ يروي كيف وقع من على حصانه الذي أصيب بجراح ، ثم كيف حاول الاختباء تحت الشجيرات القريبة منه ، ولكن أحد فرسان الصواري والذي كان من العرب استطاع اكتشاف عمر المختار وهو مختبئ تحت الشجيرة . ( يصمت عمر قليلا .. ثم يضيف بحدة وغضب : إن العربي الذي اكتشفني تحت الشجيرة يعتبر أخي .. لم يسكت بل بدأ يصرخ عندما عرفني بأعلى صوته باسمي كاملا .. وهو يردد عمر .. عمر المختار ، فلو أن ذلك الكلب الخائن لم يتفوه بكلمة واحدة عني فلربما تم نقلي مع بقية الأسرى كشخص عادي ، فلا أحد يعلم فيما بعد فلربما أستطيع الهرب بمساعدة أحد رفاقي .
وطوال تلك الليلة التي قضاها عمر في سوسة ، والتي لم يعرف أبدا بأنه سوف ينقل بواسطة البحر إلى بنغازي صباحا ، أخذ يروي شتى القصص على مسامعي ، بينما كان بين الحين والآخر يتململ وهو يتأوه قائلا ّ مكتوب .. مكتوب فالذي قد سطر فلا مفر منه .. فحياة الإنسان كالسبحة تتساقط حباتها متتالية مثل توارد الأفكار على الإنسان نفسه .. فمرة يشعر بالسعادة وأخرى بالحزن .. وهكذا إلى النهاية .. فمرة حظ سعيد وأخرى حظ سيء تعس .. فالمكتوب هو المكتوب لن يتغير أبدا . وبعد أن توقف عن الكلام حدجني بنظرة وهو يقول : أنت شاب محارب مخلص .. فأنا مسرور جدا لأكون سجينك .. هذا بالإضافة إلى أنك متزوج من فتاة مسلمة عربية من قومنا .. ولكن المسلمة لا تتزوج من مسيحي ، فقاطعته قائلا : إن الفتاة العربية التي من قومك قد تزوجت من رجل طيب وأمين . ثم بسطت له يدي مصافحا .
ثم يستمر ليفي سجان الشهيد في سرد حكاياته عن الساعات الأخيرة في حياة البطل عمر المختار حيث يصف شخصية البطل المسلم المؤمن بالقضاء والقدر بقوله " وفي الحقيقة كان عمر رجلا يصلي لله منذ انبلاج الصبح إلى غروب الشمس مع نهاية كل يوم ، رجلا يصلي لله ليلا بدلا من أن يتمشى .. رجلا يصلي لله من أجل أسرته وماشيته ثم الطريق الذي سوف يسلكه .. رجلا يصلي لله من أجل حماية حياة المسلمين جميعا ومن أجل مواصلة الكفاح العادل المقدس الذي أمر به الله سبحانه وتعالى .. الله أكبر .. الله أكبر .. ألقى عمر المختار نظرة إلى الخارج .. إن بزوغ الصبح لقريب هكذا قال وهو يتململ في مكانه ثم أضاف قائلا : " إن بزوغ النهار يكون طريا منعشا مثل صوت شابة تغني على البئر .. ثم يكون توالي النهار فيما بعد باعثا على السأم والملل مثل سير خطوات الجمل البطيئة .. أو حارق مثل حدوة الحصان الذي يركض مسرعا .. وأخيرا يأتي المساء وهو مثل لون الرماد .. إن الحياة مثل تعاقب النهار .. شعارها فعل وإرادة يكونان معا شيئا مهما في حياة الإنسان ، ثم يتدخل القدر فيما بعد ليدل على مصير حياة الإنسان .. إن حتمية النهاية أو المكتوب "المقدر" بالنسبة للإنسان تأتي تلقائيا مثل نافورة مياه أو مسجد في الصحراء عندما تصل إليهما تجد نفسك تعبان وبالتالي غير قادر على مواصلة السير .. فتبقى تنتظر بجوارهما حلول المساء أو بمعنى آخر النهاية أو المصير ، فأنت كما ترى أن حياتي قد رسمت مسيرتها منذ الولادة حتى النهاية ، فحياتي ليست مثل حياة أولئك الشبان تبدأ مع شهر رمضان ولكنها كانت قد بدأت قبل ذلك ، فأنا ولدت لأقود الآخرين ولأفهم ما جاء به القرآن الكريم من معان .. بينما البعض الآخر يكتفي بتعلم قراءته فقط . ثم قام عمر بخلع جرده عن كتفه ، وبينما انهمك ليفترشه فوق حصيرة الديس استعدادا للنوم خرجت أنا – ليفي – لأقوم بالدورية الليلية المعتادة ممتطيا صهوة حصاني وذلك للتأكد من أن كل شيء يدور حول المعسكر على ما يرام ، وما إن رجعت إلى عمر بعد أن تأكدت من الهدوء الذي كان يحيط بالمعسكر حتى وجدته مستغرقا في النوم ، بينما لا زال رفاقه لم يعرفوا بعد المكان الذي كان يعتقد أن المختار لم يقبض عليه ، بل تائه لم يستطع الوصول إليهم بسبب الجروح التي أصيب بها يجري مهرولا في الجبل مناديا بيأس : ياباتي .. ياباتي .. بينما كانت أسرته تشعر بالقلق عليه لعدم عودته مع رفاقه كالعادة .
" وفي الفجر عندما سمع عمر المؤذن ينادي المسلمين لأداء الصلاة بقوله : الله أكبر .. الله أكبر .. . قام عمر من نومه وتوجه نحو القبلة بمكة وأدى الصلاة كبقية المسلمين . وفي الحقيقة وجدت نفسي (ليفي) معجبا بفلسفته في الحياة .. فهو يشعر في وجدانه بأنه محارب قد هزم ولكنه مع ذلك لم يفقد الهدوء وعزة النفس والوقار التي كانت تتميز بها شخصيته .
وعند تمام الساعة السادسة صباحا قمت بمرافقته إلى الطراد الحربي أورسيني حيث تم التسليم والاستلام مع الجنود الذين اقتادوه إلى داخل الطراد الحربي بينما كان يلقي علي تحية الوداع .. وعندما عدت إلى المعسكر ، كنت أفكر في عمر المختار بينما كنت أهمس إلى نفسي في هدوء .. لربما أراه وربما لن أراه ، أحقا أن الموتى لا يرجعون ؟ وما إن وصلت إلى المعسكر حتى قلت لنفسي .. يموت عمر .. لا مفر من ذلك . أما أن يقاسي إهانة الشنق كأي مجرم عادي أو أي شرير جاحد لله .. فهذا ما يعتبره المسلمون إهانة .. حيث يعتقدون أن حبل المشنقة عندما يلتف حول الرقبة لا يسمح بخروج الروح من الحلق .. وهكذا كما يعتقدون أن روح عمر سوف لن تستطيع الرجوع إلى الخالق !!
صور نادرة لعمر المختار
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: السالساعات الأخيرة من حياة البطل الشهيد عمر المختار
السالساعات بس هذه الي ما فهمتش راه
لك شكري على الطرح متميز دائما
لك شكري على الطرح متميز دائما
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
لحظة الوداع من أصعب اللحظات على البشر .. ولكن ما باليد حيله
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
زهرة اللوتس- إداري
-
عدد المشاركات : 124527
العمر : 42
رقم العضوية : 2346
قوة التقييم : 158
تاريخ التسجيل : 30/06/2010
رد: السالساعات الأخيرة من حياة البطل الشهيد عمر المختار
شكراً لكم على حسن الاطلاع والردود
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: السالساعات الأخيرة من حياة البطل الشهيد عمر المختار
معلومات ثقافيه قيمه مزيد من التقدم والرخاء بعون الله
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: السالساعات الأخيرة من حياة البطل الشهيد عمر المختار
شكراً لكم على حسن المتابعة والاطلاع والردود الجميلة
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» قصة الشهيد البطل عمر المختار
» الساعات الأخيرة من حياة عمر المختار
» سيرة حياة المجاهد البطل./عمر المختار(الجزء الثانى)
» سيرة حياة المجاهد البطل./عمر المختار(الجزء الاول)
» البطل الشهيد لك الهدية من اجدااااااااااابيا
» الساعات الأخيرة من حياة عمر المختار
» سيرة حياة المجاهد البطل./عمر المختار(الجزء الثانى)
» سيرة حياة المجاهد البطل./عمر المختار(الجزء الاول)
» البطل الشهيد لك الهدية من اجدااااااااااابيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR