إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
رد المعروف..
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
رد المعروف..
السلام عليكم
انصرفنا من المطعم عند منتصف الليل، وكانت السماء تصب وتهب والظلام دامس لغزارة المطر ونحن الأربعة محشورون في سيارة أوبل صغيرة كان يمتلكها محدثكم أيام شبابه. في وسط الميدان الرئيس لمدينة هايدلبيرج (ميدان بيسمارك) انكسر شيء ما أسفل السيارة وتوقفت مائلة على جنبها الأيسر فتسمرنا بداخلها لا ندري ماذا نفعل.
ما هي إلا دقائق قليلة وتوقفتْ أمامنا سيارة شرطة المرور بأنوارها المتلألئة وواحدة مثلها خلفنا، وإذا بشرطي ألماني طويل عريض مرتدياً لباس المطر الجلدي يسلط نور مصباحه اليدوي على وجهي، وكنت السائق. أصبت بالخوف من ثقل الغرامة المتوقعة لأنني كنت قد تخطيت موعد الفحص الدوري على سيارتي بشهور كثيرة، ولأنَّ الشرطي أطال النظر في وجهي على ضوء مصباحه. أخيراً طلب منا بلطف نسبي لا نتوقعه كأجانب في مثل ذلك الموقف أن نتفضل معه إلى إحدى السيارتين.
سألته، وكنت أقدَمَ زملائي وأفصَحَهم، إلى أين سيأخذنا؟ فقال إنه سوف يقِلُّنا إلى حيث نسكن في بيت الطلبة. هكذا، وبدون أن يطلب أوراق السيارة الرسمية وبدون سؤال وجواب ينقلنا إلى بيت الطلبة! إن هذا غريب وغير متوقع. سألته عن مصير سيارتي فرد بهدوء: لا تقلق، سوف تجدها غداً في ورشة إصلاح سيارات أوبل في الشارع الفلاني. عند بيت الطلبة رفضت أن أترجل من السيارة قبل أن يخبرني عن سبب لطفه وكسره لقواعد الصرامة المعهودة في الشرطة الألمانية فوعدني أن يحضر غداً ليخبرني بذلك، وأعطيته رقم غرفتي في بيت الطلبة وانصرف. وبالفعل في اليوم التالي حضر الشرطي واتضحت الأمور كما اتضح لي أيضاً أن الدنيا صغيرة وأن المعروف مهما طال الزمن لا يضيع.
أحدثكم هنا بما قاله لي ذلك الشرطي الألماني الذي ربطتني به لاحقاً صداقة طويلة فتحدث وقال: «كنت في التاسعة عشرة من عمري جندياً في جيش القائد الألماني رومل في الصحراء الليبية غير بعيد عن مدينة طبرق الساحلية.
خسرنا الحرب هناك للحلفاء بقيادة الإنجليزي مونتجومري فصدرت لنا الأوامر بالتفرق إلى جماعات صغيرة أو أفراد ومحاولة أن ينجو كل واحد بنفسه بوسائله الخاصة. هربت وهربت وهربت في الصحراء حتى أغمي عليَّ من الإعياء والعطش.
صحوت بعد أيام في خيمة بدوي عربي ليبي يسكن مع زوجته وأطفاله فيها ويرعى أغنامه حولها». استمر الألماني وعيناه مغرورقة بالدموع: «مكثت عندهم أكثر من شهرين، أنام معهم في خيمتهم وآكل مما يأكلون ولا أبرح الخيمة إلا في الظلام خوفاً من أن تلتقطني دوريات الحلفاء.
ذات ليلة مقمرة أفهمني ذلك البدوي أن يا رالف (وهذا هو اسمي) هذه الليلة سوف تعود إلى وطنك. انطلق معي على ضوء القمر إلى شاطئ البحر قرب طبرق وكمنا هناك. ما هي إلا ساعتان أو ثلاث حتى رأينا أنوار قارب عسكري في عرض البحر يرسل ومضات ضوئية عرفت معناها لأن القارب كان ألمانياً. ناولني البدوي الليبي مصباحاً صغيراً من ردائه فأرسلت للبحر ومضات محددة تدربت عليها في الجيش، وما هي إلا أقل من ساعة ويصل قارب مطاطي به جنديان ألمانيان يأخذانني معهما بعد أن ودعت صديقي الليبي بما أملك من متاع الدنيا آنذاك وهو الشكر والامتنان وغصة في الحلق». قال الشرطي الألماني: «ذهبتْ السنين وكبرتُ وتزوجتُ وصار لي أولاد وأنا أتذكر ذلك العربي كل يوم. البارحة حين رأيتك في السيارة على ضوء المصباح عرفت أنني وجدت ابن ذلك البدوي أو قريبه أو أحداً من قبيلته فأنت تشبهه إلى حد بعيد. أردت أن أرد له بعض الجميل في شخصك».
انتهت القصة، ولم ينتهى المعروف طول هذه المدة وبعد المسافات.
*نقلا عن "الجزيرة" السعودية
انصرفنا من المطعم عند منتصف الليل، وكانت السماء تصب وتهب والظلام دامس لغزارة المطر ونحن الأربعة محشورون في سيارة أوبل صغيرة كان يمتلكها محدثكم أيام شبابه. في وسط الميدان الرئيس لمدينة هايدلبيرج (ميدان بيسمارك) انكسر شيء ما أسفل السيارة وتوقفت مائلة على جنبها الأيسر فتسمرنا بداخلها لا ندري ماذا نفعل.
ما هي إلا دقائق قليلة وتوقفتْ أمامنا سيارة شرطة المرور بأنوارها المتلألئة وواحدة مثلها خلفنا، وإذا بشرطي ألماني طويل عريض مرتدياً لباس المطر الجلدي يسلط نور مصباحه اليدوي على وجهي، وكنت السائق. أصبت بالخوف من ثقل الغرامة المتوقعة لأنني كنت قد تخطيت موعد الفحص الدوري على سيارتي بشهور كثيرة، ولأنَّ الشرطي أطال النظر في وجهي على ضوء مصباحه. أخيراً طلب منا بلطف نسبي لا نتوقعه كأجانب في مثل ذلك الموقف أن نتفضل معه إلى إحدى السيارتين.
سألته، وكنت أقدَمَ زملائي وأفصَحَهم، إلى أين سيأخذنا؟ فقال إنه سوف يقِلُّنا إلى حيث نسكن في بيت الطلبة. هكذا، وبدون أن يطلب أوراق السيارة الرسمية وبدون سؤال وجواب ينقلنا إلى بيت الطلبة! إن هذا غريب وغير متوقع. سألته عن مصير سيارتي فرد بهدوء: لا تقلق، سوف تجدها غداً في ورشة إصلاح سيارات أوبل في الشارع الفلاني. عند بيت الطلبة رفضت أن أترجل من السيارة قبل أن يخبرني عن سبب لطفه وكسره لقواعد الصرامة المعهودة في الشرطة الألمانية فوعدني أن يحضر غداً ليخبرني بذلك، وأعطيته رقم غرفتي في بيت الطلبة وانصرف. وبالفعل في اليوم التالي حضر الشرطي واتضحت الأمور كما اتضح لي أيضاً أن الدنيا صغيرة وأن المعروف مهما طال الزمن لا يضيع.
أحدثكم هنا بما قاله لي ذلك الشرطي الألماني الذي ربطتني به لاحقاً صداقة طويلة فتحدث وقال: «كنت في التاسعة عشرة من عمري جندياً في جيش القائد الألماني رومل في الصحراء الليبية غير بعيد عن مدينة طبرق الساحلية.
خسرنا الحرب هناك للحلفاء بقيادة الإنجليزي مونتجومري فصدرت لنا الأوامر بالتفرق إلى جماعات صغيرة أو أفراد ومحاولة أن ينجو كل واحد بنفسه بوسائله الخاصة. هربت وهربت وهربت في الصحراء حتى أغمي عليَّ من الإعياء والعطش.
صحوت بعد أيام في خيمة بدوي عربي ليبي يسكن مع زوجته وأطفاله فيها ويرعى أغنامه حولها». استمر الألماني وعيناه مغرورقة بالدموع: «مكثت عندهم أكثر من شهرين، أنام معهم في خيمتهم وآكل مما يأكلون ولا أبرح الخيمة إلا في الظلام خوفاً من أن تلتقطني دوريات الحلفاء.
ذات ليلة مقمرة أفهمني ذلك البدوي أن يا رالف (وهذا هو اسمي) هذه الليلة سوف تعود إلى وطنك. انطلق معي على ضوء القمر إلى شاطئ البحر قرب طبرق وكمنا هناك. ما هي إلا ساعتان أو ثلاث حتى رأينا أنوار قارب عسكري في عرض البحر يرسل ومضات ضوئية عرفت معناها لأن القارب كان ألمانياً. ناولني البدوي الليبي مصباحاً صغيراً من ردائه فأرسلت للبحر ومضات محددة تدربت عليها في الجيش، وما هي إلا أقل من ساعة ويصل قارب مطاطي به جنديان ألمانيان يأخذانني معهما بعد أن ودعت صديقي الليبي بما أملك من متاع الدنيا آنذاك وهو الشكر والامتنان وغصة في الحلق». قال الشرطي الألماني: «ذهبتْ السنين وكبرتُ وتزوجتُ وصار لي أولاد وأنا أتذكر ذلك العربي كل يوم. البارحة حين رأيتك في السيارة على ضوء المصباح عرفت أنني وجدت ابن ذلك البدوي أو قريبه أو أحداً من قبيلته فأنت تشبهه إلى حد بعيد. أردت أن أرد له بعض الجميل في شخصك».
انتهت القصة، ولم ينتهى المعروف طول هذه المدة وبعد المسافات.
*نقلا عن "الجزيرة" السعودية
الفهد- عميد
-
عدد المشاركات : 1186
العمر : 55
رقم العضوية : 1322
قوة التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 10/03/2010
رد: رد المعروف..
( إنَّ اَللهَ لاَ يُضٍيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً )
سبحان الله
ناس يقدروا المعروف
وينهم توا نادري الوجود
هدا دليل علي طيبة الشعب الليبي وكرمه
شكرا خوي الفهد فعلا قصة جميلة
تحياتي
سبحان الله
ناس يقدروا المعروف
وينهم توا نادري الوجود
هدا دليل علي طيبة الشعب الليبي وكرمه
شكرا خوي الفهد فعلا قصة جميلة
تحياتي
مواضيع مماثلة
» صنائع المعروف تقى مصارع السؤ
» صنائع المعروف
» لا تحقرن من المعروف شيئاً ............
» لا تصنع المعروف في غير أهله
» اجمل ما قرأت...(حتى لا ينقطع المعروف )
» صنائع المعروف
» لا تحقرن من المعروف شيئاً ............
» لا تصنع المعروف في غير أهله
» اجمل ما قرأت...(حتى لا ينقطع المعروف )
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 9:40 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
أمس في 9:37 am من طرف STAR
» BMW تطلق سيارتها الكهربائية i4 M50 الرياضية
2024-05-05, 9:06 am من طرف STAR
» احذر الإفراط في شرب عصير الجزر.. ماذا يفعل بالجسم؟
2024-05-05, 9:06 am من طرف STAR
» عملاق الدوري الإنجليزي يستقر على التعاقد مع صلاح بعد أزمته مع كلوب
2024-05-05, 9:05 am من طرف STAR
» زوروا أماكن السياحة الجذابة في ليوبليانا عاصمة سلوفينيا
2024-05-05, 9:05 am من طرف STAR
» معهد الفلك": عيد الأضحى فلكياً الأحد 16 حزيران
2024-05-05, 9:04 am من طرف STAR
» ميسي سجل هدفا وصنع 5 بالدوري الأمريكي
2024-05-05, 9:03 am من طرف STAR
» شوربة الباذنجان
2024-05-05, 9:02 am من طرف STAR
» بارما يعود مجدداً لدوري الأضواء
2024-05-02, 11:04 am من طرف STAR
» طرق فعالة للتخلص من الناموس من دون استخدام المبيدات
2024-05-02, 11:03 am من طرف STAR
» اتحاد جدة السعودي يستقر على بديل صلاح
2024-05-02, 11:02 am من طرف STAR
» ستيك اللحم بصوص الثوم
2024-05-02, 11:01 am من طرف STAR
» جملة قالها محمد بن سلمان لمحمود عباس تثير تفاعلا واسعا
2024-05-01, 9:48 am من طرف STAR
» تضخم "البروستاتا" عند الرجال.. إليكم أبرز طرق العلاج والوقاية
2024-05-01, 9:45 am من طرف STAR