إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بين قطعية الثبوت والدلالة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بين قطعية الثبوت والدلالة
الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بين قطعية الثبوت والدلالة
يعترضنا البعض عند حديثنا عن حياد الإسلام العلمي ودعوته إلى المنهج التجريبي في العلوم والطبيعة بأن موضوع الإعجاز العلمي للقرآن الكريم يتعارض مع ذلك الحياد لأن الحديث عن هذا الإعجاز يعني أن للإسلام بعض الأحكام المسبقة بالنسبة للحقائق الطبيعية ومن ثم فإن هذا يتعارض مع حرية البحث العلمي.
وما نقوله هنا أن الفكر الإسلامي في عصور ازدهاره القديمة كان مبدعاً وحاسماً في الكثير من القضايا التي قد تصيب العقول المعاصرة بالبلبلة والحيرة وأزعم أن هذا الفكر على مختلف جوانبه ما زال متقدماً تقدماً بالغاً على مختلف جوانب الفكر الإسلامي المعاصر وأن كثيراً من هذه الجوانب يحتاج إلى فاعلية الإبداع في التطبيق أكثر مما يحتاج إليها في التجديد والتطوير وأبرز ما يشار إليه في هذا السياق هو ما أحرزه هذا الفكر من تجديد وإبداع في علم أصول الفقه.
نعود إلى موضوعنا فنجد أنه على الرغم من تسليمنا بأن موضوع إعجاز القرآن المقصود في الآية ﴿ فأتوا بسورة من مثله﴾ هو الإعجاز الشامل في كل الأمور وكل العلوم بما في ذلك العقائد والأخلاق والتشريع والعلوم التطبيقية أيضاً وهو الأمر الذي تولاه بالشرح العلامة وحيد الدين خان في كتابه ( الإسلام يتحدى) إلا أن المسألة تتخذ عدة مستويات. المستوى المباشر من المسألة هو ما كان يمكن أن يدركه العرب المواجهون بالتحدي في عصر نزول الوحي بوجه خاص ومن ثم فإن ما كان يدركه هؤلاء هو أن المقصود بهذا التحدي هو التحدي البلاغي على وجه الخصوص وما يؤيد ذلك هو التميز البالغ للعرب وللغة العربية في هذا الجانب والذين تغرهم الرشادة والإجمال في بعض اللغات الغربية تعميهم الفتنة عن إدراك أن رحابة اللغة العربية وتعدد مرادفاتها غير المتطابق تعبر عن مدى تميز هذه اللغة في القدرة على التعبير عن شتى خواطر فكر ومشاعر النفس الإنسانية بعكس اللغات التي يتحدثون عن رشادتها لأن تلك الرشادة تعني في النهاية الاختزال العام لطرائق الفكر والمشاعر ومن ناحية أخرى فإن الذي يكشف عظمة هذا الإعجاز البلاغي للقرآن هو أنه يأتي في هذه اللغة الرحيبة ليختار من بين مرادفاتها العديدة هذا النسق اللغوي الفريد الذي عجز الغرب في تاريخ عصورهم عن الإتيان بمثله والذي أسميه (بنهر الصخور) قاصداً بكلمة نهر تلك العذوبة المتدفقة في سلاسة رائعة وكأنها نهر من الأنهار وكلمة صخور هو أن كلمة من كلمات هذا النهر بالغة الإعجاز والصلابة في مكانها وكأنها صخرة من الصخور.
يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز ) عن هذا الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم: ( أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آية ومقاطعها، ومجاري ألفاظها، ومواقعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عظمة وتنيبيه، وإعلام وتذكير، وترغيب وترهيب، ومع كل حجة برهان، وصفة وتبيان، وبهرهم أنهم تأملوه سورة سورة، وعشراً عشراً ، وآية أية، فلم يبلغ في الجميع كلمة ينبو بها مكانها ولفظة ينقل شأنها أو يرى غيرها أصلح هناك أو أشبه أو أحرى أو أخلق بل وجدوا اتساقاً بهر العقول وأعجز الجمهور ونظاماً والتآماً ، وأتقاناً وإحكاماً لم يدع في نفس بليغ منهم ولو حك بنفوخه السماء موضع طمع حتى خرست الألسن عن أن تدعي وتقول وخزيت القروم فلم تملك أن تصول).
أما الإعجاز فيما يتعلق بالأمور العقائدية والإنسانية والتشريعية فذلك نسلم به تماماً لأنه يدخل في مقتضى إيماننا بالإسلام ذاته.
بقى أمر الإعجاز فيما يتعلق بالعلوم الطبيعية وهي تدخل في ما كانً يسميه حكماء المسلمين بالدليل العقلي وهنا يمكن أن نطبق قواعد هؤلاء فيما يتعلق بتعارض الدليل السمعي ( والمقصود به المأخوذ من النصوص ) والدليل العقلي ( ويدخل فيه عندهم دلائل الحس والتجربة) والتي حددها الإمام ابن تيمية في التالي:
"إن كان أحد الدليلين قطعياً دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء سواء أكان هو السمعي أو العقلي فإنه الظن الذي لا يدفع اليقين. وأما إن كانا جميعاً ظنيين فإنه يثار إلى طلب ترجيح أحدهما فأيهما ترجح كان هو المقدم سواء أكان سمعياً أو عقلياً".
والدليل القطعي هوالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة. والقطعي الثبوت هو القرآن الكريم والحديث المتواتر أما القطعي الدلالة هو أن يكون نصاً في المسألة أي أن يكون ظاهر الدلالة ظهوراً مباشراً لا مجال للشك فيه.
وعلى هذا الأساس فإن القضايا العلمية التي جاءت بها الدلائل القطعية هي قضايا محدودة تم حسم أمرها بالموافقة من ناحية العلوم الطبيعية ومن أهم هذه القضايا العلمية قضية كروية الأرض.
وحقاً إن موضوع كروية الأرض لم يكن غائباً عن علوم الأولين حتى عصر القرآن الكريم ولكن يبقى إعجاز القرآن في أنه حسم الخلاف حولها وقال بكروية الأرض في عدد من آياته
إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل: ﴿ يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴾.
وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخوذ من كور العمامة وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك وهي التي منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص القرآن قال تعالى: ﴿وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾.
وَمَا عَلِمْت مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدِيرَةٍ - وَجَزَمَ بِذَلِكَ - إلا مَنْ لا يُؤْبَهُ لَهُ مِنْ الْجُهَّالِ.
وَمِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ: فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِالاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ ; لاسْتِدَارَتِهَا.
قال الشيخ عاصم القريوتي حفظه الله: (( يثبت الشيخ – أي: ابن باز – رحمه الله ويقرر كروية الأرض، كغيره من علماء الإسلام، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على ذلك في عدة كتب منها " العرشية " و " درء تعارض النقل والعقل " ( 6 / 339 )، وانظر " رسالة في الهلال " من " مجموع الفتاوى " ( 25 / 195 )، ونقل الإجماع ابن كثير في " البداية والنهاية " كما في " آفاق الهداية " ( 1 / 173 ).
قال النيسابوري: ( قال حكماء الإسلام: قد ثبت بالدلائل اليقينية أن الأرض كروية) ( )
ومن العجب أنه افتُري على الشيخ ابن باز – رحمه الله – في حياته بأنه ينكر كروية الأرض.
والشيخ موافق لعلماء الإسلام في هذه المسألة.
ولقد سألته، والكلام يعود للأستاذ عبد الرحيم الشريف الذي ننقل عنه هذه الفقرة، عام 1395 هـ تقريباً أو 1394 هـ عن هذه المسألة وأن له كتاباً زعموا أنه له باسم " الباز المنقض على من قال بكروية الأرض ": فعجب من ذلك، وسخر من هذا الافتراء )) كوكبة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى ص167.
كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (( … أما ما نشرته عني مجلة " السياسة " نقلاً عن البيان الذي كتبه كتَّاب وأدباء التجمع التقدمي في مصر من: إنكاري هبوط الإنسان على سطح القمر وتكفير من قال بذلك ! أو قال إن الأرض كروية، أو تدور: فهو كذب بحت !! لا أساس له من الصحة، وقد يكون الناقل لم يتعمد الكذب ولكن لم يتثبت في النقل.
ومقالي مطبوع ومنشور وقد أوضحت فيه الرد على هبوط الإنسان على سطح القمر، أو كفَّر مَن صدَّق بذلك، وبيَّنتُ أن الواجب على من لا علم لديه التوقف وعدم التصديق بذلك، وبيَّنتُ أن الواجب على من علم لديه التوقف وعدم التصديق والتكذيب حتى يحصل له من المعلومات ما يقتضي ذلك.
كما أني قد أثبتُّ في المقال فيما نقلتُه عن العلاَّمة ابن القيم رحمه الله ما يدل على إثبات كروية الأرض.)) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز ( 9 / 228 ).
ولابد أن نشير هنا أن الكثير من مسائل الإعجاز التي جاءت في القرآن الكريم وقف أمامها المفسرون في حيرة بالغة حتى جاءت الاكتشافات الحديثة فكانت بمثابة تفسير واضح لها وإبراز رائع لحقيقة الإعجاز القرآني.
أما غالب مسائل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم تحديداً فهي وإن كانت قطعية الثبوت ولكنها ليست قطعية الدلالة لأن الدلالة البلاغية لهذه الآيات هي مصدر الإعجاز الأساسي بحسب ما تقتضيه أقصى درجات الوعي والعلم للمعاصرين لنزول القرآن وتبقى الدلالة العلمية بعد ذلك دلالة ظنية هذا فيما ليس فيه نص في المسألة كالقول بكروية الأرض كما ذكرنا من قبل.
وعلى هذا فإن القضايا التي جاءت في القرآن الكريم التي تدخل في إطار الدليل الظني لا تمثل عائقاً أمام البحث العلمي الحر ولا تنفي بأية حال القول بحياد الإسلام أمام قضايا العلوم الطبيعية لأنه على فرض أن قام تعارض بين هذه الدلالة الظنية مع حقيقة علمية محسومة قدمت هذه الحقيقة على هذه الدلالة الظنية .
أما إذا عارضت هذه الدلالة الظنية نظرية علمية ظنية فعند ذلك يطبق كلام ابن تيمية " وأما إن كانا جميعاً ظنيين فإنه يثار إلى طلب ترجيح أحدهما فأيهما ترجح كان هو المقدم سواءً كان سمعياً أم عقلياً".
يعترضنا البعض عند حديثنا عن حياد الإسلام العلمي ودعوته إلى المنهج التجريبي في العلوم والطبيعة بأن موضوع الإعجاز العلمي للقرآن الكريم يتعارض مع ذلك الحياد لأن الحديث عن هذا الإعجاز يعني أن للإسلام بعض الأحكام المسبقة بالنسبة للحقائق الطبيعية ومن ثم فإن هذا يتعارض مع حرية البحث العلمي.
وما نقوله هنا أن الفكر الإسلامي في عصور ازدهاره القديمة كان مبدعاً وحاسماً في الكثير من القضايا التي قد تصيب العقول المعاصرة بالبلبلة والحيرة وأزعم أن هذا الفكر على مختلف جوانبه ما زال متقدماً تقدماً بالغاً على مختلف جوانب الفكر الإسلامي المعاصر وأن كثيراً من هذه الجوانب يحتاج إلى فاعلية الإبداع في التطبيق أكثر مما يحتاج إليها في التجديد والتطوير وأبرز ما يشار إليه في هذا السياق هو ما أحرزه هذا الفكر من تجديد وإبداع في علم أصول الفقه.
نعود إلى موضوعنا فنجد أنه على الرغم من تسليمنا بأن موضوع إعجاز القرآن المقصود في الآية ﴿ فأتوا بسورة من مثله﴾ هو الإعجاز الشامل في كل الأمور وكل العلوم بما في ذلك العقائد والأخلاق والتشريع والعلوم التطبيقية أيضاً وهو الأمر الذي تولاه بالشرح العلامة وحيد الدين خان في كتابه ( الإسلام يتحدى) إلا أن المسألة تتخذ عدة مستويات. المستوى المباشر من المسألة هو ما كان يمكن أن يدركه العرب المواجهون بالتحدي في عصر نزول الوحي بوجه خاص ومن ثم فإن ما كان يدركه هؤلاء هو أن المقصود بهذا التحدي هو التحدي البلاغي على وجه الخصوص وما يؤيد ذلك هو التميز البالغ للعرب وللغة العربية في هذا الجانب والذين تغرهم الرشادة والإجمال في بعض اللغات الغربية تعميهم الفتنة عن إدراك أن رحابة اللغة العربية وتعدد مرادفاتها غير المتطابق تعبر عن مدى تميز هذه اللغة في القدرة على التعبير عن شتى خواطر فكر ومشاعر النفس الإنسانية بعكس اللغات التي يتحدثون عن رشادتها لأن تلك الرشادة تعني في النهاية الاختزال العام لطرائق الفكر والمشاعر ومن ناحية أخرى فإن الذي يكشف عظمة هذا الإعجاز البلاغي للقرآن هو أنه يأتي في هذه اللغة الرحيبة ليختار من بين مرادفاتها العديدة هذا النسق اللغوي الفريد الذي عجز الغرب في تاريخ عصورهم عن الإتيان بمثله والذي أسميه (بنهر الصخور) قاصداً بكلمة نهر تلك العذوبة المتدفقة في سلاسة رائعة وكأنها نهر من الأنهار وكلمة صخور هو أن كلمة من كلمات هذا النهر بالغة الإعجاز والصلابة في مكانها وكأنها صخرة من الصخور.
يقول الإمام عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز ) عن هذا الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم: ( أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آية ومقاطعها، ومجاري ألفاظها، ومواقعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عظمة وتنيبيه، وإعلام وتذكير، وترغيب وترهيب، ومع كل حجة برهان، وصفة وتبيان، وبهرهم أنهم تأملوه سورة سورة، وعشراً عشراً ، وآية أية، فلم يبلغ في الجميع كلمة ينبو بها مكانها ولفظة ينقل شأنها أو يرى غيرها أصلح هناك أو أشبه أو أحرى أو أخلق بل وجدوا اتساقاً بهر العقول وأعجز الجمهور ونظاماً والتآماً ، وأتقاناً وإحكاماً لم يدع في نفس بليغ منهم ولو حك بنفوخه السماء موضع طمع حتى خرست الألسن عن أن تدعي وتقول وخزيت القروم فلم تملك أن تصول).
أما الإعجاز فيما يتعلق بالأمور العقائدية والإنسانية والتشريعية فذلك نسلم به تماماً لأنه يدخل في مقتضى إيماننا بالإسلام ذاته.
بقى أمر الإعجاز فيما يتعلق بالعلوم الطبيعية وهي تدخل في ما كانً يسميه حكماء المسلمين بالدليل العقلي وهنا يمكن أن نطبق قواعد هؤلاء فيما يتعلق بتعارض الدليل السمعي ( والمقصود به المأخوذ من النصوص ) والدليل العقلي ( ويدخل فيه عندهم دلائل الحس والتجربة) والتي حددها الإمام ابن تيمية في التالي:
"إن كان أحد الدليلين قطعياً دون الآخر فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء سواء أكان هو السمعي أو العقلي فإنه الظن الذي لا يدفع اليقين. وأما إن كانا جميعاً ظنيين فإنه يثار إلى طلب ترجيح أحدهما فأيهما ترجح كان هو المقدم سواء أكان سمعياً أو عقلياً".
والدليل القطعي هوالدليل القطعي الثبوت القطعي الدلالة. والقطعي الثبوت هو القرآن الكريم والحديث المتواتر أما القطعي الدلالة هو أن يكون نصاً في المسألة أي أن يكون ظاهر الدلالة ظهوراً مباشراً لا مجال للشك فيه.
وعلى هذا الأساس فإن القضايا العلمية التي جاءت بها الدلائل القطعية هي قضايا محدودة تم حسم أمرها بالموافقة من ناحية العلوم الطبيعية ومن أهم هذه القضايا العلمية قضية كروية الأرض.
وحقاً إن موضوع كروية الأرض لم يكن غائباً عن علوم الأولين حتى عصر القرآن الكريم ولكن يبقى إعجاز القرآن في أنه حسم الخلاف حولها وقال بكروية الأرض في عدد من آياته
إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل: ﴿ يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ﴾.
وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخوذ من كور العمامة وهو إدارتها وهذا نص على تكوير الأرض ودوران الشمس كذلك وهي التي منها يكون ضوء النهار بإشراقها وظلمة الليل بمغيبها وهي آية النهار بنص القرآن قال تعالى: ﴿وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾.
وَمَا عَلِمْت مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدِيرَةٍ - وَجَزَمَ بِذَلِكَ - إلا مَنْ لا يُؤْبَهُ لَهُ مِنْ الْجُهَّالِ.
وَمِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ: فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِالاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ ; لاسْتِدَارَتِهَا.
قال الشيخ عاصم القريوتي حفظه الله: (( يثبت الشيخ – أي: ابن باز – رحمه الله ويقرر كروية الأرض، كغيره من علماء الإسلام، وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع على ذلك في عدة كتب منها " العرشية " و " درء تعارض النقل والعقل " ( 6 / 339 )، وانظر " رسالة في الهلال " من " مجموع الفتاوى " ( 25 / 195 )، ونقل الإجماع ابن كثير في " البداية والنهاية " كما في " آفاق الهداية " ( 1 / 173 ).
قال النيسابوري: ( قال حكماء الإسلام: قد ثبت بالدلائل اليقينية أن الأرض كروية) ( )
ومن العجب أنه افتُري على الشيخ ابن باز – رحمه الله – في حياته بأنه ينكر كروية الأرض.
والشيخ موافق لعلماء الإسلام في هذه المسألة.
ولقد سألته، والكلام يعود للأستاذ عبد الرحيم الشريف الذي ننقل عنه هذه الفقرة، عام 1395 هـ تقريباً أو 1394 هـ عن هذه المسألة وأن له كتاباً زعموا أنه له باسم " الباز المنقض على من قال بكروية الأرض ": فعجب من ذلك، وسخر من هذا الافتراء )) كوكبة من أئمة الهدى ومصابيح الدجى ص167.
كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: (( … أما ما نشرته عني مجلة " السياسة " نقلاً عن البيان الذي كتبه كتَّاب وأدباء التجمع التقدمي في مصر من: إنكاري هبوط الإنسان على سطح القمر وتكفير من قال بذلك ! أو قال إن الأرض كروية، أو تدور: فهو كذب بحت !! لا أساس له من الصحة، وقد يكون الناقل لم يتعمد الكذب ولكن لم يتثبت في النقل.
ومقالي مطبوع ومنشور وقد أوضحت فيه الرد على هبوط الإنسان على سطح القمر، أو كفَّر مَن صدَّق بذلك، وبيَّنتُ أن الواجب على من لا علم لديه التوقف وعدم التصديق بذلك، وبيَّنتُ أن الواجب على من علم لديه التوقف وعدم التصديق والتكذيب حتى يحصل له من المعلومات ما يقتضي ذلك.
كما أني قد أثبتُّ في المقال فيما نقلتُه عن العلاَّمة ابن القيم رحمه الله ما يدل على إثبات كروية الأرض.)) مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز ( 9 / 228 ).
ولابد أن نشير هنا أن الكثير من مسائل الإعجاز التي جاءت في القرآن الكريم وقف أمامها المفسرون في حيرة بالغة حتى جاءت الاكتشافات الحديثة فكانت بمثابة تفسير واضح لها وإبراز رائع لحقيقة الإعجاز القرآني.
أما غالب مسائل الإعجاز العلمي في القرآن الكريم تحديداً فهي وإن كانت قطعية الثبوت ولكنها ليست قطعية الدلالة لأن الدلالة البلاغية لهذه الآيات هي مصدر الإعجاز الأساسي بحسب ما تقتضيه أقصى درجات الوعي والعلم للمعاصرين لنزول القرآن وتبقى الدلالة العلمية بعد ذلك دلالة ظنية هذا فيما ليس فيه نص في المسألة كالقول بكروية الأرض كما ذكرنا من قبل.
وعلى هذا فإن القضايا التي جاءت في القرآن الكريم التي تدخل في إطار الدليل الظني لا تمثل عائقاً أمام البحث العلمي الحر ولا تنفي بأية حال القول بحياد الإسلام أمام قضايا العلوم الطبيعية لأنه على فرض أن قام تعارض بين هذه الدلالة الظنية مع حقيقة علمية محسومة قدمت هذه الحقيقة على هذه الدلالة الظنية .
أما إذا عارضت هذه الدلالة الظنية نظرية علمية ظنية فعند ذلك يطبق كلام ابن تيمية " وأما إن كانا جميعاً ظنيين فإنه يثار إلى طلب ترجيح أحدهما فأيهما ترجح كان هو المقدم سواءً كان سمعياً أم عقلياً".
جلنار- مستشار
-
عدد المشاركات : 19334
العمر : 35
رقم العضوية : 349
قوة التقييم : 28
تاريخ التسجيل : 19/07/2009
رد: الإعجاز العلمي للقرآن الكريم بين قطعية الثبوت والدلالة
شكراً على هذا الموضوع الرائع ... والله اعلم
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
جلنار- مستشار
-
عدد المشاركات : 19334
العمر : 35
رقم العضوية : 349
قوة التقييم : 28
تاريخ التسجيل : 19/07/2009
مواضيع مماثلة
» مشروع القرآن الكريم : موقع للقرآن الكريم بتفاسير مختلفة ومتر
» الإعجاز العلمي في سؤر الهرة
» الإعجاز العلمي للحجاب....
» الإعجاز العلمي في المضمضة والاستنشاق والاستنثار
» الإعجاز العلمي والنفسي في الصوم
» الإعجاز العلمي في سؤر الهرة
» الإعجاز العلمي للحجاب....
» الإعجاز العلمي في المضمضة والاستنشاق والاستنثار
» الإعجاز العلمي والنفسي في الصوم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR