فوضى تسميات الشوارع فى طبرق

لاشك أن أسماء الشوارع والأحياء والميادين تعتبر جزءً مهما من تاريخ أي مدينة في العالم ، وتعتبر أيضا ذاكرة للأماكن بما تحمله من وقائع وأحداث يتعود عليها الناس منذ بدء ميلادهم ، ومن خلال معايشتهم اليومية لمفردات حياتهم بين أحضان هذه الأمكنة وما تحمله من معنى لوجودهم وأساس حقيقي لتكوينهم ، لكن على غير العادة فوجئ سكان مدينتنا هذه الأيام بلوحات معدنية ألصقت على عجل وبطريقة عشوائية على نواصي شوارعهم دون سابق إنذار أو تخطيط ، قد يقول البعض أن هناك لجان شكلت لهذا الغرض ، وأن هناك اجتماعات عديدة أقيمت بالخصوص ، وأن دراسات من قبل متخصصين قد أجريت في هذا الشأن ، نعم قد يكون كل هذا قد تم على مدى العامين الماضيين ، وأن هناك فريق شارك فيه بعض الزملاء قد قام تطوعاً بمحاولة لرسم خريطة جغرافية لأحياء وشوارع وميادين مدينتنا طبرق ، لكن للأسف كانت النتيجة مخيبة للآمال ونحن نستيقظ على حين غفلة لنطالع هذه الفوضى من الأسماء التي تداخلت بين رموز جهادية أو قبلية مع شعراء من عصور سحيقة ، مع أسماء لمدن وشخصيات لا تمت لنا ولا لواقعنا بأدنى صلة ، ففي الوقت الذي أطلقت أسماء شخصيات هامشية غير معروفة على أطول الشوارع وأهمها ، تم تهميش أسماء ورموز نضالية كان لها الفضل في إذكاء جذوة الجهاد بوضع أسماءهم على أزقة بالكاد لا يسير فيها غير السابلة وبعض السيارات ، في حين تم إغفال أسماء لها وزنها وثقلها في ريادة التعليم والرياضة والآداب والفنون والصحة في هذه المدينة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر سيلحظ المتجول في شوارع مدينتنا أن بيت المربي الفاضل المرحوم عطية لياس تعلوه لوحة يحتلها الشاعر العباسي ( البحتري) الذي لن يغضب كثيراً إذا لم نخصص له شارعاً في مدينتنا ، كما سيلحظ أيضاً أن كثيراً من الشوارع التي يسكنها أدباء وكتاب وفنانون ورياضيون في قامة ( أحمد بوقعيقيص ، عبدالقادر مطول ، محمد عبدالهادي ، خليل علي ، سعد الشهيبي ، نجيب بورقيعة ، حسن السوسي ،فاطمة الغراف ، حواء فرج ، حسين نصيب ، سليمان زيدان) قد أطلق على معظمها أسماء شعراء من عصور مختلفة وكأنها نكاية في هؤلاء الأدباء الذين يشاركون الآن في الارتقاء بالجوانب الفكرية والأدبية والثقافية في هذا الجزء من تراب بلادنا .

أقول : عزيزي القارئ :

الأسماء لها علاقة بالذاكرة ، وبالتاريخ في كل مكان ، وهي رمز العراقة وعنوان الحضارة أيضاً ، يمكنك التجول في أحياء مدن عربية قديمة لتشم عبق التاريخ وتقرأ بإعجاب تلك اللوحات التاريخية التي تشير إلى أسماء شوارعها وإحيائها وعلاقتها بشخصيات وطنية وأدبية، لتلمس مدى العلاقة بين الأسماء ، وعراقة المدن .

والآن يأتي السؤال :

هل لجنة تسمية شوارع طبرق ،كانت تجتمع لتقرر الأشخاص الذين سيطلقون أسماءهم على شوارعها حسب قواعد وشروط دقيقة بهذا الاختيار؟ أم حسب اعتبارات عشائرية وقبلية ؟ أم أن الأمر جاء هكذا بطريقة عشوائية كيفما اتفق ؟

فنحن أحيانا نجدهم يعلنون عن تسمية شارع باسم شخص لا يستحق هذا التكريم ، في الوقت الذي يجب أن يكون صاحب هذا الاسم قد أدى أعمالا جليلة جعلته أحق بهذا التكريم ، إلا إذا اتخذت الدولة قرارا بإطلاق أسماء البعض على شوارعنا ، بصرف النظر عما فعلوه من جهد لصالح الوطن .

نحن لسنا ضد تكريم أي اسم شارك في حرب وطنية أو موقعة جهادية أو حتى مجرد " املاطم" في إحدى القرى أو النواجع ، ولسنا ضد تكريم حتى شعراء العصر الجاهلي ، لكن الذي لن نسمح لأنفسنا بالمشاركة في مباركته ، هو هذه الفوضى في تسميات شوارعنا . حتى لا نشارك في طمس هوية مدينتنا ومحو ذاكرتها العامرة بكل الحب والخير على طريق النسيج الاجتماعي الواحد .
نقلا عن موقع الصياد