تفاصيل اكتشاف “الحاوية الغامضة” في ميناء بنغازي البحري

تفاصيل اكتشاف “الحاوية الغامضة” في ميناء بنغازي البحري

آلاف الشحنات التجارية تدخل وتخرج من الموانئ الليبية على اختلافها، إلا أن الموانئ البحرية لها نصيب الأسد في حجم هذه الشحنات المتعددة، التي تأتي من بقاع العالم كافة وتمضي كذلك إليها.

عالم تتشابك فيه التبادلات وتتداخل فيه التعاملات وتكثر بشكل مذهل الأطراف المشتركة في هذه العمليات التجارية، كما تكثر المراحل التي تقطعها هذه الشحنات حتى تصل محطتها النهائية.

هذه الدائرة متعددة الحلقات تسير دائماً على نسق قانوني ملتزم، فهناك خروقات وتحايلات، وعمليات نصب وتزوير، نأخذ أشكالاً معقدة ومتغيرة بشكل متسارع مما يتطلب يقظة ورصداً ومتابعة دقيقة للغاية من الأجهزة الضبطية كافة.

ـ “الحاوية الغامضة” إحدى الشحنات التجارية التي قصدت ميناء بنغازي قادمة من ميناء “جبل علي”، لهذه الحاوية قصة: يروي تفاصيلها ـ مقدم فكري فرج بلها ـ مدير مكتب مكافحة التهريب والمخدرات ـ فرع بنغازي ـ

داخل الحظائر الجمركية

ـ قبل أن نتحدث عن الضبطية الأخيرة لنوجز المراحل الاعتيادية لأية شحنة تجارية:

ـ نفترض مثلاً أن “الحاوية” وردت من إيطاليا، فوصلت إلى ميناء بنغازي ويتم ترحيلها إلى حظيرة “قنفودة” ويتقدم صاحب الشأن بإقرار جمركي يبين محتوياتها، وتخضع لعمليات الكشف والتأكد الروتينية.

ـ قبل أن نسهب في الحديث عن التفاصيل لنتحدث تحديداً عن عمل مكتب مكافحة التهريب والمخدرات.

ـ هو رقابة لاحقة بمعنى التأكد من سلامة الإجراءات الجمركية، ونحن نعتمد على شيئين: الاشتباه والمعلومات داخل الحظيرة الجمركية أو خارجها.

من يفلت من الحظيرة سيجدنا في انتظاره.

ـ هذا الوجود هو وجود رسمي أو من خلال معلوماتية وتحريات.

ـ إذا توافرت معلومات على بضاعة معينة لم تزل داخل الحظيرة، نقوم بإخطار رئيس مركز الجمارك، بأن لدينا معلومات على بضاعة معينة على “بوليصة” معينة، على حاوية معينة، نحيطه بأنها محل اشتباه، وأن عليه (رئيس المركز) أن ينبه الأعضاء إلى التدقيق في هذه الشحنة.

ـ لو لم تقم أنت بإبلاغه بهذه المعلومات: ما هو عمل الأعضاء الموجودين في المركز الجمركي؟

ـ عملهم إجرائي: بمعنى : لكل مركز جمركي أعضاء يقومون بإتمام الإجراءات الجمركية، بحسب الدورة المستندية المتعامل بها:

ـ أعضاء مكلفون بقبول الإقرارات.

ـ أعضاء مكلفون بتفتيش الحاويات.

ـ أعضاء مكلفون بمراجعة الإقرارات.

ولا شك أن هناك داخل المركز الجمركي عديد الضبطيات وقضايا ضبط أثناء التفتيش والمراجعة، لكن قد يستطيع المهرب أن يفلت من كل هذه الدائرة بطريقة أو بأخرى، نعم حينها نكون نحن له بالمرصاد، ونؤكد أن القضاء على التهريب عمل مستحيل، لكن الحد منه جائز، وهذا هو هدفنا ملاحقة التهريب، لأن التهريب ظاهرة عالمية، لا نستطيع أن نقول أننا قضينا على التهريب وسيطرنا عليه، لسنا فقط ما نقول هذا بل بلدان العالم كلها، والحد من التهريب يكون بنسب متفاوتة.

ـ نرجع إلى الضبطية الأخيرة:

ـ هذه الحاوية التي شاهدتموها وردت عن طريق دبي، والحاوية في الأصل موردة من جنوب شرق آسيا.

ـ كيف توفرت المعلومات حولها؟

ـ هذه المعلومات توفرت لدينا في رحلة الحاوية من دبي إلى ميناء بنغازي، باعتبار أن وجهة الحاوية حين تأتي من آسيا إلى دبي تكون مجهولة الوجهة ولكن حين انطلقت من دبي عرف أن وجهتها ليبيا وتحديداً ميناء بنغازي، وعند دخولها الحظيرة الجمركية لوحظ تأخر بقائها في الحظيرة.بمعنى أن أعضاء مركز الجمارك لاحظوا أن هذه الحاوية بالذات تأخرت في إجراءاتها مقارنة بالحاويات التي نزلت معها على الباخرة نفسها، حيث خضعت كلها للإجراءات الرسمية وتم الإفراج عنها، إذن هنا برزت علامة استفهام، ما سبب تعطيل هذه الحاوية؟ على الرغم من أن (الميني فيست) قائمة الشحن المقدم عنها مذكور فيه أنها تحتوي على أحذية.

ـ من يقدم هذه القائمة (الميني فيست)؟

ـ يقدمها الربان إلى وكالة الشحن، يجبرها بعدد الحاويات ومحتوياتها كل على حده حين تمت مراجعة قائمة الشحن تبين أنها تحتوي على أحذية، فمن المستحيل أن تتأخر إجراءات حاوية أحذية كل هذه المدة، ظلت هذه الحاوية حوالي خمسة أشهر تحت المنظار، تنتظر من سيقوم بإنهاء إجراءات الإفراج عنها.

ـ بالنسبة للقائمة المرافقة ما هو اسم الشركة الموردة إليها؟

ـ شركة اسمها غريب بالنسبة لنا، لم يرد إلينا في السابق بعد خمسة أشهر، شكلت لجنة من المركز الجمركي والمكافحة فتبين أن ما داخل الأحذية ليست أحذية بل أدوية، على الفور تم استدعاء الوكالة الموردة على اسمها الحاوية، ومن خلال الوكالة تبين أن الشاحن أجنبي الجنسية، قام بشحن هذه الحاوية من دبي، وهي قادمة في الأساس من جنوب شرق آسيا.

ـ ما مسؤولية الوكالة الليبية في هذه الحالة؟

ـ دعني أوضح لكم كيف تتم طريقة الشحن: تاجر اشترى بضاعة من دبي، توجد في (دبي) مئات مكاتب الشحن، يتصل بأحد المكاتب ويخبره بأن لديه حاوية يريد شحنها إلى ليبيا، يسأله عن طبيعة محتوياتها، يقول له مثلاً: ملابس، يتفقان على القيمة، تصدر له (بوليصة) وعلى ضوئها يسحب شاحنة فارغة من دبي ويسلمها إلى التاجر الذي اشترى منه البضاعة وبإذن دخول، تدخل إلى ميناء جبل علي في دبي، ويتم إغلاقها بعد أن تعرف وجهتها مثلاً ميناء بنغازي، كل مكتب شحن في دبي لديه وكيل في ليبيا، ويبلغ التاجر باسم الوكيل في بنغازي.

ـ إذن الوكيل في ليبيا ليس لديه اتصال مباشر بالتاجر صاحب البضاعة..

ـ نعم الاتصال يكون مع مكتب الشحن.

ـ ما هي حدود المسؤولية القانونية على الوكيل الليبي؟

ـ عندما يخفي أية بيانات عندما يثبت يقيناً لدى الجهات الضبطية أن الوكالة كانت على علم بالمحتويات الحقيقية للشحن.

ـ هل هذه الإجراءات محكمة، ألا توجد لها ثغرات وسط هذه الدائرة التي بعض حلقاتها خارج متابعتكم ورصدكم؟

ــ نعم توجد ثغرات كبيرة في إجراءات الوكالات، في السابق كانت الوكالة عامة، وفي الحقيقة كانت إجراءاتها منضبطة، لكن الآن اتسع نطاق الوكالات وللأسف بعض الوكالات لا تتبع الإجراءات القانونية، وقد سجلت ضدها قضايا، وتم تغريمهم مالياً، لأن قانون الجمارك يرى أن التلاعب في الإجراءات القانونية هدفها التربح المالي، لذا يجب عليه الغرامة المالية، ما لم يكن هناك تزوير تصبح القضية جنائية.

ـ ما هي بعض أوجه هذه التلاعب؟

ـ تقديم بيانات خاطئة، عدم ذكر أوصاف البضاعة، بالإضافة إلى تشديد الإدارة العامة للجمارك على مسألة التعديل في جوهر البضاعة، شخص مثلاً أفاد بأنه جالب لملابس، وبعدها يغير ويقول لا ليست ملابس هي إلكترونات، إدارة الجمارك في هذه الحالة تفرض عليه غرامات، وتكون هذه الشحنة محل شبهة.

ـ نعود إلى الشحنة المضبوطة، ما هي البيانات التي كانت مثبتة لدى صاحب الوكالة؟

ـ إنها شحنة أحذية، هنا نضع علامة الاستفهام، وتم فتح الحاوية، وبسؤال صاحب الوكالة عن تفاصيل هذه الشحنة، قال: أنا شخص أقوم بإنهاء الإجراءات السليمة للبضائع الموجودة داخل الحظيرة الجمركية، إلا أنني توقفت عن إنهاء إجراءات هذه الحاوية حين تبين لي أنها لشخص أجنبي، وأنها تحتوي على أدوية ومعدات، توقفت عن إتمام الإجراءات.

ـ ولكن هذا المواطن صاحب وكالة الشحن، تكتم على معلومة حين أبلغه الشخص الأجنبي أن الحاوية لا تحتوي على أحذية، إنما أدوية مهربة.

ـ نعم.. كان المفروض أن يقوم بإبلاغ الجهات المختصة لكنه اكتفى بعدم القيام بإجراءات الإفراج عن هذه الحاوية.

ـ ما هي الإجراءات اللاحقة التي اتخذت من طرفكم؟

ـ تمت مصادرة الحاوية وحظر التعامل مع الشركة التي وردتها ومنعها من العمل في ليبيا.

ـ هل يوجد تعاون بينكم وبين المركز الجمركي لميناء “جبل علي” في دبي لتفادي تكرار أو للحد من عمليات التهريب؟

ـ للأسف لا يوجد أي تعاون، فهذا الأمر يحتاج إلى اتفاقات بين الدول، ويجب أن يكون تكاثف جهود وتنسيق مستمر، نحن نعالج في مشكلات تقع خارج ليبيا.

ـ هذه “الحاوية” ألم يتم مطابقة محتوياتها في ميناء (جبل علي) مع قائمة الشحن؟

ـ الأوضاع معقدة في ذلك الميناء، وجل المسيرين للعمل هم من الأجانب، يكتبون ما يمليه عليهم المورد: ـ يريد أحذية يكتبون أحذية ـ يريد ملابس ـ يكتبون ملابس ـ وهذه كلها مخالفة.

في ليبيا الأمور منضبطة تماماً مثلاً تاجر يريد أن يصدر حاوية إلى تونس تعاين هذه الحاوية أكثر من لجنة مطابقة ما داخل الحاوية ، مستحيل أن يخرج عصير من ليبيا ويكتب عليه “مشروب غازي”

ـ في جبل علي أيحدث هذا؟

نعم وترد هذه المخالفات وندفع نحن الثمن في المركز الجمركي بنغازي.

ـ أنتقل معك إلى الحديث عن موضوع آخر له علاقة بهذا التحقيق الصحفي هذه الكميات الكبيرة التي تتم مصادرتها من الأدوية كيف يتم التعامل معها والتصرف فيها؟

المشكلة الكبرى التي نعاني منها ليست مشكلة الضبط، إنما مشكلة ما بعد الضبط تم وضع هذه البضائع في مخازن الجمارك ومن ثم إحالة عينات إلى مراكز الرقابة على الأغذية والأدوية وجدنا بأن هذه الأدوية غير مطابقة للمواصفات وغير صالحة للاستعمال.

ـ هل كل ما يصادر يتم إتلافه؟

كل ما يصادر فيما يتعلق بالمواد الغذائية والأدوية ويثبت عدم مطابقته للمواصفات وغير صالح للاستهلاك البشري يتلف أو يعاد تصديره ماعدا الأدوية بحسب ما نص عليه القانون رقم “9″ الصادر عن اللجنة الشعبية العامة هذه الأدوية كلها مزورة تجد مكتوباً على أهدها مثلاً أقراص “panadol ” وهي شركة معروفة وجميعنا يتناول هذه الأقراص لكن هذه الأقراص المضبوطة مصنعة في غير الشركات المعتمدة من شركة “panadol ” أي أنها مصنعة في مصانع خاصة وتزور البيانات المكتوبة عليها لتطابق ما يكتب على العلبة الأصلية، لكن المادة الفعالة في هذا الدواء ليست كالمادة الفعالة في المصنع الأصلي.

ـ نعود إلى كيفية التخلص من هذه الأدوية المزورة؟

هذه مشكلة المشاكل كيف تتخلص من هذه الكميات الهائلة من الأدوية ، البيئة تقول إن حرق هذه المواد في مكان عام يؤثر على البيئة.

ـ إذا ما هي وسيلة الإتلاف؟

وسيلة الإتلاف الحرق لكن أين يتم هذا الحرق؟

اتصلنا بطرق ودية مع كل الجهات وطرحنا عليهم هذا السؤال

ـ عفواً هل هذا السؤال جديد ، كيف كان يتم الإتلاف في الماضي؟

جيد كل طرق الحرق كان تتم بطرق ودية في محرقة مستشفى ، في محرقة ؟؟؟ في الأمراض السارية ، لكنها تعطل ولا تصلح ، أين نقوم بعملية الحرق والضبطيات مستمرة ، أصبح هناك تكدس للأدوية بعض الضبطيات مر عليها سنتان أو ثلاث أو خمس سنوات مدة طويلة ، تشكل عبئاً وخطرا على حياة الأفراد الموجودين في نطاقها وتكلف حراسة مستمرة وهي عرضة للسرقة والتسرب.

ـ ما هو الحل من وجهة نظرك؟

خاطبنا في الفترة الأخيرة، الأخ الأمين العام لمنح الأذن لمكتب مكافحة التهريب والمخدرات لإتلاف بعض المبرزات التي ضبطت لكونها تشكل خطراً على حياة المواطن أصبحت الآن تشكل خطراً على صحة الموظفين في القطاع.

ـ هذا ليس حلاً أمثل.

الحل الأمثل هو إنشاء محرقة تابعة لقطاع الجمارك وأخرى للحرس البلدي وأخرى للبيئة لكل جهة لديها صفة ضبطية لضبط أية مواد غير صالحة.

ـ كلمة أخيرة..

نود عبر هذا المنبر الإعلامي الحريص على متابعة كل الجهود المبذولة خدمة للصالح العام أن نشيد بالدعم المستمر من قبل الإدارة العامة لمكافحة التهريب والمخدرات، للمكاتب المنتشرة عبر ربوع الجماهيرية ، بكل أوجه الدعم والمساندة، لنصل إلى أفضل أداء لمهامنا التي أوكلها إلينا المجتمع وننوه كذلك بالتعاون المستمر بين جهاز الحرس البلدي ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية بمدينة بنغازي ، ما انعكس إيجاباً على النهوض بالأعمال المنوطة بنا جميعاً حفاظاً على الأمن الغذائي والدوائي لمجتمعنا الليبي وقطع الطريق على كل محاولات التهريب والغش والتربح غير المشروع.

ـ عناوين الحاوية الغامضة

ـ عملية التزوير بدأت في ميناء “جبل علي”

ـ شخص أجنبي يتخفى وراء ؟؟؟ الحاوية الغامضة.

ـ كميات هائلة من الأدوية المصادرة… لا توجد طريقة علمية لإتلافها.

إعداد:جابر نور سلطان

تصوير:مفتاح بوزيد

مشكورين جميعا على المرور اجعنكم ماتغيبو