إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
محطات في تاريخ البحث عن استقلال ليبيا
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
محطات في تاريخ البحث عن استقلال ليبيا
تقرير: محطات في تاريخ البحث عن استقلال ليبيا
لا يوجد مكان يُحتفى فيه
بدولة ” هايتي ” الصغيرة والتي تصنف من أفقر دول العالم كما يُحتفى بها في
ليبيا، ولعل البعض يتساءل عن سبب تسمية أحد أشهر شوارع طرابلس باسم تلك
الدولة البعيدة ” هايتي” التي تقع في إحدى جزر بحر الكاريبي، ولِمَ أطلق
اسمها على دور العرض في طرابلس وبنغازي؟!
يعود السبب إلى أن دولة هاييتي قد
رجحت كفة ليبيا للحصول على الاستقلال خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام 1946 بعد أن فشلت في الحصول عليه بفارق صوت واحد في محاولة
سابقة، ورغم الأهمية والاحتفاء بأعياد استقلال الدول، إلا أن فرحة
الاستقلال سرعان ما تبخرت بعد أن كـُبّلتْ أراضي ليبيا في نفس التاريخ
بقواعد أجنبية لم تغادرها أصلاً، كما استمر نفوذ الاستيطان الإيطالي رغم
خسارة إيطاليا للحرب، وتم التنكيل بالقوى الوطنية التي سعت وناضلت من
أجله من أمثال المناضل بشير السعداوي، هذه الأمور وغيرها تجعلنا نضع أمام
جيل الشباب بعض المحطات والحقائق التي تعرفهم على هذا التاريخ الذي من
المفيد ان يلم به الشباب الليبي مستنبطين منه الدروس والعبر حيث يصادف
اليوم الجمعة 24 الكانون “ديسمبر” 2010 ذكرى يوم إستقلال ليبيا وتأسيسها
كدولة مستقلة بذاتها، إلا ان ذلك الاستقلال قد فتح الباب امام نقاشات
وتجذبات حادة بين من أعتبره مكسبا حقيقيا من جهة وبين من أعتبره مشكوك فيه
بل وصفه بالمزيف في ظل إتفاقيات القواعد العسكرية الامريكية وغيرها من
القيود، وهنا ننشر بهذه المناسبة ملخص لأهم أحداث تلك الفترة وعرضها
للنقاش.
الوحدة والاستقلال .. تواريخ ووقائع:
- في 3 مايو/الماء 1942م اعتبرت بريطانيا
إقليم برقة منطقة حليفة، وتنزع عنها صفة الأرض المعادية انطلاقاً من علاقة
الإنجليز بإدريس السنوسي الذي تحالف معهم ومدّهم بالمعلومات الاستخباراتية
خلال حربهم مع قوات التحالف ضد إيطاليا وبعد خسارة إيطاليا الحرب، تجاوبت
بريطانيا مع مقترحات “البريجادير كوميج” ووافقت على مطلب إنهاء الحماية
الإيطالية على برقة.
- وفي 3 يناير/أي النار 1943 دخلت القوات الفرنسية إلى إقليم فزان، فيما تولت القوات البريطانية إدارة إقليمي برقة وطرابلس.
- أما في 17 يوليو/ناصر 1944 يعود الملك
المخلوع إلى ليبيا في زيارة أخذت الطابع الشعبي، ويعقد اجتماعات مع القوى
السياسية المحلية داعياً إياها إلى التمسك بالوعود البريطانية، ثم يعود
إلى القاهرة حيث مقر إقامته.
- وفي 22 مارس/مارس 1945 توقع سبع دول
عربية على ميثاق الجامعة العربية، وتكلف الأمانة العامة للجامعة الوليدة
رسمياً بمتابعة قضية مساندة الشعب الليبي في مطالبه بحق تقرير مصيره،
ومساندة الوفود الليبية في الأمم المتحدة دبلوماسياً من أجل ذلك.
- وتقدم الأمانة العامة للجامعة العربية مذكرة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب فيها باستقلال ليبيا رسمياً.
- وفي 11 سبتمبر/الفاتح 1945م دخل الاتحاد
السوفيتي على الخط و طالب رسمياً في اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع
بوصايته على إقليم طرابلس، بعد محاولات ومساومات سياسية، يعلن الروس
استعدادهم للتخلي على مطالبتهم بإقليم طرابلس إذا ما تم ضم إقليم تربستا
إلى يوغسلافيا، لكنه يتقدم في الوقت ذاته بمذكرة وفي مؤتمر باريس سنة
1946م أبدى الاتحاد السوفيتي استعداده للتخلي عن مطلبه في طرابلس ليبيا إذا
ما حصلت يوغسلافيا على إقليم تربستا” وعلى ذلك تقدم في شأن ليبيا
بالاقتراح التالي:- (وضع ليبيا تحت الوصاية الجماعية على أن تتكون هذه
الوصاية من دولتين إحداهما من دول الحلفاء والأخرى إيطاليا، ففي إقليم
طرابلس تتولى الوصاية إيطاليا بالاشتراك مع الاتحاد السوفيتي وفي برقة
تشترك إيطاليا مع بريطانيا في الوصاية واستمر هذا الوضع قائما لمدة عشر
سنوات).
- وبنشوب الحرب الباردة قرر الإنجليز
قلب الطاولة قبل أن يفلت منهم زمام الأمر، فما إن جلس مندوب روسيا بعد
تقديم اقتراح دولته حتى قام مندوب بريطانيا مطالباً بمنح ( ليبيا الموحدة)
الاستقلال فوراً.
- وفي 28-29 مايو/الماء 1946م عقد العرب
أول قمة لهم في مصر برئاسة الملك فاروق وأمينهم العام” عبد الرحمن
عزام”وعلى على طاولة مباحثاتهم قضيتان لا ثالث لهما: فلسطين وليبيا،
وتسجل الجامعة العربية عدة نقاط محورية تعبر عن عدم الارتياح:
* هناك مؤامرة دولية لتقسيم ليبيا بقرار وحماية دولية.
* تزايد هجرة الإيطاليين إلى ليبيا قبل وصول لجنة التحقيق الدولية في محاولة لطلينة سكانها.
* دول الجوار الليبي ، مصر وتونس وتشاد والنيجر تكتظ بالمهاجرين الليبيين.
* السلطات العسكرية البريطانية، تفصل الأقاليم الليبية الثلاثة ، طرابلس وبرقة وفزان وتقيم بينهما الحواجز.
انتهت القمة العربية ببيان ختامي سجل اهتماماً بوحدة الأراضي الليبية ومن النقاط التي أكد عليها:
- إن أية فكرة ترمي إلى تقسيم ليبيا إلى
مناطق يعهد إلى دول أجنبية بالوصاية عليها أو تضم إلى دول مختلفة
تـُقابل بالرفض الجماعي من الشعب الليبي الذي يناصره العالمي العربي كله.
- إن أي أجراء يرمي إلى تقرير مصير
الليبيين بدون إعطائهم الفرصة كاملة لإجراء استفتاء حر تحت إشراف الأمم
المتحدة والجامعة العربية سيجد معارضة من شعب ليبيا بكل ما في وسعه من
قوة.
- إن أي إدعاء يصدر من الجانب الإيطالي
للمطالبة بإعادة أي ارتباط بين البلاد وبين إيطاليا وذلك بإقامة أي نوع من
أنواع النظام الحكومي سيقاوم بالسلاح.
وفي 10 فبراير سنة 1947 تنازلت إيطاليا عن
كل مستعمراتها السابقة بما فيها ليبيا وانفتح بذلك باب جديد من أجل
العمل على استقلال ليبيا، وهو أمر كان محتمل شدّ وجذب وصل إلى مرحلة
الخلاف بين القوى السياسية الليبية رغم عدالة القضية ووضوح الهدف.
دور القوى الوطنية في توحيد ليبيا
كانت وحدة أقاليم ليبيا الثلاثة “طرابلس-
برقة- فزان” الشغل الشاغل للشخصيات الوطنية الليبية وقد اعتبرته بمثابة
الأولوية المساوية تماماً لتحقيق الاستقلال وقد واجهت هذه القوى التي تعتبر
طرابلس مركز ثقلها صعوبات وتحديات كثيرة ظهرت جلية عبر الحوار الذي اتسم
بالشد والجذب مع شركاء مفترضين في برقة وغياب كامل لأي دور في فزان التي
يتزعمها سيف النصر الموالي لفرنسا المسيطرة هناك.
وتعود إحدى التحديات إلى الخطوات
الإنفرادية التي قام بها إدريس السنوسي الذي صار أميراً لبرقة موطداً
تحالفه مع الانجليز الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية، وتحصل بذلك
على وعد بألا تعود برقة إلى سيطرة إيطاليا فبدا استقلال برقة وشيكاً وكان
هذا الأمر بالنسبة للقوى الوطنية الليبية من الحرصين على وحدة ليبيا بمثابة
جرس إنذار يهدد بتقسيم تراب ليبيا إلى الأبد فقد تجلت في منطقة برقة التي
تأتمر بأمر إدريس السنوسي نزعة الإمارة “الإمارة أولاً” على حساب وحدة
ليبيا في المداولات التي عقدت في شتاء 1946-1947 بين الجبهة الوطنية
الطرابلسية التي ضم وفدها كلاً من: الشيخ محمد أبو الإسعاد العالم رئيساً
للوفد وبرفقته محمود المنتصر وعون سوف وسالم المريّض والقلهود والهنقاري
وغيرهم، وعند وصول هذا الوفد لبنغازي اصطدم أعضاؤه بتغليب الحرص على كيان
إمارة برقة على حساب تحقيق الوحدة الوطنية وقد أصرَّ الوفد البرقاوي على
شعاراته مثل : “الإمارة أولاً – الإمارة بلا قيد ولا شرط” وقد جاء في محضر
هذا الاتفاق أن الوفد البرقاوي قد أصر على إمارة إدريس السنوسي بدون قيد أو
شرط، وهدد بأن إمارة برقة قد تسعى للاستقلال وحدها دون باقي ليبيا، كما
حاول الوفد البرقاوي إفشال هذه المداولات الوحدوية وهو ما حدث فعلاً وقد
تكوّن الوفد البرقاوي من (عمر منصور الكيخيا رئيساً – الشيخ حسن بسيكري –
عبد الحميد العبار – عوض لنقي – عمر فائق شنيب وآخرين).
لكن لم يكن هذا هو الصوت الوحيد في برقة
فقد حرصت شخصيات أخرى على الوحدة الوطنية حيث رفضت جمعية عمر المختار
بقيادة مصطفى بن عامر هذا المنهج وتلقت على ذلك رسالة شكر من سالم المنتصر
رئيس الجبهة الوطنية المتحدة في طرابلس.
ومن جهة أخرى ساهمت شخصيات وطنية من
أبرزها بشير السعداوي زعيم المؤتمر الطرابلسي الذي كان لحملته التعبوية
الأثر الفعال في رفع الحس الوطني الوحدوي وانعكس من خلال إصرار الليبيين
على قيام دولة موحدة أمام اللجنة التي شكلها وزراء الدول الأربع في لندن 3-
أكتوبر 1947، وبقيت اللجنة التي وصلت في مطلع مارس 1948 لمدة شهرين ونصف
وقدمت تقريراً يعكس حرص الليبيين على وحدة بلادهم واستقلالها.
وأمام توجهات “الإمارة أولاً” في برقة
قبلت بقية القوى الوطنية الليبية على مضض بتلك المطالب حرصاً منها على وحدة
البلاد، وهو موقف مشابه حاليا لما جرى في العراق بعد احتلاله حيث اضطر
العرب لتقديم العديد من التنازلات للأكراد كقوة تهدد بالانفصال مقابل أن
يبقى العراق موحداً.
لكن الشخصيات الوطنية الحريصة على وحدة
ليبيا لم تستلم فرغم قبولها على مضض بقيام مملكة على أساساً فيدرالي في
24/12/1951 إلا أنها استمرت من خلال المؤسسات التشريعية وغيرها بالنضال
من أجل ضمان وتحقيق الوحد الترابية، فاتخذ النواب في 26/4/1963 قراراً
يقضي بتأسيس دولة موحدة واختفى النظام الفدرالي الذي لم تكن تدعمه شخصيات
جهوية فحسب بل وجد من يغذيه من الدول الاستعمارية التي رأت أن مصالحها
ستكون محمية أكثر في ظل دولة ضعيفة ومقسمة في ظل النظام الفدرالي.
ومن المفارقات العجيبة هي أنه في الوقت
الذي تقلد فيه أعضاء الوفد الطرابلسي الذي بدأ مداولات الاستقلال مناصب
بارزة إلا أن مناضلاً بحجم بشير السعداوي قد أبعد في سيارة بوليس من ليبيا
وترك في بداية الأراضي المصرية بحجة أنه غير ليبي باعتباره يحمل جواز سفر
سعودي وبقي إلا أن مات في منفاه وتم إحضار رفاته من سوريا بعد قيام ثورة
الفاتح.
تحديات الإستقلال:
في 10 ديسمبر 1949 م، عينت الأمم المتحدة
“أدريان بلت” الهولندي مساعد الأمين العام للأمم المتحدة مندوبا لهيأة
الأمم المتحدة بليبيا وقد تسلم مهام منصبه في أول يناير عام 1950 م، هذا
وقد استقبل قرار هيأة الأمم المتحدة باستقلال ليبيا ووحدتها بمظاهر الفرح
والسرور ، إلا أن هذه الفرصة لم تدم طويلاً فسرعان ما أضحت مكبلة بقيود لا
حصر لها وذلك إثر المتاعب التي أصيبت بها البلاد لا سيما تلك القواعد
العسكرية البريطانية والأمريكية التي كانت جاثمة على أرض الوطن وقد برر
البعض بأن ليبيا أصبحت في حاجة ماسة إلى المال لسد هذا العجز الذي أصابها،
وبالتالي ارتبطتا معها بمعاهدات اتخذت طابع الاتفاقيات العسكرية، وبهذه
الوسيلة التي ارتضتها ليبيا آنذاك لسد عجزها المالي فقدت استقلالها وفرضت
على نفسها التزامات قيدت حريتها إذ وصل بها الأمر إلى أن حالت بينها وبين
ممارسة حقوقها المشروعة فوق أرضها، في الوقت الذي كان ينص القانون بأن
ليبيا حرة مستقلة كان ـ محمود المنتصرـ يوقع في 29 يوليو سنة 1953 نيابة عن
ملك ليبيا ـ معاهدة صداقة وتحالف مع إنجلترا ـ وتم التصديق عليها من نائب
الملك الأمير الرضا في 31 أكتوبر 1953 م وتم التصديق عليها من مجلس النواب
رغم وجود معارضة قوية في مجلس الشيوخ بأن بنود هذه المعاهدة تكبل ليبيا
بمواثيق استعمارية ثقيلة فتجعل مرافقها تحت تصرف البريطانيين ولقد كانت مدة
المعاهدة المجحفة عشرين عاماً ـ وبعد أشهر وقع مصطفى بن حليم ـ في 9
سبتمبر 1954 نيابة عن ملك ليبيا اتفاقية إقامة قواعد عسكرية أمريكية فوق
تراب هذه البلاد من بينها قاعدة مطار الملاحة ـ هويلس ـ وهي أكبر قاعدة
عسكرية خارج الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك وكانت أيضاً مدة الاتفاقية
عشرين عاماً وهكذا نجد ليبيا في عهد الوحدة والاستقلال أصبحت مكبلة بثلاثة
قيود وهي قيود المعاهدات ـ وقيود النفوذ الأجنبي ـ وقيود الشركات
الاحتكارية.
توقيع إتفاقية القواعد يوم إعلان الاستقلال:
استمرت ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي حتى
إندلاع الحرب العالمية الثانية كانت خلالها إيطاليا في ما عرف بدول المحور
مع (ألمانيا واليابان) عدوة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا
(الحلفاء), لذلك كانت الساحة الليبية مسرحاً في الكر والفر بين دول المحور
والحلفاء،حيث دارت عليها آخر معارك الحرب العالمية الثانية على الساحة
الإفريقية ، والملحقة بنتيجة معركة العلمين الشهيرة(الواقعة في جنوب غرب
الإسكندرية وشرق ليبيا)التي انتصر فيها الحلفاء على المحور ،وكانت إيذاناً
بانتهاء الاحتلال الإيطالي مطلع العام1943 ‘ وعليه قُسمت الساحة الليبية
إلى قسمين باتخاذ دائرة العرض 28درجة كخطٍ فاصل بين الشمال الليبي
البريطاني والجنوب الليبي الفرنسي.
بالاحتلال البريطاني للشمال الليبي عام
1943م حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على ما تسعى إليه منذ العام1800أي
بعد مائة وثلاثة وأربعين عاماً في عهد الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو
روزفلت(1945-1933 عن الحزب الديمقراطي)،إذ سمحت القوات البريطانية للقوات
الجوية الأمريكية باحتلال مطار الملاحة المستخدم سابقاً من قبل الطليان
واستخدامه كقاعدة عسكرية لقواتهم الجوية ،وقد عُرف المطار بقاعدة “هويلِس”
الجوية الأمريكية الواقعة على بضعة أميال شرق طرابلس .
لقد سعت أمريكا منذ هذا الاحتلال للاحتفاظ
بهذه القاعدة إدراكاً منها بأهميتها الإستراتيجية النفيسة ،وبترسيخ وجودها
بالتفاهم مع الدولة التي تحكم طرابلس أو ستحكمها مستقبلاً ،وتظهر دلالة
ذلك في أروقة منظمة الأمم المتحدة أثناء مناقشة القضية الليبية وكذلك في
علاقات العضو الأمريكي مع العضوين الفرنسي والبريطاني في لجنة التحقيق
الرباعية الدولية(المؤلفة من وزراء خارجية الدول الأربع :بريطانيا وفرنسا
والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي) واستئثارهم بالقرار عن
العضو السوفييتي فيما يخص القضية الليبية ، حيث مصالح الدول الأربع الكبرى
على مباحثات هذه اللجنة ، وظهرت آراء عديدة إما أن توضع تحت الوصاية
الدولية أو بعودتها كلها أو جزء منها لإيطاليا طوال الفترة ما بين 1948:
1945م، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تميل لمنح إيطاليا الوصاية على كل
ليبيا أو جزء منها .
بإحالة القضية الليبية للجمعية العامة
للأمم المتحدة، مصحوبة بتعالي الأصوات حول رجوع إيطاليا لحكم مدينة طرابلس
كانت الدعاية الأمريكية على أشدها لظهور مشروع قرارٍ أعده وزيرا خارجية
الدولتين وهما البريطاني (أرنست بيفن والإيطالي كارلو سيفورزا) للجمعية
العامة وقد عُرف بمشروع بيفن سيفورزا لحل القضية الليبية على ما يلي :-
1ــــ أن ترضى إيطاليا بالوصاية على طرابلس.
2ــــ تستمر فرنسا في إدارة فزان .
3ــــ توضع برقة تحت الوصاية البريطانية .
4ــــ تعطى ليبيا الاستقلال بعد عشر سنوات .
إلا أن تكاتف الأسرة الآسيوية والعربية
والإفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أسقطت هذا المشروع
الاستعماري الجديد في 18 الماء/ مايو 1949، برفض 37عضوا مقابل موافقة
14عضوا وامتناع 8 عن التصويت.
وبصدور قرار الاستقلال رقم 289 في 21
/الحرث / نوفمبر 1949م ، القاضي باستقلال ليبيا قبل أول /أي النار/ يناير
1952م، دخلت الحكومة الأمريكية في مباحثات حثيثة مع رموز المملكة الليبية
وحكومتها المؤقتة لتنظيم وجود قواتها في البلاد بمقابل مالي والملفت ان
التاريخ المحدد للإستقلال هو نفسه اليوم الذي وقعت فيه إتفاقية القواعد
الامريكية وفيما يلي عرض لأهم ما تضمنته الاتفاقيات الأمريكية الليبية
والآثار الناجمة عنها :-
أ:- الاتفاقية الأمريكية الليبية في 24الكانون/ ديسمبر1951م:-
أ سفرت مباحثات الولايات المتحدة
الأمريكية من خلال القائم بأعمالها في طرابلس” اندروج لنش” مع نظام العهد
المباد “الملك إدريس”لوضع نصوصٍ لاتفاقيةٍ شاملة ، أقرها الملك إدريس
السنوسي ،ثم أصدر أوامره إلى رئيس وزرائه محمود المُنتصر بالتوقيع عليها ،
فتم ذلك تحديداً يوم إعلان الاستقلال المزيّف في الرابع والعشرين من /
الكانون / ديسمبر 1951م، وهذه الاتفاقية مؤلفة من سبع وعشرين مادة وأربعة
كتب متبادلة، مُنِحت أمريكا بموجبها مايلي:-
1- حق البقاء في قاعدة هويلس الجوية لمدة عشرين عاماً.
2 – حق السيطرة الكاملة على الأجواء والمياه الليبية وحرية الوصول والحركة للقوات الأمريكية في جميع أجزاء ليبيا.
3 – سمحت لأمريكا ودول أخر أو أشخاص آخرين باستعمال القواعد العسكرية الأمريكية.
4 – إعفاء القوات الأمريكية من جميع الرسوم والضرائب وعدم سريان القانون الليبي على أفراد هذه القوات “وما يجري في القاعدة”
لقد كانت كل تلك الحقوق المُعطاة لأمريكا
مقابل مليون دولار تدفعها الحكومة الأمريكية كل سنة لليبيا ، تحت ستار”خير
الشعب الليبي ومساعدة الحكومة الليبية في إدراك اقتصاد مُستقرٍ للمواطنين”
كان من المفترض أن تُعرض الاتفاقية على
البرلمان الليبي(مجلسي النواب والشيوخ) بمجرد تكوينه لإبداء الرأي فيها
،لكن ذلك لم يحدث ،إلى أن أُثيرت من قبل أحد أعضاء مجلس النواب في الخامس
من يوليو/ ناصر 1952م بالتساؤل عن الوضع بشأن مطار الملاحة وتوسع السلطات
الأمريكية في الاستيلاء على بعض الأراضي الزراعية المجاورة لضمها للمطار،
وما إذا كان هذا الإجراء يتم بموجب اتفاقية أُبرمت ،فإذا كان الأمر كذلك ،
فهل تنوي الحكومة عرض هذه الاتفاقية على المجلس … لينظر فيها أم أنها
وضعتها موضع التنفيذ بدون أن تلتفت إلى (الاعتبارات الدستورية)
يُذكر أن محمود المُنتصر أجاب على التساؤل
في 21يوليو/ ناصر1952بالقول :”…استجابت الحكومة الليبية لهذا العرض(
الأمريكي لإجراء مفاوضات لتنظيم الوضع القانوني لقواتهم في ليبيا) لإقرار
وضع قائم في ظروفٍ يتطلبها الأمن العالمي،وهذا وضع يتفق مع مصلحة البلاد
ولا يتنافى مع سيادتها واستقلالها ….وقد وقعه وزير الخارجية يوم إعلان
الاستقلال، وذلك بالنيابة عن الحكومة الليبية، وسيعرض هذا الاتفاق على
مجلسكم في أقرب فرصة…لمناقشته وإقراره”.
من هنا نرى أن الاتفاقية قد وقعت رسمياً
وعَملت بموجبها أمريكا دون أن يُقرها المجلس الدستوري مجلس النواب، كما
حملت بقية إجابات محمود المنتصر الموافقة الكاملة على الاحتلال العسكري
الأمريكي لليبيا على أساس أنه أمرٌ واقع، بقوله:”إن وجود القوات العسكرية
الأجنبية في ليبيا والأمريكية منها بوجه خاص هو وضعٌ قائمٌ ضمن السياسة
الدولية الرامية إلى المحافظة على السلام في العالم ….وأن الحكومتين
الليبية والأمريكية لا تبتعدان عن روحه في علاقات بعضها ببعض، وصحيح أن
المطار يقع في ناحية زراعية مهمة كما أنه قريب من مدينة طرابلس الغرب …فقد
اتسعت رقعته(المطار) بأن استأجرت قيادة المطار الأراضي التي كانت في حاجة
إليها …فلا يبقى أمامنا إلا قبول الأمر الواقع فيما يخص المطار.
الحقيقة أنه كان بإمكان الحكومة الليبية
في تلك الفترة أن تطالب بإنهاء الآثار الاستعمارية أو تلجأ للأمم المتحدة
لطلب عونها لإخراج القوات الأجنبية من أراضيها لكنها لم تفعل ذلك، ورفضت
مشاركة المنادين بتطهير أرض ليبيا من القوات الأجنبية، أثناء اجتماعات
اللجنة السياسية لهيئة الأمم المتحدة في باريس يوم 22يناير/ أي النار
1952م، كما أن رد رئيس الوزراء الليبي السابق في البرلمان كان الدليل الحي
على دخول الاتفاقية موضع التنفيذ عندما وسّعت القيادة الأمريكية مطار
الملاحة في الأراضي الزراعية المجاورة، وفي الخامس من يناير/ أي النار 1953
تساءل أحد أعضاء مجلس النواب مجدداً عن الاتفاق المعقود مع أمريكا بشأن
القواعد الأمريكية في ليبيا، ولماذا لم يُقدم هذا الاتفاق للمجلس حتى
اليوم? ،حيث أجاب وزير الدفاع الليبي “علي الجربي” نيابة عن رئيس الوزراء
ووزير الخارجية :” بأنه سبقت الإجابة على هذا السؤال سابقاً، وأن الاتفاقية
ذات صبغة مؤقتة بموجب رسالتين تم تبادلهما بليبيا يوم الاستقلال ،وأن
الاتصالات مازالت جارية بين الحكومتين “).
من خلال العرض السابق للاتفاقية وبنودها
للطرفين والتوسعات التي جرت على القاعدة، نلاحظ أنها ليست عبارة عن رسالتين
متبادلتين، فالأمر أكبر من ذلك فهي اتفاقية كاملة لها نصوصها وبنودها
والتزاماتها وكانت المحادثات الثنائية حولها حثيثة قبل الاستقلال مثلما
أوضحنا سابقاً. وأن الحكومة الليبية أخفت عن مجلس النواب حقيقة هذه
المباحثات التي استمرت مجدداً في الفترة من أغسطس/ هانيبال 1953 حتى 28
فبراير/ النوار1954بعد مطالبات من الحكومة الليبية في شخص محمود المنتصر
لزيادة أجور استخدام القاعدة التي اعتبرتها أمريكا نهائية بموجب
الاتفاقية،ثم وافقت على ذلك بشرط بقاء جميع مواد الاتفاقية المبرمة في 24من
ديسمبر/ الكانون1951 دون أي تعديل.
ب:- المعاهدة الأمريكية الليبية في التاسع من سبتمبر/ الفاتح 1954م:-
بزيارة مصطفى بن حليم للولايات المتحدة
الأمريكية في شهر يونيو/ الصيف عام 1954م والتقائه بالرئيس الأمريكي دوايت
دايفيد آيزنهاور(1961-1953 عن الحزب الديمقراطي)، انتهت المعاهدة الأمريكية
الليبية بصورتها النهائية بثلاثين مادة وثلاثة ملاحق، وقد تم التوقيع
عليها رسمياً في بنغازي في التاسع من سبتمبر عام 1954م من قبل” مصطفى بن
حليم” ممثلا للحكومة الليبية و”م .سمرس ” ممثلا للحكومة الأمريكية، وأبرز
ما تضمنته من جديد عما ورد في مواد الاتفاقية المبرمة بينهما في 24 من
الكانون /ديسمبر1951 ما يلي:-
1- للحكومة الأمريكية الحق في استعمال المناطق التي تشغلها الآن للأغراض العسكرية أو أية أغراض أخر يتفق عليها بين الحكومتين .
2 – أن تراقب الحكومة الأمريكية السفن
والطائرات والمراكب المائية التي تدخل للمناطق المتفق عليها ، وأن تنشئ في
هذه المناطق أو خارجها وسائل المواصلات السلكية.
3 – أن تتفق الحكومتان على استعمال منطقة
متفق عليها واشتراك طرف ثالث تكون بينه وبين الحكومتين معاهدة صداقة
وتحالف(هي بريطانيا)أي الملكية المشتركة للأراضي التي تستأجرها الولايات
المتحدة الأمريكية.
4 – الوصول الحر للطائرات والقوات والمركبات المائية الأمريكية ،ومنحها حق الحركة الحرة في القطر الليبي .
5 – إعفاء القوات الأمريكية من جميع أنواع
الضرائب على المواد والمعدات والمؤن والبضائع وإعفائهم من كل الرسوم
الجمركية لبضائعهم ولوازمهم الموردة.
6 – تحصلت أمريكا على حق إقامة مطارٍ في
الوطية(التي تبعد 60كم جنوب زواره)،وسارية إذاعية في مصراتة،ورادارات في
منطقة طرابلس ودرنه وطبرق بالإضافة لمحطة تلفزيون في قاعدة هويلس.
هكذا أُبرمت هذه المعاهدة لقاء مساعدة
مالية أمريكية تقدر بنحو أربعين مليون دولار تقسم على عشرين سنة, ذلك بدفع
أربعة ملايين دولار سنوياً لمدة ست سنوات من عام 1955 حتى 1960، ثم مليون
دولار سنوي بدءاً من عام 1960إلى أن تنتهي سنوات المعاهدة ،ومساعدات إضافية
وتقديم كمية من القمح مقدارها 24ألف طن خلال الفترة مابين 1955/1954م.
وعند طرح المعاهدة على البرلمان للتصديق
عليها ، تمت إحالتها من مجلس النواب إلى لجنة الشؤون الخارجية يوم 25
التمور أكتوبر/ 1954م ، التي رفضتها بأغلبية أعضائها الخمسة من أصل سبعة
أعضاء، كونها تتعارض مع الدستور وتجرح استقلال البلاد وسيادتها ،أما
العضوان اللذان وافقا عليها تحت مبرر فائدتها بالحصول على المساعدة المالية
وباستبعاد الفريق المعارض أجازها مجلس النواب بموافقة أغلبية 39 صوتا
مقابل12صوتا.
وفي31 التمور / أكتوبر عام 1954 كانت الاتفاقية مجازة من قبل البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ.
في الخطاب الذي ألقاه إدريس في 9 نوفمبر
1954وصف الاتفاقية بـــ:”أنها انتصارٌ عظيمٌ لليبيين”( 31 )أما بن حليم فقد
وصفها بالنجاح في قوله:”يسر حكومتي أن تنوه بالنجاح الذي تكللت به جهودنا
بخصوص تعديل الاتفاقية… حتى أصبحت أكثر صلاحية لخدمة البلاد “(32 ،وفي
الواقع هي انتصار عظيم للولايات المتحدة الأمريكية التي ظفرت بحق الاحتفاظ
بأكبر قاعدة عسكرية أمريكية ذات الملاحة الجوية البحرية خارج الولايات
المتحدة الأمريكية وهي مركز التدريب الرئيس لأسلحة الجو العسكرية لدول حلف
الأطلنطي “الناتو”ومليئة بأسراب الطائرات التابعة لأعضاء ذلك الحلف ومنها
مايلي:-
1- القاذفات المقاتلة مثل: الفانتوم والتندر شيف ف 105 الأمريكيتان، والهوكرهانتر الإنجليزية ،والفبات7ج 91 الإيطالية.
2-القاذفات الأرضية: السكاي هوك والكورسير الأمريكيتان.
3- المقاتلات الاعتراضية: الستار فيتر ف 104 الأمريكية ،واللايتنج الإنجليزية.
هذا بالإضافة إلى طائرات النقل والاستطلاع
،واحتمال وجود القاذفات الإستراتيجية الحاملة للقنابل الذرية من طراز ب 52
ستراتوفورتريس وب 58 هاستلر الأمريكيتان و ب2 فولكان الإنجليزية،كلها في
قاعدة هويلس وقواعدها الثانوية في برقة 33))
جـ:- التحالف الليبي الأمريكي في حلف إيزنهاور مارس 1957م
نجحت أمريكا في جر ليبيا إلى جانبها فيما
يُعرف بــ:”مبدأ إيزنهاور” وذلك في البيان المنشور أثناء زيارة المساعد
الخاص للرئيس الأمريكي ومستشاره جيمس .ب.ريتشارد من 17 حتى 20 مارس/
الربيع1957، الذي عبر عن موافقة ليبيا للانضمام لهذا المبدأ بأنه:” دفاع ضد
أي اعتداء مسلحٍ قد تواجهه قوى الشيوعية الدولية ضد أي بلد من بلدان الشرق
الأوسط” 34 ) وهو في الحقيقة فصلٌ لليبيا عن مصر وسوريا في نضالهما الشرعي
ضد الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ،والتنافس مع الإنجليز على أكبر قدر
ممكن من امتيازات الأراضي والسيادة الليبية وهذا العمل قد أثار بالفعل
الأوساط الشعبية في ليبيا والبلاد العربية.
بعد مبدأ إيزنهاور قامت أمريكا مجدداً
بتكبيل ليبيا باتفاقية عسكرية في الثلاثين من الصيف / يونيو عام 1957 وقعها
“وهبي البوري” وزير الخارجية الليبية و”جون تاين”السفير الأمريكي في ليبيا
وقد تضمنت ما يلي :-
1- تحديد نظام توريد الأسلحة والمعدات والذخائر الحربية بتنظيم بعثة عسكرية ملحقة بالسفارة الأمريكية.
2 – تحريم استعمال المعدات والذخائر
الحربية الأمريكية في غير الأغراض التي أعدت الاتفاقية من أجلها ( وهذا
معناه الحيلولة دون اشتراك الجيش الليبي مع جيوش الدول العربية الأخر في
العمليات الحربية ضد إسرائيل ) .
3- اتخاذ التدابير المشتركة لمراقبة تجارة
الدول التي تهدد حفظ السلام لمصلحة وأمن الولايات المتحدة الأمريكية
وليبيا (فهذا دليل إضافي على أن الولايات المتحدة الأمريكية قد استأثرت
بصلاحيات الأمم المتحدة في هذا الموضوع).
ناهيك عن المساعدات الاقتصادية التي
قدرتها ليبيا بــــ “100مليون دولار” خلال الخمس سنوات من عام 1955حتى
العام 1959لكنها كانت تصرف تحت الإشراف الأمريكي(لجنة الإنشاءات الليبية
الأمريكية والمنظمات الخاضعة للإشراف الأمريكي ) لخدمة المصالح الأمريكية
المتغلغلة في الاقتصاد الليبي بالدرجة الأولى، وتحصيل امتيازات التنقيب عن
النفط بشروطٍ مجزية،وكان هذا التغلغل ببث الأخصائيين والمستشارين الأمريكان
والمصالح الحكومية الأمريكية.
- قاعدة هويلس والظروف المحيطة بها والآثار المترتبة عنها 1969/1960م
خلال فترة الستينيات ونتيجة لقوة المعارضة
لهذه القاعدة التي ابتدأت من خطاب الزعيم جمال عبد الناصر في 22النوار/
فبراير 1964 بمناسبة الاحتفال بعيد الوحدة ،دعا إلى تصفية القواعد
البريطانية والأمريكية التي أبرز دورها في عدوان 1956 على مصر ،وقد كان
لهذا الخطاب دورٌ فعال في المطالبة الشعبية بتصفية هذه القواعد ،وخصوصاً
عندما قام لفيفٌ من أعضاء مجلس النواب يترأسهم علي مصطفى المصراتي بتقديم
مشروعي قانونين إلى المجلس يوم 9الربيع/ مارس 1964بــــ”إلغاء المعاهدات
الليبية الأجنبية وتصفية القواعد العسكرية ” ثم وافقت عليهما لجنتا الدفاع
والخارجية اللتان أكدتا في مذكرتهما الخاصة بالمعاهدة الأمريكية الليبية
بـــ”أن السبب الذي عقدت من أجله …هو العجز المالي في خزينة ليبيا إذ تدفع
أمريكا مبلغ أربعة ملايين دولار سنوياً مع أن ليبيا أصبحت ذات إمكانات
مالية تستطيع تغطية كل عجز،بل لديها من موارد البترول ما تستغني به عن
الإعانات الضئيلة التي تنقص حرية الوطن وسيادته “37)) ، وقد كشفت تقديرات
الميزانية الليبية نفسها من خلال عوائد النفط عليها ونسبة الداخل منه في
الخزينة الليبية كما يلي:
السنوات العائد الكلي للنفط نسبة الداخل منه للخزينة الليبية
1954/1945 85 مليون جنيه إسترليني غير متوفر
1965/1956 100 مليون جنيه إسترليني غير متوفر
1968/1967 226 مليون جنيه إسترليني 75%
1969/1968 345 مليون جنيه إسترليني 80%
بدلاً من إصغاء الحكومة ورموز المملكة
لهذه المطالبات، رأت الحكومة العكس وهو أن أجر استخدامها لا يتناسب مع
أهمية ما تقدمه القاعدة للقوات والمصالح الأمريكية وخصوصاً في الحرب
الباردة وبدلا من المطالبة بالجلاء هنا ارتفعت الأصوات منادية بزيادة أجر
القاعدة بدءاً من عام 1960م من أربعة ملايين دولار في العام إلى أربعين
مليونا، بالإضافة لمطالبتهم بتحويل الأموال المقدمة في إطار المعونة
الاقتصادية مباشرة إلى الميزانية وبتصفية المؤسسات الاقتصادية الأمريكية
القائمة في البلاد بهذا بالخصوص،وكانت النتيجة بأن تدفع أمريكا فقط مبلغ
10ملايين دولار سنوياً لمدة خمسة أعوام (من 1960 حتى 1965) يضاف للمبلغ
المحدد سابقاً في الاتفاقية.
الضرر الليبي والعربي من القواعد:
وفيما يتعلق بالتضرر الليبي والعربي من
هذه القاعدة تحديدا، ففي فترة الستينيات شهدت القاعدة الأمريكية نشاطاً
مكثفاً تم فيه إعداد طواقم الطيران للقوات العسكرية الجوية لبعض دول حلف
شمال الأطلسي فوق القاعدة التي غُيّر اسمها إلى ويلس- فيلدا منذ العام
1964م وعليه كانت على مدار السنة مليئة بأسراب الطائرات التابعة لدول الحلف
الأمر الذي زاد من امتعاض السكان الرافضين لهذه القاعدة وغيرها والذين
حُرِمت عليهم الاقتراب منها والحكومة ذاتها لا تعلم ماذا يحدث فيها وليس
للقضاء ولا القانون الليبي سلطة عليها حتى بعد تضرر السكان منها نتيجة سقوط
بعض الطائرات على المواطنين أثناء التدريبات ،ولعل الفتاة البريئة معيتيقة
خير دليل على ما ذكر في عدم الاقتصاص من الجُناة ناهيك عن عدة حوادث
اعتدائية وغير أخلاقية،حدثت في تلك الفترة.
أما التضرر العربي فتكمن فحواه فيما قدمته
هذه القاعدة من تدريبٍ للضباط والجنود العسكريين، ومناورات عسكرية
إسرائيلية، ودعم عسكري واضح في نقل السلاح من القاعدة لـ “إسرائيل” خلال
حرب1967م ، فقد ندد الزعيم جمال عبد الناصر مجددا في أكثر من مجال في
التنبيه لخطورة هذه القاعدة على الأمن العربي رغم المشاركة الليبية الهزيلة
في مؤتمر القمة العربي في الخرطوم والذي عُرفت مقرراته بلاءات الخرطوم
الثلاث لا صلح لا اعتراف لاتفاوض40))، ،كما أوردت صحيفة الأهرام في أعدادها
المنشورة عام1967عن تدريب أعداد كبيرة من الإسرائيليين في قاعدة هويلس
والتقائهم بقادة طائرات المخابرات الأمريكية السي أي إيCIA( 41).
وقد استمر الاحتلال الأمريكي غير المباشر
لليبيا حتى قيام الثورة في الأول من الفاتح/ سبتمبر1969م والتي طالبتهم
بالجلاء الكامل والفوري عن ليبيا تنفيذاً لأحد أهدافها الأساسية ألا وهو
الحرية ،وقد تقرر الإجلاء في الحادي عشر من شهر الصيف/ يونيو 1970م، وبهذا
تحقق الجلاء الأمريكي الكامل عن أرض ليبيا كما كان الإجلاء فاتحة لعلاقات
ندية ليبية أمريكية جديدة ومختلفة عما سبق.
لا يوجد مكان يُحتفى فيه
بدولة ” هايتي ” الصغيرة والتي تصنف من أفقر دول العالم كما يُحتفى بها في
ليبيا، ولعل البعض يتساءل عن سبب تسمية أحد أشهر شوارع طرابلس باسم تلك
الدولة البعيدة ” هايتي” التي تقع في إحدى جزر بحر الكاريبي، ولِمَ أطلق
اسمها على دور العرض في طرابلس وبنغازي؟!
يعود السبب إلى أن دولة هاييتي قد
رجحت كفة ليبيا للحصول على الاستقلال خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم
المتحدة عام 1946 بعد أن فشلت في الحصول عليه بفارق صوت واحد في محاولة
سابقة، ورغم الأهمية والاحتفاء بأعياد استقلال الدول، إلا أن فرحة
الاستقلال سرعان ما تبخرت بعد أن كـُبّلتْ أراضي ليبيا في نفس التاريخ
بقواعد أجنبية لم تغادرها أصلاً، كما استمر نفوذ الاستيطان الإيطالي رغم
خسارة إيطاليا للحرب، وتم التنكيل بالقوى الوطنية التي سعت وناضلت من
أجله من أمثال المناضل بشير السعداوي، هذه الأمور وغيرها تجعلنا نضع أمام
جيل الشباب بعض المحطات والحقائق التي تعرفهم على هذا التاريخ الذي من
المفيد ان يلم به الشباب الليبي مستنبطين منه الدروس والعبر حيث يصادف
اليوم الجمعة 24 الكانون “ديسمبر” 2010 ذكرى يوم إستقلال ليبيا وتأسيسها
كدولة مستقلة بذاتها، إلا ان ذلك الاستقلال قد فتح الباب امام نقاشات
وتجذبات حادة بين من أعتبره مكسبا حقيقيا من جهة وبين من أعتبره مشكوك فيه
بل وصفه بالمزيف في ظل إتفاقيات القواعد العسكرية الامريكية وغيرها من
القيود، وهنا ننشر بهذه المناسبة ملخص لأهم أحداث تلك الفترة وعرضها
للنقاش.
الوحدة والاستقلال .. تواريخ ووقائع:
- في 3 مايو/الماء 1942م اعتبرت بريطانيا
إقليم برقة منطقة حليفة، وتنزع عنها صفة الأرض المعادية انطلاقاً من علاقة
الإنجليز بإدريس السنوسي الذي تحالف معهم ومدّهم بالمعلومات الاستخباراتية
خلال حربهم مع قوات التحالف ضد إيطاليا وبعد خسارة إيطاليا الحرب، تجاوبت
بريطانيا مع مقترحات “البريجادير كوميج” ووافقت على مطلب إنهاء الحماية
الإيطالية على برقة.
- وفي 3 يناير/أي النار 1943 دخلت القوات الفرنسية إلى إقليم فزان، فيما تولت القوات البريطانية إدارة إقليمي برقة وطرابلس.
- أما في 17 يوليو/ناصر 1944 يعود الملك
المخلوع إلى ليبيا في زيارة أخذت الطابع الشعبي، ويعقد اجتماعات مع القوى
السياسية المحلية داعياً إياها إلى التمسك بالوعود البريطانية، ثم يعود
إلى القاهرة حيث مقر إقامته.
- وفي 22 مارس/مارس 1945 توقع سبع دول
عربية على ميثاق الجامعة العربية، وتكلف الأمانة العامة للجامعة الوليدة
رسمياً بمتابعة قضية مساندة الشعب الليبي في مطالبه بحق تقرير مصيره،
ومساندة الوفود الليبية في الأمم المتحدة دبلوماسياً من أجل ذلك.
- وتقدم الأمانة العامة للجامعة العربية مذكرة رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب فيها باستقلال ليبيا رسمياً.
- وفي 11 سبتمبر/الفاتح 1945م دخل الاتحاد
السوفيتي على الخط و طالب رسمياً في اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع
بوصايته على إقليم طرابلس، بعد محاولات ومساومات سياسية، يعلن الروس
استعدادهم للتخلي على مطالبتهم بإقليم طرابلس إذا ما تم ضم إقليم تربستا
إلى يوغسلافيا، لكنه يتقدم في الوقت ذاته بمذكرة وفي مؤتمر باريس سنة
1946م أبدى الاتحاد السوفيتي استعداده للتخلي عن مطلبه في طرابلس ليبيا إذا
ما حصلت يوغسلافيا على إقليم تربستا” وعلى ذلك تقدم في شأن ليبيا
بالاقتراح التالي:- (وضع ليبيا تحت الوصاية الجماعية على أن تتكون هذه
الوصاية من دولتين إحداهما من دول الحلفاء والأخرى إيطاليا، ففي إقليم
طرابلس تتولى الوصاية إيطاليا بالاشتراك مع الاتحاد السوفيتي وفي برقة
تشترك إيطاليا مع بريطانيا في الوصاية واستمر هذا الوضع قائما لمدة عشر
سنوات).
- وبنشوب الحرب الباردة قرر الإنجليز
قلب الطاولة قبل أن يفلت منهم زمام الأمر، فما إن جلس مندوب روسيا بعد
تقديم اقتراح دولته حتى قام مندوب بريطانيا مطالباً بمنح ( ليبيا الموحدة)
الاستقلال فوراً.
- وفي 28-29 مايو/الماء 1946م عقد العرب
أول قمة لهم في مصر برئاسة الملك فاروق وأمينهم العام” عبد الرحمن
عزام”وعلى على طاولة مباحثاتهم قضيتان لا ثالث لهما: فلسطين وليبيا،
وتسجل الجامعة العربية عدة نقاط محورية تعبر عن عدم الارتياح:
* هناك مؤامرة دولية لتقسيم ليبيا بقرار وحماية دولية.
* تزايد هجرة الإيطاليين إلى ليبيا قبل وصول لجنة التحقيق الدولية في محاولة لطلينة سكانها.
* دول الجوار الليبي ، مصر وتونس وتشاد والنيجر تكتظ بالمهاجرين الليبيين.
* السلطات العسكرية البريطانية، تفصل الأقاليم الليبية الثلاثة ، طرابلس وبرقة وفزان وتقيم بينهما الحواجز.
انتهت القمة العربية ببيان ختامي سجل اهتماماً بوحدة الأراضي الليبية ومن النقاط التي أكد عليها:
- إن أية فكرة ترمي إلى تقسيم ليبيا إلى
مناطق يعهد إلى دول أجنبية بالوصاية عليها أو تضم إلى دول مختلفة
تـُقابل بالرفض الجماعي من الشعب الليبي الذي يناصره العالمي العربي كله.
- إن أي أجراء يرمي إلى تقرير مصير
الليبيين بدون إعطائهم الفرصة كاملة لإجراء استفتاء حر تحت إشراف الأمم
المتحدة والجامعة العربية سيجد معارضة من شعب ليبيا بكل ما في وسعه من
قوة.
- إن أي إدعاء يصدر من الجانب الإيطالي
للمطالبة بإعادة أي ارتباط بين البلاد وبين إيطاليا وذلك بإقامة أي نوع من
أنواع النظام الحكومي سيقاوم بالسلاح.
وفي 10 فبراير سنة 1947 تنازلت إيطاليا عن
كل مستعمراتها السابقة بما فيها ليبيا وانفتح بذلك باب جديد من أجل
العمل على استقلال ليبيا، وهو أمر كان محتمل شدّ وجذب وصل إلى مرحلة
الخلاف بين القوى السياسية الليبية رغم عدالة القضية ووضوح الهدف.
دور القوى الوطنية في توحيد ليبيا
كانت وحدة أقاليم ليبيا الثلاثة “طرابلس-
برقة- فزان” الشغل الشاغل للشخصيات الوطنية الليبية وقد اعتبرته بمثابة
الأولوية المساوية تماماً لتحقيق الاستقلال وقد واجهت هذه القوى التي تعتبر
طرابلس مركز ثقلها صعوبات وتحديات كثيرة ظهرت جلية عبر الحوار الذي اتسم
بالشد والجذب مع شركاء مفترضين في برقة وغياب كامل لأي دور في فزان التي
يتزعمها سيف النصر الموالي لفرنسا المسيطرة هناك.
وتعود إحدى التحديات إلى الخطوات
الإنفرادية التي قام بها إدريس السنوسي الذي صار أميراً لبرقة موطداً
تحالفه مع الانجليز الذين انتصروا في الحرب العالمية الثانية، وتحصل بذلك
على وعد بألا تعود برقة إلى سيطرة إيطاليا فبدا استقلال برقة وشيكاً وكان
هذا الأمر بالنسبة للقوى الوطنية الليبية من الحرصين على وحدة ليبيا بمثابة
جرس إنذار يهدد بتقسيم تراب ليبيا إلى الأبد فقد تجلت في منطقة برقة التي
تأتمر بأمر إدريس السنوسي نزعة الإمارة “الإمارة أولاً” على حساب وحدة
ليبيا في المداولات التي عقدت في شتاء 1946-1947 بين الجبهة الوطنية
الطرابلسية التي ضم وفدها كلاً من: الشيخ محمد أبو الإسعاد العالم رئيساً
للوفد وبرفقته محمود المنتصر وعون سوف وسالم المريّض والقلهود والهنقاري
وغيرهم، وعند وصول هذا الوفد لبنغازي اصطدم أعضاؤه بتغليب الحرص على كيان
إمارة برقة على حساب تحقيق الوحدة الوطنية وقد أصرَّ الوفد البرقاوي على
شعاراته مثل : “الإمارة أولاً – الإمارة بلا قيد ولا شرط” وقد جاء في محضر
هذا الاتفاق أن الوفد البرقاوي قد أصر على إمارة إدريس السنوسي بدون قيد أو
شرط، وهدد بأن إمارة برقة قد تسعى للاستقلال وحدها دون باقي ليبيا، كما
حاول الوفد البرقاوي إفشال هذه المداولات الوحدوية وهو ما حدث فعلاً وقد
تكوّن الوفد البرقاوي من (عمر منصور الكيخيا رئيساً – الشيخ حسن بسيكري –
عبد الحميد العبار – عوض لنقي – عمر فائق شنيب وآخرين).
لكن لم يكن هذا هو الصوت الوحيد في برقة
فقد حرصت شخصيات أخرى على الوحدة الوطنية حيث رفضت جمعية عمر المختار
بقيادة مصطفى بن عامر هذا المنهج وتلقت على ذلك رسالة شكر من سالم المنتصر
رئيس الجبهة الوطنية المتحدة في طرابلس.
ومن جهة أخرى ساهمت شخصيات وطنية من
أبرزها بشير السعداوي زعيم المؤتمر الطرابلسي الذي كان لحملته التعبوية
الأثر الفعال في رفع الحس الوطني الوحدوي وانعكس من خلال إصرار الليبيين
على قيام دولة موحدة أمام اللجنة التي شكلها وزراء الدول الأربع في لندن 3-
أكتوبر 1947، وبقيت اللجنة التي وصلت في مطلع مارس 1948 لمدة شهرين ونصف
وقدمت تقريراً يعكس حرص الليبيين على وحدة بلادهم واستقلالها.
وأمام توجهات “الإمارة أولاً” في برقة
قبلت بقية القوى الوطنية الليبية على مضض بتلك المطالب حرصاً منها على وحدة
البلاد، وهو موقف مشابه حاليا لما جرى في العراق بعد احتلاله حيث اضطر
العرب لتقديم العديد من التنازلات للأكراد كقوة تهدد بالانفصال مقابل أن
يبقى العراق موحداً.
لكن الشخصيات الوطنية الحريصة على وحدة
ليبيا لم تستلم فرغم قبولها على مضض بقيام مملكة على أساساً فيدرالي في
24/12/1951 إلا أنها استمرت من خلال المؤسسات التشريعية وغيرها بالنضال
من أجل ضمان وتحقيق الوحد الترابية، فاتخذ النواب في 26/4/1963 قراراً
يقضي بتأسيس دولة موحدة واختفى النظام الفدرالي الذي لم تكن تدعمه شخصيات
جهوية فحسب بل وجد من يغذيه من الدول الاستعمارية التي رأت أن مصالحها
ستكون محمية أكثر في ظل دولة ضعيفة ومقسمة في ظل النظام الفدرالي.
ومن المفارقات العجيبة هي أنه في الوقت
الذي تقلد فيه أعضاء الوفد الطرابلسي الذي بدأ مداولات الاستقلال مناصب
بارزة إلا أن مناضلاً بحجم بشير السعداوي قد أبعد في سيارة بوليس من ليبيا
وترك في بداية الأراضي المصرية بحجة أنه غير ليبي باعتباره يحمل جواز سفر
سعودي وبقي إلا أن مات في منفاه وتم إحضار رفاته من سوريا بعد قيام ثورة
الفاتح.
تحديات الإستقلال:
في 10 ديسمبر 1949 م، عينت الأمم المتحدة
“أدريان بلت” الهولندي مساعد الأمين العام للأمم المتحدة مندوبا لهيأة
الأمم المتحدة بليبيا وقد تسلم مهام منصبه في أول يناير عام 1950 م، هذا
وقد استقبل قرار هيأة الأمم المتحدة باستقلال ليبيا ووحدتها بمظاهر الفرح
والسرور ، إلا أن هذه الفرصة لم تدم طويلاً فسرعان ما أضحت مكبلة بقيود لا
حصر لها وذلك إثر المتاعب التي أصيبت بها البلاد لا سيما تلك القواعد
العسكرية البريطانية والأمريكية التي كانت جاثمة على أرض الوطن وقد برر
البعض بأن ليبيا أصبحت في حاجة ماسة إلى المال لسد هذا العجز الذي أصابها،
وبالتالي ارتبطتا معها بمعاهدات اتخذت طابع الاتفاقيات العسكرية، وبهذه
الوسيلة التي ارتضتها ليبيا آنذاك لسد عجزها المالي فقدت استقلالها وفرضت
على نفسها التزامات قيدت حريتها إذ وصل بها الأمر إلى أن حالت بينها وبين
ممارسة حقوقها المشروعة فوق أرضها، في الوقت الذي كان ينص القانون بأن
ليبيا حرة مستقلة كان ـ محمود المنتصرـ يوقع في 29 يوليو سنة 1953 نيابة عن
ملك ليبيا ـ معاهدة صداقة وتحالف مع إنجلترا ـ وتم التصديق عليها من نائب
الملك الأمير الرضا في 31 أكتوبر 1953 م وتم التصديق عليها من مجلس النواب
رغم وجود معارضة قوية في مجلس الشيوخ بأن بنود هذه المعاهدة تكبل ليبيا
بمواثيق استعمارية ثقيلة فتجعل مرافقها تحت تصرف البريطانيين ولقد كانت مدة
المعاهدة المجحفة عشرين عاماً ـ وبعد أشهر وقع مصطفى بن حليم ـ في 9
سبتمبر 1954 نيابة عن ملك ليبيا اتفاقية إقامة قواعد عسكرية أمريكية فوق
تراب هذه البلاد من بينها قاعدة مطار الملاحة ـ هويلس ـ وهي أكبر قاعدة
عسكرية خارج الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك وكانت أيضاً مدة الاتفاقية
عشرين عاماً وهكذا نجد ليبيا في عهد الوحدة والاستقلال أصبحت مكبلة بثلاثة
قيود وهي قيود المعاهدات ـ وقيود النفوذ الأجنبي ـ وقيود الشركات
الاحتكارية.
توقيع إتفاقية القواعد يوم إعلان الاستقلال:
استمرت ليبيا تحت الاحتلال الإيطالي حتى
إندلاع الحرب العالمية الثانية كانت خلالها إيطاليا في ما عرف بدول المحور
مع (ألمانيا واليابان) عدوة للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا
(الحلفاء), لذلك كانت الساحة الليبية مسرحاً في الكر والفر بين دول المحور
والحلفاء،حيث دارت عليها آخر معارك الحرب العالمية الثانية على الساحة
الإفريقية ، والملحقة بنتيجة معركة العلمين الشهيرة(الواقعة في جنوب غرب
الإسكندرية وشرق ليبيا)التي انتصر فيها الحلفاء على المحور ،وكانت إيذاناً
بانتهاء الاحتلال الإيطالي مطلع العام1943 ‘ وعليه قُسمت الساحة الليبية
إلى قسمين باتخاذ دائرة العرض 28درجة كخطٍ فاصل بين الشمال الليبي
البريطاني والجنوب الليبي الفرنسي.
بالاحتلال البريطاني للشمال الليبي عام
1943م حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على ما تسعى إليه منذ العام1800أي
بعد مائة وثلاثة وأربعين عاماً في عهد الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو
روزفلت(1945-1933 عن الحزب الديمقراطي)،إذ سمحت القوات البريطانية للقوات
الجوية الأمريكية باحتلال مطار الملاحة المستخدم سابقاً من قبل الطليان
واستخدامه كقاعدة عسكرية لقواتهم الجوية ،وقد عُرف المطار بقاعدة “هويلِس”
الجوية الأمريكية الواقعة على بضعة أميال شرق طرابلس .
لقد سعت أمريكا منذ هذا الاحتلال للاحتفاظ
بهذه القاعدة إدراكاً منها بأهميتها الإستراتيجية النفيسة ،وبترسيخ وجودها
بالتفاهم مع الدولة التي تحكم طرابلس أو ستحكمها مستقبلاً ،وتظهر دلالة
ذلك في أروقة منظمة الأمم المتحدة أثناء مناقشة القضية الليبية وكذلك في
علاقات العضو الأمريكي مع العضوين الفرنسي والبريطاني في لجنة التحقيق
الرباعية الدولية(المؤلفة من وزراء خارجية الدول الأربع :بريطانيا وفرنسا
والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي) واستئثارهم بالقرار عن
العضو السوفييتي فيما يخص القضية الليبية ، حيث مصالح الدول الأربع الكبرى
على مباحثات هذه اللجنة ، وظهرت آراء عديدة إما أن توضع تحت الوصاية
الدولية أو بعودتها كلها أو جزء منها لإيطاليا طوال الفترة ما بين 1948:
1945م، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تميل لمنح إيطاليا الوصاية على كل
ليبيا أو جزء منها .
بإحالة القضية الليبية للجمعية العامة
للأمم المتحدة، مصحوبة بتعالي الأصوات حول رجوع إيطاليا لحكم مدينة طرابلس
كانت الدعاية الأمريكية على أشدها لظهور مشروع قرارٍ أعده وزيرا خارجية
الدولتين وهما البريطاني (أرنست بيفن والإيطالي كارلو سيفورزا) للجمعية
العامة وقد عُرف بمشروع بيفن سيفورزا لحل القضية الليبية على ما يلي :-
1ــــ أن ترضى إيطاليا بالوصاية على طرابلس.
2ــــ تستمر فرنسا في إدارة فزان .
3ــــ توضع برقة تحت الوصاية البريطانية .
4ــــ تعطى ليبيا الاستقلال بعد عشر سنوات .
إلا أن تكاتف الأسرة الآسيوية والعربية
والإفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أسقطت هذا المشروع
الاستعماري الجديد في 18 الماء/ مايو 1949، برفض 37عضوا مقابل موافقة
14عضوا وامتناع 8 عن التصويت.
وبصدور قرار الاستقلال رقم 289 في 21
/الحرث / نوفمبر 1949م ، القاضي باستقلال ليبيا قبل أول /أي النار/ يناير
1952م، دخلت الحكومة الأمريكية في مباحثات حثيثة مع رموز المملكة الليبية
وحكومتها المؤقتة لتنظيم وجود قواتها في البلاد بمقابل مالي والملفت ان
التاريخ المحدد للإستقلال هو نفسه اليوم الذي وقعت فيه إتفاقية القواعد
الامريكية وفيما يلي عرض لأهم ما تضمنته الاتفاقيات الأمريكية الليبية
والآثار الناجمة عنها :-
أ:- الاتفاقية الأمريكية الليبية في 24الكانون/ ديسمبر1951م:-
أ سفرت مباحثات الولايات المتحدة
الأمريكية من خلال القائم بأعمالها في طرابلس” اندروج لنش” مع نظام العهد
المباد “الملك إدريس”لوضع نصوصٍ لاتفاقيةٍ شاملة ، أقرها الملك إدريس
السنوسي ،ثم أصدر أوامره إلى رئيس وزرائه محمود المُنتصر بالتوقيع عليها ،
فتم ذلك تحديداً يوم إعلان الاستقلال المزيّف في الرابع والعشرين من /
الكانون / ديسمبر 1951م، وهذه الاتفاقية مؤلفة من سبع وعشرين مادة وأربعة
كتب متبادلة، مُنِحت أمريكا بموجبها مايلي:-
1- حق البقاء في قاعدة هويلس الجوية لمدة عشرين عاماً.
2 – حق السيطرة الكاملة على الأجواء والمياه الليبية وحرية الوصول والحركة للقوات الأمريكية في جميع أجزاء ليبيا.
3 – سمحت لأمريكا ودول أخر أو أشخاص آخرين باستعمال القواعد العسكرية الأمريكية.
4 – إعفاء القوات الأمريكية من جميع الرسوم والضرائب وعدم سريان القانون الليبي على أفراد هذه القوات “وما يجري في القاعدة”
لقد كانت كل تلك الحقوق المُعطاة لأمريكا
مقابل مليون دولار تدفعها الحكومة الأمريكية كل سنة لليبيا ، تحت ستار”خير
الشعب الليبي ومساعدة الحكومة الليبية في إدراك اقتصاد مُستقرٍ للمواطنين”
كان من المفترض أن تُعرض الاتفاقية على
البرلمان الليبي(مجلسي النواب والشيوخ) بمجرد تكوينه لإبداء الرأي فيها
،لكن ذلك لم يحدث ،إلى أن أُثيرت من قبل أحد أعضاء مجلس النواب في الخامس
من يوليو/ ناصر 1952م بالتساؤل عن الوضع بشأن مطار الملاحة وتوسع السلطات
الأمريكية في الاستيلاء على بعض الأراضي الزراعية المجاورة لضمها للمطار،
وما إذا كان هذا الإجراء يتم بموجب اتفاقية أُبرمت ،فإذا كان الأمر كذلك ،
فهل تنوي الحكومة عرض هذه الاتفاقية على المجلس … لينظر فيها أم أنها
وضعتها موضع التنفيذ بدون أن تلتفت إلى (الاعتبارات الدستورية)
يُذكر أن محمود المُنتصر أجاب على التساؤل
في 21يوليو/ ناصر1952بالقول :”…استجابت الحكومة الليبية لهذا العرض(
الأمريكي لإجراء مفاوضات لتنظيم الوضع القانوني لقواتهم في ليبيا) لإقرار
وضع قائم في ظروفٍ يتطلبها الأمن العالمي،وهذا وضع يتفق مع مصلحة البلاد
ولا يتنافى مع سيادتها واستقلالها ….وقد وقعه وزير الخارجية يوم إعلان
الاستقلال، وذلك بالنيابة عن الحكومة الليبية، وسيعرض هذا الاتفاق على
مجلسكم في أقرب فرصة…لمناقشته وإقراره”.
من هنا نرى أن الاتفاقية قد وقعت رسمياً
وعَملت بموجبها أمريكا دون أن يُقرها المجلس الدستوري مجلس النواب، كما
حملت بقية إجابات محمود المنتصر الموافقة الكاملة على الاحتلال العسكري
الأمريكي لليبيا على أساس أنه أمرٌ واقع، بقوله:”إن وجود القوات العسكرية
الأجنبية في ليبيا والأمريكية منها بوجه خاص هو وضعٌ قائمٌ ضمن السياسة
الدولية الرامية إلى المحافظة على السلام في العالم ….وأن الحكومتين
الليبية والأمريكية لا تبتعدان عن روحه في علاقات بعضها ببعض، وصحيح أن
المطار يقع في ناحية زراعية مهمة كما أنه قريب من مدينة طرابلس الغرب …فقد
اتسعت رقعته(المطار) بأن استأجرت قيادة المطار الأراضي التي كانت في حاجة
إليها …فلا يبقى أمامنا إلا قبول الأمر الواقع فيما يخص المطار.
الحقيقة أنه كان بإمكان الحكومة الليبية
في تلك الفترة أن تطالب بإنهاء الآثار الاستعمارية أو تلجأ للأمم المتحدة
لطلب عونها لإخراج القوات الأجنبية من أراضيها لكنها لم تفعل ذلك، ورفضت
مشاركة المنادين بتطهير أرض ليبيا من القوات الأجنبية، أثناء اجتماعات
اللجنة السياسية لهيئة الأمم المتحدة في باريس يوم 22يناير/ أي النار
1952م، كما أن رد رئيس الوزراء الليبي السابق في البرلمان كان الدليل الحي
على دخول الاتفاقية موضع التنفيذ عندما وسّعت القيادة الأمريكية مطار
الملاحة في الأراضي الزراعية المجاورة، وفي الخامس من يناير/ أي النار 1953
تساءل أحد أعضاء مجلس النواب مجدداً عن الاتفاق المعقود مع أمريكا بشأن
القواعد الأمريكية في ليبيا، ولماذا لم يُقدم هذا الاتفاق للمجلس حتى
اليوم? ،حيث أجاب وزير الدفاع الليبي “علي الجربي” نيابة عن رئيس الوزراء
ووزير الخارجية :” بأنه سبقت الإجابة على هذا السؤال سابقاً، وأن الاتفاقية
ذات صبغة مؤقتة بموجب رسالتين تم تبادلهما بليبيا يوم الاستقلال ،وأن
الاتصالات مازالت جارية بين الحكومتين “).
من خلال العرض السابق للاتفاقية وبنودها
للطرفين والتوسعات التي جرت على القاعدة، نلاحظ أنها ليست عبارة عن رسالتين
متبادلتين، فالأمر أكبر من ذلك فهي اتفاقية كاملة لها نصوصها وبنودها
والتزاماتها وكانت المحادثات الثنائية حولها حثيثة قبل الاستقلال مثلما
أوضحنا سابقاً. وأن الحكومة الليبية أخفت عن مجلس النواب حقيقة هذه
المباحثات التي استمرت مجدداً في الفترة من أغسطس/ هانيبال 1953 حتى 28
فبراير/ النوار1954بعد مطالبات من الحكومة الليبية في شخص محمود المنتصر
لزيادة أجور استخدام القاعدة التي اعتبرتها أمريكا نهائية بموجب
الاتفاقية،ثم وافقت على ذلك بشرط بقاء جميع مواد الاتفاقية المبرمة في 24من
ديسمبر/ الكانون1951 دون أي تعديل.
ب:- المعاهدة الأمريكية الليبية في التاسع من سبتمبر/ الفاتح 1954م:-
بزيارة مصطفى بن حليم للولايات المتحدة
الأمريكية في شهر يونيو/ الصيف عام 1954م والتقائه بالرئيس الأمريكي دوايت
دايفيد آيزنهاور(1961-1953 عن الحزب الديمقراطي)، انتهت المعاهدة الأمريكية
الليبية بصورتها النهائية بثلاثين مادة وثلاثة ملاحق، وقد تم التوقيع
عليها رسمياً في بنغازي في التاسع من سبتمبر عام 1954م من قبل” مصطفى بن
حليم” ممثلا للحكومة الليبية و”م .سمرس ” ممثلا للحكومة الأمريكية، وأبرز
ما تضمنته من جديد عما ورد في مواد الاتفاقية المبرمة بينهما في 24 من
الكانون /ديسمبر1951 ما يلي:-
1- للحكومة الأمريكية الحق في استعمال المناطق التي تشغلها الآن للأغراض العسكرية أو أية أغراض أخر يتفق عليها بين الحكومتين .
2 – أن تراقب الحكومة الأمريكية السفن
والطائرات والمراكب المائية التي تدخل للمناطق المتفق عليها ، وأن تنشئ في
هذه المناطق أو خارجها وسائل المواصلات السلكية.
3 – أن تتفق الحكومتان على استعمال منطقة
متفق عليها واشتراك طرف ثالث تكون بينه وبين الحكومتين معاهدة صداقة
وتحالف(هي بريطانيا)أي الملكية المشتركة للأراضي التي تستأجرها الولايات
المتحدة الأمريكية.
4 – الوصول الحر للطائرات والقوات والمركبات المائية الأمريكية ،ومنحها حق الحركة الحرة في القطر الليبي .
5 – إعفاء القوات الأمريكية من جميع أنواع
الضرائب على المواد والمعدات والمؤن والبضائع وإعفائهم من كل الرسوم
الجمركية لبضائعهم ولوازمهم الموردة.
6 – تحصلت أمريكا على حق إقامة مطارٍ في
الوطية(التي تبعد 60كم جنوب زواره)،وسارية إذاعية في مصراتة،ورادارات في
منطقة طرابلس ودرنه وطبرق بالإضافة لمحطة تلفزيون في قاعدة هويلس.
هكذا أُبرمت هذه المعاهدة لقاء مساعدة
مالية أمريكية تقدر بنحو أربعين مليون دولار تقسم على عشرين سنة, ذلك بدفع
أربعة ملايين دولار سنوياً لمدة ست سنوات من عام 1955 حتى 1960، ثم مليون
دولار سنوي بدءاً من عام 1960إلى أن تنتهي سنوات المعاهدة ،ومساعدات إضافية
وتقديم كمية من القمح مقدارها 24ألف طن خلال الفترة مابين 1955/1954م.
وعند طرح المعاهدة على البرلمان للتصديق
عليها ، تمت إحالتها من مجلس النواب إلى لجنة الشؤون الخارجية يوم 25
التمور أكتوبر/ 1954م ، التي رفضتها بأغلبية أعضائها الخمسة من أصل سبعة
أعضاء، كونها تتعارض مع الدستور وتجرح استقلال البلاد وسيادتها ،أما
العضوان اللذان وافقا عليها تحت مبرر فائدتها بالحصول على المساعدة المالية
وباستبعاد الفريق المعارض أجازها مجلس النواب بموافقة أغلبية 39 صوتا
مقابل12صوتا.
وفي31 التمور / أكتوبر عام 1954 كانت الاتفاقية مجازة من قبل البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ.
في الخطاب الذي ألقاه إدريس في 9 نوفمبر
1954وصف الاتفاقية بـــ:”أنها انتصارٌ عظيمٌ لليبيين”( 31 )أما بن حليم فقد
وصفها بالنجاح في قوله:”يسر حكومتي أن تنوه بالنجاح الذي تكللت به جهودنا
بخصوص تعديل الاتفاقية… حتى أصبحت أكثر صلاحية لخدمة البلاد “(32 ،وفي
الواقع هي انتصار عظيم للولايات المتحدة الأمريكية التي ظفرت بحق الاحتفاظ
بأكبر قاعدة عسكرية أمريكية ذات الملاحة الجوية البحرية خارج الولايات
المتحدة الأمريكية وهي مركز التدريب الرئيس لأسلحة الجو العسكرية لدول حلف
الأطلنطي “الناتو”ومليئة بأسراب الطائرات التابعة لأعضاء ذلك الحلف ومنها
مايلي:-
1- القاذفات المقاتلة مثل: الفانتوم والتندر شيف ف 105 الأمريكيتان، والهوكرهانتر الإنجليزية ،والفبات7ج 91 الإيطالية.
2-القاذفات الأرضية: السكاي هوك والكورسير الأمريكيتان.
3- المقاتلات الاعتراضية: الستار فيتر ف 104 الأمريكية ،واللايتنج الإنجليزية.
هذا بالإضافة إلى طائرات النقل والاستطلاع
،واحتمال وجود القاذفات الإستراتيجية الحاملة للقنابل الذرية من طراز ب 52
ستراتوفورتريس وب 58 هاستلر الأمريكيتان و ب2 فولكان الإنجليزية،كلها في
قاعدة هويلس وقواعدها الثانوية في برقة 33))
جـ:- التحالف الليبي الأمريكي في حلف إيزنهاور مارس 1957م
نجحت أمريكا في جر ليبيا إلى جانبها فيما
يُعرف بــ:”مبدأ إيزنهاور” وذلك في البيان المنشور أثناء زيارة المساعد
الخاص للرئيس الأمريكي ومستشاره جيمس .ب.ريتشارد من 17 حتى 20 مارس/
الربيع1957، الذي عبر عن موافقة ليبيا للانضمام لهذا المبدأ بأنه:” دفاع ضد
أي اعتداء مسلحٍ قد تواجهه قوى الشيوعية الدولية ضد أي بلد من بلدان الشرق
الأوسط” 34 ) وهو في الحقيقة فصلٌ لليبيا عن مصر وسوريا في نضالهما الشرعي
ضد الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ،والتنافس مع الإنجليز على أكبر قدر
ممكن من امتيازات الأراضي والسيادة الليبية وهذا العمل قد أثار بالفعل
الأوساط الشعبية في ليبيا والبلاد العربية.
بعد مبدأ إيزنهاور قامت أمريكا مجدداً
بتكبيل ليبيا باتفاقية عسكرية في الثلاثين من الصيف / يونيو عام 1957 وقعها
“وهبي البوري” وزير الخارجية الليبية و”جون تاين”السفير الأمريكي في ليبيا
وقد تضمنت ما يلي :-
1- تحديد نظام توريد الأسلحة والمعدات والذخائر الحربية بتنظيم بعثة عسكرية ملحقة بالسفارة الأمريكية.
2 – تحريم استعمال المعدات والذخائر
الحربية الأمريكية في غير الأغراض التي أعدت الاتفاقية من أجلها ( وهذا
معناه الحيلولة دون اشتراك الجيش الليبي مع جيوش الدول العربية الأخر في
العمليات الحربية ضد إسرائيل ) .
3- اتخاذ التدابير المشتركة لمراقبة تجارة
الدول التي تهدد حفظ السلام لمصلحة وأمن الولايات المتحدة الأمريكية
وليبيا (فهذا دليل إضافي على أن الولايات المتحدة الأمريكية قد استأثرت
بصلاحيات الأمم المتحدة في هذا الموضوع).
ناهيك عن المساعدات الاقتصادية التي
قدرتها ليبيا بــــ “100مليون دولار” خلال الخمس سنوات من عام 1955حتى
العام 1959لكنها كانت تصرف تحت الإشراف الأمريكي(لجنة الإنشاءات الليبية
الأمريكية والمنظمات الخاضعة للإشراف الأمريكي ) لخدمة المصالح الأمريكية
المتغلغلة في الاقتصاد الليبي بالدرجة الأولى، وتحصيل امتيازات التنقيب عن
النفط بشروطٍ مجزية،وكان هذا التغلغل ببث الأخصائيين والمستشارين الأمريكان
والمصالح الحكومية الأمريكية.
- قاعدة هويلس والظروف المحيطة بها والآثار المترتبة عنها 1969/1960م
خلال فترة الستينيات ونتيجة لقوة المعارضة
لهذه القاعدة التي ابتدأت من خطاب الزعيم جمال عبد الناصر في 22النوار/
فبراير 1964 بمناسبة الاحتفال بعيد الوحدة ،دعا إلى تصفية القواعد
البريطانية والأمريكية التي أبرز دورها في عدوان 1956 على مصر ،وقد كان
لهذا الخطاب دورٌ فعال في المطالبة الشعبية بتصفية هذه القواعد ،وخصوصاً
عندما قام لفيفٌ من أعضاء مجلس النواب يترأسهم علي مصطفى المصراتي بتقديم
مشروعي قانونين إلى المجلس يوم 9الربيع/ مارس 1964بــــ”إلغاء المعاهدات
الليبية الأجنبية وتصفية القواعد العسكرية ” ثم وافقت عليهما لجنتا الدفاع
والخارجية اللتان أكدتا في مذكرتهما الخاصة بالمعاهدة الأمريكية الليبية
بـــ”أن السبب الذي عقدت من أجله …هو العجز المالي في خزينة ليبيا إذ تدفع
أمريكا مبلغ أربعة ملايين دولار سنوياً مع أن ليبيا أصبحت ذات إمكانات
مالية تستطيع تغطية كل عجز،بل لديها من موارد البترول ما تستغني به عن
الإعانات الضئيلة التي تنقص حرية الوطن وسيادته “37)) ، وقد كشفت تقديرات
الميزانية الليبية نفسها من خلال عوائد النفط عليها ونسبة الداخل منه في
الخزينة الليبية كما يلي:
السنوات العائد الكلي للنفط نسبة الداخل منه للخزينة الليبية
1954/1945 85 مليون جنيه إسترليني غير متوفر
1965/1956 100 مليون جنيه إسترليني غير متوفر
1968/1967 226 مليون جنيه إسترليني 75%
1969/1968 345 مليون جنيه إسترليني 80%
بدلاً من إصغاء الحكومة ورموز المملكة
لهذه المطالبات، رأت الحكومة العكس وهو أن أجر استخدامها لا يتناسب مع
أهمية ما تقدمه القاعدة للقوات والمصالح الأمريكية وخصوصاً في الحرب
الباردة وبدلا من المطالبة بالجلاء هنا ارتفعت الأصوات منادية بزيادة أجر
القاعدة بدءاً من عام 1960م من أربعة ملايين دولار في العام إلى أربعين
مليونا، بالإضافة لمطالبتهم بتحويل الأموال المقدمة في إطار المعونة
الاقتصادية مباشرة إلى الميزانية وبتصفية المؤسسات الاقتصادية الأمريكية
القائمة في البلاد بهذا بالخصوص،وكانت النتيجة بأن تدفع أمريكا فقط مبلغ
10ملايين دولار سنوياً لمدة خمسة أعوام (من 1960 حتى 1965) يضاف للمبلغ
المحدد سابقاً في الاتفاقية.
الضرر الليبي والعربي من القواعد:
وفيما يتعلق بالتضرر الليبي والعربي من
هذه القاعدة تحديدا، ففي فترة الستينيات شهدت القاعدة الأمريكية نشاطاً
مكثفاً تم فيه إعداد طواقم الطيران للقوات العسكرية الجوية لبعض دول حلف
شمال الأطلسي فوق القاعدة التي غُيّر اسمها إلى ويلس- فيلدا منذ العام
1964م وعليه كانت على مدار السنة مليئة بأسراب الطائرات التابعة لدول الحلف
الأمر الذي زاد من امتعاض السكان الرافضين لهذه القاعدة وغيرها والذين
حُرِمت عليهم الاقتراب منها والحكومة ذاتها لا تعلم ماذا يحدث فيها وليس
للقضاء ولا القانون الليبي سلطة عليها حتى بعد تضرر السكان منها نتيجة سقوط
بعض الطائرات على المواطنين أثناء التدريبات ،ولعل الفتاة البريئة معيتيقة
خير دليل على ما ذكر في عدم الاقتصاص من الجُناة ناهيك عن عدة حوادث
اعتدائية وغير أخلاقية،حدثت في تلك الفترة.
أما التضرر العربي فتكمن فحواه فيما قدمته
هذه القاعدة من تدريبٍ للضباط والجنود العسكريين، ومناورات عسكرية
إسرائيلية، ودعم عسكري واضح في نقل السلاح من القاعدة لـ “إسرائيل” خلال
حرب1967م ، فقد ندد الزعيم جمال عبد الناصر مجددا في أكثر من مجال في
التنبيه لخطورة هذه القاعدة على الأمن العربي رغم المشاركة الليبية الهزيلة
في مؤتمر القمة العربي في الخرطوم والذي عُرفت مقرراته بلاءات الخرطوم
الثلاث لا صلح لا اعتراف لاتفاوض40))، ،كما أوردت صحيفة الأهرام في أعدادها
المنشورة عام1967عن تدريب أعداد كبيرة من الإسرائيليين في قاعدة هويلس
والتقائهم بقادة طائرات المخابرات الأمريكية السي أي إيCIA( 41).
وقد استمر الاحتلال الأمريكي غير المباشر
لليبيا حتى قيام الثورة في الأول من الفاتح/ سبتمبر1969م والتي طالبتهم
بالجلاء الكامل والفوري عن ليبيا تنفيذاً لأحد أهدافها الأساسية ألا وهو
الحرية ،وقد تقرر الإجلاء في الحادي عشر من شهر الصيف/ يونيو 1970م، وبهذا
تحقق الجلاء الأمريكي الكامل عن أرض ليبيا كما كان الإجلاء فاتحة لعلاقات
ندية ليبية أمريكية جديدة ومختلفة عما سبق.
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: محطات في تاريخ البحث عن استقلال ليبيا
مشكور ع التغطية الرائعة ..
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
لحظة الوداع من أصعب اللحظات على البشر .. ولكن ما باليد حيله
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
زهرة اللوتس- إداري
-
عدد المشاركات : 124527
العمر : 42
رقم العضوية : 2346
قوة التقييم : 158
تاريخ التسجيل : 30/06/2010
مواضيع مماثلة
» اليوم الذكرى 65 لإعلان استقلال ليبيا
» استقلال ليبيا
» يوم استقلال ليبيا 24-12-1951
» ليبيا، تاريخ ليبيا، كل المعلومات علي ليبيا، دولة ليبيا، الجم
» ذكرى استقلال ليبيا: 24 ديسمبر 1951م
» استقلال ليبيا
» يوم استقلال ليبيا 24-12-1951
» ليبيا، تاريخ ليبيا، كل المعلومات علي ليبيا، دولة ليبيا، الجم
» ذكرى استقلال ليبيا: 24 ديسمبر 1951م
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR