إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
ليبيا: التحديات الاقتصادية بعد الثورة
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ليبيا: التحديات الاقتصادية بعد الثورة
الإثنين, 03 أكتوبر 2011
الحسن عاشي *
يُشكِّل سقوط نظام القذافي في ليبيا، فرصة تاريخية لبناء الاقتصاد الليبي على دعائم صلبة تتسق والإمكانات الطبيعية ورأس المال البشري للبلد، وتحقّق شروط الحياة الكريمة لساكنيه. فمنذ عام 1969، عانت ليبيا من المركزيّة المفرطة للسلطة ومن التلكؤ في إدارة عائداتها النفطية الوفيرة. كما عانت من الغياب التام لمؤسسات الدولة الحديثة، وعدم الانسجام العميق للسياسات الاقتصاديّة، ما أدّى إلى تهالك البنية التحتية، وتردّي الخدمات الاجتماعية، وندرة فرص المبادرة الفردية، في ظلّ بيئة استثمارية منفرة لا تخضع لأي ضوابط قانونية شفافة. ولطالما شعر الليبيّون بالإحباط نتيجة تدنّي المستويات المعيشية لفئات عريضة من المجتمع، لا سيما خلال العقد الأخير. فغالبيّة المواطنين لم تشعر بأي تحسُّن بعد رفع العقوبات الدوليّة المفروضة على بلدها عام 2004، كما لم تنعم بالتدفّقات المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، اذ اقتصرت دائرة المستفيدين على أبناء القذافي وبني عشيرته الذين نالوا حصّة الأسد من الاستثمارات والمشاريع المستحدثة.
وفي حقبة ما بعد الثورة، يأمل سكّان ليبيا الذين لا يتجاوز عددهم الستّة ملايين ونصف المليون، في بزوغ غدٍ أفضل. إلا أن هذه التطلعات المشروعة تتربّص بها مجموعة من التحديات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. فعلى خلاف تونس أو مصر، ليس المطلوب فقط إصلاح الهياكل السياسيّة والاقتصادية ومؤسسات الدولة في ليبيا أو تعزيزها وحسب، بل يجب بناؤها من العدم أيضاً. وفي ظل مثل هذه التحديات، يبدو مستقبل ليبيا الاقتصادي رهنَاً بقدرةِ زعمائها الجدد على مجابهة متطلبات حاسمة في الميادين الآتية:
أوّلاً، على الحكومة الانتقالية، في المدى القصير، أن تتحمّل أعباء التكلفة البشريّة والاقتصاديّة المترتّبة على حربٍ دامت أكثر من ستّة أشهر، من خلال تأمين الخدمات الأمنيّة والاجتماعية الحيويّة الضرورية لإعادة الاستقرار إلى البلد. ومن شأن هذه الخطوات أن تعيد الثقة إلى الليبيين، وأن تمنح الصدقية الضرورية للحكومة الجديدة. ولا شكّ في أنّ استرداد أرصدة ليبيا المجمّدة في المصارف العالمية، والتي تفوق قيمتها 170 بليون دولار، وإدارتها بشفافية وفق أولويات المرحلة، لتحسين الأداء الاقتصادي وضمان عودة الثقة والأمان.
ثانياً، يجب إدارة عائدات النفط الليبيّة إدارةً حكيمةً تقوم على الوضوح والشفافية والمصلحة الوطنية، من أجل تفادي أية نزاعات مستقبليّة حول موارد الدولة. فقطاع الطاقة يُشكِّل نسبة 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي، وأكثر من 90 في المئة من إيرادات الحكومة، و95 في المئة من الصادرات. ويقتضي هذا التحدي عدم التورّط في أية صفقات مشبوهة مع أي طرف مهما كانت مساهمته في تحرير ليبيا من قبضة القذافي.
ثالثاً، تحتاج ليبيا إلى تجاوز «النموذج» الاقتصادي الذي ساد خلال الفترة الماضية، والذي اقترن بالتعويل المفرط على عائدات النفط، وترسيخ شبكة الوصاية، وتوزيع الريع على المقرّبين من النظام. وتقتضي هذه الخطوة صوغ عقد اجتماعي جديد يتوافق عليه مختلف الأطراف والفاعليات، ينتقل بالبلد إلى اقتصاد منتج يحكمه القانون والمؤسسات.
رابعاً، تحتاج ليبيا خلال المرحلة المقبلة إلى وضع استراتيجيّة تنموية شاملة، من أجل تشجيع مبادرات القطاع الخاص للولوج إلى مختلف القطاعات الاقتصادية على أساس احترام مبادئ القانون والالتزام بقواعد االمنافسة. وإضافة إلى استقرار الاقتصاد الكلّي، يتطلب إنجاح هذه الاستراتيجية التنموية إدارةً اقتصاديةً فاعلةً تدعم المستثمرين، وقطاعاً مصرفياً ديناميكياً يضمن الوصول إلى التمويل، وإطاراً قانونياً وتنظيمياً واضحاً يحمي حقوق الملكيّة، ويقي من الممارسات الضارة بالمنافسة، ونظاماً قضائياً غير منحاز يسهر على تنفيذ مقتضيات العقود، وآليّات مناسبةً لتعزيز الثقة الاجتماعية في مجتمع افتقر إلى مثل هذه الثقة مدّة أربعة عقود ونيّف.
خامساً، على ليبيا أن تُواجِه التحديات المرتبطة بتأهيل طاقاتها البشرية ورفع قدرتها على تزويد أسواق العمل باليد العاملة ذات المهارات التي تلبي حاجات المشاريع الاقتصادية في مجالات الصناعة والخدمات، ومواكبة متطلبات التنويع الاقتصادي. فعلى رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى تحسّن ملموس في مستويات الالتحاق بالتعليم، إلا أن ظاهرة البطالة المرتفعة في أوساط المتعلّمين تكشف عن ضعف جودة التعليم الذي يحتاج بدوره إلى ثورة حقيقية قد تستغرق سنوات.
سادساً، على الحكومة الجديدة أن تسعى إلى تعبئة فرص التعاون، لا سيما مع مصر ودول المغرب العربي. فالاقتصاد في البلدين الجارَين، مصر وتونس، تأثر سلباً بالحرب الليبية، ومن المُتوقَّع أن يستفيد من إعادة إعمار ليبيا في المجالات التجارية والاستثمارية ومجال انتقال اليد العاملة.
وخـتامـاً، أمـام لـيـبيا فـرصـة ذهـبيّـة لـبنـاء مـسـتقبل اقـتـصـادي مشرق يمكِّن مختلف الفئات والفاعليات داخل هذا البلد من أن تفيد من ثرواته، وأن تشارك في صوغ سياساته الاقتصادية والاجتماعية. ولا شكّ في أن ليبيا تملك ما يكفي من الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق هذا المسعى، إلا أن بلوغه لن يكون سهلاً، فهو على العكس من ذلك يفتح المجال أمام تحديات عدّة لا يستهان بها.
* باحث اقتصادي أوّل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط - بيروت
الحسن عاشي *
يُشكِّل سقوط نظام القذافي في ليبيا، فرصة تاريخية لبناء الاقتصاد الليبي على دعائم صلبة تتسق والإمكانات الطبيعية ورأس المال البشري للبلد، وتحقّق شروط الحياة الكريمة لساكنيه. فمنذ عام 1969، عانت ليبيا من المركزيّة المفرطة للسلطة ومن التلكؤ في إدارة عائداتها النفطية الوفيرة. كما عانت من الغياب التام لمؤسسات الدولة الحديثة، وعدم الانسجام العميق للسياسات الاقتصاديّة، ما أدّى إلى تهالك البنية التحتية، وتردّي الخدمات الاجتماعية، وندرة فرص المبادرة الفردية، في ظلّ بيئة استثمارية منفرة لا تخضع لأي ضوابط قانونية شفافة. ولطالما شعر الليبيّون بالإحباط نتيجة تدنّي المستويات المعيشية لفئات عريضة من المجتمع، لا سيما خلال العقد الأخير. فغالبيّة المواطنين لم تشعر بأي تحسُّن بعد رفع العقوبات الدوليّة المفروضة على بلدها عام 2004، كما لم تنعم بالتدفّقات المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة، اذ اقتصرت دائرة المستفيدين على أبناء القذافي وبني عشيرته الذين نالوا حصّة الأسد من الاستثمارات والمشاريع المستحدثة.
وفي حقبة ما بعد الثورة، يأمل سكّان ليبيا الذين لا يتجاوز عددهم الستّة ملايين ونصف المليون، في بزوغ غدٍ أفضل. إلا أن هذه التطلعات المشروعة تتربّص بها مجموعة من التحديات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. فعلى خلاف تونس أو مصر، ليس المطلوب فقط إصلاح الهياكل السياسيّة والاقتصادية ومؤسسات الدولة في ليبيا أو تعزيزها وحسب، بل يجب بناؤها من العدم أيضاً. وفي ظل مثل هذه التحديات، يبدو مستقبل ليبيا الاقتصادي رهنَاً بقدرةِ زعمائها الجدد على مجابهة متطلبات حاسمة في الميادين الآتية:
أوّلاً، على الحكومة الانتقالية، في المدى القصير، أن تتحمّل أعباء التكلفة البشريّة والاقتصاديّة المترتّبة على حربٍ دامت أكثر من ستّة أشهر، من خلال تأمين الخدمات الأمنيّة والاجتماعية الحيويّة الضرورية لإعادة الاستقرار إلى البلد. ومن شأن هذه الخطوات أن تعيد الثقة إلى الليبيين، وأن تمنح الصدقية الضرورية للحكومة الجديدة. ولا شكّ في أنّ استرداد أرصدة ليبيا المجمّدة في المصارف العالمية، والتي تفوق قيمتها 170 بليون دولار، وإدارتها بشفافية وفق أولويات المرحلة، لتحسين الأداء الاقتصادي وضمان عودة الثقة والأمان.
ثانياً، يجب إدارة عائدات النفط الليبيّة إدارةً حكيمةً تقوم على الوضوح والشفافية والمصلحة الوطنية، من أجل تفادي أية نزاعات مستقبليّة حول موارد الدولة. فقطاع الطاقة يُشكِّل نسبة 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلّي، وأكثر من 90 في المئة من إيرادات الحكومة، و95 في المئة من الصادرات. ويقتضي هذا التحدي عدم التورّط في أية صفقات مشبوهة مع أي طرف مهما كانت مساهمته في تحرير ليبيا من قبضة القذافي.
ثالثاً، تحتاج ليبيا إلى تجاوز «النموذج» الاقتصادي الذي ساد خلال الفترة الماضية، والذي اقترن بالتعويل المفرط على عائدات النفط، وترسيخ شبكة الوصاية، وتوزيع الريع على المقرّبين من النظام. وتقتضي هذه الخطوة صوغ عقد اجتماعي جديد يتوافق عليه مختلف الأطراف والفاعليات، ينتقل بالبلد إلى اقتصاد منتج يحكمه القانون والمؤسسات.
رابعاً، تحتاج ليبيا خلال المرحلة المقبلة إلى وضع استراتيجيّة تنموية شاملة، من أجل تشجيع مبادرات القطاع الخاص للولوج إلى مختلف القطاعات الاقتصادية على أساس احترام مبادئ القانون والالتزام بقواعد االمنافسة. وإضافة إلى استقرار الاقتصاد الكلّي، يتطلب إنجاح هذه الاستراتيجية التنموية إدارةً اقتصاديةً فاعلةً تدعم المستثمرين، وقطاعاً مصرفياً ديناميكياً يضمن الوصول إلى التمويل، وإطاراً قانونياً وتنظيمياً واضحاً يحمي حقوق الملكيّة، ويقي من الممارسات الضارة بالمنافسة، ونظاماً قضائياً غير منحاز يسهر على تنفيذ مقتضيات العقود، وآليّات مناسبةً لتعزيز الثقة الاجتماعية في مجتمع افتقر إلى مثل هذه الثقة مدّة أربعة عقود ونيّف.
خامساً، على ليبيا أن تُواجِه التحديات المرتبطة بتأهيل طاقاتها البشرية ورفع قدرتها على تزويد أسواق العمل باليد العاملة ذات المهارات التي تلبي حاجات المشاريع الاقتصادية في مجالات الصناعة والخدمات، ومواكبة متطلبات التنويع الاقتصادي. فعلى رغم أن الأرقام الرسمية تشير إلى تحسّن ملموس في مستويات الالتحاق بالتعليم، إلا أن ظاهرة البطالة المرتفعة في أوساط المتعلّمين تكشف عن ضعف جودة التعليم الذي يحتاج بدوره إلى ثورة حقيقية قد تستغرق سنوات.
سادساً، على الحكومة الجديدة أن تسعى إلى تعبئة فرص التعاون، لا سيما مع مصر ودول المغرب العربي. فالاقتصاد في البلدين الجارَين، مصر وتونس، تأثر سلباً بالحرب الليبية، ومن المُتوقَّع أن يستفيد من إعادة إعمار ليبيا في المجالات التجارية والاستثمارية ومجال انتقال اليد العاملة.
وخـتامـاً، أمـام لـيـبيا فـرصـة ذهـبيّـة لـبنـاء مـسـتقبل اقـتـصـادي مشرق يمكِّن مختلف الفئات والفاعليات داخل هذا البلد من أن تفيد من ثرواته، وأن تشارك في صوغ سياساته الاقتصادية والاجتماعية. ولا شكّ في أن ليبيا تملك ما يكفي من الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق هذا المسعى، إلا أن بلوغه لن يكون سهلاً، فهو على العكس من ذلك يفتح المجال أمام تحديات عدّة لا يستهان بها.
* باحث اقتصادي أوّل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط - بيروت
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: ليبيا: التحديات الاقتصادية بعد الثورة
مشكــــــــــور اخي على التغطيــــــــــــة
بنت طبرق الحرة- فريق اول
-
عدد المشاركات : 4244
العمر : 42
رقم العضوية : 5936
قوة التقييم : 21
تاريخ التسجيل : 10/08/2011
رد: ليبيا: التحديات الاقتصادية بعد الثورة
لكى الشكرعلى المرور
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
amol- مستشار
-
عدد المشاركات : 36762
العمر : 43
رقم العضوية : 2742
قوة التقييم : 9
تاريخ التسجيل : 14/08/2010
رد: ليبيا: التحديات الاقتصادية بعد الثورة
كل الشكرغلى المرور
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
مواضيع مماثلة
» التحديات التي تواجه الثورة الليبية
» قطر ذللت التحديات أمام الناتو في ليبيا
» ليبيا تستشرف عاماً جديداً وسط العديد من التحديات
» المفكر العربي الدكتور.عزمي بشاره "ما هي التحديات امام ليبيا
» ترحيب سوري بتفعيل الحركة الاقتصادية مع ليبيا
» قطر ذللت التحديات أمام الناتو في ليبيا
» ليبيا تستشرف عاماً جديداً وسط العديد من التحديات
» المفكر العربي الدكتور.عزمي بشاره "ما هي التحديات امام ليبيا
» ترحيب سوري بتفعيل الحركة الاقتصادية مع ليبيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR