مسرحية يوليوس قيصر الثورة الليبية ؟!!

من طرف محمد اللافي 2011-11-30, 2:04 am

هل إغتيال عبدالفتاح يونس هو مسرحية يوليوس قيصر الثورة الليبية ؟!!
يحكى أن " القيصر " إمبراطور روما كان نائما ً ثم إستيقظ فجأة ليلا ً على صوت جلبه وهرج ومرج في ردهات قصره وإذا مجموعة من الإنقلابيين قد إقتحموا القصر بأسلحتهم وسيوفهم يريدون قتله . فحمل سيفه وقاومهم بكل شجاعة .وإذا به وهو في غمرة قتالهم بكل جلاد وإقتدار يحس بخنجر غادر يغرسه أحدهم في ظهره من الخلف !! . لقد تعرض إلى طعنة شديدة وعميقة وقاتله في ظهره .. وقد ظن للوهلة الأولى أن من فعلها هو أحد هؤلاء الإنقلابيين تحيّن الفرصه وطعنه في ظهره ولكنه حينما إلتفت ليرى قاتله كانت مرارة الصدمه آنذاك أشد من حرارة الطعنه (!!) فلقد تفاجأ بأن صاحب تلك الطعنة الغادرة القاتله لم يكن سوى صديقه العزيز ونصيره " بروتس " فنظر إليه " القيصر " نظرة مؤلمه أسيفه مستغربه إلى حد الذهول قائلا ً كلمته الشهيره التي أصبحت مضربا ً للأمثال في خيانة الصديق وإنقلاب الشقيق قال بمزيج من المرارة والدهشه والأسف : (( حتى أنت يا بروتس ...
بعد مرور 7 أشهر على فاجعة الاغتيال الظالم , شهد الاسبوع الماضي سلسة من الاعتصامات المطالبة باظهار نتائح التحقيق في قضية الشهيد , بدأت من القبة و طبرق و بنغازي و أنظم اليها اصوات من منظمات المجتمع المدني , تأكيدا على انها قضية وطنية بحثة , و توالى ذلك ظهور تسجيل محادثات اللواء السرية التي أجريت في روما و سجلت من قبل المخابرات الإيطالية , امتثالا لرغبة اللواء و اشتهادا منه , حتى لا تتعالى أي من الأصوات في المجلس لبث الشيهات أو التشكيك فيه رغم انه جاءه بتكليف رسمي و اتفاق مع رئيسه ,ليتم لاحقا تسليمه إليهم و لعل لايزال رامي العبيدي شاهدا على ذلك. و كان من الغريب في الأمر أنه هذا التسجيل لم يتم الإفراج عنه لاحقا من قبل المجلس حتى بعد مرور شهور على مقتل اللواء , رغم المحاولات و النداءات الكثيرة من الشارع و من عائلة الفقيد لإسكات ما ينتشر من إشاعات مغرضة و مجحفة بحق الشهيد و رفيقيه . و الذي ربما لوطنية هذا الرجل و إخلاصه لوطنه سخّر الله من الأسباب التي أدت إلى الحصول على التسجيل من المصدر نفسه و ليس عن طريق المجلس . توالى ذلك ماورد من مذكرة نشرت في الصفحات الاكترونية , ثبتت لاحقا في برنامج لمة خوت لعلي العيساوي تشرح بالتفاصيل كل الاتهامات و السيناريوهات للمؤامرة التي حبكت للواء المغدور به . و التي أشارت على مايبدو لتحامل المستشار الغير مبرر ضد اللواء و تشكك في وطنيته , قائلا تارة انه (( يشم رائحة الخيانة )) , و أنه ((يعلم غير ذلك )) قاصدا كم اكبرمن الشكوك نحو ولاء اللواء للثورة , إيضا أوردت صدور أمر شخصي من قبل المستشار بإبعاد اللواء عن الجبهة , من دون علم اللواء و عن طريق وزارة الدفاع , بقرار شفهي وليد اللحظة , دون قرار جماعي من قبل المجلس او تكليف رسمي , بل ايضا و ذكر العيساوي في مذكرته أنه المستشار مصطفى عبدالجليل إقترح القاضي جمعة الجازوي , و الذي معروف بحقده و عداوته الغير مبررة ضد اللواء . و أن سيادة المستشار كان مطلعا بكل مجريات سير التحقيق و الاعتقال .
لم تمر 24 ساعة , حتى و انحلت عقدت المجلس , الذي لطالما وعدنا باظهار النتائح تارة بعد التحرير و تارة بعد تشكيل الحكومة , و تارة بإعلانه بانه يعلم الجناة و قد قبض عليهم في حين انه لا يزال متحفظا على الاسماء حتى تتسنى الظروف . ها نحن و بعد طول انتظار نجد سيادة المستشار قد أعلن لنا عن 17 مشتبه بهم غير مقبوض عليهم متضمنا في القائمة اسماء من العيار الثقيل , كعلي العيساوي و المقيم خارج البلاد حاليا و القاضي جمعة الجازوي , الذي بعثه و كرمه المجلس برحلة حج للأراضي المشرفة , و لم يرجع حتى الآن . و كأنه يريد التلميح انهم سيتم محاكمتهم غيايبا ,مثلما حدث مع زين العابدين بن علي , و ما على شاكلته .
هنا أطرح التساؤلات لماذا هذا الوقت بالذات , و لماذا المشتبه بهم في هذه القضية خارج أرض الوطن ؟
هل المقصود , هو اقصائهم عن المشهد حتى لا يقوم بجر شخصيات أخرى من العيار الثقيل , و ربما تتضمن حتى اطراف دولية ؟
و لماذا لم تنقل قناة الجزيرة أو حتى الجزيرة مباشر هذا المؤتمر الصحفي الهام ؟ ولماذا تعمدت هذه القناة تهميش هذه القضية , فسيادة اللواء لم يكن معارض بحريني مات في الاسر , لتقوم الجزيرة كالعادة بغض البصر عنه و باعتباره أنه نكرة , و لا تريد إحراج جنوده قطر في درع الجزيرة و الذين يساهمون في قمع الثورة البحرينية . فالجزيرة تقريبا غطت كل شيء في هذه الثورة و حتى الأخبار الطريفة كعكعكة التحرير , و قوافل الإغاثة إلى سرت , هل هذه االقضية اقل أهمية , أو كالعادة أراد نعيم العشيبي , أن يغض بصره عن منكر ؟
أصر لاحقا سيادة المستشار ان يظهر على كل القنوات المحلية ليبيا اولا و ليبيا تي في . و هي سابقة تاريخية , خاصة و بعد غيابه كثيرا عن المشهد , فلم يتكرر هذا المشهد سابقا إلا عند تحرير طرابلس , ربما يريد المستشار إيصال رسالة , إنني ظهرت على كل القنوات الممكنة و انتهى الأمر إلى غير رجعة , فلتقبضوا على المشتبه بهم أو تحكموا عليهم غيابيا , و عموما القضاء العسكري سيتكفل بالأمر , و الذي من المعروف عليه بأنه كالثقب الأسود , لطالما أحاطت به السرية و التعتيم. و على العموم و فقد شكر الله سغي . ..لكن لاحقا وجدنا أنه حامت الريبة ذل القرار الأخير فقد شكك الكثير من القانونيين في شرعية هذا القرار أيضا .
أنا عن نفسي اتوقع الفترة القادمة , مباريات طويلة الأجل من قذف كرات اللهب من و إلى ملعب عدد كبير من المسؤوليين في المجلس . فالذي تبين لنا حتميا و هو معروف مسبقا انه اللواء كان بريئا , و مخلصا لشباب الثورة , و أنه فقط كان ضحية مؤامرة أدت بها إلى هذه الجريمة البشعة . و انا لا أعتقد انه من مصلحة العيساوي هذا الأمر , ربما استخدم كبيدق لتنفيذ أجندات أخرى من مسؤوليين أكبر حجما و ربما لصالح دول تدعي أنها شقيقة . كل مافي الأمر أنه هذه المسرحية التراجيدية فعلا تزداد الما و مقتا . و مما تبين لي أنه خصوصا بطريقة تعاطي المجلس مع هذه القضية , أنه قد فقد عذريته , و شوه تلك الصورة الوردية التي لطالما كان الليبيون متشبتين بها , مما يشكل أنحراف خطير في مستقبل تعاطي الشارع معه .
و من جهة أخرة أحاول جاهدا أن اكون متفائلا , لعل المجلس يريد ان يتخذ خطوات جدية , لتأطير العدالة و مبدا سيادة القانون في هذه القضية . فعلى كل حال ’ رغم انه جاء المجلس متاخرا جدا في الاعلان عن نتائج التحقيق , ربما ان تصل متأخرا خير من لا تصل أبدا . و , نحن نتمنى أن يكون فعلا في نية المجلس هو السعي في تطبيق مسار العدالة على الجميع دون أي حصانة او استثناءات , و جاءت تصريحات , فيما يبدو محاولة لمحو وإغلاق ذلك الملف الشائك برمي وزره الثقيل على عاتق القضاء العسكري .
و هنا أختم , بما خالج مخيلتي بشيء من ال (Déjà vu ) خلال ذلك المؤتمر الصحفي , و هو مشهد اغتيال يوليوس قيصر في مسرحية شكسبير و الذي رغم كل ما أنجز لشعبه وبلده،لكن الطمع والجشع، وحب السلطة والثروة قاد المقربين منه للتخطيط لاغتياله. فحتى لا يتهم شخص واحدبقتله أُتفق على أن لكل واحد من قاتليه طعنة يجب أن يطعنه أياها فيتفرق دمه. كان أخر من طعنه أحب أصدقائه إليه ومحل ثقته، والشخص الأقرب إلى قلبه "بروتس" حتى قيل أنه كان ابناً له لكثرة ما أغدق عليه، ومنحه من الأوسمة والمناصب. نظر حينها "يوليوس قيصر" في عيني صديقه وقال له: " حتى أنت يا بروتس"؟ فأجابه "إني أحبك لكني أحب روما أكثر"، فكان جواب قيصر له: "اذا فليمت قيصر".بحجة حب الوطن، وباسمه، وتحت رايته قتل باني الوطن، وصانع نهضته زورا وبهتانا. وكانت كلمة قيصر الأخيرة "اذا فليمت قيصر" , قمة في السخرية من جلاديه وقاتليه. وبنفس الوقت قمة في التضحية والتفاني.لسان حاله يقول إن كان هذا في ىسبيل الوطن فقد سامحت غدرك وخيانتك يا "بروتس". وإن لم يكن زعمك صحيحاً فلتعذب روحك في الجحيم. إن كان الغدر بي فيه تقدم للوطن، فقد أمضيت عمري كله في سبيل رفعته، فلن أبخل بروحي الان عليه.
فعبدالفتاح يونس و ومن شهادة المقربين منه ذلك الوقت , احس بالمؤامرة . و استغرب و استنكر قرار اعتقاله , و اتصل بالأستاذ مصطفى عبدالجيل ليجد هاتفه مقفل أمامه , ليتصل بشقيقه الذي وعد بإيقاض المستشار من نومه , ليقفل هاتفه لاحقا . و في نفس الوقت اكد له العيساوي و الجازوي , صحة و قانونية القرار و ضرورة امتثاله للتحقيق , ليستغنى عن جنوده و السرية التي تحميه , ربما للوهلة الأولى نتيجة ثقته بنفسه , ومما قدمه لوطنه , وربما استسلاما منه لمصيره المحتوم , و كبل و جُر إلى مدينة بنغازي في رتل مجحفل , راي فيه مرارة و جزاة ماقدمت يداه من تفاني و اخلاص لدعم هذه الثورة الشعبية . و للاسف لم يكن جزاء أحسانه لهم بالإحسان . فاختطف و قتل و عذب و نكل بجثمانه .
لكن ربما تكون وفاته , الشمعة التي ستنير الظلام , عن الظلم الذي قد شاب ثورتنا للأسف , وربما تشكل قضيته بداية ارساء لأسس قضاء عادل لا أحد فيه فوق القانون , حتى أرفع سلطة تنفيذية أو تشريعية في هذا الوطن . لكن حذاري , فلو اتخذت مجريات القضية منحنى متعثر آخر , بصراحة و في وجود السلاح لا اجد مستقبلا مشرقا لليبيا الجديدة , سوى عرف القبيلة و قانون الغاب............................
عبدالرازق العبيدي