إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
مرضى حكموا العالم (غوام نكروما KWAME NKRUMAH)
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مرضى حكموا العالم (غوام نكروما KWAME NKRUMAH)
عندما ازدهر موسم الاستقلالات في افريقيا السوداء في أواخر الخمسينيات، تميزت إحدى هذه الجمهوريات الفتية بين أهمها، وهي غانا التي كانت تدعى سابقاً شاطئ الذهب، والتي رزحت طويلاً تحت الاستعمار البريطاني.
بلاد مناجم كبيرة، تملك احتياطاً كبيراً من الذهب والماس، والمونغناز والبوكسيت، كما أنها تملك ثروة حرجية غنية، كمثيلتها من البلاد الواقعة على الخليج الغيني، وزراعاتها الغذائية يفترض بها تأمين الغذاء لشعبها المؤلف من عشرة ملايين شخص.
أما زراعاتها التجارية المعدة للتصدير فتؤمن مصدراً مريحاً منتظماً للنقد النادر أو العملة الصعبة، ولا غرابة في ذلك فهي المنتج العالمي الأول للكاكاو، وهي كجاراتها السنيغال برئاسة ليبولد سيدار سنغور أو شاطئ العاج مع فيليكس هوفيئيت بونيي فقد بدت وعلى رأسها عقلاً نيراً غوام نكروما، فهو خريج كلية أكرا العليا العاصمة، ثم صقلت معلوماته ومواهبه خلال عشر سنوات، قضاها في الجامعات الأمريكية مما يوحي بأن هذا الإنسان المثقف يجمع كل الشروط المطلوبة ليصبح حاكماً فذا، فيقود بلاده بحكمة في طرق الديمقراطية الراقية ليوصلها إلى مصف الأمم الراقية.
عرف عن نكروما حبه للأهداف المثالية، لكنها أهداف خيالية أكثر من اللازم، مما يفرض التخوف والحذر، فكان يحلم بتحقيق معادلة تجمع بين المسيحية والماركسية، ينتج منها طريقة افريقية مثالية، يكون شخصياً على رأسها مما يشك نوعاً من الحكم الفردي يخفي في طياته خطورة الوصول إلى التطرف وهذا ما حصل، فلم يكد يتمركز في سدة الرئاسة حتى عمد إلى تطبيق خطة زميله سكوتوري وهكذا انزلق غوام نكروما بدوره.
لما كان نكروما حذراً وشكاكاً بطبعه فكان من أولى اهتماماته تأمين سلامته الشخصية وفي هذا السبيل استحدثت جهازاً مخابراتيا خاصا، على الطريقة الهتلوية أو الستالينية، مما يعطي صورة واضحة عن ميوله التوتاليتارية الفردية، فأشرك المعارضة في الإدارة ثم عمد إلى تفشليهم في مسؤولياتهم، الواحد تلو الآخر، بطرق وأساليب ملتوية حتى تمكن من عزلهم وطردهم من مناصبهم.
وبهذا توصل إلى الحكم وباسطة الفريق واللون الواحد، مما جعله بطبيعة الحال، ينزلق نحو التعصب والظلم، واستلهم في حكمه كوكتيلاً عجيباً، فتقمص خليطاً من شخصية هتلر، لينين، موسوليني، وحتى غاندي، وبهذا كان يحاول أن يبرهن على إمكانية التعايش بين مختلف الأساليب والنظريات بشكل ديموقراطي مما جعل بريطانيا والولايات الأمريكية المتحدة تعترفان بعدم فهم هذه الفلسفة الجديدة، لكن لم يطل به الأمر، فبعد ست سنوات من إعلان الجمهورية أطاحت به مجموعة من العسكريين، وفي منفاه أصيب بسرطان الأمعاء ومات من جرائه في رومانيا.
في مذكراته التي كتبها سنة 1957 عندما كان يتهيأ للاستيلاء على الحكم فقرة، لم تلفت أنظار المراقبين السياسيين، وفي هذه الفقرة فسر نوعاً ما عقده النفسية، العقد التي جعلته يضيع، فكان لها آثار سيئة على بلاده، كان دائماً أسير عواطف تتصارع في أعماقه، منها: جموده أمام النساء، احتقاره، بما يقارب الإغراء للمال وخوفه المرضي من الأديان.
الضرورة تصنع من الخجول شجاعاً، وهذا ما حدث لنكروما فاندفع إلى خندق السياسة، ليفرض نفسه ما أكل الحكام الذين تميزوا بالفقر مثل نكروما، فمن المعروف بأن الفقر لازمه منذ ولادته، في الواحد والعشرين من أيلول 1909 في نكروفول، وهي قرية صغيرة حيث كان مجبراً على تقاسم الذرة البيضاء مع طابور من أنصاف الأشقاء وأنصاف الشقيقات، نتاج تعدد الزوجات التقليدي، وفي هذه الأحوال كان عليه أن يتدبر أمره فيقلع شوكه بيده، لذلك لجأ إلى تربية الدواجن التي يبيعها ليحصل على ثمن الكتب والأدوات المدرسية.
ولما كانت المدرسة تدار وتشرف عليها الكنيسة الكاثوليكية، بصرامتها المعروفة، فقد ولدت لدى الفتى نكروما، الهلع والكراهية تجاه الدين ورجاله، فلم يكن يخشى الكهنة المزودين بقضبان يستعملونها لفرض النظام فقط، إنما يتهمهم بإصابته بعقدة نفسية مريرة تجاه النساء، فكان يشعر بالخـوف والشلل التام لمجرد وجوده مع امرأة.
وقد تجلت هذه الظاهرة للمرة الأولى في مواجهة فتاة من عمره، فهي جارته دأبت على انتظاره لساعات طويلة على الطريق الضيقة التي تفصل بين بيتهما، فكانت تقترب منه لدى خروجه لتحدثه فكان يصاب بالذعر، أما إذا قالت أنها تحبه، فالويل لها، إذ كان يشبعها لعناً وشتما، ويسرع هارباً كما لو كان في أعقابه وحش مفترس، ولا يعود إلى الطمأنينة قبل الارتماء في أحضان والدته التي لم يكن يفوتها أن تهزأ به.
لكن الفتاة ثابرت على تصرفاتها الجريئة، وعلى أم تدجينه والتقرب منه كانت تجلب له بعض الطيبات وعلى الرغم من جوعه، كان يرفض الطعام فيبتلعه من حوله، وقد حاولت والدته تشجيعه للتغلب على عقده، لكن دون جدوى.
ولم تتمكن من معرفة السبب قبل خمس وثلاثين سنة، فكتب في مذكراته قائلا: لم أتمكن من التحرير وجهاً لوجه مع امرأة، لم يكن خوفاً، لكنه شيء أعمق بكثير، كأنه فخ نصب لي، لأقع فيه فأفقد حريتي، كما لدي نفس الشعور في التعامل مع الدارهم والدين المنظم، فالمرأة والمال والدين، أشياء لا يجب التعاطي معها بنظري، إلا بأقل قدر ممكن، وعلى الرجل أن لا يسمح بأن يكون لها أي دور في حياته، لئلا يصبح عبداً لها فتسحق شخصيته؛ فلو أصغيت في حينه إلى التصريحات الغرامية، التي كانت تطلقها هذه الصبية، فعلى الأرجح كنت أمضيت بقية حياتي بقربها في قريتي الصغيرة، كمدرّس في أحسن الأحوال، لكن هربي منها جعل الأقدار تجري بشكل أفضل.
في السابعة عشرة من عمره، أصبح نكروما مساعد مدرس كان صغيراً جدا عندما لاحظه مدير المدرسة يقف فوق صندوق خشبي ليتمكن من الكتابة على اللوح الأسود، فأعجب بنشاطه وبإصراره على التحصيل والنجاح وأرسله إلى دار المعلمين في أكرا العاصمة.
وبعد مدة وجيزة مات والده متأثراً بعدوى قاتلة؛ ولم يصل نكروما إلى قريته إلا بعد الدفن نظراً لرداءة الطرق، وكان لموت والده نتائج سيئة للغاية إذ أنها تعني تفجير المنزل، فالعادات القديمة في شاطئ الذهب، تقضي بأن تترك الأرملة وأطفالها المنزل وتلجأ إلى أحد أشقاء زوجها.
في كلية أكرا العليا، اكتشف نكروما فن الخطابة فكتب أحببت كثيراً فن الحديث والخطابة، لم يكن باستطاعتي مقاومة اللذة التي أجدها في الدفاع عن قضايا الأقلية، حتى لو كنت لا أوافقهم الرأي، بل لأن ذلك كان من شأنه إطالة النقاش، كنت أجد في ذلك الفرصة لتوضيح وجهات نظري، ومن هنا تأكدت من أنني أمتلك مقدرة على الإقناع، وبأن هذه القناعة تولدت لديه، اتجه إلى ميدان السياسة فيما بعد.
بعد تخرجه من كلية أكرا العليا، عمل كمدرس مجاز سنة 1930 في المدرسة الكاثوليكية بمدينة "المينا" ثم نقل إلى أكسيم، وفي إحدى المراحل كاد يلتحق بالرهبنة اليسوعية، إلا أنه في اللحظة الأخيرة أحجم عن ذلك، وتحول بأنظاره نحو المغامرة بالذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث الفرص كثيرة.
سنة 1935 وجد نكروما المساعدة المالية اللازمة للسفر إلى أمريكا من قريب له في لاغوس –نيجيريا- وللوصول إلى هدفه، عمل على ظهر باخرة شحن جوالة، توقفت في العديد من المرافئ حيث في كل مرة كان رفاقه البحارة يحاولون تدريبه في مجالات السكر والعربدة وما يتبعها، لكنه كافح جاهداً للابتعاد عن هذه الأجواء المغرية.
ومن هنا أصبح هدفاً لنكات رفاقه وكانوا يعيرونه بالهروب من النساء رغم بلوغه السادسة والعشرين.
لدى وصوله إلى ليفربول أذهله نبأ اجتياح موسوليني للحبشة، فأحس بالأسى والمرارة، كما لو كان قد هوجم شخصيا، وعلم بأن عالم البيض قد أعلن حرباً جديدة على الزنوج في العالم.
وكتب يقول: كنت أتصفح وجوه المارة لأستشف ما يجول في خواطرهم، وأخذت أصلي كي يمنحني الله القدرة على تحطيم هذه الأنظمة الظالمة، وبعد أيام معدودة أبحر على ظهر مركب تجاري نحو العالم الجديد.
نكروما في رحلة العلم الطويلة:
بدأ نكروما حياته الجامعية الطويلة بجامعة لنكولن في نبراسكا ثم تابع دراسته في جامعة بنسلفانيا حيث أجيز في العلوم الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكتف بهذا فأجيز في اللاهوت والفلسفة بدرجة ممتاز جدا وكان الأول في دفعته، ومن هنا عين مدرساً لهذه المواد، بالإضافة إلى تاريخ اليونان وتاريخ الزنوج.
عشر سنوات من الدراسة والكفاح، إذ كان مجبراً على تعاطي العديد من الأعمال والمهن الصغيرة والوضيعة في بعض الأحوال، ليس اقلها نادلاً في علب الليل، وذلك لتغطية مصاريفه الدراسية والحياتية، علماً بأنه كان يقبض منحة شهرية من بيت الرعية الكاثوليكية في واشنطن.
أما في العطل الجامعية الطويلة، فكان يعمل خادماً أو مساعد بحار في البواخر السياحية، وفي هذا المجال كان يتحاشى كثيراً لخدمة في الغرف حيث كان يجد في بعضها امراة عارية كالدودة، وذلك ربما لمراودته عن نفسه، فكان يجفل ويولي الأدبار هارباً، علماً بأنه كان في الثلاثينيات من عمره، ولم يتخط بعد هذه العقدة النفسية.
على ظهر هذه البواخر، كان الأجر جيداً، عدا عن الطعام الوفير والفراش الوثير.
نكروما والحركات الدينية:
كان نكروما يفضل الوحدة، فكان في شرق الولايات المتحدة الأمريكية يتنقل من مكان إلى آخر، منفرداً وفي نيويورك، عندما لا يجد لنفسه غرفة يأوي إليها كان يلجأ على حيلة قديمة جديدة، فيشتري بطاقة مترو حيث يمضي ليله ذهاباً، وإياباً في أرجاء المدينة الواسعة وفي هذا المجال كتب في مذكراته قائلا: إن الفقر والحاجة كثيرا ما تقود الإنسان إلى أجواء جديدة، وفي هذا المسعى أقحم نفسه في التحركات الدينية عند الزنوج فكان يحصل على الطعام مجاناً، كما كان يستحم ويغسل ثيابه بالإضافة إلى قص شعره دون مقابل.
وفي هذه الأجواء الجديدة بالنسبة إليه، سمح لنفسه ببعض المغامرات النسائية العابرة، دون أي ارتباط أو مشاريع مستقبلية، وقد عبر عن ذلك بقوله: كانت بعض النساء تلقبيني "بدون جوان" والبعض تتهمني بالضعف وعدم الرجولة، ولكن بالحقيقة فأنا رجل طبيعي جدا، لكنني حذر أكثر من اللازم.
أثناء وجوده في الولايات الأمريكية المتحدة، لم يتعاط إطلاقاً في شؤون التفرقة العنصرية رغم تألمه الشديد، ففي كل خطوة كان يرى معالمها ومظاهرها البشعة، من مطعم كتب على واجهتها بالخط الأحمر العريض، ممنوع دخول الزنوج، إلى حافلات مخصصة للزنوج، منعاً لاختلاطهم بالبيض، حتى في الحمامات والمغاسل العامة، فقد كتب على بعضها والحق يقال بلباقة: مخصصة للبيض.
نكروما يعود إلى وطنه:
رأى نكروما أن عليه العودة إلى الوطن، لكن قبل قليل عليه أن يجهز نفسه بالزاد اللازم فأجرى اتصالات مع العديد من التنظيمات السياسية، خصوصاً الشيوعية والتروتيسكية، كذلك مع اتحاد الطلبة الأفارقة، ولمزيد من الاستعداد قرأ هيغل، ماركس، أنجل، لينين، ومازيني، اعتقاداً منه أن هذه النظريات والمناهج تشكل الحل الصحيح للاستعمار في افريقيا.
في ايار 1945 عاد نكروما لإنجاز أطروحته والحصول على شهادة دكتور بالفلسفة، ولدى وصوله انتسب إلى الحزب الشيوعي في العاصمة البريطانية فاشترك بالتحركات التي يقوم بها تلامذة افريقيا الغربية.
ومن هنا اصبح معروفاً في أوساط الوطنيين الذين يعملون على إعادة تنظيم العالم، في النوادي والصالونات، ونتيجة لهذه النشاطات والاحتكاكات والاستماع إلى الخطب الطنانة، شعر بأنه قد نضج بما فيه الكفاية للعودة إلى عشه، حيث يعمل في ورشته الخاصة فيطبق نظرياته ومثله العليا.
عاد إلى وطنه لكن دون طبل أو زمر فقير كما غادر بلاده منذ عشر سنوات، وفي سبيل تغطية مصاريف العودة كان على الشيوعيين جمع التبرعات له سنة 1947 ولدى وصوله إلى غانا كانت بانتظاره مفاجأة فقد سبقته الشهرة إلى العاصمة أكرا، ودون تأخير عهد إليه بسكرتارية التجمع الوطني لشاطئ الذهب، وهي حركة وطنية محافظة، أخذ في تطبيق ما تعلمه من رفاقه في لندن على الأرض الإفريقية، وأظهر استعداداً حقيقياً للنهوض بمواطنيه مما جعل السلطات البريطانية تضيق ذرعا بتحركات الشارع والإضرابات التي شلت الحركة الصناعية والتجارية، فأوقفت المحرك لعضويته في الحزب الشيوعي البريطاني، لكن كما هو معروف السجون تصنع الشهداء، إنما البريطانيون لم يفهموا ذلك وقد ساهموا بطريقة غير مباشرة في إعلاء شأنه وترسيخ قديمه على الأرض.
لدى خروجه من السجن، ابتعد نكروما عن الحزب الشيوعي، إذ أن انتسابه إلى هذا الحزب، يشكل حجر عثرة في طريق وصوله إلى السلطة، فأسس حركته الخاصة "حزب التجمع الشعبي" فلم يكن من البريطانيين سوى اعتقاله من جديد، فذاع صيته في أرجاء البلاد.
وفي الانتخابات الوطنية الأولى التي أجريت نة 1951 كان الانتصار من نصيبه مما جعله ينتقل مباشر من زنزانته في السجن إلى القصر الحكومي، رئيساً للوزراء، لكنه لم يكن سعيداً بهذه النتيجة التي كانت بنظره نصف انتصار فقط، بالرغم من أن منصبه الجديد يسمح له بالمشاركة في إدارة شؤون البلاد مع الحاكم الذي يمثل الكومنولث وقد دامت هذه المشاركة ست سنوات، حتى توصلت غانا إلى الاستقلال سنة 1957 وهي البلاد الافريقية الأولى في هذا المضمار.
ولما كان نكروما لا يزال رئيساً للوزراء، حصل من جراء ذلك نجاحاً شخصياً كبيراً جعله يكتسب ثقة بالنفس لا حدود لها.
بعد سنة وفي 15 نيسان 1958، دعا إلى المؤتمر الأول للبلاد الافريقية المستقلة، في أكرا، وهو الحدث الأهم في التاريخ منذ عدة قرون، ولدى افتتاحه هذا المؤتمر، لم يخف طموحاته فيجعل عاصمته مهد الاستقلال في افريقيا ومحج الاستقلاليين ومن الطبيعي أن يكون هو على رأسها وقد شجعه الغانيون على ذلك عن حسن نية، دون أن يتكهنوا بما ينظرهم على يديه بعد إعلان الجمهورية سنة 1960، وفي حينه نكروما في الواحد والخمسين من عمره يشع صحة وقوة رأى أنه سيكون قيصر افريقيا، وأن الخلود ينتظره، فهو النجم الذي تدور حوله القارة السوداء، ولكن لبضع سنوات الحرية والطمأنينة.
نكروما ينجرف نحو الدكتاتورية:
على طريقة سكوتوري غينيا وأمثاله، انزلق نحو التسلط والحكم الفردي، وكان الشيوعيون حلفاء الأمس، أول من شعروا بالمرارة وخيبة الأمل، إذ أن الحكم الذي يمارسه الأمير الجديد، غير مقتبس عن اللينينية المستقيمة، فالواقعية التي اخترعها نكروما، والتي ينفرد باعتناقها وترويجها ومصدر مفاخرته لها جذورها الفلسفية والمادية.
وفي توجيهاته لشعبه كان يقول؛ أنه من الممكن للإنسان أن يكون مسيحياً وماركسياً، في آن واحد، وكان يبهر بنظرياته ما قد اقتبسه عن هنيبعل، كرومويل، نابليون، توصلاً إلى هتلر وموسوليني، فكاد يردد الكثير من أقوالهم على مسامع الشعب للتأثير على المشاعر، مما يسمح لهم بالاحتفاظ ببعض خصوصياتهم وتقاليدهم، وتدعيمها بالواقعية الغربية الضرورية للخروج من قرونهم الوسطى.
أما على الصعيد الاقتصادي فكان هو في واد والشعب في واد آخر، فالشعب لم يفهم ولم يكترث للموضوع فالرئيس جيد، طالما يمكنه البقاء على المنصة، لساعات طويلة، ومن هنا أخذ نكروما بالانحراف نحو استعمال القوة، فمن لا يفهمه يصبح عدوه، ومن لا يؤيده فهو خائن، لا يتحمل نقد المعارضة لأساليبه، فهو الرئيس المعصوم، لا يمكن أن يغلط، لا من حيث الاختيار ولا من حيث القرارات.
عندما دعا وليام توبمان رئيس ليبريا إلى مؤتمر آخر حضره معظم الرؤساء الأفارقة، لم يتوان نكروما عن نعتهم بالخيانة والعمالة لأمريكا التي اشترتهم وكان يردد أمام زوراه وخصوصاً الأجانب منهم: على جميع الأفارقة أن يعرفوا أنني الممثل الوحيد لإفريقيا والمتكلم الوحيد باسمها، ولا يمكن لأي إفريقي أن يكون له وجهة نظر تتعارض مع وجهة نظري، ومن يخالفني في الرأي يكون قد دفع ليفعل ذلك.
وفي تطور جديد، دخل في مرحلة جديدة من الاستبداد والظلم، لم تعرفها البلاد من قبل فكان يضرب ويطهر وينفي، ليس من أعدائه فقط بل من مؤيديه ممتن لم يعد يعجبه، دون رحمة أو شفقة.
بالمقابل كان شديد الاعتناء بمظهره الخارجي فلكان يتهادىفي مشيته مرتدياً الأثواب والأزياء الفولكلورية الفضفاضة، على طريقة تشرشل، وخروتشوف، وكان يصغي بسعادة وسرور إلى الألقاب التي ينعتونه بها، فقد نظمت له الأشعار والأغاني ونصبت له التماثيل في كل مكان، وأعيد تسمية المدن والشوارع على اسمه، فأصبح ستالين الافريقي.
انتقل نكروما من الأرض إلى السماء، فسخر الدين لتدعيم حكمه مدعياً بأنه مبعوث السماء لتنفيذ مشيئة اللـه، ومنها على حد زعمه السجن الإفرادي الشديد لمدة خمس سنوات دون محاكمة، للمئات من الذين لا يعجبونه وفي خطوة متقدمة أدخل تعديلاً على الدستور أصبح بموجبه رئيساً لمدى الحياة.
هل كان الحاكم الصارم الذي يجهد نفسه ليبدو مثالياً بنظر مواطنيه.؟ فالنتائج التي توصلت إليه لجنة التحقيق، التي كلفت بتقييم ثروته، لم تكن في مصلحته فكلف من بعدها للتحقيق مجدداً أحد قضاة المحكمة العليا، الذي أنهى مطالعته الخطية قائلا: من الوقائع التي وجدناها في الطريقة التي اعتمدها الرئيس السابق نكروما، للحصول على القسم الأكبر من ثروته، تبين أن هذه الثروة لم تكن شرعية ولا مشرفة، فبصفته الوصي الشرعي على ثروة الشعب الغاني كان يحول جزءا منها إلى كيسه، عدا عن أنه أصبح غير مؤهل للقيام بمهامه الكبيرة، كرئيس للبلاد علماً بأن مرضه كان السبب الأخطر على مصير غانا.
العلماء الأمريكيون يحللون نفسية نكروما:
نادراً ما كان أحد اباطرة افريقيا موضع اهتما علماء النفس في الولايات المتحدة الأمريكية ربما كان لأنه أمضى عشر سنوات في جامعاتهم، فعلماء السياسة وعلماء النفس كرسوا وقتاً طويلاً لتحليل حياته وتصرفاته، فأحد هؤلاء العلماء برتون لاحظ أن نكروما نجا من عشر محاولات قتل على الأقل بين 1955 و 1966 لذلك كان لديه ما يكفي من الاسباب والمبررات للخوف على حياته واتخاذ ما يراه مناسباًَ من الحيطة والحذر.
من هخنا استحدث نظاماً خاصاً للحراسة يحيط به ليلاً نهاراً، وفي هذا المجال أفادت صديقته السيدة جيونوفا مايز، بأنه ابتداء من 1962 أصبح حذراً لدرجة الوسواس، بعد نجاته من عدة محاولات اغتيال، وأصبح يفضل الواحدة والابتعاد عن الناس، ولاسيما المناسبات العامة التي تجعل منه هدفاً سهلاً للقتلة والقناصين.
كما أن معتقداته القديمة المتوارثة بقوى الشر الخارقة للطبيعة لا تهيئه إطلاقاً للمهمات الصعبة الملقاة على عاتقه بصفته رئيس دولة.
ومن المعروف عنه استشارة السحرة والمشعوذين قبل الإقدام على اتخاذ قرارات حكومية، مع العلم بأن الخوف والبساطة لا تفسران الأنانية وحب التسلط والبطش المستحوذة على نكروما.
وفي تقريرهم النهائي عن نكروما أفادوا بأنه أناني بطبيعته كما أكد البروفسور هينال السويسري ثم إن الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغير السليمة تساعد على خلق الطغاة.
كذلك بحيث أنه يدعى الاشتراكية والتقدمية اسوة بالعديد من أمثاله في افريقيا وآسيا، وعلى سبيل المثل في بورما، لا يتركون المجال لأي احتجاج، إذ أنه يأخذون شرعيتهم من التقدمية المزعومة ويصبحون أسرى معتقداتهم الإيديلوجية حيث لا يكفي أن يكون الرئيس أنانياً أو متسلطاً ليصبح طاغية، بل يلزمه نظام سياسي يسبح له بأن يصبح دكتاتوراً طاغياً.
وهذا كا كانت عليه الحال لعشرات السنين مع ستالين في الاتحاد السوفياني كذلك في ألمانيا النازية أيام أودلف هتلر، ومن المؤسف جداً أن هذه الحقبة التعيسة من التاريخ يديرها رجال مرضى لكن الشعوب تتفاخر بالانتساب إليهم.
------------------------------------------------
للمشاهدة باقى الاجزاء السابقة تابعوا قسم الثقافة فى منتديات عيت ارفاد التميمى
بلاد مناجم كبيرة، تملك احتياطاً كبيراً من الذهب والماس، والمونغناز والبوكسيت، كما أنها تملك ثروة حرجية غنية، كمثيلتها من البلاد الواقعة على الخليج الغيني، وزراعاتها الغذائية يفترض بها تأمين الغذاء لشعبها المؤلف من عشرة ملايين شخص.
أما زراعاتها التجارية المعدة للتصدير فتؤمن مصدراً مريحاً منتظماً للنقد النادر أو العملة الصعبة، ولا غرابة في ذلك فهي المنتج العالمي الأول للكاكاو، وهي كجاراتها السنيغال برئاسة ليبولد سيدار سنغور أو شاطئ العاج مع فيليكس هوفيئيت بونيي فقد بدت وعلى رأسها عقلاً نيراً غوام نكروما، فهو خريج كلية أكرا العليا العاصمة، ثم صقلت معلوماته ومواهبه خلال عشر سنوات، قضاها في الجامعات الأمريكية مما يوحي بأن هذا الإنسان المثقف يجمع كل الشروط المطلوبة ليصبح حاكماً فذا، فيقود بلاده بحكمة في طرق الديمقراطية الراقية ليوصلها إلى مصف الأمم الراقية.
عرف عن نكروما حبه للأهداف المثالية، لكنها أهداف خيالية أكثر من اللازم، مما يفرض التخوف والحذر، فكان يحلم بتحقيق معادلة تجمع بين المسيحية والماركسية، ينتج منها طريقة افريقية مثالية، يكون شخصياً على رأسها مما يشك نوعاً من الحكم الفردي يخفي في طياته خطورة الوصول إلى التطرف وهذا ما حصل، فلم يكد يتمركز في سدة الرئاسة حتى عمد إلى تطبيق خطة زميله سكوتوري وهكذا انزلق غوام نكروما بدوره.
لما كان نكروما حذراً وشكاكاً بطبعه فكان من أولى اهتماماته تأمين سلامته الشخصية وفي هذا السبيل استحدثت جهازاً مخابراتيا خاصا، على الطريقة الهتلوية أو الستالينية، مما يعطي صورة واضحة عن ميوله التوتاليتارية الفردية، فأشرك المعارضة في الإدارة ثم عمد إلى تفشليهم في مسؤولياتهم، الواحد تلو الآخر، بطرق وأساليب ملتوية حتى تمكن من عزلهم وطردهم من مناصبهم.
وبهذا توصل إلى الحكم وباسطة الفريق واللون الواحد، مما جعله بطبيعة الحال، ينزلق نحو التعصب والظلم، واستلهم في حكمه كوكتيلاً عجيباً، فتقمص خليطاً من شخصية هتلر، لينين، موسوليني، وحتى غاندي، وبهذا كان يحاول أن يبرهن على إمكانية التعايش بين مختلف الأساليب والنظريات بشكل ديموقراطي مما جعل بريطانيا والولايات الأمريكية المتحدة تعترفان بعدم فهم هذه الفلسفة الجديدة، لكن لم يطل به الأمر، فبعد ست سنوات من إعلان الجمهورية أطاحت به مجموعة من العسكريين، وفي منفاه أصيب بسرطان الأمعاء ومات من جرائه في رومانيا.
في مذكراته التي كتبها سنة 1957 عندما كان يتهيأ للاستيلاء على الحكم فقرة، لم تلفت أنظار المراقبين السياسيين، وفي هذه الفقرة فسر نوعاً ما عقده النفسية، العقد التي جعلته يضيع، فكان لها آثار سيئة على بلاده، كان دائماً أسير عواطف تتصارع في أعماقه، منها: جموده أمام النساء، احتقاره، بما يقارب الإغراء للمال وخوفه المرضي من الأديان.
الضرورة تصنع من الخجول شجاعاً، وهذا ما حدث لنكروما فاندفع إلى خندق السياسة، ليفرض نفسه ما أكل الحكام الذين تميزوا بالفقر مثل نكروما، فمن المعروف بأن الفقر لازمه منذ ولادته، في الواحد والعشرين من أيلول 1909 في نكروفول، وهي قرية صغيرة حيث كان مجبراً على تقاسم الذرة البيضاء مع طابور من أنصاف الأشقاء وأنصاف الشقيقات، نتاج تعدد الزوجات التقليدي، وفي هذه الأحوال كان عليه أن يتدبر أمره فيقلع شوكه بيده، لذلك لجأ إلى تربية الدواجن التي يبيعها ليحصل على ثمن الكتب والأدوات المدرسية.
ولما كانت المدرسة تدار وتشرف عليها الكنيسة الكاثوليكية، بصرامتها المعروفة، فقد ولدت لدى الفتى نكروما، الهلع والكراهية تجاه الدين ورجاله، فلم يكن يخشى الكهنة المزودين بقضبان يستعملونها لفرض النظام فقط، إنما يتهمهم بإصابته بعقدة نفسية مريرة تجاه النساء، فكان يشعر بالخـوف والشلل التام لمجرد وجوده مع امرأة.
وقد تجلت هذه الظاهرة للمرة الأولى في مواجهة فتاة من عمره، فهي جارته دأبت على انتظاره لساعات طويلة على الطريق الضيقة التي تفصل بين بيتهما، فكانت تقترب منه لدى خروجه لتحدثه فكان يصاب بالذعر، أما إذا قالت أنها تحبه، فالويل لها، إذ كان يشبعها لعناً وشتما، ويسرع هارباً كما لو كان في أعقابه وحش مفترس، ولا يعود إلى الطمأنينة قبل الارتماء في أحضان والدته التي لم يكن يفوتها أن تهزأ به.
لكن الفتاة ثابرت على تصرفاتها الجريئة، وعلى أم تدجينه والتقرب منه كانت تجلب له بعض الطيبات وعلى الرغم من جوعه، كان يرفض الطعام فيبتلعه من حوله، وقد حاولت والدته تشجيعه للتغلب على عقده، لكن دون جدوى.
ولم تتمكن من معرفة السبب قبل خمس وثلاثين سنة، فكتب في مذكراته قائلا: لم أتمكن من التحرير وجهاً لوجه مع امرأة، لم يكن خوفاً، لكنه شيء أعمق بكثير، كأنه فخ نصب لي، لأقع فيه فأفقد حريتي، كما لدي نفس الشعور في التعامل مع الدارهم والدين المنظم، فالمرأة والمال والدين، أشياء لا يجب التعاطي معها بنظري، إلا بأقل قدر ممكن، وعلى الرجل أن لا يسمح بأن يكون لها أي دور في حياته، لئلا يصبح عبداً لها فتسحق شخصيته؛ فلو أصغيت في حينه إلى التصريحات الغرامية، التي كانت تطلقها هذه الصبية، فعلى الأرجح كنت أمضيت بقية حياتي بقربها في قريتي الصغيرة، كمدرّس في أحسن الأحوال، لكن هربي منها جعل الأقدار تجري بشكل أفضل.
في السابعة عشرة من عمره، أصبح نكروما مساعد مدرس كان صغيراً جدا عندما لاحظه مدير المدرسة يقف فوق صندوق خشبي ليتمكن من الكتابة على اللوح الأسود، فأعجب بنشاطه وبإصراره على التحصيل والنجاح وأرسله إلى دار المعلمين في أكرا العاصمة.
وبعد مدة وجيزة مات والده متأثراً بعدوى قاتلة؛ ولم يصل نكروما إلى قريته إلا بعد الدفن نظراً لرداءة الطرق، وكان لموت والده نتائج سيئة للغاية إذ أنها تعني تفجير المنزل، فالعادات القديمة في شاطئ الذهب، تقضي بأن تترك الأرملة وأطفالها المنزل وتلجأ إلى أحد أشقاء زوجها.
في كلية أكرا العليا، اكتشف نكروما فن الخطابة فكتب أحببت كثيراً فن الحديث والخطابة، لم يكن باستطاعتي مقاومة اللذة التي أجدها في الدفاع عن قضايا الأقلية، حتى لو كنت لا أوافقهم الرأي، بل لأن ذلك كان من شأنه إطالة النقاش، كنت أجد في ذلك الفرصة لتوضيح وجهات نظري، ومن هنا تأكدت من أنني أمتلك مقدرة على الإقناع، وبأن هذه القناعة تولدت لديه، اتجه إلى ميدان السياسة فيما بعد.
بعد تخرجه من كلية أكرا العليا، عمل كمدرس مجاز سنة 1930 في المدرسة الكاثوليكية بمدينة "المينا" ثم نقل إلى أكسيم، وفي إحدى المراحل كاد يلتحق بالرهبنة اليسوعية، إلا أنه في اللحظة الأخيرة أحجم عن ذلك، وتحول بأنظاره نحو المغامرة بالذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث الفرص كثيرة.
سنة 1935 وجد نكروما المساعدة المالية اللازمة للسفر إلى أمريكا من قريب له في لاغوس –نيجيريا- وللوصول إلى هدفه، عمل على ظهر باخرة شحن جوالة، توقفت في العديد من المرافئ حيث في كل مرة كان رفاقه البحارة يحاولون تدريبه في مجالات السكر والعربدة وما يتبعها، لكنه كافح جاهداً للابتعاد عن هذه الأجواء المغرية.
ومن هنا أصبح هدفاً لنكات رفاقه وكانوا يعيرونه بالهروب من النساء رغم بلوغه السادسة والعشرين.
لدى وصوله إلى ليفربول أذهله نبأ اجتياح موسوليني للحبشة، فأحس بالأسى والمرارة، كما لو كان قد هوجم شخصيا، وعلم بأن عالم البيض قد أعلن حرباً جديدة على الزنوج في العالم.
وكتب يقول: كنت أتصفح وجوه المارة لأستشف ما يجول في خواطرهم، وأخذت أصلي كي يمنحني الله القدرة على تحطيم هذه الأنظمة الظالمة، وبعد أيام معدودة أبحر على ظهر مركب تجاري نحو العالم الجديد.
نكروما في رحلة العلم الطويلة:
بدأ نكروما حياته الجامعية الطويلة بجامعة لنكولن في نبراسكا ثم تابع دراسته في جامعة بنسلفانيا حيث أجيز في العلوم الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكتف بهذا فأجيز في اللاهوت والفلسفة بدرجة ممتاز جدا وكان الأول في دفعته، ومن هنا عين مدرساً لهذه المواد، بالإضافة إلى تاريخ اليونان وتاريخ الزنوج.
عشر سنوات من الدراسة والكفاح، إذ كان مجبراً على تعاطي العديد من الأعمال والمهن الصغيرة والوضيعة في بعض الأحوال، ليس اقلها نادلاً في علب الليل، وذلك لتغطية مصاريفه الدراسية والحياتية، علماً بأنه كان يقبض منحة شهرية من بيت الرعية الكاثوليكية في واشنطن.
أما في العطل الجامعية الطويلة، فكان يعمل خادماً أو مساعد بحار في البواخر السياحية، وفي هذا المجال كان يتحاشى كثيراً لخدمة في الغرف حيث كان يجد في بعضها امراة عارية كالدودة، وذلك ربما لمراودته عن نفسه، فكان يجفل ويولي الأدبار هارباً، علماً بأنه كان في الثلاثينيات من عمره، ولم يتخط بعد هذه العقدة النفسية.
على ظهر هذه البواخر، كان الأجر جيداً، عدا عن الطعام الوفير والفراش الوثير.
نكروما والحركات الدينية:
كان نكروما يفضل الوحدة، فكان في شرق الولايات المتحدة الأمريكية يتنقل من مكان إلى آخر، منفرداً وفي نيويورك، عندما لا يجد لنفسه غرفة يأوي إليها كان يلجأ على حيلة قديمة جديدة، فيشتري بطاقة مترو حيث يمضي ليله ذهاباً، وإياباً في أرجاء المدينة الواسعة وفي هذا المجال كتب في مذكراته قائلا: إن الفقر والحاجة كثيرا ما تقود الإنسان إلى أجواء جديدة، وفي هذا المسعى أقحم نفسه في التحركات الدينية عند الزنوج فكان يحصل على الطعام مجاناً، كما كان يستحم ويغسل ثيابه بالإضافة إلى قص شعره دون مقابل.
وفي هذه الأجواء الجديدة بالنسبة إليه، سمح لنفسه ببعض المغامرات النسائية العابرة، دون أي ارتباط أو مشاريع مستقبلية، وقد عبر عن ذلك بقوله: كانت بعض النساء تلقبيني "بدون جوان" والبعض تتهمني بالضعف وعدم الرجولة، ولكن بالحقيقة فأنا رجل طبيعي جدا، لكنني حذر أكثر من اللازم.
أثناء وجوده في الولايات الأمريكية المتحدة، لم يتعاط إطلاقاً في شؤون التفرقة العنصرية رغم تألمه الشديد، ففي كل خطوة كان يرى معالمها ومظاهرها البشعة، من مطعم كتب على واجهتها بالخط الأحمر العريض، ممنوع دخول الزنوج، إلى حافلات مخصصة للزنوج، منعاً لاختلاطهم بالبيض، حتى في الحمامات والمغاسل العامة، فقد كتب على بعضها والحق يقال بلباقة: مخصصة للبيض.
نكروما يعود إلى وطنه:
رأى نكروما أن عليه العودة إلى الوطن، لكن قبل قليل عليه أن يجهز نفسه بالزاد اللازم فأجرى اتصالات مع العديد من التنظيمات السياسية، خصوصاً الشيوعية والتروتيسكية، كذلك مع اتحاد الطلبة الأفارقة، ولمزيد من الاستعداد قرأ هيغل، ماركس، أنجل، لينين، ومازيني، اعتقاداً منه أن هذه النظريات والمناهج تشكل الحل الصحيح للاستعمار في افريقيا.
في ايار 1945 عاد نكروما لإنجاز أطروحته والحصول على شهادة دكتور بالفلسفة، ولدى وصوله انتسب إلى الحزب الشيوعي في العاصمة البريطانية فاشترك بالتحركات التي يقوم بها تلامذة افريقيا الغربية.
ومن هنا اصبح معروفاً في أوساط الوطنيين الذين يعملون على إعادة تنظيم العالم، في النوادي والصالونات، ونتيجة لهذه النشاطات والاحتكاكات والاستماع إلى الخطب الطنانة، شعر بأنه قد نضج بما فيه الكفاية للعودة إلى عشه، حيث يعمل في ورشته الخاصة فيطبق نظرياته ومثله العليا.
عاد إلى وطنه لكن دون طبل أو زمر فقير كما غادر بلاده منذ عشر سنوات، وفي سبيل تغطية مصاريف العودة كان على الشيوعيين جمع التبرعات له سنة 1947 ولدى وصوله إلى غانا كانت بانتظاره مفاجأة فقد سبقته الشهرة إلى العاصمة أكرا، ودون تأخير عهد إليه بسكرتارية التجمع الوطني لشاطئ الذهب، وهي حركة وطنية محافظة، أخذ في تطبيق ما تعلمه من رفاقه في لندن على الأرض الإفريقية، وأظهر استعداداً حقيقياً للنهوض بمواطنيه مما جعل السلطات البريطانية تضيق ذرعا بتحركات الشارع والإضرابات التي شلت الحركة الصناعية والتجارية، فأوقفت المحرك لعضويته في الحزب الشيوعي البريطاني، لكن كما هو معروف السجون تصنع الشهداء، إنما البريطانيون لم يفهموا ذلك وقد ساهموا بطريقة غير مباشرة في إعلاء شأنه وترسيخ قديمه على الأرض.
لدى خروجه من السجن، ابتعد نكروما عن الحزب الشيوعي، إذ أن انتسابه إلى هذا الحزب، يشكل حجر عثرة في طريق وصوله إلى السلطة، فأسس حركته الخاصة "حزب التجمع الشعبي" فلم يكن من البريطانيين سوى اعتقاله من جديد، فذاع صيته في أرجاء البلاد.
وفي الانتخابات الوطنية الأولى التي أجريت نة 1951 كان الانتصار من نصيبه مما جعله ينتقل مباشر من زنزانته في السجن إلى القصر الحكومي، رئيساً للوزراء، لكنه لم يكن سعيداً بهذه النتيجة التي كانت بنظره نصف انتصار فقط، بالرغم من أن منصبه الجديد يسمح له بالمشاركة في إدارة شؤون البلاد مع الحاكم الذي يمثل الكومنولث وقد دامت هذه المشاركة ست سنوات، حتى توصلت غانا إلى الاستقلال سنة 1957 وهي البلاد الافريقية الأولى في هذا المضمار.
ولما كان نكروما لا يزال رئيساً للوزراء، حصل من جراء ذلك نجاحاً شخصياً كبيراً جعله يكتسب ثقة بالنفس لا حدود لها.
بعد سنة وفي 15 نيسان 1958، دعا إلى المؤتمر الأول للبلاد الافريقية المستقلة، في أكرا، وهو الحدث الأهم في التاريخ منذ عدة قرون، ولدى افتتاحه هذا المؤتمر، لم يخف طموحاته فيجعل عاصمته مهد الاستقلال في افريقيا ومحج الاستقلاليين ومن الطبيعي أن يكون هو على رأسها وقد شجعه الغانيون على ذلك عن حسن نية، دون أن يتكهنوا بما ينظرهم على يديه بعد إعلان الجمهورية سنة 1960، وفي حينه نكروما في الواحد والخمسين من عمره يشع صحة وقوة رأى أنه سيكون قيصر افريقيا، وأن الخلود ينتظره، فهو النجم الذي تدور حوله القارة السوداء، ولكن لبضع سنوات الحرية والطمأنينة.
نكروما ينجرف نحو الدكتاتورية:
على طريقة سكوتوري غينيا وأمثاله، انزلق نحو التسلط والحكم الفردي، وكان الشيوعيون حلفاء الأمس، أول من شعروا بالمرارة وخيبة الأمل، إذ أن الحكم الذي يمارسه الأمير الجديد، غير مقتبس عن اللينينية المستقيمة، فالواقعية التي اخترعها نكروما، والتي ينفرد باعتناقها وترويجها ومصدر مفاخرته لها جذورها الفلسفية والمادية.
وفي توجيهاته لشعبه كان يقول؛ أنه من الممكن للإنسان أن يكون مسيحياً وماركسياً، في آن واحد، وكان يبهر بنظرياته ما قد اقتبسه عن هنيبعل، كرومويل، نابليون، توصلاً إلى هتلر وموسوليني، فكاد يردد الكثير من أقوالهم على مسامع الشعب للتأثير على المشاعر، مما يسمح لهم بالاحتفاظ ببعض خصوصياتهم وتقاليدهم، وتدعيمها بالواقعية الغربية الضرورية للخروج من قرونهم الوسطى.
أما على الصعيد الاقتصادي فكان هو في واد والشعب في واد آخر، فالشعب لم يفهم ولم يكترث للموضوع فالرئيس جيد، طالما يمكنه البقاء على المنصة، لساعات طويلة، ومن هنا أخذ نكروما بالانحراف نحو استعمال القوة، فمن لا يفهمه يصبح عدوه، ومن لا يؤيده فهو خائن، لا يتحمل نقد المعارضة لأساليبه، فهو الرئيس المعصوم، لا يمكن أن يغلط، لا من حيث الاختيار ولا من حيث القرارات.
عندما دعا وليام توبمان رئيس ليبريا إلى مؤتمر آخر حضره معظم الرؤساء الأفارقة، لم يتوان نكروما عن نعتهم بالخيانة والعمالة لأمريكا التي اشترتهم وكان يردد أمام زوراه وخصوصاً الأجانب منهم: على جميع الأفارقة أن يعرفوا أنني الممثل الوحيد لإفريقيا والمتكلم الوحيد باسمها، ولا يمكن لأي إفريقي أن يكون له وجهة نظر تتعارض مع وجهة نظري، ومن يخالفني في الرأي يكون قد دفع ليفعل ذلك.
وفي تطور جديد، دخل في مرحلة جديدة من الاستبداد والظلم، لم تعرفها البلاد من قبل فكان يضرب ويطهر وينفي، ليس من أعدائه فقط بل من مؤيديه ممتن لم يعد يعجبه، دون رحمة أو شفقة.
بالمقابل كان شديد الاعتناء بمظهره الخارجي فلكان يتهادىفي مشيته مرتدياً الأثواب والأزياء الفولكلورية الفضفاضة، على طريقة تشرشل، وخروتشوف، وكان يصغي بسعادة وسرور إلى الألقاب التي ينعتونه بها، فقد نظمت له الأشعار والأغاني ونصبت له التماثيل في كل مكان، وأعيد تسمية المدن والشوارع على اسمه، فأصبح ستالين الافريقي.
انتقل نكروما من الأرض إلى السماء، فسخر الدين لتدعيم حكمه مدعياً بأنه مبعوث السماء لتنفيذ مشيئة اللـه، ومنها على حد زعمه السجن الإفرادي الشديد لمدة خمس سنوات دون محاكمة، للمئات من الذين لا يعجبونه وفي خطوة متقدمة أدخل تعديلاً على الدستور أصبح بموجبه رئيساً لمدى الحياة.
هل كان الحاكم الصارم الذي يجهد نفسه ليبدو مثالياً بنظر مواطنيه.؟ فالنتائج التي توصلت إليه لجنة التحقيق، التي كلفت بتقييم ثروته، لم تكن في مصلحته فكلف من بعدها للتحقيق مجدداً أحد قضاة المحكمة العليا، الذي أنهى مطالعته الخطية قائلا: من الوقائع التي وجدناها في الطريقة التي اعتمدها الرئيس السابق نكروما، للحصول على القسم الأكبر من ثروته، تبين أن هذه الثروة لم تكن شرعية ولا مشرفة، فبصفته الوصي الشرعي على ثروة الشعب الغاني كان يحول جزءا منها إلى كيسه، عدا عن أنه أصبح غير مؤهل للقيام بمهامه الكبيرة، كرئيس للبلاد علماً بأن مرضه كان السبب الأخطر على مصير غانا.
العلماء الأمريكيون يحللون نفسية نكروما:
نادراً ما كان أحد اباطرة افريقيا موضع اهتما علماء النفس في الولايات المتحدة الأمريكية ربما كان لأنه أمضى عشر سنوات في جامعاتهم، فعلماء السياسة وعلماء النفس كرسوا وقتاً طويلاً لتحليل حياته وتصرفاته، فأحد هؤلاء العلماء برتون لاحظ أن نكروما نجا من عشر محاولات قتل على الأقل بين 1955 و 1966 لذلك كان لديه ما يكفي من الاسباب والمبررات للخوف على حياته واتخاذ ما يراه مناسباًَ من الحيطة والحذر.
من هخنا استحدث نظاماً خاصاً للحراسة يحيط به ليلاً نهاراً، وفي هذا المجال أفادت صديقته السيدة جيونوفا مايز، بأنه ابتداء من 1962 أصبح حذراً لدرجة الوسواس، بعد نجاته من عدة محاولات اغتيال، وأصبح يفضل الواحدة والابتعاد عن الناس، ولاسيما المناسبات العامة التي تجعل منه هدفاً سهلاً للقتلة والقناصين.
كما أن معتقداته القديمة المتوارثة بقوى الشر الخارقة للطبيعة لا تهيئه إطلاقاً للمهمات الصعبة الملقاة على عاتقه بصفته رئيس دولة.
ومن المعروف عنه استشارة السحرة والمشعوذين قبل الإقدام على اتخاذ قرارات حكومية، مع العلم بأن الخوف والبساطة لا تفسران الأنانية وحب التسلط والبطش المستحوذة على نكروما.
وفي تقريرهم النهائي عن نكروما أفادوا بأنه أناني بطبيعته كما أكد البروفسور هينال السويسري ثم إن الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغير السليمة تساعد على خلق الطغاة.
كذلك بحيث أنه يدعى الاشتراكية والتقدمية اسوة بالعديد من أمثاله في افريقيا وآسيا، وعلى سبيل المثل في بورما، لا يتركون المجال لأي احتجاج، إذ أنه يأخذون شرعيتهم من التقدمية المزعومة ويصبحون أسرى معتقداتهم الإيديلوجية حيث لا يكفي أن يكون الرئيس أنانياً أو متسلطاً ليصبح طاغية، بل يلزمه نظام سياسي يسبح له بأن يصبح دكتاتوراً طاغياً.
وهذا كا كانت عليه الحال لعشرات السنين مع ستالين في الاتحاد السوفياني كذلك في ألمانيا النازية أيام أودلف هتلر، ومن المؤسف جداً أن هذه الحقبة التعيسة من التاريخ يديرها رجال مرضى لكن الشعوب تتفاخر بالانتساب إليهم.
------------------------------------------------
للمشاهدة باقى الاجزاء السابقة تابعوا قسم الثقافة فى منتديات عيت ارفاد التميمى
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
المرتجع حنتوش- مشرف قسم المنتدي العام
-
عدد المشاركات : 21264
العمر : 32
رقم العضوية : 121
قوة التقييم : 41
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: مرضى حكموا العالم (غوام نكروما KWAME NKRUMAH)
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: مرضى حكموا العالم (غوام نكروما KWAME NKRUMAH)
شكرا للموضوع الرائع والمتميز..وفقكم الله
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
لحظة الوداع من أصعب اللحظات على البشر .. ولكن ما باليد حيله
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
زهرة اللوتس- إداري
-
عدد المشاركات : 124527
العمر : 42
رقم العضوية : 2346
قوة التقييم : 158
تاريخ التسجيل : 30/06/2010
مواضيع مماثلة
» مرضى حكموا العالم
» مرضى حكموا العالم 7(قسطنطين تشرنانكو KONSTANTIN CHERNENKO)
» مرضى حكموا العالم (تانكريدو نافذ TANCREDO NEVES) جزء 8
» مرضى حكموا العالم (احمد سكوتوري SEKOU TOURE)
» مرضى حكموا العالم (فرنسوا ده فاليه FRANCOIS DUVALIER)
» مرضى حكموا العالم 7(قسطنطين تشرنانكو KONSTANTIN CHERNENKO)
» مرضى حكموا العالم (تانكريدو نافذ TANCREDO NEVES) جزء 8
» مرضى حكموا العالم (احمد سكوتوري SEKOU TOURE)
» مرضى حكموا العالم (فرنسوا ده فاليه FRANCOIS DUVALIER)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
أمس في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
أمس في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
أمس في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
أمس في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
2024-11-04, 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR