إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
مرضى حكموا العالم
+3
بنت طبرق الحرة
الكابتن
STAR
7 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مرضى حكموا العالم
مقدمة
"تعددت الاسباب والموت واحد", فالموت حق يصيب كل كائن على وجه الارض مهما علا شأنه.
إلّا أن موت عظماء هذا العالم له طابعه الممّيز , والشيئ الملفت للنظر أنّ كثيراً من هؤلاء العظماء قد لاقوا حتفهم نتيجة خضوعهم لعلاجات شبه متناقضة تعود لكثرة الأطباء المحيطين بهم .
هذا الوضع دفع العديد من المقّربين من هؤلاء العظام لإلقاء الأضواء على وضعهم الصحيّ وإظهار حقائق كثيرة طالما بقيت طيّ الكتمان ومنها أنّ عدداً لا يستهان به من هؤلاء الرؤساء كانو يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة تترك آثارها السلبيّة الواضحة في طريقة حكمهم , خاصّة أنّ لاأحداً كان يتخلّى بملء إرادته عن الحكم أو حّتى عن جزء بسيط من مسؤوليّاته. ويبقى المواطن الضحيّة الأولى والأخيرة .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أنّ هذه الاخطار الناجمة عن مثل هذه الاوضاع الصحيّة جديّة وإلى أيّ حدّ؟
الواقع أنّ التاريخ يحمل في طيّاته الجواب الصحيح والوافي . ألم يكن تفشّي مرض الطاعون السبب الرئيسي في سقوط الأمبراطورية اليونانية وخسارتها لأسطولها وقدرتها وسيطرتها على العالم آنذاك؟ ألم يكن أيضاً مرض الملاريا سبباً في انهيار الأمبراطورية الرومانية ؟ وكذلك مرض الطاعون في القرن الرابع عشر والذي عاد وظهر بحدّة في إنكلترا وأثّر سلبّاً ليس على التجارة في هذا البلد وحسب وإنّما على التجارة في القارّة الأوروبّية بأكملها؟ وإذا كان التاريخ قد سجّل تأثير الامراض على الجماعات, إلاّ أنّه أغُفل عن تسجيل تأثير الأمراض على الرؤساء والعظماء في هذا العالم على الرغم من أهمّية التوازن الفكريّ والجسديّ لدى الحاكم .
ويؤكّد الأميركي "روسك" والذي تسنّى له مراقبة تصّرفات الرئيسين "كينيدي"و"جونسون"عن كثب وحضور أهمّ القمم العالمّية أنّ عدداً كبيراً من القرارات اتّخذت تحت تأثير ارتفاع في الضغط مثلا أو تشّنج في العضلات والأعصاب أو ....وكان من الممكن أن تكون مختلفة ومغايرة لما جاءت عليه.
في الواقع أنّه في مؤتمر "يالطا" حيث قرر السوفيات والأميركيون اقتسام مناطق النفوذ في العالم أثرالحرب العالمية الثانية , تمكن "ستالين"من السيطرة على الرئيس الأمريكي "روزفلت"الذي كان يشكو يومها من وضع صحي متدهو ...إلا أن هذا الأخير استطاع أن يثأر لنفسه بعد مرور 150 يوماًبالضبط في "بوتستدام"بشخص الرئيس تشرشل , إذ أن "ستالين"بدا خائفاً على نفسه , قليل الحركة والكلام إثر تعرضه لنوبة قلبية.
وما ابتغينا في كتابنا هذا إظهار حقائق مخيفة تبين مدى تأثير التدهور الصحي على قرارات على درجة كبيرة من الخطورة, والأخطر في الأمر يبقى مرتبطا بوجود السلاح النووي والذي يبقى استعماله حكراً على قرارات مثل هؤلاء الرؤساء....المرضى؟
(رونالد ريغن)
ولد ممثلاً , ونمىَّ هذه الموهبة حتى البراعة, فامتهن التمثيل , وخاض هذا المضمار بنجاح , حتى درجة النجومية وأصبح عضواً بارزاً في المحافل الفنية والسينمائية. تخطب ودّه وتتسابق على التعاقد معه كبريات الشركات والستديوهات . وبالفعل اشترك في تمثيل العديد من الأفلام والمسلسلات التي لاقت استحسان النقاد العالميين , وإقبالاً شعبياً كثيفاً , ناهيك , عن المردود المادي الناتج عن التزاحم اللافت للأنظار , والانتظار الطويل امام شبابيك التذاكر , علماً بأن بعض أفلامه كانت تعرض بالوقت نفسه في عشرات الدور السينمائية في أرجاء الولايات الأمريكية الشائعة , كما في عواصم الدول الأوروبية والعالمية , والجدير بالذكر , أنه كان على البعض أن يشتري بطاقات بتواريخ مؤجلة لا تسمح لهم بالدخول , إلا بعد مرور عدة ايام عديدة , وهكذا ازهرت سوق سوداء , لتداول هذه التذاكر, بأثمان تفوق بعشرات الدولارات ثمنها الأصلي .
ونما ساعد رونالد ريغن على النجاح في الأدوار التي أسندت إليه , بالإضافة إلى قامته الطويلة وإطلالته اللافتة للنظر , حسن أداءه للحوار بحركات ونبرات صوته المعبرة التي تساعده كثيراً على إيصال ما يريده من أحاسيس ومشاعر إلى جمهوره, وقد وظف فيما بعد ميزاته الطبيعية وبراعته التمثيلية والخطابية لخوض غمار السياسة في بلاده , فتبؤأ سدة الرئاسة مرتين متتالييتين , وهذا أقصى ما يسمح به الدستور الأمريكي .
كما في دخوله إلى البيت الأبيض , كذلك قبل خروجه القسري منه , لم يتمكن ريغن من التخلي عن طبيعته الفطرية كممثل , فيترك الساحة ببساطة , متخلياً عن أمجاده وأدواره , بل أقحم نفسه في مستقبل بلاده , واختيار الشخص الذي يعتبره الأنسب لخلافته , وإدارة التركة والإرث من بعده.
فرمى بكامل ثقله في الميدان مجيراً إنجازاته وانتصاراته : الحقيقية منها والمزعومة إلى خليفته العتيد وذلك قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية , عام 1988 وبالتالي , قبل اعتزاله وخروجه من البيت
الأبيض , وفي نهار الاثنين الواقع في الخامس عشر من آب , أعلن تأييده الكامل , ودون أي تحفظ, لترشيح جورج بوش , أمام المؤتمر الجمهوري العام , الذي انعقد في مدينة اورليان – الجديدة . وهذه الخطوة النادرة من نوعها شكلت عنصراً أساسياً في نجاح بوش ووصوله إلى الرئاسة . وعلينا ان نرجع ثلاثين سنة إلى الوراء , لنجد تعهداّ مماثلاّ, وتحديداً, سنة 1960 , عندما تعهد الرئيس الجنرال داويد ايزنهاور , قبل انتهاء ولايته , وامام المؤتمر الجمهوري عينه مساندة ودعم ريتشارد نيكسون في معركته الانتخابية وخلافته ولكنه في ذلك العهد , كان ايزنهاور يستعد لترك منصبه وتركته بقرف غير أسف , وكأنه يتحرر من أعمال السخرة , وهكذا دفع نيكسون الثمن , فنال (118550 )من أصل (68838879 ) صوتاً, في وجه منافسه الديمقراطي جون كينيدي.
ريغن , في مجال دعمه لترشيح خليفته بوش , قد استعمل طريقة خاصة به, تختلف أختلافاً جذرياً عن طريقة ايزنهاور في دعمه لنيكسون . فعلى طريقة نجم مسرحية , يقدم أفراد فرقته إلى الجمهور قبل الأبتداء بالتمثيل , مكرراً تقديره وأحترامه لبوش , كما قدم له الشكر والأعجاب بالأعمال التي شاركه في إنجازها خلال السنوات الثماني التي أمضاها إلى جانبه كنائب للرئيس.وبهذا كان يجيب بصورة غير مباشرة على منتقدي بوش ,إذ كانوا ينعتونه بالرجل الخفي, وبأنه لا يتمكن من أعتلاء منصته , دون الرجوع إلى مذكرة قد أعدها مسبقاً, كذلك بأنه لا يتمكن من الكلام بضع دقائق دون اقتراف عشرات الأخظاء .
من عادة الرئيس ريغن أن لا يتكلم إلا عن نفسه , لكن في هذا الأثنين الواقع في الخامس من آب , وخلافاً لعادته , لاحظ الحضور , أن ريغن لجم نفسه كخطيب مفوه, وحدّ من بلاغته , وذلك دون شك كي لا يستحق أو يغطي بوش , ويظهره بمظهر المحدود . وفي هذه الخطبة قدم للجمهور تعهدات مهمة بالنسبة إلى مقدرات بوش كذلك , ودع مؤيديه بطريقة عاطفية ذاكراً بأسف شديد السنين الطيبة التي قضاها في البيت الأبيض في حدمة بلاده والأمة الأميركية . بعد ذلك كرًس لريغن نفسه خلال خريف 1988 كلياً لمعركة انتخاب بوش , وهكذا ابتعد ومن ثم ترك السلطة بهدوء ونعومة .
ولكنه لم يترك فرصة تفوته دون تحية جمهوره ومؤيديه , وتذكيرهم بشكل مفصّل عن أحد إنجازاته وانتصاره أثناء وجوده في الحكم , مما يهز مشاعر الشعب فيصفقون له طويلاً, ويهتفون عالياً. ففي هذه الاجتماعات الحافلة , حيث يختلط الحابل بالنابل , ويجتمع العابس بالنابس , لا يهم سوى الكلمات الموسيقية والألفاظ الطنانة كما عندما يقول :لقد تحررت أفغانستان من السوفياتيين , وحل السلام بين إيران والعراق , وخيم الاسترخاء على أفريقيا الجنوبية . أما عندما يصل إلى حبه لأميركا , فيكاد يذوب من شدة هذا الحب وعلى طريقة الأطفال الأمريكين , يذكر , أن في أميركا مئتي طعمة من المثلجات المختلفة . ويقول بنقمة لا تخلو من الأسف , إنني ذاهب دون شك , ولكن بوش سيخلفني , لأنه لا يزال يوجد الكثير من الأشواك لتنظيفها , ومن الحواجز لتجاوزها ومن الخيول لامتطائها. وتابع مازحاً وللضرورة , أترك لكم عنواني ورقم هاتفي ... وجدير بالذكر أن هذا النوع من المزاح كان يثير اشمئزاز مرغريت تاتشر في كواليس لإجتماعات القمة.
كان ريغن يهلع فزعاً عندما يتذكر بأنه بعد أسابيع معدودة سيسبح في الفراغ والصمت , بعد أن أمضى , ليس شهراً, بل سنوات مع القوة والسلطة , فيغرق في نفسه حتى يهدأ فيقول لنفسه: "سيكون في إمكاني دائماً, أن أدفع بوابة "دل سيالو" إسطبله الفخم الكائن في شمال سانتا برباره في كاليفورنيا حيث أستريح". وهنا ينوي تمضية بقية حياته. في إحدى جولاته الإنتخابية لدعم ولي عهدة بوش , وذلك بعد ظهر يوم الأربعاء الواقع 3 اب 1988 , وجه إليه أحد الصحفيين مستفسراً عن رأيه بمايكل دوكاكيس الملقب " بالدوق " فما كان منه إلا أن علت شفتيه ابتسامة ساخرة , ثم نزل تاركاً المنبر وهو يلقي قنبلة , إذ تمتم على مسمع من الصحفين , دعكم منه, لاأريد أن أغتاب رجلاً معاقاً. وهذه إشارة واضحة ومباشرة إلى الأشاعات التي راجت حول صحة دوكاكيس العقلية اثر مقتل شقيقه بحادث سنة 1973 , وفشله في أنتخابات حاكم لولاية ماساشوست سنة 1978 فأصيب دوكاكيس بهبوط في الأعصاب , وانزوى على نفسه مبتعداً عن المراكز العامة وبقي على هذه الحال, حتى ما قبل الافتتاح الرسمي لمعركة الإنتخابات الرئاسية , إذ , بصورة فجائية وعجائبية , نفض غبار الزمن عن نفسه . وغاص في غمار المعركة حتى أذنيه, ونال تأييداً لابأس به, لا بل مشجعاً حتى رمى ريغن قنبلته الموقوتة وتناولتها جميع الصحف والإذاعات , مع ما شاء كل صحفي ومذيع من الإضافة إليها من " مقبلات " ولما كانوا في الولايات الأميركية , لا يمزحون , ولايحابون , ورغم أنه أقسم أغلظ الأيمان نافياً أنه كان قد خضع لأي علاج نفساني أو عصبي وتحدى كل من يريد أن يثبت عكس ذلك يتقرير طبي أو شهادة طبيب . ولكن يمينه وتحدياته , بقيت دون فائدة ,إذ انفض من حوله حتى أقرب المقربين إليه وأصبح وحيداً في الساحة , ثم أبرز في مؤتمر صحفي شهادة من طبيبه الخاص تنفي نفياً قاطعاً الإشاعات التي تلوك سمعته . كذلك وزع على الصحف صوراًعن نتائج الفحوصات السنوية العامة التي أجراها قبيل معركة الأنتخابات على عادة الأميريكين , تؤكد سلامته وتمتعه بصحة عقلية وجسدية ممتازة , مما حمل رونالد ريغن على التراجع معتذراً ما قاله بأنه لم يكن سوى مزحة , ولم يكن من المستحسن أن يقول ذلك .
إنها غلطة ...حقاً الأقرب إلى الحقيقة , مكر واحتيال هكذا أصبح رونالد ريغن معنياً بكثير من كبريات الصحف, إذ أنه يعرف جيداً أكثر من غيره , بأن صحة الرئيس في السلطة , كذلك صحة المرشحين لهذا المركز , في أميركا , كما, في جميع الدول الراقية, هي من شؤون الدولة المهمة , خصوصاً أنه خطيب مفوه, يملك قوة الإقناع , ومع هذه المواهب لايُسمح أن يتجاهل قوة الكلمة , خصوصاً أن هذه المزايا, أوصلته إلى أعلى المراتب . لكن , لدى وصوله إلى البيت الأبيض , لم ير عظماء العالم القديم في هذا الحدث سوى نجاح ممثل سابق , نشأ وتربى في مدرسة هوليود للجمال وفن الجاذبية , إذ لم يكن يهمهم سوى مظهر . وقد كان جميلاً في حينه, وقد قوُم هذا الحدث في أوروبا على أنه اختراق لايصدق وغير معقول .
لم يندهش لهذا الحدث أحد من الأمريكين . وأقصى ما علق البعض على ذلك بقوله: إنه راعي بقر سابق , عرف كيف يتسلق الدرج بمهارة . والكثير من المواطنين المنحدرين من الطبقة البورجوازية , كما من أهالي الريف البعيد , صوتوا بكثافة لمصلحته سنة1980 ومن ثم سنة 1984 وما زالوا حتى الآن يتحسرون عليه وعلى اعتكافه وابتعاده عن المسرح السياسي , كما أن صورته المجسمة لا تزال تزين صدور الصالونات في العديد من البيوتات من مختلف المستويات مع رسوم لنكولن , روزفلت وغيرهم من العظماء والأبطال الأمريكيين . لاغرابة في ذلك ؛إذ طالما أعجب الأمريكيون بالمغامرين وأصحاب الصرعات . وفي المقابل لا يأبهون مطلقاً لمن يطلقون عليهم تسمية "أنصاف الرابحين" الذين يولدون وفي أفواههم ملاعق من ذهب , على مثال جون كيندي والذين لا يبذلون الكثير من الجهود للتوصل إلى النجاح والمراكز العالية .
بالنسبة لريغن , فقد بدأ حياته السياسية من أسفل الدرج ثم انطلق صعوداً بتؤدة وانتظام , من هضبة إلى هضبة , حتى القمة , حيث تربع مستريحاً في البيت الأبيض, مركز السلطة والقرار في العالم . وهكذا صنّف بين الأبطال الذين أججوا مشاعر الأمريكيين , ودخلوا إلى قلوبهم بأحداث وتصرفات لا تمحى من ذكرياتهم وتاريخهم, وأصبحوا مدعاة اعتزازهم وتفاخرهم.
سنة 1980 أختير رونالد ريغن لرئاسة الجمهورية الأمريكية وكان قد تعهد بأنه سيمحو الإذلال الذي أصيب به الولايات المتحدة في عهد (جيمي كارتر) حيث في طهران , "أحرق جنود الله العلم ذا النجوم , العلم الأمريكي , واحتجزوا ممثل واشنطن وجميع أفراد السفارة الأمريكية كرهائن فبانتخابهم لريغن , لم ينتخبوا فقط, رجلاً خارقاً(سوبرمان) في ثياب أنيقة , وطلة مهيبة يوحي بالقوة والرجولة ؛ إنما أنتخبوه أيضاً , ابن أحد تجار الأحذية في "تمبيكو" من ولاية "ألينوى", والتلميذ المرموق المنحدر من أصل أيرلندي , الشعب الذي يحمل في خلاياه ودمائه , العناد وكبر الرأس والتلميذ , الذي يحمل دبلوماً في الاقتصاد والعلاقات العامة , وهو ابن الثانية والعشرين من العمر وقد انتسب الى جامعة إيريكا Eureka . والسبّاح المنقذ إلى جانب كونه الأجهر صوتاً, والأكثر صراخاً في المدارج , والصحفيّ الرياضيّ.
وختاماً ممثل الأربعينات والخمسينات الناجح والناطق بالأعمال باسم شركة جنرال الكتريك . ثم اقتحم حاكمية ولاية كاليفورنيا , وخطيب الحزب الجمهوري وكاتب إفتتاحيات صحفية , وقد نال إعجاب الشعب الأمريكي لأسباب عديدة غير ماذكرنا. منها أنه يجد لذة خاصة بتقطيعه الحطب لمدفأته وفي امتطاء حصانه , وأن يشاهد في منزله , على الفيديو , صورته في الأقطار الأميركية البعيدة , كما لا يجد غضاضة في التصريح بأنه يكره ركوب الطائرة كالكثير من الشعب الأمريكي , وأنه شغوف بأكل المعكرونة بالجبن , وبأنه يروي الحكايات السخيفة التي لا معنى لها , ولا يمنع بأن تكون بعض الأحيان , واقعية .
رونالد ريغن وصوت الطبل
يتمتع ريغن بصوت جهوري دافئ , له رنة محببة وهو يعرف كيف يستعمله . فلكل حديث , بل كل مقطع نغمة معينة وبهذا يتقرب من كل أنواع البشر , ولا سيما الطبقات الشعبية . فهو خجول مع الخجولين ومتصلب مع المتصلبين ومتسلط مع المتسلطين . وقد عقد صلات الصداقة مع أصحاب السلطة والمراكز كذلك مع المثقفين الذين تعاقبوا تباعاً على المكتب البيضاوي الشهير . وقد أستنبط أخصامه ومنافسوه سخرية يتناقلونها فيما بينهم وهي أن صوته يشبه صوت الطبل , ربما كان ذلك صحيحاً, بعض الشيئ ولكن من القياس الكبير .
كذلك كان ريغن أكبر الرؤوساء الأميركيين سناً. كان في التاسعة والستين وتسعة أشهر يوم أنتخابه , في الرابع من تشرين الثاني سنة 1980 , وكان في الثالثة والسبعين وتسعة أشهر يوم أُعيد انتخابه سنة 1984.
منذ سنة 1789 , السنة الأولى من عهد الرئيس جورج واشنطن , تعاقب على سدة الرئاسةالأميركية 38 رجل دولة , قبل وصول ريغن إليها وتمركزه في البيت الأبيض طيلة ثمانية أعوام . وخمسة عشر من مجموعهم تمكن , مثل ريغن من إعادة أنتخابه مرتين . أما السادس عشر والذي نال قصب السبق فهو الرئيس فرانكلين روزفلت , الذي أنتخب أربع مرات متتالية أقام منها أكثر بقليل من أثنتي عشر سنة في البيت الأبيض , وفارق الحياة وهو في الثالثة والستين من العمر . أما بقية الرؤوساء الذين حكموا الولايات المتحدة الأميركية فكان سبعة منهم لم يصلوا بعد إلى سن الخمسين سنة , وثلاثة وعشرون لم يبلغوا الستين سنة , وسبعة أقل من خمسة وستين سنة , أما الجنرال وليام هاريسون , فكان في الثامنة والستين من عمره عند أنتخابه سنة 1841 , ولكنه لم يتمتع طويلاً بهذا المركز , إذ عاجله الموت في الشهر التالي لاستلامه الحكم.
رونالد ريغن " العجوز"
احتل رونالد ريغن , البيت الأبيض , واسترخى في المكتب البيضاوي الشهير , في الرابع من تشرين الثاني سنة 1980 وله من العمر تسعة وستون سنة وتسعة أشهر تماماً, وفي انتخابه للمرة الثانية سنة 1984 , كان قد بلغ الثالثة والسبعين وتسعة أشهر , مما يعني , خصوصاً في نظر الشعب الأمريكي , أنه يوم أنتخب للمرة الأولى , كان ريغن شيخاً أما عندما أنتخب للمرة الثانية , فقد أصبح شيخاً عجوزاً , عرفت معه الولايات الأمريكية المتحدة , النظام السياسي , الذي عانت واشتكت منه بعض الشعوب , والذي كان موضع سخرية وتهكم الأمريكيين , وخصوصاً حكم الأتحاد السوفياتي . فقد كان له القسط الأوفر من النكات والأوصاف القبيحة . حتى الصحف الأميركية لم تتورع عن نشر الصور الكاريكاتورية لرجالات الحكم في الأتحاد السوفياتي , أقلها , "نيكيتا خوتشوف " بهيئة دب هرم , يدب متوكأ على عصاتين . وأقل ما قاله الأمريكيون في هذا المجال : إن الشعب السوفياتي المسكين يرزح تحت حكم الشيوخ . هذا في البلاد ذات الأنظمة الجمهورية الديمقراطية . أما في البلاد الملكية , فعلى العكس تماماً , إذ كلما تقدم المليك بالعمر , زاد حبه وأحترامه من قبل الشعب , لإيمانهم بأن السنين تزيد الرجال حكمةً ورصانة , فتبعدهم عن الرعونة والتهور , فلا يزجون ببلادهم وشعوبهم في ما لا تحمد عقباه , ولا تعرف نتائجه . وقد أعطى بعض المفكرين والكتاب أمثالاً صارخة على ذلك لا تقبل الجدل , وأقربها تاريخياً , السعيدا الذكر , هتلر وموسوليني , فعندما اغتصب هتلر الحكم في ألمانيا , سنة 1933 , كان في الرابعة والأربعين من عمره , أما زميله وحليفه موسوليني فكان في الثامنة والثلاثين , يوم نصب نفسه دكتاتوراً على إيطاليا . ومن ثم زجّا العالم في أتون حرب ضروس , زلزلت الأرض وأحرقت شعوب العالم وخلّفت من الخراب والدمار ما لا يعوض , ولا يقدر بثمن . كما أنها حصدت أكثر من أربعين مليون قتيل . ومثلهم من المعاقين والمشوهين ومئآت الملايين من البؤساء من المشردين : وكل ذلك دوّن في حساب الزعيمين الكبيرين , كما أن في التاريخ أمثالاً كثيرة , تثبت أن العنف , والظلم , والتصدي , لايصدر إلا من الرجال في مقتبل أعمارهم وأوج رجولتهم وليس من الشيوخ والحكماء وأصحاب الروية والتبصر . وأخيراً , فإن التاريخ لاينسى الأمبراطور إيفان الرابع الذي لُقب فيما بعد بالرهيب إذ جعل الرعب يسيطر على روسيا وسائر أرجاء أمبراطوريته الشاسعة وهو في الواحد والثلاثين من العمر .
لم ينفرد هتلر وموسوليني وإيفان الرهيب وغيرهم ممن مر ذكرهم معنا , في إشعال الحروب , مقتحمين بلاد العالم , مدفوعين بشهواتهم الهستيرية في التوسع , والتسلط على البلاد والشعوب , والأستئثار بخيراتها وإنجازاتها , غير آبهين بالخراب والمار , اللذين يتسببون بهما , والبؤس والشقاء اللذين يخلفونهما وراء جحافلهم ناهيك , عن ألوف القتلى والجرحى والمشردين , إن في صفوفهم أو في صفوف البلاد التي يقتحمونها , فإن كتب التاريخ تضيق بذكرهم , وسرد نتائج غزواتهم وفتوحاتهم . وجميع هؤلاء القادة كانوا بين الثلاثينيات و الأربعينات من عمرهم .
ريغن وتأثير العمر على تصرفاته
في المقابل , ثمة قاعدة ثابتة , لاتقبل الجدل , وتعنينا جمعياً دون أي استثناء ولا مهرب منها لأحد:" عندما يكبر الإنسان في العمر يضعف" فإن مرور السنين , وهروب الزمن , يسهمان اسهاماً سلبياً حتمياً , على تركيبة الجسم البشري , إذ يتآكل هذا الجسم , وينال منه الوهن , بجميع أعضائه وأجهزته ومنها الدماغ .وهذه الظاهرة تصيب عظماء العالم , كما تصيب صعاليكه . فتصيب في من تصيبه, ممن توصلوا إلى القناعة وابتلاع ما يردده على مسامعهم بعض الأطباء المراهنين الذين يحيطون بهم , ويلعقون من صحونهم , بأن رحيق العظمة يحصنهم , ويغمسهم , كما يغمس الفولاذ, فيزيدهم قوة وصلابة ويمنع عنهم الصدأ والتآكل "إذا صح التعبير".
إن تسلم رونالد ريغن السلطة العليا , وبالتالي , زمام البلاد والعباد , وهو في خريف العمر , مخاطرة بحد ذاتها تتعرض لها الولايات المتحدة , وإن الشعب الأمريكي يشترك في المسؤولية والنتائج المحتملة من جراء الخلل السياسي والإداري , الناتج عن المتاعب الصحية التي يعاني منها الرئيس , خصوصاً إذا تفاقمت , وهذا , أمر طبيعي بالنسبة , إلى المسنين .
خلال الحملة الانتخابية التي أوصلت ريغن إلى البيت الأبيض للمرة الأولى , سنة 1980 , لاحظ بعض المراقبين , اللذين لا يؤخذون بالعاطفة , ولا يتأثرون , بهالة البطولة والتحدي , التي ينسجها جماعة ريغن من حوله , تصلباً في رأيه وغطرسة في تصرفاته تجاه المنتخبين , عكس ما هو مفترض , في مثل هذا الظرف , من اللطف والليونة , وبعد أن ربح المعركة واستقر في البيت , ودون الرجوع إلى الملفات , ودراسة الوثائق , اقترف خطيئة لا تغتفر , إذ أنها تمس مباشرة سياسة أميركا الخارجية , المتعلقة , بالعلاقات الأمريكية مع الصين الشيوعية , والتي كان سلفه , الرئيس نيكسون , قد قام بجهود مضنية , وحوارات طويلة حتى رسّخ جذورها وأذاب الجليد المتراكم بين الدولتين منذ عشرات سنين .
لقد اقترح ريغن , دونما سبب أو مناسبة , بصورة علنية , إعادة العلاقات , بأسرع ما يمكن , بين الولايات المتحدة , والصين الوطنية , مما جعل سلطات الصين الشيوعية تحتج بشدة غضب . وفي صباح اليوم التالي , بعد إطلاعه على العناوين الكبيرة , في الصفحات الألولى من الجرائد , رجع الى رشده , و في محاولة يائسة لإصلاح ما افسد , لم يجد من وسيلة , سوى توجيه اللوم الى الصحفيين و المعلقين مدعياً , بأنهم اساؤوا فهم و ترجمة أقواله , و هذه التمثيليات شائعة الحصول في المجالات السياسية لكن المستغرب أن ريغن و بين مساعديه الشاهدين على غلطه , رفض بشكل قاطع إمكان وقوعه بالخطأ . و ليست هذه الحادثة , وحيدة من نوعها بل كانت تتكرر بشكل كثيف . و قد عزا بعض المراقبين هذه الحالة , الى إختلال في المزاج , يصاب به المسنون من وقت لآخر .
الشلة الكاليفورنية المسنة
" قديما قيل : الناس على دين ملوكهم " مما لفت أنظار المراقبين , أن الفريق المحيط بالرئيس ريغن , و الذي سمي في حينه " الشلة الكاليفورنية" و كان قد لحق به إلى البيت الأبيض , يتألف في أكثريته , من رجال مسنين يجايلون رئيسهم . فوليام كاسي المحامي النيويوركي الثري , الذي يعتبره ريغن " أخاه في السلاح " رغم أنه لا ينتمي إلى " العائلة الغربية " كان في السابعة و الستين من عمره عندما قاد المعركة الإنتخابية الرئاسية " بفعالية " لمصلحة ريغن . ثم إعتنق بشكل تام أفكاره , و تبنى طريقته في كل ما يتعلق بالدفاع , و الأمن القومي و الإقتصاد . و على سبيل المكافأة , أسند إليه ريغن , مديرية وكالة الإستخبارات الأمريكية CIA . و بهذا أصبح من أقوى رجالات الولايات المتحدة , مما سمح له باستعماله لهذه المؤسسة الهائلة على هواه , أن ينتهج سياسة خارجية خاصة به . و من طريف الصدف أن كاسي يعاني كرئيسه نفس الهموم و المصاعب الصحية .فقد أصيب الإثنان في نفس الوقت بالسرطان , أصيب ريغن أولاً بسرطان بسيط في البروستات , أما كاسي فكانت إصابته أخطر , إذ أصيب بتورم سرطاني في الدماغ . و لابد لهذا الخبيث , في نموه و تمدده الصامت من أن يولد لدى المريض هماً و غماً و شعورا بالإحباط , مما يؤثر سلبا على تصرفاته و قراراته , دون أدنى شك . إن معركة ريغن الإنتخابية الأولى , ولّدت ردات فعل معتدلة و مختلفة , باختلاف الفئات و المصالح . فالموظفون أعلنوا العداوة علناً , إذ أن ريغن كان قد أعلن في برنامجه الإنتخابي , تخفيض مصاريف الدولة بنسبة كبيرة , مما يعني الإستغناء عن خدمات الألوف من الموظفين . اما تصريحاته باعتماد الليبرالية التامة والغير المشروطة لكل ما يتعلق بلاقتصاد والاستثمار , فقد ولدت شعوراً بالحذر . لكن الشعور بالراحة والسعادة , ققد عم الاكثرية الساحقة من الشعب الأميركي , عندما اعلن عن تعهده بتخفيض الضرائب عن كاهل الشعب وخصوصاً الطيقات المتوسطة وما دونها , والسير على خطى الرئيس الأسبق فرنكلين روزفلت , وإجراء تغيير جذري في الحكم . وكثيراً ما كان يردد في خطبه صفة كان قد اعتنقها وسيطرت عليه حتى الوسواس :" العائلة , العمل , الحرية , السلام , احترام القريب " مما اثار سخرية الديمقراطيين . إلا انها اعطت ثمارها , وفاز ريغن في الانتخابات .
"تعددت الاسباب والموت واحد", فالموت حق يصيب كل كائن على وجه الارض مهما علا شأنه.
إلّا أن موت عظماء هذا العالم له طابعه الممّيز , والشيئ الملفت للنظر أنّ كثيراً من هؤلاء العظماء قد لاقوا حتفهم نتيجة خضوعهم لعلاجات شبه متناقضة تعود لكثرة الأطباء المحيطين بهم .
هذا الوضع دفع العديد من المقّربين من هؤلاء العظام لإلقاء الأضواء على وضعهم الصحيّ وإظهار حقائق كثيرة طالما بقيت طيّ الكتمان ومنها أنّ عدداً لا يستهان به من هؤلاء الرؤساء كانو يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة تترك آثارها السلبيّة الواضحة في طريقة حكمهم , خاصّة أنّ لاأحداً كان يتخلّى بملء إرادته عن الحكم أو حّتى عن جزء بسيط من مسؤوليّاته. ويبقى المواطن الضحيّة الأولى والأخيرة .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أنّ هذه الاخطار الناجمة عن مثل هذه الاوضاع الصحيّة جديّة وإلى أيّ حدّ؟
الواقع أنّ التاريخ يحمل في طيّاته الجواب الصحيح والوافي . ألم يكن تفشّي مرض الطاعون السبب الرئيسي في سقوط الأمبراطورية اليونانية وخسارتها لأسطولها وقدرتها وسيطرتها على العالم آنذاك؟ ألم يكن أيضاً مرض الملاريا سبباً في انهيار الأمبراطورية الرومانية ؟ وكذلك مرض الطاعون في القرن الرابع عشر والذي عاد وظهر بحدّة في إنكلترا وأثّر سلبّاً ليس على التجارة في هذا البلد وحسب وإنّما على التجارة في القارّة الأوروبّية بأكملها؟ وإذا كان التاريخ قد سجّل تأثير الامراض على الجماعات, إلاّ أنّه أغُفل عن تسجيل تأثير الأمراض على الرؤساء والعظماء في هذا العالم على الرغم من أهمّية التوازن الفكريّ والجسديّ لدى الحاكم .
ويؤكّد الأميركي "روسك" والذي تسنّى له مراقبة تصّرفات الرئيسين "كينيدي"و"جونسون"عن كثب وحضور أهمّ القمم العالمّية أنّ عدداً كبيراً من القرارات اتّخذت تحت تأثير ارتفاع في الضغط مثلا أو تشّنج في العضلات والأعصاب أو ....وكان من الممكن أن تكون مختلفة ومغايرة لما جاءت عليه.
في الواقع أنّه في مؤتمر "يالطا" حيث قرر السوفيات والأميركيون اقتسام مناطق النفوذ في العالم أثرالحرب العالمية الثانية , تمكن "ستالين"من السيطرة على الرئيس الأمريكي "روزفلت"الذي كان يشكو يومها من وضع صحي متدهو ...إلا أن هذا الأخير استطاع أن يثأر لنفسه بعد مرور 150 يوماًبالضبط في "بوتستدام"بشخص الرئيس تشرشل , إذ أن "ستالين"بدا خائفاً على نفسه , قليل الحركة والكلام إثر تعرضه لنوبة قلبية.
وما ابتغينا في كتابنا هذا إظهار حقائق مخيفة تبين مدى تأثير التدهور الصحي على قرارات على درجة كبيرة من الخطورة, والأخطر في الأمر يبقى مرتبطا بوجود السلاح النووي والذي يبقى استعماله حكراً على قرارات مثل هؤلاء الرؤساء....المرضى؟
(رونالد ريغن)
ولد ممثلاً , ونمىَّ هذه الموهبة حتى البراعة, فامتهن التمثيل , وخاض هذا المضمار بنجاح , حتى درجة النجومية وأصبح عضواً بارزاً في المحافل الفنية والسينمائية. تخطب ودّه وتتسابق على التعاقد معه كبريات الشركات والستديوهات . وبالفعل اشترك في تمثيل العديد من الأفلام والمسلسلات التي لاقت استحسان النقاد العالميين , وإقبالاً شعبياً كثيفاً , ناهيك , عن المردود المادي الناتج عن التزاحم اللافت للأنظار , والانتظار الطويل امام شبابيك التذاكر , علماً بأن بعض أفلامه كانت تعرض بالوقت نفسه في عشرات الدور السينمائية في أرجاء الولايات الأمريكية الشائعة , كما في عواصم الدول الأوروبية والعالمية , والجدير بالذكر , أنه كان على البعض أن يشتري بطاقات بتواريخ مؤجلة لا تسمح لهم بالدخول , إلا بعد مرور عدة ايام عديدة , وهكذا ازهرت سوق سوداء , لتداول هذه التذاكر, بأثمان تفوق بعشرات الدولارات ثمنها الأصلي .
ونما ساعد رونالد ريغن على النجاح في الأدوار التي أسندت إليه , بالإضافة إلى قامته الطويلة وإطلالته اللافتة للنظر , حسن أداءه للحوار بحركات ونبرات صوته المعبرة التي تساعده كثيراً على إيصال ما يريده من أحاسيس ومشاعر إلى جمهوره, وقد وظف فيما بعد ميزاته الطبيعية وبراعته التمثيلية والخطابية لخوض غمار السياسة في بلاده , فتبؤأ سدة الرئاسة مرتين متتالييتين , وهذا أقصى ما يسمح به الدستور الأمريكي .
كما في دخوله إلى البيت الأبيض , كذلك قبل خروجه القسري منه , لم يتمكن ريغن من التخلي عن طبيعته الفطرية كممثل , فيترك الساحة ببساطة , متخلياً عن أمجاده وأدواره , بل أقحم نفسه في مستقبل بلاده , واختيار الشخص الذي يعتبره الأنسب لخلافته , وإدارة التركة والإرث من بعده.
فرمى بكامل ثقله في الميدان مجيراً إنجازاته وانتصاراته : الحقيقية منها والمزعومة إلى خليفته العتيد وذلك قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية , عام 1988 وبالتالي , قبل اعتزاله وخروجه من البيت
الأبيض , وفي نهار الاثنين الواقع في الخامس عشر من آب , أعلن تأييده الكامل , ودون أي تحفظ, لترشيح جورج بوش , أمام المؤتمر الجمهوري العام , الذي انعقد في مدينة اورليان – الجديدة . وهذه الخطوة النادرة من نوعها شكلت عنصراً أساسياً في نجاح بوش ووصوله إلى الرئاسة . وعلينا ان نرجع ثلاثين سنة إلى الوراء , لنجد تعهداّ مماثلاّ, وتحديداً, سنة 1960 , عندما تعهد الرئيس الجنرال داويد ايزنهاور , قبل انتهاء ولايته , وامام المؤتمر الجمهوري عينه مساندة ودعم ريتشارد نيكسون في معركته الانتخابية وخلافته ولكنه في ذلك العهد , كان ايزنهاور يستعد لترك منصبه وتركته بقرف غير أسف , وكأنه يتحرر من أعمال السخرة , وهكذا دفع نيكسون الثمن , فنال (118550 )من أصل (68838879 ) صوتاً, في وجه منافسه الديمقراطي جون كينيدي.
ريغن , في مجال دعمه لترشيح خليفته بوش , قد استعمل طريقة خاصة به, تختلف أختلافاً جذرياً عن طريقة ايزنهاور في دعمه لنيكسون . فعلى طريقة نجم مسرحية , يقدم أفراد فرقته إلى الجمهور قبل الأبتداء بالتمثيل , مكرراً تقديره وأحترامه لبوش , كما قدم له الشكر والأعجاب بالأعمال التي شاركه في إنجازها خلال السنوات الثماني التي أمضاها إلى جانبه كنائب للرئيس.وبهذا كان يجيب بصورة غير مباشرة على منتقدي بوش ,إذ كانوا ينعتونه بالرجل الخفي, وبأنه لا يتمكن من أعتلاء منصته , دون الرجوع إلى مذكرة قد أعدها مسبقاً, كذلك بأنه لا يتمكن من الكلام بضع دقائق دون اقتراف عشرات الأخظاء .
من عادة الرئيس ريغن أن لا يتكلم إلا عن نفسه , لكن في هذا الأثنين الواقع في الخامس من آب , وخلافاً لعادته , لاحظ الحضور , أن ريغن لجم نفسه كخطيب مفوه, وحدّ من بلاغته , وذلك دون شك كي لا يستحق أو يغطي بوش , ويظهره بمظهر المحدود . وفي هذه الخطبة قدم للجمهور تعهدات مهمة بالنسبة إلى مقدرات بوش كذلك , ودع مؤيديه بطريقة عاطفية ذاكراً بأسف شديد السنين الطيبة التي قضاها في البيت الأبيض في حدمة بلاده والأمة الأميركية . بعد ذلك كرًس لريغن نفسه خلال خريف 1988 كلياً لمعركة انتخاب بوش , وهكذا ابتعد ومن ثم ترك السلطة بهدوء ونعومة .
ولكنه لم يترك فرصة تفوته دون تحية جمهوره ومؤيديه , وتذكيرهم بشكل مفصّل عن أحد إنجازاته وانتصاره أثناء وجوده في الحكم , مما يهز مشاعر الشعب فيصفقون له طويلاً, ويهتفون عالياً. ففي هذه الاجتماعات الحافلة , حيث يختلط الحابل بالنابل , ويجتمع العابس بالنابس , لا يهم سوى الكلمات الموسيقية والألفاظ الطنانة كما عندما يقول :لقد تحررت أفغانستان من السوفياتيين , وحل السلام بين إيران والعراق , وخيم الاسترخاء على أفريقيا الجنوبية . أما عندما يصل إلى حبه لأميركا , فيكاد يذوب من شدة هذا الحب وعلى طريقة الأطفال الأمريكين , يذكر , أن في أميركا مئتي طعمة من المثلجات المختلفة . ويقول بنقمة لا تخلو من الأسف , إنني ذاهب دون شك , ولكن بوش سيخلفني , لأنه لا يزال يوجد الكثير من الأشواك لتنظيفها , ومن الحواجز لتجاوزها ومن الخيول لامتطائها. وتابع مازحاً وللضرورة , أترك لكم عنواني ورقم هاتفي ... وجدير بالذكر أن هذا النوع من المزاح كان يثير اشمئزاز مرغريت تاتشر في كواليس لإجتماعات القمة.
كان ريغن يهلع فزعاً عندما يتذكر بأنه بعد أسابيع معدودة سيسبح في الفراغ والصمت , بعد أن أمضى , ليس شهراً, بل سنوات مع القوة والسلطة , فيغرق في نفسه حتى يهدأ فيقول لنفسه: "سيكون في إمكاني دائماً, أن أدفع بوابة "دل سيالو" إسطبله الفخم الكائن في شمال سانتا برباره في كاليفورنيا حيث أستريح". وهنا ينوي تمضية بقية حياته. في إحدى جولاته الإنتخابية لدعم ولي عهدة بوش , وذلك بعد ظهر يوم الأربعاء الواقع 3 اب 1988 , وجه إليه أحد الصحفيين مستفسراً عن رأيه بمايكل دوكاكيس الملقب " بالدوق " فما كان منه إلا أن علت شفتيه ابتسامة ساخرة , ثم نزل تاركاً المنبر وهو يلقي قنبلة , إذ تمتم على مسمع من الصحفين , دعكم منه, لاأريد أن أغتاب رجلاً معاقاً. وهذه إشارة واضحة ومباشرة إلى الأشاعات التي راجت حول صحة دوكاكيس العقلية اثر مقتل شقيقه بحادث سنة 1973 , وفشله في أنتخابات حاكم لولاية ماساشوست سنة 1978 فأصيب دوكاكيس بهبوط في الأعصاب , وانزوى على نفسه مبتعداً عن المراكز العامة وبقي على هذه الحال, حتى ما قبل الافتتاح الرسمي لمعركة الإنتخابات الرئاسية , إذ , بصورة فجائية وعجائبية , نفض غبار الزمن عن نفسه . وغاص في غمار المعركة حتى أذنيه, ونال تأييداً لابأس به, لا بل مشجعاً حتى رمى ريغن قنبلته الموقوتة وتناولتها جميع الصحف والإذاعات , مع ما شاء كل صحفي ومذيع من الإضافة إليها من " مقبلات " ولما كانوا في الولايات الأميركية , لا يمزحون , ولايحابون , ورغم أنه أقسم أغلظ الأيمان نافياً أنه كان قد خضع لأي علاج نفساني أو عصبي وتحدى كل من يريد أن يثبت عكس ذلك يتقرير طبي أو شهادة طبيب . ولكن يمينه وتحدياته , بقيت دون فائدة ,إذ انفض من حوله حتى أقرب المقربين إليه وأصبح وحيداً في الساحة , ثم أبرز في مؤتمر صحفي شهادة من طبيبه الخاص تنفي نفياً قاطعاً الإشاعات التي تلوك سمعته . كذلك وزع على الصحف صوراًعن نتائج الفحوصات السنوية العامة التي أجراها قبيل معركة الأنتخابات على عادة الأميريكين , تؤكد سلامته وتمتعه بصحة عقلية وجسدية ممتازة , مما حمل رونالد ريغن على التراجع معتذراً ما قاله بأنه لم يكن سوى مزحة , ولم يكن من المستحسن أن يقول ذلك .
إنها غلطة ...حقاً الأقرب إلى الحقيقة , مكر واحتيال هكذا أصبح رونالد ريغن معنياً بكثير من كبريات الصحف, إذ أنه يعرف جيداً أكثر من غيره , بأن صحة الرئيس في السلطة , كذلك صحة المرشحين لهذا المركز , في أميركا , كما, في جميع الدول الراقية, هي من شؤون الدولة المهمة , خصوصاً أنه خطيب مفوه, يملك قوة الإقناع , ومع هذه المواهب لايُسمح أن يتجاهل قوة الكلمة , خصوصاً أن هذه المزايا, أوصلته إلى أعلى المراتب . لكن , لدى وصوله إلى البيت الأبيض , لم ير عظماء العالم القديم في هذا الحدث سوى نجاح ممثل سابق , نشأ وتربى في مدرسة هوليود للجمال وفن الجاذبية , إذ لم يكن يهمهم سوى مظهر . وقد كان جميلاً في حينه, وقد قوُم هذا الحدث في أوروبا على أنه اختراق لايصدق وغير معقول .
لم يندهش لهذا الحدث أحد من الأمريكين . وأقصى ما علق البعض على ذلك بقوله: إنه راعي بقر سابق , عرف كيف يتسلق الدرج بمهارة . والكثير من المواطنين المنحدرين من الطبقة البورجوازية , كما من أهالي الريف البعيد , صوتوا بكثافة لمصلحته سنة1980 ومن ثم سنة 1984 وما زالوا حتى الآن يتحسرون عليه وعلى اعتكافه وابتعاده عن المسرح السياسي , كما أن صورته المجسمة لا تزال تزين صدور الصالونات في العديد من البيوتات من مختلف المستويات مع رسوم لنكولن , روزفلت وغيرهم من العظماء والأبطال الأمريكيين . لاغرابة في ذلك ؛إذ طالما أعجب الأمريكيون بالمغامرين وأصحاب الصرعات . وفي المقابل لا يأبهون مطلقاً لمن يطلقون عليهم تسمية "أنصاف الرابحين" الذين يولدون وفي أفواههم ملاعق من ذهب , على مثال جون كيندي والذين لا يبذلون الكثير من الجهود للتوصل إلى النجاح والمراكز العالية .
بالنسبة لريغن , فقد بدأ حياته السياسية من أسفل الدرج ثم انطلق صعوداً بتؤدة وانتظام , من هضبة إلى هضبة , حتى القمة , حيث تربع مستريحاً في البيت الأبيض, مركز السلطة والقرار في العالم . وهكذا صنّف بين الأبطال الذين أججوا مشاعر الأمريكيين , ودخلوا إلى قلوبهم بأحداث وتصرفات لا تمحى من ذكرياتهم وتاريخهم, وأصبحوا مدعاة اعتزازهم وتفاخرهم.
سنة 1980 أختير رونالد ريغن لرئاسة الجمهورية الأمريكية وكان قد تعهد بأنه سيمحو الإذلال الذي أصيب به الولايات المتحدة في عهد (جيمي كارتر) حيث في طهران , "أحرق جنود الله العلم ذا النجوم , العلم الأمريكي , واحتجزوا ممثل واشنطن وجميع أفراد السفارة الأمريكية كرهائن فبانتخابهم لريغن , لم ينتخبوا فقط, رجلاً خارقاً(سوبرمان) في ثياب أنيقة , وطلة مهيبة يوحي بالقوة والرجولة ؛ إنما أنتخبوه أيضاً , ابن أحد تجار الأحذية في "تمبيكو" من ولاية "ألينوى", والتلميذ المرموق المنحدر من أصل أيرلندي , الشعب الذي يحمل في خلاياه ودمائه , العناد وكبر الرأس والتلميذ , الذي يحمل دبلوماً في الاقتصاد والعلاقات العامة , وهو ابن الثانية والعشرين من العمر وقد انتسب الى جامعة إيريكا Eureka . والسبّاح المنقذ إلى جانب كونه الأجهر صوتاً, والأكثر صراخاً في المدارج , والصحفيّ الرياضيّ.
وختاماً ممثل الأربعينات والخمسينات الناجح والناطق بالأعمال باسم شركة جنرال الكتريك . ثم اقتحم حاكمية ولاية كاليفورنيا , وخطيب الحزب الجمهوري وكاتب إفتتاحيات صحفية , وقد نال إعجاب الشعب الأمريكي لأسباب عديدة غير ماذكرنا. منها أنه يجد لذة خاصة بتقطيعه الحطب لمدفأته وفي امتطاء حصانه , وأن يشاهد في منزله , على الفيديو , صورته في الأقطار الأميركية البعيدة , كما لا يجد غضاضة في التصريح بأنه يكره ركوب الطائرة كالكثير من الشعب الأمريكي , وأنه شغوف بأكل المعكرونة بالجبن , وبأنه يروي الحكايات السخيفة التي لا معنى لها , ولا يمنع بأن تكون بعض الأحيان , واقعية .
رونالد ريغن وصوت الطبل
يتمتع ريغن بصوت جهوري دافئ , له رنة محببة وهو يعرف كيف يستعمله . فلكل حديث , بل كل مقطع نغمة معينة وبهذا يتقرب من كل أنواع البشر , ولا سيما الطبقات الشعبية . فهو خجول مع الخجولين ومتصلب مع المتصلبين ومتسلط مع المتسلطين . وقد عقد صلات الصداقة مع أصحاب السلطة والمراكز كذلك مع المثقفين الذين تعاقبوا تباعاً على المكتب البيضاوي الشهير . وقد أستنبط أخصامه ومنافسوه سخرية يتناقلونها فيما بينهم وهي أن صوته يشبه صوت الطبل , ربما كان ذلك صحيحاً, بعض الشيئ ولكن من القياس الكبير .
كذلك كان ريغن أكبر الرؤوساء الأميركيين سناً. كان في التاسعة والستين وتسعة أشهر يوم أنتخابه , في الرابع من تشرين الثاني سنة 1980 , وكان في الثالثة والسبعين وتسعة أشهر يوم أُعيد انتخابه سنة 1984.
منذ سنة 1789 , السنة الأولى من عهد الرئيس جورج واشنطن , تعاقب على سدة الرئاسةالأميركية 38 رجل دولة , قبل وصول ريغن إليها وتمركزه في البيت الأبيض طيلة ثمانية أعوام . وخمسة عشر من مجموعهم تمكن , مثل ريغن من إعادة أنتخابه مرتين . أما السادس عشر والذي نال قصب السبق فهو الرئيس فرانكلين روزفلت , الذي أنتخب أربع مرات متتالية أقام منها أكثر بقليل من أثنتي عشر سنة في البيت الأبيض , وفارق الحياة وهو في الثالثة والستين من العمر . أما بقية الرؤوساء الذين حكموا الولايات المتحدة الأميركية فكان سبعة منهم لم يصلوا بعد إلى سن الخمسين سنة , وثلاثة وعشرون لم يبلغوا الستين سنة , وسبعة أقل من خمسة وستين سنة , أما الجنرال وليام هاريسون , فكان في الثامنة والستين من عمره عند أنتخابه سنة 1841 , ولكنه لم يتمتع طويلاً بهذا المركز , إذ عاجله الموت في الشهر التالي لاستلامه الحكم.
رونالد ريغن " العجوز"
احتل رونالد ريغن , البيت الأبيض , واسترخى في المكتب البيضاوي الشهير , في الرابع من تشرين الثاني سنة 1980 وله من العمر تسعة وستون سنة وتسعة أشهر تماماً, وفي انتخابه للمرة الثانية سنة 1984 , كان قد بلغ الثالثة والسبعين وتسعة أشهر , مما يعني , خصوصاً في نظر الشعب الأمريكي , أنه يوم أنتخب للمرة الأولى , كان ريغن شيخاً أما عندما أنتخب للمرة الثانية , فقد أصبح شيخاً عجوزاً , عرفت معه الولايات الأمريكية المتحدة , النظام السياسي , الذي عانت واشتكت منه بعض الشعوب , والذي كان موضع سخرية وتهكم الأمريكيين , وخصوصاً حكم الأتحاد السوفياتي . فقد كان له القسط الأوفر من النكات والأوصاف القبيحة . حتى الصحف الأميركية لم تتورع عن نشر الصور الكاريكاتورية لرجالات الحكم في الأتحاد السوفياتي , أقلها , "نيكيتا خوتشوف " بهيئة دب هرم , يدب متوكأ على عصاتين . وأقل ما قاله الأمريكيون في هذا المجال : إن الشعب السوفياتي المسكين يرزح تحت حكم الشيوخ . هذا في البلاد ذات الأنظمة الجمهورية الديمقراطية . أما في البلاد الملكية , فعلى العكس تماماً , إذ كلما تقدم المليك بالعمر , زاد حبه وأحترامه من قبل الشعب , لإيمانهم بأن السنين تزيد الرجال حكمةً ورصانة , فتبعدهم عن الرعونة والتهور , فلا يزجون ببلادهم وشعوبهم في ما لا تحمد عقباه , ولا تعرف نتائجه . وقد أعطى بعض المفكرين والكتاب أمثالاً صارخة على ذلك لا تقبل الجدل , وأقربها تاريخياً , السعيدا الذكر , هتلر وموسوليني , فعندما اغتصب هتلر الحكم في ألمانيا , سنة 1933 , كان في الرابعة والأربعين من عمره , أما زميله وحليفه موسوليني فكان في الثامنة والثلاثين , يوم نصب نفسه دكتاتوراً على إيطاليا . ومن ثم زجّا العالم في أتون حرب ضروس , زلزلت الأرض وأحرقت شعوب العالم وخلّفت من الخراب والدمار ما لا يعوض , ولا يقدر بثمن . كما أنها حصدت أكثر من أربعين مليون قتيل . ومثلهم من المعاقين والمشوهين ومئآت الملايين من البؤساء من المشردين : وكل ذلك دوّن في حساب الزعيمين الكبيرين , كما أن في التاريخ أمثالاً كثيرة , تثبت أن العنف , والظلم , والتصدي , لايصدر إلا من الرجال في مقتبل أعمارهم وأوج رجولتهم وليس من الشيوخ والحكماء وأصحاب الروية والتبصر . وأخيراً , فإن التاريخ لاينسى الأمبراطور إيفان الرابع الذي لُقب فيما بعد بالرهيب إذ جعل الرعب يسيطر على روسيا وسائر أرجاء أمبراطوريته الشاسعة وهو في الواحد والثلاثين من العمر .
لم ينفرد هتلر وموسوليني وإيفان الرهيب وغيرهم ممن مر ذكرهم معنا , في إشعال الحروب , مقتحمين بلاد العالم , مدفوعين بشهواتهم الهستيرية في التوسع , والتسلط على البلاد والشعوب , والأستئثار بخيراتها وإنجازاتها , غير آبهين بالخراب والمار , اللذين يتسببون بهما , والبؤس والشقاء اللذين يخلفونهما وراء جحافلهم ناهيك , عن ألوف القتلى والجرحى والمشردين , إن في صفوفهم أو في صفوف البلاد التي يقتحمونها , فإن كتب التاريخ تضيق بذكرهم , وسرد نتائج غزواتهم وفتوحاتهم . وجميع هؤلاء القادة كانوا بين الثلاثينيات و الأربعينات من عمرهم .
ريغن وتأثير العمر على تصرفاته
في المقابل , ثمة قاعدة ثابتة , لاتقبل الجدل , وتعنينا جمعياً دون أي استثناء ولا مهرب منها لأحد:" عندما يكبر الإنسان في العمر يضعف" فإن مرور السنين , وهروب الزمن , يسهمان اسهاماً سلبياً حتمياً , على تركيبة الجسم البشري , إذ يتآكل هذا الجسم , وينال منه الوهن , بجميع أعضائه وأجهزته ومنها الدماغ .وهذه الظاهرة تصيب عظماء العالم , كما تصيب صعاليكه . فتصيب في من تصيبه, ممن توصلوا إلى القناعة وابتلاع ما يردده على مسامعهم بعض الأطباء المراهنين الذين يحيطون بهم , ويلعقون من صحونهم , بأن رحيق العظمة يحصنهم , ويغمسهم , كما يغمس الفولاذ, فيزيدهم قوة وصلابة ويمنع عنهم الصدأ والتآكل "إذا صح التعبير".
إن تسلم رونالد ريغن السلطة العليا , وبالتالي , زمام البلاد والعباد , وهو في خريف العمر , مخاطرة بحد ذاتها تتعرض لها الولايات المتحدة , وإن الشعب الأمريكي يشترك في المسؤولية والنتائج المحتملة من جراء الخلل السياسي والإداري , الناتج عن المتاعب الصحية التي يعاني منها الرئيس , خصوصاً إذا تفاقمت , وهذا , أمر طبيعي بالنسبة , إلى المسنين .
خلال الحملة الانتخابية التي أوصلت ريغن إلى البيت الأبيض للمرة الأولى , سنة 1980 , لاحظ بعض المراقبين , اللذين لا يؤخذون بالعاطفة , ولا يتأثرون , بهالة البطولة والتحدي , التي ينسجها جماعة ريغن من حوله , تصلباً في رأيه وغطرسة في تصرفاته تجاه المنتخبين , عكس ما هو مفترض , في مثل هذا الظرف , من اللطف والليونة , وبعد أن ربح المعركة واستقر في البيت , ودون الرجوع إلى الملفات , ودراسة الوثائق , اقترف خطيئة لا تغتفر , إذ أنها تمس مباشرة سياسة أميركا الخارجية , المتعلقة , بالعلاقات الأمريكية مع الصين الشيوعية , والتي كان سلفه , الرئيس نيكسون , قد قام بجهود مضنية , وحوارات طويلة حتى رسّخ جذورها وأذاب الجليد المتراكم بين الدولتين منذ عشرات سنين .
لقد اقترح ريغن , دونما سبب أو مناسبة , بصورة علنية , إعادة العلاقات , بأسرع ما يمكن , بين الولايات المتحدة , والصين الوطنية , مما جعل سلطات الصين الشيوعية تحتج بشدة غضب . وفي صباح اليوم التالي , بعد إطلاعه على العناوين الكبيرة , في الصفحات الألولى من الجرائد , رجع الى رشده , و في محاولة يائسة لإصلاح ما افسد , لم يجد من وسيلة , سوى توجيه اللوم الى الصحفيين و المعلقين مدعياً , بأنهم اساؤوا فهم و ترجمة أقواله , و هذه التمثيليات شائعة الحصول في المجالات السياسية لكن المستغرب أن ريغن و بين مساعديه الشاهدين على غلطه , رفض بشكل قاطع إمكان وقوعه بالخطأ . و ليست هذه الحادثة , وحيدة من نوعها بل كانت تتكرر بشكل كثيف . و قد عزا بعض المراقبين هذه الحالة , الى إختلال في المزاج , يصاب به المسنون من وقت لآخر .
الشلة الكاليفورنية المسنة
" قديما قيل : الناس على دين ملوكهم " مما لفت أنظار المراقبين , أن الفريق المحيط بالرئيس ريغن , و الذي سمي في حينه " الشلة الكاليفورنية" و كان قد لحق به إلى البيت الأبيض , يتألف في أكثريته , من رجال مسنين يجايلون رئيسهم . فوليام كاسي المحامي النيويوركي الثري , الذي يعتبره ريغن " أخاه في السلاح " رغم أنه لا ينتمي إلى " العائلة الغربية " كان في السابعة و الستين من عمره عندما قاد المعركة الإنتخابية الرئاسية " بفعالية " لمصلحة ريغن . ثم إعتنق بشكل تام أفكاره , و تبنى طريقته في كل ما يتعلق بالدفاع , و الأمن القومي و الإقتصاد . و على سبيل المكافأة , أسند إليه ريغن , مديرية وكالة الإستخبارات الأمريكية CIA . و بهذا أصبح من أقوى رجالات الولايات المتحدة , مما سمح له باستعماله لهذه المؤسسة الهائلة على هواه , أن ينتهج سياسة خارجية خاصة به . و من طريف الصدف أن كاسي يعاني كرئيسه نفس الهموم و المصاعب الصحية .فقد أصيب الإثنان في نفس الوقت بالسرطان , أصيب ريغن أولاً بسرطان بسيط في البروستات , أما كاسي فكانت إصابته أخطر , إذ أصيب بتورم سرطاني في الدماغ . و لابد لهذا الخبيث , في نموه و تمدده الصامت من أن يولد لدى المريض هماً و غماً و شعورا بالإحباط , مما يؤثر سلبا على تصرفاته و قراراته , دون أدنى شك . إن معركة ريغن الإنتخابية الأولى , ولّدت ردات فعل معتدلة و مختلفة , باختلاف الفئات و المصالح . فالموظفون أعلنوا العداوة علناً , إذ أن ريغن كان قد أعلن في برنامجه الإنتخابي , تخفيض مصاريف الدولة بنسبة كبيرة , مما يعني الإستغناء عن خدمات الألوف من الموظفين . اما تصريحاته باعتماد الليبرالية التامة والغير المشروطة لكل ما يتعلق بلاقتصاد والاستثمار , فقد ولدت شعوراً بالحذر . لكن الشعور بالراحة والسعادة , ققد عم الاكثرية الساحقة من الشعب الأميركي , عندما اعلن عن تعهده بتخفيض الضرائب عن كاهل الشعب وخصوصاً الطيقات المتوسطة وما دونها , والسير على خطى الرئيس الأسبق فرنكلين روزفلت , وإجراء تغيير جذري في الحكم . وكثيراً ما كان يردد في خطبه صفة كان قد اعتنقها وسيطرت عليه حتى الوسواس :" العائلة , العمل , الحرية , السلام , احترام القريب " مما اثار سخرية الديمقراطيين . إلا انها اعطت ثمارها , وفاز ريغن في الانتخابات .
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: مرضى حكموا العالم
اهو القذافي مكلوب رسمي ويكتب ويؤلف في كلام لا جايب لا مودي مثل الكتاب الاخضر
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
الكلمة الطيبة صدقة
A good word is charity
الكابتن- المشرف العام للمنتدي
-
عدد المشاركات : 14594
العمر : 56
رقم العضوية : 1
قوة التقييم : 423
تاريخ التسجيل : 15/08/2008
رد: مرضى حكموا العالم
القذافى حالة شاذة وانتهى خلاص
شكرا للمرور
شكرا للمرور
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: مرضى حكموا العالم
مشكــــــــــــــــــــــور اخي ,,,
بنت طبرق الحرة- فريق اول
-
عدد المشاركات : 4244
العمر : 42
رقم العضوية : 5936
قوة التقييم : 21
تاريخ التسجيل : 10/08/2011
رد: مرضى حكموا العالم
مشكــــــــــــــــــــــــــــور
بارك الله فيك
بارك الله فيك
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
العاشق الصغير- مشرف منتدي الشعر الشعبي
-
عدد المشاركات : 13630
العمر : 35
رقم العضوية : 6241
قوة التقييم : 75
تاريخ التسجيل : 03/09/2011
المرتجع حنتوش- مشرف قسم المنتدي العام
-
عدد المشاركات : 21264
العمر : 32
رقم العضوية : 121
قوة التقييم : 41
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: مرضى حكموا العالم
شكرا للمرور
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: مرضى حكموا العالم
شكرا للموضوع الرائع والمتميز..وفقكم الله
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
لحظة الوداع من أصعب اللحظات على البشر .. ولكن ما باليد حيله
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
زهرة اللوتس- إداري
-
عدد المشاركات : 124527
العمر : 42
رقم العضوية : 2346
قوة التقييم : 158
تاريخ التسجيل : 30/06/2010
مواضيع مماثلة
» مرضى حكموا العالم (غوام نكروما KWAME NKRUMAH)
» مرضى حكموا العالم (فرنسوا ده فاليه FRANCOIS DUVALIER)
» مرضى حكموا العالم (جورج بومبيدو GEORGES POMPIDOU) جزء 5
» مرضى حكموا العالم (يوري أندربوف YURI ANDROPOV) جزء 6
» مرضى حكموا العالم (فرديناند مركوس FERDINAND MARCOS)
» مرضى حكموا العالم (فرنسوا ده فاليه FRANCOIS DUVALIER)
» مرضى حكموا العالم (جورج بومبيدو GEORGES POMPIDOU) جزء 5
» مرضى حكموا العالم (يوري أندربوف YURI ANDROPOV) جزء 6
» مرضى حكموا العالم (فرديناند مركوس FERDINAND MARCOS)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» الإكوادور وجهة مثالية لقضاء العطلات وسط المناظر الطبيعية
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» سر ارتفاع دواسة الفرامل عن دواسة البنزين في السيارة
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» ما ميزات شبكات "Wi-Fi 8" المنتظرة؟
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» رد فعل صلاح بعد اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي
اليوم في 8:04 am من طرف STAR
» هل تعاني من الأرق؟ طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الكبة المشوية على الطريقة الأصلية
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:00 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR