الامازونات في ليبيا الجزء الثالث

من مِصر إلى بلاد الأنَاضول
تركنا الملكةَ مورينا ، ملكةَ الامازونات ، وقد يممت نحو الشرقِِ تبغي فتحَه . وفي مصر كان حورس بن إِيزيس وأوزوريس ملكاً ، فلم يشتبك معها في حرب ، بل استقبلها أَجملَ استقبال وعقدت معه معاهدةَ صداقةٍ وحسن جوار ، كما يقول ديودروس الصقلي . ومن مصر قادت مورينا جندياتِها ، فارساتٍ وراجلات ، إلى البلاد التي تقع شرقَها ، فعبرت برزخَ السويس وصحراءَ سيناءَ حتى وصلت إلى برِّ الشام ، وهناك دخلت في معاركَ عنيفةٍ أَسفرت عن انتصارها الكبير . قال : فاحتلت هذه المناطق كلَّها ، سهلَها وجبلَها ، واخترقتها شمالاً حتى بلغت جنوب آسيا الصغرى ، فوجدت هناك شعباًَ يُدْعَى أَهلهُ (القليقيين) ، وقد سمعوا عن جرأَتها وشجاعتها وقوة جيشها وطيبة قلبها ، فما خافو لقاءَها بل خرجوا لاستقبال مورينا استقبالاً كريماً يليق بها وقدّموا لها الهدايا والقرابين . وكانت على العهد بها كريمةَ العنصرِ رائعةَ المسلك ، فعفت عنهم وتركتهم دون أَذى ، فسمُّوا من ذلك اليوم (القليقيين الأحرار) لهذا السبب ، واستمر ذلك الاسمُ عالقاً بهم حتى عهدِ ديودروس على أَيام يوليوس قيصر .لكن مورينا لم تترك الذين وقفوا في وجههِا محاربين من سكان جبال "طوروس" – وكانوا يُعتَبرون من أَشد الناس في القتال – فهزمتهم ، وواصلت مسيرتَها العظمى إلى ما كان يدعى (فروجيا الكبرى) في بلاد الأناضول ، ثم هبطت إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط المطلُّ على هذه البلاد . فاستولت على جميع المواطن على ساحله ، وثبَّتت حملتها عند حدود نهر "كايكوس" الذي يصب في بحر "ايجة" في أَرخبيل اليونان . ولم يكن زحفُ الامازونات الليبية زحفاً مدمِّراً ، بل كان فيه خير وفيه نفع . فقد كن ينشئن المدنَ ويعمِّرن الدسا كر ويؤسسن القرى . ومن ذلك مثلاً مدينة "مورينا" في شمال غرب آسيا الصغرى باسم الملكة القائدة ، ومدينة "ميتوليني" في جزيرة "لسبوس" باسم أُختها ومساعدتها الأَمينة ومدينتا "كومي" و "بريني" في أَيونيا ومدينة "بيتانا" في موسيا بالاناضول . وكل هذه مدائنُ مشهورة حتى اليوم لا تزال تحمل نفس الأَسماءِ وتحتشد فيها الآثار والمعالم ، وهي كلها مدن ساحلية أَنشأَت الامازوناتُ إلى جانبها مدناً في الدواخل والأقاليم لا تعدّ . قال ديودروس : فلما أَكملت الملكةُ مورينا فتوحاتِها في البرِّ كان لا بد لها أَن تتجه إلى البحر لتفتح جزرَه وبلدانه . وبينما هي تقوم بهذا – وهي تنتقل من جزيرة إلى جزيرة – قابلتها عاصفةٌ عاتية وهي في اليم ، وعلت من حولها الأمواج ، فراحت تدعو الربة الليبية "كوبيلي" أَن تنجيها وجيشَها من الهلاك وتنذر لها النذور ، فأَلقت بها الأَمواج على شاطئِ إِحدى الجزر الخالية ، ونجا من معها من الامازونات من الموت غرقاً . وكان أَن رأَت مورينا ربتَها في المنام تدعوها إلى إِعمار الجزيرةِ الخالية وجعلها حرماً مقدَّساً لها ، فأَطلعت ونفذت وبنت في الجزيرة مساكنَ وأَحيت أَرضها الميتة ، وأَقامت فيها نصباً وقدمت القرابين ، وأَسمتها "ساموتراكي" التي تعني في اللسان اليوناني : "الجزيرة المقدسة" ، وهي لا تزال معروفةً حتى اليوم . وكان لا بد أَن تعود الامازونات إلى وطنهن ليبيا بعد هذه الرحلة الطويلة ، ولهذا قصة أُخرى تستحق أَن تروَى وتذاع !

انتهى الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع والاخير

منقول