المتسلِّقون

د. محمد احمد الوليد

يشتكي الثوَّار من المتسلِّقين على جدار الفوضى، والمتملِّقين لأهل الوظائف العليا حتى صاروا مدرين وسفراء، بل ووزراء ، متسلِّقون: بيضٌ وحمرٌ وسود، و(عَكْرِيَّات) ، ذكورٌ وإناث .

اجتمع نبض الثوَّار في قلب ميدان الشَّجرة بعد أن غلت دماؤهم من حالة التَّسلُّق خاشين أن تضيع دماء الشُّهداء هدراً، فيعود زمنُ العجائب والمقالب بثوب جديد.

تنادى الصَّادقون بعد أن شاهدوا وجوهاً يعرفونها في عصر الجاهليَّة كانت هتفت بأبي جهل ونظامه حتَّى سقطت من التَّعب تهتف اليوم ضدَّه، وتعدُّ نفسها من الثوَّار.

وأفادت الأخبار عن المستشار إنه قال بملء فِيه: إنَّ هناك مسؤولين يخابرون ابنَ الطَّاغية السَّاعدي، ولكنَّه كعادته لم يُعْلِمْنا من هم ، ومن قبل وعدنا بكشف السرَّاق وما فعل ، ﴿حتَّى قلنا: ليته سكت ﴾ ، وما أبْعَدَ المقامين!.

نحن في زمن يدَّعي كثيرون أنَّهم من الثوَّار حتَّى سمعنا النُّكتة المشهورة : أنَّ القذافي انشقَّ ، ألم ينضم الصَّالحون الأتقياء : جلُّود، وشكري غانم، وابن قداره، وموسى كوسة ، ونصر المبروك وغيرهم كثير ، وقال جلود : لولا خِطابي ما سقطت طرابلس ؟وإن الاستطلاع يقول: إنه في مقدِّمة المحبوبين من الشَّعب ، وصدق رسول الله ( إنَّ ممَّا أدرك النَّاس من كلام النبوَّة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) .

المتسلِّق إنسانٌ حقيرٌ خطيرٌ نفعيٌّ قمعيٌّ لا يستحي من أن يفعل أي شيء، فهو يركب كلَّ تيَّار من أجل نيل مرغوبه، وتحقيق مطلوبه، وغالباً إن قُدِر عليه يُقلع من جذوره قلعاً ، ليُرمى في الشَّارع مُهاناً لبرودة دمه -إن كان له دمٌ -، فهو لا يرحل ولو حملت له ألفَ لافتةٍ تلعنه، وأنشدْتَ فيه مائة قصيدةٍ تهجوه.

والمتسلِّق شخصٌ كذوبٌ، يكذب هنا، ويكذب هناك، حتَّى كُتب عند الله كذَّاباً ، يختلق قصصاً بطوليَّةً، ويخترع حكاياتٍ وهميَّةً، ثمَّ يحاول أن يُقنع بها من أمامه بعد أن يرتدى لها ثياباً فاخرةً ، ويضع رِجْلاً على أخرى، ويصل به الأمر لكثرة تكرارها إلى أن يصدِّقها، ويعتقد أنَّه من أبطال الثَّورة، وفرسان العصر ، ولولاه لحدث كذا وكذا ، فينبغي أن يستشيره المجلس ، وتستضيفه القنوات.

عرَّفت موسوعة الإدارة والتَّطوير والتَّربية المتسلِّق بأنَّه :" هو الَّذي يحاول التسلُّق إلى القيادات العليا والوصول إلى متَّخذي القرار, ثمَّ يقيم معهم العلاقات الاجتماعيَّة المتميِّزة, وعندها يستغلُّ هذه المكانة والحظوة في التَّآمر على الفكرة التَّغييريَّة ومقاومتها، وذلك عن طريق إقناع القيادات العليا بعدم قبول هذه الفكرة لعدم صلاحيَّتها ".

سمعنا حكاياتٍ وهميةً كثيرةً عن متسلِّقين كذَّابين، ومن أغرب ما سمعته وأضحكني كثيراً أنَّ متسلِّقاً من النَّوع الثَّقيل نعرف خبرَه، ونعلم أمرَه، كان في عصر القذَّافي ثورياً بارزاً ،ولصَّاً محترفاً، مُلئت بطنه بأكل الزقُّوم، وحُشيت بأنواع الحرام سُئِلَ عن عدم التحاقه بعمله فقال بصفاقة وحماقة : إنَّه كان في الجبهة يُقاتلُ كتائب القذافي منذ ثمانية أشهر، ويعلم الجميعُ بأنَّه كان فارَّاً بمصر، يجتمع مع أعوان الطَّاغية للكيد للثوار. -.لعلك لا تعرف -أيُّها القاريء الكريم- أنَّ المتسلقين أنواع:

-نوعٌ يدَّعي أنَّه كان مع ثورة 17 فبراير منذ الشَّرارة الأولى يمدُّها بعونه في الخفاء، ويكرِّر أنه أفاد المجلس بمعلوماته

-ونوع يدَّعي أنه كان مرغماً على مسايرة نظام القذافي، وأنَّ وجوده كان لحفظ ما يمكن حفظه من ممتلكات البلاد، وهو لذلك له أحقيَّة بأن يتصدّر المشهد السياسيَّ بعد أن أُزيل نظام القذافي ويفيد الشَّعب المغلوب الجاهل -في تصوره - بإمكاناته وخبراته العظيمة.

-وهناك المتسلِّقون الجُدد ، وهؤلاء لم يكونوا مع نظام القذافي، وما كانوا مع ثورة 17 فبراير منذ انطلاقها، ولكنهم يدَّعون أنَّهم قدَّموا لثورة 17 فبراير، وإذا نظرت في هذه الأعمال العظيمة -في زعمهم- ستجدها أنَّها كانت مقالة أو اثنتين في ظلم القذافي، أو تكلَّموا في محاضرة عن ليبيا الجديدة، أو شاركوا في مظاهرة مدَّتها ساعة ، فسَّوغ لهم هذا الوقوفُ القيِّم، أو تلك المحاضرة اليتيمةُ الكلامَ باسم الثَّورة ،وأن يصعد على سلَّمها ليقود مؤسَّسةً أو شركةً فهو ثوريٌّ عظيمٌ من ثوار 17 فبراير.

لا أراكم الله متسلِّقاً ، وعافاكم من كلِّ متملِّق

مشكوره اختي وبارك الله فيك عللى مجهوداتك

وفيكم بارك الله...شكرا لمروركم ومتابعتكم الكريمة.