خطبة الجمعة في بنغازي يوم ذكرى الثورة وبحضور الكيب

اليوم و في صلاة الجمعة في مسجد المشعر الحرام في مدينة بنغازي و بحضور رئيس الوزراء د.الكيب و النائب الثالث لرئيس الوزراء د.الحرمين محمد الحرمين و حضور و المستشار السياسي أ.ناصر المانع وكانت الخطبة بعنوان (وَهِمَ في الحساب والتاريخ من عدَّها الذكرى الأولى للثورة ) للدكتور صهيب سقار...إليكم الخطبة :
في هذا الجمعة المباركة تعود الذكرى السادسة لما يسمونه السابع عشر من فبراير.
نعم هذه الجمعة هي الذكرى السادسة التي وَهِمَ في الحساب والتاريخ من عدَّها الذكرى الأولى.
كان يوما من أيام الله والله أعلم منكم بأيامه. أرِّخوا لثورتكم بما تشاؤون من أيام الله وأسماء الشهور وحسابها. الله أعلم منكم بأيامه. في مثل هذه الجمعة المباركة قبل ست سنوات عزم شبابنا على اقتحامها وحرقها. حاولت الكتائب الأمنية صدَّهم. رشقوهم بالرصاص فاستقبلوه بالصدور العارية. يسقط الواحد منهم فيتقدمون ولا يتأخرون. وكيف يتأخرون وهم يشتعلون غيرة على نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. قهروا الرصاص واقتحموا السفارة الإيطالية. أحرقوها احتجاجا على اعتداء الوزير الإيطالي ورسومه المسيئة. يرتقي شاب ظهر السفارة لينكِّس علمَها فيُرمى بالرصاص فيسقط بين إخوانه وهم ينادون (إلا رسول الله). ودون رسول الله يطيب لهم الموت.
بعد سقوط الأول يتدافع إخوانه لتنكيس العلم. وتحت وابل الرصاص يتفق بضعة عشر شابا على حمل عمود يدكون به أبواب السفارة. يَشْطُر الرصاص أحد الشباب إلى نصفين فلا يزداد الغيارى بذلك إلا حمية ونارا. أحرقوها ونكسوا رايتها وعلى جدرانها خطوها (إلا رسول الله).
كانت جمعة مباركة ويوماً من أيام الله له ما بعده. وما كان ليضيع دماء أهل القرآن الذين انتصروا لحبيبه محمد. سيدبر الله لهم لأنهم لا يحسنون التدبير.
وكيف يحسنون التدبير وهم يتيهون أربعين سنة في الجماهيرية وظلماتها!
زرع الطاغية الفتن في بلادهم دمَّر فيهم الدولة والصحة والجيش والتعليم.
بالليل والنهار يتردد اليأس على ألسنتهم (الله غالب، ما ينفعش، وما نقدرش، وما نعرفش).
لكن الله سيدبر لهم ولن يضيع لهم أرواح أهل القرآن الذين غاروا حباً ونصرة لحبيبه محمد .
وَفَّق الله الأحرار بعد سنوات ودبَّر لهم فاختاروا ذكرى أحداث السفارة موعداً للمطالبة بالإصلاح. خرج نفر منهم في جوف الليل ينادون (نوضي نوضي يا بنغازي جاءك اليــوم لـ فيـه اتراجي).
استصرخوا الغيارى فأيقظ الله لهم حتى السكارى. شاب مخمور يرى مصورات الأمن تصور المتظاهرين فيتسلق عمودها ويفقأ عينها.استصرخوا الغيارى فأيقظ الله لهم حتى السكارى.
إلى أسوار كتيبة الموت يزحف شاب من ضحايا الجماهيرية ومخدراتها.
يتقدم مخمورا وهو ينادي (أنا نبِّيها، نبِّيها الشهادة). ويفري الرصاص صدره نسأل الله أن يتقبله.
(نوضي نوضي يا بنغازي) استصرخوا بها النائمين فأيقظ الله لهم حتى المساجين.
من سجون الجريمة خرج بعض أرباب السوابق إلى الجبهات.
استصرخوا بها بنغازي فأيقظ الله لهم البيضاء والرجبان والزاوية والزنتان.
أيقظت صرختهم من في الشرق والغرب والسهل والجبل. بصوت واحد أجابوا (بالروح بالدم نفديك يا بنغازي) ومن زاوية الثبات وصل الجواب "يا بنغازي انتي موش بروحك نحنا ضمادين جروحك
استصرخوا الحاضرين فابتعث الله لهم المكنون من التاريخ
أحيا الله بصرخاتهم قيم بدر ويوم الفرقان.
يومٌ جعله الله فرقانا بين الحق والحرية وباطل الجماهيرية.
في هذا اليوم نقف على الحاضر والماضي لنستذكر نعم الله علينا في هذه الثورة.
من أعظم نعم الله علينا في هذه الثورة أنه اضطرنا إليه سبحانه.
بهذه الثورة حررنا الله من عبودية الجماهيرية وظلماتها.
ما كان الله ليضيع غيرتكم على محمد صلى الله عليه وسلم .. عند أبواب السفارة.
ابتعثكم الله كما ابتعث العرب الأميين من قبلكم. ابتعث الله من دَمَّر الطاغية فيهم التعليم
ابتعث من دَمَّر الطاغية فيهم التعليم ليخطوا نصرا لا يمكن أن يكون من عند غير الله.
وما كانوا من قبله يحملون من سلاح ولا يمسونه بأيمانهم إذا لارتاب المبطلون. بل هو آيات بينات وتصديق لقوله (وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً).
دبر الله لنا الميعاد. إن أردتَ حسابَه بالتاريخ الهجري فهو اليوم الذي كنا نستذكر فيه مولد النبي صلى الله عليه وسلم. وإن أردت حسابَه بالتاريخ الشمسي فهو يوم السفارة الذي انتصرنا فيه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
(وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً).
قضى الله لنا أمرا مفعولا وجعل هذا اليوم فرقانا. فيه جدد الله يوم الفرقان.
في هذه الذكرى خرج النفر الأحرار يريدون الإصلاح وبعض الحقوق وأراد الله لنا خيرا مما أرادوا.
أردنا الإصلاح والدستور وأراد الله لنا العتق والخلاص من خراب وفساد لا يقبل إصلاحا.
أتودون إصلاح الجماهيرية الأولى بالجماهيرية الثانية؟
(وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ)
يريد الله أن يحق الحق ويجدد تنزلَّ نَصْرِ الله على القلة المستضعفين
لو وُكِلَ العبيد إلى تدبيرهم لتجنبوا على كل عسير وخطير.
قال الله في بدور محمد صلى الله عليه وسلم (وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم)
كان البدريون يودون العير ولا يودون ذات الشوكة. ولو وَكَلَ الله البدريين إلى ما يودون لحازوا العيرَ ورجعوا بها إلى المدينة. ولو حازوا العير وتجنبوا ذات الشوكة ما كنا سنسمع عن أبناء عفراء. ويريد الله لنا ولهم خيرا مما أرادوه لنفسهم
يريد الله أن يرفع لنا بدورَ محمد صلى الله عليه وسلم وينير لنا بهم سماءَ أمجادنا على مرِّ العصور والدهور
ماذا كان سيبقى لنا من عير مكة وأحمالها لو حازها البدريون ولم يلاقوا شوكة المشركين!
أفلتت العير ليبقي الله لنا من بَدْرٍ جذوةَ نصرٍ يُقتبس من نورها إلى قيام الساعة.
في بدرٍ يقول عوف ابن عفراء يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده ؟ قال : ( غَمْسُه يده في العَدُوّ حاسرًا ) ، فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فانغمس بين الأعداء كما ينغمس الإصبع في الماء. انغمس بين الأعداء فقاتل حتى قتل
ونحن اليوم نستذكر يوماً من أيام الله. قبل هذا اليوم الخالد كان أكثرُنا يسعى في تدبيره ليتجنب ذات الشوكة مع الطاغية. كنا مع مشروع ليبيا الغد، كنا مع زيف الأحلام بالجماهيرية الثانية.
ولو وَكَلَنا الله إلى تدبيرنا لكنا اليوم نتقلب في أربعين سنة أخرى في تيه الجماهيرية الثانية.
لكن الحكيم سبحانه أراد لنا خيراً مما أردنا لأنفسنا. أراد بنا مثلَ ما أراد بالبدور البدريين
أراد الله أن يرفع بطولات عوف ابن عفراء لتكون في السماء للأمة بدرا منيرا.
وعلى الرأس والعين ترابُ نعلِ عوفِ ابنِ عفراءَ رضي الله عنهما ولكن...
لكن عوفا رضي الله عنه نَزَعَ الدرعَ وانغمس بسلاحه في العدو،
أما بدورُ ثورتنا فقد انغمسوا في مثل هذا اليوم أمام السفارة من غير درع ولا سلاح.
ثم أعادوها أمام الكتيبة فانغمسوا فيها من غير درع ولا سلاح. حفت الجنة بالمكاره فتسابقوا إليها.
يسقط إخوانهم مقطعين ممزقين فيحملونه إلى المستشفيات ثم يعودون إلى الجبهات أكثر إصرارا.
يرى الواحد منهم أطرافا مبتورة وأجسادا محروقة فلا يثنيهم ولا ينال من إصرارهم.
بطولات كبطولات سعد والقعقاع ولكن ليس لها مؤرخ كابن عبد البر وابن حجر.
في مثل هذا اليوم قبل عام كان أبناء قبائل بني سليم يثبتون أمام الرصاص الخارق الحارق.
نال الرصاص من قلوبهم وصدورهم وما منحوه ظهورهم.
البطولة بطولة أبناء الخنساء ولكن لا خنساءَ تقرض لهم بطولاتِهم شعرا وفخرا.
فالحمد لله الذي أحيانا حتى نرى الخير في أمتنا لا ينقطع ولا يبلى
من هديه وسنته وسيرته اقتبسنا واهتدينا واقتدينا
هاتوا ثباتاً كمثل ثبات الزنتان. أغراهم الطاغية بالملايين ليكفوا عن نصرتنا.
ثبتوا وآثروا الدفع بشبابهم إلى الجبهات وبنساءهم إلى المخيمات.
هاتوا صمودا مثل صمود مصراتة. هاتوا شموخا مثل شموخ الجبل الغربي.
ما نخشاه في هذا اليوم المجيد أن تكدر بعض الفضائيات على بعضنا أفراحه.
في بعض الفضائيات ألفنا من الضعفاء حديثهم عن ما يسمونه السيناريو الليبي.
هؤلاء الضعفاء ينطقون بلسان أجنبي ويحسبون بحساب أجنبي أيضاً.
أرقامهم تَحْسِب ضحايا ولا تَحْسِب شهداء. يقولون: لا نريد أن يتكرر السيناريو الليبي هنا أو هناك. من يريد أن يخرج شبابه العزل لمواجهة الرصاص؟ قال الله (كتب عليكم القتال وهو كره).
لكن شبابنا إذا خرجوا كارهين يساقون إلى الموت كانوا لها وكانوا أحق بها وأهلها
اسألوا أم الشهيد محمد السلاك عما يسمونه السيناريو الليبي. كان من عمار مسجدنا.
إذا مشى كأنما ينحطط من صبب. تختلط في مشيته عزة الإسلام والذلة للإخوان والمسلمين.
غبَّر أقدامه في سبيل الله في جبهات الشرق والغرب. لكنه لم يكن يرجو الموت إلا في العزيزية.
وكان له ما أراد. رأت أمه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يصلي في بيتها بالأنبياء إماما.
ومع النبيين يأتم محمد رحمه الله بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم. ويقولون (لا نريد أن يتكرر السيناريو الليبي). وهل يقدر على تكرار مثله إلا أمثالهم؟
في هذا اليوم علينا أن نسمعهم الجواب من وحي ربنا (وإن عدتم عدنا).
لا نأسف على ما قدمناه من أموال وأرواح. بضاعتنا عرضناها على ربها فمنا اشترى ربنا.
اتخذ لنا من أبناءنا شفعاء وشهداء. أموالنا التي أنفقناها سيخلفها في الدنيا ويضاعفها في الآخرة. ما جربنا على ربنا إلا خيرا. وما عهدنا منه إلا فضلا.
كنا في الجماهيرية في قحط وفساد في الأرض والسماء.
كنا نخرج كل عام إلى صلاة الاستسقاء فلا نزداد إلا عجاجاً.
واليوم من غير استسقاء تحتشم السحابة أن تمر فوق قبور الشهداء فلا تمطر.
اليوم يثقل على الأرض التي روتها دماء الشهداء أن لا تنبت.
تذكروا في هذا اليوم أن لكم عند ربكم ما يُحتسب عنده. إنا لله بعنا وإن الله اشترى منا.
عجَّل الله لنا من ثمن بيعنا في هذه الدنيا الحرية والعزة والكرامة. عجَّل الله من الثمن فَتْحَ خزائنِ السماء بالغيث والرحمات. تريدون من ربكم شيئا يزيدكم؟
إذا كنتم ترجون منه زيادة فاستذكروا أن لكم عنده سُؤْلاً وذُخراً.
قفوا على بابه واستجيبوا لأمره. تذكروا ما بقي عليكم من أمره بعد يوم الفرقان
بعد يوم الفرقان أنزل الله قوله الكريم.(فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)
ما ضحى الشهداء بالدماء وما بُترت الأطراف لتقتلوا من بعدهم وتنغسموا في الفتنة والبلاء
علينا أن ندعو إلى تشكيل كتيبةٍ من أمهات الشهداء والأرامل والأيتام عنوانها (وأصلحوا).
علينا أن نشكل من عمار الخلوات وأهل القرآن كتيبة (قالون)
كلما سمعنا عن نزغ للشيطان بين الإخوة وقفت هذه الكتيبة بين الصفين
لن تقف خلوات القرآن مكتوفة الأيدي، ولن تترك للشيطان وأعوانه أن يفرقوا الصفوف ويرفعوا بين الإخوة السيوف. ستقف كتيبة قالون بألواح القرآن بين الإخوة إن تقابلوا بالسيوف .
سيشكلون دروعا بشرية تحجز الفتنة والبلاء عن بلاد الشهداء.
لن يسمحوا لأعوان الطاغية وأذنابه أن يجنحوا بالبلاد إلى البلاء.
في مثل هذا اليوم قبل عام أُعلن على منبر محمد صلى الله عليه وسلم أمرا نعيد اليوم إعلانه
ثورة أوَّلُها غيرةٌ على محمد صلى الله عليه وسلم لن تكون عواقبها إلا خيرا وصلاحا في الدنيا قبل الآخرة.
سهرتْ أعينٌ ونامتْ عيونُ * في شئونٍ تكون أو لا تكونُ
فدعِ الهمَّ ما استطعتَ فحمـ * ـلانُك الهمومَ جُنونُ
إن رباً كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غدٍ ما يكون.
إلهنا ومولانا لا تكلنا إلى أنفسنا. إلهنا ومولانا ومن على عدوك نصرتنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا