امــا بعد. الأخ.. والأب.. والأخت.. المثاليون.!!!.

من طرف c.ronaldo 2010-05-25, 12:25 am

الأخ... والأب... والأخت... المثاليون...

وكيف أتزوج يا أستاذ وأخي الأصغر يشدني من يدي لأذهب معه إلى الدكان فهو يريد حلوى؟!
هذه ثلاث صفحات من الواقع جمع أصحابها هدف واحد, و إن كانوا قد سلكوا دروباً متعددة للوصول إليه , أضاءها نور البصر نهاراً ونور البصيرة ليلاً وكان دليلهم التضحية والمروءة والوفاء.

الصفحة الأولى.........

عندما وصل إلى محطة الركوبة العامة , كان عليه الانتظار حتى يكتمل عدد الركاب الثمانية لتتحرك الحافلة نحو مدينة بنغازي , جلس على كرسي قبالة الحافلة , ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأ العدد في التزايد ليقارب الثمانية , وعند باب الحافلة وجد شاباً يهم بالركوب , نظر إليه الشاب ومد يده مسلماً بحرارة قائلاً :كيف حالك يا أستاذ ؟ رد تحيته وذهنه يحفّز ذاكرته ليتعرف على هذا الشاب الذي بَدَا يعرفه معرفة جيدة وسمع متابعة الشاب له : لقد درستني في الصف السادس الابتدائي... الآن عادت به الذاكرة ,حقاً ما يقول هذا الشاب الذي يغطي رأسه الشيب وكأنه في مرحلة الكهولة ,وسأل نفسه لِمَ يصعب عليه معرفة بعض تلاميذه الذين كان يعلمهم في حين أنه يتذكر جيداً جميع المعلمين الذين علموه ؟! انطلقت الحافلة.. ثم توقفت في إحدى الاستراحات وجلس الشاب بجانبه على مصطبة تحيط بالاستراحة. فبادره المعلم قائلاً : لقد تركتَ الأبناء في البيت وتسافر وحدك ؟! فرد الشاب إنني لم أتزوج بعد, وكيف أتزوج يا أستاذ وأخي الأصغر كان يشدني من يدي لأذهب معه إلى الدكان فهو يريد حلوى؟! كان ذلك في اليوم الذي توفي فيه أبي وأمي معاً وعندي أخوة أصغرهم هذا الذي يريد الحلوى , فقطعت على نفسي عهداً أن أرعاهم حتى يكبروا , وكنت أكبرهم وأنا في الصف الثالث الإعدادي, لقد كنت تلميذاً مجتهداً صحيح يا أستاذ ؟ أجابه المعلم صحيح. ثم أكمل الشاب والآن أخي الأصغر عمره خمسة وعشرون عاما وأنا ابن الأربعين وكل إخوتي بشهاداتهم والحمد لله وإن شاء الله في الصيف سأتزوج....
سمع المعلم هذا الحديث وغشيته رهبة من ذلك الشاب ملؤها التعجب والإكبار. وارتسمت صورة ما قال في ذاكرته وكأن كل ما كانت تختزنه تبخّر وبقيت هذه الصورة فقط.
لقد تردد في أن يسأله عن اسمه لمّا تصور ما سيكون في ذلك من حرج..وليته سأله.
استغرق في صمت وشريط يدور في خياله , كيف كانت حياة هذا الشاب الذي علا رأسه الشيب في هذه السن المبكرة عن المشيب ؟ وصلت الحافلة , نزل الشاب قبل المحطة فتتبعه بنظراته حتى غاب عنه , وبقيت صورته ناطقة بما كابده من تحمل مسؤولية قبل أوانها.

الصفحة الثانية......

لا أريد الزواج حتى تكمل ابنتي دراستها.

كان هادئاً قليل الكلام , يزن الأمور بميزان حساس , ويعرف ما يعقب كل خطوة يخطوها , توفيت زوجته منذ عدة سنوات...بعدها تزوجت البنات وبقيت واحدة ,بين الحين والحين كان يتبادل الحديث مع صديقه عن الأولاد والدراسة وعن التربية والمسؤولية في ذلك..وعن الزواج قال له لا أريد الزواج حتى تكمل ابنتي دراستها إنها الآن في الجامعة ولا أريد أن تكون في البيت امرأة أخرى بعد أمها قبل استكمال ابنتي دراستها... ومرت سنوات أكملت ابنته الدراسة , وخُطبت على أن يتم الفرح بعد عودته من أداء فريضة الحج فقد ابتسمت له القرعة ذلك العام.
] لا جرم، إن أعمال الله لحكمة ,ولكنها كثيراً ما تخفى على غير ذي بصيرة[
لقد اختار الله صاحبنا إلى جواره بعد الوقوف بعرفة, غفر الله له واسكنه فسيح جناته.

الصفحة الثالثة......

وماذا أفعل لبنات أختي ؟!

كان يطرق بابها الخُطّاب , لكن طَرَقَاتهم لا تلقي الإجابة, والسنين تعبرها سنة بعد أخرى ولكنها لا تعدها , أَوْلاَ تُعيرها اهتمامها...وأخيراً وافقت على الزواج ومرّت سنوات كان حلمها الولد والبنت , ولكن يبدو أن قطار العمر قد اجتاز مرحلة الإنجاب.
لماذا الصدود عن طَرَقَات الخُطّاب ؟! لقد كان الذي في ذهنها واهتمامها أكبر من أن تجيب على تلك الطَرَقَات.إنهن بنات أختها التي قضت بعد صراع مع مرض عضال وكان قد سبقها زوجُها إلى الانتقال إلى الرفيق الأعلى.
ومنذ ذلك اليوم نذرت نفسها ألا تتزوج حتى يكبر بنات أختها وقد وفّت بما نذرت به , فقد كانت أمّا لبنات أختها الغالية الراحلة.

وبعد....

كم سيكون رائعا ((العرفان بالجميل)) في صورة تكريم..للأخ... والأب...... والأخت...... كما كان ذلك للأم المثالية. إن هناك بلا شك الكثير مثل هذه الصفحات المضيئة في هذا الوطن الضارب بجذوره في تربة صلة الرحم والتضحية والمروءة.

منقــcopeــــول...