عن الغياب

هكذا هي الحياة، تتحفنا بالخسارات، فيرحل أعزاء لنا من دون فرصة للوداع، يقيمون في مكان ما في القلب، ثم فجأة يخطفهم الموت بعيداً عنا لنبقى قيد الحسرة. هكذا ببساطة تشبه بساطته رحيل سهيل عبود، لم يكن ليزعج أحداً لذلك، ولا كان ليثقل على قريب ولا بعيد - ربما - قرر المغادرة من دون إنذار، مخلفاً لوعة مكان شاغر، ودمع أحبته.

«يسعد صباحك يا ست الستات»، هكذا كان يستقبلني عندما أطل عليه في مكتبه بين الفينة والأخرى، بالكاد أعثر عليه بين كم هائل من أوراق مكدسة وفوضى، وحده يعرف التعامل معها، مشغولا على الدوام بالعمل، وحين أعتذر لأغادر، يصر على مشاركته فنجان قهوة، فيما هو يتابع عمله في إخراج صفحات الجريدة. يطالع متفحصاً مقالات الكتاب من مختلف الصحف العربية، يقص مقالاً من هنا ويصور تحقيقاً من هناك، يحتفظ ببعضها لي، ويقول هذه المعلومات تفيدك وتدور في فلك اهتماماتك. اقرئي في التاريخ لتفهمي المستقبل. كان يحثني على الاستمرار في الكتابة عن الحريات وحقوق الشعوب. وحين أعاتبه على منع نشر مقال من مقالاتي، أو حذف أو تغيير جملة في نص، يضحك ساخراً ويعلق: «ا يه بسيطة».

سهيل عبود، كما عرفته وعرفه كل من حوله قامة كبيرة، وتواضعه زاد في شأنه، واسع المعرفة، عميق الفكر، صادق العطاء، جريء خلوق كريم طيب وحر، والأهم من كل ما سبق، كان إنساناً. لست وحدي، لكني لا أتخيل القبس من دونه، ولا المرور أمام مكتبه من دون أن أسمع صوته يناديني بلهجته اللبنانية العذبة «يسعد لي هالصباح». برحيله فقدت القبس وفقدنا إنساناً وصديقاً وزميلاً نادراً بأخلاقه وأفكاره وروحه. وأسألك أبو عبود: هل كنت تعرف غلاوتك علينا؟ هل توقعت كل الدموع التي سالت لحظة سماع خبر رحيلك؟ هل تعرف الألم واللوعة اللذين خلفهما غيابك؟ وهل كنت تتوقع أنك ستكون خبراً أول في معظم الصحف العربية، الخبر الأول، وللأسف الأخير.

اى غياب وى برام
ارجى نين انتخلصوا من معمر قبل وبعدين ساهل
قوم قوم قوم 60000 حتى والنت طافى ايفقعص

متشكرين يا افندم ع المتابعة