مقالات مختارة - أمجاور أغريبيل : المرأة والديمقراطية

أمجاور أغريبيل : المرأة والديمقراطية
على 12 يونيو 2012
رغم أن المرأة هي نصف المجتمع كما وكيفا , ورغم أن عدد سكان مدينة بنغازي الذي يتجاوز المليون نسمة نصفهم من النساء تقريبا, إلا أن نتائج الانتخابات للمجلس المحلي لم تسفر إلا عن نجاح أنثى واحدة, فهل ذهبت أصوات النساء اللاتي توافدن على مقار الاقتراع بأعداد كبيرة إلى صناديق الرجال, في تأكيد على قوامة الرجل وعدم أهلية المرأة لممارسة أمور الحكم, أم هي صورة من صور مكر المرأة التي لا تعطي صوتها لأنثى مثلها.
أهلية المرأة للقيادة أو الولاية بأنواعها الكبرى والعامة, أثيرت عقب خروج أم المؤمنين السيدة عائشة برفقة الصحابيين طلحة والزبير لقتال الإمام علي بن أبي طالب في موقعة الجمل, بفعل الحديث الشريف الذي رواه البخاري عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن الفرس قد ولوا عليهم ابنة كسرى بوران بعد موته قال: “لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة”, وهو حديث أثير حوله الكثير من الجدل لعل أبرزه أن أبي بكرة قد صمت ربع قرن قبل أن يتلفظ به, مما أعتبره البعض توظيفا للحديث في غير موضعه بهدف تغليب فئة على أخري والخروج به من المناسبة التي قيل فيها إلى عموم لفظه, حتى تقع تحت طائلته جميع النساء وفي كل العصور, وهو ما لم يقصده الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يعرف قبل غيره ومن خلال القرآن ذاته, أن هناك نساء تميزن بالحكمة ورجاحة العقل تمكن من حكم قومهن وقيادتهم نحو بر الآمان ومن أبرزهن بلقيس ملكة سبأ.
هناك من يلجأ إلى التاريخ لتفنيد صحة الحديث , متحججا بان ولاية بوران ابنة كسرى على قومها كانت في السنة الثانية عشر للهجرة , في حين أن وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في السنة التاسعة للهجرة . بل هناك من يذهب أبعد من ذلك إلى القدح في راوي الحديث أبي بكرة الذي أحده الخليفة عمر بن الخطاب بتهمة شهادة الزور .
المفكر الإسلامي جمال البنا يقول: ذكر القرآن الكريم ملكة سبأ الرشيدة التي أنقذت شعبها من الدخول في حرب خاسرة , وفضل امرأة فرعون على فرعون الذي أضل قومه , وبرأ القرآن حواء من خطيئة الأكل من الشجرة وحملها آدم , فإذا جاء حديث يقول ” لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ” فهو رواية راوي واحد , أوقع عليه عمر بن الخطاب حد القذف ورفض أن يتوب , فيجب أن لا تقبل شهادته بنص القرآن , كما أنه يتناقض مع وقائع التاريخ الذي ذكر ملكات نهضن بشعوبهن , والحديث لا يضع مبدأ , ولكن يشير إلى واقعة معينة ” .
لكن من يحبون حسم الأمور وقطع الطريق على أي محاولة للجدل يقولون : يكفي بأن الحديث قد ورد في البخاري وهو أحد الصحيحيين وأن أبي بكرة من الصحابة العدول الذين لا يجوز الجرح فيهم .
لجنة الفتوى بالأزهر الشريف قالت : بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم فلاح الفرس لولاية ابنة كسرى عليهم , و لكن ليبين للأمة ما يجوز لها أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسارة , وهو بذلك يقصد إلى نهي الأمة عن مجاراة الفرس في إسناد شئ من الأمور العامة إلى المرأة , ولم يفت الأزهر أن يقدم تعليلا لهذه الفتوى التي تستند إلى أن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها , وهي مهمة الأمومة والحضانة وتربية النشء , بالإضافة إلى عوارض طبيعية تتكرر عليها و من شأنها أن تضعف قوتها المعنوية وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به , والقدرة على الكفاح والمقاومة في سبيله .
ومهما كانت نتائج الجدل فأن المرأة تبقى هي الخاسر الأكبر , فلا يجوز لها أن تتولي الولاية العامة أو أن تترشح للبرلمانات والمجالس الشعبية ومجالس الشورى لأنها مجالس تتولي صياغة الدساتير وإصدار القوانين ووضع السياسات وهو مما يدخل في نطاق أعمال الولاية العامة , أو على الأقل التضييق عليها وجعل مشاركتها في هذه المجالس بأٌقل نسبة ممكنه حتى لا تكون سببا في عدم فلاحنا وإحباط أعمالنا, لقد كانت النساء المصريات أول المطالبات بالمشاركة في العمل السياسي , وتحصلن بالفعل سنة 1925 على ذلك عندما خصصت لهن مقصورة خاصة داخل البرلمان المصري , يتابعن من خلالها وقائع الجلسات دون أن يكون لهن حق المشاركة في المناقشات الدائرة , والآن وبعد قرابة القرن من تلك المشاركة الشرفية لا نكاد نسمع لها صوت أو نتبين لها ملامح وسط هذا الحضور الكثيف للرجال , المرأة الكويتية أفضل من غيرها لكن ما حققته لا يعكس حقيقة وضعها الاجتماعي , المرأة الخليجية عموما لا زالت أسيرة فكر درء المفاسد الذي يعتبر منع المرأة من الخروج والمشاركة السياسية هو لدرء مفسدة أعظم تأتي نتيجة مخالطتها للرجال .
العديد من النساء الفاضلات من المعلمات والمهندسات وعضوات هيئة التدريس بالجامعة , تنافسن مع أخوتهن من الرجال على شغل أكثر من أربعين كرسي من كراسي المجلس المحلي ببنغازي , لم تفز من بينهن سوى واحدة رغم المشاركة النسائية اللافتة للاهتمام في هذه الانتخابات , ولا أجد لذلك من تفسير سوى أنه مجتمع الذكورة أو الفحولة بحسب تعبير (الجاحظ) , حيث الإناث وهن في هذه الحالة النساء يذهبن خلف فحلهن وهو الرجل حيثما يريد , مثلما تذهب إناث الإبل والبقر والماعز خلف الجمل والثور وذكر الماعز القوي !! (العقاد) لا يختلف مع الجاحظ إلا أنه يقول ذلك بلغة مختلفة , ” المرأة السلبية في كل شئ لا يمكن لها إلا أن تكون تابعة للرجل الإيجابي في كل شئ ” الذي – و الكلام لازال للعقاد – يتفوق عليها في كل شئ حتى في تلك الأعمال التي امتهنتها واحتكرتها لنفسها منذ فجر التاريخ مثل الطهي والحياكة .
رغم أن فترة حكم الملكة فكتوريا تعتبر من العصور الذهبية التي عاشها الإنجليز , وأن فترة حكم المرأة الفولاذية مارغريت تاتشر قد شهدت نموا اقتصاديا غير مسبوق , بالإضافة إلى نساء أخريات مثل أنديرا غاندي ومادلين اولبرايت وبوتو وكونداليزا رايس وليفتي وغيرهن ممن كان لهن دورا بارزا في خدمة شعوبهن . إلا أن التيار المناهض لولاية المرأة يرد بالقول: لا فلاح مع الكفر, إن تلك المجتمعات التي سلمت زمام أمرها لنسائها هي أكبر دليل على صحة الحديث , لأنها مجتمعات لن تفلح أبدا ويكفي للتدليل على عدم فلاحها أنها مجتمعات كافرة , وإلى أن نعثر على امرأة مسلمة تقود شعبها نحو التقدم والازدهار فسوف نسلم بصحة ذك الرأي .
لقد حكمنا الرجال لآلاف السنين , ولم نجني من وراء ذلك سوى الخسران المبين , فلنعطي الفرصة للمرأة هذه المرة , أليس من حقها أن تحظى بذلك , مثلها في ذلك مثل بعض القوى الإسلامية التي لم تنفك تردد لا تحكموا علينا بالفشل قبل أن تجربونا!!!!
أمجاور أغريبيل