إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
المرحلةً الانتقاليةً – التشخيص والمعالجة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
المرحلةً الانتقاليةً – التشخيص والمعالجة
د. إبراهيم بيت المال : المرحلةً الانتقاليةً – التشخيص والمعالجة (مالــها وما عليــها)
8 سبتمبر 2012
مما لا شك فيه، أنَّ حالة َ الفرح والحبور التي عمَّت الشعبَ الليبي بكل أطيافه، والتي توجَّت مرحلة الانتصار والخروج من ربقة الطغيان والقهر والجبروت التي فـُرضت عليه لعقود تعدَّت الأربعة، هذه الحالة جعلت الشعب يرى الأحلام تتحقق على الأرض ويلامس النور الحقيقي بعيون أصابها الرمد والعشى الليلي والنهاري، مما جعلها غير قادرة على الرؤية الطبيعية لحقائق الأمور وتطور الأحداث. هذا الحلم الذي تحقق والذي كان لدى الكثير، ضرب من ضروب الخيال والمستحيل.
هذا الشعور الفياض الممتلئ إلى حافته بالانبهار والتحفز للمزيد من الانتصارات والوصول بقفزه وحده إلى مجتمع الاستقرار والمؤسسات، جعل الكثير يحس ببعض المرارة والإحباط للنتوءات التي برزت، ولبعض المطبَّات التي جعلت سرعة وقوة الانطلاق الأولى التي صاحبت الثورة تخف، وأحيانا ً تبدو وكأنها توقفت، وهذا ما يشعر به المنتصر. فالبطل الذي يقفز من أعالي جبال الجليد عندما يصل إلى السفح، لا بد أن ينال بعض التقلبات، وقد تـُكسر عظم الترقوة أو الذراع، ولكنه حتماً سيقف على رجليه مرة ً أخرى وينال جائزة الانتصار. والغواص الذي يصل إلى أعماق البحار لالتقاط الجواهر واللؤلؤ والمرجان عند خروجه محملا ً بكل ما انتقى وأراد وحقق، يحتاج إلى وقت ومعالجات حتى يستطيع أن يقف على رجليه بحالة سوية ويبتهج بما نال وأنجز، والأمثلة كثيرة.
ما سطره الليبيون وحصلوا عليه بخروجهم من قمقم الرعب والفوضى والتهريج، وما سطره الليبيون من انتصار صار حدثاً تاريخياً وإنجازاً للبشرية ومدرسة تتعلم فيها الشعوب. إن المتاجرة بكرامة البشر وامتهانهم وسوقهم كالخرفان إلى المذابح هي تجارة خاسرة وبور، وإن حرية الشعوب غاية غالية الثمن ولكنها في متناول من يسعى لها.
ما أريد أن أصل إليه أن من حق الليبيين أن يفرحوا وأن يفتخروا وأن يعتزوا بما نالوا وحققوا، وإن هذه الطريق لا رجعة فيها ولا دوران للخلف أبداً، وإن ذلك العهد المظلم المقرف المقزز النتن لا يستطيع أن يطهر من جديد، وإن كل هذه الاهتزازات والارتدادات التي نحس بها وتقلقنا هي مؤشرات تدل على أن الحدث كان عظيماً وما تحقق كان رهيبا ً، وإننا حقاً على الطريق الصحيح، ولكنها مرحلة لا بد أن نمر بها، كمرحلة النفاس بعد ولادة متعسرة وقيصرية، وحالة الاستيقاظ من كابوس مرعب وما يرافقها من انزعاج وقلق، ثم تجد حولك أحبتك في حبور ومرح وابتهاج، لا يعني اعترافنا بوجود ووجوب هذه المرحلة، إن تتركها على علاتها دون دراسة وتحليل والبحث على أقصر الطرق وأيسرها لعبورها دون انتكاسة أو جرح عميق.
فالدراسة المعمقة تفرض علينا معرفة جيدة للجغرافيا، والجغرافيا السياسية المحيطة بنا، والتاريخ المعاصر وتاريخ الثورات وعلوم الاجتماع والنفس والاقتصاد. فكل هذه العلوم أثرت وتأثرت بالحدث الليبي، ولا يمكننا أن نتغاضى عنها وخصوصاً لكل من يحمل الهم الليبي ولكل حالم بليبيا العائدة للحياة والنماء بعد عهد الذبول والذهول الذي مررنا به لعقود.
ولابد أن نعترف بأن جمع ليس بالقليل من الليبيين لا يتمتعون بهذا الحلم ولا يتمنون أن يتحقق.
والمتابع للشأن الليبي والحدث الاستثنائي والتاريخي الذي يمر به الشعب الليبي، وبنظرة فاحصة يمكنه تقسيم الأمزجة والاتجاهات في المجتمع الليبي إلى عدة مجموعات وشرائع تتباين فيما بينها وتختلف في نظرتها وتوجهها نحو المرحلة التاريخية الانتقالية التي نمر بها كلنا كمجتمع ليبي:
· المجموعة الأولى:
وهي مجموعة المرتبطين بنظام القذافي ارتباطاً عضوياً، وشركاء القذافي في تنفيذ كل أفعاله وجرائمه، هذه المجموعة تعتبر المجموعة المتضررة من الثورة، وبالتالي فهي تكوِّن مجموعة المتربصين بها، والساعين إلى قلبها رأساً على عقب، وبالتالي لا يوفرون جهداً ولا مالاً ولا وقتاً للبذل في قلب هذه الثورة بأي شكل ٍمن الأشكال. هم يعلمون يقيناً أنه لا يمكنهم إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وأنه لا مكان للقذافي فكراً وسياسة ًوأتباعاً، ولكن يأملون أن تستمر المرحلة الانتقالية في ضبابية وفوضى حتى يخرج المولود الجديد مبتسرا ً ومشوَّها ً، وقد يكون مسخاً وبالتالي سيكون تضررهم من انتهاء حقبة القذافي أقل ما يمكن.
فمن المنطق بمكان أن تغيير رؤية هؤلاء الناس وتوجههم مستحيل، وفي أحسن الأحوال هو شديد الصعوبة، مع أنه من الناحية الفكرية والأخلاقية، هؤلاء الناس وأبناؤهم وأحفادهم سيستفيدون كثيراً بخروجهم من استعباد القذافي لهم وقهرهم وإذلالهم. ومن يدرس كتاب الأستاذ عبد الرحمن شلغم “أشخاص حول القذافي”، سيعرف شدة المعاناة التي كان يعاني منها هؤلاء الناس، وبالتالي فالثورة بالرغم ما تبدو ظاهرياً، ضارة لهم، هي في حقيقة الأمر إنقاذاً لما تبقـَّى لهم أو لديهم من كرامة الإنسان وحقوقه في العيش بحرية واستقلالية.
هذه الفئة مرتبطة بالقذافي فكراً ونظاماً وثقافةً وسياسةً، وهي الحلقات القريبة منه جداً، وهي بطبيعة الحال الفئة التي تتجرد من أفعال الثورة في ليبيا وانتفاضة 17 فبراير.هؤلاء الناس عاشوا بطريقة عنيفة في مرحلة القذافي ومارسوا سلطاتهم المنبثقة من سلطات القذافي ذات نفسه واستغلوا هذه المرحلة في مصالحهم الشخصية والأنانية، وآذوا كثيراً من الناس وشاركوا في القتل والتعذيب بشكل مباشر أو غير مباشر في بعض الأحيان، كما أنهم استغلوا المال العام بشكل واضح وبشع.
معظم هؤلاء الناس هربوا من البلد وموجودين الآن في دول الجوار، وقد يكونوا في بعض الدول الأجنبية ولهم علاقاتهم الخاصة والعامة واتصالاتهم وأموالهم الكثيرة جداً التي تم تهريبها خارج البلد. هذه الفئة لا نتوقع أنها ستترك الأمر في هذه المرحلة الانتقالية على هدوء، بل سيحاولوا كل جهدهم إثارة النعرات وإثارة المشاكل وإثارة العنف بكل ما يستطيعون من إمكانيات متاحة لديهم.
هؤلاء الناس عاشوا فترة صعبة من حياتهم ومروا بظروف نفسية قاسية مهما بدا لنا من الخارج أنهم استفادوا ولكنهم قد تضرروا نفسياً واجتماعياً، وبالإمكان بالاطلاع بشكل معمق على كتاب الأستاذ عبد الرحمن شلقم “أشخاص حول القذافي” الذي أظهر بعض هذه الشخوص بشكل واضح، وكيف تعيش هذه الفئة من الناس حول القذافي، وكيف كان هو يستغلهم أكثر مما كانوا هم يستغلون النظام. فهؤلاء الناس عاشوا بجروح وبشروخ رهيبة نفسية وقد تكون حتى جسدية في بعض الحالات، وممارسات سلوكية مقرفة وبشعة، أمور ضد الرجال والنساء الذين يتمكن القذافي من قيادتهم بشكل سلس بالنسبة له، وصاروا هم كالنعاج والبهائم يقادوا بدون أن يستطيعوا الحراك بعكس هذا المحور الذي بناه القذافي حول نفسه.
فهؤلاء الناس، من الصعوبة بمكان، أن يرجعوا إلى حياةٍ سويةٍ، وأن يتخلصوا من كل هذه الآثار، فالإنسان المغلوب والمقهور كما قال مالك بن نبي يتماها مع شدة القهر في شخصية الغالب، ويحاول أن يعيش من خلاله، ولا يستطيع أن يواجه حقيقته البشعة بعد ما عاش طول هذه المرحلة من الخنوع والذل والقهر، صعب عليهم أن يواجهوا المجتمع بصورة جديدة بكل ما لديهم من شروخ، مع أنه في حقيقة الأمر، من الناحية الإنسانية قد يكونوا من أكثر المستفيدين من إزالة نظام القذافي، وأن ترجع لهم كرامتهم وأن ترجع لهم بشريتهم وإنسانيتهم، ولو خسروا بعض المكاسب وبعض المصالح القريبة والسهلة والسطحية، ولكن هذه تحتاج إلى معالجات نفسية ومعالجات اجتماعية بعد فترة من الزمن، كي يكتشفوا حقيقة أنهم كانوا يعيشون في مرحلة من الذل والهوان لا تليق بكرامتهم كبشر.
على كل حال، في هذه المرحلة لا نتوقع من هؤلاء الناس الانسجام مع التركيبة الاجتماعية للمجتمع، بل نتوقع منهم ممارسات عنيفة وشرسة ضد الدولة وضد المجتمع، والتسبب بالقلاقل والمشاكل، لكن في نفس الوقت يجب أن لا نضخم هؤلاء الناس وتأثيرهم، يجب أن نتوقع بعض المشاكل ولكن يجب أن نكون على قناعة أن القذافي فكر وثقافة وسياسة قد انتهى، ولا يمكن أن يعود من جديد إلى ليبيا، قد تحصل مشاكل أخرى، وقد تظهر مظاهر سلبية أخرى، لكن أن يعود نظام القذافي بشكله ومحتواه السابق إلى البلد بأي مظهر من المظاهر السابقة، لا يمكن أن يتخيل البشر أن هذا النظام يمكن له أن يعود بعد أن انتهى إلى غير رجعة صاحبة وأزلامه المقربين منه. ولكن قد يسعى هؤلاء الناس كما ذكرنا سلفاً، بإثارة بعض المشاكل والقلاقل حتى يجدوا لنفسهم مكان فوق الأرض الليبية بشكل من الأشكال.
نحن لا يهمنا كثيراً ما سيؤول إليه مصيرهم في المستقبل، نحن الآن نعالج مشكلة المرحلة الانتقالية، يجب أن نكون معنيين بوضع هؤلاء الناس وأخذ العناية الفائقة من تصرفاتهم التي قد تكون ضارة إلى حد ما بالتركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمع الليبي الجديد، ولكن بعد المرحلة الانتقالية، لا شك بأن هؤلاء الناس يمكن معالجتهم، ويمكن دراسة أوضاعهم طبعاً بعد توفير المحاكمة العادلة والشريفة والنزيهة لكل من شارك في جرائم القذافي مشاركة مباشرة أو حتى غير مباشرة، كما ذكر العلماء والخبراء ورجال الدين والسياسة، هؤلاء الناس يجب أن يبعدوا بعداً قسرياً عن العمل السياسي المباشر وقيادة المجتمع للعدة سنوات، حتى تبرد جراحهم وتبرد جراح الليبيين، لكن لا يعني ذلك عدم توفير حياة إنسانية كريمة لهم، ويعيشوا كمواطنين ليبيين بعد أن يقول القانون والعدل والمحاكمة قوله فيهم وفي وضعهم.
· المجموعة الثانية:
مجموعة المستفيدين والانتهازيين من فترة حكم القذافي. هؤلاء الناس لم يتورطوا مباشرة ًفي جرائم منظومة القذافي، وقد لا يستطيع القانون أن يثبت عليهم جرائم الاشتراك في أعمال القذافي الإجرامية، ولكن بطبيعة شخصياتهم البرجماتية.
هي الفئة التي كانت مستفيدة من نظام القذافي، ومعظم هؤلاء الناس هم من رجال الأعمال والتجار والسماسرة الذين مارسوا المنهج البرجماتي بكل تفاصيله، ولا يهمهم في حقيقة الأمر إلا مصالحهم ومكاسبهم. هؤلاء الناس موجودون في كل العصور وفي كل الأنظمة وفي كل البرامج، لا يهمهم إلا مكاسبهم ومصالحهم، ولديهم قدرة على أن يتصلوا ويقيموا علاقات اجتماعية مع أي نظام كان، بغض النظر عن خلفيته الإنسانية والأخلاقية والدينية ما دام يحقق لهم مصالحهم.
هؤلاء الناس عاشوا وتعايشوا مع القذافي ونظامه واستفادوا منه الكثير، وقد يكونوا لم يشاركوا فعلياً بطريقة مباشرة في جرائمه وعمليات قتله، ولكنهم سهلوا له الكثير من الأعمال والمهمات القذرة في معظم الأحوال، والذين يلاموا لأنهم شاركوا بطريقة غير مباشرة في تقوية وإنعاش النظام بشكل أو بآخر، من توفير الشركات التجارية الدولية، وبالعلاقات مع مؤسسات النفط الدولي، وبعلاقات السمسرة، وبعلاقات تهريب الأموال، وبغسيل الأموال.
تمكن هؤلاء الناس من أن يتعايشوا وأن ينموا ويتطورا مالياً واجتماعياً في ظل هذا النظام. هؤلاء الناس بسهولة يستطيعوا أن ينقلبوا إلى معايشة أي نظام آخر يقوم، ولا نستغرب وجود الكثير منهم الآن حول قيادات العمل السياسي في الدولة الليبية الجديدة، وحول قيادات المجلس الانتقالي أو الحكومة، قد يقوموا بتسهيل الكثير من المهمات، وقد يكون بعض منهم قد ساعد كثيراً أيضاً في مرحلة الثورة، بتوفير بعض الإمدادات والأموال.
هؤلاء الناس يملكون ذكاءً فطرياً غير عادي، ويستطيعون أن يتعايشوا مع أي مؤسسة قائمة مادامت توفر لهم مصالحهم. في هذه المرحلة الانتقالية، هؤلاء الناس قد يظهروا بشكل المزايد في أنهم ساعدوا في قيام الثورة، وتوفير الأموال وتوفير الاتصالات، فهؤلاء الناس يُقدر لهم هذا العمل، ولكن يجب أن يُعاملوا بحيطة، وأن تتعامل معهم قيادة البرنامج السياسي الجديد في ليبيا بنفس العقلية البرجماتية التي يتقنونها إتقاناً كبيراً، بأن كان لديهم وسائل تفيد النظام الجديد، من خبرات وعلاقات دولية، فيجب أن يُستفاد منهم إلى حدٍ ما مع إبداء الحرص من هؤلاء الناس المستعدين في أي لحظة أن ينقلبوا عليك إذا حسبوا أن مكاسبهم تكون أقل مما هم متوقعين، ومصالحهم تتضرر بشكل أو بآخر.
قد يستطيع هؤلاء الناس أن يُروجوا الكثير من الإشاعات، وهم مستعدون أن يتعاملوا مع مجموعة الفئة الأولى بشكل أو بآخر بحكم علاقتهم السابقة وبحكم مشاركتهم السابقة. فهؤلاء الناس يجب أن يُعاملوا بحذر، مَن منهم أساء إساءةً مباشرةً لليبيين في مالهم أو أرضهم، يجب أن يُحاكموا محاكمةً نزيهةً وعادلةً، ومَن منهم لم يشارك بشكل مباشر يجب أن يُتعامل معه بحيطةٍ وحرص إلى أن يشفوا تماماً من مرحلة القذافي، ويعرفوا أن هذه المرحلة انتهت بلا رجعة، وأنهم يجب أن يتعاونوا مع المنظومة الجديدة للمجتمع الليبي، ويجب الاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم الدولية بدون أن يكون فيها فساد أخلاقي أو مالي أو رشاوى أو سمسرة، ولكن يُستفاد من خبراتهم التجارية والعلاقات الدولية في المجالات الاقتصادية المختلفة، وأن يتعلموا أيضاَ الدرس الليبي السياسي الثوري الممتلئ بالنزاهة والإخلاص والشفافية.
هذه الفئة الثانية لا أتوقع منها الكثير من الدعم للمرحلة الانتقالية، بل يحاولوا أن يستفيدوا أكثر ما يستطيعون، مما يسبب بعض القلاقل والخلل الاجتماعي والقبلي فيما بين العناصر القيادية للمجتمع الجديد.
· المجموعة الثالثة:
هي مجمعة المتعايشين إذا صح التعبير، الفئات التي تستطيع أن تتعايش مع أي نظام وفي أي ظرفٍ من الظروف من أجل حياتهم اليومية، ومن أجل مصالح أولادهم وتأمين مسكنهم وتأمين السيارة وخدمات التعليم والصحة لأولادهم. هذه الفئة متواجدة بكثرة في المجتمع الليبي، ولا يهمهم كثيراً ما هي نوعية النظام وسياسته ورؤيته، المهم أن يعيشوا في سلام وأمان وفي بحبوحة وراحة.
هؤلاء الناس قد يكونوا أبرياء من المشاركة في جرائم القذافي، ولكنهم كانوا أحد عناصر النظام السياسي التي أدارت الدولة بشكل أو بآخر دون أن تمل أو تبدي قهرها أو قلقها من النظام. هؤلاء الناس سيتعايشون مع أيضاً مع النظام الجديد، ولكن بقلق لأنهم تعايشوا أربعين عاماً مع نظام معين ورتابة معينة، وسيشعرون بقلق إذا حسُّوا أن هذه الرتابة وهذا النظام اللذان تعودوا عليه يحصل فيه بعض التغيير.
هذه الفئة أيضاً تتميز إذا صح التعبير ببعض الانتهازية، وقد يكونوا هم أيضاً من الناس الذين يتعاملوا مع ملفات ومرتبات الثوار وأموال الجرحى. هذه الفئة التي تستطيع أن تتعايش مع أي واقع جديد دون أن تنظر إلى قيمه وأخلاقياته وأدبيات المرحلة مادام يوفر لها الاستقرار والدخل المناسب والخدمات المناسبة لأسرهم دون أن يتحملوا العبء الثقافي والإيديولوجي والسياسي لأي اتجاه يتبعونه. هؤلاء المتعايشين قد يكونون عنصر قلق في المرحلة الانتقالية، يبحثون عن المصلحة والرتابة، حتى وإن لم يكونوا أغنياء وأصحاب شركات ومؤسسات تجارية، ولكنهم تعودوا على هذا النمط من الحياة، فقد يثيرون الكثير من الإشاعات ويروجون للإشاعات ويصنعون هذه الإشاعات، ويصنعون بعض الأحداث المثيرة التي تخرجهم عن نمط حياتهم الطبيعية.
· المجموعة الرابعة:
هي فئة، إذا صح التعبير، المستعجلين الذين على عجلة من أمرهم.
هؤلاء الناس عاشوا الكثير من الظلم والغبن والقهر أيام القذافي، من سجن أو قتل أقاربهم أو اغتصاب أموالهم وممتلكاتهم، وحتى لو لم يشاركوا بالكثير من أعمال الثورة مباشرةً، لكنهم يعيشون في مرحلة من الانتظار والترقب للخروج بشكل سريع إلى الحياة المدنية التي كانوا يفتقدونها خلال فترة القذافي، يتوقعون أنه ببزوغ الثورة والنظام الجديد، كل شيء سيحصل في لحظته وستتغير كل الأمور من بنية تحتية ومن تعليم وصحة وخدمات ومرتبات وأراضي وزواج العزاب وسيارات، فهم على عجلة من أمرهم، فرصة تاريخية يجب أن يتحول كل ما كانوا يحلمون به ويترقبونه في لحظة دون وعي لصعوبة المرحلة وفكر المراحل، وأن كل مرحلة تحتاج إلى وقت وعامل الزمن.
هؤلاء الناس يسببون نوعاً من القلق لأنهم مستعدون أن يخرجوا في مظاهرات ومسيرات واعتصامات، مستعدون للقيام حتى ببعض مظاهر العنف والإنفلاتات الأمنية التي قد تحصل في بعض أحداث الشوارع. وهم أيضاً يحتاجون إلى استيعاب وتوعية ومتابعة ودراسة، وفي إمكان هؤلاء الناس أن يتم توعيتهم بفلسفة المراحل والظروف المناسبة والوقت المناسب، وأن كل مرحلة لها متطلباتها وظروفها.
· المجموعة الخامسة:
وهي فئة الحالمين إن صح التعبير، وهي نمط من فئة المستعجلين بحلم خيالي. هؤلاء الناس الحالمين المتوقعين أن كل شيء سيكون بوضع وردي ومن غير مشاكل وغير انزعاج ونتوءات وانفعالات، وما حصل في الثورة هو خاتم سليمان، وكل شيء يجب أن يحصل، وفي لحظة نكون مثل الدول الأوروبية في الدقة والشفافية، وفي النظافة مثل دبي، وقطر في البنية التحتية والسيارات والعمارات، ومثل بريطانية في المعاهد الأكاديمية والمؤسسات العلمية.
هؤلاء الحالمين عيبهم الأكبر أنه بسرعة يحصل لهم الإحباط والانفعال والاكتئاب، وقد يكون هذا حتى في بعض الرموز القيادية في العمل السياسي الليبي الجديد، فمنهم من دخل في مرحلة الإحباط والاكتئاب لأنهم يتوقعون أن حلمهم الزاهر لم يتحقق، وهذه الأحلام مشروعة ولكنها أحلام غير واقعية بعامل الزمن، حيث تحتاج إلى كثير من الزمن والوقت.
هؤلاء الناس قد يسببون بعض الإزعاج للقيادات في العمل السياسي، سواء كان التشريعي أو التنفيذي، لأنهم لن يرضوا مهما عمل بالمنتج اليومي البسيط الذي لا يتناسب بشكل حتى نسبي مع طموحاتهم وأحلامهم.
· المجموعة السادسة:
وهي فئة النخب السياسية والمغتربين. فهؤلاء الناس خليطٌ من كثير من الفئات السابقة، ومن مثقفين ذوو الاتجاهات السياسية والمؤسسات السياسية سواء كانت حزبية أو إيديولوجية التي كانوا محرومين منها في داخل ليبيا، ومارسوا الكثير من هذه الأنشطة في الخارج وتكونت نخبة ثقافية باختلافات الإيديولوجيات من اليمين إلى اليسار وفي الوسط.
هؤلاء الناس تحددت رؤيتهم وفلسفتهم من خلال منظورهم الإيديولوجي النخبوي الفلسفي، وقد لا يسهل عليهم التمازج والانسجام والاندماج في الواقع الليبي المعاصر، وخصوصاً مَن ترك البلد لعشرات السنين، فمن الصعوبة عليه بمكان أن يتماها ويتداخل مع المجتمع الحالي، فهم أيضاً يسببون إزعاج في بعض الأحيان للقيادات التنظيمية والتشريعية، فلهم نظراتهم المحدودة والمحددة بثقافتهم السياسية.
هذه مشكلة العالم العربي، مشكلة النخب في كل مكان، منظورهم محدود في الصالونات الأدبية والمؤتمرات والندوات وتطلعاتهم السياسية، وبما أنهم كانوا معارضين لبعض الوقت وطوال الوقت في خارج البلد، فهم يرون أن من حقهم وحدهم أن يقودوا العمل السياسي، وأن منظورهم هو الحق فقط وليس مع أحد آخر، في الأغلب هم يتوقعون أنهم يملكون كل الحقيقة.
فئة النخب في كل مجتمعاتنا العربية للأسف بما لها أيضاً من خبرات وإيجابيات ومن ثقافة وعلم وخبرة دولية، لكن للأسف قد تكون أيضاً من الفئة المستعجلة والحالمة تنطبق عليها بسبب الإيديولوجية والسياسة والفكر النخبوي الذي تماشوا معه وتعايشوا فيه طوال عقود طويلة من الزمن.
هؤلاء الناس لا يمكن بسهولة أن يتم انسجامهم مع القيادات التنفيذية والتشريعية في البلد في المرحلة الانتقالية، وسيتم مزجهم وسيكونون أحد عناصر القيادات سواء الحالية أو المستقبلية بما لهم من خبرة سياسية وقدرة على التواصل مع الناس من الناحية الفكرية والإيديولوجية، على أمل أن يتماهوا بشكل أسرع وأقدر على التعامل مع المجتمع، وأن يتنازلوا بعض الشيء عن بروجهم العاجية، ويتحولوا من العمل النخبوي المصلحي الضيق الرؤية والأفق إلى العمل الشعبوي والتعبوي، وأن ينظروا إلى مصالح الناس والظروف القاسية التي مرت بها البلد، وأن يرعوا الجوانب النفسية والاجتماعية والجروح والشروخ التي حدثت للنظام العام الليبي طوال 42 عاماً، بالإمكان معالجتها بأسلوب فكري وثقافي يتناسب مع الظرف الواقعي، وأن يتماشوا ويتعايشوا مع الناس بالظروف والصعوبات التي عاشوها، وأن يتنازلوا بعض الشيء عن أحلامهم وطموحاتهم الإيديولوجية والسياسية.
· المجموعة السابعة:
وهي فئة الشباب الثائر المسلح. فهؤلاء الشباب هم من قادوا العمل الثوري الحقيقي في الميدان، وبذلوا الجهد والغالي والنفيس، من صحتهم ووقتهم ومن أعضائهم وأقاربهم وأصدقائهم الذين استشهدوا في الميدان.
هؤلاء الناس خرجوا من الميدان بجروح حقيقية في أجسادهم وفي نفوسهم، ويتوقع أنهم هم من صنعوا الثورة، ولا أحد ينسى دورهم الكبير والعظيم في هذه المرحلة، ولكن العمل السياسي يتطلب أفق أوسع وقدرة أيضاً كبيرة على استيعاب الآخر والآخرين، وأن السلاح لا يستطيع أن يحل المشاكل اليومية.
هذه الفئة كان لها الفضل الأكبر في المرحلة الأولى، مرحلة الثورة، لكن في المرحلة الانتقالية دورها سيكون أقل، وفي المرحلة المؤسساتية سيكون دورها أقل أكثر وأكثر مع الاندماج في العمل المؤسسي المسلح سواء كان هذا في الجيش أو الشرطة، والمجتمع الخارجي أو الداخلي أو أمن الحدود مع القوات المسلحة.
هؤلاء الشباب يجب معاملتهم بكياسة وبفطنة ووعي وبإدراك، بأنهم لهم كل الحق بأن يكون لهم صوت ولهم أن يشاركوا مشاركة حقيقية في عمل بناء الدولة، هم الذين أسقطوا نظام القذافي بلا رجعة، ولكن يجب عليهم أيضاً ألا ينسوا دور أعضاء المجتمع الآخرين من سياسيين وجمعيات ونخب وأمهات وأخوات وأطفال وإعلام وعلاقات دولية وعلاقات شخصية، كلها ساعدت على نجاح عملهم المباشر الذي قاموا به في الميدان.
هؤلاء الناس علينا أن نستوعبهم استيعاب كامل، وأن ينالوا حقهم في أن يكون لهم دور إيجابي في قيادة وبناء الدولة، وهم عليهم واجب أن يستوعبوا باقي أطراف المجتمع، وأن نتعامل معهم بالكياسة والفطنة لتحقيق الهدف الأكبر ببناء ليبيا الجديدة والناجحة والشركية في العالم بدور أكثر فاعلية وأكثر إنسانية، ليبيا النموذج.
هذه الفئة أيضاً يجب أن نقوم بدراستها، فقد يكون هناك أيضاً فئات متداخلة تحت هذه الفئات، يمكن القيام بدراسة أخرى لها تضم التلميح والمقاربة.
· المجموعة الثامنة:
لعل وعسى هناك فئة أخرى تتزاخم مع كل هذه الفئات، وهي الفئة القبلية والقبائل والعشائر.
هذه حقيقة هي جانب ثقافي وتراثي في المجتمع الليبي يجب ألا يُهمَل، وقد لا يكون له تأثيراً إيجابياً أو سلبياً في المرحلة الانتقالية في المجتمع الليبي، وخصوصاً خارج المدن الكبيرة التي تربطها عشائر وتربطها وشائح قبلية بشكل أو بآخر. والقذافي بدهائه ومكره وبظلمه وجبروته استطاع أن يعمق أو حاول أن يعمق هذه الجروح وهذه الشروخ بين مكونات الشعب الليبي، ولكن نحمد الله سبحانه وتعالى أن التأثير لم يكن بذلك العمق، وبدليل أنه خلال الثورة لم تظهر أي نتوءات واضحة في الفروق بين القبائل، ولم تحقق نبوءات ابنه بأنه سيكون هناك حروب قبلية وحروب أهلية وحتى الصحفيين والمثقفين العرب في الخارج الذين كان لهم دور سلبي في متابعة أحداثنا، وهم لا يستحقون حقيقة ً التركيز عليهم، ولكن كنماذج سلبية مثل السيد عطوان والقدس العربية وغيرهم الكثير من الصحفيين الذين كانوا يراهنون على نظرية القذافي بأنه سيكون هناك حروب قبلية وأهلية. والحمد لله رب العالمين لم يتمكن هؤلاء الدعاة بتأجيج هذه الحروب، لكن لا يعني ذلك أن ننسى أو نتناسى وجود هذا التيار التراثي الفكري في المجتمع الليبي، ويجب أن يُراعى وخصوصاً في المرحلة الانتقالية، بحيث أن كل الفئات مثل ما حدث مع المجموعة الفيدرالية قد تستغل هذا التراث الإيجابي السلبي في بعض الأحيان بشكل أو آخر، وهذا ما حدث في الكفرة وفي سبها وفي زوارة، وقد يكون هناك أيضاً عناصر التهريب والمصالح المالية، ولكن أيضاً الجانب القبلي والعصبي والعشائري يجب أن يُراعى ويُدرس ويُعطى حقه بالاحترام والتبجيل، وفي نفس الوقت توجيهه إلى أن ليبيا تحتاج إلى نظرة أكثر واقعية وأكثر إنسانية وأكثر حضارية من أن نتقيد بالأسلوب العشائري والقبلي مع احترام القبيلة والعشيرة والأسرة، المكون الأساسي من مكونات أي مجتمع، يجب أن تُحترم ويُقدم لها كل المساعدات والدعم حتى تبقى كعشائر وكقبائل دون أي تعصب أو جنوح لممارسة العنف لتأكيد حقوقها.
هذه الفئات التي تم تجميعها، كل منها يحتاج إلى دراسة كبيرة وعميقة لمعرفة كيف يُستفاد منها في قيادة العمل القادم، والتركيز على الفئات حتى يخف على الشباب المظاهر السلبية التي حدثت في المرحلة الانتقالية، وهذه النتوءات عندما يتم تحليلها ويُعرف أسبابها قد يجد لهم بعض الراحة النفسية أن هذا الشيء مؤقت وانتقادي في وجود هذه الفئات في هذه المرحلة، ستتضارب وتتماوج وتتداخل حتى تظهر بعض هذه المظاهر السلبية التي نراها الآن، ولكن بكل تأكيد عندما تتكون دولة مؤسسات بعد عدة سنوات من الآن، كل هذه الفئات ستتداخل، لأن كل هذه الفئات ستعمل بالحقيقة الواقعية، وهي ذات مصلحة حقيقية في هذا التغيير الذي حصل في ليبيا، وأن القذافي كان يمارس الغبن على كل هذه المجموعات دون أن تدري أو ندري، كلهم سيستفيدون كثيراً من كرامة الإنسان وحريته والشفافية والتوزيع العادل للثروات وإمكانيات البلد واللامركزية وإزالة الغبن ووجود حكم القانون والمحاكمات العادلة وكرامة الإنسان وشرفه وتقدمه ورقيه ودخله المناسب، وفئة الشباب وفئة المرأة، عندما تتداخل كل هذه العوامل بحقيقة على أرض الواقع، هذه الفئات ستتلاشى وستتماهى فيما بينها، وستبقى الفئة الأولى فئة القذافي مجموعتهم أقلهم وأبطأهم تماهياً، ولكن بعد عدة سنوات، حتى هذه الفئة سترجع إلى عقلها وواقعها وستتعايش وستتنازل عن بعض المصالح التي استفادت منها بطريقة خاطئة وفاسدة، وستعلم أولادهم أن كرامة الإنسان أثمن من أي شيء مادي استفادوا منه أهلهم، مقابل فقد الكثير من عزتهم وكرامتهم وشرفهم.
هذه الفترة لا بد أن تأخذ حقها من الزمن، فيجب ألا نستعجل ويجب ألا نحلم كثيراً، فيجب أن تكون أخلاقنا مشروعة وواقعية وقابلة للتنفيذ ونعمل دراسة حقيقية للثورات الجذرية التي تمت في العالم في رومانيا وبولندا وألمانيا الشرقية وفي إيران أيضاً، في كل هذه التغييرات التي حصلت الجذرية وليست الديمقراطية البطيئة، حصلت لأسباب كثيرة، حتى الثورة الفرنسية أخذت عدة سنوات من التمازج ومن الاستقرار والانفلات حتى استقرت بوضع ديمقراطي ليبرالي إنساني ذو قيمة عالية أخلاقياً، واحترام الثقافات والأديان واحترام قيمة العائلة وقيمة الاقتصاد وقيمة العمل وقيمة الوقت. كل هذه القيم التي أدارها القذافي، ستركز في ليبيا الجديدة، وبعد عدة سنوات ستكون ليبيا بشكل أفضل وستكون النموذج الأروع في المنطقة بإمكانيات المنطقة وبظروف المنطقة السياسية والثقافية والمالية والاقتصادية.
هذا الجانب الأول أردت التعرض له بتقسيم الفئات وأحد أسباب ونتائج المرحلة الانتقالية، وكيفية معالجتها.
الأسباب الخارجة عن الأفراد والمجموعات السكانية، الأشياء التي ذات علاقة بالسياسة العامة، ومنها الجغرافية السياسية والتاريخ السياسي والاقتصاد السياسي والتنمية السياسية، كل هذه العوامل المحيطة بنا ونعايشها، والبيئة السياسية العامة، سيكون لها تأثير مباشر وغير مباشر على المرحلة الانتقالية، وسنعود على كل هذه الأطراف واحدة تلو الأخرى، فسنتكلم عن الجغرافيا السياسية بالتفصيل، والتاريخ السياسي و على البيئة السياسية وعلى الاقتصاد السياسي والسياسة السكانية في المنطقة، هذه البنود سيكون لها نصيب من الدراسة والمتابعة.
· المجموعة التاسعة:
تكلمنا عن فئات عديدة، وتبقى فئة أخيرة وهي الأكثر شيوعاً والأكثر انتشاراً، وستتحمل عبء المرحلة بشكل أكثر، وهي فئة الواقعيين التي ينتمي إليها كثيراً من المثقفين والذين شاركوا بالثورة بأفكارهم وأرواحهم وبكل ما يملكون من قدرات لمتابعة الثورة مرحلة بمرحلة، ويؤمنون كثيراً بأن الثورة هي على ثلاث مراحل:
1) المرحلة الثورية ومرحلة الكفاح المسلح والدفع بنظام القذافي بالسلاح خارج إطار السياسة الليبية،
2) والمرحلة الثانية هي المرحلة الانتقالية التي نحن نعيشها الآن،
3) والمرحلة الثالثة هي مرحلة المؤسسات ومرحلة الاستقرار أو مرحلة الدولة كما يحلو للبعض تسميتها.
هذه التقسيمة الثلاثية قد تكون غير حقيقية مئة بالمئة، لأن هناك امتزاج بين هذه المراحل في كل مرحلة. فأثناء المرحلة الثورية كان هناك عمل انتقالي، وكان هناك عمل إدارات وعمل وظائف لقيادة العمل اليومي للمجتمع، وأيضاً ظهرت بعض بدايات العمل المؤسسي في قيام بعض المؤسسات ومؤسسات المجتمع المدني، ولكن كان الحجم الأكبر للعمل الثوري المسلح والعمل العنيف، العمل الثوري المغير والسياسي والاجتماعي والعسكري، حتى المرحلة الثانية وهي المرحلة الانتقالية التي نعيش فيها، كان لابد أن تستمر المرحلة الثورية المسلحة، وهذا ما نراه في الأحياء والمخيمات والمعسكرات.
فالثورة يجب أن تستمر في هذه المرحلة الانتقالية، لأن هناك بعض المشاكل في بعض المناطق وعلى بعض الحدود، فالعمل المسلح الثوري لابد أن يستمر، وأيضاً بروز المؤسسات السياسية والانتخابات والأحزاب والإدارات والوزارات المختلفة، فهناك أيضاً عمل مؤسسي، لكن يعم على هذه المرحلة، مرحلة التغيير، النقلة من مرحلة إلى مرحلة، سنلاحظ أن كل أعمالنا في هذه المرحلة فيها ارتجال كبير وفيها انتقالية وليس فيها مؤسساتية، ويخف عنها جانب العنف والعسكرة.
أما المرحلة الثالثة وهي مرحلة المؤسسات، وهذه ستتم بعد الانتخابات ووضع الدستور ووضع الحكومة الثابتة غير الانتقالية والقيادة وانتخابات الجهات الرسمية للرئاسة وقيادة العمل السياسي والمجتمع، ونوع النظام السياسي ونوع البرلمانات ومجالس الشورى، والجامعات والمؤسسات الصناعية الاقتصادية، هذه كلها ستكون في المرحلة الثالثة.
وأيضاً من خلال هذه المرحلة سنرى في بدايتها كثيراً من الارتجال والانتقالية، وأيضاً سيكون استمرار أيضاً للجانب المسلح ولو بشكلٍ أخف. فهناك تماهي وتمازج بين هذه المراحل الثلاثة، ولكن كل مرحلة يغلب عليها جانب من الجوانب.
هذه الفئة الأخيرة التي سنطرحها، فئة الشباب أو المسئولين أو المواطنين الواقعيين الذين عايشوا الثورة من قبل أن تخرج إلى الواقع، وتخرج من رحم المشاعر الجياشة لدى الشعب الليبي لهذه الولادة العسيرة لمجتمع ليبي جديد، تعرف هذه الفئة أن هناك صعوبات كثيرة، وأن هناك مشاكل ستحصل، وهناك جروح كثيرة وهناك آلام وهناك فـَقدٌ لكثير من الأعزاء والأحباب والشهداء والجرحى والمفقودين، ستتعايش هذه الفئة مع هذا الواقع المرير، وستحلم وستفرح بالنقلة التي ستتم، وستعرف أن هذه المرحلة الانتقالية فيها كثيراً من النتوءات والصعوبات ومن الآلام أيضاً التي ستواكب هذه المرحلة ومن المخاوف الكثيرة، ولكنها تتعايش وتعرف أن هذه المرحلة ستمر طالت أو قصرت، وتعرف أن هناك سيكون قريباً نسبياً وتاريخياً، مرحلة التبادل والاستقرار والمؤسسات.
هذه الفئة الواقعية أو التي تتعايش مع الواقع وتتعامل معه وتعمل على نشره وتثبيته لدى الشباب، هذه الفئة ستكبر وسيزيد حجمها، ففي البداية ستكون مرفوضة من قبل كثير من الفئات السابقة لأنها لا تلبي طموحاتها وتبدو غريبة وشاذة، ولكن في حقيقة الأمر، هذا ما يبقى في الأرض، وهذا ما يستطيع أن يفرض رأيه ووجوده على الآخرين بالواقعية وليس بالانفراد السياسي.
كل هذه الفئات تتماهى في أن تكون أكثر واقعية وأكثر عملية وأكثر إنتاجية وفاعلية من الشطحات التي قد تتلبس في هذه الثقبة وأكثر.
عند خروجنا من التقسيم المباشر للفئات في المجتمع الليبي، وكيف يكون هذا التمازج الإنساني والانفعالي فيما بينها حتى تخرج الفئة الجامعة للشعب الليبي باستقرار أفضل وعملية أكثر جدية وواقعية.
الجغرافية السياسية
نعود إلى تقسيم ما يحيط بليبيا من أشياء أخرى غير الجهة الواقعية. فقد تكلمنا عن الظروف المحيطة، وتكلمنا عن الجغرافية السياسية وما يحيط بليبيا، وتكلمنا عن التاريخ السياسي وعن البيئة السياسية وتكلمنا عن الاقتصاد السياسي.
فإذا قمنا بدراسة سريعة للوضع الجغرافي لليبيا، وخطورته الجغرافية على الواقع الليبي، وتأثيرها على ليبيا في هذه المرحلة الانتقالية وفي مرحلة الاستقرار، يجب على القياديين في العمل السياسي في ليبيا أن يعطوا هذا الجانب حقه من الدراسة ومن التحليل والمعالجات. فليبيا الأرض واسعة الأطراف وكبيرة المساحات، ومختلفة الأنماط الاجتماعية إلى حدٍ كبير، تحيط بها عدد من الدول ذات ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة. ليبيا شاسعة المساحات وقليلة السكان نسبياً، والغنية بمواردها المالية بالنسبة لعدد سكانها.
سيكون هناك الكثير من الضغوط الجغرافية من جيراننا من الجنوب، من النيجر وما حولها من مالي إلى تشاد، والسودان ومصر وتونس والجزائر، وشريط ساحل البحر وما يقابله من دول لها تاريخها ونظراتها الاستعمارية والسياسية حول ليبيا، وخاصةً إيطاليا، وأيضاً لا نستبعد إسبانيا ومالطة وقبرص واليونان، ودول الساحل الشرقي للبحر المتوسط من تركيا وإسرائيل ولبنان وسورية، كل هذه الجغرافية السياسية لها نظراتها وعلاقاتها، ولها تأثيرها ولها تردداتها السياسية وتياراتها السياسية على ليبيا. هذه الجغرافية السياسية يجب أن يتفرغ لها بعض الباحثين وبعض الدارسين السياسيين الجغرافيين لمعرفة ما هي مخاطر الجغرافية وتأثيرها على ليبيا، وبالذات على المرحلة الانتقالية.
فمن أوضح الأشياء هجرة الجنوب إلى الشمال عبر ليبيا، والصعوبات وكيف كان القذافي ونظامه الفاسد يروج لهذه السياسات ويستغلها بنظرته الطفولية والسياسية القزمية، أين يمكن أن تطبق على أوروبا بوجود هذه الثغرة في الهجرة، وهذا يدل على ضعفه السياسي والحنكة السياسية، فكل ما كان يقوم به هو من ناحيةٍ تمجيد إفريقية والاتحاد الإفريقي، التي كانت لأغراض سياسية قزمية محدودة لمصلحته الشخصية ولعقده النفسية ووضعه وأمنه وأمن النظام. لكن قيادات العمل السياسي الجديد في ليبيا، يجب أن يراعوا هذا الوجود السكاني الفقير المتاخم لليبيا من الجنوب من تشاد والنيجر وما حول النيجر من دول أخرى ذات أبعاد عرقية وسياسية واقتصادية لها نظرة مختلفة حول ليبيا، كيف ممكن أن يستفيد المجتمع الليبي من هذه العلاقات الجغرافية والاجتماعية والسكانية دون أن نتضرر، ودون أن يكون لنا عقدة الماضي مع هذه الكيانات، وكيف نستوعبها وكف نتعايش معها، وكيف تكون أقل خطراً علينا وأقل فائدة لنا، ببعض الكياسة والفطنة والدراسة الحقيقية، يجب أن يكون لنا أمن جغرافي في جنوب ليبيا.
هذه النقاط الجغرافية قد تكون خطراً في يوم من الأيام حتى في المراحل القادمة وليس فقط في المرحلة الانتقالية، سيكون تأثيرها أسوء في المرحلة الانتقالية، بالانتظار لأي فراغ سياسي أو عسكري، هؤلاء الناس مستعدين أن يتدخلوا عسكرياً وجغرافياً وإنسانياً في حضورنا واستغلال الكثير من الموارد الليبية لمصلحتهم، وسيكون من الصعب إخراجهم عسكرياً أو سياسياً. هذا لا يقل حتى مع إخواننا وأشقائنا العرب وخاصة مع الجزائر ونظرتها إلى النفط الليبي في حاسي مسعود، ووضعها العسكري وقوتها العسكرية، كيف بالإمكان أن تؤثر جغرافياً وسكانياً على الوضع في ليبيا، وليس بعيد وضع أولاد القذافي والكثير من عناصر القذافي الموجودين في الجزائر، وتأثيرهم الاقتصادي والأمني على ليبيا. فهذه المعادلة يجب أن نتعامل معها أيضاً بكياسة لمراعاة المرحلة الانتقالية حتى استقرار البلد، ويكون لها قيادتها السياسية والسيادية لتستطيع أن تحمي حدودها الجغرافية والاقتصادية.
إخواننا في تونس مع كل الود والمعزة والتاريخ الذي يجب ألا يُنسى، بدعمهم للمهاجرين الليبيين في ذيبا وفي المخيمات الليبية في الحدود، وخصوصاً إخواننا أهل الجبل الأمازيغي العريق التاريخ المشرف لهؤلاء الأبطال والأفذاذ الذين تحملوا كل عبء الثورة في مراحل الثورة المسلحة. إخواننا في تونس يجب أن يكون لنا علاقة بهم، علاقة مودة واحترام، ولكن يجب أن نعرف هذا البعد الجغرافي، أن هناك كثير من السكان في تونس مقابل السكان في ليبيا مع الفوارق الاقتصادية والمهنية والتجارية، ومع قضايا العلاج والخدمات الصحية، هذا سبب الكثير من التوترات والنتوءات في المجتمع الليبي أثناء المرحلة الانتقالية، وما حدث في الحدود في رأس جبير وغيره في النقاط الحدودية، مما يؤكد أن هذه المرحلة يجب أن تدرس هذه المنطقة، ويجب أن يكون لها اعتبارها واحترامها ودراستها، بحيث تكون نقاط قوة وليست نقاط ضعف، وهذا ما حدث أثناء الثورة، لولا العلاقات والوشائح الجيدة الإنسانية بين المجتمع التونسي والمجتمع الليبي، مما استطاع الليبيين أن يتمكنوا من الإقامة الجمعية في مناطق وفي بيوت أخواننا التونسيين لعدة أشهر.
هذه الجغرافية السياسية من الناحية الغربية والناحية الجنوبية، أمن من الناحية الشرقية، فإخواننا في تونس وفي السودان ومصر، يجب أيضاً أن نراعي الوضع الجغرافي السكاني في مصر والعمالة التي كانت تعيش في ليبيا، العمالة التي تساعد الشعب الليبي في التنمية وفي البنية التحتية، هناك أيضاً ثورة الشعب الليبي في المنطقة الشرقية خصوصاً، فكثير منهم انتقلوا إلى الحدود المصرية ووصلوا إلى الإسكندرية والقاهرة، وتمكنوا من التعايش مع أوضاعهم الصعبة حتى عاد الاستقرار النسبي إلى ليبيا.
لكن لا ننسى أن الشعب المصري شعب ذو كثافة سكانية عالية، بموارد مالية أقل نسبياً مما هي عليه في ليبيا، فنتوقع أن الحدود الليبية المصرية إذا لم تدرس بعناية وتحل كل القضايا العالقة وخصوصاً القبائل المشتركة العربية على الحدود، مثل قبائل أولاد علي وتمازجها مع القبائل الليبية في الجبل الأخضر، والقبائل الليبية القديمة في المنية وفي الصعيد وفي الريف وفي الفيوم، وعلاقاتهم الوطيدة بأحمد قذاف الدم، هذه الجغرافية السياسية يجب أن تدرس بعناية ولا تترك للصدفة، ويجب أن تدرس بحنكة وكياسة حتى نتمكن من الاستفادة من مزاياها ونتخلص من بعض مشاكلها وعيوبها.
إن جماعة القذافي الذين يعيشون في مصر لديهم أموال كثيرة وعلاقات كثيرة، وإن لم يكن لهم الكثير من الاحترام والتقدير بالنسبة للشعب المصري، ولكن هناك الكثير من الناس من تجار ٍ وسماسرة يتعايشون مع الفرص السانحة، فيجب ألا يُترك هذا الموضوع للصدفة، فهم قد يكونوا على استعداد للمساعدة في قلقلة البلد أثناء المرحلة الانتقالية بصفة خاصة، والمتابع الحقيقي يحمد الله كثيراً أن ما حصل في الحدود الشرقية ومصر هو أقل بكثير مما يتوقع بعض المتشائمين وبعض المحبطين. فالحمد لله لكل ما هناك من تراخي في المنطقة الشرقية، ومن وجود أموال متكدسة لدى أعوان القذافي في مصر، لكن ما حصل يعتبر شيء أقل كثيراً من المتوقع والنظرة للأسوأ.
فالجغرافيا السياسية يجب أن تدرس تطلعات إيطاليا وتطلعات الموانئ الليبية والمياه الليبية والسواحل الليبية يما فيها من خيرات وإمكانيات سمكية وثروة بحرية عميقة، ونظرة إيطاليا أن الساحل الجنوبي لإيطاليا يجب أن يُراعى وأن نتعامل معها بكياسة وفطنة. فهناك الكثير من المتخصصين في الجغرافية السياسية في ليبيا في هذه الظروف، والحيثيات أن هناك خطر كبير على ليبيا إذا لم يُدرس هذا الملف بشكل ٍ فعال ٍ وعملي، وستكون تأثيرها أوضح في المرحلة الانتقالية إذا طالت.
نحن في المراحل الثلاثة مثل ما ذكرنا، أن المرحلة الانتقالية لا نتوقع أن تنتهي بانتهاء انتخابات المؤتمر الوطني، ولكن ستستمر لعدة سنوات حتى تستقر ليبيا استقراراً نهائياً. فهذه السنوات القادمة سيكون لتأثيرات الجغرافية السياسية والاقتصادية، قد تكون هذه التأثيرات سلبية إذا لم تُدرس دراسة حقيقية.
التاريخ السياسي
إن التاريخ السياسي للمنطقة أيضاً مليء بالمتغيرات والمفاجئات، إذا لم يدرس ويتفرغ له بعض الخبراء بالتحليل والمتابعة.
فالتاريخ السياسي للمنطقة وخاصة ً في القرن الماضي، نرى أن هناك كثير من تقلبات وأوضاع التاريخ السياسي المختلف من مرحلة الاستعمار الأوروبي للإقليم، وقبل ذلك كان التاريخ العثماني بمختلف تسمياته، سميناه الإمبراطورية العثمانية أو الخلافة العثمانية أو الاستعمار العثماني، هذه كلها ذات إيديولوجيات سياسية مختلفة، ولكن الوجود العثماني أو التركز في ليبيا لعدة قرون مما كان لها تأثيراتها الإيجابية والسلبية على واقع التاريخ السياسي في ليبيا. بعد ذلك مرحلة الاستعمار الأوروبي الإيطالي، ثم فترة الإدارات الأوروبية الحاكمة من بريطانية وإيطالية وفرنسية وأميركية، ثم مرحلة المملكة والاستقلال، ثم مرحلة الغبن والقهر والفساد مرحلة القذافي، ثم مرحلة هذه الثورة المجيدة.
فالتاريخ السياسي لليبيا سنعرج عليه، ولكن يهمنا التاريخ السياسي لكل المنطقة من تيارات سياسية مختلفة ومن أحزاب ومن دول مجاورة لنا، ما هي انعكاسات هذا التاريخ السياسي على الواقع الليبي الحالي وعلى المرحلة الانتقالية؟ هذه الجزئية يجب أن تُدرس بعناية وبروية، ويجب أن نأخذ منها الدروس المستفادة من ما لها وما عليها.
الدراسة السياسية في ليبيا المعاصرة لم تكن حقيقة هناك سياسة بالمعنى السياسي الواضح من تنظيمات سياسية وأفكار إيديولوجية، ولكن النظام العشائري والقبلي كان هو الأساس في ليبيا خلال العقود السابقة. حتى القذافي، الحمد لله سبحانه وتعالى، حاول بكل جهده أن يغرس ما سماه فكره السياسي في ليبيا، ولكنه كأن لم يكن، يعني هذه الروعة في هذا الشعب أنه استطاع أن يمتص ما هو مناسب له ثقافياً وتراثياً وعقائدياً ودينياً من كل إفرازات القذافي الرديئة، فلم يتأثر كثيراً الشعب الليبي من ناحية الفكر والعقائد، صحيح تأثر كثيراً من ناحية الأسلوب والمنهجية، وهي ما نراها الآن بارزةً في بعض الممارسات الشاذة، لكن من ناحية الفكر السياسي لم يستطع هذا النظام بكل ما له من أساطير وجبروت وقوة ومال، أن يغرس في عمق الشعب الليبي أي بُعد ٍثقافي ذو منظومة سياسية حقيقية، فكل ما ينتجه من مهاترات وترهات في كتابه وفلسفته كأنه لم يكن، انتهى بلحظة واحدة بضربة من ضربات الشباب عندما أوقعوا نماذج كثيرة، في طبرخ كانت البداية أو النهاية الكاملة لترهات الأفكار السياسية. فلا أتوقع إلا أنها مرحلة من الفقد والجفاف والتصحر السياسي داخل ليبيا في فترة القذافي، وإن كانت قد نتجت عنه أفكار إنسانية رائعة لدى الشعب الليبي استطاعت أن تقيم الغبن والظلم والفساد من منظومة القذافي السياسية.
رجعة للتاريخ السياسي في ليبيا، لم يكن هناك دراسة سريعة ومعمقة، سنجد هناك بعض الأنشطة السياسية معظمها كانت تحت الأرض، ومعظمها كانت في الخارج، ولكن هناك نشاط وحركة سياسية بغبن وظلم وقهر. ففي عهد القذافي لم تستطع هذه الأنشطة أن تخرج إلى الشارع وإلى فوق السطح، لكن عندما تدرس التاريخ السياسي لليبيا أثناء الاستعمار الإيطالي، كان هناك الكثير من الحراك السياسي والعسكري والجهادي، وكثير منهم مفكرين مع مستوى التعليم المتواضع والأمية الضارب أطنابها في الشعب الليبي، لأنه استطاع بعض منهم وضع بعض الفكر السياسي من جمعيات وأحزاب، وكونت الجمهورية الأولى في الوطن العربي: الجمهورية الطرابلسية بقيادة الخمسة المجاهدين المعروفين في النظام الليبي، ثم تكونت جمعيات وأحزاب في المناطق الشرقية، كجمعية عمر المختار وحزب المؤتمر وحزب الاستقلال، والكثير من التنظيمات العربية السياسية تكونت في ذلك الوقت، القومية العرب والبعث والشيوعيين والأخوان المسلمين وحزب التحرير. كثير من هذه المجموعات تكونت لأن القذافي استطاع قمعها ووضعها في السجون وإعدام زعمائها وقياداتها في الشوارع.
لكن هذا التاريخ السياسي لا زال ينبض في المجتمع الليبي ويؤثر كثيراً إيجابياً وسلبيا على الحراك السياسي في ليبيا في المرحلة الانتقالية، مما يسبب لنا نوع من النتوءات، فالخلافات الآن التي تحدث بين أخواننا وأهلنا أصحاب الفكر الإيديولوجي اليساري بكل أنواعه، والفكر الليبرالي بكل أطيافه، والفكر المتدين أو الإسلامي بكل أطيافه وبكل قبعاته، سيكون هناك صراع فكري في هذه المرحلة، واتهامات متبادلة، مما قد يؤثر بعض الشيء على بعض الاستقرار السياسي في المرحلة الانتقالية، لكن هذا كله مخاض لخروج مؤسسة سياسية رائعة في ليبيا، تتماهى فيها كل هذه الأطراف وتتعامل معها بجدية ومنافسة عملية، وبميزان وبجودة عالية، ومن هذا الاختلاف الرائع والنموذجي ستنتج ليبيا الرائ
8 سبتمبر 2012
مما لا شك فيه، أنَّ حالة َ الفرح والحبور التي عمَّت الشعبَ الليبي بكل أطيافه، والتي توجَّت مرحلة الانتصار والخروج من ربقة الطغيان والقهر والجبروت التي فـُرضت عليه لعقود تعدَّت الأربعة، هذه الحالة جعلت الشعب يرى الأحلام تتحقق على الأرض ويلامس النور الحقيقي بعيون أصابها الرمد والعشى الليلي والنهاري، مما جعلها غير قادرة على الرؤية الطبيعية لحقائق الأمور وتطور الأحداث. هذا الحلم الذي تحقق والذي كان لدى الكثير، ضرب من ضروب الخيال والمستحيل.
هذا الشعور الفياض الممتلئ إلى حافته بالانبهار والتحفز للمزيد من الانتصارات والوصول بقفزه وحده إلى مجتمع الاستقرار والمؤسسات، جعل الكثير يحس ببعض المرارة والإحباط للنتوءات التي برزت، ولبعض المطبَّات التي جعلت سرعة وقوة الانطلاق الأولى التي صاحبت الثورة تخف، وأحيانا ً تبدو وكأنها توقفت، وهذا ما يشعر به المنتصر. فالبطل الذي يقفز من أعالي جبال الجليد عندما يصل إلى السفح، لا بد أن ينال بعض التقلبات، وقد تـُكسر عظم الترقوة أو الذراع، ولكنه حتماً سيقف على رجليه مرة ً أخرى وينال جائزة الانتصار. والغواص الذي يصل إلى أعماق البحار لالتقاط الجواهر واللؤلؤ والمرجان عند خروجه محملا ً بكل ما انتقى وأراد وحقق، يحتاج إلى وقت ومعالجات حتى يستطيع أن يقف على رجليه بحالة سوية ويبتهج بما نال وأنجز، والأمثلة كثيرة.
ما سطره الليبيون وحصلوا عليه بخروجهم من قمقم الرعب والفوضى والتهريج، وما سطره الليبيون من انتصار صار حدثاً تاريخياً وإنجازاً للبشرية ومدرسة تتعلم فيها الشعوب. إن المتاجرة بكرامة البشر وامتهانهم وسوقهم كالخرفان إلى المذابح هي تجارة خاسرة وبور، وإن حرية الشعوب غاية غالية الثمن ولكنها في متناول من يسعى لها.
ما أريد أن أصل إليه أن من حق الليبيين أن يفرحوا وأن يفتخروا وأن يعتزوا بما نالوا وحققوا، وإن هذه الطريق لا رجعة فيها ولا دوران للخلف أبداً، وإن ذلك العهد المظلم المقرف المقزز النتن لا يستطيع أن يطهر من جديد، وإن كل هذه الاهتزازات والارتدادات التي نحس بها وتقلقنا هي مؤشرات تدل على أن الحدث كان عظيماً وما تحقق كان رهيبا ً، وإننا حقاً على الطريق الصحيح، ولكنها مرحلة لا بد أن نمر بها، كمرحلة النفاس بعد ولادة متعسرة وقيصرية، وحالة الاستيقاظ من كابوس مرعب وما يرافقها من انزعاج وقلق، ثم تجد حولك أحبتك في حبور ومرح وابتهاج، لا يعني اعترافنا بوجود ووجوب هذه المرحلة، إن تتركها على علاتها دون دراسة وتحليل والبحث على أقصر الطرق وأيسرها لعبورها دون انتكاسة أو جرح عميق.
فالدراسة المعمقة تفرض علينا معرفة جيدة للجغرافيا، والجغرافيا السياسية المحيطة بنا، والتاريخ المعاصر وتاريخ الثورات وعلوم الاجتماع والنفس والاقتصاد. فكل هذه العلوم أثرت وتأثرت بالحدث الليبي، ولا يمكننا أن نتغاضى عنها وخصوصاً لكل من يحمل الهم الليبي ولكل حالم بليبيا العائدة للحياة والنماء بعد عهد الذبول والذهول الذي مررنا به لعقود.
ولابد أن نعترف بأن جمع ليس بالقليل من الليبيين لا يتمتعون بهذا الحلم ولا يتمنون أن يتحقق.
والمتابع للشأن الليبي والحدث الاستثنائي والتاريخي الذي يمر به الشعب الليبي، وبنظرة فاحصة يمكنه تقسيم الأمزجة والاتجاهات في المجتمع الليبي إلى عدة مجموعات وشرائع تتباين فيما بينها وتختلف في نظرتها وتوجهها نحو المرحلة التاريخية الانتقالية التي نمر بها كلنا كمجتمع ليبي:
· المجموعة الأولى:
وهي مجموعة المرتبطين بنظام القذافي ارتباطاً عضوياً، وشركاء القذافي في تنفيذ كل أفعاله وجرائمه، هذه المجموعة تعتبر المجموعة المتضررة من الثورة، وبالتالي فهي تكوِّن مجموعة المتربصين بها، والساعين إلى قلبها رأساً على عقب، وبالتالي لا يوفرون جهداً ولا مالاً ولا وقتاً للبذل في قلب هذه الثورة بأي شكل ٍمن الأشكال. هم يعلمون يقيناً أنه لا يمكنهم إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وأنه لا مكان للقذافي فكراً وسياسة ًوأتباعاً، ولكن يأملون أن تستمر المرحلة الانتقالية في ضبابية وفوضى حتى يخرج المولود الجديد مبتسرا ً ومشوَّها ً، وقد يكون مسخاً وبالتالي سيكون تضررهم من انتهاء حقبة القذافي أقل ما يمكن.
فمن المنطق بمكان أن تغيير رؤية هؤلاء الناس وتوجههم مستحيل، وفي أحسن الأحوال هو شديد الصعوبة، مع أنه من الناحية الفكرية والأخلاقية، هؤلاء الناس وأبناؤهم وأحفادهم سيستفيدون كثيراً بخروجهم من استعباد القذافي لهم وقهرهم وإذلالهم. ومن يدرس كتاب الأستاذ عبد الرحمن شلغم “أشخاص حول القذافي”، سيعرف شدة المعاناة التي كان يعاني منها هؤلاء الناس، وبالتالي فالثورة بالرغم ما تبدو ظاهرياً، ضارة لهم، هي في حقيقة الأمر إنقاذاً لما تبقـَّى لهم أو لديهم من كرامة الإنسان وحقوقه في العيش بحرية واستقلالية.
هذه الفئة مرتبطة بالقذافي فكراً ونظاماً وثقافةً وسياسةً، وهي الحلقات القريبة منه جداً، وهي بطبيعة الحال الفئة التي تتجرد من أفعال الثورة في ليبيا وانتفاضة 17 فبراير.هؤلاء الناس عاشوا بطريقة عنيفة في مرحلة القذافي ومارسوا سلطاتهم المنبثقة من سلطات القذافي ذات نفسه واستغلوا هذه المرحلة في مصالحهم الشخصية والأنانية، وآذوا كثيراً من الناس وشاركوا في القتل والتعذيب بشكل مباشر أو غير مباشر في بعض الأحيان، كما أنهم استغلوا المال العام بشكل واضح وبشع.
معظم هؤلاء الناس هربوا من البلد وموجودين الآن في دول الجوار، وقد يكونوا في بعض الدول الأجنبية ولهم علاقاتهم الخاصة والعامة واتصالاتهم وأموالهم الكثيرة جداً التي تم تهريبها خارج البلد. هذه الفئة لا نتوقع أنها ستترك الأمر في هذه المرحلة الانتقالية على هدوء، بل سيحاولوا كل جهدهم إثارة النعرات وإثارة المشاكل وإثارة العنف بكل ما يستطيعون من إمكانيات متاحة لديهم.
هؤلاء الناس عاشوا فترة صعبة من حياتهم ومروا بظروف نفسية قاسية مهما بدا لنا من الخارج أنهم استفادوا ولكنهم قد تضرروا نفسياً واجتماعياً، وبالإمكان بالاطلاع بشكل معمق على كتاب الأستاذ عبد الرحمن شلقم “أشخاص حول القذافي” الذي أظهر بعض هذه الشخوص بشكل واضح، وكيف تعيش هذه الفئة من الناس حول القذافي، وكيف كان هو يستغلهم أكثر مما كانوا هم يستغلون النظام. فهؤلاء الناس عاشوا بجروح وبشروخ رهيبة نفسية وقد تكون حتى جسدية في بعض الحالات، وممارسات سلوكية مقرفة وبشعة، أمور ضد الرجال والنساء الذين يتمكن القذافي من قيادتهم بشكل سلس بالنسبة له، وصاروا هم كالنعاج والبهائم يقادوا بدون أن يستطيعوا الحراك بعكس هذا المحور الذي بناه القذافي حول نفسه.
فهؤلاء الناس، من الصعوبة بمكان، أن يرجعوا إلى حياةٍ سويةٍ، وأن يتخلصوا من كل هذه الآثار، فالإنسان المغلوب والمقهور كما قال مالك بن نبي يتماها مع شدة القهر في شخصية الغالب، ويحاول أن يعيش من خلاله، ولا يستطيع أن يواجه حقيقته البشعة بعد ما عاش طول هذه المرحلة من الخنوع والذل والقهر، صعب عليهم أن يواجهوا المجتمع بصورة جديدة بكل ما لديهم من شروخ، مع أنه في حقيقة الأمر، من الناحية الإنسانية قد يكونوا من أكثر المستفيدين من إزالة نظام القذافي، وأن ترجع لهم كرامتهم وأن ترجع لهم بشريتهم وإنسانيتهم، ولو خسروا بعض المكاسب وبعض المصالح القريبة والسهلة والسطحية، ولكن هذه تحتاج إلى معالجات نفسية ومعالجات اجتماعية بعد فترة من الزمن، كي يكتشفوا حقيقة أنهم كانوا يعيشون في مرحلة من الذل والهوان لا تليق بكرامتهم كبشر.
على كل حال، في هذه المرحلة لا نتوقع من هؤلاء الناس الانسجام مع التركيبة الاجتماعية للمجتمع، بل نتوقع منهم ممارسات عنيفة وشرسة ضد الدولة وضد المجتمع، والتسبب بالقلاقل والمشاكل، لكن في نفس الوقت يجب أن لا نضخم هؤلاء الناس وتأثيرهم، يجب أن نتوقع بعض المشاكل ولكن يجب أن نكون على قناعة أن القذافي فكر وثقافة وسياسة قد انتهى، ولا يمكن أن يعود من جديد إلى ليبيا، قد تحصل مشاكل أخرى، وقد تظهر مظاهر سلبية أخرى، لكن أن يعود نظام القذافي بشكله ومحتواه السابق إلى البلد بأي مظهر من المظاهر السابقة، لا يمكن أن يتخيل البشر أن هذا النظام يمكن له أن يعود بعد أن انتهى إلى غير رجعة صاحبة وأزلامه المقربين منه. ولكن قد يسعى هؤلاء الناس كما ذكرنا سلفاً، بإثارة بعض المشاكل والقلاقل حتى يجدوا لنفسهم مكان فوق الأرض الليبية بشكل من الأشكال.
نحن لا يهمنا كثيراً ما سيؤول إليه مصيرهم في المستقبل، نحن الآن نعالج مشكلة المرحلة الانتقالية، يجب أن نكون معنيين بوضع هؤلاء الناس وأخذ العناية الفائقة من تصرفاتهم التي قد تكون ضارة إلى حد ما بالتركيبة الاجتماعية والسياسية للمجتمع الليبي الجديد، ولكن بعد المرحلة الانتقالية، لا شك بأن هؤلاء الناس يمكن معالجتهم، ويمكن دراسة أوضاعهم طبعاً بعد توفير المحاكمة العادلة والشريفة والنزيهة لكل من شارك في جرائم القذافي مشاركة مباشرة أو حتى غير مباشرة، كما ذكر العلماء والخبراء ورجال الدين والسياسة، هؤلاء الناس يجب أن يبعدوا بعداً قسرياً عن العمل السياسي المباشر وقيادة المجتمع للعدة سنوات، حتى تبرد جراحهم وتبرد جراح الليبيين، لكن لا يعني ذلك عدم توفير حياة إنسانية كريمة لهم، ويعيشوا كمواطنين ليبيين بعد أن يقول القانون والعدل والمحاكمة قوله فيهم وفي وضعهم.
· المجموعة الثانية:
مجموعة المستفيدين والانتهازيين من فترة حكم القذافي. هؤلاء الناس لم يتورطوا مباشرة ًفي جرائم منظومة القذافي، وقد لا يستطيع القانون أن يثبت عليهم جرائم الاشتراك في أعمال القذافي الإجرامية، ولكن بطبيعة شخصياتهم البرجماتية.
هي الفئة التي كانت مستفيدة من نظام القذافي، ومعظم هؤلاء الناس هم من رجال الأعمال والتجار والسماسرة الذين مارسوا المنهج البرجماتي بكل تفاصيله، ولا يهمهم في حقيقة الأمر إلا مصالحهم ومكاسبهم. هؤلاء الناس موجودون في كل العصور وفي كل الأنظمة وفي كل البرامج، لا يهمهم إلا مكاسبهم ومصالحهم، ولديهم قدرة على أن يتصلوا ويقيموا علاقات اجتماعية مع أي نظام كان، بغض النظر عن خلفيته الإنسانية والأخلاقية والدينية ما دام يحقق لهم مصالحهم.
هؤلاء الناس عاشوا وتعايشوا مع القذافي ونظامه واستفادوا منه الكثير، وقد يكونوا لم يشاركوا فعلياً بطريقة مباشرة في جرائمه وعمليات قتله، ولكنهم سهلوا له الكثير من الأعمال والمهمات القذرة في معظم الأحوال، والذين يلاموا لأنهم شاركوا بطريقة غير مباشرة في تقوية وإنعاش النظام بشكل أو بآخر، من توفير الشركات التجارية الدولية، وبالعلاقات مع مؤسسات النفط الدولي، وبعلاقات السمسرة، وبعلاقات تهريب الأموال، وبغسيل الأموال.
تمكن هؤلاء الناس من أن يتعايشوا وأن ينموا ويتطورا مالياً واجتماعياً في ظل هذا النظام. هؤلاء الناس بسهولة يستطيعوا أن ينقلبوا إلى معايشة أي نظام آخر يقوم، ولا نستغرب وجود الكثير منهم الآن حول قيادات العمل السياسي في الدولة الليبية الجديدة، وحول قيادات المجلس الانتقالي أو الحكومة، قد يقوموا بتسهيل الكثير من المهمات، وقد يكون بعض منهم قد ساعد كثيراً أيضاً في مرحلة الثورة، بتوفير بعض الإمدادات والأموال.
هؤلاء الناس يملكون ذكاءً فطرياً غير عادي، ويستطيعون أن يتعايشوا مع أي مؤسسة قائمة مادامت توفر لهم مصالحهم. في هذه المرحلة الانتقالية، هؤلاء الناس قد يظهروا بشكل المزايد في أنهم ساعدوا في قيام الثورة، وتوفير الأموال وتوفير الاتصالات، فهؤلاء الناس يُقدر لهم هذا العمل، ولكن يجب أن يُعاملوا بحيطة، وأن تتعامل معهم قيادة البرنامج السياسي الجديد في ليبيا بنفس العقلية البرجماتية التي يتقنونها إتقاناً كبيراً، بأن كان لديهم وسائل تفيد النظام الجديد، من خبرات وعلاقات دولية، فيجب أن يُستفاد منهم إلى حدٍ ما مع إبداء الحرص من هؤلاء الناس المستعدين في أي لحظة أن ينقلبوا عليك إذا حسبوا أن مكاسبهم تكون أقل مما هم متوقعين، ومصالحهم تتضرر بشكل أو بآخر.
قد يستطيع هؤلاء الناس أن يُروجوا الكثير من الإشاعات، وهم مستعدون أن يتعاملوا مع مجموعة الفئة الأولى بشكل أو بآخر بحكم علاقتهم السابقة وبحكم مشاركتهم السابقة. فهؤلاء الناس يجب أن يُعاملوا بحذر، مَن منهم أساء إساءةً مباشرةً لليبيين في مالهم أو أرضهم، يجب أن يُحاكموا محاكمةً نزيهةً وعادلةً، ومَن منهم لم يشارك بشكل مباشر يجب أن يُتعامل معه بحيطةٍ وحرص إلى أن يشفوا تماماً من مرحلة القذافي، ويعرفوا أن هذه المرحلة انتهت بلا رجعة، وأنهم يجب أن يتعاونوا مع المنظومة الجديدة للمجتمع الليبي، ويجب الاستفادة من خبراتهم وعلاقاتهم الدولية بدون أن يكون فيها فساد أخلاقي أو مالي أو رشاوى أو سمسرة، ولكن يُستفاد من خبراتهم التجارية والعلاقات الدولية في المجالات الاقتصادية المختلفة، وأن يتعلموا أيضاَ الدرس الليبي السياسي الثوري الممتلئ بالنزاهة والإخلاص والشفافية.
هذه الفئة الثانية لا أتوقع منها الكثير من الدعم للمرحلة الانتقالية، بل يحاولوا أن يستفيدوا أكثر ما يستطيعون، مما يسبب بعض القلاقل والخلل الاجتماعي والقبلي فيما بين العناصر القيادية للمجتمع الجديد.
· المجموعة الثالثة:
هي مجمعة المتعايشين إذا صح التعبير، الفئات التي تستطيع أن تتعايش مع أي نظام وفي أي ظرفٍ من الظروف من أجل حياتهم اليومية، ومن أجل مصالح أولادهم وتأمين مسكنهم وتأمين السيارة وخدمات التعليم والصحة لأولادهم. هذه الفئة متواجدة بكثرة في المجتمع الليبي، ولا يهمهم كثيراً ما هي نوعية النظام وسياسته ورؤيته، المهم أن يعيشوا في سلام وأمان وفي بحبوحة وراحة.
هؤلاء الناس قد يكونوا أبرياء من المشاركة في جرائم القذافي، ولكنهم كانوا أحد عناصر النظام السياسي التي أدارت الدولة بشكل أو بآخر دون أن تمل أو تبدي قهرها أو قلقها من النظام. هؤلاء الناس سيتعايشون مع أيضاً مع النظام الجديد، ولكن بقلق لأنهم تعايشوا أربعين عاماً مع نظام معين ورتابة معينة، وسيشعرون بقلق إذا حسُّوا أن هذه الرتابة وهذا النظام اللذان تعودوا عليه يحصل فيه بعض التغيير.
هذه الفئة أيضاً تتميز إذا صح التعبير ببعض الانتهازية، وقد يكونوا هم أيضاً من الناس الذين يتعاملوا مع ملفات ومرتبات الثوار وأموال الجرحى. هذه الفئة التي تستطيع أن تتعايش مع أي واقع جديد دون أن تنظر إلى قيمه وأخلاقياته وأدبيات المرحلة مادام يوفر لها الاستقرار والدخل المناسب والخدمات المناسبة لأسرهم دون أن يتحملوا العبء الثقافي والإيديولوجي والسياسي لأي اتجاه يتبعونه. هؤلاء المتعايشين قد يكونون عنصر قلق في المرحلة الانتقالية، يبحثون عن المصلحة والرتابة، حتى وإن لم يكونوا أغنياء وأصحاب شركات ومؤسسات تجارية، ولكنهم تعودوا على هذا النمط من الحياة، فقد يثيرون الكثير من الإشاعات ويروجون للإشاعات ويصنعون هذه الإشاعات، ويصنعون بعض الأحداث المثيرة التي تخرجهم عن نمط حياتهم الطبيعية.
· المجموعة الرابعة:
هي فئة، إذا صح التعبير، المستعجلين الذين على عجلة من أمرهم.
هؤلاء الناس عاشوا الكثير من الظلم والغبن والقهر أيام القذافي، من سجن أو قتل أقاربهم أو اغتصاب أموالهم وممتلكاتهم، وحتى لو لم يشاركوا بالكثير من أعمال الثورة مباشرةً، لكنهم يعيشون في مرحلة من الانتظار والترقب للخروج بشكل سريع إلى الحياة المدنية التي كانوا يفتقدونها خلال فترة القذافي، يتوقعون أنه ببزوغ الثورة والنظام الجديد، كل شيء سيحصل في لحظته وستتغير كل الأمور من بنية تحتية ومن تعليم وصحة وخدمات ومرتبات وأراضي وزواج العزاب وسيارات، فهم على عجلة من أمرهم، فرصة تاريخية يجب أن يتحول كل ما كانوا يحلمون به ويترقبونه في لحظة دون وعي لصعوبة المرحلة وفكر المراحل، وأن كل مرحلة تحتاج إلى وقت وعامل الزمن.
هؤلاء الناس يسببون نوعاً من القلق لأنهم مستعدون أن يخرجوا في مظاهرات ومسيرات واعتصامات، مستعدون للقيام حتى ببعض مظاهر العنف والإنفلاتات الأمنية التي قد تحصل في بعض أحداث الشوارع. وهم أيضاً يحتاجون إلى استيعاب وتوعية ومتابعة ودراسة، وفي إمكان هؤلاء الناس أن يتم توعيتهم بفلسفة المراحل والظروف المناسبة والوقت المناسب، وأن كل مرحلة لها متطلباتها وظروفها.
· المجموعة الخامسة:
وهي فئة الحالمين إن صح التعبير، وهي نمط من فئة المستعجلين بحلم خيالي. هؤلاء الناس الحالمين المتوقعين أن كل شيء سيكون بوضع وردي ومن غير مشاكل وغير انزعاج ونتوءات وانفعالات، وما حصل في الثورة هو خاتم سليمان، وكل شيء يجب أن يحصل، وفي لحظة نكون مثل الدول الأوروبية في الدقة والشفافية، وفي النظافة مثل دبي، وقطر في البنية التحتية والسيارات والعمارات، ومثل بريطانية في المعاهد الأكاديمية والمؤسسات العلمية.
هؤلاء الحالمين عيبهم الأكبر أنه بسرعة يحصل لهم الإحباط والانفعال والاكتئاب، وقد يكون هذا حتى في بعض الرموز القيادية في العمل السياسي الليبي الجديد، فمنهم من دخل في مرحلة الإحباط والاكتئاب لأنهم يتوقعون أن حلمهم الزاهر لم يتحقق، وهذه الأحلام مشروعة ولكنها أحلام غير واقعية بعامل الزمن، حيث تحتاج إلى كثير من الزمن والوقت.
هؤلاء الناس قد يسببون بعض الإزعاج للقيادات في العمل السياسي، سواء كان التشريعي أو التنفيذي، لأنهم لن يرضوا مهما عمل بالمنتج اليومي البسيط الذي لا يتناسب بشكل حتى نسبي مع طموحاتهم وأحلامهم.
· المجموعة السادسة:
وهي فئة النخب السياسية والمغتربين. فهؤلاء الناس خليطٌ من كثير من الفئات السابقة، ومن مثقفين ذوو الاتجاهات السياسية والمؤسسات السياسية سواء كانت حزبية أو إيديولوجية التي كانوا محرومين منها في داخل ليبيا، ومارسوا الكثير من هذه الأنشطة في الخارج وتكونت نخبة ثقافية باختلافات الإيديولوجيات من اليمين إلى اليسار وفي الوسط.
هؤلاء الناس تحددت رؤيتهم وفلسفتهم من خلال منظورهم الإيديولوجي النخبوي الفلسفي، وقد لا يسهل عليهم التمازج والانسجام والاندماج في الواقع الليبي المعاصر، وخصوصاً مَن ترك البلد لعشرات السنين، فمن الصعوبة عليه بمكان أن يتماها ويتداخل مع المجتمع الحالي، فهم أيضاً يسببون إزعاج في بعض الأحيان للقيادات التنظيمية والتشريعية، فلهم نظراتهم المحدودة والمحددة بثقافتهم السياسية.
هذه مشكلة العالم العربي، مشكلة النخب في كل مكان، منظورهم محدود في الصالونات الأدبية والمؤتمرات والندوات وتطلعاتهم السياسية، وبما أنهم كانوا معارضين لبعض الوقت وطوال الوقت في خارج البلد، فهم يرون أن من حقهم وحدهم أن يقودوا العمل السياسي، وأن منظورهم هو الحق فقط وليس مع أحد آخر، في الأغلب هم يتوقعون أنهم يملكون كل الحقيقة.
فئة النخب في كل مجتمعاتنا العربية للأسف بما لها أيضاً من خبرات وإيجابيات ومن ثقافة وعلم وخبرة دولية، لكن للأسف قد تكون أيضاً من الفئة المستعجلة والحالمة تنطبق عليها بسبب الإيديولوجية والسياسة والفكر النخبوي الذي تماشوا معه وتعايشوا فيه طوال عقود طويلة من الزمن.
هؤلاء الناس لا يمكن بسهولة أن يتم انسجامهم مع القيادات التنفيذية والتشريعية في البلد في المرحلة الانتقالية، وسيتم مزجهم وسيكونون أحد عناصر القيادات سواء الحالية أو المستقبلية بما لهم من خبرة سياسية وقدرة على التواصل مع الناس من الناحية الفكرية والإيديولوجية، على أمل أن يتماهوا بشكل أسرع وأقدر على التعامل مع المجتمع، وأن يتنازلوا بعض الشيء عن بروجهم العاجية، ويتحولوا من العمل النخبوي المصلحي الضيق الرؤية والأفق إلى العمل الشعبوي والتعبوي، وأن ينظروا إلى مصالح الناس والظروف القاسية التي مرت بها البلد، وأن يرعوا الجوانب النفسية والاجتماعية والجروح والشروخ التي حدثت للنظام العام الليبي طوال 42 عاماً، بالإمكان معالجتها بأسلوب فكري وثقافي يتناسب مع الظرف الواقعي، وأن يتماشوا ويتعايشوا مع الناس بالظروف والصعوبات التي عاشوها، وأن يتنازلوا بعض الشيء عن أحلامهم وطموحاتهم الإيديولوجية والسياسية.
· المجموعة السابعة:
وهي فئة الشباب الثائر المسلح. فهؤلاء الشباب هم من قادوا العمل الثوري الحقيقي في الميدان، وبذلوا الجهد والغالي والنفيس، من صحتهم ووقتهم ومن أعضائهم وأقاربهم وأصدقائهم الذين استشهدوا في الميدان.
هؤلاء الناس خرجوا من الميدان بجروح حقيقية في أجسادهم وفي نفوسهم، ويتوقع أنهم هم من صنعوا الثورة، ولا أحد ينسى دورهم الكبير والعظيم في هذه المرحلة، ولكن العمل السياسي يتطلب أفق أوسع وقدرة أيضاً كبيرة على استيعاب الآخر والآخرين، وأن السلاح لا يستطيع أن يحل المشاكل اليومية.
هذه الفئة كان لها الفضل الأكبر في المرحلة الأولى، مرحلة الثورة، لكن في المرحلة الانتقالية دورها سيكون أقل، وفي المرحلة المؤسساتية سيكون دورها أقل أكثر وأكثر مع الاندماج في العمل المؤسسي المسلح سواء كان هذا في الجيش أو الشرطة، والمجتمع الخارجي أو الداخلي أو أمن الحدود مع القوات المسلحة.
هؤلاء الشباب يجب معاملتهم بكياسة وبفطنة ووعي وبإدراك، بأنهم لهم كل الحق بأن يكون لهم صوت ولهم أن يشاركوا مشاركة حقيقية في عمل بناء الدولة، هم الذين أسقطوا نظام القذافي بلا رجعة، ولكن يجب عليهم أيضاً ألا ينسوا دور أعضاء المجتمع الآخرين من سياسيين وجمعيات ونخب وأمهات وأخوات وأطفال وإعلام وعلاقات دولية وعلاقات شخصية، كلها ساعدت على نجاح عملهم المباشر الذي قاموا به في الميدان.
هؤلاء الناس علينا أن نستوعبهم استيعاب كامل، وأن ينالوا حقهم في أن يكون لهم دور إيجابي في قيادة وبناء الدولة، وهم عليهم واجب أن يستوعبوا باقي أطراف المجتمع، وأن نتعامل معهم بالكياسة والفطنة لتحقيق الهدف الأكبر ببناء ليبيا الجديدة والناجحة والشركية في العالم بدور أكثر فاعلية وأكثر إنسانية، ليبيا النموذج.
هذه الفئة أيضاً يجب أن نقوم بدراستها، فقد يكون هناك أيضاً فئات متداخلة تحت هذه الفئات، يمكن القيام بدراسة أخرى لها تضم التلميح والمقاربة.
· المجموعة الثامنة:
لعل وعسى هناك فئة أخرى تتزاخم مع كل هذه الفئات، وهي الفئة القبلية والقبائل والعشائر.
هذه حقيقة هي جانب ثقافي وتراثي في المجتمع الليبي يجب ألا يُهمَل، وقد لا يكون له تأثيراً إيجابياً أو سلبياً في المرحلة الانتقالية في المجتمع الليبي، وخصوصاً خارج المدن الكبيرة التي تربطها عشائر وتربطها وشائح قبلية بشكل أو بآخر. والقذافي بدهائه ومكره وبظلمه وجبروته استطاع أن يعمق أو حاول أن يعمق هذه الجروح وهذه الشروخ بين مكونات الشعب الليبي، ولكن نحمد الله سبحانه وتعالى أن التأثير لم يكن بذلك العمق، وبدليل أنه خلال الثورة لم تظهر أي نتوءات واضحة في الفروق بين القبائل، ولم تحقق نبوءات ابنه بأنه سيكون هناك حروب قبلية وحروب أهلية وحتى الصحفيين والمثقفين العرب في الخارج الذين كان لهم دور سلبي في متابعة أحداثنا، وهم لا يستحقون حقيقة ً التركيز عليهم، ولكن كنماذج سلبية مثل السيد عطوان والقدس العربية وغيرهم الكثير من الصحفيين الذين كانوا يراهنون على نظرية القذافي بأنه سيكون هناك حروب قبلية وأهلية. والحمد لله رب العالمين لم يتمكن هؤلاء الدعاة بتأجيج هذه الحروب، لكن لا يعني ذلك أن ننسى أو نتناسى وجود هذا التيار التراثي الفكري في المجتمع الليبي، ويجب أن يُراعى وخصوصاً في المرحلة الانتقالية، بحيث أن كل الفئات مثل ما حدث مع المجموعة الفيدرالية قد تستغل هذا التراث الإيجابي السلبي في بعض الأحيان بشكل أو آخر، وهذا ما حدث في الكفرة وفي سبها وفي زوارة، وقد يكون هناك أيضاً عناصر التهريب والمصالح المالية، ولكن أيضاً الجانب القبلي والعصبي والعشائري يجب أن يُراعى ويُدرس ويُعطى حقه بالاحترام والتبجيل، وفي نفس الوقت توجيهه إلى أن ليبيا تحتاج إلى نظرة أكثر واقعية وأكثر إنسانية وأكثر حضارية من أن نتقيد بالأسلوب العشائري والقبلي مع احترام القبيلة والعشيرة والأسرة، المكون الأساسي من مكونات أي مجتمع، يجب أن تُحترم ويُقدم لها كل المساعدات والدعم حتى تبقى كعشائر وكقبائل دون أي تعصب أو جنوح لممارسة العنف لتأكيد حقوقها.
هذه الفئات التي تم تجميعها، كل منها يحتاج إلى دراسة كبيرة وعميقة لمعرفة كيف يُستفاد منها في قيادة العمل القادم، والتركيز على الفئات حتى يخف على الشباب المظاهر السلبية التي حدثت في المرحلة الانتقالية، وهذه النتوءات عندما يتم تحليلها ويُعرف أسبابها قد يجد لهم بعض الراحة النفسية أن هذا الشيء مؤقت وانتقادي في وجود هذه الفئات في هذه المرحلة، ستتضارب وتتماوج وتتداخل حتى تظهر بعض هذه المظاهر السلبية التي نراها الآن، ولكن بكل تأكيد عندما تتكون دولة مؤسسات بعد عدة سنوات من الآن، كل هذه الفئات ستتداخل، لأن كل هذه الفئات ستعمل بالحقيقة الواقعية، وهي ذات مصلحة حقيقية في هذا التغيير الذي حصل في ليبيا، وأن القذافي كان يمارس الغبن على كل هذه المجموعات دون أن تدري أو ندري، كلهم سيستفيدون كثيراً من كرامة الإنسان وحريته والشفافية والتوزيع العادل للثروات وإمكانيات البلد واللامركزية وإزالة الغبن ووجود حكم القانون والمحاكمات العادلة وكرامة الإنسان وشرفه وتقدمه ورقيه ودخله المناسب، وفئة الشباب وفئة المرأة، عندما تتداخل كل هذه العوامل بحقيقة على أرض الواقع، هذه الفئات ستتلاشى وستتماهى فيما بينها، وستبقى الفئة الأولى فئة القذافي مجموعتهم أقلهم وأبطأهم تماهياً، ولكن بعد عدة سنوات، حتى هذه الفئة سترجع إلى عقلها وواقعها وستتعايش وستتنازل عن بعض المصالح التي استفادت منها بطريقة خاطئة وفاسدة، وستعلم أولادهم أن كرامة الإنسان أثمن من أي شيء مادي استفادوا منه أهلهم، مقابل فقد الكثير من عزتهم وكرامتهم وشرفهم.
هذه الفترة لا بد أن تأخذ حقها من الزمن، فيجب ألا نستعجل ويجب ألا نحلم كثيراً، فيجب أن تكون أخلاقنا مشروعة وواقعية وقابلة للتنفيذ ونعمل دراسة حقيقية للثورات الجذرية التي تمت في العالم في رومانيا وبولندا وألمانيا الشرقية وفي إيران أيضاً، في كل هذه التغييرات التي حصلت الجذرية وليست الديمقراطية البطيئة، حصلت لأسباب كثيرة، حتى الثورة الفرنسية أخذت عدة سنوات من التمازج ومن الاستقرار والانفلات حتى استقرت بوضع ديمقراطي ليبرالي إنساني ذو قيمة عالية أخلاقياً، واحترام الثقافات والأديان واحترام قيمة العائلة وقيمة الاقتصاد وقيمة العمل وقيمة الوقت. كل هذه القيم التي أدارها القذافي، ستركز في ليبيا الجديدة، وبعد عدة سنوات ستكون ليبيا بشكل أفضل وستكون النموذج الأروع في المنطقة بإمكانيات المنطقة وبظروف المنطقة السياسية والثقافية والمالية والاقتصادية.
هذا الجانب الأول أردت التعرض له بتقسيم الفئات وأحد أسباب ونتائج المرحلة الانتقالية، وكيفية معالجتها.
الأسباب الخارجة عن الأفراد والمجموعات السكانية، الأشياء التي ذات علاقة بالسياسة العامة، ومنها الجغرافية السياسية والتاريخ السياسي والاقتصاد السياسي والتنمية السياسية، كل هذه العوامل المحيطة بنا ونعايشها، والبيئة السياسية العامة، سيكون لها تأثير مباشر وغير مباشر على المرحلة الانتقالية، وسنعود على كل هذه الأطراف واحدة تلو الأخرى، فسنتكلم عن الجغرافيا السياسية بالتفصيل، والتاريخ السياسي و على البيئة السياسية وعلى الاقتصاد السياسي والسياسة السكانية في المنطقة، هذه البنود سيكون لها نصيب من الدراسة والمتابعة.
· المجموعة التاسعة:
تكلمنا عن فئات عديدة، وتبقى فئة أخيرة وهي الأكثر شيوعاً والأكثر انتشاراً، وستتحمل عبء المرحلة بشكل أكثر، وهي فئة الواقعيين التي ينتمي إليها كثيراً من المثقفين والذين شاركوا بالثورة بأفكارهم وأرواحهم وبكل ما يملكون من قدرات لمتابعة الثورة مرحلة بمرحلة، ويؤمنون كثيراً بأن الثورة هي على ثلاث مراحل:
1) المرحلة الثورية ومرحلة الكفاح المسلح والدفع بنظام القذافي بالسلاح خارج إطار السياسة الليبية،
2) والمرحلة الثانية هي المرحلة الانتقالية التي نحن نعيشها الآن،
3) والمرحلة الثالثة هي مرحلة المؤسسات ومرحلة الاستقرار أو مرحلة الدولة كما يحلو للبعض تسميتها.
هذه التقسيمة الثلاثية قد تكون غير حقيقية مئة بالمئة، لأن هناك امتزاج بين هذه المراحل في كل مرحلة. فأثناء المرحلة الثورية كان هناك عمل انتقالي، وكان هناك عمل إدارات وعمل وظائف لقيادة العمل اليومي للمجتمع، وأيضاً ظهرت بعض بدايات العمل المؤسسي في قيام بعض المؤسسات ومؤسسات المجتمع المدني، ولكن كان الحجم الأكبر للعمل الثوري المسلح والعمل العنيف، العمل الثوري المغير والسياسي والاجتماعي والعسكري، حتى المرحلة الثانية وهي المرحلة الانتقالية التي نعيش فيها، كان لابد أن تستمر المرحلة الثورية المسلحة، وهذا ما نراه في الأحياء والمخيمات والمعسكرات.
فالثورة يجب أن تستمر في هذه المرحلة الانتقالية، لأن هناك بعض المشاكل في بعض المناطق وعلى بعض الحدود، فالعمل المسلح الثوري لابد أن يستمر، وأيضاً بروز المؤسسات السياسية والانتخابات والأحزاب والإدارات والوزارات المختلفة، فهناك أيضاً عمل مؤسسي، لكن يعم على هذه المرحلة، مرحلة التغيير، النقلة من مرحلة إلى مرحلة، سنلاحظ أن كل أعمالنا في هذه المرحلة فيها ارتجال كبير وفيها انتقالية وليس فيها مؤسساتية، ويخف عنها جانب العنف والعسكرة.
أما المرحلة الثالثة وهي مرحلة المؤسسات، وهذه ستتم بعد الانتخابات ووضع الدستور ووضع الحكومة الثابتة غير الانتقالية والقيادة وانتخابات الجهات الرسمية للرئاسة وقيادة العمل السياسي والمجتمع، ونوع النظام السياسي ونوع البرلمانات ومجالس الشورى، والجامعات والمؤسسات الصناعية الاقتصادية، هذه كلها ستكون في المرحلة الثالثة.
وأيضاً من خلال هذه المرحلة سنرى في بدايتها كثيراً من الارتجال والانتقالية، وأيضاً سيكون استمرار أيضاً للجانب المسلح ولو بشكلٍ أخف. فهناك تماهي وتمازج بين هذه المراحل الثلاثة، ولكن كل مرحلة يغلب عليها جانب من الجوانب.
هذه الفئة الأخيرة التي سنطرحها، فئة الشباب أو المسئولين أو المواطنين الواقعيين الذين عايشوا الثورة من قبل أن تخرج إلى الواقع، وتخرج من رحم المشاعر الجياشة لدى الشعب الليبي لهذه الولادة العسيرة لمجتمع ليبي جديد، تعرف هذه الفئة أن هناك صعوبات كثيرة، وأن هناك مشاكل ستحصل، وهناك جروح كثيرة وهناك آلام وهناك فـَقدٌ لكثير من الأعزاء والأحباب والشهداء والجرحى والمفقودين، ستتعايش هذه الفئة مع هذا الواقع المرير، وستحلم وستفرح بالنقلة التي ستتم، وستعرف أن هذه المرحلة الانتقالية فيها كثيراً من النتوءات والصعوبات ومن الآلام أيضاً التي ستواكب هذه المرحلة ومن المخاوف الكثيرة، ولكنها تتعايش وتعرف أن هذه المرحلة ستمر طالت أو قصرت، وتعرف أن هناك سيكون قريباً نسبياً وتاريخياً، مرحلة التبادل والاستقرار والمؤسسات.
هذه الفئة الواقعية أو التي تتعايش مع الواقع وتتعامل معه وتعمل على نشره وتثبيته لدى الشباب، هذه الفئة ستكبر وسيزيد حجمها، ففي البداية ستكون مرفوضة من قبل كثير من الفئات السابقة لأنها لا تلبي طموحاتها وتبدو غريبة وشاذة، ولكن في حقيقة الأمر، هذا ما يبقى في الأرض، وهذا ما يستطيع أن يفرض رأيه ووجوده على الآخرين بالواقعية وليس بالانفراد السياسي.
كل هذه الفئات تتماهى في أن تكون أكثر واقعية وأكثر عملية وأكثر إنتاجية وفاعلية من الشطحات التي قد تتلبس في هذه الثقبة وأكثر.
عند خروجنا من التقسيم المباشر للفئات في المجتمع الليبي، وكيف يكون هذا التمازج الإنساني والانفعالي فيما بينها حتى تخرج الفئة الجامعة للشعب الليبي باستقرار أفضل وعملية أكثر جدية وواقعية.
الجغرافية السياسية
نعود إلى تقسيم ما يحيط بليبيا من أشياء أخرى غير الجهة الواقعية. فقد تكلمنا عن الظروف المحيطة، وتكلمنا عن الجغرافية السياسية وما يحيط بليبيا، وتكلمنا عن التاريخ السياسي وعن البيئة السياسية وتكلمنا عن الاقتصاد السياسي.
فإذا قمنا بدراسة سريعة للوضع الجغرافي لليبيا، وخطورته الجغرافية على الواقع الليبي، وتأثيرها على ليبيا في هذه المرحلة الانتقالية وفي مرحلة الاستقرار، يجب على القياديين في العمل السياسي في ليبيا أن يعطوا هذا الجانب حقه من الدراسة ومن التحليل والمعالجات. فليبيا الأرض واسعة الأطراف وكبيرة المساحات، ومختلفة الأنماط الاجتماعية إلى حدٍ كبير، تحيط بها عدد من الدول ذات ظروف اجتماعية واقتصادية مختلفة. ليبيا شاسعة المساحات وقليلة السكان نسبياً، والغنية بمواردها المالية بالنسبة لعدد سكانها.
سيكون هناك الكثير من الضغوط الجغرافية من جيراننا من الجنوب، من النيجر وما حولها من مالي إلى تشاد، والسودان ومصر وتونس والجزائر، وشريط ساحل البحر وما يقابله من دول لها تاريخها ونظراتها الاستعمارية والسياسية حول ليبيا، وخاصةً إيطاليا، وأيضاً لا نستبعد إسبانيا ومالطة وقبرص واليونان، ودول الساحل الشرقي للبحر المتوسط من تركيا وإسرائيل ولبنان وسورية، كل هذه الجغرافية السياسية لها نظراتها وعلاقاتها، ولها تأثيرها ولها تردداتها السياسية وتياراتها السياسية على ليبيا. هذه الجغرافية السياسية يجب أن يتفرغ لها بعض الباحثين وبعض الدارسين السياسيين الجغرافيين لمعرفة ما هي مخاطر الجغرافية وتأثيرها على ليبيا، وبالذات على المرحلة الانتقالية.
فمن أوضح الأشياء هجرة الجنوب إلى الشمال عبر ليبيا، والصعوبات وكيف كان القذافي ونظامه الفاسد يروج لهذه السياسات ويستغلها بنظرته الطفولية والسياسية القزمية، أين يمكن أن تطبق على أوروبا بوجود هذه الثغرة في الهجرة، وهذا يدل على ضعفه السياسي والحنكة السياسية، فكل ما كان يقوم به هو من ناحيةٍ تمجيد إفريقية والاتحاد الإفريقي، التي كانت لأغراض سياسية قزمية محدودة لمصلحته الشخصية ولعقده النفسية ووضعه وأمنه وأمن النظام. لكن قيادات العمل السياسي الجديد في ليبيا، يجب أن يراعوا هذا الوجود السكاني الفقير المتاخم لليبيا من الجنوب من تشاد والنيجر وما حول النيجر من دول أخرى ذات أبعاد عرقية وسياسية واقتصادية لها نظرة مختلفة حول ليبيا، كيف ممكن أن يستفيد المجتمع الليبي من هذه العلاقات الجغرافية والاجتماعية والسكانية دون أن نتضرر، ودون أن يكون لنا عقدة الماضي مع هذه الكيانات، وكيف نستوعبها وكف نتعايش معها، وكيف تكون أقل خطراً علينا وأقل فائدة لنا، ببعض الكياسة والفطنة والدراسة الحقيقية، يجب أن يكون لنا أمن جغرافي في جنوب ليبيا.
هذه النقاط الجغرافية قد تكون خطراً في يوم من الأيام حتى في المراحل القادمة وليس فقط في المرحلة الانتقالية، سيكون تأثيرها أسوء في المرحلة الانتقالية، بالانتظار لأي فراغ سياسي أو عسكري، هؤلاء الناس مستعدين أن يتدخلوا عسكرياً وجغرافياً وإنسانياً في حضورنا واستغلال الكثير من الموارد الليبية لمصلحتهم، وسيكون من الصعب إخراجهم عسكرياً أو سياسياً. هذا لا يقل حتى مع إخواننا وأشقائنا العرب وخاصة مع الجزائر ونظرتها إلى النفط الليبي في حاسي مسعود، ووضعها العسكري وقوتها العسكرية، كيف بالإمكان أن تؤثر جغرافياً وسكانياً على الوضع في ليبيا، وليس بعيد وضع أولاد القذافي والكثير من عناصر القذافي الموجودين في الجزائر، وتأثيرهم الاقتصادي والأمني على ليبيا. فهذه المعادلة يجب أن نتعامل معها أيضاً بكياسة لمراعاة المرحلة الانتقالية حتى استقرار البلد، ويكون لها قيادتها السياسية والسيادية لتستطيع أن تحمي حدودها الجغرافية والاقتصادية.
إخواننا في تونس مع كل الود والمعزة والتاريخ الذي يجب ألا يُنسى، بدعمهم للمهاجرين الليبيين في ذيبا وفي المخيمات الليبية في الحدود، وخصوصاً إخواننا أهل الجبل الأمازيغي العريق التاريخ المشرف لهؤلاء الأبطال والأفذاذ الذين تحملوا كل عبء الثورة في مراحل الثورة المسلحة. إخواننا في تونس يجب أن يكون لنا علاقة بهم، علاقة مودة واحترام، ولكن يجب أن نعرف هذا البعد الجغرافي، أن هناك كثير من السكان في تونس مقابل السكان في ليبيا مع الفوارق الاقتصادية والمهنية والتجارية، ومع قضايا العلاج والخدمات الصحية، هذا سبب الكثير من التوترات والنتوءات في المجتمع الليبي أثناء المرحلة الانتقالية، وما حدث في الحدود في رأس جبير وغيره في النقاط الحدودية، مما يؤكد أن هذه المرحلة يجب أن تدرس هذه المنطقة، ويجب أن يكون لها اعتبارها واحترامها ودراستها، بحيث تكون نقاط قوة وليست نقاط ضعف، وهذا ما حدث أثناء الثورة، لولا العلاقات والوشائح الجيدة الإنسانية بين المجتمع التونسي والمجتمع الليبي، مما استطاع الليبيين أن يتمكنوا من الإقامة الجمعية في مناطق وفي بيوت أخواننا التونسيين لعدة أشهر.
هذه الجغرافية السياسية من الناحية الغربية والناحية الجنوبية، أمن من الناحية الشرقية، فإخواننا في تونس وفي السودان ومصر، يجب أيضاً أن نراعي الوضع الجغرافي السكاني في مصر والعمالة التي كانت تعيش في ليبيا، العمالة التي تساعد الشعب الليبي في التنمية وفي البنية التحتية، هناك أيضاً ثورة الشعب الليبي في المنطقة الشرقية خصوصاً، فكثير منهم انتقلوا إلى الحدود المصرية ووصلوا إلى الإسكندرية والقاهرة، وتمكنوا من التعايش مع أوضاعهم الصعبة حتى عاد الاستقرار النسبي إلى ليبيا.
لكن لا ننسى أن الشعب المصري شعب ذو كثافة سكانية عالية، بموارد مالية أقل نسبياً مما هي عليه في ليبيا، فنتوقع أن الحدود الليبية المصرية إذا لم تدرس بعناية وتحل كل القضايا العالقة وخصوصاً القبائل المشتركة العربية على الحدود، مثل قبائل أولاد علي وتمازجها مع القبائل الليبية في الجبل الأخضر، والقبائل الليبية القديمة في المنية وفي الصعيد وفي الريف وفي الفيوم، وعلاقاتهم الوطيدة بأحمد قذاف الدم، هذه الجغرافية السياسية يجب أن تدرس بعناية ولا تترك للصدفة، ويجب أن تدرس بحنكة وكياسة حتى نتمكن من الاستفادة من مزاياها ونتخلص من بعض مشاكلها وعيوبها.
إن جماعة القذافي الذين يعيشون في مصر لديهم أموال كثيرة وعلاقات كثيرة، وإن لم يكن لهم الكثير من الاحترام والتقدير بالنسبة للشعب المصري، ولكن هناك الكثير من الناس من تجار ٍ وسماسرة يتعايشون مع الفرص السانحة، فيجب ألا يُترك هذا الموضوع للصدفة، فهم قد يكونوا على استعداد للمساعدة في قلقلة البلد أثناء المرحلة الانتقالية بصفة خاصة، والمتابع الحقيقي يحمد الله كثيراً أن ما حصل في الحدود الشرقية ومصر هو أقل بكثير مما يتوقع بعض المتشائمين وبعض المحبطين. فالحمد لله لكل ما هناك من تراخي في المنطقة الشرقية، ومن وجود أموال متكدسة لدى أعوان القذافي في مصر، لكن ما حصل يعتبر شيء أقل كثيراً من المتوقع والنظرة للأسوأ.
فالجغرافيا السياسية يجب أن تدرس تطلعات إيطاليا وتطلعات الموانئ الليبية والمياه الليبية والسواحل الليبية يما فيها من خيرات وإمكانيات سمكية وثروة بحرية عميقة، ونظرة إيطاليا أن الساحل الجنوبي لإيطاليا يجب أن يُراعى وأن نتعامل معها بكياسة وفطنة. فهناك الكثير من المتخصصين في الجغرافية السياسية في ليبيا في هذه الظروف، والحيثيات أن هناك خطر كبير على ليبيا إذا لم يُدرس هذا الملف بشكل ٍ فعال ٍ وعملي، وستكون تأثيرها أوضح في المرحلة الانتقالية إذا طالت.
نحن في المراحل الثلاثة مثل ما ذكرنا، أن المرحلة الانتقالية لا نتوقع أن تنتهي بانتهاء انتخابات المؤتمر الوطني، ولكن ستستمر لعدة سنوات حتى تستقر ليبيا استقراراً نهائياً. فهذه السنوات القادمة سيكون لتأثيرات الجغرافية السياسية والاقتصادية، قد تكون هذه التأثيرات سلبية إذا لم تُدرس دراسة حقيقية.
التاريخ السياسي
إن التاريخ السياسي للمنطقة أيضاً مليء بالمتغيرات والمفاجئات، إذا لم يدرس ويتفرغ له بعض الخبراء بالتحليل والمتابعة.
فالتاريخ السياسي للمنطقة وخاصة ً في القرن الماضي، نرى أن هناك كثير من تقلبات وأوضاع التاريخ السياسي المختلف من مرحلة الاستعمار الأوروبي للإقليم، وقبل ذلك كان التاريخ العثماني بمختلف تسمياته، سميناه الإمبراطورية العثمانية أو الخلافة العثمانية أو الاستعمار العثماني، هذه كلها ذات إيديولوجيات سياسية مختلفة، ولكن الوجود العثماني أو التركز في ليبيا لعدة قرون مما كان لها تأثيراتها الإيجابية والسلبية على واقع التاريخ السياسي في ليبيا. بعد ذلك مرحلة الاستعمار الأوروبي الإيطالي، ثم فترة الإدارات الأوروبية الحاكمة من بريطانية وإيطالية وفرنسية وأميركية، ثم مرحلة المملكة والاستقلال، ثم مرحلة الغبن والقهر والفساد مرحلة القذافي، ثم مرحلة هذه الثورة المجيدة.
فالتاريخ السياسي لليبيا سنعرج عليه، ولكن يهمنا التاريخ السياسي لكل المنطقة من تيارات سياسية مختلفة ومن أحزاب ومن دول مجاورة لنا، ما هي انعكاسات هذا التاريخ السياسي على الواقع الليبي الحالي وعلى المرحلة الانتقالية؟ هذه الجزئية يجب أن تُدرس بعناية وبروية، ويجب أن نأخذ منها الدروس المستفادة من ما لها وما عليها.
الدراسة السياسية في ليبيا المعاصرة لم تكن حقيقة هناك سياسة بالمعنى السياسي الواضح من تنظيمات سياسية وأفكار إيديولوجية، ولكن النظام العشائري والقبلي كان هو الأساس في ليبيا خلال العقود السابقة. حتى القذافي، الحمد لله سبحانه وتعالى، حاول بكل جهده أن يغرس ما سماه فكره السياسي في ليبيا، ولكنه كأن لم يكن، يعني هذه الروعة في هذا الشعب أنه استطاع أن يمتص ما هو مناسب له ثقافياً وتراثياً وعقائدياً ودينياً من كل إفرازات القذافي الرديئة، فلم يتأثر كثيراً الشعب الليبي من ناحية الفكر والعقائد، صحيح تأثر كثيراً من ناحية الأسلوب والمنهجية، وهي ما نراها الآن بارزةً في بعض الممارسات الشاذة، لكن من ناحية الفكر السياسي لم يستطع هذا النظام بكل ما له من أساطير وجبروت وقوة ومال، أن يغرس في عمق الشعب الليبي أي بُعد ٍثقافي ذو منظومة سياسية حقيقية، فكل ما ينتجه من مهاترات وترهات في كتابه وفلسفته كأنه لم يكن، انتهى بلحظة واحدة بضربة من ضربات الشباب عندما أوقعوا نماذج كثيرة، في طبرخ كانت البداية أو النهاية الكاملة لترهات الأفكار السياسية. فلا أتوقع إلا أنها مرحلة من الفقد والجفاف والتصحر السياسي داخل ليبيا في فترة القذافي، وإن كانت قد نتجت عنه أفكار إنسانية رائعة لدى الشعب الليبي استطاعت أن تقيم الغبن والظلم والفساد من منظومة القذافي السياسية.
رجعة للتاريخ السياسي في ليبيا، لم يكن هناك دراسة سريعة ومعمقة، سنجد هناك بعض الأنشطة السياسية معظمها كانت تحت الأرض، ومعظمها كانت في الخارج، ولكن هناك نشاط وحركة سياسية بغبن وظلم وقهر. ففي عهد القذافي لم تستطع هذه الأنشطة أن تخرج إلى الشارع وإلى فوق السطح، لكن عندما تدرس التاريخ السياسي لليبيا أثناء الاستعمار الإيطالي، كان هناك الكثير من الحراك السياسي والعسكري والجهادي، وكثير منهم مفكرين مع مستوى التعليم المتواضع والأمية الضارب أطنابها في الشعب الليبي، لأنه استطاع بعض منهم وضع بعض الفكر السياسي من جمعيات وأحزاب، وكونت الجمهورية الأولى في الوطن العربي: الجمهورية الطرابلسية بقيادة الخمسة المجاهدين المعروفين في النظام الليبي، ثم تكونت جمعيات وأحزاب في المناطق الشرقية، كجمعية عمر المختار وحزب المؤتمر وحزب الاستقلال، والكثير من التنظيمات العربية السياسية تكونت في ذلك الوقت، القومية العرب والبعث والشيوعيين والأخوان المسلمين وحزب التحرير. كثير من هذه المجموعات تكونت لأن القذافي استطاع قمعها ووضعها في السجون وإعدام زعمائها وقياداتها في الشوارع.
لكن هذا التاريخ السياسي لا زال ينبض في المجتمع الليبي ويؤثر كثيراً إيجابياً وسلبيا على الحراك السياسي في ليبيا في المرحلة الانتقالية، مما يسبب لنا نوع من النتوءات، فالخلافات الآن التي تحدث بين أخواننا وأهلنا أصحاب الفكر الإيديولوجي اليساري بكل أنواعه، والفكر الليبرالي بكل أطيافه، والفكر المتدين أو الإسلامي بكل أطيافه وبكل قبعاته، سيكون هناك صراع فكري في هذه المرحلة، واتهامات متبادلة، مما قد يؤثر بعض الشيء على بعض الاستقرار السياسي في المرحلة الانتقالية، لكن هذا كله مخاض لخروج مؤسسة سياسية رائعة في ليبيا، تتماهى فيها كل هذه الأطراف وتتعامل معها بجدية ومنافسة عملية، وبميزان وبجودة عالية، ومن هذا الاختلاف الرائع والنموذجي ستنتج ليبيا الرائ
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
مواضيع مماثلة
» التأتأة عندالآطفال - الآسباب والمعالجة
» مرض السكر
» لموهبه و الابداع طرائق التشخيص و ادواته المحوسبه
» التشخيص المبكر لسرطان العظام يزيد فرص علاجه
» بسبب خطأ في التشخيص ابنتي اصيبت بالشلل و فقدان البصر
» مرض السكر
» لموهبه و الابداع طرائق التشخيص و ادواته المحوسبه
» التشخيص المبكر لسرطان العظام يزيد فرص علاجه
» بسبب خطأ في التشخيص ابنتي اصيبت بالشلل و فقدان البصر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR