إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
مقالات مختارة : من سيكتب تاريخ ليبيا لمرحلة «ما بعد القذافي»
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مقالات مختارة : من سيكتب تاريخ ليبيا لمرحلة «ما بعد القذافي»
من سيكتب تاريخ ليبيا لمرحلة «ما بعد القذافي» ؟
نزار عبد القادر
18/9/2012
في بنغازي التي شكلت العرين الاساسي للثورة الليبية هاجم مسلحون، يعتقد انهم ينتسبون لميليشيا اسلامية متطرفة القنصلية الاميركية في المدينة ليل 11 أىلول، والذي يناسب الذكرى لهجمات نيويوك التي دمّرت المركز التجاري العالمي، وقتل جراء الهجوم الارهابي على القنصلية السفير الاميركي كريستوفر ستيغنز مع ثلاثة من الموظفين الاميركيين. ولم يجر حتى الآن التأكد من هوية المهاجمين، حيث تدور شبهات حول قيام اكثرمن جهة في تنفيذه، ولكن ذلك لا ينفي اطلاقاً وجود حقيقتين:
الاولى، بأن الدولة الليبة ما زالت غير قادرة على تحقيق الامن والاستقرا حتى لسفارات ومواطني الدول التي كانت لها اليد الطولى في تحرير ليبيا من حكم القذافي. والثانية، بأن هناك جماعات متطرفة ومسلحة تعمل في العلن، وهي تعتمد العمل الارهابي لغايات سياسية. من هنا فانه لا فرق في ما اذا كان المهاجمون للقنصلة الاميركية من تنظيم «انصار الشريعة» الذين سبق لهم وقاموا بهجمات ضد ديبلوماسيين اميركيين وبريطانيين وضد بعثة الصليب الاحمر الدولي في السابق، او من تنظيم «القاعدة»، الذي حاول تبني الهجوم تحت عذر الثأر لمقتل ابو يحيى الليبي الرجل الثاني في التنظيم المذكور.
سمحت حالة الانفلات التي تسيطر على ليبيا منذ سقوط نظام القذافي للجماعات الاسلامية المتطرفة بتدمير عدد من المساجد والمواقع الدينية، وعلى اساس انها خارجة عن مبادئ الاسلام، وقد جرى ذلك تحت أعين السلطات الليبية التي لم تقم بأي رد فعل لحماية هذه المواقع او الاقتناص من الجماعات المهاجمة المعروفة جيداً لديها، وكان رد وزير الداخلية الليبي في معر ض تبريره لعدم التصدي بهذه الهجمات بقوله «لديهم قوة ضخمة، ولديهم كميات كبيرة من الاسلحة، ولا يمكنني الدخول في «حركة خاسرة ضدهم».
يأتي هذا الهجوم الارهابي ضد القنصلية الاميركية في بنغازي في الوقت الذي بدأت فيه ليبيا استعداداتها لتشكيل اول حكومة ديموقراطية، تتشكل بارادة وبالانتخاب الحر الذي جرى من قبل ممثلي الشعب. وكان قد سبق ذلك ان خطت ليبيا خطوة كبيرة في اتجاه الديموقراطية من خلال اجراء انتخابات عامة حرة وشفافة وواعدة، خصوصا بعد فوز الحركات والقيادات الليبرالية، والتي تؤمن بقيام دولة ديموقراطية علمانية.
وكان حتى اواخر شهر آب 2012 قد ارتفع منسوب الأمل بامكانية نجاح المرحلة الانتقالية من خلال عودة الاستقرار والأمن الى المدن الرئيسية، ومن خلال عودة تدفق النفط الليبي بنسبة 90 في المائة لما كانت عليه ايام العهد السابق. لكن، لم تبدّد هذه المؤشرات الايجابية المخاطر والتهديدات التي تتهدد مسار اعادة بناء الدولة، والتي تتمثل بانتشار الميليشيات المسلحة والخارجة عن سلطة الدولة، وبالاشتباكات المسلحة المتكررة بين القبائل والمجموعات الاتنية المختلفة، وبتوسع نفوذ الميليشيا الاسلامية التي يقودها الاسلامي عبد الحكيم بلحاج، وايضاً باقامة قواعد عسكرية لتنظيم «القاعدة». وسرت مخاوف خلال الاشهر السابقة من امكانية تأجيل الانتخابات العامة التي كانت مقررة في حزيران 2012 بسبب حالة عدم الاستقرار وما يمكن ان يؤثر ذلك على حرية وسلامة الانتخابات. لكن، جرت الانتخابات بسلام، وفي موعدها المحدد، وقد اعطت نتائجها شحنة ايجابية من الأمل بامكانية قيام مجتمع مدني يؤمن بالديموقراطية.
كانت المفارقة الكبرى بأن الهجوم الارهابي على القنصلية الاميركية قد تزامن مع عملية اختيار المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الدكتور مصطفى أبو شاقور لتشكيل أول حكومة تنبثق عن الارادة الشعبية، وهي الحكومة التي ستخلف حكومة عبد الرحيم الكيب، وستحكم ليبيا على مدى الأشهر الخمسة عشر المقبلة. يبدو ان رئيس الحكومة ابو شاقور يدرك بأن الاولوية هي لملف استعادة الامن، حيث شدد في حديث نشرته صحيفة «الشرق الاوسط» على ضرورة اعادة تشكيل الجيش والشرطة وفقاً لأسلوب علمي حديث لتأمين امور البلاد». ويؤكد ابو شاقور في حديثه بأنه لا ينتسب الى حركة الاخوان المسلمين، وبأنه يتطلع الى التعاون في الحكومة العتيدة مع منافسة رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبرايل، الذي فاز عليه بفارق صوتين. واللافت ان الدكتور ابو شاقور هو استاذ وله اختراعات في مجال هندسة النظم الدقيقة والهندسية الكهربائية والالكترونية، وسبق له ان عمل في التدريب وفي مؤسسات اميركية كبرى، مثل بوينغ، والقوات الجوية الاميركية ووزارة الطاقة.
يعبّر رئيس الحكومة الجديدة عن طموحاته تشكيل حكومة من كفاءات قادرة على تنفيذ المخططات والبرامج المطروحة، مع التأكيد بالاستعانة «بالثوار» من ذوي الكفاءة، مع الأخذ بعين الاعتبار التمثيل الجغرافي والمناطقي للبلاد.
على ضوء هذين الحدثين اللذين شهدتهما ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية يبدو بأن البلاد تقف عند مفترق: اما ان تنجح الحكومة بقيادة ابو شاقور في تحقيق المسيرة الديموقراطية وقيام دولة مدنية قادرة على قيادة مسيرة الحرية والعدالة والتنمية، واما ان تقع فريسة الصراعات الدامية بين مختلف القبائل والميليشيات المسلحة، بحيث يتحقق فعلياً على الارض الفوضى التي كان قد نبّه منها العقيد القذافي عند اندلاع الثورة، بأن الاحداث هي من صنع ارهابيين، نشأوا في شرق ليبيا، وبأنه اذا لم يجر سحقهم، فان ليبيا ستتحول الى نموذج صومالي على البحر المتوسط، اي الى مجموعة من «الامارات الاسلامية» القائمة على مقربة من سواحل جنوب اوروبا. هناك دون شك الكثير من المغالاة في توصيف القذافي، حيث ان معظم التنظيمات المسلحة والاسلامية الموجودة في ليبيا الآن ليست على تنسيق او علاقة او اتصال مع فكر او تنظيم «القاعدة» او اي تنظيم ارهابي آخر.
ساورت القيادات الليبية الجديدة هواجس كبيرة حول المخاطر التي تتهدد الشرعية وسلطة القانون في ظل الانتشار المسلح الكثيف بين ايدي ميليشيات الثورة، والتي تنتشر في جميع المدن والمناطق. وجهدت هذه القيادات من اجل فهم هذه الميليشيات تحت لواء جيش وطني يأتمر بأمر الحكومة الشرعية، ولكنها سرعان ما تخلت عن السير قدماً في هذا المشروع، وذلك بعدما شعرت بامكانية تمرّد بعض هذه المجموعات ورفضها الدخول في الجيش، وبسبب المخاوف من ان يؤدي ذلك الى احداث امنية تهدد الاستقرار الهش. وكانت القيادات الليبية قد رفضت كل العروض التي تقدمت بها بعض الدول الاوروبية، وخصوصاً بريطانيا من اجل المساعدة في حل المشكلة الأمنية القائمة، من خلال تقديم كل المساعدات الفنية والمادية اللازمة للتنظيم واصلاح القطاع الامني. وهكذا فان السلطة قد فشلت في وضع اي مشروع عملي لاستعادة المبادرة الامنية، واكتفت بضم بعض التنظيمات الصغيرة، ولكن دون ان يغيّر ذلك في مسار ازمة الفلتان الامني التي تعيشها ليبيا، بما فيها المدن الكبرى. وبالرغم من محاولات السلطات الى تهدئة الوضع، فان الصراع على النفوذ بين مختلف الميليشيات قد تسبب بحدوث اشتباكات داخل المدن، والى تهديد قدرة الدولة على فرض الامن والسيطرة على مطار طرابلس الدولي. لكن، لم تهدد هذه الاشتباكات حياة المواطنين، حيث استمرت الحياة العادية، كما نجحت ليبيا في اجراء الانتخابات العامة بنجاح، والتي انتجت اكثرية نيابية من الاحزاب العلمانية المعتدلة.
لكن يبدو بأن زمن الحروب الصغيرة بين الميليشيات قد ولّى لتحل مكانه اختراقات أمنية خطيرة وابرزها اولاً، مهاجمة مسؤولين حكوميين ومواقع حكومية في طرابلس وبنغازي، وتنفيذ بعض عمليات التفجير بواسطة السيارات المفخخة، وثانياً، قيام بعض المجموعات المسلحة السلفية والمتطرفة بمهاجمة بعض المواقع الصوفية الدينية، مع اتهام الصوفيين بالخروج على الاسلام، وبدت الحكومة الليبية عاجزة عن وضع حد لهذه الموجة الجديدة من العنف، وباعتراف وزير الداخلية علناً بذلك.
ثالثاً، وكان الجديد في الأمر استهداف البعثات الديبلوماسية، والتي بدأت باستهداف سيارة ديبلوماسية تابعة للسفارة الاميركية في طرابلس، تلاها هجوم على سيارة السفير البريطاني في بنغازي. وساد الاعتقاد بداية بأن هذه الهجمات تشكل حوادث معزولة، ولكن بعد الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي، واقتحامها واضرام النيران فيها فان الامر يبدو مختلفاً، وبأنه لم يعد هناك ادنى شك حول وجود مخطط ارهابي لاستهداف البعثات الديبلوماسية والمصالح الغربية في ليبيا. وتجدر الملاحظة هنا بأنه على ضوء ما حدث لم يعد بوسع السلطات الليبية التستر على الأمر من خلال اتهام اتباع القذافي بالتخريب، خصوصاً بعدما اعترفت المجموعات الارهابية التابعة للقاعدة او لانصار الشريعة بتنفيذها لهذه الهجمات.
يبدو ان فترة الاستقرار النسبي قد انقضت، وبأن هناك مخططات قيد التنفيذ قد بدأت، وبأن البلاد تواجه احتمالات مواجهة «كابوس» أمني وفق النموذج السائد في العراق. تفترض مثل هذه المخاطر بأن تتضافر جهود الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى ابو شاقور، مدعومة من مختلف القوى السياسية والشرائح الشعبية من اجل نزع سلاح جميع الميليشيات او ضمها فعلياً الى القوى العسكرية والأمنية، التي وعد رئيس الحكومة العتيدة بانشائها وتنظيمها. من المؤكد بأن تحقيق ذلك شكل مهمة معقدة، ولكنها ليست مستحيلة، حيث ان جميع الميليشيات هي محدودة الامكانيات، ويمكن السيطرة عليها الواحدة تلو الأخرى، من خلال استعمال عدد من الحوافز والمغريات المالية او الوظيفية.
تتطلب دقة وخطورة الوضع في اعقاب الهجوم الارهابي على القنصلية الاميركية ان يجري تسريع تنفيذ عملية سيطرة الشرعية على الامن، لأن التأخر في ذلك سيعمل لصالح الجماعات المتطرفة والارهابية.
تبرز حاجة ليبيا ماسة لبلورة ارادة شعبية كاسحة، ولحكومة قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة لاستعادة سلطة الشرعية على جميع الاراضي الليبية، وان اي تأخير في تحقيق ذلك سيؤدي حتماً الى اطلاق يد التنظيمات الارهابية والمتطرفة لكتابة تاريخ ليبيا في مرحلة «ما بعد القذافي».
نزار عبد القادر
الاولى، بأن الدولة الليبة ما زالت غير قادرة على تحقيق الامن والاستقرا حتى لسفارات ومواطني الدول التي كانت لها اليد الطولى في تحرير ليبيا من حكم القذافي. والثانية، بأن هناك جماعات متطرفة ومسلحة تعمل في العلن، وهي تعتمد العمل الارهابي لغايات سياسية. من هنا فانه لا فرق في ما اذا كان المهاجمون للقنصلة الاميركية من تنظيم «انصار الشريعة» الذين سبق لهم وقاموا بهجمات ضد ديبلوماسيين اميركيين وبريطانيين وضد بعثة الصليب الاحمر الدولي في السابق، او من تنظيم «القاعدة»، الذي حاول تبني الهجوم تحت عذر الثأر لمقتل ابو يحيى الليبي الرجل الثاني في التنظيم المذكور.
سمحت حالة الانفلات التي تسيطر على ليبيا منذ سقوط نظام القذافي للجماعات الاسلامية المتطرفة بتدمير عدد من المساجد والمواقع الدينية، وعلى اساس انها خارجة عن مبادئ الاسلام، وقد جرى ذلك تحت أعين السلطات الليبية التي لم تقم بأي رد فعل لحماية هذه المواقع او الاقتناص من الجماعات المهاجمة المعروفة جيداً لديها، وكان رد وزير الداخلية الليبي في معر ض تبريره لعدم التصدي بهذه الهجمات بقوله «لديهم قوة ضخمة، ولديهم كميات كبيرة من الاسلحة، ولا يمكنني الدخول في «حركة خاسرة ضدهم».
يأتي هذا الهجوم الارهابي ضد القنصلية الاميركية في بنغازي في الوقت الذي بدأت فيه ليبيا استعداداتها لتشكيل اول حكومة ديموقراطية، تتشكل بارادة وبالانتخاب الحر الذي جرى من قبل ممثلي الشعب. وكان قد سبق ذلك ان خطت ليبيا خطوة كبيرة في اتجاه الديموقراطية من خلال اجراء انتخابات عامة حرة وشفافة وواعدة، خصوصا بعد فوز الحركات والقيادات الليبرالية، والتي تؤمن بقيام دولة ديموقراطية علمانية.
وكان حتى اواخر شهر آب 2012 قد ارتفع منسوب الأمل بامكانية نجاح المرحلة الانتقالية من خلال عودة الاستقرار والأمن الى المدن الرئيسية، ومن خلال عودة تدفق النفط الليبي بنسبة 90 في المائة لما كانت عليه ايام العهد السابق. لكن، لم تبدّد هذه المؤشرات الايجابية المخاطر والتهديدات التي تتهدد مسار اعادة بناء الدولة، والتي تتمثل بانتشار الميليشيات المسلحة والخارجة عن سلطة الدولة، وبالاشتباكات المسلحة المتكررة بين القبائل والمجموعات الاتنية المختلفة، وبتوسع نفوذ الميليشيا الاسلامية التي يقودها الاسلامي عبد الحكيم بلحاج، وايضاً باقامة قواعد عسكرية لتنظيم «القاعدة». وسرت مخاوف خلال الاشهر السابقة من امكانية تأجيل الانتخابات العامة التي كانت مقررة في حزيران 2012 بسبب حالة عدم الاستقرار وما يمكن ان يؤثر ذلك على حرية وسلامة الانتخابات. لكن، جرت الانتخابات بسلام، وفي موعدها المحدد، وقد اعطت نتائجها شحنة ايجابية من الأمل بامكانية قيام مجتمع مدني يؤمن بالديموقراطية.
كانت المفارقة الكبرى بأن الهجوم الارهابي على القنصلية الاميركية قد تزامن مع عملية اختيار المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الدكتور مصطفى أبو شاقور لتشكيل أول حكومة تنبثق عن الارادة الشعبية، وهي الحكومة التي ستخلف حكومة عبد الرحيم الكيب، وستحكم ليبيا على مدى الأشهر الخمسة عشر المقبلة. يبدو ان رئيس الحكومة ابو شاقور يدرك بأن الاولوية هي لملف استعادة الامن، حيث شدد في حديث نشرته صحيفة «الشرق الاوسط» على ضرورة اعادة تشكيل الجيش والشرطة وفقاً لأسلوب علمي حديث لتأمين امور البلاد». ويؤكد ابو شاقور في حديثه بأنه لا ينتسب الى حركة الاخوان المسلمين، وبأنه يتطلع الى التعاون في الحكومة العتيدة مع منافسة رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبرايل، الذي فاز عليه بفارق صوتين. واللافت ان الدكتور ابو شاقور هو استاذ وله اختراعات في مجال هندسة النظم الدقيقة والهندسية الكهربائية والالكترونية، وسبق له ان عمل في التدريب وفي مؤسسات اميركية كبرى، مثل بوينغ، والقوات الجوية الاميركية ووزارة الطاقة.
يعبّر رئيس الحكومة الجديدة عن طموحاته تشكيل حكومة من كفاءات قادرة على تنفيذ المخططات والبرامج المطروحة، مع التأكيد بالاستعانة «بالثوار» من ذوي الكفاءة، مع الأخذ بعين الاعتبار التمثيل الجغرافي والمناطقي للبلاد.
على ضوء هذين الحدثين اللذين شهدتهما ليبيا خلال الأيام القليلة الماضية يبدو بأن البلاد تقف عند مفترق: اما ان تنجح الحكومة بقيادة ابو شاقور في تحقيق المسيرة الديموقراطية وقيام دولة مدنية قادرة على قيادة مسيرة الحرية والعدالة والتنمية، واما ان تقع فريسة الصراعات الدامية بين مختلف القبائل والميليشيات المسلحة، بحيث يتحقق فعلياً على الارض الفوضى التي كان قد نبّه منها العقيد القذافي عند اندلاع الثورة، بأن الاحداث هي من صنع ارهابيين، نشأوا في شرق ليبيا، وبأنه اذا لم يجر سحقهم، فان ليبيا ستتحول الى نموذج صومالي على البحر المتوسط، اي الى مجموعة من «الامارات الاسلامية» القائمة على مقربة من سواحل جنوب اوروبا. هناك دون شك الكثير من المغالاة في توصيف القذافي، حيث ان معظم التنظيمات المسلحة والاسلامية الموجودة في ليبيا الآن ليست على تنسيق او علاقة او اتصال مع فكر او تنظيم «القاعدة» او اي تنظيم ارهابي آخر.
ساورت القيادات الليبية الجديدة هواجس كبيرة حول المخاطر التي تتهدد الشرعية وسلطة القانون في ظل الانتشار المسلح الكثيف بين ايدي ميليشيات الثورة، والتي تنتشر في جميع المدن والمناطق. وجهدت هذه القيادات من اجل فهم هذه الميليشيات تحت لواء جيش وطني يأتمر بأمر الحكومة الشرعية، ولكنها سرعان ما تخلت عن السير قدماً في هذا المشروع، وذلك بعدما شعرت بامكانية تمرّد بعض هذه المجموعات ورفضها الدخول في الجيش، وبسبب المخاوف من ان يؤدي ذلك الى احداث امنية تهدد الاستقرار الهش. وكانت القيادات الليبية قد رفضت كل العروض التي تقدمت بها بعض الدول الاوروبية، وخصوصاً بريطانيا من اجل المساعدة في حل المشكلة الأمنية القائمة، من خلال تقديم كل المساعدات الفنية والمادية اللازمة للتنظيم واصلاح القطاع الامني. وهكذا فان السلطة قد فشلت في وضع اي مشروع عملي لاستعادة المبادرة الامنية، واكتفت بضم بعض التنظيمات الصغيرة، ولكن دون ان يغيّر ذلك في مسار ازمة الفلتان الامني التي تعيشها ليبيا، بما فيها المدن الكبرى. وبالرغم من محاولات السلطات الى تهدئة الوضع، فان الصراع على النفوذ بين مختلف الميليشيات قد تسبب بحدوث اشتباكات داخل المدن، والى تهديد قدرة الدولة على فرض الامن والسيطرة على مطار طرابلس الدولي. لكن، لم تهدد هذه الاشتباكات حياة المواطنين، حيث استمرت الحياة العادية، كما نجحت ليبيا في اجراء الانتخابات العامة بنجاح، والتي انتجت اكثرية نيابية من الاحزاب العلمانية المعتدلة.
لكن يبدو بأن زمن الحروب الصغيرة بين الميليشيات قد ولّى لتحل مكانه اختراقات أمنية خطيرة وابرزها اولاً، مهاجمة مسؤولين حكوميين ومواقع حكومية في طرابلس وبنغازي، وتنفيذ بعض عمليات التفجير بواسطة السيارات المفخخة، وثانياً، قيام بعض المجموعات المسلحة السلفية والمتطرفة بمهاجمة بعض المواقع الصوفية الدينية، مع اتهام الصوفيين بالخروج على الاسلام، وبدت الحكومة الليبية عاجزة عن وضع حد لهذه الموجة الجديدة من العنف، وباعتراف وزير الداخلية علناً بذلك.
ثالثاً، وكان الجديد في الأمر استهداف البعثات الديبلوماسية، والتي بدأت باستهداف سيارة ديبلوماسية تابعة للسفارة الاميركية في طرابلس، تلاها هجوم على سيارة السفير البريطاني في بنغازي. وساد الاعتقاد بداية بأن هذه الهجمات تشكل حوادث معزولة، ولكن بعد الهجوم على القنصلية الاميركية في بنغازي، واقتحامها واضرام النيران فيها فان الامر يبدو مختلفاً، وبأنه لم يعد هناك ادنى شك حول وجود مخطط ارهابي لاستهداف البعثات الديبلوماسية والمصالح الغربية في ليبيا. وتجدر الملاحظة هنا بأنه على ضوء ما حدث لم يعد بوسع السلطات الليبية التستر على الأمر من خلال اتهام اتباع القذافي بالتخريب، خصوصاً بعدما اعترفت المجموعات الارهابية التابعة للقاعدة او لانصار الشريعة بتنفيذها لهذه الهجمات.
يبدو ان فترة الاستقرار النسبي قد انقضت، وبأن هناك مخططات قيد التنفيذ قد بدأت، وبأن البلاد تواجه احتمالات مواجهة «كابوس» أمني وفق النموذج السائد في العراق. تفترض مثل هذه المخاطر بأن تتضافر جهود الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى ابو شاقور، مدعومة من مختلف القوى السياسية والشرائح الشعبية من اجل نزع سلاح جميع الميليشيات او ضمها فعلياً الى القوى العسكرية والأمنية، التي وعد رئيس الحكومة العتيدة بانشائها وتنظيمها. من المؤكد بأن تحقيق ذلك شكل مهمة معقدة، ولكنها ليست مستحيلة، حيث ان جميع الميليشيات هي محدودة الامكانيات، ويمكن السيطرة عليها الواحدة تلو الأخرى، من خلال استعمال عدد من الحوافز والمغريات المالية او الوظيفية.
تتطلب دقة وخطورة الوضع في اعقاب الهجوم الارهابي على القنصلية الاميركية ان يجري تسريع تنفيذ عملية سيطرة الشرعية على الامن، لأن التأخر في ذلك سيعمل لصالح الجماعات المتطرفة والارهابية.
تبرز حاجة ليبيا ماسة لبلورة ارادة شعبية كاسحة، ولحكومة قادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة لاستعادة سلطة الشرعية على جميع الاراضي الليبية، وان اي تأخير في تحقيق ذلك سيؤدي حتماً الى اطلاق يد التنظيمات الارهابية والمتطرفة لكتابة تاريخ ليبيا في مرحلة «ما بعد القذافي».
نزار عبد القادر
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
dude333- مشرف المنتدى السياسي
-
عدد المشاركات : 5593
العمر : 55
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012
رد: مقالات مختارة : من سيكتب تاريخ ليبيا لمرحلة «ما بعد القذافي»
شكـــــــ ـــــــــرآ وبـــــــــــــــارك الله فيـــــــــــــــكـ
اسماعيل ادريس- مستشار
-
عدد المشاركات : 15213
العمر : 50
رقم العضوية : 1268
قوة التقييم : 66
تاريخ التسجيل : 28/02/2010
مواضيع مماثلة
» مقالات مختارة : المولدي الأحمر : يوم عظيم في تاريخ ليبيا الح
» مقالات مختارة :: لعزل السياسي في ليبيا.. لماذا نعم؟
» مقالات مختارة : خليفة القذافي على عرش الكوميديا
» مقالات مختارة : ليبيا حرّه والمفتي يطلع برّه
» مقالات مختارة - سلطان الحطاب : ليبيا..لا بأس عليكم !
» مقالات مختارة :: لعزل السياسي في ليبيا.. لماذا نعم؟
» مقالات مختارة : خليفة القذافي على عرش الكوميديا
» مقالات مختارة : ليبيا حرّه والمفتي يطلع برّه
» مقالات مختارة - سلطان الحطاب : ليبيا..لا بأس عليكم !
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR