إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
مقالات قديمة : قصة مقتل إبراهيم الشلحي
صفحة 1 من اصل 1
مقالات قديمة : قصة مقتل إبراهيم الشلحي
قصة مقتل إبراهيم الشلحي وتداعياتها على دولة الاستقلال
د. فرج نجم: من المقالات المتميزة التي تزين بها العدد الخامس (السنة الثالثة ـ العدد الأول) لمجلة المنتدى الليبي التي تصدر عن منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية مقالة الدكتور فرج نجم عن حادثة مقتل ابراهيم الشلحي أحد المقربين من الملك ادريس السنوسي رحمهما الله وقد استعرض الدكتور نجم أهم تداعيات تلك الحادثة على دولة الاستقلال
قصة مقتل إبراهيم الشلحي
وتداعياتها على دولة الاستقلال
بقلم: الدكتور فرج نجم
.د. فرج نجم: من المقالات المتميزة التي تزين بها العدد الخامس (السنة الثالثة ـ العدد الأول) لمجلة المنتدى الليبي التي تصدر عن منتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية مقالة الدكتور فرج نجم عن حادثة مقتل ابراهيم الشلحي أحد المقربين من الملك ادريس السنوسي رحمهما الله وقد استعرض الدكتور نجم أهم تداعيات تلك الحادثة على دولة الاستقلال
قصة مقتل إبراهيم الشلحي
وتداعياتها على دولة الاستقلال
بقلم: الدكتور فرج نجم
استمرت الاضطرابات حتى بعدما نال الوطن استقلاله واسترد عافيته، فما فتئت الأوضاع في الوطن لتستقر حتى بدأت في التوتر من جديد، ولكن هذه المرة بين رفاق الأمس في الكفاح، وإخوة المعاناة، ليصل بهم الحال في دولة الانعتاق والاستقلال من الجلاد الإيطالي إلى القتل، والتنكيل، والنفي، والعزل من المراكز والوظائف العامة. وهذه المرة بأياديهم. ولم يُستثنى أحد من العدالة والظلم على قدم المساواة، ما أدى إلى إضعاف الوطن، وذهاب هيبة سلطانه في نظر الكثير من أبنائه، وليس أدل على ذلك من حادثة اغتيال إبراهيم الشلحي - رحمه الله تعالى - وتداعياتها التي كشفت كثيراً من تجاوزات وعورات رجال صنعوا وطناً بحزمهم، ومثابرتهم، وتسامحهم بامتياز. المحامي فهيم الخير الشهيبي
ومن عجائب تاريخنا أن مقتل رجل واحد، لا يتمتع بثقل قبلي أو اجتماعي، يعصف بالبلد وأهله، وكان من أولئك الرجال إبراهيم الشلحي الذي كان أثيراً لدي السيد إدريس السنوسي حيث عكف منذ زمن على خدمة الأخير بإخلاص متفان، منقطع النظير، وكان بمثابة الابن البار في ظل أباه، يوقظه في الصباح، يقدم له الأكل ويتذوقه قبله حتى يتأكد بأنه خال من كل ما هو مضر، ويشرف على راحته حتى يهجع السيد إلى نومه، حتى غدا السيد إدريس أذن صاغية لكل ما يأتي به الشلحي ولا يُرد له طلباً لما وجد فيه من ثقة مفرطة وكانت في محلها، وإخلاص وصدق وبعد نظر وأمانة مطلقة، رافق المرحوم الشلحي السيد في حله وترحاله، ولعل أشهرها تلك الرحلة إلى روما في ديسمبر عام 1920م، وكان يتوسط الركب الأميري الذي مثل الوفد البرقاوي في ثلة من المقربين كالشارف الغرياني، عمر الكيخيا، وعلي العابدية، ومحمد الساقزلي، وأحميدة المحجوب، وعبد القادر فركاش أيضاً.
سبق وأن خدم إبراهيم الشلحي السيد أحمد الشريف وقد أثنى السيد أحمد على الشلحي بما هو أهله، أما بداية قصة إبراهيم الشلحي مع السيد إدريس ينقلها محمد الطيب الأشهب - وكان أحد محبيه - نقلاً عن السيد إدريس نفسه فيكتب: "عندما اعتزمت (أي إدريس) التحول من السلوم إلى برقة طلبت من السيد أحمد الشريف تزويدي بشخص يحوز ثقتي لأوليه أوراقي الخاصة، فدلني على إبراهيم الشلحي قائلاً: بأنه من عائلة طيبة وشجاع وأمين على الأسرار، فأخذته وفعلاً وجدته عند ظن السيد أحمد الشريف، وكان على جانب من التدين والاستقامة والوطنية النزيهة. لقد خبرته في وطنه وفي المهجر وخلال الظروف القاسية فكان نعم الإبن البار والأخ المختار والعون على الشدائد في كل الأطوار، وبحق فأقل ما يقال فيه عندما تعد الرجال الذين يفخر بهم وطنهم فهو منهم..." ثمة إجماع بين وجهاء الوطن على نزاهة السيد إبراهيم الشلحي وصدقه ووطنيته على الرغم من سوء الصيت الذي تمخض فيما بعد وأُلحق إجحافاً بالعائلة لسوء تصرف بعض الأبناء.
سبق وأن تناقل الليبيون في المهجر بمصر بعد لجوء السيد إدريس إليها أن الشلحي كان قد تورط بطريقة أو أخرى - وبالطبع لم تثبت - في مقتل رجل كان ينافسه في الحظوة عند السيد ويدعى بو سرويل وهو من قبيلة البراعصة، والأنكى من ذلك أنه وصل الشلحي أن من كان وراء هذه الإشاعات هم أولاد السيد أحمد الشريف والسيد الصديق محمد الرضا المهدي - وهذا أيضاً لم يثبت - مما تولدت عنه حساسيات بين الفريقين ولعل تصرفات الشلحي أومأت لآل أحمد الشريف بأنه يتصرف وكأنه يريد إقصائهم عن ابن عمهم وزوج أختهم السيدة فاطمة.
والبعض يُرجع الخلاف إلى صراعٍ مزعومٍ في داخل البيت السنوسي على قيادة الطريقة ومن ثم الحركة السنوسية بعد تخلي السيد أحمد الشريف للسيد إدريس عن إمامة الطريقة السنوسية وقيادة حركتها سنة 1918م والتي بموجبها غادر السيد أحمد البلاد متجهاً إلى تركيا تاركاً البلاد والعباد في عنق "الوريث الشرعي للسنوسية" ابن عمه الأمير إدريس شريطة أن يكون خليفته السيد العربي، النجل الثاني للسيد أحمد الشريف، وقد تم ذلك الاتفاق بتوثيقه وكتابته على ظهر نسخة من القرآن الكريم حتى لا تكون عرضة للضياع أو المصادرة، وعلل البعض بأن الخلافة أو الوراثة كانت في السنوسية وليست في حكم ليبيا مما أدى إلى تفاقم الأمر بطبيعة الحال بعد رجوع الجميع إلى ليبيا وبعدما تم تحريرها من المستعمر الإيطالي بانتهاء الحرب العالمية الثانية التي تكبدت وتجرعت فيها قوات إيطاليا كأس الذل والمرارة وأصبح الليبيون إلى حد ما أسياد أمرهم برعاية بريطانية.
وبعد استقلال 1951م وتأسيس الحكومات المتوالية وتحديداً إبان حكومة السيد مصطفى بن حليم، كان قد وصل البلاد في تلك الأثناء الكونت الإيطالي مارزوتي وسبق وأن ملَك من الأراضي والأملاك إبان استعمار بلده الكثير وخاصة في منطقة المرج، فجاء الرجل في يخته الخاص ووصل بنغازي ويبدو أن ذلك كان مرتباً بطريقة أو أخرى مع رجل الأعمال السنوسي - السيد عبد الله عابد – والذي بدوره اقنع والي برقة السيد حسن مازق بأن يكون من جملة من يستقبلون الرجل وإن القصر على علم من خلال إبراهيم الشلحي - أي الملك إدريس لم يرى ضيراً ولا ممانعة في ذلك - وبالفعل قابل السيد حسين مازق مارزوتي وسمح له التجول في ربوع برقة وعندما سمعت قبائل منطقة المرج بوصول المستعمر مارزوتي إلى أراضيها أسرعت وبقيادة السيد الصديق الرضا الذي كان يملك مزرعة هناك بالاحتجاج إلى الملك إدريس الذي غضب ووضع عبد الله عابد تحت الإقامة الجبرية وجمد عمل السيد حسن مازق بسحب جميع صلاحياته منه كوالياً لبرقة في غياب من ينوب عنه في خرق وفوضى إدارية في ولاية برقة حيث مركز القوى في البلد، وكذلك طُرد الكونت مارزوتي بإبعاده من البلاد.
تأزم إذن الأمر بين الملك من جهة والوالي والبيت السنوسي من جهة أخرى مما انعكس سلباً على الحكومة برئاسة مصطفى بن حليم، وقد كان رئيس الحكومة – كما اخبرني – يحاول بطريقة أو أخرى ليرى الملك عبر ناظر خاصته إبراهيم الشلحي لحل الإشكال، ولكن عبر له الشلحي عن امتعاضه الشخصي لانحصار نفوذه عند الملك شخصياً حيث إنه لم يبقى يستمع إليه كما كان سابقاً وأنه زهد في كل ما حوله من ملك وحكم.
وفي يوم 5 أكتوبر 1954م طلب رئيس الوزراء بن حليم من إبراهيم الشلحي أن يأتي لمكتبه للتشاور في أمور الدولة ومنها كيفية فض مشكلة الوالي - حسين مازق - إثر زيارة الكونت مارزوتي، وبالفعل وصل إبراهيم الشلحي إلى مقر رئاسة الحكومة، حيث ما يعرف في بنغازي بالمجمع الحكومي (العمارات الثلاث) قبالة موقف السيارات الذي كان في الأصل مقر مجلس النواب سابقاً، وبعدما أنهى إبراهيم الشلحي لقائه ومع رئيس الوزراء وركب سيارته أوقفه الشاب الشريف محي الدين أحمد الشريف الذي رجع لتوه من بيروت حيث كان يدرس في مدرسة المقاصد، وطلب أن يسلم إبراهيم الشلحي رسالة شخصية فأمر الشلحي بالسماح له ليسمع من الشريف ولكن فاجأه برصاص قاتل سقط على إثرها قتيلاً ولم يكن قد غادر بعد مقر رئاسة الوزارة، وبعد الهرج والمرج نزل رئيس الوزراء بسرعة إلى موقع الحادث فوجد ياوره الخاص المقدم عبد السلام الكتاف قد ألجم الشريف وقبض عليه ورأى كذلك الفريق محمود بوقويطين قد شهّر مسدسه يريد قتل الشريف ولكن بتدخل الجميع ألُقي القبض على القاتل.
والسيد بوقويطين من المجاهدين البراعصة القدامى وأحد أبطال معركة قارة عافية (جنوب هون) بقيادة البطل قضوار السهولي الورفلي الذي ظفر في تلك المعركة بالشهادة- هنيئاً له- وقد استبسل بوقويطين فيما بعد مع تلك الكوكبة الليبية ضمن الفيلق الثامن البريطاني في معركة حصار طبرق في الحرب العالمية الثانية.
وبعد ذلك أسرع رئيس الوزراء بن حليم على الفور إلى قصر الغدير حيث مقر إقامة الملك واخبره بما حدث، فكانت فاجعة وقاسمة بكل المعايير للملك الذي لم يتمالك نفسه حزناً على المرحوم إبراهيم وحسرة على عائلته، وحنقاً على القاتل الذي كان على غير متوقع سنوسياً، وكان حينها السيد الصديق الرضا موجود عند الملك، فانسحب بدون تقديم العزاء على الأقل للملك ما حز في نفس الملك كما تناقل البعض فيما بعد، وطلب رئيس الوزراء من الملك أن يرفع الحظر عن الوالي حسين مازق ويرجعه إلى وظيفته وان تعلن حالة الطوارئ في البلاد وان يطلب من السنوسي لطيوش قائد الجيش بأن يرسل بعض من جنده لحراسة بيوت السنوسية في منطقة الفويهات بالمدينة حيث مساكنهم حتى لا يصابوا بأذى، ما فسره السنوسيون بأنه أمر ملكي بالإقامة الجبرية في بيوتهم، ولم يكن رئيس الوزراء على ثقة في الشرطة حينذاك لتقوم بهذه المهمة نظراً لأن الذي كان يرأس قوة دفاع برقة هو نفسه الفريق محمود بوقويطين والذي اصبح طرفاً في المشكلة لأنه كان متزوجاً من زينب ابنة إبراهيم الشلحي وحضر الواقعة الأليمة. ويؤكد بعض السنوسية أن ما حدث لهم لا هذا ولا ذاك، وإنما وضع شرطي أمام كل بيت سنوسي في بنغازي، ولم يمنع أحد من الدخول أو الخروج، ومن ثم طلب في المقابل الملك إدريس من رئيس وزرائه أن يأمر برجوع البوصيري إبراهيم الشلحي على الفور وكان حينها يدرس ببريطانيا، وبعدها نقل جثمان الشلحي ليوارى الثرى في مقبرة سيدي رافع بالبيضاء بحضور الملك والوالي والحكومة كاملة.
وكما هو متواتر عند الجميع أن الملك إدريس فقد السيطرة على حواسه بفقدانه أقرب الناس إليه، فقد بكاه وسكب عليه الدموع كما لم يسكبها على أحد من قبل، وغضب له وأمر بان يعامل كل سنوسي له علاقة بالحادث الأثيم بحزم وشدة مما وسع الهوة بين أقطاب البيت السنوسي.
فرفض أبناء السيد أحمد الشريف التعزية في إبراهيم الشلحي وكذلك السيد الصديق بينما ذهب السيد صفي الدين معزياً في الليلة الأولى والثانية ولكنه تعاطف مع أبناء أخيه السيد أحمد الشريف وبذلك حصل شيء من الاصطفاف والتخندق في البيت السنوسي ومن ثم الحكومة والوطن، فانضم إلى الملك وولي عهده كل من بيت السيد عابد والسيد هلال والأميرات الثلاث أخوات الملك إدريس وفي الطرف المقابل كان أولاد السيد أحمد الشريف كلهم والسيد صفي الدين وأولاده باستثناء ابنه السيد فخري.
سبق وأن أبعد الأمير إدريس السنوسي كل السنوسيين من الوظائف العامة حتى أنه أحال إلى التقاعد كل من السادة بالقاسم أحمد الشريف الذي كان ضابطاً في الجيش ومن ثم متصرفاً لبنغازي ومن بعدها في الداخلية، والصديق عابد الذي كان ضابطاً في الجيش ومن ثم بعد في الشرطة، والسيد الزبير أحمد الشريف الذي كان ناظراً لمدرسة الأبيار ونائبه السيد عبد الله أحمد الشريف، والسيد السنوسي الرضا المهدي نائب ناظر مدرسة البركة، والسيد علي صفي الدين الذي كان المساعد الفني لمدير إدارة التعليم كيرك باتريك (بريطاني الجنسية).. إلخ، بل حتى أن الأمر استفحل بين السيد صفي الدين والملك لدرجة أن السيد صفي الدين غادر الوطن في 1956م لوأد الفتنة ليستقر السيد في السعودية حتى عام 1960م ومن ثم يرجع ليستقر في القاهرة حتى وفاته عام 1967م ليدفن بالجغبوب وهكذا، وقد دفع الملك لهم رواتب من مستحقاته الأميرية ثم الملكية، وقد فعل السيد إدريس ذلك حرصاً بالعائلة ورحمة بهم، وهذا ما رأى فيه من صالح للوطن بالدرجة الأولى وللعائلة حتى لا تسول لهم أنفسهم بالاستئثار أو استغلال غيرهم لهم من خلال الوظائف وتبؤ المناصب التي لا يستحقونها أو تقديماً لهم على من هم أكفأ منهم. وشُحنت الأجواء آنذاك بالشائعات والحساسيات حتى أن منتقدي الملك يقولون بأن الملك أبعد العائلة السنوسية، ولكنه قرب قبيلة البراعصة منه حتى أن أحد أفراد قبيلة العبيدات وصف الملك بأنه أصبح برعصياً.
رجوعاً لمقتل الشلحي، أخذت العدالة مجراها فيما يخص المتهم، فأحيل الشريف محي الدين إلى محكمة الجنايات ببنغازي في 29 نوفمبر 1954م وصدر عليه الحكم بالإعدام في 11 ديسمبر 1954م، واُستأنف الحكم أمام المحكمة العليا الاتحادية ولكن ثُبت من جديد حكم محكمة الجنايات لينفذ فيه حكم الإعدام شنقاً في السجن المركزي بتاريخ 6 فبراير 1955م، ومن جملة من طُلبت شهادتهم رئيس الوزراء مصطفى بن حليم وبالفعل أدلى بشهادته للمحكمة.
في تلك الأثناء يبدو من شهادات العيان أن الملك إدريس فقد رشده من وقت لآخر، حتى أنه طلب من المدعي العام، المستشار محمود القاضي، وكان مصرياً، أن ينفذ حكم الإعدام في موقع الجريمة، أي أمام مقر رئاسة الوزارة وأمام أنظار العالم في خرق صارخ للقانون، فذكر المدعي العام بأن ذلك يتنافى مع القانون وهدد بالاستقالة، وعلل الملك ذلك بأن أولاد الشلحي يريدون أن يروا تنفيذ حكم الإعدام في قاتل أبيهم، وسرعان ما وُجد المخرج القانوني وأُخبر كل من يهمه الأمر بأنه بإمكان عائلة المجني عليه أن يحضروا تنفيذ الحكم، وبالفعل حضروا، وقد اُقتيد الشريف محي الدين ابن الثامنة عشر عاماً إلى غرفة التنفيذ، وقبل أن يستلمه الجلاد قيل أن محمود بوقويطين بصق على الشريف ليتقدم البوصيري ويصفعه، ومن ثم أخذ الجثمان إلى منزل آل الشلحي لتتأكد نسائهم من إعدامه، ثم أُلقيت الجثة تشفياً في موقع الجريمة لمدة نصف ساعة عارية إلا من سرواله الداخلي، ونقلت بعدها لترمى أمام بيت والده السيد محي الدين الشريف في منطقة الفويهات ببنغازي، ويخرج السيد الشيخ الطاعن في السن بغطاء يكفن به القتيل، ويستر عورته وآدميته، ومن ثم إلى مسجد الصحابة ليغسل ويصلى عليه، ويدفن في مقبرة سيدي عبيد على الرغم من أنه طلب أن يدفن في مقبرة سيدي خريبيش قبل إعدامه، وقد ذكر ذلك للشيخ محمد السوداني الذي جئ به ليلقنه بعض الآيات القرآنية قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه في غرفة رقم (7)، وأن يكتب على قبره "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" أو كما ذكر سامي الحكيم في كتابه "هذه ليبيا".
وقبلها أُشيع ونمى إلى مسامع الملك أن السيد إبراهيم أحمد الشريف - سفير ليبيا في القاهرة - أراد تزوير شهادة ميلاد الشريف محي الدين حتى يبدو قاصراً وبالتالي لا ينفذ فيه حكم الإعدام، فما كان من الملك إلا أن يأمر بتنحية السيد إبراهيم من السفارة مع استمرارية راتبه، وقام رئيس الوزراء بذلك حيث كلف د. وهبي البوري بأعمال السفارة وعرض على السيد إبراهيم إما أن يكون سفيراً تحت الطلب أو نبيلاً، ولكنه أبى وثارت ثائرته، فراغ واتهم وسب ولعن في رسالته التي بعثها للملك ...
وفي الآن نفسه يذكر البعض أن السيد محمود بوقويطين كلف عبد الحميد عوض ختال، من قبيلة أولاد علي، باستخراج شهادة ميلاد من مصر تثبت بأن السيد الشريف محي الدين فوق سن الثامنة عشر، وبالتالي يمكن للسلطات التنفيذية أن تنفذ حكم المحكمة إذا ما حكمت عليه بالإعدام.
أراد رئيس الوزراء بعد تشاور مع الملك أن يحتوي الأمر الذي بدأ يتفاقم في البيت السنوسي فبعث كل من السيد العربي وبالقاسم إلى القاهرة لإقناع أخيهما السيد إبراهيم بتهدئة الأوضاع ووأد الفتنة التي بدأت تستشري في برقة والتي بالإمكان أن تعصف بالمملكة والعائلة السنوسية، فالجرم كان بشعاً بمقتل الشلحي ولكن العائلة السنوسية وخاصة أبناء السيد أحمد الشريف كانت لهم مكانة خاصة بين أهالي برقة فانقسم الناس بين مؤيد ومتفرج، ولكن سرعان مع رجعا السيدان العربي وبالقاسم بخفي حنين حيث سمعا في الصباح الباكر في إذاعة مصر بأن السيد إبراهيم الشلحي طلب اللجوء السياسي في مصر منذراً بمزيد من التصعيد.
أصدر الملك أمراً ملكياً بتجريد جميع الألقاب عن أفراد العائلة السنوسية، ويا ليته اكتفى بذلك بل فكر في أول الأمر بنفيهم جميعاً خارج البلاد، ليصدر أمر من الملك بترحيل بعض من آل الشريف إلى مدينتي الزاوية وهون عام 1954م، فيما عُرفوا بالعزاب السبعة، ومن ثم كل جماعة الأبيار كالسادة الزبير والعربي وعبد الله وعائلاتهم إلى جادو في جبل نفوسة لمدة ستة أشهر سنة 1956م، والسيد الصديق الرضا وابني السيد إبراهيم، كامل وفتحي، إلى يفرن، والسيد شمس الدين الخطابي وبعض من أولاد السيد صفي الدين إلى زوارة لمدة ستة أشهر، بينما أطول مدة نفي كانت تلك التي قضاها السيد الصديق الرضا لمدة سنتين، ليرجعوا بعدها إلى بنغازي ويبقوا رهن الإقامة الجبرية في بيوتهم لمدة سنتين أخريين، وقد فصل السيد أحمد الزبير من الكلية العسكرية التي كان يدرس بها في بغداد ليبقى هناك ويعين بعد تخرجه ضابطاً مؤقتاً في الجيش العراقي حتى مرجعه إلى ليبيا في منتصف الستينيات، كما أوقف البعض الآخر عن الدراسة كالسيد راشد الزبير الذي عُطل عن الدراسة لمدة سنتين ونفي حيث نفي مع العائلة إلى جادو حيث عانوا الكثير هناك وقد نظم قصيدة رائعة اسماها جادو، بعدما زار المكان بـ 42 سنة، وقد ساهم في ذلك كثير من المسؤولين بإقرارهم أماني الملك كوالي طرابلس الذي قال للملك اعطني إياهم وسأقوم بالواجب، وقد حاول البعض لجم شهوة الملك من الانتقام والتشفي مدفوعاً من بيت الشلحي وشيعتهم ومن بين من تصدى للملك حسين مازق ومصطفى بن حليم، ولكنه أخبرهما أن لا دخل لهما، فهذه عائلته وهو حر في أن يفعل فيهم ما يراه مناسباً، ولكنه ذُكر الملك بأنه طبقاً للمرسوم الملكي أن عائلته تتكون من شخصه والملكة فاطمة وولي العهد وحرمه، أما بقية السنوسيين فهم مواطنون يكفل الدستور حقوقهم على حسب ما ذكرا لي.
وقد بلغ الأذى بأبناء السيد أحمد الشريف وأحفاده وأبناء عمومتهم من البيت السنوسي درجة أصبحت من الاضطهاد المر الذي لا يطاق، حتى انطبق عليهم قول الشاعر في رثائه لآل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام وما لقوه من ظلم على أيدي بني أمية ومن بعدهم أبناء عمومتهم، بنو العباس، الذين مُكن لهم بمظلومية آل البيت، فقال أبي فراس الحمداني:
ومن عجائب تاريخنا أن مقتل رجل واحد، لا يتمتع بثقل قبلي أو اجتماعي، يعصف بالبلد وأهله، وكان من أولئك الرجال إبراهيم الشلحي الذي كان أثيراً لدي السيد إدريس السنوسي حيث عكف منذ زمن على خدمة الأخير بإخلاص متفان، منقطع النظير، وكان بمثابة الابن البار في ظل أباه، يوقظه في الصباح، يقدم له الأكل ويتذوقه قبله حتى يتأكد بأنه خال من كل ما هو مضر، ويشرف على راحته حتى يهجع السيد إلى نومه، حتى غدا السيد إدريس أذن صاغية لكل ما يأتي به الشلحي ولا يُرد له طلباً لما وجد فيه من ثقة مفرطة وكانت في محلها، وإخلاص وصدق وبعد نظر وأمانة مطلقة، رافق المرحوم الشلحي السيد في حله وترحاله، ولعل أشهرها تلك الرحلة إلى روما في ديسمبر عام 1920م، وكان يتوسط الركب الأميري الذي مثل الوفد البرقاوي في ثلة من المقربين كالشارف الغرياني، عمر الكيخيا، وعلي العابدية، ومحمد الساقزلي، وأحميدة المحجوب، وعبد القادر فركاش أيضاً.
سبق وأن خدم إبراهيم الشلحي السيد أحمد الشريف وقد أثنى السيد أحمد على الشلحي بما هو أهله، أما بداية قصة إبراهيم الشلحي مع السيد إدريس ينقلها محمد الطيب الأشهب - وكان أحد محبيه - نقلاً عن السيد إدريس نفسه فيكتب: "عندما اعتزمت (أي إدريس) التحول من السلوم إلى برقة طلبت من السيد أحمد الشريف تزويدي بشخص يحوز ثقتي لأوليه أوراقي الخاصة، فدلني على إبراهيم الشلحي قائلاً: بأنه من عائلة طيبة وشجاع وأمين على الأسرار، فأخذته وفعلاً وجدته عند ظن السيد أحمد الشريف، وكان على جانب من التدين والاستقامة والوطنية النزيهة. لقد خبرته في وطنه وفي المهجر وخلال الظروف القاسية فكان نعم الإبن البار والأخ المختار والعون على الشدائد في كل الأطوار، وبحق فأقل ما يقال فيه عندما تعد الرجال الذين يفخر بهم وطنهم فهو منهم..." ثمة إجماع بين وجهاء الوطن على نزاهة السيد إبراهيم الشلحي وصدقه ووطنيته على الرغم من سوء الصيت الذي تمخض فيما بعد وأُلحق إجحافاً بالعائلة لسوء تصرف بعض الأبناء.
سبق وأن تناقل الليبيون في المهجر بمصر بعد لجوء السيد إدريس إليها أن الشلحي كان قد تورط بطريقة أو أخرى - وبالطبع لم تثبت - في مقتل رجل كان ينافسه في الحظوة عند السيد ويدعى بو سرويل وهو من قبيلة البراعصة، والأنكى من ذلك أنه وصل الشلحي أن من كان وراء هذه الإشاعات هم أولاد السيد أحمد الشريف والسيد الصديق محمد الرضا المهدي - وهذا أيضاً لم يثبت - مما تولدت عنه حساسيات بين الفريقين ولعل تصرفات الشلحي أومأت لآل أحمد الشريف بأنه يتصرف وكأنه يريد إقصائهم عن ابن عمهم وزوج أختهم السيدة فاطمة.
والبعض يُرجع الخلاف إلى صراعٍ مزعومٍ في داخل البيت السنوسي على قيادة الطريقة ومن ثم الحركة السنوسية بعد تخلي السيد أحمد الشريف للسيد إدريس عن إمامة الطريقة السنوسية وقيادة حركتها سنة 1918م والتي بموجبها غادر السيد أحمد البلاد متجهاً إلى تركيا تاركاً البلاد والعباد في عنق "الوريث الشرعي للسنوسية" ابن عمه الأمير إدريس شريطة أن يكون خليفته السيد العربي، النجل الثاني للسيد أحمد الشريف، وقد تم ذلك الاتفاق بتوثيقه وكتابته على ظهر نسخة من القرآن الكريم حتى لا تكون عرضة للضياع أو المصادرة، وعلل البعض بأن الخلافة أو الوراثة كانت في السنوسية وليست في حكم ليبيا مما أدى إلى تفاقم الأمر بطبيعة الحال بعد رجوع الجميع إلى ليبيا وبعدما تم تحريرها من المستعمر الإيطالي بانتهاء الحرب العالمية الثانية التي تكبدت وتجرعت فيها قوات إيطاليا كأس الذل والمرارة وأصبح الليبيون إلى حد ما أسياد أمرهم برعاية بريطانية.
وبعد استقلال 1951م وتأسيس الحكومات المتوالية وتحديداً إبان حكومة السيد مصطفى بن حليم، كان قد وصل البلاد في تلك الأثناء الكونت الإيطالي مارزوتي وسبق وأن ملَك من الأراضي والأملاك إبان استعمار بلده الكثير وخاصة في منطقة المرج، فجاء الرجل في يخته الخاص ووصل بنغازي ويبدو أن ذلك كان مرتباً بطريقة أو أخرى مع رجل الأعمال السنوسي - السيد عبد الله عابد – والذي بدوره اقنع والي برقة السيد حسن مازق بأن يكون من جملة من يستقبلون الرجل وإن القصر على علم من خلال إبراهيم الشلحي - أي الملك إدريس لم يرى ضيراً ولا ممانعة في ذلك - وبالفعل قابل السيد حسين مازق مارزوتي وسمح له التجول في ربوع برقة وعندما سمعت قبائل منطقة المرج بوصول المستعمر مارزوتي إلى أراضيها أسرعت وبقيادة السيد الصديق الرضا الذي كان يملك مزرعة هناك بالاحتجاج إلى الملك إدريس الذي غضب ووضع عبد الله عابد تحت الإقامة الجبرية وجمد عمل السيد حسن مازق بسحب جميع صلاحياته منه كوالياً لبرقة في غياب من ينوب عنه في خرق وفوضى إدارية في ولاية برقة حيث مركز القوى في البلد، وكذلك طُرد الكونت مارزوتي بإبعاده من البلاد.
تأزم إذن الأمر بين الملك من جهة والوالي والبيت السنوسي من جهة أخرى مما انعكس سلباً على الحكومة برئاسة مصطفى بن حليم، وقد كان رئيس الحكومة – كما اخبرني – يحاول بطريقة أو أخرى ليرى الملك عبر ناظر خاصته إبراهيم الشلحي لحل الإشكال، ولكن عبر له الشلحي عن امتعاضه الشخصي لانحصار نفوذه عند الملك شخصياً حيث إنه لم يبقى يستمع إليه كما كان سابقاً وأنه زهد في كل ما حوله من ملك وحكم.
وفي يوم 5 أكتوبر 1954م طلب رئيس الوزراء بن حليم من إبراهيم الشلحي أن يأتي لمكتبه للتشاور في أمور الدولة ومنها كيفية فض مشكلة الوالي - حسين مازق - إثر زيارة الكونت مارزوتي، وبالفعل وصل إبراهيم الشلحي إلى مقر رئاسة الحكومة، حيث ما يعرف في بنغازي بالمجمع الحكومي (العمارات الثلاث) قبالة موقف السيارات الذي كان في الأصل مقر مجلس النواب سابقاً، وبعدما أنهى إبراهيم الشلحي لقائه ومع رئيس الوزراء وركب سيارته أوقفه الشاب الشريف محي الدين أحمد الشريف الذي رجع لتوه من بيروت حيث كان يدرس في مدرسة المقاصد، وطلب أن يسلم إبراهيم الشلحي رسالة شخصية فأمر الشلحي بالسماح له ليسمع من الشريف ولكن فاجأه برصاص قاتل سقط على إثرها قتيلاً ولم يكن قد غادر بعد مقر رئاسة الوزارة، وبعد الهرج والمرج نزل رئيس الوزراء بسرعة إلى موقع الحادث فوجد ياوره الخاص المقدم عبد السلام الكتاف قد ألجم الشريف وقبض عليه ورأى كذلك الفريق محمود بوقويطين قد شهّر مسدسه يريد قتل الشريف ولكن بتدخل الجميع ألُقي القبض على القاتل.
والسيد بوقويطين من المجاهدين البراعصة القدامى وأحد أبطال معركة قارة عافية (جنوب هون) بقيادة البطل قضوار السهولي الورفلي الذي ظفر في تلك المعركة بالشهادة- هنيئاً له- وقد استبسل بوقويطين فيما بعد مع تلك الكوكبة الليبية ضمن الفيلق الثامن البريطاني في معركة حصار طبرق في الحرب العالمية الثانية.
وبعد ذلك أسرع رئيس الوزراء بن حليم على الفور إلى قصر الغدير حيث مقر إقامة الملك واخبره بما حدث، فكانت فاجعة وقاسمة بكل المعايير للملك الذي لم يتمالك نفسه حزناً على المرحوم إبراهيم وحسرة على عائلته، وحنقاً على القاتل الذي كان على غير متوقع سنوسياً، وكان حينها السيد الصديق الرضا موجود عند الملك، فانسحب بدون تقديم العزاء على الأقل للملك ما حز في نفس الملك كما تناقل البعض فيما بعد، وطلب رئيس الوزراء من الملك أن يرفع الحظر عن الوالي حسين مازق ويرجعه إلى وظيفته وان تعلن حالة الطوارئ في البلاد وان يطلب من السنوسي لطيوش قائد الجيش بأن يرسل بعض من جنده لحراسة بيوت السنوسية في منطقة الفويهات بالمدينة حيث مساكنهم حتى لا يصابوا بأذى، ما فسره السنوسيون بأنه أمر ملكي بالإقامة الجبرية في بيوتهم، ولم يكن رئيس الوزراء على ثقة في الشرطة حينذاك لتقوم بهذه المهمة نظراً لأن الذي كان يرأس قوة دفاع برقة هو نفسه الفريق محمود بوقويطين والذي اصبح طرفاً في المشكلة لأنه كان متزوجاً من زينب ابنة إبراهيم الشلحي وحضر الواقعة الأليمة. ويؤكد بعض السنوسية أن ما حدث لهم لا هذا ولا ذاك، وإنما وضع شرطي أمام كل بيت سنوسي في بنغازي، ولم يمنع أحد من الدخول أو الخروج، ومن ثم طلب في المقابل الملك إدريس من رئيس وزرائه أن يأمر برجوع البوصيري إبراهيم الشلحي على الفور وكان حينها يدرس ببريطانيا، وبعدها نقل جثمان الشلحي ليوارى الثرى في مقبرة سيدي رافع بالبيضاء بحضور الملك والوالي والحكومة كاملة.
وكما هو متواتر عند الجميع أن الملك إدريس فقد السيطرة على حواسه بفقدانه أقرب الناس إليه، فقد بكاه وسكب عليه الدموع كما لم يسكبها على أحد من قبل، وغضب له وأمر بان يعامل كل سنوسي له علاقة بالحادث الأثيم بحزم وشدة مما وسع الهوة بين أقطاب البيت السنوسي.
فرفض أبناء السيد أحمد الشريف التعزية في إبراهيم الشلحي وكذلك السيد الصديق بينما ذهب السيد صفي الدين معزياً في الليلة الأولى والثانية ولكنه تعاطف مع أبناء أخيه السيد أحمد الشريف وبذلك حصل شيء من الاصطفاف والتخندق في البيت السنوسي ومن ثم الحكومة والوطن، فانضم إلى الملك وولي عهده كل من بيت السيد عابد والسيد هلال والأميرات الثلاث أخوات الملك إدريس وفي الطرف المقابل كان أولاد السيد أحمد الشريف كلهم والسيد صفي الدين وأولاده باستثناء ابنه السيد فخري.
سبق وأن أبعد الأمير إدريس السنوسي كل السنوسيين من الوظائف العامة حتى أنه أحال إلى التقاعد كل من السادة بالقاسم أحمد الشريف الذي كان ضابطاً في الجيش ومن ثم متصرفاً لبنغازي ومن بعدها في الداخلية، والصديق عابد الذي كان ضابطاً في الجيش ومن ثم بعد في الشرطة، والسيد الزبير أحمد الشريف الذي كان ناظراً لمدرسة الأبيار ونائبه السيد عبد الله أحمد الشريف، والسيد السنوسي الرضا المهدي نائب ناظر مدرسة البركة، والسيد علي صفي الدين الذي كان المساعد الفني لمدير إدارة التعليم كيرك باتريك (بريطاني الجنسية).. إلخ، بل حتى أن الأمر استفحل بين السيد صفي الدين والملك لدرجة أن السيد صفي الدين غادر الوطن في 1956م لوأد الفتنة ليستقر السيد في السعودية حتى عام 1960م ومن ثم يرجع ليستقر في القاهرة حتى وفاته عام 1967م ليدفن بالجغبوب وهكذا، وقد دفع الملك لهم رواتب من مستحقاته الأميرية ثم الملكية، وقد فعل السيد إدريس ذلك حرصاً بالعائلة ورحمة بهم، وهذا ما رأى فيه من صالح للوطن بالدرجة الأولى وللعائلة حتى لا تسول لهم أنفسهم بالاستئثار أو استغلال غيرهم لهم من خلال الوظائف وتبؤ المناصب التي لا يستحقونها أو تقديماً لهم على من هم أكفأ منهم. وشُحنت الأجواء آنذاك بالشائعات والحساسيات حتى أن منتقدي الملك يقولون بأن الملك أبعد العائلة السنوسية، ولكنه قرب قبيلة البراعصة منه حتى أن أحد أفراد قبيلة العبيدات وصف الملك بأنه أصبح برعصياً.
رجوعاً لمقتل الشلحي، أخذت العدالة مجراها فيما يخص المتهم، فأحيل الشريف محي الدين إلى محكمة الجنايات ببنغازي في 29 نوفمبر 1954م وصدر عليه الحكم بالإعدام في 11 ديسمبر 1954م، واُستأنف الحكم أمام المحكمة العليا الاتحادية ولكن ثُبت من جديد حكم محكمة الجنايات لينفذ فيه حكم الإعدام شنقاً في السجن المركزي بتاريخ 6 فبراير 1955م، ومن جملة من طُلبت شهادتهم رئيس الوزراء مصطفى بن حليم وبالفعل أدلى بشهادته للمحكمة.
في تلك الأثناء يبدو من شهادات العيان أن الملك إدريس فقد رشده من وقت لآخر، حتى أنه طلب من المدعي العام، المستشار محمود القاضي، وكان مصرياً، أن ينفذ حكم الإعدام في موقع الجريمة، أي أمام مقر رئاسة الوزارة وأمام أنظار العالم في خرق صارخ للقانون، فذكر المدعي العام بأن ذلك يتنافى مع القانون وهدد بالاستقالة، وعلل الملك ذلك بأن أولاد الشلحي يريدون أن يروا تنفيذ حكم الإعدام في قاتل أبيهم، وسرعان ما وُجد المخرج القانوني وأُخبر كل من يهمه الأمر بأنه بإمكان عائلة المجني عليه أن يحضروا تنفيذ الحكم، وبالفعل حضروا، وقد اُقتيد الشريف محي الدين ابن الثامنة عشر عاماً إلى غرفة التنفيذ، وقبل أن يستلمه الجلاد قيل أن محمود بوقويطين بصق على الشريف ليتقدم البوصيري ويصفعه، ومن ثم أخذ الجثمان إلى منزل آل الشلحي لتتأكد نسائهم من إعدامه، ثم أُلقيت الجثة تشفياً في موقع الجريمة لمدة نصف ساعة عارية إلا من سرواله الداخلي، ونقلت بعدها لترمى أمام بيت والده السيد محي الدين الشريف في منطقة الفويهات ببنغازي، ويخرج السيد الشيخ الطاعن في السن بغطاء يكفن به القتيل، ويستر عورته وآدميته، ومن ثم إلى مسجد الصحابة ليغسل ويصلى عليه، ويدفن في مقبرة سيدي عبيد على الرغم من أنه طلب أن يدفن في مقبرة سيدي خريبيش قبل إعدامه، وقد ذكر ذلك للشيخ محمد السوداني الذي جئ به ليلقنه بعض الآيات القرآنية قبل تنفيذ حكم الإعدام فيه في غرفة رقم (7)، وأن يكتب على قبره "إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها" أو كما ذكر سامي الحكيم في كتابه "هذه ليبيا".
وقبلها أُشيع ونمى إلى مسامع الملك أن السيد إبراهيم أحمد الشريف - سفير ليبيا في القاهرة - أراد تزوير شهادة ميلاد الشريف محي الدين حتى يبدو قاصراً وبالتالي لا ينفذ فيه حكم الإعدام، فما كان من الملك إلا أن يأمر بتنحية السيد إبراهيم من السفارة مع استمرارية راتبه، وقام رئيس الوزراء بذلك حيث كلف د. وهبي البوري بأعمال السفارة وعرض على السيد إبراهيم إما أن يكون سفيراً تحت الطلب أو نبيلاً، ولكنه أبى وثارت ثائرته، فراغ واتهم وسب ولعن في رسالته التي بعثها للملك ...
وفي الآن نفسه يذكر البعض أن السيد محمود بوقويطين كلف عبد الحميد عوض ختال، من قبيلة أولاد علي، باستخراج شهادة ميلاد من مصر تثبت بأن السيد الشريف محي الدين فوق سن الثامنة عشر، وبالتالي يمكن للسلطات التنفيذية أن تنفذ حكم المحكمة إذا ما حكمت عليه بالإعدام.
أراد رئيس الوزراء بعد تشاور مع الملك أن يحتوي الأمر الذي بدأ يتفاقم في البيت السنوسي فبعث كل من السيد العربي وبالقاسم إلى القاهرة لإقناع أخيهما السيد إبراهيم بتهدئة الأوضاع ووأد الفتنة التي بدأت تستشري في برقة والتي بالإمكان أن تعصف بالمملكة والعائلة السنوسية، فالجرم كان بشعاً بمقتل الشلحي ولكن العائلة السنوسية وخاصة أبناء السيد أحمد الشريف كانت لهم مكانة خاصة بين أهالي برقة فانقسم الناس بين مؤيد ومتفرج، ولكن سرعان مع رجعا السيدان العربي وبالقاسم بخفي حنين حيث سمعا في الصباح الباكر في إذاعة مصر بأن السيد إبراهيم الشلحي طلب اللجوء السياسي في مصر منذراً بمزيد من التصعيد.
أصدر الملك أمراً ملكياً بتجريد جميع الألقاب عن أفراد العائلة السنوسية، ويا ليته اكتفى بذلك بل فكر في أول الأمر بنفيهم جميعاً خارج البلاد، ليصدر أمر من الملك بترحيل بعض من آل الشريف إلى مدينتي الزاوية وهون عام 1954م، فيما عُرفوا بالعزاب السبعة، ومن ثم كل جماعة الأبيار كالسادة الزبير والعربي وعبد الله وعائلاتهم إلى جادو في جبل نفوسة لمدة ستة أشهر سنة 1956م، والسيد الصديق الرضا وابني السيد إبراهيم، كامل وفتحي، إلى يفرن، والسيد شمس الدين الخطابي وبعض من أولاد السيد صفي الدين إلى زوارة لمدة ستة أشهر، بينما أطول مدة نفي كانت تلك التي قضاها السيد الصديق الرضا لمدة سنتين، ليرجعوا بعدها إلى بنغازي ويبقوا رهن الإقامة الجبرية في بيوتهم لمدة سنتين أخريين، وقد فصل السيد أحمد الزبير من الكلية العسكرية التي كان يدرس بها في بغداد ليبقى هناك ويعين بعد تخرجه ضابطاً مؤقتاً في الجيش العراقي حتى مرجعه إلى ليبيا في منتصف الستينيات، كما أوقف البعض الآخر عن الدراسة كالسيد راشد الزبير الذي عُطل عن الدراسة لمدة سنتين ونفي حيث نفي مع العائلة إلى جادو حيث عانوا الكثير هناك وقد نظم قصيدة رائعة اسماها جادو، بعدما زار المكان بـ 42 سنة، وقد ساهم في ذلك كثير من المسؤولين بإقرارهم أماني الملك كوالي طرابلس الذي قال للملك اعطني إياهم وسأقوم بالواجب، وقد حاول البعض لجم شهوة الملك من الانتقام والتشفي مدفوعاً من بيت الشلحي وشيعتهم ومن بين من تصدى للملك حسين مازق ومصطفى بن حليم، ولكنه أخبرهما أن لا دخل لهما، فهذه عائلته وهو حر في أن يفعل فيهم ما يراه مناسباً، ولكنه ذُكر الملك بأنه طبقاً للمرسوم الملكي أن عائلته تتكون من شخصه والملكة فاطمة وولي العهد وحرمه، أما بقية السنوسيين فهم مواطنون يكفل الدستور حقوقهم على حسب ما ذكرا لي.
وقد بلغ الأذى بأبناء السيد أحمد الشريف وأحفاده وأبناء عمومتهم من البيت السنوسي درجة أصبحت من الاضطهاد المر الذي لا يطاق، حتى انطبق عليهم قول الشاعر في رثائه لآل بيت الرسول عليه الصلاة والسلام وما لقوه من ظلم على أيدي بني أمية ومن بعدهم أبناء عمومتهم، بنو العباس، الذين مُكن لهم بمظلومية آل البيت، فقال أبي فراس الحمداني:
تالله ما فعلـت أمـية فيهم معشـار ما فعلت بنو العباس
وقال آخر، وهو أبو عطاء، أفلح بن يسار الندي، من مخضرمي الدولتين: الأموية والعباسية، قال في زمن السفاح:
يا ليت جور بني مروان دام لنا وليت عدل بني العباس في النار
وخير دليل على الظلم الذي أصاب آل الشريف ما دبجه السادة المظلومين في رسالة صراخ وأنين بعثوا بها إلى كل من رئيس مجلس الشيوخ ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة العليا، ووقع عليها كل من محي الدين والعربي والزبير وعبد الله، أبناء السيد أحمد الشريف، وكذلك شمس الدين والسنوسي الرضا، واقتبس منها:
" .. نحن لا نرى لمثل هذه الأعمال ما يبررها سوى أنها مخالفة صريحة لنص الدستور وروحه، وما يمنحه لكل فرد من حقوق وواجبات، ذلك الدستور الوضعي الذي أقسم هؤلاء الحكام على المحافظة عليه وناهيك بالدستور السماوي الذي حرم ظلم المسلم للمسلم ، نحن في قلق عظيم وفزع مستمر، لذلك نحتج إليكم احتجاجاً صارخاً على حصار حريتنا وترويع صغارنا ونسائنا ومرضانا والتنكيل بنا وسد سبل العيش في وجوهنا. فلماذا لم نقدم للعدالة إن كنا مذنبين؟ وأظنكم تشعرون كما أوضحنا لكم أن أعمال هؤلاء الحكام قد تجاوزت حد المعقول وأننا أيها السادة إذ نكتب إليكم هذا مازلنا نعتقد أنكم السلطة التشريعية والقضائية العليا في البلاد تملكون التصرف بما يمليه عليكم واجبكم وأمانتكم التي اؤتمنتم عليها، وأن التاريخ لا يرحم ولا يحابي، والتاريخ خير شاهد وخير حكم. وليعلم السادة أن هذه العائلة تضم أطفالاً في المهد والنساء الحوامل وعجائز بلغوا من الكبر عتياً، وشيوخاً مرضى يرهقهم القيام والقعود، كما تضم شباباً في جميع مراحل التعليم، فمن المسؤول يا ترى عما يصيب هؤلاء من خسائر معنوية ومادية في الأموال والأرواح، وكيف يكون مصير هؤلاء الأبرياء؟"
وتستمر تداعيات مقتل الشلحي ليهجر الملك بنغازي التي نُصب فيها أميراً وملكاً للبلاد والعباد لاشمئزازه منها، كيف لا وهي المدينة التي عصت على العثمانيين، والإيطاليين، والمتحاربين من قوات الحلفاء والمحور الأوربية من قبله، وشهدت بلاء الإنجليز والألمان في أكثر من ألف غارة جوية مدمرة عليها، وهي المدينة العصية التي صرخ وندد فيها شباب جمعية عمر المختار ضد الجهوية في وجه السيد الأمير عندما أعلن فيها استقلال برقة مطالبين باستقلال ليبيا وليس برقة فقط، وهي الحاضنة التي سوف يخرج أبنائها في 13 و14 يناير عام 1964م ليسقط منهم الشهداء الذين عُرفوا فيما بعد بشهداء يناير، ولكن بالنسبة للملك هي المدينة التي قتل فيها ناظر خاصته الملكية، ولم تخرج في احتجاج لذلك الحدث الجلل، لينتقل هاجراً إياها إلى مدينة طبرق التي وجد فيها الاستشفاء الأفضل لصحته ومزاجه من بنغازي وأخلاطها، وتتداعى الأحداث لتطيح بالكثير ممن لوحظ عليهم، على الأقل، عدم انزعاجهم من الجريمة، فيستبعد محمد عمر المختار من مركزه كمديراً على قبائل المرج ويجمد راتبه، واخبرني الحاج محمد بأن حسين مازق، والي برقة، علم بذلك فاستدعاه وخصص له راتباً أعلى من الراتب الذي كان يتقاضاه كمدير لناحية المرج، أما عن سبب عزله فقال:
كان بسبب عدم تعزيته أو حضوره الشخصي للجنازة في مدينة البيضاء على الرغم من أنه لم يكن من شيء بينه وبين آل الشلحي وإنما عدم اكتراث منه بالحدث ما كلفه الوظيفة أو كما يقول الحاج محمد ابن الشهيد عمر المختار ، في حين يشير البعض الآخر أيضاً إلى مشاكل تفاقمت في منطقة المرج بين رجال القبائل هناك كان الحاج محمد المختار أحد محاورها وضحاياها.
أما عمر باشا الكيخيا، رئيس مجلس الشيوخ، وخدين السيد إدريس، أميراً وملكاً، في السراء والضراء، وخاصة في الحقبة التي سبقت الاستقلال، فقد كان لعمر باشا موقفاً غير مساند للحكومة ومعارضاً لتوجهات الملك في التوقيع على معاهدة تتحصل أمريكا بموجبها على قاعدة تتمركز فيها قواتها العسكرية في البلد. ولكن الذي قصم ظهر البعير أن عمر باشا لم يحضر جنازة الشلحي، وقيل عندما قدم تعازيه للملك لم تكن المفردات لائقة بالفقيد حيث قال للملك: نعزيكم في خادمكم. فكان لهذه وعدم موافقته على اتفاقية القواعد الأمريكية الحجة والحافز اللتين طال انتظارهما ليصدر الملك مرسوماً يعفي فيه عمر الباشا من منصبه ليخلفه باشا آخر وهو علي العابدية في رئاسة مجلس الشيوخ.
وتتأجج نار الفتنة خاصة بعد دخول أطراف غير سنوسية في المشكلة كحادثة صالح بويصير وقصة الرسالة المزورة إلى ملكة بريطانيا نيابة عن الملكة فاطمة لالتماس العفو للجاني، وخير من يخبرنا عن تلك الحقبة العاصفة ابن الشهيد صالح بويصير، فقد كتب محمد بويصير:
" .. استمرت موجة الانتقام من كل من وقف مع الشريف محي الدين.. فتم ترحيل المحامي الأستاذ فهيم الخير الذي حضر مع الشريف جلسات التحقيق الأولى قادماً من مصر في 11 نوفمبر 1954م، ثم اُلتفت إلى المحامي سالم الأطرش، والذي تولى الدفاع عنه طوال المحاكمة ليقدم إلى محاكمة أخرى بتهمة مزورة وحكم عليه بالسجن ستة اشهر، خفضت بعد الطعن إلى الإيقاف عن العمل لمدة شهر.
جاء بعد ذلك دور صالح بويصير - نائب رئيس مجلس النواب – المعارض للمعاهدات والفساد المالي الذي كان تحالف "الشلحي وبن حليم وعبد الله عابد" تجسيداً له كما يشير مجيد خدوري في كتابة حين يصفهم بالثلاثي.. خاصة بعد رفضه منصباً وزارياً عرضه عليه بن حليم يوم 2 أكتوبر 1954م كما يقول خدوري وجون رايت، والذي قرر منذ اللحظة الأولى للحادثة الوقوف إلى جانب الشريف والأسرة المنكوبة، وقد حاول صالح كل شيء لإنقاذ الشريف محي الدين، وقد أشير لأول مرة إلى محاولة لتهريبه رتبت مع الأخوين الشيخين "حويظيها وعبد السلام حفالش بوحشيشه" من قبيلة "القبايل" في إجدابيا، ولم تنجح لإلغاء الحكومة نقله إلى طرابلس لحضور جلسات القضية أمام المحكمة العليا. كما أحضر له شهادات مرضية وأطباء من بيروت والقاهرة لتخفيف الحكم وإنقاذه من حبل المشنقة، وكذلك شهادة ميلاد من مرسى مطروح لاعتباره تحت السن القانونية، كما اتصل بـ مكرم عبيد - المحامي المصري الكبير - للحضور للمشاركة في الدفاع عنه إلا أن الحكومة رفضت ذلك. ولم يتغيب عن مواساة الأسرة المنكوبة ولو ليوم واحد.
وللانتقام ذهب بن حليم وفي يده شخص يدعى مروان عفيفي، فلسطيني الجنسية، يعمل في السفارة الأمريكية في طرابلس لتقديم بلاغ للأستاذ محمود القاضي رئيس النيابة العامة بأن صالح بويصير قد طلب من مروان ترجمة رسالة موجهة من الملكة فاطمة إلى الملكة اليزابيث الثانية مضمونها طلب لتتدخل ملكة بريطانيا لدى الملك إدريس لتخفيف الحكم على الشريف محي الدين (ابن شقيق الملكة) من الإعدام إلى السجن، وأن المدعو مروان قد قام أيضاً بطبع الرسالة على إحدى أوراق القصر الملكي، وأنه قد لاحظ عليها ختم الملكة فاطمة (ابنة السيد أحمد الشريف). وعندما قرر السيد القاضي حفظ الشكوى باعتبارها تفتقر إلى القرائن والأدلة وتستند فقط إلى أقوال مروان ، استصدر السيد بن حليم قراراً بسحب جواز السفر الخاص بصالح، وأمر شوقي سعد رئيس المباحث (الفلسطيني أيضاً) بمهاجمة بيت صالح بويصير بطرابلس فجر يوم 7 يوليو 1955م، بعد أن قام بمحاصرته منذ غروب شمس اليوم السابق. وبالفعل داهم شوقي عند الساعة الثالثة صباحاً بقوة من الشرطة السرية إلا أن صالح كان وقتها في تونس فقد اخترق حصار الشرطة متنكراً في ملابس تقليدية لامرأة ليبية ومستعملاً جواز سفر زوجته (لمعان الصادق حسين كويري) في الخروج من مطار طرابلس مستنداً إلى كون جوازات سفر النساء وقتها وحتى هذه الحادثة كانت بدون صورة شخصية. وفي صبيحة اليوم التالي صدر قرار بوضع صالح بويصير تحت الحراسة، كما وضعت الأسرة المكونة من زوجه وطفلين أكبرهما عمره عامان (محمد) رهن الإقامة الجبرية بالبيت، وعينت قوة من الشرطة للحراسة، أي نساء داخل البيت ورجال من حوله، كما قُدمت السيدة بديعة فليفله - عمة زوجة صالح - والتي كانت قد رافقته إلى المطار إلى محكمة الجنايات بطرابلس بتهمة مساعدته على الهرب.
ولكن ليبيا وكعادتها لا تخلو من رجال قرروا الوقوف مع الأسرة الأسيرة، فتولى الأستاذ علي الديب وبدون مقابل الدفاع عن السيدة بديعة حتى شطبت القضية، ومثله تولى سالم الأطرش دعوى رفع الحراسة الأمر الذي تحقق بعد ذلك بثلاث سنوات عام 1958م، كما قامت النيابة العامة بسحب الشرطة النسائية التي عينها بن حليم عندما علمت بوجودها، ومن الجدير بالذكر أنه طول مدة التقاضي لم يحدث ولو مرة واحدة أن ذكر موضوع الرسالة المزعومة (رسالة الملكة فاطمة إلى الملكة اليزابيث) في ساحة القضاء، لذا فإن الموضوع لم يكن حكم قضائي أو رسالة مزورة، ولكنه الانتقام الأعمى لسلطان جريح.
ثم لماذا لا ننتهز هذه الفرصة لنتوجه لكل من عناه موضوع هذه الرسالة، وفي مقدمتهم السيدة الفاضلة (فاطمة) جلالة الملكة السابقة، التي اكن لها كل الاحترام، ليدلون بشهادتهم في موضوع هذه الرسالة، فهذه أمانات أودعها التاريخ لدى أشخاص، ولكنها ملك للشعب." .. يتساءل محمد صالح بويصير ؟.
ويستمر التنكيل بآل بويصير أسوة بآل الشريف، ولكن هذه المرة يأتي دور القبيلة التي ينتمي إليها صالح بويصير، فيتبرع ويضطر البعض من أبناء قبيلة العواقير التي ينتمي إليها صالح بويصير بالتبرؤ منه، ومن فعلته المزعومة، ولكن الشيخ عبد الحميد العبار يقف كما عودنا ثقلاً لا يتزعزع، ويرفض هكذا تبرؤ من صالح بويصير لأنه شخصياً يميل إلى آل الشريف وله من الولاء للسيد إدريس ما يحول من تسرب الوشاة بينهما، إلى جانب رصيده الجهادي مع السيد أحمد الشريف وعمر المختار إلى تنصيب السيد إدريس أميراً لبرقة وملكاً لليبيا.
الجدير بالذكر أن بعض السنوسيين يرون أن القصة لم تدرس دراسة منصفة محايدة، وأن الخلاف مع أي من كان لا يبرر قتله سيما أن ذاك مخالفاً للسنوسية وتعاليمها، ولكن اتسع الخرق على الراقع، وضُخم الأمر، وسُطحت الأسباب لدرجة الإجحاف، ويؤكد السنوسيون في هذا الصدد على أن ما قام به الشريف محي الدين كان عملاً فردياً لا علاقة للعائلة به من قريب أو بعيد، بل أكد لي البعض بأن الشريف سبق وأن درس في بيروت التي كان فيها التيار القومي في تصاعد وخاصة بعد نكبة فلسطين وقد تأثر بتلك الأفكار وتبنى أيديولوجية العنف التي تقر التصفية الجسدية كمنهج لكل من له علاقة بالنكبة، وقد دفع عدد من الزعامات أرواحهم ثمناً لذلك كعاهل الأردن الملك عبد الله ورياض الصلح في لبنان والمستشار أحمد خازندار في مصر ومن ثم المرحوم إبراهيم الشلحي في ليبيا، وإن الجميع قد تجاوز ذلك الماضي، والآن يتقابل ما بقي من آل الشلحي مع آل الشريف بلا حساسيات أو حزازيات، حتى أن العقيد عبد العزيز الشلحي والسيد راشد الزبير تزاملا في زنزانة عندما سجنا بعد الثورة، وكان ما كان بين المبتليين من مودة وأخوة لتجاوز المحنة ما أعان الجميع على تجاوز تلك الأيام، وأسس لعلاقة أكثر تسامحا.
أما الملك إدريس فقد بعث طالباً السماح والصفح عندما استقر به المقام في مصر بعد عام 1969م من أبناء السيد أحمد الشريف لما أنزله بهم من إفراط في الشدة والحزم في التعامل جراء ما فعله الشريف محي الدين، وقد أكدوا لي بأنهم سامحوه وتجاوزوا عن ذلك حتى قبل مغادرته البلد، ولا يقبلون النيل من الملك بأي حال من الأحوال، وكما قال ربنا جلا وتعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ .. وهذه كلها ستبقى عبر في خبر من غبر .. وطوبى لمن يتعظ.. والسلام
نشرت بمجلة المنتدى الليبي ـ العدد الأول ـ السنة الثالثة ـ 2009
" .. نحن لا نرى لمثل هذه الأعمال ما يبررها سوى أنها مخالفة صريحة لنص الدستور وروحه، وما يمنحه لكل فرد من حقوق وواجبات، ذلك الدستور الوضعي الذي أقسم هؤلاء الحكام على المحافظة عليه وناهيك بالدستور السماوي الذي حرم ظلم المسلم للمسلم ، نحن في قلق عظيم وفزع مستمر، لذلك نحتج إليكم احتجاجاً صارخاً على حصار حريتنا وترويع صغارنا ونسائنا ومرضانا والتنكيل بنا وسد سبل العيش في وجوهنا. فلماذا لم نقدم للعدالة إن كنا مذنبين؟ وأظنكم تشعرون كما أوضحنا لكم أن أعمال هؤلاء الحكام قد تجاوزت حد المعقول وأننا أيها السادة إذ نكتب إليكم هذا مازلنا نعتقد أنكم السلطة التشريعية والقضائية العليا في البلاد تملكون التصرف بما يمليه عليكم واجبكم وأمانتكم التي اؤتمنتم عليها، وأن التاريخ لا يرحم ولا يحابي، والتاريخ خير شاهد وخير حكم. وليعلم السادة أن هذه العائلة تضم أطفالاً في المهد والنساء الحوامل وعجائز بلغوا من الكبر عتياً، وشيوخاً مرضى يرهقهم القيام والقعود، كما تضم شباباً في جميع مراحل التعليم، فمن المسؤول يا ترى عما يصيب هؤلاء من خسائر معنوية ومادية في الأموال والأرواح، وكيف يكون مصير هؤلاء الأبرياء؟"
وتستمر تداعيات مقتل الشلحي ليهجر الملك بنغازي التي نُصب فيها أميراً وملكاً للبلاد والعباد لاشمئزازه منها، كيف لا وهي المدينة التي عصت على العثمانيين، والإيطاليين، والمتحاربين من قوات الحلفاء والمحور الأوربية من قبله، وشهدت بلاء الإنجليز والألمان في أكثر من ألف غارة جوية مدمرة عليها، وهي المدينة العصية التي صرخ وندد فيها شباب جمعية عمر المختار ضد الجهوية في وجه السيد الأمير عندما أعلن فيها استقلال برقة مطالبين باستقلال ليبيا وليس برقة فقط، وهي الحاضنة التي سوف يخرج أبنائها في 13 و14 يناير عام 1964م ليسقط منهم الشهداء الذين عُرفوا فيما بعد بشهداء يناير، ولكن بالنسبة للملك هي المدينة التي قتل فيها ناظر خاصته الملكية، ولم تخرج في احتجاج لذلك الحدث الجلل، لينتقل هاجراً إياها إلى مدينة طبرق التي وجد فيها الاستشفاء الأفضل لصحته ومزاجه من بنغازي وأخلاطها، وتتداعى الأحداث لتطيح بالكثير ممن لوحظ عليهم، على الأقل، عدم انزعاجهم من الجريمة، فيستبعد محمد عمر المختار من مركزه كمديراً على قبائل المرج ويجمد راتبه، واخبرني الحاج محمد بأن حسين مازق، والي برقة، علم بذلك فاستدعاه وخصص له راتباً أعلى من الراتب الذي كان يتقاضاه كمدير لناحية المرج، أما عن سبب عزله فقال:
كان بسبب عدم تعزيته أو حضوره الشخصي للجنازة في مدينة البيضاء على الرغم من أنه لم يكن من شيء بينه وبين آل الشلحي وإنما عدم اكتراث منه بالحدث ما كلفه الوظيفة أو كما يقول الحاج محمد ابن الشهيد عمر المختار ، في حين يشير البعض الآخر أيضاً إلى مشاكل تفاقمت في منطقة المرج بين رجال القبائل هناك كان الحاج محمد المختار أحد محاورها وضحاياها.
أما عمر باشا الكيخيا، رئيس مجلس الشيوخ، وخدين السيد إدريس، أميراً وملكاً، في السراء والضراء، وخاصة في الحقبة التي سبقت الاستقلال، فقد كان لعمر باشا موقفاً غير مساند للحكومة ومعارضاً لتوجهات الملك في التوقيع على معاهدة تتحصل أمريكا بموجبها على قاعدة تتمركز فيها قواتها العسكرية في البلد. ولكن الذي قصم ظهر البعير أن عمر باشا لم يحضر جنازة الشلحي، وقيل عندما قدم تعازيه للملك لم تكن المفردات لائقة بالفقيد حيث قال للملك: نعزيكم في خادمكم. فكان لهذه وعدم موافقته على اتفاقية القواعد الأمريكية الحجة والحافز اللتين طال انتظارهما ليصدر الملك مرسوماً يعفي فيه عمر الباشا من منصبه ليخلفه باشا آخر وهو علي العابدية في رئاسة مجلس الشيوخ.
وتتأجج نار الفتنة خاصة بعد دخول أطراف غير سنوسية في المشكلة كحادثة صالح بويصير وقصة الرسالة المزورة إلى ملكة بريطانيا نيابة عن الملكة فاطمة لالتماس العفو للجاني، وخير من يخبرنا عن تلك الحقبة العاصفة ابن الشهيد صالح بويصير، فقد كتب محمد بويصير:
" .. استمرت موجة الانتقام من كل من وقف مع الشريف محي الدين.. فتم ترحيل المحامي الأستاذ فهيم الخير الذي حضر مع الشريف جلسات التحقيق الأولى قادماً من مصر في 11 نوفمبر 1954م، ثم اُلتفت إلى المحامي سالم الأطرش، والذي تولى الدفاع عنه طوال المحاكمة ليقدم إلى محاكمة أخرى بتهمة مزورة وحكم عليه بالسجن ستة اشهر، خفضت بعد الطعن إلى الإيقاف عن العمل لمدة شهر.
جاء بعد ذلك دور صالح بويصير - نائب رئيس مجلس النواب – المعارض للمعاهدات والفساد المالي الذي كان تحالف "الشلحي وبن حليم وعبد الله عابد" تجسيداً له كما يشير مجيد خدوري في كتابة حين يصفهم بالثلاثي.. خاصة بعد رفضه منصباً وزارياً عرضه عليه بن حليم يوم 2 أكتوبر 1954م كما يقول خدوري وجون رايت، والذي قرر منذ اللحظة الأولى للحادثة الوقوف إلى جانب الشريف والأسرة المنكوبة، وقد حاول صالح كل شيء لإنقاذ الشريف محي الدين، وقد أشير لأول مرة إلى محاولة لتهريبه رتبت مع الأخوين الشيخين "حويظيها وعبد السلام حفالش بوحشيشه" من قبيلة "القبايل" في إجدابيا، ولم تنجح لإلغاء الحكومة نقله إلى طرابلس لحضور جلسات القضية أمام المحكمة العليا. كما أحضر له شهادات مرضية وأطباء من بيروت والقاهرة لتخفيف الحكم وإنقاذه من حبل المشنقة، وكذلك شهادة ميلاد من مرسى مطروح لاعتباره تحت السن القانونية، كما اتصل بـ مكرم عبيد - المحامي المصري الكبير - للحضور للمشاركة في الدفاع عنه إلا أن الحكومة رفضت ذلك. ولم يتغيب عن مواساة الأسرة المنكوبة ولو ليوم واحد.
وللانتقام ذهب بن حليم وفي يده شخص يدعى مروان عفيفي، فلسطيني الجنسية، يعمل في السفارة الأمريكية في طرابلس لتقديم بلاغ للأستاذ محمود القاضي رئيس النيابة العامة بأن صالح بويصير قد طلب من مروان ترجمة رسالة موجهة من الملكة فاطمة إلى الملكة اليزابيث الثانية مضمونها طلب لتتدخل ملكة بريطانيا لدى الملك إدريس لتخفيف الحكم على الشريف محي الدين (ابن شقيق الملكة) من الإعدام إلى السجن، وأن المدعو مروان قد قام أيضاً بطبع الرسالة على إحدى أوراق القصر الملكي، وأنه قد لاحظ عليها ختم الملكة فاطمة (ابنة السيد أحمد الشريف). وعندما قرر السيد القاضي حفظ الشكوى باعتبارها تفتقر إلى القرائن والأدلة وتستند فقط إلى أقوال مروان ، استصدر السيد بن حليم قراراً بسحب جواز السفر الخاص بصالح، وأمر شوقي سعد رئيس المباحث (الفلسطيني أيضاً) بمهاجمة بيت صالح بويصير بطرابلس فجر يوم 7 يوليو 1955م، بعد أن قام بمحاصرته منذ غروب شمس اليوم السابق. وبالفعل داهم شوقي عند الساعة الثالثة صباحاً بقوة من الشرطة السرية إلا أن صالح كان وقتها في تونس فقد اخترق حصار الشرطة متنكراً في ملابس تقليدية لامرأة ليبية ومستعملاً جواز سفر زوجته (لمعان الصادق حسين كويري) في الخروج من مطار طرابلس مستنداً إلى كون جوازات سفر النساء وقتها وحتى هذه الحادثة كانت بدون صورة شخصية. وفي صبيحة اليوم التالي صدر قرار بوضع صالح بويصير تحت الحراسة، كما وضعت الأسرة المكونة من زوجه وطفلين أكبرهما عمره عامان (محمد) رهن الإقامة الجبرية بالبيت، وعينت قوة من الشرطة للحراسة، أي نساء داخل البيت ورجال من حوله، كما قُدمت السيدة بديعة فليفله - عمة زوجة صالح - والتي كانت قد رافقته إلى المطار إلى محكمة الجنايات بطرابلس بتهمة مساعدته على الهرب.
ولكن ليبيا وكعادتها لا تخلو من رجال قرروا الوقوف مع الأسرة الأسيرة، فتولى الأستاذ علي الديب وبدون مقابل الدفاع عن السيدة بديعة حتى شطبت القضية، ومثله تولى سالم الأطرش دعوى رفع الحراسة الأمر الذي تحقق بعد ذلك بثلاث سنوات عام 1958م، كما قامت النيابة العامة بسحب الشرطة النسائية التي عينها بن حليم عندما علمت بوجودها، ومن الجدير بالذكر أنه طول مدة التقاضي لم يحدث ولو مرة واحدة أن ذكر موضوع الرسالة المزعومة (رسالة الملكة فاطمة إلى الملكة اليزابيث) في ساحة القضاء، لذا فإن الموضوع لم يكن حكم قضائي أو رسالة مزورة، ولكنه الانتقام الأعمى لسلطان جريح.
ثم لماذا لا ننتهز هذه الفرصة لنتوجه لكل من عناه موضوع هذه الرسالة، وفي مقدمتهم السيدة الفاضلة (فاطمة) جلالة الملكة السابقة، التي اكن لها كل الاحترام، ليدلون بشهادتهم في موضوع هذه الرسالة، فهذه أمانات أودعها التاريخ لدى أشخاص، ولكنها ملك للشعب." .. يتساءل محمد صالح بويصير ؟.
ويستمر التنكيل بآل بويصير أسوة بآل الشريف، ولكن هذه المرة يأتي دور القبيلة التي ينتمي إليها صالح بويصير، فيتبرع ويضطر البعض من أبناء قبيلة العواقير التي ينتمي إليها صالح بويصير بالتبرؤ منه، ومن فعلته المزعومة، ولكن الشيخ عبد الحميد العبار يقف كما عودنا ثقلاً لا يتزعزع، ويرفض هكذا تبرؤ من صالح بويصير لأنه شخصياً يميل إلى آل الشريف وله من الولاء للسيد إدريس ما يحول من تسرب الوشاة بينهما، إلى جانب رصيده الجهادي مع السيد أحمد الشريف وعمر المختار إلى تنصيب السيد إدريس أميراً لبرقة وملكاً لليبيا.
الجدير بالذكر أن بعض السنوسيين يرون أن القصة لم تدرس دراسة منصفة محايدة، وأن الخلاف مع أي من كان لا يبرر قتله سيما أن ذاك مخالفاً للسنوسية وتعاليمها، ولكن اتسع الخرق على الراقع، وضُخم الأمر، وسُطحت الأسباب لدرجة الإجحاف، ويؤكد السنوسيون في هذا الصدد على أن ما قام به الشريف محي الدين كان عملاً فردياً لا علاقة للعائلة به من قريب أو بعيد، بل أكد لي البعض بأن الشريف سبق وأن درس في بيروت التي كان فيها التيار القومي في تصاعد وخاصة بعد نكبة فلسطين وقد تأثر بتلك الأفكار وتبنى أيديولوجية العنف التي تقر التصفية الجسدية كمنهج لكل من له علاقة بالنكبة، وقد دفع عدد من الزعامات أرواحهم ثمناً لذلك كعاهل الأردن الملك عبد الله ورياض الصلح في لبنان والمستشار أحمد خازندار في مصر ومن ثم المرحوم إبراهيم الشلحي في ليبيا، وإن الجميع قد تجاوز ذلك الماضي، والآن يتقابل ما بقي من آل الشلحي مع آل الشريف بلا حساسيات أو حزازيات، حتى أن العقيد عبد العزيز الشلحي والسيد راشد الزبير تزاملا في زنزانة عندما سجنا بعد الثورة، وكان ما كان بين المبتليين من مودة وأخوة لتجاوز المحنة ما أعان الجميع على تجاوز تلك الأيام، وأسس لعلاقة أكثر تسامحا.
أما الملك إدريس فقد بعث طالباً السماح والصفح عندما استقر به المقام في مصر بعد عام 1969م من أبناء السيد أحمد الشريف لما أنزله بهم من إفراط في الشدة والحزم في التعامل جراء ما فعله الشريف محي الدين، وقد أكدوا لي بأنهم سامحوه وتجاوزوا عن ذلك حتى قبل مغادرته البلد، ولا يقبلون النيل من الملك بأي حال من الأحوال، وكما قال ربنا جلا وتعالى: تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ .. وهذه كلها ستبقى عبر في خبر من غبر .. وطوبى لمن يتعظ.. والسلام
نشرت بمجلة المنتدى الليبي ـ العدد الأول ـ السنة الثالثة ـ 2009
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
dude333- مشرف المنتدى السياسي
-
عدد المشاركات : 5593
العمر : 55
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012
مواضيع مماثلة
» مقالات قديمة - مهزلة المقريف
» مقالات قديمة - رسالة الى الهادي شلوف
» مقالات قديمة - فوائد البالتوك ومنافعه؟
» مقالات قديمة - عبد السلام اجْلود ... الصورة الداكنة
» مقالات قديمة - اخر الليل و الشتاءات البعيدة والقريبة
» مقالات قديمة - رسالة الى الهادي شلوف
» مقالات قديمة - فوائد البالتوك ومنافعه؟
» مقالات قديمة - عبد السلام اجْلود ... الصورة الداكنة
» مقالات قديمة - اخر الليل و الشتاءات البعيدة والقريبة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR