إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
قصص أدبية من أجمل القصص
صفحة 1 من اصل 1
قصص أدبية من أجمل القصص
ليلة باردة وحلم ضائع
كنت ارتشف كوبا من الشاي، في إحدى ليالي كانون الأول القارصة البرودة، وألاعب ابنة عمتي التي أتمت ربيعها الأول قبل أسبوعين، كان ذلك في بيتهم، ولا تكاد حجرة التلفاز تخلو من ضحكات هذا وهمسات تلك! ولا تخلو أيضا من تعليقات زوج عمتي ( أبو احمد ) الذي كان يحب أن يبدي رأيه، خاصة في المسلسلات التركية، ثم وبلا مقدمات، توقف الكلام ورنات الجوف في الحلق، وخشعت الأصوات والضحكات معا، ولم ينبس أحد ببنت شفه، وخيم صمت رهيب على المكان.
كنا قد سمعنا هذا الضجيج البارحة، ولكننا لم نتخيل ولو لبرهة، أن ترجع عقارب الساعة أربعا وعشرين ساعة للوراء.
- كل شيء متوقع بالنسبة لي، ما هز سمعكم هم قنبلة صوت، هكذا وبكل بساطة، قلت لعمتي أم أحمد.
- أليس موعد جنود الاحتلال وخفافيش الظلام الساعة الحادية عشر ليلا، والساعة الآن الثامنة والنصف، احد الجيبات العسكرية على بعد مئة متر من هنا، يجب أن تنام عندنا الليلة .
أجبتها بأن لدي الكثير مما يجب إنجازه، لا سيما دراسة بعض قواعد اللغة الفرنسية، لا بد أن أذهب الآن.
وإذ بها تقول لي انتظر قليلا صوت سيارة قوي يقترب نحونا، قلت لها إنها سيارة أجرة ستكشف لي الطريق الذي سأمر منه إلى بيتي، خرجت من بيت عمتي أم أحمد، وإذا بالسماء تمطر قنابل مضيئة، وزخات الرصاص تملأ المكان، وتذكرت نصيحة زوج عمتي أبو احمد: امش بسرعة وكن حذرا، لم يكن صوت الرصاص وحده الذي يملأ المكان، بل كان هناك صوت آخر، هو صوت الكلاب التي تنبح، خاصة عندما تشم رائحة البارود من رشاشات ام 16، التي يحملها جنود الاحتلال.
وفي الطريق إلى المنزل، إحدى السيارات غيرت طريقها، واتجهت نحوي، أدركت عندها أن الشارع المقابل مليء بجنود المشاة، ودوي الرصاص ينطلق من البنادق من نفس الشارع، وبعد برهة كنت في البيت.
لكن أين أخي؟ لقد شاهدته قبل العشاء مع أصحابه في إحدى شوارع القرية، سارعت بسؤال أبي وأمي عنه، قالا لي انه خرج ولم يعد.
لكن أين هو الآن وسط هذه المعركة ؟ التي ليس فيها إلا عسكر واحد، هو عسكر الاحتلال، أجابتني أمي لا بد أنه في بيت عمك جمال – أبو محمد - اتصلت بهم على الفور، أجابني أحدهم بأنه ليس عندهم، لكن أين هو ألان؟ جواله مغلق، حاولت الاتصال به مرة تلو المرة
غرفتي تطل على الشارع وهي مرتفعة عن بناء البيت، واصعد إليها عبر الدرج، وتقع على الشارع الذي يصل بيتنا بالشارع الرئيسي، وهي في نفس الوقت مقابلة لمستوطنة ألون موريه.
صعدت إلى الغرفة وإذ بجنود المشاة يجوبون الشارع أمامي، كل واحد عن اثنين في الحجم، إذ كان الواحد منهم يحمل وزنه ومثله معه عتادا وأسلحة، لكن ما السبيل ألان إلى إعلام أخي بوجودهم ؟ حاولت الاتصال به مرة أخرى، حتى أجابني أخيرا، كان ما يزال في الشارع، وكنت اسمع دوي الرصاص يدق في أذني عبر الجوال، أخبرته بأن يتجه إلى بيت عمي، لان شارع بيتنا والشارع المقابل مكتظ بالمشاة من جنود الاحتلال، وإذا بأحدهم ينادي ويصرخ لقد جئت ..
وانقطع الاتصال مع صوت رصاص يدوي في الأجواء، لم يكن صوت أخي الذي انطلق مع الرصاص، ربما كان صوت احد المستعربين المرافقين للجيبات العسكرية، اتصلت ببيت عمي، وسألتهم بأن ينام شقيقي عندهم، وبأن لا يعود حتى الصباح، ونام في بيت ابن عمي.
رن هاتف المنزل، إنه احد الأقرباء من حي الضاحية التي تكشف القرية ، أخبرنا بالعدد الهائل من الجيبات التي تجوب القرية، وأنهم يسمعون صوت دوي الرصاص بوضوح، أرادوا الاطمئنان فحسب، وكذلك أراد أحد أخوالي بعد خمس دقائق من الهاتف الأول.
لقد فكر والداي كثيرا في أمر الغرفة، وقالا لي: يجب أن لا تنام في غرفتك الليلة، لأنها مكشوفة تماما أمام المستوطنة، أجبتهما بأنها غرفتي وفيها أنام وفيها ألاعب أختي الصغيرة – أمل ابنة الخمس سنوات – وفيها ادرس، وفيها أمارس هواياتي عبر الكمبيوتر، وفيها حياتي كلها، أأتركها بهذه البساطة لأنام في غرفة أخرى؟! مهما يكن من أمر هي وطني المصغر الذي يعيش في قلبي .. ونمت تلك الليلة وأنا أحلم بأن أصبح على وطن، تصبحون على وطن.
بقلم : هلال كمال علاونه
كنت ارتشف كوبا من الشاي، في إحدى ليالي كانون الأول القارصة البرودة، وألاعب ابنة عمتي التي أتمت ربيعها الأول قبل أسبوعين، كان ذلك في بيتهم، ولا تكاد حجرة التلفاز تخلو من ضحكات هذا وهمسات تلك! ولا تخلو أيضا من تعليقات زوج عمتي ( أبو احمد ) الذي كان يحب أن يبدي رأيه، خاصة في المسلسلات التركية، ثم وبلا مقدمات، توقف الكلام ورنات الجوف في الحلق، وخشعت الأصوات والضحكات معا، ولم ينبس أحد ببنت شفه، وخيم صمت رهيب على المكان.
كنا قد سمعنا هذا الضجيج البارحة، ولكننا لم نتخيل ولو لبرهة، أن ترجع عقارب الساعة أربعا وعشرين ساعة للوراء.
- كل شيء متوقع بالنسبة لي، ما هز سمعكم هم قنبلة صوت، هكذا وبكل بساطة، قلت لعمتي أم أحمد.
- أليس موعد جنود الاحتلال وخفافيش الظلام الساعة الحادية عشر ليلا، والساعة الآن الثامنة والنصف، احد الجيبات العسكرية على بعد مئة متر من هنا، يجب أن تنام عندنا الليلة .
أجبتها بأن لدي الكثير مما يجب إنجازه، لا سيما دراسة بعض قواعد اللغة الفرنسية، لا بد أن أذهب الآن.
وإذ بها تقول لي انتظر قليلا صوت سيارة قوي يقترب نحونا، قلت لها إنها سيارة أجرة ستكشف لي الطريق الذي سأمر منه إلى بيتي، خرجت من بيت عمتي أم أحمد، وإذا بالسماء تمطر قنابل مضيئة، وزخات الرصاص تملأ المكان، وتذكرت نصيحة زوج عمتي أبو احمد: امش بسرعة وكن حذرا، لم يكن صوت الرصاص وحده الذي يملأ المكان، بل كان هناك صوت آخر، هو صوت الكلاب التي تنبح، خاصة عندما تشم رائحة البارود من رشاشات ام 16، التي يحملها جنود الاحتلال.
وفي الطريق إلى المنزل، إحدى السيارات غيرت طريقها، واتجهت نحوي، أدركت عندها أن الشارع المقابل مليء بجنود المشاة، ودوي الرصاص ينطلق من البنادق من نفس الشارع، وبعد برهة كنت في البيت.
لكن أين أخي؟ لقد شاهدته قبل العشاء مع أصحابه في إحدى شوارع القرية، سارعت بسؤال أبي وأمي عنه، قالا لي انه خرج ولم يعد.
لكن أين هو الآن وسط هذه المعركة ؟ التي ليس فيها إلا عسكر واحد، هو عسكر الاحتلال، أجابتني أمي لا بد أنه في بيت عمك جمال – أبو محمد - اتصلت بهم على الفور، أجابني أحدهم بأنه ليس عندهم، لكن أين هو ألان؟ جواله مغلق، حاولت الاتصال به مرة تلو المرة
غرفتي تطل على الشارع وهي مرتفعة عن بناء البيت، واصعد إليها عبر الدرج، وتقع على الشارع الذي يصل بيتنا بالشارع الرئيسي، وهي في نفس الوقت مقابلة لمستوطنة ألون موريه.
صعدت إلى الغرفة وإذ بجنود المشاة يجوبون الشارع أمامي، كل واحد عن اثنين في الحجم، إذ كان الواحد منهم يحمل وزنه ومثله معه عتادا وأسلحة، لكن ما السبيل ألان إلى إعلام أخي بوجودهم ؟ حاولت الاتصال به مرة أخرى، حتى أجابني أخيرا، كان ما يزال في الشارع، وكنت اسمع دوي الرصاص يدق في أذني عبر الجوال، أخبرته بأن يتجه إلى بيت عمي، لان شارع بيتنا والشارع المقابل مكتظ بالمشاة من جنود الاحتلال، وإذا بأحدهم ينادي ويصرخ لقد جئت ..
وانقطع الاتصال مع صوت رصاص يدوي في الأجواء، لم يكن صوت أخي الذي انطلق مع الرصاص، ربما كان صوت احد المستعربين المرافقين للجيبات العسكرية، اتصلت ببيت عمي، وسألتهم بأن ينام شقيقي عندهم، وبأن لا يعود حتى الصباح، ونام في بيت ابن عمي.
رن هاتف المنزل، إنه احد الأقرباء من حي الضاحية التي تكشف القرية ، أخبرنا بالعدد الهائل من الجيبات التي تجوب القرية، وأنهم يسمعون صوت دوي الرصاص بوضوح، أرادوا الاطمئنان فحسب، وكذلك أراد أحد أخوالي بعد خمس دقائق من الهاتف الأول.
لقد فكر والداي كثيرا في أمر الغرفة، وقالا لي: يجب أن لا تنام في غرفتك الليلة، لأنها مكشوفة تماما أمام المستوطنة، أجبتهما بأنها غرفتي وفيها أنام وفيها ألاعب أختي الصغيرة – أمل ابنة الخمس سنوات – وفيها ادرس، وفيها أمارس هواياتي عبر الكمبيوتر، وفيها حياتي كلها، أأتركها بهذه البساطة لأنام في غرفة أخرى؟! مهما يكن من أمر هي وطني المصغر الذي يعيش في قلبي .. ونمت تلك الليلة وأنا أحلم بأن أصبح على وطن، تصبحون على وطن.
بقلم : هلال كمال علاونه
سوما رائد- جندي اول
-
عدد المشاركات : 14
العمر : 34
قوة التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 26/08/2014
رد: قصص أدبية من أجمل القصص
أبو عصام
الحياة من السهل مخالفة كلاسيكيتها في غياب الرادع، وضرر هذه المخالفات يكون على الفرد نفسه أما الضرر على الآخر لن يستمر، لكن المشكلة تكمن في الانتقال من مخالفة إلى أخرى لتصبح روتينا وجزءا من شخصية الفرد لتصل بهِ الحياة إلى مرحلة لا يستطيع من خلالها التعامل مع أتفه وابسط الأمور أو حتى العودة إلى سابق عهده.
مستشرفا ما آل وما سيؤول إليه وقف أبو عصام بين ماضيه وواقعه الذي يعايش فاقدا لهوية المستقبل القريب وما يخبئ خلفه من متاعب جديدة ألمت بحارته العجوز، فالزمن ما انفك يتغير بمدى كبير تاركا قوانين الحياة كي تذروها الرياح.
كانت لغته الابتسامة المبطنة للواقعية وتحليل الأمور والتصرف بروية دون ترك اثر يدل على ضعف أو شيء يأخذ من خلاله الآخر نقاطا عليه، كانت رايته الطيبة وشعاره أنا المخطئ دائما والآخر لم يخطئ لكن أنا فشلت في التعامل معه بالطريقة المناسبة وفشل التعامل معه يؤدي إلى الخلاف، كان يفكر ألف مرة قبل أن ينطق ببنت شفة أو حتى يظهر عليه أي تعبير غير تعبير الهدوء الباسم كأنه القابض على الجمر في صمت رهيب.
كان الفكر الدامس هو المسيطر على اللحظات المتراكمة بلا طائل، مخططات وأفكار وتجارب وتوجيهات وأخطاء تتصارع في مخيلته بلا منتصر ولكن هذا الاستنزاف المستمر لخميس الطاقة الداخلية لديه قد ازداد بمعدل فاق التصور ولم يحصل منه على غنيمة، وصل إلى قناعة بأنه لا يوجد شيء صحيح ولكن يوجد ما هو ليس بخطأ ، أما الصحة المئوية فهي معاني حذفت من معجمه الفكري المتسع المتداخل المحاصر وسط بحر فقد فيه إبرة البوصلة التي أصبحت تتجه نحو الصدع الزلزالي.
نعم شعر بالضيق من روتينه الذي يعيش، ذلك الذي أغلق نافذة الأمل تدريجيا لديه ليفقد حنان إنسانيته على نفسه، غادر عالمه الخاص لأنه أثقل من الدنيا وأدميت حروفه، خرج إلى هاوية يعرف مداها عز المعرفة ليجرب حياة اللامبالاة والخروج عن مألوفة إلى المجتمع المتصارع متنازلا عن نفسه لصالح لا شيء، فأعلن استقلاله عن نفسه من جانب واحد فلم يجد اعترافا من عقليته للكيان الجديد.
صحيح انه خرج كاسرا كل المثل سائرا على جسر من سراب، لكنه لم يجد ثباتا لقدميه في دنياه الجديدة لأنه دخل في صراع من جديد بين العودة والاستمرار في الصعود نحو الهاوية ليقيس طريق اللامبالاة، طريق سهلة المنال كانت وسيلة مواصلاتها هو ترك أمتعة النفس مع زيادة بسيطة في طول المضغة الموجودة بين فكيه لتخرج ما بها من سموم مكبوتة تنتظر منذ زمن طويل من يستغلها ويركب موجتها لتصل المستمعين بأفضلهم وأسواهم.
كان اللوم والسخط على نفسه والحساب المضني للنفس هو زاد ليله على أنغام الماضي السوي الذي يبعث برسائله كما البركان، كانت أهم رسالة قد بعثت مسبقا من قبل حامل المسك حينما قال:" إن لديك عالمك الخاص الذي تخرج فيه ما بداخلك لنفسك ولا تعطي الآخر إلا قليلا من محيط يعتقد فعلا بعدها انه اخذ الكثير فحافظ على عالمك كي لا يدعوك إلى مغادرته"، هذه الكلمات كانت تعصف في أذنيه ليلة وراء ليلة كضرب موج البحر لصخور الشاطئ تضرب بقوة دون كلل أو ملل.
ما زاد الطين بلة هو نظرة من هم حوله إليه التي تغيرت لتصبح في حضيض الحضيض لأنه تخلى عن نفسه، جاءت لبابه احدهم متأخرة (أنت ظالم لمن كانوا حولك وبعد ذلك أنت ظالم لنفسك)، كانت كلماته مثل سكين يطعن في صدر المنقلب على نفسه، وكافية لتحرمه النوم عدة أيام مفكرا فيما آل إليه، ولكن هذه المرة كانت القاضية بالنسبة إليه حيث بدا يأخذ الموضوع أكثر جدية من السابق.
أخيرا وبعد محاسبة قاسية مع النفس فرض عليها العودة إلى بوتقة البشرية، عاد بوثيقة الإنسان ليتمكن من العبور إلى عالمه الذي غادره مؤقتا نتيجة ملله من الضغوطات التي أثقل منها مع انه وقف فيما مضى صدا منيعا في وجه أزمات الحياة، ولكن المهم انه عاد ليرمم ما خربه زلزال الهجر منقذا ما استطاع إنقاذه من صورته التي دنسها بيديه دونما سبب أو غنيمة مرجوة سوى تفاهة الملل والسخط وعدم الرضا.
يتبع
باسل بحيص
الحياة من السهل مخالفة كلاسيكيتها في غياب الرادع، وضرر هذه المخالفات يكون على الفرد نفسه أما الضرر على الآخر لن يستمر، لكن المشكلة تكمن في الانتقال من مخالفة إلى أخرى لتصبح روتينا وجزءا من شخصية الفرد لتصل بهِ الحياة إلى مرحلة لا يستطيع من خلالها التعامل مع أتفه وابسط الأمور أو حتى العودة إلى سابق عهده.
مستشرفا ما آل وما سيؤول إليه وقف أبو عصام بين ماضيه وواقعه الذي يعايش فاقدا لهوية المستقبل القريب وما يخبئ خلفه من متاعب جديدة ألمت بحارته العجوز، فالزمن ما انفك يتغير بمدى كبير تاركا قوانين الحياة كي تذروها الرياح.
كانت لغته الابتسامة المبطنة للواقعية وتحليل الأمور والتصرف بروية دون ترك اثر يدل على ضعف أو شيء يأخذ من خلاله الآخر نقاطا عليه، كانت رايته الطيبة وشعاره أنا المخطئ دائما والآخر لم يخطئ لكن أنا فشلت في التعامل معه بالطريقة المناسبة وفشل التعامل معه يؤدي إلى الخلاف، كان يفكر ألف مرة قبل أن ينطق ببنت شفة أو حتى يظهر عليه أي تعبير غير تعبير الهدوء الباسم كأنه القابض على الجمر في صمت رهيب.
كان الفكر الدامس هو المسيطر على اللحظات المتراكمة بلا طائل، مخططات وأفكار وتجارب وتوجيهات وأخطاء تتصارع في مخيلته بلا منتصر ولكن هذا الاستنزاف المستمر لخميس الطاقة الداخلية لديه قد ازداد بمعدل فاق التصور ولم يحصل منه على غنيمة، وصل إلى قناعة بأنه لا يوجد شيء صحيح ولكن يوجد ما هو ليس بخطأ ، أما الصحة المئوية فهي معاني حذفت من معجمه الفكري المتسع المتداخل المحاصر وسط بحر فقد فيه إبرة البوصلة التي أصبحت تتجه نحو الصدع الزلزالي.
نعم شعر بالضيق من روتينه الذي يعيش، ذلك الذي أغلق نافذة الأمل تدريجيا لديه ليفقد حنان إنسانيته على نفسه، غادر عالمه الخاص لأنه أثقل من الدنيا وأدميت حروفه، خرج إلى هاوية يعرف مداها عز المعرفة ليجرب حياة اللامبالاة والخروج عن مألوفة إلى المجتمع المتصارع متنازلا عن نفسه لصالح لا شيء، فأعلن استقلاله عن نفسه من جانب واحد فلم يجد اعترافا من عقليته للكيان الجديد.
صحيح انه خرج كاسرا كل المثل سائرا على جسر من سراب، لكنه لم يجد ثباتا لقدميه في دنياه الجديدة لأنه دخل في صراع من جديد بين العودة والاستمرار في الصعود نحو الهاوية ليقيس طريق اللامبالاة، طريق سهلة المنال كانت وسيلة مواصلاتها هو ترك أمتعة النفس مع زيادة بسيطة في طول المضغة الموجودة بين فكيه لتخرج ما بها من سموم مكبوتة تنتظر منذ زمن طويل من يستغلها ويركب موجتها لتصل المستمعين بأفضلهم وأسواهم.
كان اللوم والسخط على نفسه والحساب المضني للنفس هو زاد ليله على أنغام الماضي السوي الذي يبعث برسائله كما البركان، كانت أهم رسالة قد بعثت مسبقا من قبل حامل المسك حينما قال:" إن لديك عالمك الخاص الذي تخرج فيه ما بداخلك لنفسك ولا تعطي الآخر إلا قليلا من محيط يعتقد فعلا بعدها انه اخذ الكثير فحافظ على عالمك كي لا يدعوك إلى مغادرته"، هذه الكلمات كانت تعصف في أذنيه ليلة وراء ليلة كضرب موج البحر لصخور الشاطئ تضرب بقوة دون كلل أو ملل.
ما زاد الطين بلة هو نظرة من هم حوله إليه التي تغيرت لتصبح في حضيض الحضيض لأنه تخلى عن نفسه، جاءت لبابه احدهم متأخرة (أنت ظالم لمن كانوا حولك وبعد ذلك أنت ظالم لنفسك)، كانت كلماته مثل سكين يطعن في صدر المنقلب على نفسه، وكافية لتحرمه النوم عدة أيام مفكرا فيما آل إليه، ولكن هذه المرة كانت القاضية بالنسبة إليه حيث بدا يأخذ الموضوع أكثر جدية من السابق.
أخيرا وبعد محاسبة قاسية مع النفس فرض عليها العودة إلى بوتقة البشرية، عاد بوثيقة الإنسان ليتمكن من العبور إلى عالمه الذي غادره مؤقتا نتيجة ملله من الضغوطات التي أثقل منها مع انه وقف فيما مضى صدا منيعا في وجه أزمات الحياة، ولكن المهم انه عاد ليرمم ما خربه زلزال الهجر منقذا ما استطاع إنقاذه من صورته التي دنسها بيديه دونما سبب أو غنيمة مرجوة سوى تفاهة الملل والسخط وعدم الرضا.
يتبع
باسل بحيص
سوما رائد- جندي اول
-
عدد المشاركات : 14
العمر : 34
قوة التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 26/08/2014
رد: قصص أدبية من أجمل القصص
(الحلقة الثانية من"أبو عصام")
باسل بحيص
كانت المغادرة والخروج عن المألوف والعيش خارج الحدود دون قيود شيئا سهلا لا يحتاج وثيقة عبور، لكن المشكلة تكمن في العودة، صحيح انه عاد من جديد إلى وضعه القديم عاد إلى نفسه ليجدها في انتظاره على أحر من الجمر ولكن ليس بالسهولة التي توقعها، حيث كانت العودة شيء يقال عنه السهل الممتنع أو انه يصل درجة السهل المبطن بالمتاعب الثقيلة.
عاد إلى بيته متأملا أوراقه المبعثرة مختلط ألوانها في لوحة لم تعرف إلا ترتيب الألوان وانسجامها لتعزف أعذب الألحان الحياتية على أوتار التماس المباشر مع النفس، كان عذاب النفس أكثر حدة من وضعه الذي استقل به مؤقتا، فترتيب الأمور ليس بالسهولة المتوقعة، فالنفس كانت مبادرة لكن لم تقدم وثيقة العبور النهائي لذلك المستقل عنها، فمرحلة الترميم تحتاج إلى عمل دؤوب ووقت يطول أمده أو يقصر اعتمادا عليه.
وجد كثيرا من أعمدة عالمه الخاص قد انهارت أو غادرت وتركت خلفها أطلالا موحشة تغطيها رمال الهجر التي تذروها رياح الفرقة، تأمل من جديد تلك العيون الرابضة في طريقه متأملة التغيرات الحادثة له في زمن قياسي، ترنو تلك النظرات إلى درجة المسائلة، كيف ولماذا ومن السبب؟ كانت رسائل تبعثها الثوابت للمتغيرات تنتظر إجابة عليها.
لا يوجد إجابة واضحة محددة لما حدث، سوى اختلاق الأعذار الواهية أمام محكمة النفس، أعذار مبنية على الملل وسلبية الآخر التي أدت إلى سلبية المجتمع، كان ملف الدفاع يعتمد على شاهد التراكمات الذي رفض الحضور للشهادة خوفا من الوقوع في مصيدة التكذيب أو حتى خوفا من اليمين نفسه أمام القاضي الذي نصب نفسه معلنا ولادة قانون الطوارئ الخاص.
انهال الادعاء عليه بتهم لم يعرف لها أولا من آخر وما تجمع لديه من فكرة عن تلك التهم تلخصت بكلمة تتكرر في كل التهم ( أنت ظالم ...، عملت على ظلم...، لقد ظلمت...) كلمة الظلم قاسم مشترك بينها والفاعل واحد هو أنت، وسيتحتم عليك تحمل عاقبة فعلتك لتكون عبرة إن حاولت تدنيس أو حتى خدش عالمك الخاص مرة أخرى.
جاءت لحظة النطق بالحكم فعم صمت رهيب جاشت له العروق، فنطق القاضي بما يلي:ـ
بناء على ما تقدم لدينا من ملف الادعاء وملف الدفاع الذي لم يجرؤ شاهده على المثول أمام عدالتنا فإننا نجدك مذنبا بكل التهم المنسوبة إليك حيث كان بإمكانك سلوك طرق أخرى للخروج من الضغوطات، وعليه قررنا بأنه يسمح لك بالعودة لكن بالتدريج وليس دفعة واحدة لتكون تحت فترة مراقبة ومتابعة صارمة من النفس، كما يفرض عليك ترميم كل ما دمرت في تلك الفترة المشئومة ويفرض عليك إعادة ما حملت معك وكذلك إعادة من حملهم تيار موجك الهائج إلى مكانهم الأصل وهذا القرار يصدر وجاهيا وينفذ وغير قابل للاستئناف أو الطعن أو النقض.
كان هذا القرار من قبل محكمة النفس متوقعا لكن كان وقعه مدويا لأنه منذ مدة طويلة لم يمثل أمام تلك المحكمة ليصدر بحقه هذا الحكم القوي لكنه عادل وهو راض كل الرضا عن قرار المحكمة وفرض على نفسه تطبيقه بلا نقاش أو حتى أي امتعاض داخلي منه ولم يظهر عليه سوى الندم وكره النفس على الهجر الممقوت بلا سبب.
بدأ فعليا بمحاولة العودة إلى ما كان عليه قبل الانقلاب على النفس، وعمل على ترميم المدمر تدريجيا، محاولا تدارك ما أضاع من مكتسبات كانت بين يديه وهو الآن لا يخاف لومة لائم لأنه يطبق عدالة النفس نحو نفسها وعاد مصالحا لحضنه الدافئ ناطقا بحروف لغته الأم مرسلا هدوء التأمل بين قسمات وجه غاب عن عيون الشمس الذهبية في فترة كان بأمس الحاجة إليها.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة ...
باسل بحيص
كانت المغادرة والخروج عن المألوف والعيش خارج الحدود دون قيود شيئا سهلا لا يحتاج وثيقة عبور، لكن المشكلة تكمن في العودة، صحيح انه عاد من جديد إلى وضعه القديم عاد إلى نفسه ليجدها في انتظاره على أحر من الجمر ولكن ليس بالسهولة التي توقعها، حيث كانت العودة شيء يقال عنه السهل الممتنع أو انه يصل درجة السهل المبطن بالمتاعب الثقيلة.
عاد إلى بيته متأملا أوراقه المبعثرة مختلط ألوانها في لوحة لم تعرف إلا ترتيب الألوان وانسجامها لتعزف أعذب الألحان الحياتية على أوتار التماس المباشر مع النفس، كان عذاب النفس أكثر حدة من وضعه الذي استقل به مؤقتا، فترتيب الأمور ليس بالسهولة المتوقعة، فالنفس كانت مبادرة لكن لم تقدم وثيقة العبور النهائي لذلك المستقل عنها، فمرحلة الترميم تحتاج إلى عمل دؤوب ووقت يطول أمده أو يقصر اعتمادا عليه.
وجد كثيرا من أعمدة عالمه الخاص قد انهارت أو غادرت وتركت خلفها أطلالا موحشة تغطيها رمال الهجر التي تذروها رياح الفرقة، تأمل من جديد تلك العيون الرابضة في طريقه متأملة التغيرات الحادثة له في زمن قياسي، ترنو تلك النظرات إلى درجة المسائلة، كيف ولماذا ومن السبب؟ كانت رسائل تبعثها الثوابت للمتغيرات تنتظر إجابة عليها.
لا يوجد إجابة واضحة محددة لما حدث، سوى اختلاق الأعذار الواهية أمام محكمة النفس، أعذار مبنية على الملل وسلبية الآخر التي أدت إلى سلبية المجتمع، كان ملف الدفاع يعتمد على شاهد التراكمات الذي رفض الحضور للشهادة خوفا من الوقوع في مصيدة التكذيب أو حتى خوفا من اليمين نفسه أمام القاضي الذي نصب نفسه معلنا ولادة قانون الطوارئ الخاص.
انهال الادعاء عليه بتهم لم يعرف لها أولا من آخر وما تجمع لديه من فكرة عن تلك التهم تلخصت بكلمة تتكرر في كل التهم ( أنت ظالم ...، عملت على ظلم...، لقد ظلمت...) كلمة الظلم قاسم مشترك بينها والفاعل واحد هو أنت، وسيتحتم عليك تحمل عاقبة فعلتك لتكون عبرة إن حاولت تدنيس أو حتى خدش عالمك الخاص مرة أخرى.
جاءت لحظة النطق بالحكم فعم صمت رهيب جاشت له العروق، فنطق القاضي بما يلي:ـ
بناء على ما تقدم لدينا من ملف الادعاء وملف الدفاع الذي لم يجرؤ شاهده على المثول أمام عدالتنا فإننا نجدك مذنبا بكل التهم المنسوبة إليك حيث كان بإمكانك سلوك طرق أخرى للخروج من الضغوطات، وعليه قررنا بأنه يسمح لك بالعودة لكن بالتدريج وليس دفعة واحدة لتكون تحت فترة مراقبة ومتابعة صارمة من النفس، كما يفرض عليك ترميم كل ما دمرت في تلك الفترة المشئومة ويفرض عليك إعادة ما حملت معك وكذلك إعادة من حملهم تيار موجك الهائج إلى مكانهم الأصل وهذا القرار يصدر وجاهيا وينفذ وغير قابل للاستئناف أو الطعن أو النقض.
كان هذا القرار من قبل محكمة النفس متوقعا لكن كان وقعه مدويا لأنه منذ مدة طويلة لم يمثل أمام تلك المحكمة ليصدر بحقه هذا الحكم القوي لكنه عادل وهو راض كل الرضا عن قرار المحكمة وفرض على نفسه تطبيقه بلا نقاش أو حتى أي امتعاض داخلي منه ولم يظهر عليه سوى الندم وكره النفس على الهجر الممقوت بلا سبب.
بدأ فعليا بمحاولة العودة إلى ما كان عليه قبل الانقلاب على النفس، وعمل على ترميم المدمر تدريجيا، محاولا تدارك ما أضاع من مكتسبات كانت بين يديه وهو الآن لا يخاف لومة لائم لأنه يطبق عدالة النفس نحو نفسها وعاد مصالحا لحضنه الدافئ ناطقا بحروف لغته الأم مرسلا هدوء التأمل بين قسمات وجه غاب عن عيون الشمس الذهبية في فترة كان بأمس الحاجة إليها.
إلى اللقاء في الحلقة القادمة ...
سوما رائد- جندي اول
-
عدد المشاركات : 14
العمر : 34
قوة التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 26/08/2014
رد: قصص أدبية من أجمل القصص
(الحلقة الثالثة من "أبو عصام")
باسل بحيص
جلس أبو عصام معانقا قدح قهوته متأملا مسائه الذي حمل معه قمرا خجولا يرسل إشارات خفية تبعث السخرية في ديباجة الحياة، تلك التي تحمل بين طياتها حروف الأقلام على بيضاء غافلة عما يصيبها من حبر الأيام ، أيام يدور رحاها الأعمى غير ناظر لما يدوس تحته إن كان حنطة أو بقايا إنسان.
حصل على ما أراد فهو الآن حصل على وثيقة الإقامة في حارته العجوز مرة أخرى وطبق قرارات محكمة النفس بحذافيرها مع أن ذلك كان مجهدا جدا بالنسبة له، حيث انه لا مجال للخطأ أبدا هنا، فكل خطوة كان عليه حسابها جيدا وقياس مداها بالنسبة لمرحلة ما بعد العودة وانسجامها مع العالم الخاص.
كان مثقلا مجهدا من غبار الدهر الذي أضاف المزيد من أحماله على كتفيه، فدخل متحفه وتأمل ماضيه ليس بنظرة الندم ولكن بنظرة المتعلم منه،أعاد شريط ذكرياته كمن يتأمل القطع الثمينة في متحف، كل قطعة فيه لها قيمتها وتحكي تاريخ مرحلة زمنية غادرت بلا عودة وبقيت هي الشاهد على كلمات من مروا في تلك اللحظات الغابرة.
كان مقتنعا بأن الحياة معادلة صعبة معقدة الرموز تظهر الوجه الملائكي الذي يدعوك إلى التصرف بفطرة وهدوء لكنه بالمقابل كان لديه عنوان آخر مؤمن به، كان مقتنعا بالمقولة الهندية:
(يقولون إن الجروح تشفى بمرور الوقت..
ولكن هناك جروح تزداد ألما بمرور الوقت..)
هذه المقولة بالنسبة له كانت عنوانا ثابتا لا مجال فيه للنقاش، فما أفسده الزمن لا يعود ولكننا نضحك على أنفسنا ونعمل على تلاشيه أو تداركه أو نحاول إخفاء أثره علينا.
بعد عودته إلى متحفه هذه المرة غير نظرته نحو هذه لمقولة، ففشل التجربة لا يعتبر أعظم فشل في الحياة إنما الفشل هو أن لا نجرب مرة أخرى، فالحياة لا تقف عند أول فشل أو وصولنا إلى طريق مسدود بل إن هناك مجال للمحاولة مرة أخرى وسلوك سبل أخرى للنجاح، اقتنع هنا بان المشكلة لا تكمن في الهدف بحد ذاته إذا كان هدفا مشروعا، وإنما تكمن في السبيل الذي يسلكه إلى الإنسان في الوصول إلى مفتاح النجاح، حيث صدق من قال (أفضل أن أكون سلحفاة في الطريق الصحيح على أن أكون غزالا في الطريق الخاطئ).
وهنا أدلى أبو عصام باعتراف آخر هو انه سلك الطريق الخاطئ للخروج من حالة الكبت والروتين والضغوطات التي وقع فريسة لها، وانه لم يحسن التصرف في مواجهتها بل فضل الهرب منها عوضا عن ذلك، حيث انه لو واجهها بشيء من النباهة وجلادة النفس كما عهد من نفسه لما حدث له ما لم تحمد عقباه ولما احتاج إلى المثول أمام محكمة النفس لتقويمها.
تعلم أبو عصام من متحفه أعظم درس، إن تغيير القناعات ليس بالأمر السهل ولكن يجب أن يحدث من فترة إلى أخرى إذا كان في مصلحة بناء الذات وتقويمها، وتغير القناعات لديه كان أمرا عظيما ومضنيا ولكن الزلزال الذي مر به اجبره على ذلك، وهو لم يبدأ في هذا لأجل السراب بل من اجل التغير الايجابي وسلوك الطريق السوي في تحقيق أهدافه المرحلية التي تتطلب منه عملا جادا في الأيام القادمة .
باسل بحيص
جلس أبو عصام معانقا قدح قهوته متأملا مسائه الذي حمل معه قمرا خجولا يرسل إشارات خفية تبعث السخرية في ديباجة الحياة، تلك التي تحمل بين طياتها حروف الأقلام على بيضاء غافلة عما يصيبها من حبر الأيام ، أيام يدور رحاها الأعمى غير ناظر لما يدوس تحته إن كان حنطة أو بقايا إنسان.
حصل على ما أراد فهو الآن حصل على وثيقة الإقامة في حارته العجوز مرة أخرى وطبق قرارات محكمة النفس بحذافيرها مع أن ذلك كان مجهدا جدا بالنسبة له، حيث انه لا مجال للخطأ أبدا هنا، فكل خطوة كان عليه حسابها جيدا وقياس مداها بالنسبة لمرحلة ما بعد العودة وانسجامها مع العالم الخاص.
كان مثقلا مجهدا من غبار الدهر الذي أضاف المزيد من أحماله على كتفيه، فدخل متحفه وتأمل ماضيه ليس بنظرة الندم ولكن بنظرة المتعلم منه،أعاد شريط ذكرياته كمن يتأمل القطع الثمينة في متحف، كل قطعة فيه لها قيمتها وتحكي تاريخ مرحلة زمنية غادرت بلا عودة وبقيت هي الشاهد على كلمات من مروا في تلك اللحظات الغابرة.
كان مقتنعا بأن الحياة معادلة صعبة معقدة الرموز تظهر الوجه الملائكي الذي يدعوك إلى التصرف بفطرة وهدوء لكنه بالمقابل كان لديه عنوان آخر مؤمن به، كان مقتنعا بالمقولة الهندية:
(يقولون إن الجروح تشفى بمرور الوقت..
ولكن هناك جروح تزداد ألما بمرور الوقت..)
هذه المقولة بالنسبة له كانت عنوانا ثابتا لا مجال فيه للنقاش، فما أفسده الزمن لا يعود ولكننا نضحك على أنفسنا ونعمل على تلاشيه أو تداركه أو نحاول إخفاء أثره علينا.
بعد عودته إلى متحفه هذه المرة غير نظرته نحو هذه لمقولة، ففشل التجربة لا يعتبر أعظم فشل في الحياة إنما الفشل هو أن لا نجرب مرة أخرى، فالحياة لا تقف عند أول فشل أو وصولنا إلى طريق مسدود بل إن هناك مجال للمحاولة مرة أخرى وسلوك سبل أخرى للنجاح، اقتنع هنا بان المشكلة لا تكمن في الهدف بحد ذاته إذا كان هدفا مشروعا، وإنما تكمن في السبيل الذي يسلكه إلى الإنسان في الوصول إلى مفتاح النجاح، حيث صدق من قال (أفضل أن أكون سلحفاة في الطريق الصحيح على أن أكون غزالا في الطريق الخاطئ).
وهنا أدلى أبو عصام باعتراف آخر هو انه سلك الطريق الخاطئ للخروج من حالة الكبت والروتين والضغوطات التي وقع فريسة لها، وانه لم يحسن التصرف في مواجهتها بل فضل الهرب منها عوضا عن ذلك، حيث انه لو واجهها بشيء من النباهة وجلادة النفس كما عهد من نفسه لما حدث له ما لم تحمد عقباه ولما احتاج إلى المثول أمام محكمة النفس لتقويمها.
تعلم أبو عصام من متحفه أعظم درس، إن تغيير القناعات ليس بالأمر السهل ولكن يجب أن يحدث من فترة إلى أخرى إذا كان في مصلحة بناء الذات وتقويمها، وتغير القناعات لديه كان أمرا عظيما ومضنيا ولكن الزلزال الذي مر به اجبره على ذلك، وهو لم يبدأ في هذا لأجل السراب بل من اجل التغير الايجابي وسلوك الطريق السوي في تحقيق أهدافه المرحلية التي تتطلب منه عملا جادا في الأيام القادمة .
سوما رائد- جندي اول
-
عدد المشاركات : 14
العمر : 34
قوة التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 26/08/2014
رد: قصص أدبية من أجمل القصص
الحمار المحظوظ
لم يرجع حمار أبي كنعان كعادته للبيت. كان من المفروض أن ينهي مهامه اليومية في الكرم، ثم يعود قافلا للزريبة وقت الغروب، لا يلوي على شيء. على هذا تربى وهكذا تعود.
جلس أبو كنعان أمام بيته، ينتظر عودة الرفيق المناضل. هذا الرفيق الذي لا يعرف الكلل أو الملل. الرفيق المخلص الذي لا يتخذ عليها أجرا. يأكل ويشرب ما يجود به عليه أبو كنعان. ليس له طلبات خاصة، لا لباس مزركش ولا حذاء منقوش.
سرعان ما لملمت الشمس أشعتها وأقفلت على نفسها أبواب الظلام. والحمار لم يعد. فانتقل أبو كنعان من حالة الانتظار إلى خانة القلق لعدم عودة حماره. فهذه ليست من شيم هذا الحمار أن يبيت خارج الدار.
مر الوقت والرفيق لم يعد. مما حدا بابي كنعان الانتقال إلى مرحلة خطيرة مرحلة ارق الليل الشتائي الطويل. ينتظر إفراج الشمس عن أشعتها ليتبدد الظلام ويرفع راية الانهزام أمام تباشير الصباح الذي يعلن عن قدومه بحلول أول تكبيرة في الصلوات الخمس.
هذا الوضع التعيس لا يسبب الخوف الشديد في قلب أبي كنعان فهذه حالة عرضيه يستطيع أن يتلمس الأعذار لحماره الغائب.
لعلها كانت العاصفة الشديدة أرغمته على اللجوء إلى إحدى الكهوف ليتقي شرها.
أو لعله أعجب بأتان قد أغوته فاستضافته في ليلة عاصفة زهزجاء رغم انه لا يفتن بسهولة بالمنحرفات.
أو ربما ذهب ليعمل وردية ثانية ليؤمن نفقات رحلته الاستجمامية إلى مملكة الحمير المجاورة.
لكن فكرة أن يكون قد اغتيل على يد الوحوش المفترسة لم تراود أبا كنعان وذلك لمعرفته حق المعرفة أن هذا الرفيق مدرب على خوض اعنف المعارك والمشادات اليدوية واستعمال احدث أنواع الركلات. كيف لا وقد شهد له التاريخ مواقف بطولية استطاع التغلب فيها على اعتى المعتدين .
لاح الصباح يحمل معه هدوء العاصفة. وخرج أبو كنعان يجوب الكروم. ينادي بأعلى صوته: أيها الرفيق أيها الرفيق. لكن لا اثر للمذكور ولا حياة للرفيق.
بحث في كل كهف ومغارة، بحث في كل رقعة ارض وحارة. عله يرى بقايا لحم أو عظم فيما إذا غدر به لكن بدون جدوى.
بدأ الخوف يساور قلب أبي كنعان الذي اخذ يميل للاستسلام بان رفيقه لن يعود إلى الدوام.
عاد أبو كنعان أدراجه إلى البيت. يجر أذيال الخيبة من ورائه. وأثناء عودته قرر أن يعرّج على القرية المجاورة لقريته وذلك من اجل استمرار مساعيه الحميدة من اجل العثور على الرفيق والتي بدأها ببيت صديقه أبي شلومو. فمهما يكن من اختلاف الدين فهو في النهاية من أبناء العمومة. وقد لجأ كثيرا لأبي كنعان لطلب المساعدة وقت الضيق. وكان أبو كنعان دائما طلائعي في المساعدة وإكرام المحتاج. ولم يكن يبخل عليه بشيء. فحتي بيت أبي شلومو لم يكن ليبنى لولا مساعدة أبناء أبي كنعان .
رحب " أبو شلومو" بابي كنعان اشد الترحاب فقد كان يعتبره من اعز الأحباب وقدم له الشاي الممزوج بالحزن الشديد على فقدان الرفيق حاثا اياه على الصبر والسلوان والمكتوب ليس منه مهروب .
رشف أبو كنعان رشفته الأولى من فنجان الشاي الساخن آملا أن يهدئ من روعه، ويخفف من حدة مزاجه المتوتر. لكنه ما أن رفع بفنجانه إلى فمه واستوت عيناه حتي لمح حمارا مربوطا في ساحة البيت
يا للعجب !!!!! هذا الحمار يشبه حماري في كل شيء الأنف، الفم، العينان، الأذنان، الرأس، الذنب. حتى النظرات الثاقبة التي كان يرمق الحمار بها أبا كنعان عندما يغضب منه أو يحمله ما لا طاقة له به .
نظرات عتاب وكأن لسان حاله يقول: يا خسارة خدمتي لك يا أبا كنعان !!!! الم تتعرف علي رغم عشرة العمر الطويلة!!!!! يجب أن تعرفني قبل مغادرتك هذا المجلس اللعين أيعقل أن الحمار يتعرف على صاحبه أما صاحبه تغيب عنه أوصاف حماره.
يا الهي إني أكاد أن اجن نسخة طبق الأصل من حماري ونظراته. لكني لا استطيع أن أبوح بذلك لأبي " شلومو" آو أعلن بأنه حماري. وذلك لسبب بسيط جدا هو أن حماري ابيض اللون وهذا اسود.
ومع كل هذا قرر أن يوجه كلامه لأبي" شلومو" قائلا: يا أبا " شلومو"!!! لم تعرفني على حمارك الذي لم أعهده من املاكك سابقا .
- انه أخوك أبو الصابر. لقد حررته حديثا من مالكه السابق حيث أوقع فيه اشد أنواع العذاب والاضطهاد. القى عليه المهام ليلا ونهارا. وكما ترى فالسرور يظهر على محياه لنيله حريته واستقلاله
- ولكني المح في عينه الجفلان منك!!!
- لا عليك يا ابن عمي سأروضه وأعوده على مالكه الجديد.
هم أبو كنعان بالانصراف لكنه عاد وجلس بعد إلحاح مضيفه في البقاء حتى تتوقف الأمطار التي أخذت تنزل بغزارة.
هذه الأمطار التي أصرت على السقوط بكميات هائلة أرادت منع أبي كنعان مغادرة المكان لتكشف له جريمة لا تغتفر هذه الأمطار لم تكن إلا جند من جنود الله. أراد بها أن تطهر القلوب من الخبث. وتغسل الرفيق من الدهان الذي صبغه به أبو سليم كما دعوه العرب. نعم ظهر الرفيق بلونه الأبيض الأصلي بعد أن زالت عنه الأصباغ السوداء من شدة وقع الأمطار على جسمه ليعود إلى أحضان أبي كنعان. ومهما يكن لا بد للقيد أن ينكسر وتزول الأصباغ ويعود الحق لأصحابه .
هذه قصة روتها لي ارض تدعى فلسطين.
قالت: صبرت كما صبر الحمار .
خدمت أهلي كما خدم الحمار.
غيروا ملامحي كما غيروا ملامح الحمار.
لكن الحمار نال استقلاله لمثابرة صاحبه ونضاله في البحث عنه.
أما أنا فأهلي يمرون عني ويتنكرون لي.
فلن تنزل الأمطار لتزيل الأصباغ ما داموا لا يبحثون عني!!!
لقد نسوني!!!!!
وأخاف أن يأتي يوما لن يعرفوني من كثرة الأصباغ المتراكمة على جلدي.
فأمانة أيها الأديب. أن تخبر أهلي أني مشتاقة لهم واني في الانتظار.
قل لهم: فلسطين بحاجة لصلاح دين .
للمؤلف الأديب الفلسطيني احمد حامد صرصور
لم يرجع حمار أبي كنعان كعادته للبيت. كان من المفروض أن ينهي مهامه اليومية في الكرم، ثم يعود قافلا للزريبة وقت الغروب، لا يلوي على شيء. على هذا تربى وهكذا تعود.
جلس أبو كنعان أمام بيته، ينتظر عودة الرفيق المناضل. هذا الرفيق الذي لا يعرف الكلل أو الملل. الرفيق المخلص الذي لا يتخذ عليها أجرا. يأكل ويشرب ما يجود به عليه أبو كنعان. ليس له طلبات خاصة، لا لباس مزركش ولا حذاء منقوش.
سرعان ما لملمت الشمس أشعتها وأقفلت على نفسها أبواب الظلام. والحمار لم يعد. فانتقل أبو كنعان من حالة الانتظار إلى خانة القلق لعدم عودة حماره. فهذه ليست من شيم هذا الحمار أن يبيت خارج الدار.
مر الوقت والرفيق لم يعد. مما حدا بابي كنعان الانتقال إلى مرحلة خطيرة مرحلة ارق الليل الشتائي الطويل. ينتظر إفراج الشمس عن أشعتها ليتبدد الظلام ويرفع راية الانهزام أمام تباشير الصباح الذي يعلن عن قدومه بحلول أول تكبيرة في الصلوات الخمس.
هذا الوضع التعيس لا يسبب الخوف الشديد في قلب أبي كنعان فهذه حالة عرضيه يستطيع أن يتلمس الأعذار لحماره الغائب.
لعلها كانت العاصفة الشديدة أرغمته على اللجوء إلى إحدى الكهوف ليتقي شرها.
أو لعله أعجب بأتان قد أغوته فاستضافته في ليلة عاصفة زهزجاء رغم انه لا يفتن بسهولة بالمنحرفات.
أو ربما ذهب ليعمل وردية ثانية ليؤمن نفقات رحلته الاستجمامية إلى مملكة الحمير المجاورة.
لكن فكرة أن يكون قد اغتيل على يد الوحوش المفترسة لم تراود أبا كنعان وذلك لمعرفته حق المعرفة أن هذا الرفيق مدرب على خوض اعنف المعارك والمشادات اليدوية واستعمال احدث أنواع الركلات. كيف لا وقد شهد له التاريخ مواقف بطولية استطاع التغلب فيها على اعتى المعتدين .
لاح الصباح يحمل معه هدوء العاصفة. وخرج أبو كنعان يجوب الكروم. ينادي بأعلى صوته: أيها الرفيق أيها الرفيق. لكن لا اثر للمذكور ولا حياة للرفيق.
بحث في كل كهف ومغارة، بحث في كل رقعة ارض وحارة. عله يرى بقايا لحم أو عظم فيما إذا غدر به لكن بدون جدوى.
بدأ الخوف يساور قلب أبي كنعان الذي اخذ يميل للاستسلام بان رفيقه لن يعود إلى الدوام.
عاد أبو كنعان أدراجه إلى البيت. يجر أذيال الخيبة من ورائه. وأثناء عودته قرر أن يعرّج على القرية المجاورة لقريته وذلك من اجل استمرار مساعيه الحميدة من اجل العثور على الرفيق والتي بدأها ببيت صديقه أبي شلومو. فمهما يكن من اختلاف الدين فهو في النهاية من أبناء العمومة. وقد لجأ كثيرا لأبي كنعان لطلب المساعدة وقت الضيق. وكان أبو كنعان دائما طلائعي في المساعدة وإكرام المحتاج. ولم يكن يبخل عليه بشيء. فحتي بيت أبي شلومو لم يكن ليبنى لولا مساعدة أبناء أبي كنعان .
رحب " أبو شلومو" بابي كنعان اشد الترحاب فقد كان يعتبره من اعز الأحباب وقدم له الشاي الممزوج بالحزن الشديد على فقدان الرفيق حاثا اياه على الصبر والسلوان والمكتوب ليس منه مهروب .
رشف أبو كنعان رشفته الأولى من فنجان الشاي الساخن آملا أن يهدئ من روعه، ويخفف من حدة مزاجه المتوتر. لكنه ما أن رفع بفنجانه إلى فمه واستوت عيناه حتي لمح حمارا مربوطا في ساحة البيت
يا للعجب !!!!! هذا الحمار يشبه حماري في كل شيء الأنف، الفم، العينان، الأذنان، الرأس، الذنب. حتى النظرات الثاقبة التي كان يرمق الحمار بها أبا كنعان عندما يغضب منه أو يحمله ما لا طاقة له به .
نظرات عتاب وكأن لسان حاله يقول: يا خسارة خدمتي لك يا أبا كنعان !!!! الم تتعرف علي رغم عشرة العمر الطويلة!!!!! يجب أن تعرفني قبل مغادرتك هذا المجلس اللعين أيعقل أن الحمار يتعرف على صاحبه أما صاحبه تغيب عنه أوصاف حماره.
يا الهي إني أكاد أن اجن نسخة طبق الأصل من حماري ونظراته. لكني لا استطيع أن أبوح بذلك لأبي " شلومو" آو أعلن بأنه حماري. وذلك لسبب بسيط جدا هو أن حماري ابيض اللون وهذا اسود.
ومع كل هذا قرر أن يوجه كلامه لأبي" شلومو" قائلا: يا أبا " شلومو"!!! لم تعرفني على حمارك الذي لم أعهده من املاكك سابقا .
- انه أخوك أبو الصابر. لقد حررته حديثا من مالكه السابق حيث أوقع فيه اشد أنواع العذاب والاضطهاد. القى عليه المهام ليلا ونهارا. وكما ترى فالسرور يظهر على محياه لنيله حريته واستقلاله
- ولكني المح في عينه الجفلان منك!!!
- لا عليك يا ابن عمي سأروضه وأعوده على مالكه الجديد.
هم أبو كنعان بالانصراف لكنه عاد وجلس بعد إلحاح مضيفه في البقاء حتى تتوقف الأمطار التي أخذت تنزل بغزارة.
هذه الأمطار التي أصرت على السقوط بكميات هائلة أرادت منع أبي كنعان مغادرة المكان لتكشف له جريمة لا تغتفر هذه الأمطار لم تكن إلا جند من جنود الله. أراد بها أن تطهر القلوب من الخبث. وتغسل الرفيق من الدهان الذي صبغه به أبو سليم كما دعوه العرب. نعم ظهر الرفيق بلونه الأبيض الأصلي بعد أن زالت عنه الأصباغ السوداء من شدة وقع الأمطار على جسمه ليعود إلى أحضان أبي كنعان. ومهما يكن لا بد للقيد أن ينكسر وتزول الأصباغ ويعود الحق لأصحابه .
هذه قصة روتها لي ارض تدعى فلسطين.
قالت: صبرت كما صبر الحمار .
خدمت أهلي كما خدم الحمار.
غيروا ملامحي كما غيروا ملامح الحمار.
لكن الحمار نال استقلاله لمثابرة صاحبه ونضاله في البحث عنه.
أما أنا فأهلي يمرون عني ويتنكرون لي.
فلن تنزل الأمطار لتزيل الأصباغ ما داموا لا يبحثون عني!!!
لقد نسوني!!!!!
وأخاف أن يأتي يوما لن يعرفوني من كثرة الأصباغ المتراكمة على جلدي.
فأمانة أيها الأديب. أن تخبر أهلي أني مشتاقة لهم واني في الانتظار.
قل لهم: فلسطين بحاجة لصلاح دين .
للمؤلف الأديب الفلسطيني احمد حامد صرصور
سوما رائد- جندي اول
-
عدد المشاركات : 14
العمر : 34
قوة التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 26/08/2014
رد: قصص أدبية من أجمل القصص
في العالم الآخر...
كان انتقالي من الحياة الجامعية إلى حياة العمال كمرحلة مؤقتة ليس بالأمر السهل كما ظننت، وبالرغم من خبرتي السابقة، إذ انه كان تغييراً جذريا في كل شيء، العادات اليومية والساعة البيولوجية والطعام والشراب والنظام ـ إن وجد ـ وحتى اللهجة واللغة أحيانا.
فهناك، المئات من الشباب الفلسطيني أو كما قال احدهم "الضفاوية" الساعي لكسب العيش في ظل كل تلك المصاعب، هناك حيث تعمل وتكد طوال نهار كامل ليقال لك أخره:"زي لو توف"!، هناك حيث التحدي والصبر والجلد والإصرار على الحياة.
هناك... حيث يستقر الغبار في كل ناحية من جسدك، ويمتزج فراشك برائحة العرق والسردين والتونا، هناك حيث لن تحصل على دوش ساخن لأسبوعين أو ثلاثة بل وربما لشهرين أو ثلاثة، وهناك ستشتاق لخبز الطابون وكأنك لست في وطنك!
هناك... حيث تصبح الحاجة أم الاختراع، لتجد نفسك مبدعاً في صناعة أدوات المعيشة من ابسط المواد، هناك حيث مسكنك ومنامك وسجنك وعملك وعالمك الخفي، هناك حيث يلتم الشمل الفلسطيني، فتجد الخليلي والغزاوي والنابلسي والطوباسي والقلقيلي والجينيني والكرمي والمقدسي والفحماوي والسبعاوي والنصراوي.
هناك... حيث لا تستطيع الخروج إلى الشارع، المشي والتبضع، هناك حيث يصبح الحصول على بطيخة مكسباً عظيماً ليترافق أكلها بطقوس وترانيم أشبه ما تكون بالهندية وما في ذلك من الغناء والأهازيج والدوران حول البطيخة!!
هناك... حيث التناقضات والمفارقات، هناك تجد المحامي والمهندس والأستاذ عاملاً، هناك حيث يصبح السبت متنفساً وحيدا لتبادل الزيارات العمالية، وشرب الشاي والقهوة، وفلترة التبغ "العربي" وغسل الملابس بالماء البارد والصابون ـ بل وربما بسائل الجلي ـ، وكتابة المقالات والاستماع لإذاعة فلسطينية وتحضير وجبة اندومي سريعة والاستماع لترانيم السبت اليهودية!!
هناك... مهد المآسي ومنبع الآلام، هناك تجد غزاويا انقطع به السبيل وحالت لقمة العيش بينه وبين أهله وزوجته وطفله الذي فتي بعيداً عن كنف والده غزاوي الأصل وضفاوي الهوية! والمشتت والمرهون بحالات سياسية معقده!!
هناك... تبحث عن معنى الحرية، وتكتشف أن ذلك معنى لايدركه الكثيرون ولا يبحث عنه سوى من نالت منه تلك الأيدي المجبولة بالحقد والكره لكل ما هو عربي وينطق العربية.
هناك... في العالم الآخر... حيث تقف عصراً ومع غروب الشمس لتنظر شرقاً... غرباً... شمالاً... وجنوباً... تتزاحم الأفكار في رأسك... هذه الأرض عربية... ماؤها وهواؤها عربي...عبقها ونسيمها عربي... الشجر والحجر والتراب عربي...طائر الحسون عربي... كل ما فيها عربي... إلا انك فيها الدخيل والغريب!!
ليث عرار
كان انتقالي من الحياة الجامعية إلى حياة العمال كمرحلة مؤقتة ليس بالأمر السهل كما ظننت، وبالرغم من خبرتي السابقة، إذ انه كان تغييراً جذريا في كل شيء، العادات اليومية والساعة البيولوجية والطعام والشراب والنظام ـ إن وجد ـ وحتى اللهجة واللغة أحيانا.
فهناك، المئات من الشباب الفلسطيني أو كما قال احدهم "الضفاوية" الساعي لكسب العيش في ظل كل تلك المصاعب، هناك حيث تعمل وتكد طوال نهار كامل ليقال لك أخره:"زي لو توف"!، هناك حيث التحدي والصبر والجلد والإصرار على الحياة.
هناك... حيث يستقر الغبار في كل ناحية من جسدك، ويمتزج فراشك برائحة العرق والسردين والتونا، هناك حيث لن تحصل على دوش ساخن لأسبوعين أو ثلاثة بل وربما لشهرين أو ثلاثة، وهناك ستشتاق لخبز الطابون وكأنك لست في وطنك!
هناك... حيث تصبح الحاجة أم الاختراع، لتجد نفسك مبدعاً في صناعة أدوات المعيشة من ابسط المواد، هناك حيث مسكنك ومنامك وسجنك وعملك وعالمك الخفي، هناك حيث يلتم الشمل الفلسطيني، فتجد الخليلي والغزاوي والنابلسي والطوباسي والقلقيلي والجينيني والكرمي والمقدسي والفحماوي والسبعاوي والنصراوي.
هناك... حيث لا تستطيع الخروج إلى الشارع، المشي والتبضع، هناك حيث يصبح الحصول على بطيخة مكسباً عظيماً ليترافق أكلها بطقوس وترانيم أشبه ما تكون بالهندية وما في ذلك من الغناء والأهازيج والدوران حول البطيخة!!
هناك... حيث التناقضات والمفارقات، هناك تجد المحامي والمهندس والأستاذ عاملاً، هناك حيث يصبح السبت متنفساً وحيدا لتبادل الزيارات العمالية، وشرب الشاي والقهوة، وفلترة التبغ "العربي" وغسل الملابس بالماء البارد والصابون ـ بل وربما بسائل الجلي ـ، وكتابة المقالات والاستماع لإذاعة فلسطينية وتحضير وجبة اندومي سريعة والاستماع لترانيم السبت اليهودية!!
هناك... مهد المآسي ومنبع الآلام، هناك تجد غزاويا انقطع به السبيل وحالت لقمة العيش بينه وبين أهله وزوجته وطفله الذي فتي بعيداً عن كنف والده غزاوي الأصل وضفاوي الهوية! والمشتت والمرهون بحالات سياسية معقده!!
هناك... تبحث عن معنى الحرية، وتكتشف أن ذلك معنى لايدركه الكثيرون ولا يبحث عنه سوى من نالت منه تلك الأيدي المجبولة بالحقد والكره لكل ما هو عربي وينطق العربية.
هناك... في العالم الآخر... حيث تقف عصراً ومع غروب الشمس لتنظر شرقاً... غرباً... شمالاً... وجنوباً... تتزاحم الأفكار في رأسك... هذه الأرض عربية... ماؤها وهواؤها عربي...عبقها ونسيمها عربي... الشجر والحجر والتراب عربي...طائر الحسون عربي... كل ما فيها عربي... إلا انك فيها الدخيل والغريب!!
ليث عرار
سوما رائد- جندي اول
-
عدد المشاركات : 14
العمر : 34
قوة التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 26/08/2014
مواضيع مماثلة
» ن أجمل القصص القصيره التي قرأتها !!!, معزها التسامح
» هذه القصة من أجمل القصص تبين لماذا خلق الله الالم والمع
» خواطر أدبية جميلة
» أمسية أدبية للحب والحرية بالأردن
» بيبول :جوليا روبرتس أجمل نساء الأرض وجاستين بيبر أجمل رجل
» هذه القصة من أجمل القصص تبين لماذا خلق الله الالم والمع
» خواطر أدبية جميلة
» أمسية أدبية للحب والحرية بالأردن
» بيبول :جوليا روبرتس أجمل نساء الأرض وجاستين بيبر أجمل رجل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR