إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
+2
عبدالحفيظ عوض ربيع
STAR
6 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
لمحة تاريخية
تتمتع ( ليبيا ) بموقع جغرافي مميز فهي تقع في وسط الشمال الإفريقي ، ويبلغ طول ساحلها على البحر الأبيض المتوسط 1.955 كم ، وتمتد رقعتها الشاسعة من وسط ساحل أفريقيا الشمالي على البحر المتوسط حتى مرتفعات شمال وسط القارة الإفريقية - تبلغ مساحتها 1.760 مليون كم مربع وتأتي في الترتيب الرابع من حيث المساحة بين الأقطار الإفريقية .. وتعتبر ( ليبيا ) جسراً مهماً يربط بين القارة الإفريقية وقارة أوروبا .. وتعد موانيئها الصالحة لإستقبال السفن على مدار السنة – مثل مينائي بنغازي وطرابلس وغيرهما منافذ جيدة لتجارة بعض الأقطار الإفريقية كالنيجر وتشاد ومالي – مع العالم الخارجي ، كما أنها بموقعها هذا تعتبر حلقة إتصال مهمة بين مشرق الوطن العربي ومغربه ، ولهذا السبب يظهر فيها بوضوح التقاء وإمتزاج التيارات الثقافية والحضارية العربية والإسلامية .
.. إن هذا الموقع الجغرافي الإستراتيجي المهم جعل تاريخ ( ليبيا ) السياسي يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالتاريخ العربي – الإسلامي ، وكذلك بتاريخ أقطار شرق وجنوب البحر المتوسط بصفة عامة ، وقد كان لها منذ أقدم العصور دور فعال في التطور السياسي لهذا الجزء من العالم .
عرف قدماء المصريين الأقوام التي تقطن إلى الغرب من مصر بالليبيين وكانت القبيلة الليبية التي تعيش في المنطقة المتاخمة لمصر هي قبيلة الليبو (lebu) وقد ورد ذكر هذه القبيلة لأول مرة في النصوص المصرية التي تنسب إلى الملك مرنبتاح (mernepteh) من الأسرة التاسعة عشرة ( القرن الثالث عشر ق.م) ومن أسمها إشتق إسم ليبيا وليبيين وقد عرف الأغريق هذا الإسم عن طريق المصريين ولكنهم أطلقوه على كل شمال أفريقيا إلى الغرب من مصر ، وهكذا ورد عند المؤرخ هيرودوت الذي زار ( ليبيا ) في بداية النصف الثاني من القرن الخامس ق.م وقد بلغ بعض القبائل درجة من القوة مكنها من دخول مصر وتكوين أسرة حاكمة هي الأسرة الثانية والعشرون ، والتي أحتفظت بالعرش قرنين من الزمان ( من القرن العاشر إلى القرن الثامن ق.م ) وإستطاع مؤسس تلك الأسرة الملك شيشنق أن يوحد مصر ، وأن يجتاح فلسطين ويستولي على عدد من المدن ويرجع بغنائم كثيرة .
بدأ إتصال الفينيقيين بسواحل شمال أفريقيا منذ فترة مبكرة .. بلغ الفينيقيون درجة عالية من التقدم والرقي وسيطروا على البحر المتوسط وأحتكروا تجارته وكانوا عند عبورهم ذلك البحر بين شواطيء الشام وأسبانيا التي كانوا يجلبون منها الفضة والقصدير ، يبحرون بمحاذاة الساحل الغربي من ( ليبيا ) وذلك لأنهم إعتادوا عدم الإبتعاد كثيراً عن الشاطيء خوفاً من إضطراب البحر ، كانت سفنهم ترسو على شواطيء ( ليبيا ) للتزود بما تحتاج إليه أثناء رحلاتها البحرية على طول الطريق من موانيئهم في الشرق إلى أسبانيا في الغرب وعلى الرغم من كثرة هذه المراكز والمحطات التجارية فإن المدن التي أنشأها وأقام فيها الفينيقيون كانت قليلة وذلك لأنهم كانوا تجاراً لا مستعمرين
ويرجح بعض المؤرخين أسباب إقامة المدن التي أستوطنها الفينيقيون في شمال أفريقيا إلى تزايد عدد السكان وضيق الرقعة الزراعية في الوطن الأم ، وكذلك بسبب الصراع الذي كثيراً ما قام بين عامة الشعب والطبقة الحاكمة ، أضف إلى ذلك ما كانت تتعرض له فينيقيا بين فترة وأخرى من غارات ، كغارات الأشوريين والفرس ثم الغارات اليونانية .
. إمتد نفوذ الفينيقيين إلى حدود برقة (قورينائية) وأسسوا بعض المدن المهمة ( طرابلس – لبدة – وصبراتة ) التي لعبت دوراً كبيراً في تاريخ شمال أفريقيا .. وقد أزدهرت تجارتهم على الساحل الغربي من ( ليبيا ) وذلك لسهولة الوصول إلى أواسط أفريقيا الغنية بمنتجاتها المربحة كالذهب والأحجار الكريمة والعاج وخشب الأبنوس وكذلك الرقيق ، وكانت أهم طرق القوافل تخرج من مدينة جرمة .. ولهذا صارت تلك المدينة مركزاً مهماً تجمع فيه منتجات أواسط أفريقيا التي تنقلها القوافل عبر الصحراء إلى المراكز الساحلية حيث تباع للفينيقيين مقابل المواد التي كانوا يجلبونها معهم .
.. وإستمر الجرمانتيون مسيطرون على دواخل ( ليبيا ) لفترة جاوزت الألف سنة ، وفي حين دخل الفينيقيون والأغريق في علاقات تجارية معهم ، حاول الرومان إخضاع الجرمانتيين بالقوة والسيطرة مباشرة على تجارة وسط أفريقيا ولكنهم فشلوا في ذلك وفي النهاية وجدوا أنه من الأفضل مسالمة تلك القبيلة .
.. إستمر وجود الفينيقيين وإزداد نوفذهم في شمال أفريقيا خاصة بعد تأسيس مدينة قرطاجة في الربع الأخير من القرن التاسع ق.م (813 ق.م) وصارت قرطاجة أكبر قوة سياسية وتجارية في منطقة حوض البحر المتوسط العربى ، وتمتعت بفترة طويلة من الإستقرار السياسي والإزدهار الإقتصادي .. ودخلت قرطاجة بعد ذلك في صراع مرير مع روما .. كان الحسد والغيرة يملآن قلوب الرومان على ما وصلت إليه تلك المدينة الفينيقية من قوة وثراء وبدأوا يعملون و يخططون من أجل القضاء عليها وبعد سلسلة من الحروب المضنية ، تكبد فيها الطرفان الكثير من الأرواح والأموال ، وهي الحروب التي عرفت في التاريخ بالحروب البونية ، إستطاعت روما أن تحقق هدفها وأن تدمر قرطاجة تدميراً شاملاً ، وكان ذلك سنة 146 ق.م ، وآلت بذلك كل ممتلكات قرطاجة – بما فيها المدن الليبية الثلاث – طرابلس – لبدة – صبراتة إلى الدولة الرومانية .
..أما السواحل الشرقية من ( ليبيا ) ( برقة – قورينائية ) فكانت من نصيب المستعمرن الأغريق – مثلث سواحل برقة أحد أنسب المواقع التي يمكن أن ينشيء فيها المهاجرون الأغريق مستعمراتهم فهي لا تبعد كثيراً عن بلادهم ، بالإضافة إلى ما كانوا يعرفونه من وفرة خيراتها وخصب أراضيها وغنى مراعيها بالماشية والأغنام بدأ الإستعمار الإغريقي لإقليم قورينائية ( برقة ) في القرن السابع ق.م عندما أسسوا مدينة قورينى ( شحات ) سنة 631 ق.م كان باتوس الأول هو أول ملك للمدينة وقد توارثت أسرته الحكم في قورينى لفترة قرنين من الزمان تقريباً لم يكن عدد المهاجرين الأوائل كبيراً ، إذ يقدر البعض بحوالي مائتي رجل ولكن في عهد ثالث ملوك قورينى باتوس الثاني حضرت أعداد كبيرة من المهاجرين الأغريق وأستقرت في الإقليم ، لقد أزعج هذا الأمر الليبيين .ودخلوا في حرب مع الإغريق من أجل الدفاع عن وجودهم وأراضيهم التي طردهم المستعمرون منها ومنحوها للمهاجرين الجدد ، وعلى الرغم من أن الأسرة التي أسسها باتوس الأول إستمرت في الحكم زمناً طويلاً ، فإنها لم تنعم بالإستقرار وذلك بسبب الهجمات التي كانت القبائل الليبية تشنها على المستعمرات الإغريقية في المنطقة الساحلية .
.. وفي عهد أركيسيلاوس الثاني – رابع ملوك قورينى – ترك بعض الأغريق ، وعلى رأسهم أخوه الملك ، مدينة قورينى ليؤسسوا بمساعدة الليبيين مدينة برقة ( المرج ) ولما إزداد عدد المهاجرين الذين أتوا إلى قورينى ، أرسلت تلك المدينة بعضاً منهم لإنشاء بعض محلات قريبة من الشاطيء كانت من بينها المحلة التي أنشئت طوخيرة – (توكرة) على موقعها .
.. كما أسست مدينة قورينى مستعمرة أخرى هي مدينة يوهسيبر يديس ( بنغازي ) وكما كان لقورينى ميناء هو أبولونيا (سوسة) فإن مدينة برقة كانت هي الأخرى أنشأت ميناء لها في موقع بطولوميس (طلميثة) عندما إحتل الفرس مصر ، بعث ملك قورينى سفارة إلى الملك الفارسي معلناً خضوع إقليم قورينائية ، وإستمرت تبعية الإقليم لمصر وواليها الفارسي وإن كانت في الغالب تبعية أسمية ، وفي منتصف القرن الخامس ق.م (440 ق.م) قتل أركيسيلاوس الرابع ، آخر ملوك أسرة باتوس ، في يوهيسيبريديس (بنغازي) وأصبحت قورينائية تضم مدناً مستقلة عن بعضها البعض ، وعلى الرغم من أن مدن الإقليم في هذه الفترة قد تمتعت بشيء من الإزدهار الإقتصادي فإنها عانت من الإضطرابات السياسية ، فبالإضافة الى إزدياد خطر هجمات القبائل الليبية ، كانت تلك المدن تتصارع فيما بينها ، كما عصفت بها الانقاسامات الداخلية وهكذا الى أن غزا الأسكندر المقدوني مصر 332 ق.م وأستولى البطالمة الذين خلفوه في حكم مصر على إقليم قورينائية 322 ق.م ، إذ ساد شيء من الهدؤ النسبي وأصبحت مدن الإقليم تعرف جميعاً بإسم بنتابوليس اي أرض المدن الخمس ، فقد تكون إتحاد إقليمي يضم هذه المدن ويتمتع بالإستقلال الداخلي ، وبقيت قورينائية تحت الحكم البطلمي حتى أرغم على التنازل عنها لروما سنة 96 ق.م ، وصار الإقليم تحت رعاية مجلس الشيوخ وكان يكون مع كريت ولاية رومانية واحدة الى أن فصلها الإمبراطور دقلد بانوس في نهاية القرن الثالث الميلادي عند إعتراف الإمبراطور قسطنطين الأول بالمسيحية في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي ، نجد أن تلك الديانة كانت قد إنتشرت في ليبيا ، ولكن يجب ألا نفهم أن ذلك كان يعني القضاء على الوثنية ، فقد تعايشت الديانتان جنباً الى جنب فترة قاربت القرن ونصف القرن من الزمان حتى بعد أن جعل الإمبراطور ثيودوسيوس الأول المسيحية الدين الرسمي والأوحد في الإمبراطورية في مرسوم أصدره سنة 392م ، وهذا الأمر لا تختلف فيه (ليبيا) عن بقية أقاليم الدولة الرومانية ، وكان أول أسقف لإقليم برقة سجله التاريخ شخصاً يدعى آموناس وكان ذلك سنة 260م وحضر أساقفة من مدن البنتابوليس أول مؤتمر مسيحي عالمي وهو المؤتمر الذي دعا الى عقده الإمبراطور قسطنطين في مدينة نيقيا سنة 325 م ، كان الأسقف سينسيوس القوريني أهم شخصيات الفترة المسيحية في برقة ، وتولى أسقفية طلميثة وذهب إلى البلاط الإمبراطوري في القسطنطينية على عهد الإمبراكور أركاديوس ليعرض المشاكل التي كانت تواجه الإقليم والتي كان من أهمها الضرائب الثقيلة المفروضة على مدنه ، وإن المشكلة الرئيسية التي واجهت الإقليم على أيامه هي الدفاع ضد غزوات القبائل الليبية التي زادت حدتها بعد عام 390م ، ولما لم يكن في الإمكان الإعتماد على مساعدة الحكومة الإمبراطورية ، قام سكان المدن والمناطق الريفية القريبة بتنظيم حرس محلي للدفاع عن أراضيهم ، إن الصورة التي يعطيها سينسيوس عن الأوضاع في الإقليم دفعت كثيراً من الدارسين إلى القول أن الحياة في البنتابوليس قد خبت نهائياً في القرن الخامس الميلادي ، ومع ذلك فإن الآثار القديمة تثبت أنه بينما كانت المدن تتضاءل ظل الريف محتفظاً بحيوية ملحوظة لمدة قرنين من الزمان بعد ذلك .
.. ولم يكن الأمر يختلف بالنسبة لمدن الساحل الغربي ، فبعد زوال الأسرة السيفيرية في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي سادت الإمبراطورية حالة من الفوضى والحروب الأهلية لمدة نصف قرن ، وبينما إستطاعت الأقاليم الأخرى في الإمبراطورية إسترداد أنفاسها بعد تلك الأزمة وأعيد إليها شيء من الأمن والنظام استمرت الإضطرابات تعصف بالشمال الإفريقي الأمر الذي سهل وقوعه في أيدي الوندال .. عبرت جموع الوندال إلى شمال أفريقيا حوالي سنة 430 م ، وأستولت على مدن إقليم طرابلس التي عانت الكثير مما يلحقه الوندال عادة من خراب ودمار في كل مكان يحلون فيه ، وعلى الرغم من أن الإمبراطورية الرومانية قد إستعادت الإقليم في القرن السادس الميلادي على عهد الإمبراطور جستينيان عندما نجح قائده بلزاريوس في طرد الوندال ، فإن ( ليبيا ) سواء في إقليم برقة أو إقليم طرابلس ، ظلت تعاني من آثار الجروح العميقة التي خلفتها جحافل الوندال ، وأصبحت البلاد بأكملها مستعدة لإستقبال أي فاتح جديد يخلصها من حالة الفوضى والإضطراب والضعف ، وفي هذه الاثناء لاحت في الأفق طلائع الفاتحين من العرب والمسلمين ، الذين جاءوا ليضعوا نهاية لذلك الوضع السيء وليفتحوا صفحة جديدة في تاريخ البلاد .
جغرافية ليبيا
تحتل الجماهيرية العظمى مساحة كبيرة من طرف القارة الإفريقية الشمالي وتمتد حدودها من ساحل البحر المتوسط شمالاً وتستمر جنوباً إلى أن تلتقي مع حدود كل من جمهوريتي النيجر وتشاد ، أما شرقاً فتسير الحدود مع مصر والسودان وغرباً مع حدود جمهوريتي تونس والجزائر وتمتلك ليبيا ساحلاً بحرياً طوله 1900 كم من بئر الرملة إلى رأس أجدير .
يتبين من خلال التحديد الجغرافي السابق إمتداد أرض الجماهيرية بين خطي طول 25.9 درجة شرقاً في حين يصل أقصى إمتداد لها صوب الجنوب خط عرض 18 درجة و 25 ثانية جنوباً أما في إتجاه الشمال فيعتبر خط عرض 33ْ شمالاً الحد الأقصى لإمتداد البلاد في هذا الإتجاه .
ويظهر بجلاء من هذا التحديد إتساع رقعة الدولة التي تقدر مساحتها بأكثر من مليون وسبعمائة وخمسين ألف كيلو متر مربع تحدها مجموعة من الحدود يبلغ مجموع أطوالها قرابة ستة الآف وخمسمائة كيلو متر منها أربعة آلاف وستمائة حدود برية أما الباقي وقدره ألف وتسعمائة كيلو متر فهو طول الشريط الساحلي الممتد بين بئر الرملة شرقاً ورأس إجدير غرباً .
التطور الجيولوجي والتكتوني
بدأت دراسة صخور الأحقاب والأدوار الجيولوجية في ليبيا منذ أكثر من مائة عام ففي عام 1850 م ، قام كل من أوفرج وبارت برحلة مشتركة من مدينة طرابلس إلى بحيرة تشاد ، وإستطاع بارت بعدها أن يعود إلى طرابلس بعد وفاة أوفرج – بخريطة لخط سير رحلتهما ، كما إستطاع أوفرج ايضاً قبل وفاته تقديم وصف مختصر لصخور حقب الحياة القديم التي تظهر في جنوب ليبيا .
.. وفي عام1869 م ، أعد ناكتيجال أول خريطة طوبوغرافية لمنطقة شمال غرب جبال تبستي الواقعة في أقصى الجنوب بينما يرجع الفضل إلى عالم الأحافير زيتل أول من قدم وصفاً تفصيلياً لصخور العصر الثلاثي التي تظهر في شرق ليبيا وغرب جمهورية مصر العربية ، وكان ذلك بعد أن قام برحلته الشهيرة عام 1873م برفقة الأستاذ زولفز ، كما قام بعض العلماء الإيطاليين بعد ذلك بالعديد من الدراسات الجيولوجية ولكنها إقتصرت جميعاً على الأجزاء الشمالية من ليبيا .. وكان من نتائج هذه الدراسة أن عرف الكثير عن خصائص معظم صخور الأحقاب والأدوار والعصور المختلفة بليبيا .
أما دبزو فقد قام بدوره عام 1930 م بتجميع نتائج كل هذه الدراسات مضافاً إليها دراساته الخاصة لإستنتاج أول خريطة جيولوجية متكاملة وكانت بمقياس رسم 3:1 مليون ولم تبدأ الدراسة التفصيلية لجيولوجية ليبيا إلا مع بداية إكتشاف النفط عام 1955 م ، إذ صدرت آنذاك عدة نشرات علمية بالإضافة إلى مجموعة من الخرائط الجيولوجية لمناطق متفرقة من ليبيا جمعت معظمها في خريطة واحدة بمقياس رقم 2:1 مليون وكان ذلك عام 1964 م.
وبالرغم من هذا فقد بقيت معظم المعالم الجيولوجية المهمة مجهولة حتى نهاية القرن التاسع عشر حيث شهد النصف الأول من القرن العشرين تطوراً سياسياً هائلاً صاحبه تطورات أخرى إقتصادية وإجتماعية بدأت البلاد بعدها تعي دورها كاملاً في عمليات إستكشاف كنوز ثرواتها الطبيعية فقد إستمر إكتشاف النفط والغاز الطبيعي والمعادن والمياه الجوفية وبدأ بذلك عصر التصنيع الحقيقي لهذه الموارد .
الفتح العربي الاسلامي
يعتبر الفتح العربي الإسلامي من أعظم الفتوحات تأثيراً وأكثرها عمقاً وخلوداً في البلاد ، إنتشر العرب في كل أرجاء البلاد وأندمجوا مع السكان المحليين (العرب الذين وصلوا في هجرات متتالية قبل الفتح الإسلامي) وأصبحت ( ليبيا ) بفضل ذلك الفتح الذي تم في القرن السابع الميلادي دولة عربية إسلامية إستطاع العرب بعد فترة وجيزة من قدومهم أن يوطدوا أركان حكمهم وأن ينشروا الأمن في ربوع البلاد وبقيت ( ليبيا ) تابعة للخليفة في الشرق حتى استقل إبراهيم بن الأغلب بولاية أفريقيا حوالي سنة 800م ، وأصبحت تبعيته للحكومة المركزية في الشرق تبعية أسمية ، وهو أمر يبدو أن الخليفة لم يعترض عليه كثيراً وذلك لأن الظروف السياسية في دولته المترامية الأطراف إقتضت اللامركزية في الحكم ، أسس إبن الأغلب أسرة ظلت تحكم البلاد حتى سقطت في أيدي الفاطميين سنة 909/910م هذا بالنسبة للجزء الغربي من البلاد أما الجزء الشرقي فقد ظل في معظم الأحيان تابعاً لولاية مصر .. في مطلع القرن العاشر الميلادي كان دعاة الشيعة نشطين في شمال أفريقيا ، جمعوا حولهم عدداً كبيراً من الأعوان وإستطاعوا في 910 م، أن ينتزعوا تونس من الأغالبة وعملوا على تثبيت أركان حكمهم وأخذ أمراؤهم لقب خليفة ، متحدين بذلك الخليفة العباسي في بغداد وفي سنة 969 م نجح جوهر الصقلي ، قائد جيوش الخليفة الفاطمي الرابع المعز لدين الله – في أخذ مصر من الأخشيديين ، وأختط مدينة القاهرة التي أصبحت حاضرة الخلافة الفاطمية التي إنتقل إليها المعز لدين الله سنة 973 م ، وترك المعز بلكين بن زيرى والياً على شمال أفريقيا بما في ذلك إقليم طرابلس ، وعلى الرغم من الود الذي ميز العلاقة بين الخليفة الفاطمي ونائبه على شمال أفريقيا في البداية فإن إبن زيرى وجد أن الترتيبات التي وضعها المعز لدين الله للولاية غير مناسبة له ، حيث جعل المعز لدين الله كل شؤون الولاية المالية في أيدي موظفين يتبعونه مباشرة وهذا ما رفضه ابن زيرى الذي القى القبض على عمال الخليفة وأرسل خطاباً شديد اللهجة إلى المعز في القاهرة ، وقد مات المعز لدين الله قبل أن يتمكن من إتخاذ أي إجراء ضد إبن زيرى ، وخلفه العزيز الذي إعترف بالأمر الواقع وأقر إبن زيرى على ولاية أفريقيا التي أصبحت الآن تمتد حتى اجدابيا وظلت الولاية في ايدي بن زيرى حتى سنة 1145 م ، ولكنها كانت في حالة من الفوضى والضعف سهلت على النورمانديين ، الذين كانوا ينطلقون من قواعدهم في صقلية ، إنتزاع طرابلس بقيادة زعيمهم روجر الصقلي ، وفي عام 1158 م نجح الموحدون في طرد النورمانديين من طرابلس ، وتمكن الموحدون من تدعيم حكمهم وتعزيز مكانتهم في شمال أفريقيا حتى 1230م ، وقد ترك الموحدون حكم الأجزاء الشرقية من ممتلكاتهم للحفصيين إلا أن برقة لم تدخل ضمن المناطق التي سيطر عليها الحفصيون إذ ظلت تحكم مباشرة من مصر وإن تمتعت في بعض الأحيان بالحكم الذاتي .
.. إحتل الأسبان طرابلس سنة 1510م ، وظلوا يحكمونها حتى سنة 1530م ، عندما منحها شارل الخامس ، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية لفرسان القديس يوحنا الذين صاروا يعرفون في ذلك الوقت بفرسان مالطا وبقى الفرسان في طرابلس إحدى وعشرين سنة لم يكن الفرسان متحمسين كثيراً للإحتفاظ بطرابلس . فبالإضافة لعداء الذي أظهره الليبيون تجاههم لأنهم اعتبروهم عنصراً أجنبياً دخيلاً ، وأهم من ذلك إنهم أعداء فى الدين ، اعترض الفرسان على تلك المنحة التي تعنى تقسيم قواتهم ، كما أن المسافة التي تفصل مالطا عن طرابلس تعنى تعذر العون فى حالة أي هجوم . وفى سنة 1551م ، وبعد الاستغاثات التي وجهت إلى السلطان العثماني باعتباره خليفة للمسلمين ، حضر سنان باشا ودرغوث إلى طرابلس ، وفرضا عليها حصارً دام أسبوعاً واحداً وانتهى بسقوط المدينة ، وفى الواقع أن طرابلس لم تكن أبدا مركزاً يستطيع فرسان القديس يوحنا الاحتفاظ به ضد أية مقاومة .
دخلت البلاد منذ 1551م عهداً جديداً اتفق المؤرخون على تسميته بالعهد العثماني الأول ، وهو الذي ينتهي 1711 م عندما استقل أحمد باشا القره مانلى بالولاية . وقد شمل الحكم العثماني كافة أقاليم ( ليبيا ) طرابلس الغرب ، برقة ، وفزان وكان يدير شؤونها والى ( باشا ) يعينه السلطان ، ولكن لم يمض قرن من الزمان حتى بدأ الضعف يدب فى أوصال الإمبراطورية العثمانية وأصبحت الحكومة المركزية عاجزة عن أن تفرض النظام وتتحكم فى الولاة الذين صاروا ينصبون ويعزلون حسب نزوات الجند فى جو مشحون بالمؤامرات والعنف . وفى كثير من الأحيان لم يبق الوالي فى منصبه أكثر من عام واحد حتى أنه فى الفترة ما بين سنة 1672م -1711م تولى الحكم أربعة وعشرون والياً .
لقد مرت البلاد بأوقات عصيبة عانى الشعب فيها الويلات نتيجة لاضطراب الأمن وعدم الاستقرار .
وفى سنة 1711م قاد أحمد القره مانلى ثورة شعبية أطاحت بالوالي . وكان أحمد هذا ضابطاً فى الجيش التركي وقرر تخليص البلاد من الحكام الفاسدين ووضع حداًً للفوضى .
ولما كان الشعب الليبي قد ضاق ذرعاً بالحكم الصارم المستبد فقد رحب بأحمد القره مانلى الذي تعهـد بحكم أفضل ، وقـد وافـق السلطان على تعيينه باشا على ( ليبيا) ومنحه قدراً كبيراً من الحكم الذاتي . ولكن القره مانليين كانوا يعتبرون حتى الشؤون الخارجية من اختصاصاتهم ، كانت ( ليبيا ) تمتلك أسطولاً قوياً مكنها من أن تتمتع بشخصية دولية وأصبحت تنعم بنوع من الاستقلال .
أسس أحمد القره مانلى أسرة حاكمة استمرت فى حكم ليبيا حتى 1835م . ويعتبر يوسف باشا ابرز ولاة هذه الأسرة وأبعدهم أثراً .
كان يوسف باشا حاكماً طوحاً أكد سيادة ( ليبيا ) على مياهها الإقليمية وطالب الدول البحرية المختلفة برسوم المرور عبر تلك المياه الليبية كما طالب فى سنة 1803م بزيادة الرسوم على السفن الأمريكية تأميناً لسلامتها عند مرورها فى المياه الليبية . وعندما رفضت الولايات المتحدة تلبية طلبه استولى على أحدى سفنها الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى فرض الحصار على طرابلس وضربها بالقنابل ولكن الليبيين استطاعوا مقاومة ذلك الحصار واسروا احدى السفن الأمريكية ( فيلادلفيا ) عام 1805م الأمر الذي جعل الأمريكيين يخضعون لمطالبهم . وبذلك استطاع يوسف باشا أن يملأ خزانته بالأموال التي كانت تدفعها الدول البحرية تأميناً لسلامة سفنها . ولكن يوسف باشا ما لبث أن أهمل شؤون البلاد وانغمس فى الملذات والترف ولجأ إلى الاستدانة من الدول الأوروبية .
كان السلطان العثماني قد بدأ يفيق بيوسف باشا وبتصرفاته خاصة عندما رفض يوسف مساعدة السلطان ضد اليونانيين عام 1829م . وفى هذه الأثناء قامت ضد القره مانليين ثورة عارمة بقيادة عبد الجليل سيف النصر واشتد ضغط الدول الأوروبية على يوسف لتسديد ديونه . ولما كانت خزائنه خاوية فرض ضرائب جديدة الأمر الذي ساء الشعب وأثار غضبه وانتشر السخط وعمت الثورة وأرغم يوسف باشا على الاستقالة تاركاُ لابنه علي وكان ذلك سنة 1832م . ولكن الوضع فى البلاد كان قد بلغ درجة من السوء استحال معها الإصلاح . وعلى الرغم من أن السلطان محمود الثاني ( 1808 – 1839) اعترف بعلي والياً على ( ليبيا ) فإن اهتمامه كان منصباً بصورة أكبر على كيفية على ما تبقى من ممتلكات الإمبراطورية خاصة بعد ضياع بلاد اليونان والجزائر 1830م . وبعد دراسة وافية للوضع فى طرابلس قرر السلطان التدخل مباشرة واستعادة سلطته . وفى 26 مايو 1835م وصل الأسطول التركي طرابلس وألقى القبض على علي باشا ونقل إلى تركيا وانتهى بذلك حكم القره مانليين فى ( ليبيا ) .
تفاءل الليبيون كثيراً بعودة الأتراك ورأوا فيهم حماة لهم ضد مخاطر الفرنسيين فى الجزائر ثم فى تونس ، وكذلك خطر الإنجليز الذي بدأ نفوذهم يتزايد فى مصر والسودان ولكن اتصال الدولة التركية بليبيا أصبح صعباً ومحفوفاً بالمخاطر نتيجة لوجود الإنجليز فى مصر الأمر الذي أدى إلى ضعف الحكم التركي فى ( ليبيا ) وجعل الليبيين يدركون أن سيكون عليهم وحدهم عبء مواجهة أي خطر خارجي .
كانت إيطاليا آخر الدول الأوروبية التي دخلت مجال التوسع الاستعماري وكانت ليبيا عند نهاية القرن التاسع عشر ، هي الجزء الوحيد من الوطن العربي فى شمال أفريقيا الذي لم يتمكن الصليبيون من الاستيلاء عليه .
إن قرب ليبيا من إيطاليا جعلها هدفاً رئيسياً من أهداف السياسة الاستعمارية الإيطالية ولم يصعب على إيطاليا اختلاق الذرائع الواهية لتعلن الحرب على تركيا فى 29 سبتمبر سنة 1911م . واستطاعت الاستيلاء على طرابلس فى 3 أكتوبر من السنة نفسها قاومت القوات التركية الإيطاليين لفترة قصيرة ولكــن تركيا تنازلت عن( ليبيا ) لإيطاليا بمقتضى المعاهدة التي أبرمت بين الدولتين فى 18 أكتوبر 1912م وأدرك الليبيون الآن أن عليهم أن ينظموا صفوفهم ويتولوا بأنفسهم أمر مقاومة المستعمر . وقد اشتدت مقاومة الليبيين للقوات الإيطالية مما حال دون تجاوز سيطرة الإيطاليين على المدن الساحلية . ولما دخلت إيطاليا الحرب العالمية الأولى 1915م انضم أحمد الشريف الذي كان يتولى قيادة المقاومة ضد الغزو الإيطالي فى برقة إلى جانب تركيا ضد الحلفاء . ولكن بعد هزيمة قواته تنازل عن الزعامة لإدريس السنوسي .
خرجت إيطاليا من الحرب منتصرة مما عـزز مركزهـا ، ولكن المقاومة فى ( ليبيا ) لم تتوقف استمر الليبيون على الرغم من إنهم عزل من السلاح يجاهدون فى سبيل تحرير وطنهم . وقد دفعت قوة المقاومة الإيطاليين إلى أن يمنحوا بعض الوعود لإدريس السنوسي تضمنت الاعتراف به أميراً على أجزاء من برقة الأمر الذي دفعه إلى الدخول فى سلسلة من الاتفاقيات المشينة مع الإيطاليين الهدف منها إجهاض حرك الجهاد حيث نصت تلك الاتفاقيات صراحة على وقف القتال وتسليم أسلحة المجاهدين وأمام الرفض الشعبي لهذه الاتفاقيات وأمام إصرار المجاهدين على الاستمرار فى القتال ضد الإيطاليين ورفضهم لنصوص الاتفاقيات ، اضطر إدريس السنوسي للهرب إلى مصر وتولى عمر المختار قيادة حركة الجهاد .
بعد أن تولى الحزب الفاشستي زمام الأمور فى إيطاليا سنة 1922م بدأ فى تطبيق سياسة استعمارية صارمة. وعمت الثورة كل ارجاء ( ليبيا ) ولكن القادة العسكريين الإيطاليين اتبعوا أساليب وحشية فى قمع المقاومة الليبية . وطال بطشهم وقمعهم كل الليبيين ولم ينج من ذلك حتى النساء والأطفال وفى 1931م اسروا عمر المختار الذي كان يتزعم حركة المقاومة وأعدموه شنقاً فى 16 سبتمبر سنة 1931م وبذلك تمكنوا من السيطرة على البلاد واستولوا على أخصب الأراضي ومنحوها للأسر الإيطالية التي أحضرت من إيطاليا لتقيم فى ليبيا .
وعندما قامت الحرب العالمية الثانية رأها الليبيون فرصة يجب استغلالها من أجل تحرير بلادهم . ولما دخلت إيطاليا الحرب 1940م أنضم الليبيون إلى جانب صفوف الحلفاء بعد أن تعهدت بريطانيا صراحة بأنه عندما تضع الحرب أوزارها فإن(ليبيا) لن تعود بأي حال من الأحوال تحت السيطرة الإيطالية .
كانت الشكوك تساور الليبيين فى نوايا بريطانيا بعد انتهاء الحرب واتضحت هذه النوايا بعد هزيمة إيطاليا وسقوط كل من بنغازي وطرابلس فى أيدي القوات البريطانية كان هدف بريطانيا المتمشي مع سياستها المعهودة ( فرق تسد ) هو الفصل بين اقليمى برقة وطرابلس ومنح فزان لفرنسا وكذلك العمل على غرس بذور الفرقة بين الليبيين . وبينما رأى الليبيون أنه بهزيمة إيطاليا سنة 1943م يجب أن تكون السيادة على ( ليبيا) لأهلها فإن الإنجليز والفرنسيين رفضوا ذلك وصمموا على حكم ( ليبيا ) حتى تتم التسوية مع إيطاليا وأصبحت هاتان الدولتان تتحكمان فى مصير ( ليبيا ) ضد رغبات شعبها ، وبعد كثير من المفاوضات تم الاتفاق على منح برقة استقلالها الذي اعترف به الإنجليز على الفور وكان ذلك فى أول يونيو 1949م ولكن هذا الإجراء الذي كانت غايته تهدئة الليبيين والهائهم عن قضيتهم ، لم يسكت صوت أحرار ( ليبيا) الذين استمروا فى المطالبة بحقوقهم واستعادة حريتهم . أن هذا الإصرار من جانب الليبيين ضمن لقضية ( ليبيا ) مكاناً فى جداول إعمال المؤتمرات التي عقدتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية كما نقل الليبيون قضيتهم إلى الأمم المتحدة .
وفـى هـذه الأثناء كانت الدوائـر الاستعمارية تدبر المكائد وتحيك المؤامرات على مستقبل ( ليبيا ) فقد نشرت بريطانيا وإيطاليا فى 10 مارس 1949م مشروع بيفن – سيفورزا الخاص بليبيا ويقضى ذلك المشروع بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان ، على أن تمنح ( ليبيا ) الاستقلال بعد عشر سنوات من تاريخ الموافقة على المشروع . وقد وافقت عليه اللجنة المختصة فى الأمم المتحدة فى 13 مايو 1949م وقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للاقتراع عليه ، ولكن المشروع باء بالفشل لحصوله على عدد قليل من الأصوات المؤيدة . وبعد مفاوضات كثيرة ومحاولات لإيجاد حلول وسط للقضية الليبية ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (289) فى 21 نوفمبر 1949م الذي يقضى بمنح ( ليبيا) استقلالها فى موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952م . وكونت لجنة تعمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة ولتبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق وحدة ليبيا ونقل السلطة إلى حكومة ليبية مستقلة .
وفى أكتوبر 1950 م تكونت جمعية تأسيسية من ستين عضوا ، يمثل كل من أقاليم ليبيا الثلاثة عشرون عضواً . وفى 25 نوفمبر من السنة نفسها اجتمعت الجمعية التأسيسية برئاسة مفتى طرابلس لتقرر شكل الدولة . وعلى الرغم من اعتراض ممثلي طرابلس فقد تم الاتفاق على النظام الاتحادي . وكلفت الجمعية التأسيسية لجنة لصياغة الدستور قامت تلك اللجنة بدراسة النظم الاتحادية المختلفة فى العالم ، وقدمت نتيجة عملها إلى الجمعية التأسيسية فى سبتمبر 1951م وكانت قد تكونت حكومات إقليمية مؤقتة فى طرابلس وفى 12 أكتوبر من عام 1951م نقلت إلى الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية السلطة كاملة ما عدا ما يتعلق بأمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية فالسلطات المالية نقلت إلى الحكومة الليبية فى 15 ديسمبر 1951م وأعقب ذلك فى 24 ديسمبر 1951م إعلان الدستور وتولى ليبيا شؤون الدفاع والخارجية ولكن على الرغم من كل ما قامت به بعض الدوائر الاستعمارية بعد 1951م مــن أجل الإبقاء على ( ليبيا ) مقسمة وضعيفة تحت ذلك النظام الاتحادي ، فإن الليبيين قاموا فى سنة 1963م بتعديل دستورهم وأسسوا دولة موحدة وأزالوا جميع العقبات التي كانت تحول دون وحدتهم . إلا أن الليبيين عانوا الكثير فى فترة الاستقلال المزيف من تكبيل بلادهم بسلسلة من القواعد الأجنبية ومن حكم فاسد عميل ، بدد ثروات البلاد وتركهم يعانون ويلات الفقر والمرض والجهل ، وبعد طول انتظار لاح الفجر فى الأفق الذي جاء تتويجاً لكفاح الشعب العربي الليبي الطويل وتمرة للتضحيات الجسام التي بذلها إنه فجر الفاتح العظيم 1969م .
السكان و كثافتهم
من المعروف أن الكثافة السكانية العامة هي علاقة نسبية بين عدد سكان منطقة محددة ومساحة تلك المنطقة وهذا يعني أنه كلما اتسعت المساحة إنخفضت الكثافة السكانية .. أن المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة هي تلك المناطق التي تتميز باتساع في المساحة .
ربما كان أهم تأثير على جغرافية السكان في ( ليبيا ) هو التأثير الناتج عن إستثمارات الدولة المتزايدة في مجالات الصحة والخدمات والتعليم وسياسات التنمية الزراعية والصناعية ولهذا فهناك زيادة في كثافة سكان بعض المناطق نتيجة لحركة أعداد كبيرة من المهاجرين الى المدن التي تظهر واضحة كرد فعل للمزايا المعروفة التي يعتقد بوجودها في مناطق المدن مما ساعد على نمو المدن الرئيسية بدرجة سريعة وعلى الرغم من التطورات التي تدفعها الرغبة في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والحد من الانعكاسات السيئة لظاهرة النمو السكاني السريع في المناطق المكتظة في المدن فإن الظروف الطبيعية ما يزال لها تأثيرها العميق في توزيع السكان .
ان مقارنة حجم السكان مع تطور دخل البلاد ونمو مواردها عكس ارتفاع متوسط دخل الفرد .. أما إذا ما نظرنا الى حجم الرقعة الجغرافية نجد أن البلاد تعاني من مشكلة تخلخل سكاني فالموارد البشرية لا تتمشى مع ما أتيح لها من مدخرات إقتصادية صاحبت تدفق النفط .
هذا ويتباين توزيع السكان تبايناً شديداً فعلى الرغم من أن الكثافة العامة للبلاد تبلغ حوالي 205 نسمة لكل مائة متر مربع فإنها تختلف من مكان الى آخر . وقد لا يعطي الاعتماد على مدلول الكثافة قيمة دقيقة لانها – جغرافياً – تشير لمنطقة قد تكون أجزاء كبيرة منها غير ذات أهمية . وغير مأهولة بالسكان ، فأغلب أجزاء الجماهيرية مناطق صحراوية نتيجة انخفاض معدل الكثافة العامة ، ومن خلال ملاحظة خارطة البلاد نلاحظ أن الشعبيات الشمالية بصفة عامة والشعبيات الشمالية الغربية بصفة خاصة تمثل المرتبة الأولى في كثافة السكان في حين أن الشعبيات الجنوبية والوسطى التي تمتد أراضيها الى الأجزاء الصحراوية قليلة الكثافة تصل في معدلها الى حوالي 0.05 نسمة للكيلو متر المربع بينما ترتفع الكثافة في شعبية طرابلس الى حوالي 583 نسمة والزاوية الى نحو 80 نسمة وبنغازي الى نحو 49 نسمة .
أما أكبر تجمع سكاني فهو يمتد في نظام كثيف السكان نوعاً على شكل مثلث رأسه في مصراتة وقاعدته تمتد بين بئر الغنم وزوارة .
ويمكن القول بأن الجماهيرية العظمى تشتمل على نطاقين متميزين من حيث التوزيع السكاني أحدها مأهول بالسكان في أغلبيته وبدرجة كثيفة نسبياً في بعض المناطق التي ترتكز فيها المدن الرئيسية وثانيهما النطاق الخالي من السكان ويغلب عليه الطابع الريفي وتكثر به الواحات الصحراوية والمدن الصغيرة فالقسم الشمالي الذي يمثل حوالي 10% من مساحة البلاد يسكنه حوالي 85% من مجموع السكان حيث يمثل أغلب المدن الرئيسية ومراكز الشعبيات وفروعها في حين أن القسم الجنوبي يمثل مساحة تقدر بنحو 90% ومجموع سكاني يقدر بحوالي 15% .
• تركيب السكان :
(أ) من حيث السن والنوع :
على الرغم من عدم وجود تقديرات يعتمد عليها في تحديد متوسط العمر في الجماهيرية العظمى غير أن التغيير في جملة السكان ومعدل المواليد والوفيات يحدث تغيراً في توقعات الحياة في فترات السن المختلفة .. والصورة العامة هي زيادة العمر المتوقع في الفترة الأخيرة وأن كانت بطبيعة الحال منخفضة لا تزيد عن 71 سنة .
.. ومع كل مظهر من مظاهر التغير السكاني يحدث تغير في الهرم السكاني للجماهيرية وأن كان التغير هنا من قبيل التغير في التفصيل دون الشكل العام للهرم السكاني . فما زال المجتمع الليبي مجتمعاً فتياً من الناحية الحيوية فالإحصاءات تظهر بأن هناك إرتفاعاً في نسبة صغار السن ما تحت 15 سنة ويقابل هذه الزيادة في هذه الفئة انخفاض في فئات السن ما فوق 15 سنة ويرجع ذلك لارتفاع نسبة المواليد ولا غرابة في ذلك إذا ما أرتفعت نسبة الأطفال الأقل من 5 سنوات إلى الإناث اللاتي تتراوح أعمارهن من 15 إلى 49 سنة .
أن تركيب السكان في التعدادات أشترك في بعض الخصائص وأهمها القاعدة العريضة التي تدل على إرتفاع نسبة الفئات الصغيرة والفتية .
أما من حيث التوزيع النوعي فتبين النتائج الإحصائية لتعداد عام (2004) أن مجموع السكان الليبيين بلغ حوالي (5882667) مليون نسمة من بينهم (2969562) مليون نسمة من الذكور أي ما يعادل (52%) من جملة السكان وفي (2913105) مليون من الإناث أي ما يعادل (45%) من مجموع السكان أي أن نسبة الذكور عام (2004) كانت (أنظر الجدول) ذكر لكل (أنظر الجدول) أنثى إلا أن هذه النسبة ليست ثابتة وإنما هي مختلفة من مكان إلى آخر من سنة إلى أخرى ترتفع النسبة من طرابلس وبنغازي بينما تقل في المناطق الجنوبية فظاهرة
زيادة نسبة الذكور على الإناث ليست بمشكلة كبيرة كما لو كانت نسبة الإناث أكثر من الذكور.
(ب)من حيث حجم الأسرة .
لقد أظهر تعداد عام (2004) بأن عدد الأسر الليبية قد بلغ (أنظر الجدول) ألف أسرة بعد أن كان 182.636 أسرة عام 1973 – 1984م وهذا يدل على أن الزيادة في عدد السكان كانت خلال هذه الفترة أعلى من الزيادة في عدد الأسر إذ بلغت نسبة الزيادة في عدد السكان حوالي 61.7% بمعنى أن معدل الزيادة في تكوين أسر جديدة كان أقل من معدل الزيادة في عدد السكان وأن العدد الأكبر من الأسر الليبية يتراوح بين ثلاثة وثمانية أفراد لقد صاحب تطور الظروف الاقتصادية والخدمات الصحية في البلاد وإنتشار التعليم بمختلف مراحله وزيادة الهجرة الداخلية إلى ظهور الروح الاستقلالية للفرد ، فأخذ كيان الأسرة الكبيرة يتفتت تدريجياً بعد أن كان هناك إرتباط موجود في أكثر من عائلة في أسرة واحدة.
أما من حيث حجم الأسرة فتعداد عام (2004) يؤكد بأن أغلب المتزوجين قد انجبوا أطفالاً وأن حوالي 5% فقط من المتزوجين لم يكن لديهم أطفال .
* نمط الحياة *
من الإتجاهات المهمة للسكان في الجماهيرية العظمى النمو السريع لسكان المدن وذلك لما تلعبه المدن من دور حيوي من الناحية الإقتصادية والإجتماعية ، فالتطور المستمر لبعض المدن يعتبر من الأمور القائمة فما يلفت النظر بعد عام 1969م ذلك السياق السريع نحو سكن المدن كما يلاحظ ذلك من عدد حجم المدن ونموها الوظيفي المتعاظم وكذلك إرتفاع النسبة المئوية لسكان المدن والتأثير الملحوظ لها مع السكان فقد أوضح تعداد عام 1984م أن نسبة السكان الحضر حوالي 70% من مجموع السكان يعيشون في مراكز يزيد عدد سكانها عن 7 الاف نسمة وأن أكثر من 75% من جملة السكان يعيشون في مراكز سكانها أكثر من 5 آلاف نسمة وقد قدر معدل النمو للسكان الحضر بنحو 7.6% سنوية .
المناخ في الجماهيرية
يلعب الموقع الجغرافي للجماهيرية العظمى دوراً أساسياً فى العوامل المؤثرة فى المناخ فمن المعروف أن الأراضي الليبية تمتد فى مساحات مترامية الأطراف بين دائرتى عرض 45. 18ْ و 57. 32ْ درجة شمالاً وعلى ذلك فالقسم الأعظم منها يقع داخل نطاق المناخ الصحراوي الحار الذي يسود معظم القسم الشمالي من القارة الأفريقية ، ولا يستثنى من ذلك إلا شريط ضيق يمتد على طول البحر المتوسط ، وبعض البقع الجبلية الواقعة شمال البلاد أو جنوبها حيث تسقط الأمطار بكميات تكفى لنمو حياة نباتية طبيعية تختلف فى كثافتها وفى أهميتها بالنسبة لقيام الحياة النباتية والبشرية حسب كمية المطر . فمن هذه المناطق ما تكفى أمطارها لنمو غابات وأحراش دائمة الخضرة شبيهة بالتي تنمو فى مناخ البحر المتوسط ، كما هو الحال فى الجبل الأخضر ، ومنها مالا تكفى أمطارها إلا لنمو حشائش موسمية سرعان ما تختفي باختفاء آخر رخة مطر فى الموسم كما هو الحال فى منطقة سهل الجفارة .
كما أن موقع البلاد المدارى وشبه المدارى متوسطاً مساحات كبيرة من اليابس الإفريقي جعل درجة الحرارة لا تختلف اختلافاً كبيراً من منطقة إلى أخرى ، حيث لا توجد السلاسل الجبلية الكبرى كجبال أطلس أو الألب على سبيل المثال ، ولا تمر بسواحلها التيارات البحرية الباردة فهي عموما ًمرتفعة إلى مرتفعة جداً فى الصيف باستثناء شريط الساحل والجبل الأخضر ، والجبل الغربي ومعتدلة إلى مائلة إلى البرودة فى الشتاء ويزداد المدى الحراري بين الليل والنهار والصيف والشتاء مع الاتجاه نحو الجنوب بعيداً عن مؤثرات البحر المتوسط أما الرطوبة النسبية فهي مرتفعة طوال العام على شريط الساحل بسبب هبوب الرياح الرطبة من جهة البحر ومنخفضة جداً بالمناطق الصحراوية بسبب قاحلية السطح والابتعاد عن المؤثرات البحرية أما فيما يخص الرياح السائدة على الساحل فيمكن تقسيمها إلى نوعين حسب فصول السنة فالاتجاه السائد فى النصف الصيفي هو الشرقي يليه الجنوبي الشرقي ثم الشرقي والشمالي الغربي ، أما فى الشتاء فيغلب الاتجاه الشمالي والشمالي الغربي ثم الغربي والجنوبي أما فى الأقاليم الجنوبية فالرياح التجارية الشمالية والشمالية الشرقية هى السائدة طوال العام .
وعموماً يتصف المناخ الليبي فى معظمه بمناخ الصحراء المدارية ، حيث يغلب عليه الجفاف نتيجة لعدة عوامل متعلقة بطبيعة الجو والسطح والموقع الجغرافي .
يمكن تحديد العوامل المؤثرة فى مناخ البلاد فى النقاط التالية :
1- درجة الحرارة .
2- الارتفاع والتضاريس .
3- المسطحات الهوائية .
4- الكتل الهوائية .
5- الغطاء النباتي .
أولاً : درجة العرض :-
تلعب درجة العرض دوراً أساسياً فى تحديد شدة الإشعاع الشمسي الساقط على سطح الأرض وكذلك كميته فالاراضى الليبية واقعة بين 45. 18ْ – 57. 32ْ درجة شمالاً وهذا يعني أنها منتشرة من أبعد نقطة فى الجنوب إلى ابعد نقطة فى الشمال بمسافة قدرها 12. 14ْ درجة عرضية . كما أن خط الساحل الشمالي للبلاد لا يتمشى مع درجة عرض واحدة فبينما تمتد الأطراف الشمالية لساحل شبه جزيرة برقة إلى درجة عرض 57. 32ْ ، فإن السواحل الجنوبية لخليج سرت تتوغل جنوباً إلى درجة عرض 15. 30ْ ، مما يعنى وجود فرق قدره درجتان ونصف تقريباً من درجات العرض بين ابعد أجزاء الساحل نحو الشمال وبين ابعد أجزائه نحو الجنوب مما يكون له أثره الملحوظ فى اختلاف درجة الحرارة والأمطار بين الاثنين . ومعلوم أن درجة العرض تحدد كلاً من زاوية سقوط الإشعاع الشمسي التي تتحكم فى شدة تركيز الإشعاع الواصل . فالإشعاع الشمسي ( الطاقة الشمسية ) يصل إلى سطح الأرض أكثر تركيزاً عندما تكون الشمس متعامدة أو شبه متعامدة على المكان ، وفى ليبيا يحدث ذلك عند الانقلاب الصيفي 21 الصيف ( يونيو ) عندما تتعامد على مدار السرطان الواقع عند درجة عرض 5. 23ْ شمالاً ومن خصائص الأشعة العمودية أنها تتركز على مساحة صغيرة من سطح الأرض بدلاً من انتشارها على مساحة كبيرة فيقل تركيزها كما يحدث بالنسبة للأشعة المائلة كما أن الأشعة العمودية تعبر خلال مسافة قصيرة نسبياً من الغلاف الجوى مقارنة بالمسافة التي تعبرها الأشعة المائلة مما يقلل من كمية الفاقد عن طريق الانتشار والانعكاس والامتصاص بفعل مكونات الجو الغازية والعالقة .
أن الفرق كبير بين زاويتي سقوط الإشعاع الشمسي على مدينة طرابلس خلال الانقلاب الصيفي (21 الصيف ) والانقلاب الشتوي 23" ديسمبر" ، حيث يبلغ فى الحالة الأولى زاوية قدرها 81ْ ، أما فى الثانية فيبلغ 34ْ فقط مما يؤدى إلى ارتفاع الحرارة بمعدلات كبيرة ، ففى الكفرة يبلغ متوسط عدد الأيام التي تفوق درجة حرارتها 40ْ مئوية 29 يوماً فى السنة بينما يقل الرقم فى طرابلس إلى 5.4 يوم فى السنة .
أن صغر زاوية سقوط الإشعاع فى الشتاء يعني بالضرورة ضعف التركيز الإشعاعي الساقط على السطح فتنخفض درجة الحرارة مقارنة بما هي عليه فى الصيف فأشعة الشمس فى الشتاء شديدة الميل تتعرض من جزاء ذلك إلى تعديلات كبيرة خلال عبورها كتلة كبيرة من الغلاف الجوى أضف إلى ذلك أن نسبة الانعكاس الأرضي تزداد مع زيادة ميل زاوية سقوط الإشعاع ، كما أن الانتشار الإشعاعي الواصل يتم على مساحة كبيرة من السطح مما يقلل من درجة تركيزه.
مما سبق يتضح أنه خلال الشتاء يتضافر عنصراُ الأشعة المائلة قليلة الطاقة والليل الطويل على خفض درجة الحرارة أما خلال الصيف فيتضافر أثر الإشعاع العمودي شديد التركيز والنهار الطويل على رفع درجة حرارة السطح والجو بالإضافة إلى التأثير الذي تسببه التغيرات الفصلية فى زاوية سقوط الإشعاع وطول النهار فى درجة الحرارة فهما يؤثران بالتالي وبطريقة غير مباشرة فى أنظمة الضغط الجوى والرياح اللذين سيأتي شرحهما فى فقرات لاحقة .
ثانياً : الارتفاع والتضاريس :
من المعروف أنه بالارتفاع تتناقص درجة حرارة الهواء بمعدل عام قدره درجة مئوية واحدة لكل 150 متراً لسببين أساسيين هما :-
1. الابتعاد عن سطح الأرض مصدر تسخين الجو .
2. تناقص سمك عود الهواء وكثافته .
فالهواء شبه جاف بالنسبة لمعظم الإشعاع القادم من الشمس ، فهو يسمح للإشعاع بالمرور باتجاه سطح الأرض دون أن يثأتر به كثيراً لكنه من جهة أخرى معتم بالنسبة للإشعاع المنطلق من الأرض إلى أعلى فالهواء يحتوى على بخار الماء وثأني أكسيد الكربون اللذين يقومان بامتصاص أغلب الإشعاع الأرضي ذي الموجات الطويلة وإعادة إشعاعه ثانية باتجاه سطح الأرض . فهما بذلك يمنعانه من التسلل إلى الفضاء . لهذا السبب نجد أن ليالي الشتاء الرطبة والكثيفة السحب لا تنخفض درجة حرارتها كثيراً عن حرارة النهار بعكس الليالي الجافة الخالية من السحب التي تنخفض درجة حرارتها كثيراً بسبب ضعف قدرة الهواء على منع الإشعاع الأرضي من التسلل والضياع فى الفضاء .
إذن الهواء لا يسخن أساساً من أعلى بفضل الأشعة الشمسية المباشرة إلا على نطاق ضيق جداً لأنه شفاف بالنسبة لتلك الأشعة قصيرة الموجة لكنه يسخن من أسفل بفعل الأشعة الأرضية طويلة الموجة لأنه معتم ولا يسمح لها بالهروب ، إذن كلما زاد الارتفاع عن المصدر الأرضي لتسخين الجو زاد الانخفاض فى درجة الحرارة ويساعد على تناقص الحرارة فى ذلك الاتجاه تناقص سمك الهواء وكثافته فيصبح الهواء رقيقاً وشفافاً حتى بالنسبة للإشعاع الأرضي. إن تأثير الارتفاع والتضاريس فى مناخ ليبيا محدود جداً لأن معظم مساحة البلاد عبارة عن هضبة قليلة الارتفاع فيما عدا نقطتين صغيرتين تشكلان الجبل الغربي والجبل الأخضر ولا يزيد الارتفاع بهما عن 800 متر ، فهناك تجد أثراً بسيطاً للارتفاع فى درجة الحرارة لهذا السبب يقل المعدل الشهري لدرجة الحرارة فى مدينة شحات عن مثيله فى مدينة بنغازي بحوالي 6. 3 درجة مئوية أن التأثير الأكثر وضوحاً للارتفاع والتضاريس فى مناخ ليبيا متمثل فى عنصر المطر أكثر منه فى الحرارة كما تختلف كميات المطر الساقطة فى الإقليم الواحد باختلاف موقعها من الجبل فالواجهات المقابلة لمسار الرياح الشتوية تتحصل على معدلات مضاعفة من الأمطار فمعدل المطر فى مدينة غريان يصل إلى 351 مليمتر سنويا بينما يزيد فى بئر الغنم عن 126 مليمتراً ومعدل الأمطار فى مدينة شحات يصل 569 مليمترً سنوياً بينما لا يزيد فى مدينة بنغازي عن 266 مليمتراً .
إن واجهة التضاريس للرياح يجعلها تضطرب وتصعد إلى أعلى فى محاولة لعبور السفح المقابل إلى الجهة الأخرى من الجبل لمواصلة الرحلة وإثناء صعود الهواء للسفح يتمدد وتنخفض درجة حرارته ذاتياً وقد يصل انخفاض الحرارة إلى نقطة الندى فيتكاثف بخر الماء في شكل سحب مم
تتمتع ( ليبيا ) بموقع جغرافي مميز فهي تقع في وسط الشمال الإفريقي ، ويبلغ طول ساحلها على البحر الأبيض المتوسط 1.955 كم ، وتمتد رقعتها الشاسعة من وسط ساحل أفريقيا الشمالي على البحر المتوسط حتى مرتفعات شمال وسط القارة الإفريقية - تبلغ مساحتها 1.760 مليون كم مربع وتأتي في الترتيب الرابع من حيث المساحة بين الأقطار الإفريقية .. وتعتبر ( ليبيا ) جسراً مهماً يربط بين القارة الإفريقية وقارة أوروبا .. وتعد موانيئها الصالحة لإستقبال السفن على مدار السنة – مثل مينائي بنغازي وطرابلس وغيرهما منافذ جيدة لتجارة بعض الأقطار الإفريقية كالنيجر وتشاد ومالي – مع العالم الخارجي ، كما أنها بموقعها هذا تعتبر حلقة إتصال مهمة بين مشرق الوطن العربي ومغربه ، ولهذا السبب يظهر فيها بوضوح التقاء وإمتزاج التيارات الثقافية والحضارية العربية والإسلامية .
.. إن هذا الموقع الجغرافي الإستراتيجي المهم جعل تاريخ ( ليبيا ) السياسي يرتبط إرتباطاً وثيقاً بالتاريخ العربي – الإسلامي ، وكذلك بتاريخ أقطار شرق وجنوب البحر المتوسط بصفة عامة ، وقد كان لها منذ أقدم العصور دور فعال في التطور السياسي لهذا الجزء من العالم .
عرف قدماء المصريين الأقوام التي تقطن إلى الغرب من مصر بالليبيين وكانت القبيلة الليبية التي تعيش في المنطقة المتاخمة لمصر هي قبيلة الليبو (lebu) وقد ورد ذكر هذه القبيلة لأول مرة في النصوص المصرية التي تنسب إلى الملك مرنبتاح (mernepteh) من الأسرة التاسعة عشرة ( القرن الثالث عشر ق.م) ومن أسمها إشتق إسم ليبيا وليبيين وقد عرف الأغريق هذا الإسم عن طريق المصريين ولكنهم أطلقوه على كل شمال أفريقيا إلى الغرب من مصر ، وهكذا ورد عند المؤرخ هيرودوت الذي زار ( ليبيا ) في بداية النصف الثاني من القرن الخامس ق.م وقد بلغ بعض القبائل درجة من القوة مكنها من دخول مصر وتكوين أسرة حاكمة هي الأسرة الثانية والعشرون ، والتي أحتفظت بالعرش قرنين من الزمان ( من القرن العاشر إلى القرن الثامن ق.م ) وإستطاع مؤسس تلك الأسرة الملك شيشنق أن يوحد مصر ، وأن يجتاح فلسطين ويستولي على عدد من المدن ويرجع بغنائم كثيرة .
بدأ إتصال الفينيقيين بسواحل شمال أفريقيا منذ فترة مبكرة .. بلغ الفينيقيون درجة عالية من التقدم والرقي وسيطروا على البحر المتوسط وأحتكروا تجارته وكانوا عند عبورهم ذلك البحر بين شواطيء الشام وأسبانيا التي كانوا يجلبون منها الفضة والقصدير ، يبحرون بمحاذاة الساحل الغربي من ( ليبيا ) وذلك لأنهم إعتادوا عدم الإبتعاد كثيراً عن الشاطيء خوفاً من إضطراب البحر ، كانت سفنهم ترسو على شواطيء ( ليبيا ) للتزود بما تحتاج إليه أثناء رحلاتها البحرية على طول الطريق من موانيئهم في الشرق إلى أسبانيا في الغرب وعلى الرغم من كثرة هذه المراكز والمحطات التجارية فإن المدن التي أنشأها وأقام فيها الفينيقيون كانت قليلة وذلك لأنهم كانوا تجاراً لا مستعمرين
ويرجح بعض المؤرخين أسباب إقامة المدن التي أستوطنها الفينيقيون في شمال أفريقيا إلى تزايد عدد السكان وضيق الرقعة الزراعية في الوطن الأم ، وكذلك بسبب الصراع الذي كثيراً ما قام بين عامة الشعب والطبقة الحاكمة ، أضف إلى ذلك ما كانت تتعرض له فينيقيا بين فترة وأخرى من غارات ، كغارات الأشوريين والفرس ثم الغارات اليونانية .
. إمتد نفوذ الفينيقيين إلى حدود برقة (قورينائية) وأسسوا بعض المدن المهمة ( طرابلس – لبدة – وصبراتة ) التي لعبت دوراً كبيراً في تاريخ شمال أفريقيا .. وقد أزدهرت تجارتهم على الساحل الغربي من ( ليبيا ) وذلك لسهولة الوصول إلى أواسط أفريقيا الغنية بمنتجاتها المربحة كالذهب والأحجار الكريمة والعاج وخشب الأبنوس وكذلك الرقيق ، وكانت أهم طرق القوافل تخرج من مدينة جرمة .. ولهذا صارت تلك المدينة مركزاً مهماً تجمع فيه منتجات أواسط أفريقيا التي تنقلها القوافل عبر الصحراء إلى المراكز الساحلية حيث تباع للفينيقيين مقابل المواد التي كانوا يجلبونها معهم .
.. وإستمر الجرمانتيون مسيطرون على دواخل ( ليبيا ) لفترة جاوزت الألف سنة ، وفي حين دخل الفينيقيون والأغريق في علاقات تجارية معهم ، حاول الرومان إخضاع الجرمانتيين بالقوة والسيطرة مباشرة على تجارة وسط أفريقيا ولكنهم فشلوا في ذلك وفي النهاية وجدوا أنه من الأفضل مسالمة تلك القبيلة .
.. إستمر وجود الفينيقيين وإزداد نوفذهم في شمال أفريقيا خاصة بعد تأسيس مدينة قرطاجة في الربع الأخير من القرن التاسع ق.م (813 ق.م) وصارت قرطاجة أكبر قوة سياسية وتجارية في منطقة حوض البحر المتوسط العربى ، وتمتعت بفترة طويلة من الإستقرار السياسي والإزدهار الإقتصادي .. ودخلت قرطاجة بعد ذلك في صراع مرير مع روما .. كان الحسد والغيرة يملآن قلوب الرومان على ما وصلت إليه تلك المدينة الفينيقية من قوة وثراء وبدأوا يعملون و يخططون من أجل القضاء عليها وبعد سلسلة من الحروب المضنية ، تكبد فيها الطرفان الكثير من الأرواح والأموال ، وهي الحروب التي عرفت في التاريخ بالحروب البونية ، إستطاعت روما أن تحقق هدفها وأن تدمر قرطاجة تدميراً شاملاً ، وكان ذلك سنة 146 ق.م ، وآلت بذلك كل ممتلكات قرطاجة – بما فيها المدن الليبية الثلاث – طرابلس – لبدة – صبراتة إلى الدولة الرومانية .
..أما السواحل الشرقية من ( ليبيا ) ( برقة – قورينائية ) فكانت من نصيب المستعمرن الأغريق – مثلث سواحل برقة أحد أنسب المواقع التي يمكن أن ينشيء فيها المهاجرون الأغريق مستعمراتهم فهي لا تبعد كثيراً عن بلادهم ، بالإضافة إلى ما كانوا يعرفونه من وفرة خيراتها وخصب أراضيها وغنى مراعيها بالماشية والأغنام بدأ الإستعمار الإغريقي لإقليم قورينائية ( برقة ) في القرن السابع ق.م عندما أسسوا مدينة قورينى ( شحات ) سنة 631 ق.م كان باتوس الأول هو أول ملك للمدينة وقد توارثت أسرته الحكم في قورينى لفترة قرنين من الزمان تقريباً لم يكن عدد المهاجرين الأوائل كبيراً ، إذ يقدر البعض بحوالي مائتي رجل ولكن في عهد ثالث ملوك قورينى باتوس الثاني حضرت أعداد كبيرة من المهاجرين الأغريق وأستقرت في الإقليم ، لقد أزعج هذا الأمر الليبيين .ودخلوا في حرب مع الإغريق من أجل الدفاع عن وجودهم وأراضيهم التي طردهم المستعمرون منها ومنحوها للمهاجرين الجدد ، وعلى الرغم من أن الأسرة التي أسسها باتوس الأول إستمرت في الحكم زمناً طويلاً ، فإنها لم تنعم بالإستقرار وذلك بسبب الهجمات التي كانت القبائل الليبية تشنها على المستعمرات الإغريقية في المنطقة الساحلية .
.. وفي عهد أركيسيلاوس الثاني – رابع ملوك قورينى – ترك بعض الأغريق ، وعلى رأسهم أخوه الملك ، مدينة قورينى ليؤسسوا بمساعدة الليبيين مدينة برقة ( المرج ) ولما إزداد عدد المهاجرين الذين أتوا إلى قورينى ، أرسلت تلك المدينة بعضاً منهم لإنشاء بعض محلات قريبة من الشاطيء كانت من بينها المحلة التي أنشئت طوخيرة – (توكرة) على موقعها .
.. كما أسست مدينة قورينى مستعمرة أخرى هي مدينة يوهسيبر يديس ( بنغازي ) وكما كان لقورينى ميناء هو أبولونيا (سوسة) فإن مدينة برقة كانت هي الأخرى أنشأت ميناء لها في موقع بطولوميس (طلميثة) عندما إحتل الفرس مصر ، بعث ملك قورينى سفارة إلى الملك الفارسي معلناً خضوع إقليم قورينائية ، وإستمرت تبعية الإقليم لمصر وواليها الفارسي وإن كانت في الغالب تبعية أسمية ، وفي منتصف القرن الخامس ق.م (440 ق.م) قتل أركيسيلاوس الرابع ، آخر ملوك أسرة باتوس ، في يوهيسيبريديس (بنغازي) وأصبحت قورينائية تضم مدناً مستقلة عن بعضها البعض ، وعلى الرغم من أن مدن الإقليم في هذه الفترة قد تمتعت بشيء من الإزدهار الإقتصادي فإنها عانت من الإضطرابات السياسية ، فبالإضافة الى إزدياد خطر هجمات القبائل الليبية ، كانت تلك المدن تتصارع فيما بينها ، كما عصفت بها الانقاسامات الداخلية وهكذا الى أن غزا الأسكندر المقدوني مصر 332 ق.م وأستولى البطالمة الذين خلفوه في حكم مصر على إقليم قورينائية 322 ق.م ، إذ ساد شيء من الهدؤ النسبي وأصبحت مدن الإقليم تعرف جميعاً بإسم بنتابوليس اي أرض المدن الخمس ، فقد تكون إتحاد إقليمي يضم هذه المدن ويتمتع بالإستقلال الداخلي ، وبقيت قورينائية تحت الحكم البطلمي حتى أرغم على التنازل عنها لروما سنة 96 ق.م ، وصار الإقليم تحت رعاية مجلس الشيوخ وكان يكون مع كريت ولاية رومانية واحدة الى أن فصلها الإمبراطور دقلد بانوس في نهاية القرن الثالث الميلادي عند إعتراف الإمبراطور قسطنطين الأول بالمسيحية في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي ، نجد أن تلك الديانة كانت قد إنتشرت في ليبيا ، ولكن يجب ألا نفهم أن ذلك كان يعني القضاء على الوثنية ، فقد تعايشت الديانتان جنباً الى جنب فترة قاربت القرن ونصف القرن من الزمان حتى بعد أن جعل الإمبراطور ثيودوسيوس الأول المسيحية الدين الرسمي والأوحد في الإمبراطورية في مرسوم أصدره سنة 392م ، وهذا الأمر لا تختلف فيه (ليبيا) عن بقية أقاليم الدولة الرومانية ، وكان أول أسقف لإقليم برقة سجله التاريخ شخصاً يدعى آموناس وكان ذلك سنة 260م وحضر أساقفة من مدن البنتابوليس أول مؤتمر مسيحي عالمي وهو المؤتمر الذي دعا الى عقده الإمبراطور قسطنطين في مدينة نيقيا سنة 325 م ، كان الأسقف سينسيوس القوريني أهم شخصيات الفترة المسيحية في برقة ، وتولى أسقفية طلميثة وذهب إلى البلاط الإمبراطوري في القسطنطينية على عهد الإمبراكور أركاديوس ليعرض المشاكل التي كانت تواجه الإقليم والتي كان من أهمها الضرائب الثقيلة المفروضة على مدنه ، وإن المشكلة الرئيسية التي واجهت الإقليم على أيامه هي الدفاع ضد غزوات القبائل الليبية التي زادت حدتها بعد عام 390م ، ولما لم يكن في الإمكان الإعتماد على مساعدة الحكومة الإمبراطورية ، قام سكان المدن والمناطق الريفية القريبة بتنظيم حرس محلي للدفاع عن أراضيهم ، إن الصورة التي يعطيها سينسيوس عن الأوضاع في الإقليم دفعت كثيراً من الدارسين إلى القول أن الحياة في البنتابوليس قد خبت نهائياً في القرن الخامس الميلادي ، ومع ذلك فإن الآثار القديمة تثبت أنه بينما كانت المدن تتضاءل ظل الريف محتفظاً بحيوية ملحوظة لمدة قرنين من الزمان بعد ذلك .
.. ولم يكن الأمر يختلف بالنسبة لمدن الساحل الغربي ، فبعد زوال الأسرة السيفيرية في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي سادت الإمبراطورية حالة من الفوضى والحروب الأهلية لمدة نصف قرن ، وبينما إستطاعت الأقاليم الأخرى في الإمبراطورية إسترداد أنفاسها بعد تلك الأزمة وأعيد إليها شيء من الأمن والنظام استمرت الإضطرابات تعصف بالشمال الإفريقي الأمر الذي سهل وقوعه في أيدي الوندال .. عبرت جموع الوندال إلى شمال أفريقيا حوالي سنة 430 م ، وأستولت على مدن إقليم طرابلس التي عانت الكثير مما يلحقه الوندال عادة من خراب ودمار في كل مكان يحلون فيه ، وعلى الرغم من أن الإمبراطورية الرومانية قد إستعادت الإقليم في القرن السادس الميلادي على عهد الإمبراطور جستينيان عندما نجح قائده بلزاريوس في طرد الوندال ، فإن ( ليبيا ) سواء في إقليم برقة أو إقليم طرابلس ، ظلت تعاني من آثار الجروح العميقة التي خلفتها جحافل الوندال ، وأصبحت البلاد بأكملها مستعدة لإستقبال أي فاتح جديد يخلصها من حالة الفوضى والإضطراب والضعف ، وفي هذه الاثناء لاحت في الأفق طلائع الفاتحين من العرب والمسلمين ، الذين جاءوا ليضعوا نهاية لذلك الوضع السيء وليفتحوا صفحة جديدة في تاريخ البلاد .
جغرافية ليبيا
تحتل الجماهيرية العظمى مساحة كبيرة من طرف القارة الإفريقية الشمالي وتمتد حدودها من ساحل البحر المتوسط شمالاً وتستمر جنوباً إلى أن تلتقي مع حدود كل من جمهوريتي النيجر وتشاد ، أما شرقاً فتسير الحدود مع مصر والسودان وغرباً مع حدود جمهوريتي تونس والجزائر وتمتلك ليبيا ساحلاً بحرياً طوله 1900 كم من بئر الرملة إلى رأس أجدير .
يتبين من خلال التحديد الجغرافي السابق إمتداد أرض الجماهيرية بين خطي طول 25.9 درجة شرقاً في حين يصل أقصى إمتداد لها صوب الجنوب خط عرض 18 درجة و 25 ثانية جنوباً أما في إتجاه الشمال فيعتبر خط عرض 33ْ شمالاً الحد الأقصى لإمتداد البلاد في هذا الإتجاه .
ويظهر بجلاء من هذا التحديد إتساع رقعة الدولة التي تقدر مساحتها بأكثر من مليون وسبعمائة وخمسين ألف كيلو متر مربع تحدها مجموعة من الحدود يبلغ مجموع أطوالها قرابة ستة الآف وخمسمائة كيلو متر منها أربعة آلاف وستمائة حدود برية أما الباقي وقدره ألف وتسعمائة كيلو متر فهو طول الشريط الساحلي الممتد بين بئر الرملة شرقاً ورأس إجدير غرباً .
التطور الجيولوجي والتكتوني
بدأت دراسة صخور الأحقاب والأدوار الجيولوجية في ليبيا منذ أكثر من مائة عام ففي عام 1850 م ، قام كل من أوفرج وبارت برحلة مشتركة من مدينة طرابلس إلى بحيرة تشاد ، وإستطاع بارت بعدها أن يعود إلى طرابلس بعد وفاة أوفرج – بخريطة لخط سير رحلتهما ، كما إستطاع أوفرج ايضاً قبل وفاته تقديم وصف مختصر لصخور حقب الحياة القديم التي تظهر في جنوب ليبيا .
.. وفي عام1869 م ، أعد ناكتيجال أول خريطة طوبوغرافية لمنطقة شمال غرب جبال تبستي الواقعة في أقصى الجنوب بينما يرجع الفضل إلى عالم الأحافير زيتل أول من قدم وصفاً تفصيلياً لصخور العصر الثلاثي التي تظهر في شرق ليبيا وغرب جمهورية مصر العربية ، وكان ذلك بعد أن قام برحلته الشهيرة عام 1873م برفقة الأستاذ زولفز ، كما قام بعض العلماء الإيطاليين بعد ذلك بالعديد من الدراسات الجيولوجية ولكنها إقتصرت جميعاً على الأجزاء الشمالية من ليبيا .. وكان من نتائج هذه الدراسة أن عرف الكثير عن خصائص معظم صخور الأحقاب والأدوار والعصور المختلفة بليبيا .
أما دبزو فقد قام بدوره عام 1930 م بتجميع نتائج كل هذه الدراسات مضافاً إليها دراساته الخاصة لإستنتاج أول خريطة جيولوجية متكاملة وكانت بمقياس رسم 3:1 مليون ولم تبدأ الدراسة التفصيلية لجيولوجية ليبيا إلا مع بداية إكتشاف النفط عام 1955 م ، إذ صدرت آنذاك عدة نشرات علمية بالإضافة إلى مجموعة من الخرائط الجيولوجية لمناطق متفرقة من ليبيا جمعت معظمها في خريطة واحدة بمقياس رقم 2:1 مليون وكان ذلك عام 1964 م.
وبالرغم من هذا فقد بقيت معظم المعالم الجيولوجية المهمة مجهولة حتى نهاية القرن التاسع عشر حيث شهد النصف الأول من القرن العشرين تطوراً سياسياً هائلاً صاحبه تطورات أخرى إقتصادية وإجتماعية بدأت البلاد بعدها تعي دورها كاملاً في عمليات إستكشاف كنوز ثرواتها الطبيعية فقد إستمر إكتشاف النفط والغاز الطبيعي والمعادن والمياه الجوفية وبدأ بذلك عصر التصنيع الحقيقي لهذه الموارد .
الفتح العربي الاسلامي
يعتبر الفتح العربي الإسلامي من أعظم الفتوحات تأثيراً وأكثرها عمقاً وخلوداً في البلاد ، إنتشر العرب في كل أرجاء البلاد وأندمجوا مع السكان المحليين (العرب الذين وصلوا في هجرات متتالية قبل الفتح الإسلامي) وأصبحت ( ليبيا ) بفضل ذلك الفتح الذي تم في القرن السابع الميلادي دولة عربية إسلامية إستطاع العرب بعد فترة وجيزة من قدومهم أن يوطدوا أركان حكمهم وأن ينشروا الأمن في ربوع البلاد وبقيت ( ليبيا ) تابعة للخليفة في الشرق حتى استقل إبراهيم بن الأغلب بولاية أفريقيا حوالي سنة 800م ، وأصبحت تبعيته للحكومة المركزية في الشرق تبعية أسمية ، وهو أمر يبدو أن الخليفة لم يعترض عليه كثيراً وذلك لأن الظروف السياسية في دولته المترامية الأطراف إقتضت اللامركزية في الحكم ، أسس إبن الأغلب أسرة ظلت تحكم البلاد حتى سقطت في أيدي الفاطميين سنة 909/910م هذا بالنسبة للجزء الغربي من البلاد أما الجزء الشرقي فقد ظل في معظم الأحيان تابعاً لولاية مصر .. في مطلع القرن العاشر الميلادي كان دعاة الشيعة نشطين في شمال أفريقيا ، جمعوا حولهم عدداً كبيراً من الأعوان وإستطاعوا في 910 م، أن ينتزعوا تونس من الأغالبة وعملوا على تثبيت أركان حكمهم وأخذ أمراؤهم لقب خليفة ، متحدين بذلك الخليفة العباسي في بغداد وفي سنة 969 م نجح جوهر الصقلي ، قائد جيوش الخليفة الفاطمي الرابع المعز لدين الله – في أخذ مصر من الأخشيديين ، وأختط مدينة القاهرة التي أصبحت حاضرة الخلافة الفاطمية التي إنتقل إليها المعز لدين الله سنة 973 م ، وترك المعز بلكين بن زيرى والياً على شمال أفريقيا بما في ذلك إقليم طرابلس ، وعلى الرغم من الود الذي ميز العلاقة بين الخليفة الفاطمي ونائبه على شمال أفريقيا في البداية فإن إبن زيرى وجد أن الترتيبات التي وضعها المعز لدين الله للولاية غير مناسبة له ، حيث جعل المعز لدين الله كل شؤون الولاية المالية في أيدي موظفين يتبعونه مباشرة وهذا ما رفضه ابن زيرى الذي القى القبض على عمال الخليفة وأرسل خطاباً شديد اللهجة إلى المعز في القاهرة ، وقد مات المعز لدين الله قبل أن يتمكن من إتخاذ أي إجراء ضد إبن زيرى ، وخلفه العزيز الذي إعترف بالأمر الواقع وأقر إبن زيرى على ولاية أفريقيا التي أصبحت الآن تمتد حتى اجدابيا وظلت الولاية في ايدي بن زيرى حتى سنة 1145 م ، ولكنها كانت في حالة من الفوضى والضعف سهلت على النورمانديين ، الذين كانوا ينطلقون من قواعدهم في صقلية ، إنتزاع طرابلس بقيادة زعيمهم روجر الصقلي ، وفي عام 1158 م نجح الموحدون في طرد النورمانديين من طرابلس ، وتمكن الموحدون من تدعيم حكمهم وتعزيز مكانتهم في شمال أفريقيا حتى 1230م ، وقد ترك الموحدون حكم الأجزاء الشرقية من ممتلكاتهم للحفصيين إلا أن برقة لم تدخل ضمن المناطق التي سيطر عليها الحفصيون إذ ظلت تحكم مباشرة من مصر وإن تمتعت في بعض الأحيان بالحكم الذاتي .
.. إحتل الأسبان طرابلس سنة 1510م ، وظلوا يحكمونها حتى سنة 1530م ، عندما منحها شارل الخامس ، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية لفرسان القديس يوحنا الذين صاروا يعرفون في ذلك الوقت بفرسان مالطا وبقى الفرسان في طرابلس إحدى وعشرين سنة لم يكن الفرسان متحمسين كثيراً للإحتفاظ بطرابلس . فبالإضافة لعداء الذي أظهره الليبيون تجاههم لأنهم اعتبروهم عنصراً أجنبياً دخيلاً ، وأهم من ذلك إنهم أعداء فى الدين ، اعترض الفرسان على تلك المنحة التي تعنى تقسيم قواتهم ، كما أن المسافة التي تفصل مالطا عن طرابلس تعنى تعذر العون فى حالة أي هجوم . وفى سنة 1551م ، وبعد الاستغاثات التي وجهت إلى السلطان العثماني باعتباره خليفة للمسلمين ، حضر سنان باشا ودرغوث إلى طرابلس ، وفرضا عليها حصارً دام أسبوعاً واحداً وانتهى بسقوط المدينة ، وفى الواقع أن طرابلس لم تكن أبدا مركزاً يستطيع فرسان القديس يوحنا الاحتفاظ به ضد أية مقاومة .
دخلت البلاد منذ 1551م عهداً جديداً اتفق المؤرخون على تسميته بالعهد العثماني الأول ، وهو الذي ينتهي 1711 م عندما استقل أحمد باشا القره مانلى بالولاية . وقد شمل الحكم العثماني كافة أقاليم ( ليبيا ) طرابلس الغرب ، برقة ، وفزان وكان يدير شؤونها والى ( باشا ) يعينه السلطان ، ولكن لم يمض قرن من الزمان حتى بدأ الضعف يدب فى أوصال الإمبراطورية العثمانية وأصبحت الحكومة المركزية عاجزة عن أن تفرض النظام وتتحكم فى الولاة الذين صاروا ينصبون ويعزلون حسب نزوات الجند فى جو مشحون بالمؤامرات والعنف . وفى كثير من الأحيان لم يبق الوالي فى منصبه أكثر من عام واحد حتى أنه فى الفترة ما بين سنة 1672م -1711م تولى الحكم أربعة وعشرون والياً .
لقد مرت البلاد بأوقات عصيبة عانى الشعب فيها الويلات نتيجة لاضطراب الأمن وعدم الاستقرار .
وفى سنة 1711م قاد أحمد القره مانلى ثورة شعبية أطاحت بالوالي . وكان أحمد هذا ضابطاً فى الجيش التركي وقرر تخليص البلاد من الحكام الفاسدين ووضع حداًً للفوضى .
ولما كان الشعب الليبي قد ضاق ذرعاً بالحكم الصارم المستبد فقد رحب بأحمد القره مانلى الذي تعهـد بحكم أفضل ، وقـد وافـق السلطان على تعيينه باشا على ( ليبيا) ومنحه قدراً كبيراً من الحكم الذاتي . ولكن القره مانليين كانوا يعتبرون حتى الشؤون الخارجية من اختصاصاتهم ، كانت ( ليبيا ) تمتلك أسطولاً قوياً مكنها من أن تتمتع بشخصية دولية وأصبحت تنعم بنوع من الاستقلال .
أسس أحمد القره مانلى أسرة حاكمة استمرت فى حكم ليبيا حتى 1835م . ويعتبر يوسف باشا ابرز ولاة هذه الأسرة وأبعدهم أثراً .
كان يوسف باشا حاكماً طوحاً أكد سيادة ( ليبيا ) على مياهها الإقليمية وطالب الدول البحرية المختلفة برسوم المرور عبر تلك المياه الليبية كما طالب فى سنة 1803م بزيادة الرسوم على السفن الأمريكية تأميناً لسلامتها عند مرورها فى المياه الليبية . وعندما رفضت الولايات المتحدة تلبية طلبه استولى على أحدى سفنها الأمر الذي دفع الأمريكيين إلى فرض الحصار على طرابلس وضربها بالقنابل ولكن الليبيين استطاعوا مقاومة ذلك الحصار واسروا احدى السفن الأمريكية ( فيلادلفيا ) عام 1805م الأمر الذي جعل الأمريكيين يخضعون لمطالبهم . وبذلك استطاع يوسف باشا أن يملأ خزانته بالأموال التي كانت تدفعها الدول البحرية تأميناً لسلامة سفنها . ولكن يوسف باشا ما لبث أن أهمل شؤون البلاد وانغمس فى الملذات والترف ولجأ إلى الاستدانة من الدول الأوروبية .
كان السلطان العثماني قد بدأ يفيق بيوسف باشا وبتصرفاته خاصة عندما رفض يوسف مساعدة السلطان ضد اليونانيين عام 1829م . وفى هذه الأثناء قامت ضد القره مانليين ثورة عارمة بقيادة عبد الجليل سيف النصر واشتد ضغط الدول الأوروبية على يوسف لتسديد ديونه . ولما كانت خزائنه خاوية فرض ضرائب جديدة الأمر الذي ساء الشعب وأثار غضبه وانتشر السخط وعمت الثورة وأرغم يوسف باشا على الاستقالة تاركاُ لابنه علي وكان ذلك سنة 1832م . ولكن الوضع فى البلاد كان قد بلغ درجة من السوء استحال معها الإصلاح . وعلى الرغم من أن السلطان محمود الثاني ( 1808 – 1839) اعترف بعلي والياً على ( ليبيا ) فإن اهتمامه كان منصباً بصورة أكبر على كيفية على ما تبقى من ممتلكات الإمبراطورية خاصة بعد ضياع بلاد اليونان والجزائر 1830م . وبعد دراسة وافية للوضع فى طرابلس قرر السلطان التدخل مباشرة واستعادة سلطته . وفى 26 مايو 1835م وصل الأسطول التركي طرابلس وألقى القبض على علي باشا ونقل إلى تركيا وانتهى بذلك حكم القره مانليين فى ( ليبيا ) .
تفاءل الليبيون كثيراً بعودة الأتراك ورأوا فيهم حماة لهم ضد مخاطر الفرنسيين فى الجزائر ثم فى تونس ، وكذلك خطر الإنجليز الذي بدأ نفوذهم يتزايد فى مصر والسودان ولكن اتصال الدولة التركية بليبيا أصبح صعباً ومحفوفاً بالمخاطر نتيجة لوجود الإنجليز فى مصر الأمر الذي أدى إلى ضعف الحكم التركي فى ( ليبيا ) وجعل الليبيين يدركون أن سيكون عليهم وحدهم عبء مواجهة أي خطر خارجي .
كانت إيطاليا آخر الدول الأوروبية التي دخلت مجال التوسع الاستعماري وكانت ليبيا عند نهاية القرن التاسع عشر ، هي الجزء الوحيد من الوطن العربي فى شمال أفريقيا الذي لم يتمكن الصليبيون من الاستيلاء عليه .
إن قرب ليبيا من إيطاليا جعلها هدفاً رئيسياً من أهداف السياسة الاستعمارية الإيطالية ولم يصعب على إيطاليا اختلاق الذرائع الواهية لتعلن الحرب على تركيا فى 29 سبتمبر سنة 1911م . واستطاعت الاستيلاء على طرابلس فى 3 أكتوبر من السنة نفسها قاومت القوات التركية الإيطاليين لفترة قصيرة ولكــن تركيا تنازلت عن( ليبيا ) لإيطاليا بمقتضى المعاهدة التي أبرمت بين الدولتين فى 18 أكتوبر 1912م وأدرك الليبيون الآن أن عليهم أن ينظموا صفوفهم ويتولوا بأنفسهم أمر مقاومة المستعمر . وقد اشتدت مقاومة الليبيين للقوات الإيطالية مما حال دون تجاوز سيطرة الإيطاليين على المدن الساحلية . ولما دخلت إيطاليا الحرب العالمية الأولى 1915م انضم أحمد الشريف الذي كان يتولى قيادة المقاومة ضد الغزو الإيطالي فى برقة إلى جانب تركيا ضد الحلفاء . ولكن بعد هزيمة قواته تنازل عن الزعامة لإدريس السنوسي .
خرجت إيطاليا من الحرب منتصرة مما عـزز مركزهـا ، ولكن المقاومة فى ( ليبيا ) لم تتوقف استمر الليبيون على الرغم من إنهم عزل من السلاح يجاهدون فى سبيل تحرير وطنهم . وقد دفعت قوة المقاومة الإيطاليين إلى أن يمنحوا بعض الوعود لإدريس السنوسي تضمنت الاعتراف به أميراً على أجزاء من برقة الأمر الذي دفعه إلى الدخول فى سلسلة من الاتفاقيات المشينة مع الإيطاليين الهدف منها إجهاض حرك الجهاد حيث نصت تلك الاتفاقيات صراحة على وقف القتال وتسليم أسلحة المجاهدين وأمام الرفض الشعبي لهذه الاتفاقيات وأمام إصرار المجاهدين على الاستمرار فى القتال ضد الإيطاليين ورفضهم لنصوص الاتفاقيات ، اضطر إدريس السنوسي للهرب إلى مصر وتولى عمر المختار قيادة حركة الجهاد .
بعد أن تولى الحزب الفاشستي زمام الأمور فى إيطاليا سنة 1922م بدأ فى تطبيق سياسة استعمارية صارمة. وعمت الثورة كل ارجاء ( ليبيا ) ولكن القادة العسكريين الإيطاليين اتبعوا أساليب وحشية فى قمع المقاومة الليبية . وطال بطشهم وقمعهم كل الليبيين ولم ينج من ذلك حتى النساء والأطفال وفى 1931م اسروا عمر المختار الذي كان يتزعم حركة المقاومة وأعدموه شنقاً فى 16 سبتمبر سنة 1931م وبذلك تمكنوا من السيطرة على البلاد واستولوا على أخصب الأراضي ومنحوها للأسر الإيطالية التي أحضرت من إيطاليا لتقيم فى ليبيا .
وعندما قامت الحرب العالمية الثانية رأها الليبيون فرصة يجب استغلالها من أجل تحرير بلادهم . ولما دخلت إيطاليا الحرب 1940م أنضم الليبيون إلى جانب صفوف الحلفاء بعد أن تعهدت بريطانيا صراحة بأنه عندما تضع الحرب أوزارها فإن(ليبيا) لن تعود بأي حال من الأحوال تحت السيطرة الإيطالية .
كانت الشكوك تساور الليبيين فى نوايا بريطانيا بعد انتهاء الحرب واتضحت هذه النوايا بعد هزيمة إيطاليا وسقوط كل من بنغازي وطرابلس فى أيدي القوات البريطانية كان هدف بريطانيا المتمشي مع سياستها المعهودة ( فرق تسد ) هو الفصل بين اقليمى برقة وطرابلس ومنح فزان لفرنسا وكذلك العمل على غرس بذور الفرقة بين الليبيين . وبينما رأى الليبيون أنه بهزيمة إيطاليا سنة 1943م يجب أن تكون السيادة على ( ليبيا) لأهلها فإن الإنجليز والفرنسيين رفضوا ذلك وصمموا على حكم ( ليبيا ) حتى تتم التسوية مع إيطاليا وأصبحت هاتان الدولتان تتحكمان فى مصير ( ليبيا ) ضد رغبات شعبها ، وبعد كثير من المفاوضات تم الاتفاق على منح برقة استقلالها الذي اعترف به الإنجليز على الفور وكان ذلك فى أول يونيو 1949م ولكن هذا الإجراء الذي كانت غايته تهدئة الليبيين والهائهم عن قضيتهم ، لم يسكت صوت أحرار ( ليبيا) الذين استمروا فى المطالبة بحقوقهم واستعادة حريتهم . أن هذا الإصرار من جانب الليبيين ضمن لقضية ( ليبيا ) مكاناً فى جداول إعمال المؤتمرات التي عقدتها الدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية كما نقل الليبيون قضيتهم إلى الأمم المتحدة .
وفـى هـذه الأثناء كانت الدوائـر الاستعمارية تدبر المكائد وتحيك المؤامرات على مستقبل ( ليبيا ) فقد نشرت بريطانيا وإيطاليا فى 10 مارس 1949م مشروع بيفن – سيفورزا الخاص بليبيا ويقضى ذلك المشروع بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان ، على أن تمنح ( ليبيا ) الاستقلال بعد عشر سنوات من تاريخ الموافقة على المشروع . وقد وافقت عليه اللجنة المختصة فى الأمم المتحدة فى 13 مايو 1949م وقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للاقتراع عليه ، ولكن المشروع باء بالفشل لحصوله على عدد قليل من الأصوات المؤيدة . وبعد مفاوضات كثيرة ومحاولات لإيجاد حلول وسط للقضية الليبية ، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (289) فى 21 نوفمبر 1949م الذي يقضى بمنح ( ليبيا) استقلالها فى موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952م . وكونت لجنة تعمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة ولتبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق وحدة ليبيا ونقل السلطة إلى حكومة ليبية مستقلة .
وفى أكتوبر 1950 م تكونت جمعية تأسيسية من ستين عضوا ، يمثل كل من أقاليم ليبيا الثلاثة عشرون عضواً . وفى 25 نوفمبر من السنة نفسها اجتمعت الجمعية التأسيسية برئاسة مفتى طرابلس لتقرر شكل الدولة . وعلى الرغم من اعتراض ممثلي طرابلس فقد تم الاتفاق على النظام الاتحادي . وكلفت الجمعية التأسيسية لجنة لصياغة الدستور قامت تلك اللجنة بدراسة النظم الاتحادية المختلفة فى العالم ، وقدمت نتيجة عملها إلى الجمعية التأسيسية فى سبتمبر 1951م وكانت قد تكونت حكومات إقليمية مؤقتة فى طرابلس وفى 12 أكتوبر من عام 1951م نقلت إلى الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية السلطة كاملة ما عدا ما يتعلق بأمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية فالسلطات المالية نقلت إلى الحكومة الليبية فى 15 ديسمبر 1951م وأعقب ذلك فى 24 ديسمبر 1951م إعلان الدستور وتولى ليبيا شؤون الدفاع والخارجية ولكن على الرغم من كل ما قامت به بعض الدوائر الاستعمارية بعد 1951م مــن أجل الإبقاء على ( ليبيا ) مقسمة وضعيفة تحت ذلك النظام الاتحادي ، فإن الليبيين قاموا فى سنة 1963م بتعديل دستورهم وأسسوا دولة موحدة وأزالوا جميع العقبات التي كانت تحول دون وحدتهم . إلا أن الليبيين عانوا الكثير فى فترة الاستقلال المزيف من تكبيل بلادهم بسلسلة من القواعد الأجنبية ومن حكم فاسد عميل ، بدد ثروات البلاد وتركهم يعانون ويلات الفقر والمرض والجهل ، وبعد طول انتظار لاح الفجر فى الأفق الذي جاء تتويجاً لكفاح الشعب العربي الليبي الطويل وتمرة للتضحيات الجسام التي بذلها إنه فجر الفاتح العظيم 1969م .
السكان و كثافتهم
من المعروف أن الكثافة السكانية العامة هي علاقة نسبية بين عدد سكان منطقة محددة ومساحة تلك المنطقة وهذا يعني أنه كلما اتسعت المساحة إنخفضت الكثافة السكانية .. أن المناطق ذات الكثافة السكانية المنخفضة هي تلك المناطق التي تتميز باتساع في المساحة .
ربما كان أهم تأثير على جغرافية السكان في ( ليبيا ) هو التأثير الناتج عن إستثمارات الدولة المتزايدة في مجالات الصحة والخدمات والتعليم وسياسات التنمية الزراعية والصناعية ولهذا فهناك زيادة في كثافة سكان بعض المناطق نتيجة لحركة أعداد كبيرة من المهاجرين الى المدن التي تظهر واضحة كرد فعل للمزايا المعروفة التي يعتقد بوجودها في مناطق المدن مما ساعد على نمو المدن الرئيسية بدرجة سريعة وعلى الرغم من التطورات التي تدفعها الرغبة في الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والحد من الانعكاسات السيئة لظاهرة النمو السكاني السريع في المناطق المكتظة في المدن فإن الظروف الطبيعية ما يزال لها تأثيرها العميق في توزيع السكان .
ان مقارنة حجم السكان مع تطور دخل البلاد ونمو مواردها عكس ارتفاع متوسط دخل الفرد .. أما إذا ما نظرنا الى حجم الرقعة الجغرافية نجد أن البلاد تعاني من مشكلة تخلخل سكاني فالموارد البشرية لا تتمشى مع ما أتيح لها من مدخرات إقتصادية صاحبت تدفق النفط .
هذا ويتباين توزيع السكان تبايناً شديداً فعلى الرغم من أن الكثافة العامة للبلاد تبلغ حوالي 205 نسمة لكل مائة متر مربع فإنها تختلف من مكان الى آخر . وقد لا يعطي الاعتماد على مدلول الكثافة قيمة دقيقة لانها – جغرافياً – تشير لمنطقة قد تكون أجزاء كبيرة منها غير ذات أهمية . وغير مأهولة بالسكان ، فأغلب أجزاء الجماهيرية مناطق صحراوية نتيجة انخفاض معدل الكثافة العامة ، ومن خلال ملاحظة خارطة البلاد نلاحظ أن الشعبيات الشمالية بصفة عامة والشعبيات الشمالية الغربية بصفة خاصة تمثل المرتبة الأولى في كثافة السكان في حين أن الشعبيات الجنوبية والوسطى التي تمتد أراضيها الى الأجزاء الصحراوية قليلة الكثافة تصل في معدلها الى حوالي 0.05 نسمة للكيلو متر المربع بينما ترتفع الكثافة في شعبية طرابلس الى حوالي 583 نسمة والزاوية الى نحو 80 نسمة وبنغازي الى نحو 49 نسمة .
أما أكبر تجمع سكاني فهو يمتد في نظام كثيف السكان نوعاً على شكل مثلث رأسه في مصراتة وقاعدته تمتد بين بئر الغنم وزوارة .
ويمكن القول بأن الجماهيرية العظمى تشتمل على نطاقين متميزين من حيث التوزيع السكاني أحدها مأهول بالسكان في أغلبيته وبدرجة كثيفة نسبياً في بعض المناطق التي ترتكز فيها المدن الرئيسية وثانيهما النطاق الخالي من السكان ويغلب عليه الطابع الريفي وتكثر به الواحات الصحراوية والمدن الصغيرة فالقسم الشمالي الذي يمثل حوالي 10% من مساحة البلاد يسكنه حوالي 85% من مجموع السكان حيث يمثل أغلب المدن الرئيسية ومراكز الشعبيات وفروعها في حين أن القسم الجنوبي يمثل مساحة تقدر بنحو 90% ومجموع سكاني يقدر بحوالي 15% .
• تركيب السكان :
(أ) من حيث السن والنوع :
على الرغم من عدم وجود تقديرات يعتمد عليها في تحديد متوسط العمر في الجماهيرية العظمى غير أن التغيير في جملة السكان ومعدل المواليد والوفيات يحدث تغيراً في توقعات الحياة في فترات السن المختلفة .. والصورة العامة هي زيادة العمر المتوقع في الفترة الأخيرة وأن كانت بطبيعة الحال منخفضة لا تزيد عن 71 سنة .
.. ومع كل مظهر من مظاهر التغير السكاني يحدث تغير في الهرم السكاني للجماهيرية وأن كان التغير هنا من قبيل التغير في التفصيل دون الشكل العام للهرم السكاني . فما زال المجتمع الليبي مجتمعاً فتياً من الناحية الحيوية فالإحصاءات تظهر بأن هناك إرتفاعاً في نسبة صغار السن ما تحت 15 سنة ويقابل هذه الزيادة في هذه الفئة انخفاض في فئات السن ما فوق 15 سنة ويرجع ذلك لارتفاع نسبة المواليد ولا غرابة في ذلك إذا ما أرتفعت نسبة الأطفال الأقل من 5 سنوات إلى الإناث اللاتي تتراوح أعمارهن من 15 إلى 49 سنة .
أن تركيب السكان في التعدادات أشترك في بعض الخصائص وأهمها القاعدة العريضة التي تدل على إرتفاع نسبة الفئات الصغيرة والفتية .
أما من حيث التوزيع النوعي فتبين النتائج الإحصائية لتعداد عام (2004) أن مجموع السكان الليبيين بلغ حوالي (5882667) مليون نسمة من بينهم (2969562) مليون نسمة من الذكور أي ما يعادل (52%) من جملة السكان وفي (2913105) مليون من الإناث أي ما يعادل (45%) من مجموع السكان أي أن نسبة الذكور عام (2004) كانت (أنظر الجدول) ذكر لكل (أنظر الجدول) أنثى إلا أن هذه النسبة ليست ثابتة وإنما هي مختلفة من مكان إلى آخر من سنة إلى أخرى ترتفع النسبة من طرابلس وبنغازي بينما تقل في المناطق الجنوبية فظاهرة
زيادة نسبة الذكور على الإناث ليست بمشكلة كبيرة كما لو كانت نسبة الإناث أكثر من الذكور.
(ب)من حيث حجم الأسرة .
لقد أظهر تعداد عام (2004) بأن عدد الأسر الليبية قد بلغ (أنظر الجدول) ألف أسرة بعد أن كان 182.636 أسرة عام 1973 – 1984م وهذا يدل على أن الزيادة في عدد السكان كانت خلال هذه الفترة أعلى من الزيادة في عدد الأسر إذ بلغت نسبة الزيادة في عدد السكان حوالي 61.7% بمعنى أن معدل الزيادة في تكوين أسر جديدة كان أقل من معدل الزيادة في عدد السكان وأن العدد الأكبر من الأسر الليبية يتراوح بين ثلاثة وثمانية أفراد لقد صاحب تطور الظروف الاقتصادية والخدمات الصحية في البلاد وإنتشار التعليم بمختلف مراحله وزيادة الهجرة الداخلية إلى ظهور الروح الاستقلالية للفرد ، فأخذ كيان الأسرة الكبيرة يتفتت تدريجياً بعد أن كان هناك إرتباط موجود في أكثر من عائلة في أسرة واحدة.
أما من حيث حجم الأسرة فتعداد عام (2004) يؤكد بأن أغلب المتزوجين قد انجبوا أطفالاً وأن حوالي 5% فقط من المتزوجين لم يكن لديهم أطفال .
* نمط الحياة *
من الإتجاهات المهمة للسكان في الجماهيرية العظمى النمو السريع لسكان المدن وذلك لما تلعبه المدن من دور حيوي من الناحية الإقتصادية والإجتماعية ، فالتطور المستمر لبعض المدن يعتبر من الأمور القائمة فما يلفت النظر بعد عام 1969م ذلك السياق السريع نحو سكن المدن كما يلاحظ ذلك من عدد حجم المدن ونموها الوظيفي المتعاظم وكذلك إرتفاع النسبة المئوية لسكان المدن والتأثير الملحوظ لها مع السكان فقد أوضح تعداد عام 1984م أن نسبة السكان الحضر حوالي 70% من مجموع السكان يعيشون في مراكز يزيد عدد سكانها عن 7 الاف نسمة وأن أكثر من 75% من جملة السكان يعيشون في مراكز سكانها أكثر من 5 آلاف نسمة وقد قدر معدل النمو للسكان الحضر بنحو 7.6% سنوية .
المناخ في الجماهيرية
يلعب الموقع الجغرافي للجماهيرية العظمى دوراً أساسياً فى العوامل المؤثرة فى المناخ فمن المعروف أن الأراضي الليبية تمتد فى مساحات مترامية الأطراف بين دائرتى عرض 45. 18ْ و 57. 32ْ درجة شمالاً وعلى ذلك فالقسم الأعظم منها يقع داخل نطاق المناخ الصحراوي الحار الذي يسود معظم القسم الشمالي من القارة الأفريقية ، ولا يستثنى من ذلك إلا شريط ضيق يمتد على طول البحر المتوسط ، وبعض البقع الجبلية الواقعة شمال البلاد أو جنوبها حيث تسقط الأمطار بكميات تكفى لنمو حياة نباتية طبيعية تختلف فى كثافتها وفى أهميتها بالنسبة لقيام الحياة النباتية والبشرية حسب كمية المطر . فمن هذه المناطق ما تكفى أمطارها لنمو غابات وأحراش دائمة الخضرة شبيهة بالتي تنمو فى مناخ البحر المتوسط ، كما هو الحال فى الجبل الأخضر ، ومنها مالا تكفى أمطارها إلا لنمو حشائش موسمية سرعان ما تختفي باختفاء آخر رخة مطر فى الموسم كما هو الحال فى منطقة سهل الجفارة .
كما أن موقع البلاد المدارى وشبه المدارى متوسطاً مساحات كبيرة من اليابس الإفريقي جعل درجة الحرارة لا تختلف اختلافاً كبيراً من منطقة إلى أخرى ، حيث لا توجد السلاسل الجبلية الكبرى كجبال أطلس أو الألب على سبيل المثال ، ولا تمر بسواحلها التيارات البحرية الباردة فهي عموما ًمرتفعة إلى مرتفعة جداً فى الصيف باستثناء شريط الساحل والجبل الأخضر ، والجبل الغربي ومعتدلة إلى مائلة إلى البرودة فى الشتاء ويزداد المدى الحراري بين الليل والنهار والصيف والشتاء مع الاتجاه نحو الجنوب بعيداً عن مؤثرات البحر المتوسط أما الرطوبة النسبية فهي مرتفعة طوال العام على شريط الساحل بسبب هبوب الرياح الرطبة من جهة البحر ومنخفضة جداً بالمناطق الصحراوية بسبب قاحلية السطح والابتعاد عن المؤثرات البحرية أما فيما يخص الرياح السائدة على الساحل فيمكن تقسيمها إلى نوعين حسب فصول السنة فالاتجاه السائد فى النصف الصيفي هو الشرقي يليه الجنوبي الشرقي ثم الشرقي والشمالي الغربي ، أما فى الشتاء فيغلب الاتجاه الشمالي والشمالي الغربي ثم الغربي والجنوبي أما فى الأقاليم الجنوبية فالرياح التجارية الشمالية والشمالية الشرقية هى السائدة طوال العام .
وعموماً يتصف المناخ الليبي فى معظمه بمناخ الصحراء المدارية ، حيث يغلب عليه الجفاف نتيجة لعدة عوامل متعلقة بطبيعة الجو والسطح والموقع الجغرافي .
يمكن تحديد العوامل المؤثرة فى مناخ البلاد فى النقاط التالية :
1- درجة الحرارة .
2- الارتفاع والتضاريس .
3- المسطحات الهوائية .
4- الكتل الهوائية .
5- الغطاء النباتي .
أولاً : درجة العرض :-
تلعب درجة العرض دوراً أساسياً فى تحديد شدة الإشعاع الشمسي الساقط على سطح الأرض وكذلك كميته فالاراضى الليبية واقعة بين 45. 18ْ – 57. 32ْ درجة شمالاً وهذا يعني أنها منتشرة من أبعد نقطة فى الجنوب إلى ابعد نقطة فى الشمال بمسافة قدرها 12. 14ْ درجة عرضية . كما أن خط الساحل الشمالي للبلاد لا يتمشى مع درجة عرض واحدة فبينما تمتد الأطراف الشمالية لساحل شبه جزيرة برقة إلى درجة عرض 57. 32ْ ، فإن السواحل الجنوبية لخليج سرت تتوغل جنوباً إلى درجة عرض 15. 30ْ ، مما يعنى وجود فرق قدره درجتان ونصف تقريباً من درجات العرض بين ابعد أجزاء الساحل نحو الشمال وبين ابعد أجزائه نحو الجنوب مما يكون له أثره الملحوظ فى اختلاف درجة الحرارة والأمطار بين الاثنين . ومعلوم أن درجة العرض تحدد كلاً من زاوية سقوط الإشعاع الشمسي التي تتحكم فى شدة تركيز الإشعاع الواصل . فالإشعاع الشمسي ( الطاقة الشمسية ) يصل إلى سطح الأرض أكثر تركيزاً عندما تكون الشمس متعامدة أو شبه متعامدة على المكان ، وفى ليبيا يحدث ذلك عند الانقلاب الصيفي 21 الصيف ( يونيو ) عندما تتعامد على مدار السرطان الواقع عند درجة عرض 5. 23ْ شمالاً ومن خصائص الأشعة العمودية أنها تتركز على مساحة صغيرة من سطح الأرض بدلاً من انتشارها على مساحة كبيرة فيقل تركيزها كما يحدث بالنسبة للأشعة المائلة كما أن الأشعة العمودية تعبر خلال مسافة قصيرة نسبياً من الغلاف الجوى مقارنة بالمسافة التي تعبرها الأشعة المائلة مما يقلل من كمية الفاقد عن طريق الانتشار والانعكاس والامتصاص بفعل مكونات الجو الغازية والعالقة .
أن الفرق كبير بين زاويتي سقوط الإشعاع الشمسي على مدينة طرابلس خلال الانقلاب الصيفي (21 الصيف ) والانقلاب الشتوي 23" ديسمبر" ، حيث يبلغ فى الحالة الأولى زاوية قدرها 81ْ ، أما فى الثانية فيبلغ 34ْ فقط مما يؤدى إلى ارتفاع الحرارة بمعدلات كبيرة ، ففى الكفرة يبلغ متوسط عدد الأيام التي تفوق درجة حرارتها 40ْ مئوية 29 يوماً فى السنة بينما يقل الرقم فى طرابلس إلى 5.4 يوم فى السنة .
أن صغر زاوية سقوط الإشعاع فى الشتاء يعني بالضرورة ضعف التركيز الإشعاعي الساقط على السطح فتنخفض درجة الحرارة مقارنة بما هي عليه فى الصيف فأشعة الشمس فى الشتاء شديدة الميل تتعرض من جزاء ذلك إلى تعديلات كبيرة خلال عبورها كتلة كبيرة من الغلاف الجوى أضف إلى ذلك أن نسبة الانعكاس الأرضي تزداد مع زيادة ميل زاوية سقوط الإشعاع ، كما أن الانتشار الإشعاعي الواصل يتم على مساحة كبيرة من السطح مما يقلل من درجة تركيزه.
مما سبق يتضح أنه خلال الشتاء يتضافر عنصراُ الأشعة المائلة قليلة الطاقة والليل الطويل على خفض درجة الحرارة أما خلال الصيف فيتضافر أثر الإشعاع العمودي شديد التركيز والنهار الطويل على رفع درجة حرارة السطح والجو بالإضافة إلى التأثير الذي تسببه التغيرات الفصلية فى زاوية سقوط الإشعاع وطول النهار فى درجة الحرارة فهما يؤثران بالتالي وبطريقة غير مباشرة فى أنظمة الضغط الجوى والرياح اللذين سيأتي شرحهما فى فقرات لاحقة .
ثانياً : الارتفاع والتضاريس :
من المعروف أنه بالارتفاع تتناقص درجة حرارة الهواء بمعدل عام قدره درجة مئوية واحدة لكل 150 متراً لسببين أساسيين هما :-
1. الابتعاد عن سطح الأرض مصدر تسخين الجو .
2. تناقص سمك عود الهواء وكثافته .
فالهواء شبه جاف بالنسبة لمعظم الإشعاع القادم من الشمس ، فهو يسمح للإشعاع بالمرور باتجاه سطح الأرض دون أن يثأتر به كثيراً لكنه من جهة أخرى معتم بالنسبة للإشعاع المنطلق من الأرض إلى أعلى فالهواء يحتوى على بخار الماء وثأني أكسيد الكربون اللذين يقومان بامتصاص أغلب الإشعاع الأرضي ذي الموجات الطويلة وإعادة إشعاعه ثانية باتجاه سطح الأرض . فهما بذلك يمنعانه من التسلل إلى الفضاء . لهذا السبب نجد أن ليالي الشتاء الرطبة والكثيفة السحب لا تنخفض درجة حرارتها كثيراً عن حرارة النهار بعكس الليالي الجافة الخالية من السحب التي تنخفض درجة حرارتها كثيراً بسبب ضعف قدرة الهواء على منع الإشعاع الأرضي من التسلل والضياع فى الفضاء .
إذن الهواء لا يسخن أساساً من أعلى بفضل الأشعة الشمسية المباشرة إلا على نطاق ضيق جداً لأنه شفاف بالنسبة لتلك الأشعة قصيرة الموجة لكنه يسخن من أسفل بفعل الأشعة الأرضية طويلة الموجة لأنه معتم ولا يسمح لها بالهروب ، إذن كلما زاد الارتفاع عن المصدر الأرضي لتسخين الجو زاد الانخفاض فى درجة الحرارة ويساعد على تناقص الحرارة فى ذلك الاتجاه تناقص سمك الهواء وكثافته فيصبح الهواء رقيقاً وشفافاً حتى بالنسبة للإشعاع الأرضي. إن تأثير الارتفاع والتضاريس فى مناخ ليبيا محدود جداً لأن معظم مساحة البلاد عبارة عن هضبة قليلة الارتفاع فيما عدا نقطتين صغيرتين تشكلان الجبل الغربي والجبل الأخضر ولا يزيد الارتفاع بهما عن 800 متر ، فهناك تجد أثراً بسيطاً للارتفاع فى درجة الحرارة لهذا السبب يقل المعدل الشهري لدرجة الحرارة فى مدينة شحات عن مثيله فى مدينة بنغازي بحوالي 6. 3 درجة مئوية أن التأثير الأكثر وضوحاً للارتفاع والتضاريس فى مناخ ليبيا متمثل فى عنصر المطر أكثر منه فى الحرارة كما تختلف كميات المطر الساقطة فى الإقليم الواحد باختلاف موقعها من الجبل فالواجهات المقابلة لمسار الرياح الشتوية تتحصل على معدلات مضاعفة من الأمطار فمعدل المطر فى مدينة غريان يصل إلى 351 مليمتر سنويا بينما يزيد فى بئر الغنم عن 126 مليمتراً ومعدل الأمطار فى مدينة شحات يصل 569 مليمترً سنوياً بينما لا يزيد فى مدينة بنغازي عن 266 مليمتراً .
إن واجهة التضاريس للرياح يجعلها تضطرب وتصعد إلى أعلى فى محاولة لعبور السفح المقابل إلى الجهة الأخرى من الجبل لمواصلة الرحلة وإثناء صعود الهواء للسفح يتمدد وتنخفض درجة حرارته ذاتياً وقد يصل انخفاض الحرارة إلى نقطة الندى فيتكاثف بخر الماء في شكل سحب مم
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
لترتيب الاجزاء فقط
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
لك الشكرعلى هذه المشاركه
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
شكراً لك على المتابعة والردود يا غالى
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
مشكوراخى استار لهذا الجهد الرائع
فرج احميد- مستشار
-
عدد المشاركات : 17243
العمر : 62
رقم العضوية : 118
قوة التقييم : 348
تاريخ التسجيل : 10/04/2009
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
شكراً لكم على المتابعة يا غوالى
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
لحظة الوداع من أصعب اللحظات على البشر .. ولكن ما باليد حيله
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
وداعا ... لك ايها المنتدى الغالي..وداعا ... لكم يا أعضاء منتديات عيت ارفاد التميمي
وداعا ... لكل من اسعدته ..وداعا ... لكل من احزنته..وداعا ... لكل من أحبني
وداعا ... لكل من كرهني ..وداعا ... لكل من كنت ضيفا خفيفا عليه ..
وداعا ... لكل من كنت ضيفا ثقيلا عليه ..وداعا ... وكلي ألم لفراقكم
لأنكم أفضل من إستقبلني ..وداعا ... وكلي حزن لأنكم خير من شرفني
وداعا ... واجعلوا ايامي التي لم تعجبكم في طي النسيان ..فقط تذكروني بينكم!!
وداعا ... واستودعكــــــــــم الله الذي لا تضيع ودائـــــــــــــعه
اتمني لكم اوقات سعيد
واتمني التقدم لهذا المنتدى الرائع
زهرة اللوتس- إداري
-
عدد المشاركات : 124527
العمر : 42
رقم العضوية : 2346
قوة التقييم : 158
تاريخ التسجيل : 30/06/2010
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
طرح رائع يستحق المتابعه......بارك الله فيك
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
شكراً لكم على حسن المتابعة والاطلاع والردود الجميلة
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (1)
مشكور على ماقدمت وبارك الله فيك
عبدالله الشندي- فريق اول
-
عدد المشاركات : 3986
العمر : 41
قوة التقييم : 3
تاريخ التسجيل : 17/05/2016
مواضيع مماثلة
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (3)
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (4)
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (5)
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (6)
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (7)
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (4)
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (5)
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (6)
» دليل عام الجماهيرية العظمى...ليبيا الحبيبة (7)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR