حقوق المرأة بين الإسلام والإعلان العالمي لحقوق الإنسان

سبق الإسلام كلّ الديانات والمواثيق الدولية في إقرار حقوق الإنسان؛ حيث إنّه أقرّ منذ (14) قرناً من الزمان المبادئ والأسس والقيم المرتكزة على كرامة الفرد وإنسانيته، وعلى المساواة بين الناس، وعدم المفاضلة بينهم بسبب الجنس، أو اللّون، أو العرق، أو اللغة، أو الدين. كما حرص الإسلام على إقرار العدل والسلم، وعلى التعاون والتعارف بين الناس، وعلى الالتزام بالعهود، وعلى مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن من دون تعصّب.



وأمّا الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان فما هو إلّا وثيقة دولية صاغها مجموعة من الناس عام 1948، وأغلبهم من غير المسلمين، وقد أرادوا بهذه الوثيقة أن يتفادوا جرائم الحرب البشعة التي سجّلها التاريخ أثناء الحربين العالميّتين الأولى والثانية، مثلما جاء في ديباجة الإعلان نفسه: (ولمّا كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضى إلى أعمالٍ همجيةٍ آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالمٍ يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة، ويتحرّر من الفزع والفاقة). لقد أرادوا بهذا الإعلان أن يضعوا لدول العالم مبادئ ومواثيق ونظماً عالميّة يتمّ تطبيقها في جميع الدول والبلدان في حالة نشوب خلافات أو نزاعات أوحروب تجعل الإنسان ينسى أنّه إنسان، وأنّ العدو الذي يحاربه، أو يتنازع معه هو ـ أيضاً ـ إنسان مثله، له نفس الحقوق، ويجب عليه أن يحترمه، ويحترم حقوقه حتى وإن كان مهزوماً أو أسيراً أو معتقلاً .

يقرّ الإسلام معظم مبادئ حقوق الإنسان المذكورة في الموادّ الثلاثين لوثيقة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، والتي يؤكّد الغربيّون أنّهم اشتقّوها من مبادئ الثورة الفرنسية الكبرى التي أطاحت بالملكية والإقطاع في فرنسا عام 1789، وهي: الحرّيّة، والمساواة، والأخوّة، المشتقّة من كتابات وأفكار فلاسفة عصر التنوير في فرنسا في القرن الثامن عشر، وأهمهم مونتسكيو، وجان جاك روسو، وفولتير .

يجهل هؤلاء أنّ غالبيّة مفاهيم حقوق الإنسان على الشكل الذي صاغوها موجودة من قبل في التعاليم الإسلاميّة المشتقّة من القرآن الكريم، والتي نادى بها الرسول الأُمّي محمّد(ص) منذ القرن السابع الميلادي، أي: قبل (11) قرناً من الثورة الفرنسيّة .

ولن يتّسع المجال هنا لمقارنة جميع الموادّ الثلاثين لوثيقة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان بنداً بنداً بالتعاليم الإسلاميّة المؤيّدة بالآيات القرآنية وأحاديث السنّة الشريفة، وإنّما نكتفي ببعض الموادّ التي تخصّ المرأة.

فالإسلام يعتبر الناس جميعاً، رجالاً ونساءاً، أحراراً ومتساويين في الحقوق، تماماً كما ورد في المادّة الأولى لميثاق حقوق الإنسان التي جاء فيها: (يولد جميع الناس أحراراً متساويين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء)، وهو ما يذكّرنا بالمقولة الإسلاميّة الشهيرة: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) .

وورد في المادّة السابعة من الإعلان العالميّ: (كلّ الناس سواسية أمام القانون، ولهم الحقّ في التمتّع بحماية متكافئة منه دون أيّة تفرقة). وهنا نلفت الانتباه في هذه المادّة إلى كلمة (سواسية)، وهي نفس الكلمة التي استخدمها الرسول الكريم(ص) في حديثه: (الناس سواسية كأسنان المشط)، فالحديث الشريف يركّز على المساواة عبر تشبيه الناس جميعاً، أي: الرجال والنساء عامّةً، بأسنان المشط، التي وإن اختلفت في الطول والسمك إلا أنّها كلّها سواسية، أي: من نفس الخامة، ويكمل بعضها بعضاً، ولها نفس الحقوق داخل المشط الذي يمثل المجتمع. وهذا تأكيد على المساواة المطلقة بين البشر من دون أيّ تفرقةٍ، أو عنصريّة، أو تمييز بسبب الجنس، أو اللّون، أو العرقيّة، أو اللّغة، أو حتى الدين، طالما أنّ المصطلح المستخدم هو (الناس)، وليس تعبير المسلمين أو المؤمنين، ولكنّ الناس جميعاً، أي: الرجال والنساء عامة .

وهناك مادتان فقط في وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بهما فقرة أو فقرتان تحتويان على بعض المعايير التي تتنافى مع المعايير الإسلامية، وهما المادّة (16)، والمادّة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. لذا فقد تحفّظت بعض الدول الإسلاميّة عام 1948 على تلك الفقرات خلال المناقشات العامّة في الجمعية العامّة للأُمم المتّحدة حين إقرار وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

ففي المادّة (16): الفقرة (1): (للرجل والمرأة متى بلغا سنّ الزواج حقّ التزوّج، وتأسيس أسرة دون أي قيدٍ بسبب الجنس أو الدين). فالإسلام قد أقرّ حق الرجل والمرأة في الزواج، ولكنّه وضع قيداً بسبب الدين على زواج المرأة المسلمة من غير المسلم، بينما أقرّ زواج المسلم من امرأة كتابيّة على المشهور.

وفي المادّة (18): (لكلّ شخصٍ الحقّ في حرّيّة التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحقّ حرية تغيير ديانته أو عقيدته...). فالإسلام لا يقرّ تغيير الدين سواء بالنسبة للرجل المسلم أو المرأة المسلمة، ويحاربه، ويعتبره ارتداداً عن دين الله: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة)، علماً أنّ في الوقت عينه يرى أنّه (لا إكراه في الدين) .

وفي الختام نؤكّد على أنّ الإسلام كان هو السبّاق في كثيرٍ من الحقوق التي ذُكرت في موادّ تلك الوثيقة الدوليّة، وأنّ ما اختلف فيه الإسلام عنها له مبرِّراته المنطقية، والعقليّة، والاجتماعيّة، وهو يفوق بحكمته وفوائده على تلك الموادّ؛ لكونه صادراً من علّام الغيوب، وخالق الإنسان.