إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
من العار ان يوحدنا الاستبداد.. وتفرقنا الحرية
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
من العار ان يوحدنا الاستبداد.. وتفرقنا الحرية
من العار ان يوحدنا الاستبداد.. وتفرقنا الحرية
الفيدرالية في المجتمعات القبلية اولى خطوات الانفصال..
قمع النظام النظام الطاغوتي المنهار الليبيين من جميع الفئات والمناطق والجهات، قمعهم بعنف ممنهج مركز، مصحوب بحقد وكراهية واستعباد، وذل وسادية واذلال واستبداد. النظام الطاغوتي المنهار قمع وسحق وسحل ونكل بجميع فئات الشعب الليبي دون استثناء. كان ضحاياه مزيجا من البشر، ضم هذا المزيج، كافة طبقات واعراق وفئات الناس. ضحايا النظام كانوا من التبو ومن العرب ومن الطوارق ومن الامازيغ، ومن غيرهم من عباد الله ومن الاعراق. كان من ضمن ضحاياه الطلبة، والفلاحين، والعمال، والمدرسين، والموظفين، واساتذة الجامعات، واعضاء مجلس قيادة الثورة، والكتاب، والادباء، والشعراء، والصحفيين، والضباط الوحدويين الاحرار، والجنود، والمدرسين، والتجار، والامناء، والوزراء، والعلماء، والائمة، والشيوخ، والفقهاء، والمثقفين، والمتعلمين، وغير المتعلمين، والمحاميين، والقضاء، والعاطلين، ورجال الاعمال، والتجار، والاغنياء، والفقراء، من الفتيات والنساء والرجال، من الداخل والخارج، شيبا وشبابا، من الجنوب والشرق والشمال والغرب، من العهد الملكي، والعهد العسكري، من المدنيين والعسكريين، من البدو واهل الارياف والحضر، من المدن والجبال والبادية والصحراء، ومن جميع القبائل بدون استثناء.
اغلب مدننا في الشرق والجنوب والغرب، ذاقت المر والقهر والذل، بما في ذلك اعدام فلذات اكبادنا في الشوارع والميادين والساحات، بينما شياطين الجن، من عبيد معمر يرقصون ويغنون ويهتفون وينعتون شهدائنا باقبح الالقاب والاسماء والاوصاف والمسميات والصفات. زوارة وبنغازي وطرابلس وطبرق وودان وجالو، امثلة محدودة، ومحدودة جدا، لمدن كتب عليها ان تشاهد خيرة شبابها على اعواد المشانق.
وكما كان ضحايا النظام السابق ينتمون الى الوطن باكمله، جهات وقبائل وفئات، كان اعوان النظام ينتمون ايضا، وبدون استثناء، الى جميع انحاء الوطن، جهات ومناطق وقبائل وفئات. عتاولة اللجان الثورية، واكابر المجرمين، والوصوليين، والمتسلقين، والملأ، والمقربين، وفرق الموت، والقتلة، والمجرمين، والكتائب، والعصابات، والجلادين، والوشاة، ورجال الامن، والمداحين، والمنافقين، والمداهنيين، والشعراء، والشلل من اعداء البشر، واعمدة النظام السابق، من الذئاب التي كانت ترتدي جلود الضان، والذين كانوا يعتقلون عباد الله، ويسومونهم سوء العذاب، كل اولئك كانوا هم ايضا من جميع انحاء الوطن.
بل وتعرضت، من جهة اخرى، جميع مدن وقرى وارياف وصحاري ليبيا، الا النادر النادر منها، الى ما تيسر من اقصاء واهمال وعقاب جماعي وتنكيل وافقار وتهميش وتفقير. دمائنا، اعراضنا، عاداتنا، تقاليدنا، مقدساتنا، مصادر فخرنا، تاريخنا، حضارتنا، ثقافتنا، اعرافنا، تعرضت في جميع مناطق ليبيا لدناءة وحقد ومقت معمر واعوانه وملأه ومن والاه.
سموم معمر ونظامه ورجاله طالت الوطن باكمله، لكن بعض المناطق حُقنت بجرعة مضاعفة من سموم الطاغية. معمر كان يمقت ليبيا واهل ليبيا، فحاول ان يحطم ليبيا واهل ليبيا، لكنه كان يضمر حقدا اضافيا خاصا لبعض المناطق. اذكر من هذه المناطق، وعلى سبيل المثال، مدينة بنغازي، والتي ربما احتلت قمة الكرم الطاغوتي في هذا الشأن. بنغازي مدينة تمثل نموذجا للمناطق التي تلقت جرعات اضافية، خلعها معمر على مدينة بنغازي، بكل ما يحمله من حقد ومن رغبة في الانتقام والاستعباد والاذلال.
كانت اول حادثة شنق علني، وبكل بشاعتها في مدينة بنغازي، وتكررت هذه الممارسة البشعة في نفس المدينة اكثر من مرة، بل شنق في يوم واحد ستة من خيرة شباب المدينة علنا وفي نفس المكان، مقابل قتل مجرم واحد من مجرمي القذافي، اذاق البلاد والعباد الويل والثبور والعذاب، ناهيك عن كارثة اطفال الايدز، ومعسكر السابع من ابريل (باستيل بنغازي)، وما جرى فيه من اهوال يشيب لها الحجر والصخر والشجر، والطائرة الليبية التي اسقطتها صواريخ النظام بينما كانت في طريقها الى مدينة طرابلس، ومجزرة القتصلية الايطالية، والممارسات الارهابية البشعة التي مارسها النظام ضد المدينة، واهل المدينة، اثناء التصادم مع حركة الشهداء، والجماعة المقاتلة، فقد احرق النظام اثناء تلك الاحداث، الاخضر واليابس وافسد الحرث والثمر والنسل. ليس ذلك فحسب بل ربما اعمى الحقد الدفين الطاغية، فارسل رتلا يكفي لتحرير سوريا وروسيا وفلسطين، ارسله الى مدينة بنغازي، بنية تحطيمها وازالتها من خارطة الوطن، وتلقين ليبيا درسا يليق بطاغوت اهوج ارعن احمق حقود. لقد اعماه حقده الاسود فلم يرسل الرتل (والحمد لله) الى مناطق اخرى كانت، عسكريا وقتاليا، اكثر نشاطا واهمية من مدينة بنغازي في ذلك الوقت. مما يدل على انه كان ينتظر فرصة طاغوتية للانتقام من بنغازي واهل بنغازي.
البعض يعزو سبب الجرعة الاضافية من المقت والحقد والكراهية التي يكنها الحقود لمدينة بنغازي، الى ان بنغازي احتقرت الملازم المعقد، والاغلبية يرجعون السبب الى ان بنغازي عاصية في الحق وعصية، ومباشرة في تصادمها مع اعدائها. بنغازي تتحول في وقت المحن الى جسد واحد، وعائلة واحدة، وانسان واحد. يغلب على اهلها، في ساعات التصادم والمحن، مزيج من عاطفة وشجاعة واندفاع ايجابي، فتغلب المواجهة على العقلانية. كثير من المدن في ليبيا تشارك اهل بنغازي هذه الخواص. وليس صحيحا ان اهل بنغازي يتحركون من منطلق عنصري، كما يحلو لفلول العهد المنهار ان يروجوا، فقد مارست بنغازي في العهد الملكي، ما مارسته ضد النظام الطاغوتي. وبيت القصيد هنا، هو ان الكراهية المضاعفة التي يكنها معمر لبنغازي، وتكنها بنغازي لمعمر، لا غبار عليها، ادركنا ام لم ندرك اسبابها ومسبباتها. والاقرار بها لا يفسد للود قضية. ولا يفسد ايضا للوطن قضية.
بنغازي وغيرها من المناطق، لا تريد ان يتكرر هذا الامر باي ثمن. وهي محقة في ذلك. بنغازي لا تريد ان تكون المدينة التي تنال نصيب اضافي من اي سلوك حكومي سلبي (حقد، او تهميش، او اقصاء، الخ). ولا تريد ايضا ان تنال اكثر من حقها. بنغازي تشعر انها اعطت للوطن، كما اعطى غيرها من المناطق والمدن والجهات، اعطت دماء ودموع واحزان، ولا تريد من الوطن الا امان ووتاكيد وضمان واقرار، بان ما حدث من قمع وعزل وعبث واستهتار بالمدينة، واهل المدينة ، لا يجب ان يتكرر تحت اي ظرف.
فراى البعض، وبنية صادقة، ان الضمان الغائب قد يكمن في الفيدرالية، بينما رأى غيرهم اسوأ من ذلك، فقد رأوا ان الضمان المفقود، قد يكمن في الانفصال. وبالطبع استغلت شريحة انفصالية، في الداخل والخارج، هذا الجدل حول "الضمان"، واخذت - هذه الشريحة الانتهازية- تدعو الى الفيدرالية، ولكن بنية الانفصال.
ولا غبار على النظام الفيدرالي بصورة عامة، لكنه لا يصلح للمجتمعات العربية، ولا يصلح على الاطلاق في المجتمعات القبلية، وخاصة المجتمع الليبي، فالفيدرالية في المجتمع القبلي، هي اولى خطوات الانفصال. البعض يضرب بالامارات مثلا ايجابيا على حسنات الفيدرالية، انطلاقا من ان الفيدرالية، جمعت الامارات المشتتة تحت راية واحدة موحدة. لكن المقارنة بين ليبيا والامارات غير واردة اصلا، فالاولى كانت امارات منفصلة عن بعضها البعض، جمعتها الفيدرالية. اما ليبيا فدولة واحدة موحدة، قفزت في الماضي خطوة ما بعد الفيدرالية. فالعودة الى الفيدرالية تعتبر، اذا، وبدون شك، قفزة الى الوراء، لن تجمعنا، بل ستفرقنا وبكل تاكيد.
ليس فقط ان الفيدرلية اولى خطوات الانفصال، بل ان الفيدرالية لا تضمن اصلا عدم تكرار تخوفات بنغازي وغيرها من المناطق المشابهة. استحالة تكرار ما حدث لبنغازي غير مضمون من الناحية الواقعية، حتى تحت النظام الفيدرالي. ليس ذلك فحسب، بل ان الفيدرالية فرصة لاعادة اصوات الوصاية على جهات ليبيا الثلاثة (برقة، طرابلس، فزان)، او بصورة اوضح، سهولة ابتلاع ليبيا، قطعة قطعة، من قبل الذين نادوا بالوصاية سابقا. وسيحدث ذلك، بعد ان يثبت الاوصياء للعالم، ان الولايات لا تمتلك مقومات الدولة. وسيثبتون ذلك قولا وعملا، وعبر تدخل ممنهج مدروس، باطني وعلني، في شئون الولايات الثلاثة.
اضف الى ذلك اننا قوم قابلون للتفرق والفرقة والانقسام، غلبت علينا والى حد ما، ثقافة الفرقة والقبلية والجهوية، فنجد في ثقافتنا مصطلحات عديدة، فرضت نفسها علينا، نتداولها في احاديثنا وحواراتنا وادبياتنا، بسهولة ويسر، مصطلحات مثل الشرق والغرب والجنوب، والشراقة والغرابة، والداخل والخارج، والجهة والقبيلة، وعرب وامازيغ، واهل البادية واهل المدينة، وولد بلاد، وليس ولد بلاد، واهل القرى، واهل الجبل، واهل الارياف، وغير ذلك من الاسماء والكنايات والمسميات. نحن قابلين للانقسام بصورة طبيعية ذاتية، دون ان نحتاج الى عوامل انقسام اضافية، فما بالك لو اقرينا بالنظام الفيدرالي.
ليس ذلك فحسب، فقد زرع فينا الطاغوت الف فتنة قبلية، والف قنبلة اجتماعية، ولو اتجهنا الى الفيدرالية او الى الحكم الذاتي، او الى ما شابه ذلك من صور الادارة، لحققنا اهداف الطاغوت التي عجز عن تحقيقها وهو حي بين ظهرانينا، مدجج بآلة عسكرية ضخمة، ومثقل ببلايين البلاييين من الدولارات، مع جهاز امني رهيب. لم يستطع الطاغوت ان يقسم ليبيا، وهو حي يرزق، بينما يعمل البعض منا على تحقيق غايات الطاغوت، بعد ان مات الطاغوت. ومن العار ان يوحدنا الاستبداد وتفرقنا الحرية.
اضف الى ذلك اننا متاخرون جدا في سلم التطور الاجتماعي والسياسي. فالمجتمعات تتطور من مجتمعات الرعي، الى مجتمع القبيلة، الى المدينة، الى الدولة. ونحن ما زلنا محلك سر، فرجل مترددة مرتبكة في مرحلة الدولة، ورجل اخرى ثابتة في مرحلة القبلية والقبيلة، فعودتنا الى الفيدرالية يدفع بنا وبقوة (في مجتمع كالمجتمع الليبي) نحو ترسيخ المجتمع القبلي، ويبتعد بنا، وبقوة ايضا، عن مرحلة الدولة. ليس ذلك فحسب، بل ان العصر الان، هو عصرالتكتلات والمجاميع والمجموعات والتحالفات الاقتصادية والعسكرية والامنية والسياسية العالمية الضخمة (الاتحاد الاوروبي، الناتو، دول شمال البحر الابيض المتوسط،... الخ). وحتى روسيا والصين، ودول اخرى كثيرة، اسيوية، ودول من امريكا اللاتينية، تحاول هي الاخرى، جاهدة، ان تكون، بصورة او اخرى، ضمن تكتل سياسي او امني او اقتصادي ما. العالم يتقدم نحو التكتل، ونحن نتقهقر نحو الجهوية والقبلية، الى ان نغوص في رمالها التي لا ترحم.
ان الضمان الصحيح لجميع المناطق والمدن والارياف والقبائل والصحراء والاعراق والافراد، من التهميش او الاقصاء اوالعزل اوالظلم او القمع بصفة عامة (اضافي او غير اضافي)، هو الانتقال بليبيا من مرحلة نصف قبلية، ونصف دولة مدنية، الى مرحلة الدولة المدنية الكاملة الحديثة المتكاملة.
لن يحدث هذا، بالطبع، بين يوم وليلة، ولكن الامر، لا يحتاج الى عقود وعقود، خاصة واننا لن نبدأ من الصفر، بل قطعت ليبيا شوطا كبيرا في هذا المضمار. واولى خطوات هذا الامر، ان نربي الجيل القادم، على مفاهيم وقيم ودعوات الدولة المدنية الحديثة المتماسكة، مع تقليص دور الجهة والقبيلة والعرق.
لابد ان نهيء الاجيال القادمة، لتكون قادرة على ادارة دولة عصرية، وذلك عبر المناهج الدراسية، وعبر مداخل واليات ووسائل اخرى، لا تخفى على النخب والمتعلمين والائمة والشيوخ والمساجد والمثقفين والاحزاب والتيارات السياسية والاعلام. لابد ان نقفز بليبيا مما نحن فيه، وان نصل، على اقل تقدير، الى حافة مرحلة التكتلات، وانا باذن الله على ذلك لقادرون. والله ولي التوفيق.
د. فتحي الفاضلي
الفيدرالية في المجتمعات القبلية اولى خطوات الانفصال..
قمع النظام النظام الطاغوتي المنهار الليبيين من جميع الفئات والمناطق والجهات، قمعهم بعنف ممنهج مركز، مصحوب بحقد وكراهية واستعباد، وذل وسادية واذلال واستبداد. النظام الطاغوتي المنهار قمع وسحق وسحل ونكل بجميع فئات الشعب الليبي دون استثناء. كان ضحاياه مزيجا من البشر، ضم هذا المزيج، كافة طبقات واعراق وفئات الناس. ضحايا النظام كانوا من التبو ومن العرب ومن الطوارق ومن الامازيغ، ومن غيرهم من عباد الله ومن الاعراق. كان من ضمن ضحاياه الطلبة، والفلاحين، والعمال، والمدرسين، والموظفين، واساتذة الجامعات، واعضاء مجلس قيادة الثورة، والكتاب، والادباء، والشعراء، والصحفيين، والضباط الوحدويين الاحرار، والجنود، والمدرسين، والتجار، والامناء، والوزراء، والعلماء، والائمة، والشيوخ، والفقهاء، والمثقفين، والمتعلمين، وغير المتعلمين، والمحاميين، والقضاء، والعاطلين، ورجال الاعمال، والتجار، والاغنياء، والفقراء، من الفتيات والنساء والرجال، من الداخل والخارج، شيبا وشبابا، من الجنوب والشرق والشمال والغرب، من العهد الملكي، والعهد العسكري، من المدنيين والعسكريين، من البدو واهل الارياف والحضر، من المدن والجبال والبادية والصحراء، ومن جميع القبائل بدون استثناء.
اغلب مدننا في الشرق والجنوب والغرب، ذاقت المر والقهر والذل، بما في ذلك اعدام فلذات اكبادنا في الشوارع والميادين والساحات، بينما شياطين الجن، من عبيد معمر يرقصون ويغنون ويهتفون وينعتون شهدائنا باقبح الالقاب والاسماء والاوصاف والمسميات والصفات. زوارة وبنغازي وطرابلس وطبرق وودان وجالو، امثلة محدودة، ومحدودة جدا، لمدن كتب عليها ان تشاهد خيرة شبابها على اعواد المشانق.
وكما كان ضحايا النظام السابق ينتمون الى الوطن باكمله، جهات وقبائل وفئات، كان اعوان النظام ينتمون ايضا، وبدون استثناء، الى جميع انحاء الوطن، جهات ومناطق وقبائل وفئات. عتاولة اللجان الثورية، واكابر المجرمين، والوصوليين، والمتسلقين، والملأ، والمقربين، وفرق الموت، والقتلة، والمجرمين، والكتائب، والعصابات، والجلادين، والوشاة، ورجال الامن، والمداحين، والمنافقين، والمداهنيين، والشعراء، والشلل من اعداء البشر، واعمدة النظام السابق، من الذئاب التي كانت ترتدي جلود الضان، والذين كانوا يعتقلون عباد الله، ويسومونهم سوء العذاب، كل اولئك كانوا هم ايضا من جميع انحاء الوطن.
بل وتعرضت، من جهة اخرى، جميع مدن وقرى وارياف وصحاري ليبيا، الا النادر النادر منها، الى ما تيسر من اقصاء واهمال وعقاب جماعي وتنكيل وافقار وتهميش وتفقير. دمائنا، اعراضنا، عاداتنا، تقاليدنا، مقدساتنا، مصادر فخرنا، تاريخنا، حضارتنا، ثقافتنا، اعرافنا، تعرضت في جميع مناطق ليبيا لدناءة وحقد ومقت معمر واعوانه وملأه ومن والاه.
سموم معمر ونظامه ورجاله طالت الوطن باكمله، لكن بعض المناطق حُقنت بجرعة مضاعفة من سموم الطاغية. معمر كان يمقت ليبيا واهل ليبيا، فحاول ان يحطم ليبيا واهل ليبيا، لكنه كان يضمر حقدا اضافيا خاصا لبعض المناطق. اذكر من هذه المناطق، وعلى سبيل المثال، مدينة بنغازي، والتي ربما احتلت قمة الكرم الطاغوتي في هذا الشأن. بنغازي مدينة تمثل نموذجا للمناطق التي تلقت جرعات اضافية، خلعها معمر على مدينة بنغازي، بكل ما يحمله من حقد ومن رغبة في الانتقام والاستعباد والاذلال.
كانت اول حادثة شنق علني، وبكل بشاعتها في مدينة بنغازي، وتكررت هذه الممارسة البشعة في نفس المدينة اكثر من مرة، بل شنق في يوم واحد ستة من خيرة شباب المدينة علنا وفي نفس المكان، مقابل قتل مجرم واحد من مجرمي القذافي، اذاق البلاد والعباد الويل والثبور والعذاب، ناهيك عن كارثة اطفال الايدز، ومعسكر السابع من ابريل (باستيل بنغازي)، وما جرى فيه من اهوال يشيب لها الحجر والصخر والشجر، والطائرة الليبية التي اسقطتها صواريخ النظام بينما كانت في طريقها الى مدينة طرابلس، ومجزرة القتصلية الايطالية، والممارسات الارهابية البشعة التي مارسها النظام ضد المدينة، واهل المدينة، اثناء التصادم مع حركة الشهداء، والجماعة المقاتلة، فقد احرق النظام اثناء تلك الاحداث، الاخضر واليابس وافسد الحرث والثمر والنسل. ليس ذلك فحسب بل ربما اعمى الحقد الدفين الطاغية، فارسل رتلا يكفي لتحرير سوريا وروسيا وفلسطين، ارسله الى مدينة بنغازي، بنية تحطيمها وازالتها من خارطة الوطن، وتلقين ليبيا درسا يليق بطاغوت اهوج ارعن احمق حقود. لقد اعماه حقده الاسود فلم يرسل الرتل (والحمد لله) الى مناطق اخرى كانت، عسكريا وقتاليا، اكثر نشاطا واهمية من مدينة بنغازي في ذلك الوقت. مما يدل على انه كان ينتظر فرصة طاغوتية للانتقام من بنغازي واهل بنغازي.
البعض يعزو سبب الجرعة الاضافية من المقت والحقد والكراهية التي يكنها الحقود لمدينة بنغازي، الى ان بنغازي احتقرت الملازم المعقد، والاغلبية يرجعون السبب الى ان بنغازي عاصية في الحق وعصية، ومباشرة في تصادمها مع اعدائها. بنغازي تتحول في وقت المحن الى جسد واحد، وعائلة واحدة، وانسان واحد. يغلب على اهلها، في ساعات التصادم والمحن، مزيج من عاطفة وشجاعة واندفاع ايجابي، فتغلب المواجهة على العقلانية. كثير من المدن في ليبيا تشارك اهل بنغازي هذه الخواص. وليس صحيحا ان اهل بنغازي يتحركون من منطلق عنصري، كما يحلو لفلول العهد المنهار ان يروجوا، فقد مارست بنغازي في العهد الملكي، ما مارسته ضد النظام الطاغوتي. وبيت القصيد هنا، هو ان الكراهية المضاعفة التي يكنها معمر لبنغازي، وتكنها بنغازي لمعمر، لا غبار عليها، ادركنا ام لم ندرك اسبابها ومسبباتها. والاقرار بها لا يفسد للود قضية. ولا يفسد ايضا للوطن قضية.
بنغازي وغيرها من المناطق، لا تريد ان يتكرر هذا الامر باي ثمن. وهي محقة في ذلك. بنغازي لا تريد ان تكون المدينة التي تنال نصيب اضافي من اي سلوك حكومي سلبي (حقد، او تهميش، او اقصاء، الخ). ولا تريد ايضا ان تنال اكثر من حقها. بنغازي تشعر انها اعطت للوطن، كما اعطى غيرها من المناطق والمدن والجهات، اعطت دماء ودموع واحزان، ولا تريد من الوطن الا امان ووتاكيد وضمان واقرار، بان ما حدث من قمع وعزل وعبث واستهتار بالمدينة، واهل المدينة ، لا يجب ان يتكرر تحت اي ظرف.
فراى البعض، وبنية صادقة، ان الضمان الغائب قد يكمن في الفيدرالية، بينما رأى غيرهم اسوأ من ذلك، فقد رأوا ان الضمان المفقود، قد يكمن في الانفصال. وبالطبع استغلت شريحة انفصالية، في الداخل والخارج، هذا الجدل حول "الضمان"، واخذت - هذه الشريحة الانتهازية- تدعو الى الفيدرالية، ولكن بنية الانفصال.
ولا غبار على النظام الفيدرالي بصورة عامة، لكنه لا يصلح للمجتمعات العربية، ولا يصلح على الاطلاق في المجتمعات القبلية، وخاصة المجتمع الليبي، فالفيدرالية في المجتمع القبلي، هي اولى خطوات الانفصال. البعض يضرب بالامارات مثلا ايجابيا على حسنات الفيدرالية، انطلاقا من ان الفيدرالية، جمعت الامارات المشتتة تحت راية واحدة موحدة. لكن المقارنة بين ليبيا والامارات غير واردة اصلا، فالاولى كانت امارات منفصلة عن بعضها البعض، جمعتها الفيدرالية. اما ليبيا فدولة واحدة موحدة، قفزت في الماضي خطوة ما بعد الفيدرالية. فالعودة الى الفيدرالية تعتبر، اذا، وبدون شك، قفزة الى الوراء، لن تجمعنا، بل ستفرقنا وبكل تاكيد.
ليس فقط ان الفيدرلية اولى خطوات الانفصال، بل ان الفيدرالية لا تضمن اصلا عدم تكرار تخوفات بنغازي وغيرها من المناطق المشابهة. استحالة تكرار ما حدث لبنغازي غير مضمون من الناحية الواقعية، حتى تحت النظام الفيدرالي. ليس ذلك فحسب، بل ان الفيدرالية فرصة لاعادة اصوات الوصاية على جهات ليبيا الثلاثة (برقة، طرابلس، فزان)، او بصورة اوضح، سهولة ابتلاع ليبيا، قطعة قطعة، من قبل الذين نادوا بالوصاية سابقا. وسيحدث ذلك، بعد ان يثبت الاوصياء للعالم، ان الولايات لا تمتلك مقومات الدولة. وسيثبتون ذلك قولا وعملا، وعبر تدخل ممنهج مدروس، باطني وعلني، في شئون الولايات الثلاثة.
اضف الى ذلك اننا قوم قابلون للتفرق والفرقة والانقسام، غلبت علينا والى حد ما، ثقافة الفرقة والقبلية والجهوية، فنجد في ثقافتنا مصطلحات عديدة، فرضت نفسها علينا، نتداولها في احاديثنا وحواراتنا وادبياتنا، بسهولة ويسر، مصطلحات مثل الشرق والغرب والجنوب، والشراقة والغرابة، والداخل والخارج، والجهة والقبيلة، وعرب وامازيغ، واهل البادية واهل المدينة، وولد بلاد، وليس ولد بلاد، واهل القرى، واهل الجبل، واهل الارياف، وغير ذلك من الاسماء والكنايات والمسميات. نحن قابلين للانقسام بصورة طبيعية ذاتية، دون ان نحتاج الى عوامل انقسام اضافية، فما بالك لو اقرينا بالنظام الفيدرالي.
ليس ذلك فحسب، فقد زرع فينا الطاغوت الف فتنة قبلية، والف قنبلة اجتماعية، ولو اتجهنا الى الفيدرالية او الى الحكم الذاتي، او الى ما شابه ذلك من صور الادارة، لحققنا اهداف الطاغوت التي عجز عن تحقيقها وهو حي بين ظهرانينا، مدجج بآلة عسكرية ضخمة، ومثقل ببلايين البلاييين من الدولارات، مع جهاز امني رهيب. لم يستطع الطاغوت ان يقسم ليبيا، وهو حي يرزق، بينما يعمل البعض منا على تحقيق غايات الطاغوت، بعد ان مات الطاغوت. ومن العار ان يوحدنا الاستبداد وتفرقنا الحرية.
اضف الى ذلك اننا متاخرون جدا في سلم التطور الاجتماعي والسياسي. فالمجتمعات تتطور من مجتمعات الرعي، الى مجتمع القبيلة، الى المدينة، الى الدولة. ونحن ما زلنا محلك سر، فرجل مترددة مرتبكة في مرحلة الدولة، ورجل اخرى ثابتة في مرحلة القبلية والقبيلة، فعودتنا الى الفيدرالية يدفع بنا وبقوة (في مجتمع كالمجتمع الليبي) نحو ترسيخ المجتمع القبلي، ويبتعد بنا، وبقوة ايضا، عن مرحلة الدولة. ليس ذلك فحسب، بل ان العصر الان، هو عصرالتكتلات والمجاميع والمجموعات والتحالفات الاقتصادية والعسكرية والامنية والسياسية العالمية الضخمة (الاتحاد الاوروبي، الناتو، دول شمال البحر الابيض المتوسط،... الخ). وحتى روسيا والصين، ودول اخرى كثيرة، اسيوية، ودول من امريكا اللاتينية، تحاول هي الاخرى، جاهدة، ان تكون، بصورة او اخرى، ضمن تكتل سياسي او امني او اقتصادي ما. العالم يتقدم نحو التكتل، ونحن نتقهقر نحو الجهوية والقبلية، الى ان نغوص في رمالها التي لا ترحم.
ان الضمان الصحيح لجميع المناطق والمدن والارياف والقبائل والصحراء والاعراق والافراد، من التهميش او الاقصاء اوالعزل اوالظلم او القمع بصفة عامة (اضافي او غير اضافي)، هو الانتقال بليبيا من مرحلة نصف قبلية، ونصف دولة مدنية، الى مرحلة الدولة المدنية الكاملة الحديثة المتكاملة.
لن يحدث هذا، بالطبع، بين يوم وليلة، ولكن الامر، لا يحتاج الى عقود وعقود، خاصة واننا لن نبدأ من الصفر، بل قطعت ليبيا شوطا كبيرا في هذا المضمار. واولى خطوات هذا الامر، ان نربي الجيل القادم، على مفاهيم وقيم ودعوات الدولة المدنية الحديثة المتماسكة، مع تقليص دور الجهة والقبيلة والعرق.
لابد ان نهيء الاجيال القادمة، لتكون قادرة على ادارة دولة عصرية، وذلك عبر المناهج الدراسية، وعبر مداخل واليات ووسائل اخرى، لا تخفى على النخب والمتعلمين والائمة والشيوخ والمساجد والمثقفين والاحزاب والتيارات السياسية والاعلام. لابد ان نقفز بليبيا مما نحن فيه، وان نصل، على اقل تقدير، الى حافة مرحلة التكتلات، وانا باذن الله على ذلك لقادرون. والله ولي التوفيق.
د. فتحي الفاضلي
dude333- مشرف المنتدى السياسي
-
عدد المشاركات : 5593
العمر : 55
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012
رد: من العار ان يوحدنا الاستبداد.. وتفرقنا الحرية
نعم هي ليبيا هكذا ... لا يحق لأحد أن يمنَّ عليها بأنه قد
جاهد أكثر أو أفضل من الآخرين والآن يريد ثمن جهاده
ليست الأمور هكذا وليست المسائل شخصية المصالح بقدر
ما هي حق المواطن في أي بقعة من ليبيا يكون نفس الحق
وذات الواجب ليس أقل ولا أكثر ...لننتظر بعض الوقت
ونحن لازلنا نتحسس خطواتنا الأولى نحو الخير القادم على
كل ربوع ليبيا ونتفق جميعنا على أن الحوار هو الذي يوصلنا
لا فوهات البنادق لأنها لن توصلنا إلى غير مقديشو وأفغانستان
أخرى بدأت بعض ملامح أشخاصها تظهر على الشاشات المجهولة
الأصل .
لننتبه جميعنا للخطر القادم ..
شكرا للسيد الفاضلى وشكرا لك يا dude
جاهد أكثر أو أفضل من الآخرين والآن يريد ثمن جهاده
ليست الأمور هكذا وليست المسائل شخصية المصالح بقدر
ما هي حق المواطن في أي بقعة من ليبيا يكون نفس الحق
وذات الواجب ليس أقل ولا أكثر ...لننتظر بعض الوقت
ونحن لازلنا نتحسس خطواتنا الأولى نحو الخير القادم على
كل ربوع ليبيا ونتفق جميعنا على أن الحوار هو الذي يوصلنا
لا فوهات البنادق لأنها لن توصلنا إلى غير مقديشو وأفغانستان
أخرى بدأت بعض ملامح أشخاصها تظهر على الشاشات المجهولة
الأصل .
لننتبه جميعنا للخطر القادم ..
شكرا للسيد الفاضلى وشكرا لك يا dude
شعيب- لواء
-
عدد المشاركات : 1741
العمر : 66
رقم العضوية : 9043
قوة التقييم : 11
تاريخ التسجيل : 22/12/2011
رد: من العار ان يوحدنا الاستبداد.. وتفرقنا الحرية
فاليفعلوا مشاؤا نقول لهم ..وغن عدتم عدنا .. عليهم ان ينسوا حاجة اسمها معمر ..انتهى
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
جمال المروج- مراقب
-
عدد المشاركات : 18736
رقم العضوية : 7459
قوة التقييم : 164
تاريخ التسجيل : 18/10/2011
مواضيع مماثلة
» نــفاق في نفــاق من غير ما نسمع أي شئ يوحدنا و يجمعنا ..
» قائمة العار في مصر
» شوفوا وزن المرأة الحقيقي بعد ما تحط المكياج
» زيدان: لن أستقيل وبريء من "الاستبداد"
» الاستبداد أساس الفساد.. سرد لما جرى لضحايا حسن إشكال في مؤسس
» قائمة العار في مصر
» شوفوا وزن المرأة الحقيقي بعد ما تحط المكياج
» زيدان: لن أستقيل وبريء من "الاستبداد"
» الاستبداد أساس الفساد.. سرد لما جرى لضحايا حسن إشكال في مؤسس
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR