مقالات مختارة : هل نحن شعب الله المختار

أمجاور أغريبيل : شعب الله المختار
4 مايو 2012
رغم أن أخر مرة تدخلت فيها السماء لصالح الإنسان كانت في غزوة بدر, عندما أمد الله المسلمين بثلاثة ألاف من الملائكة منزلين, إلا أن الليبيين يعتقدون بأن السماء قد تدخلت مرة أخرى, عندما نصرهم الله في حربهم ضد كتائب القذافي, ولكنه لم يمدهم بالملائكة هذه المرة ولكن بطائرات وصواريخ الناتو!.
لو أن المسألة توقفت عند هذا الحد لهان الأمر لأننا كنا سنجد تفسيرا لها مثلما وجد الأفغان من قبل تبريراتهم الخاصة التي جعلت الملائكة تقاتل إلى جانبهم في حربهم التي خاضوها ضد الشيوعيين, رغم أنهم عاجزون حتى هذه اللحظة عن تفسير عدم وقوف الله معهم في حربهم ضد الأمريكان الذين بددوا شمل المجاهدين وهدموا إمارتهم الإسلامية التي أسسوها وأرسلوا بشيخهم بن لادن إلى قاع المحيط لتأكله الحيتان.
للشيخ عبدالله عزام كتاب بأسم “آيات الرحمن في جهاد الأفغان ” , تحدث فيه بإسهاب عن حكايات أعتبرها البعض ضربا من الخيال , روى فيها عن شهود عيان كيف كانت الملائكة تقاتل إلى جانب المجاهدين , وكيف كان الله يرسل الطيور بأعداد كبيرة تغطي عين الشمس , حتى لا تتمكن الطائرات من رصد المجاهدين وقصفهم , قصص أخرى لا تقل غرابة حدثت أثناء قتال مسلمي الشمال السوداني لمسيحي الجنوب , تتحدث عن قرود تقوم بدوريات استطلاع أمام المجاهدين وتنظف لهم الممرات التي سيعبرونها من الألغام , إبان الثورة الليبية كان هناك حديث ولكن بصوت خافت , عن مخلوقات تحرس طوال الليل جثث الثوار حتى لا تأكلها الكلاب إلى أن تدفن من قبل رفاقهم في الصباح , الشيخ محمد العريفي أورد قصص تتحدث عن ملائكة تركب أحصنة بيضاء كانت تقاتل إلى جانب ثوار سوريا.
من أجل تعميم الفائدة عبد الله عزام مواطن فلسطيني يعرف بأنه رائد الجهاد الأفغاني والأب الروحي لأسامة بن لادن , من مواليد مدينة جنين ترك وطنه المغتصب ليقاتل الروس في أفغانستان بالنيابة عن الأمريكان , كان أستاذا بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية أنتقل منها للعمل بجامعة الملك عبد العزيز , ومنها تم إرساله إلى الباكستان ليتولى تأسيس مكتب خدمات المجاهدين , قتل في بيشاور مع اثنين من أبنائه بعملية تفجير استهدفت سيارته , ولقد وجهت أصابع الاتهام في قتله إلى أطراف عديدة من بينهم الأمريكيين أنفسهم الذين اعتبروا أن مهمة عبد الله عزام قد انتهت بهزيمة الروس وانسحابهم من أفغانستان , وهناك من يتهم بن لادن في قتل عبد الله عزام لأن الأخير استولى على أموال كانـت مخصصة لدعم المجاهدين الأفغان . الليبيون لازالوا على اعتقادهم بأن العناية الإلهية (رغم كل ما يرتكبونه من أخطاء ) لازالت تتولاهم بعطفها , وتشملهم بعين رعايتها , حتى لو أصبحت تلك الأخطاء جرائم في حجم جبل احد !!, وهذا اعتقاد فاسد بلا شك , ومنافي لأبسط قواعد العدل الإلهي , التي تفترض أن الجزاء من جنس العمل , وأن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره , من يعمل مثقال ذرة شرا يره , ولا أظن أن الله قد أستثنى الليبيين من هذه القاعدة .
هل اختار الله الليبيين دون سواهم من شعوب العالم لكي يساعدهم في حربهم ويساندهم في كفاحهم من أجل الحرية , أم الليبيون هم من اختاروا الله بتوكلهم عليه وتوجهم إليه بالدعاء والتكبير !
لا شك لدي بأن الله قد نصر الليبيين من آجل الأطفال الأبرياء والشيوخ المسنين والأرامل والثكالى واليتامى ودعاء المظلومين وصرخات المقهورين , لكنني أخشى أن الليبيين الذين وحدهم الاستبداد وجمعتهم المصيبة قد تفرقهم نشوة النصر , وتقودهم أهواؤهم إلى دروب ومسالك وعرة وخطيرة قد تفضي بهم في النهاية إلى عواقب وخيمة , فهاهم أنصار الفيدرالية يرفعون أعلامهم و يكشفون عن هويتهم , وحجتهم في ذلك أنهم لا يريدون للتهميش الذي عانوا منه خلال فترة حكم القذافي أن يستمر بعد ثورتهم , وهي حجة لا تصمد كثيرا أمام أي حوار هادي وعاقل , فتقسيم الوطن ليس هو الحل الأمثل لمشكلة المركزية , وإحياء نعرات ودعاوى الجاهلية ليست هي الخيار الصحيح لبناء ليبيا , وما يقدمه الفيدراليون من أمثلة لا تنطبق على واقع الليبيين , فليبيا ليست سويسرا التي تتكون من ثلاثة قوميات وليست كالهند التي تتكلم بألف لسان وتدين بألف دين , أما إذا كانت مشكلتهم مع البيروقراطية و بعد المسافة بين مختلف أجزاء ليبيا فهذه معضلة قد حلتها وسائل المواصلات الحديثة بل وهناك ما يعرف بالحكومة الإلكترونية التي تتعامل مع مواطنيها وتحل مشاكلهم بواسطة الحواسيب وشبكات الانترنت , وإذا استعصت علينا مثل هذه الحلول فهناك نظام الحكم المحلي الذي تتبعه دول عديدة.
وقد رد المناهضون للفيدرالية على مناصريها بطريقة يجوز أن توصف بالغبية لأن لغة الرصاص ليست هي اللغة التي يجب أن يتحاور بها الليبيون في هذه المرحلة الحساسة والمهمة من تاريخهم فمن يريد أن يتطلع إلى المستقبل عليه أن يبني الحاضر دون أن يكرر أخطاء الماضي .
الليبيون يعيشون الآن الماضي بكل تفاصيله وكأنهم قاموا بثورتهم من أجل بعث ماضيهم , وهو ماضي لا يخلو من الأخطاء والعيوب فالمملكة الليبية التي نرفع أعلامها الآن رغم أنها كانت مملكة دستورية الملك فيها يملك ولا يحكم , إلا أنه لدى العارفين بخفايا الأمور( بشهادة مصطفي بن حليم ) كان ملكا مطلق الصلاحيات يسقط الحكومات ويقيل رؤساء الوزراء بقرار منه ودون الرجوع إلى البرلمان , خلال مدة حكمه الثمانية عشر عاما تولى منصب رئيس الوزراء إحدى عشر رئيسا , كان من بينهم أميين أو شبه أميين , لم تتجاوز مدة رئاسة البعض منهم عدة أشهر , أقدم على تصفية جمعية المختار وأعتقل قادتها , كما أعتقل زعيم المؤتمر الوطني الطرابلسي بشير السعداوي وسفره على أول طائرة متجهة إلى مصر , حل الأحزاب وزج بالقوميين في غياهب السجون فيما عرف آنذاك بقضية ( 106) وهو عدد الذين تم الحكم عليهم بأحكام وصلت في بعضها إلى السجن لمدة ست سنوات , أتسمت الحاشية المحيطة به والمقربة منه بالفساد , تنازعت فيما بينها على السلطة ووصل الأمر بها إلى أن يقتل حفيد المجاهد أحمد الشريف غريمه ناظر الخاصة الملكية .
إن وقوف الله إلى جانب الليبيين ونصرته لهم مشروط بمحافظتهم على الصورة الجميلة التي قدموها لأنفسهم ولثورتهم , وهي صورة نرى الآن أنها أصبحت تتلاشى ويختفي بريقها رويدا رويدا , فقد حلت محلها صورة أخرى مغايرة تماما لأشخاص لا هم لهم سوى البحث عن المكاسب من مال وسلطة , غابت عنا صيحات التكبير ودعاء المصلين , ولم نعد نسمع سوى شتائم الليبيين بعضهم لبعض وهم يتزاحمون أمام المصارف بحثا عن الدولار .
عجزت الحكومة وقبلها المجلس الانتقالي عن فرض سيطرتهما على الشارع , لازال الناس يلجئون إلى الإعتصامات والمظاهرات بل والقوة أحيانا لحل مشاكلهم أو تحقيق مطالبهم , بلطجية وعصابات وأشباه ثوار يحكمون سيطرتهم على المنافذ والمطارات , إسلاميون يطالبون بتطبيق الشريعة , آخرون يهدمون الأضرحة و ينبشون القبور , إمارات هنا وهناك ,بوابات ونقاط تفتيش في كل مكان , اعتقال وتعذيب بل وقتل , وكل ذلك في غياب واضح للقانون , فلا شرطة ولا جيش ولا قضاء , وبالتالي لا دولة يلجأ إليها الناس لنيل حقوقهم , و بعد كل ذلك هناك من يقول لك لا خوف على ثورتنا , فهل نحن شعب الله المختار ؟ نفعل كل ما يغضب الرب دون أن ينقص ذلك من محبته لنا ….!!!!
بقلم أمجاور أغريبيل