إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
من الرجل الذي صنع فكر هتلر؟.. قصّة اختفاء "يوميات الشيطان" لفيلسوف النازية الأول
صفحة 1 من اصل 1
من الرجل الذي صنع فكر هتلر؟.. قصّة اختفاء "يوميات الشيطان" لفيلسوف النازية الأول
"يوميات الشيطان" إنها ليست رواية مرعبة لأديب مبدع، ولكنها مذكرات ألفريد روزنبرج، العقل المدبر والمغذي الرئيسي لفكر الزعيم النازي أدولف هتلر والمنظر للجرائم النازية التي اختفت في ظروف غامضة بعد أن وقعت في يد المخابرات الأميركية.
مخزن الأسرار
يطل القصر على الجبال الممتدة في الأفق على امتداد الريف البافاري. كان القصر يعرف باسم "جوتيس جارتن" أو "حديقة الإله".
من بين تلك القرى والمزارع الممتدة بامتداد النهار، استحقت دير شلوس بانز اهتماماً خاصاً. فالأحجار المنتشرة التي تشبه الذهب اللامع مع سقوط أشعة الشمس عليها، وهذان البرجان من النحاس يرتفعان عالياً فوق كنيسته ذات الطراز الباروكي جعلت منه مميزاً للغاية.
يمتد تاريخ المكان إلى أكثر من ألف عام، كمركز تجاري، وكقلعة حصينة ضد الجيوش المعادية، وكدير للبنديكتين، وقد نُهِب ودُمِر بالكامل في إحدى الحروب، ثم أعيد بناؤه من جديد على يد عائلة فيتلسباخ المالكة، وفق ما نشرت صحيفة ديلي بيست الأميركية، 27 مارس/ آذار 2016.
الملوك والدوقات، حتى القيصر فيلهلم الثاني، آخر إمبراطور في تاريخ ألمانيا، دائماً ما دخلوا إلى قاعاته الفخمة. وفي فصل الربيع من عام 1945، كان المكان مليئاً بمجموعة سيئة السمعة، ممن هدفوا إلى احتلال أوروبا عبر حرب كبرى من أجل مجد الرايخ الثالث.
ومع اقتراب هزيمتهم بعد 6 سنوات من الحرب، قام النازيون في أنحاء ألمانيا بإحراق جميع الملفات الحكومية الحساسة قبل أن يتم ضبطها واستخدامها ضدهم، إلا أن من لم يستطع منهم حرق ما يخصه من أوراق، اتجه للاختباء في الغابات والمناجم والقلاع والقصور، تماماً كهذا القصر الذي نتحدث عنه.
في جميع أنحاء البلاد، كانت هناك الكثير من الأسرار الهائلة التي قام الحلفاء بكشفها، بينها سجلات داخلية مفصلة تظهر قبح البيروقراطية الألمانية بوضوح، وغيرها مما يخص الاستراتيجية الوحشية للجيش الألماني، وكذلك الخطة النازية المهووسة التي تهدف لاجتياح أوروبا ومسح ما تصفه بـ"العناصر غير المرغوبة" للأبد.
في الأسبوع الثاني من أبريل/ نيسان 1945، كان جنود الجيش الثالث الأميركي بقيادة الجنرال جورج باتون وجنود الجيش السابع الأميركي بقيادة ألكساندر باتش قد قاموا بغزو المنطقة. فبعد عبورهم نهر الراين منذ أسابيع قليلة، لم يكن هناك ما يوقف تقدم هؤلاء الرجال في الجانب الغربي من البلد المتداعي في تلك الفترة، ولم يعطل تقدمهم سوى بعض الجسور المهدمة والحواجز، وبعض المقاومة العنيدة، إلا أنهم تمكنوا في النهاية من المرور عبر المدن التي دمرتها قنابل الحلفاء مسبقاً. خلال مرورهم على القرى وسكانها، كان كل ما يرفعه هؤلاء هو ورقة أو قطعة قماش بيضاء، وليس الصليب المعقوف النازي على الإطلاق، حيث كان الجيش الألماني نفسه في ذلك الوقت قد تفكك بالكامل، حيث سيموت هتلر بعد ثلاثة أسابيع ونصف فقط.
الصفقة
بعد وقت قليل من وصول الأميركيين إلى المنطقة، واجهوا تلك الأرستقراطية المصقولة التي ترتدي نظارات وأحذية عالية لامعة.
من بين هذه الأرستقراطية كورت فون بير الذي قضى فترة الحرب في باريس، وقام خلال تلك الفترة بنهب الكثير من الأعمال الفنية والمفروشات الثمينة التي يمتلكها عشرات الآلاف من اليهود في فرنسا وبلجيكا وهولندا.
قبل تحرير باريس بفترة قصيرة، فر الرجل وزوجته إلى بانز محملاً بأطنان من الكنوز المسروقة، في قافلة تكونت من عشر سيارات وأربع شاحنات.
وهنا، أراد فونبير عقد صفقة. عندما اقترب من مدينة ليشتنفلز البافارية، قام بالاتصال بضابط أميركي حكومي يدعى صامويل هابر، حيث لم يعتد بير سوى على حياة الملوك تحت تلك الأسقف المزخرفة بعناية ودقة داخل القصور.
كانت الصفقة تقضي بأن يسمح هابر لبير بالبقاء، مقابل أن يطلعه على الكثير من الأوراق النازية بالغة السرية.
أصيب الضابط الأميركي بحيرة شديدة، حيث كان العمل المخابراتي على أشده في تلك الفترة، وكانت المحاكمات على جرائم الحرب تبدو واضحة في الأفق، حيث أمرت قوات الحلفاء بتعقب وحفظ أية وثيقة لها علاقة بالنازية يمكن العثور عليها. كانت هناك فرقة استخباراتية خاصة مع قوات باتون تقوم بهذا الغرض تحديداً. وفي شهر أبريل/نيسان من العام ذاته فقط، استطاع أعضاء تلك الفرقة جمع ثلاثين طناً من الأوراق النازية.
مع تلميحات بير، شق الأميركان طريقهم نحو الجبل وعبر البوابات المختلفة وصولاً إلى ذلك القصر لمقابلته. هنا، قام الرجل النازي باصطحابهم إلى ما يبلغ خمسة طوابق تحت الأرض، وخلف جدار وهمي من الخرسانة، كان يوجد الجزء الأهم والأكثر سرية من الوثائق النازية. ملأت تلك الملفات قبواً ضخماً، في حين انتشرت بعض الأوراق المتناثرة الأخرى في أكوام داخل الغرفة.
الموت بالخمر الفرنسي
بعدما قام بير بتسليمهم السر، أدرك أن مناورته تلك لن تخلصه من ويلات الهزيمة الألمانية، لذلك قرر الانتحار. ارتدى أحد أزيائه باهظة الثمن، واصطحب زوجته إلى غرفتهما داخل القصر. وبعدما احتسيا كأسين من الخمر الفرنسي الممزوج بمادة السيانيد السامة، تذوق الزوجان طعم النهاية أثناء شرب ذلك الكأس.
ووصف أحد الأميركيين المشهد قائلاً إنه كان مليئاً بكل عناصر الميلودراما التي تمتع بها القادة النازيون.
وجد الجنود فون بير وزوجته ميتين وسط ذلك القصر الفاخر. وبفحص جثتهما، كانت الزجاجة مازالت موجودة ونصف ممتلئة على الطاولة، حيث اختار الزوجان زجاجة خمر ثمينة للغاية، تعود لعام 1918 في علامة رمزية، حيث كان هو العام الذي أنهت فيه بلادهم الحرب العالمية الأولى.
أما الأوراق الموجودة في القبو، فكانت تخص ألفريد روزنبرج، فيلسوف الحركة النازية الذي كوَّن عقلية هتلر، وأحد أول الأعضاء في الحزب النازي. كان روزنبرج شاهداً على فترة ولادة الحزب في 1919، عندما اكتشف الألمان القوميون الغاضبون شخصية القائد داخل أدولف هتلر، ذاك القائد المنمق والمحنك بعد الحرب العالمية الأولى.
فيلسوف النازية
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1923، في الليلة التي حاول فيها هتلر إسقاط الحكومة البافارية، كان روزنبرج يتحرك نحو قاعات ميونيخ الكبرى خلف قائده بخطوة واحدة فقط، وكان في برلين أيضاً بعد ذلك التاريخ بعِقد كامل، عندما كان الحزب قد سيطر على السلطة وقرر سحق أعدائه. وكان بعد ذلك في ساحة القتال، حينما قام النازيون بتغيير شكل ألمانيا بالكامل وفق رؤيتهم. لم يغب روزنبرج عن المشهد حتى النهاية، وتحديداً نهاية الحرب وسقوط الحلم النازي.
في ربيع عام 1945، بدأ المحققون البحث في هذا الكم الهائل من الوثائق، والتي شملت 250 مجلداً من المراسلات الشخصية والرسمية، عندما اكتشفوا شيئاً مميزاً للغاية: مذكرات روزنبرج الشخصية.
كانت تلك المذكرات مكتوبة بخط اليد، ومكونة من 500 صفحة، كان بعضها في ملزمة واحدة، والبعض الآخر أوراقاً منفصلة.
تبدأ تلك التدوينات منذ 1934، أي بعد عامٍ واحد من وصول هتلر للحكم، و من بين كل الرجال المهمين في تصنيف الرايخ الثالث، كان فقط روزنبرج، وجوزيف غوبلز (وزير الدعاية النازية) وهانز فرانك الحاكم الوحشي الألماني على بولندا، هم من تركوا وراءهم مذكرات شخصية. الآخرون، ومن بينهم هتلر، أخذوا أسرارهم معهم عند موتهم.
كانت مذكرات روزنبرج عاملاً مساعداً للغاية في فهم وتسليط الضوء على أعمال الرايخ الثالث من وجهة نظر الرجل الذي بدأ مع الحزب النازي من القاع على مدى ربع قرن من الزمان.
خارج ألمانيا، لم يكن روزنبرج مشهوراً على الإطلاق كغوبلز أو هنريخ هيملر (قائد قوات الأمن الخاصة)، أو هيرمان جورينج (المستشار الاقتصادي لهتلر وقائد قواته الجوية).
كان على روزنبرج أن يكافح ويشق طريقة بين هؤلاء العمالقة النازيين ليصل إلى القوة والنفوذ الذي يرى أنه يستحقه. على الرغم من ذلك، كان روزنبرج يحظى بثقة ودعم الفوهرر (هتلر) من البداية حتى النهاية، حيث واجه هو وهتلر معاً أكثر الاختبارات صعوبة، كان خلالها وفياً دون أن يخطئ ولو لمرة واحدة. لذلك، ولاه هتلر الكثير من المناصب القيادية في الحزب وفي الحكومة، ما رفع اسمه وضمن له تأثيراً كبيراً فيما بعد.
كان أعداؤه في برلين يمتلئون بالكراهية تجاهه، إلا أن درجة وملف روزنبرج في الحزب النازي جعلاه أحد أهم الرموز الألمانية، حيث كان لهذا المفكر الكبير أثرٌ بالغٌ حتى على الفوهرر نفسه. كانت بصمات روزنبرج في عددٍ غير قليل من الجرائم النازية الألمانية.
جرائمه
كان روزنبرج العقل المدبر لسرقة ونهب الأعمال الفنية والمحفوظات والمكتبات من باريس مروراً بخاركوف وكييف، تلك الآثار الشهيرة التي عمل الحلفاء على تتبعها في القلاع والمناجم الألمانية.
في عام 1920، زرع روزنبرج في عقل هتلر، الفكرة القائلة بأن المؤامرة اليهودية العالمية كانت وراء الثورة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي مكرراً هذا الأمر دائماً، حيث كان أحد مؤيدي تلك النظرية التي جعلت من هتلر يخوض حرباً مدمرة ضد السوفييت على مدار عقدين كاملين.
ومع تحضير النازيين لغزو الاتحاد السوفيتي في البداية، تعهد روزنبرج لهتلر بأن تكون تلك الحرب بمثابة "ثورة تطوير بيولوجية عالمية" وأن تلك الحرب من شأنها أن "تبيد كل الجراثيم اليهودية وأتباعهم" وفق رؤيته.
ومع أول عام للحرب، عندما تراجع الجيش الألماني في لحظة أمام موسكو، شن روزنبرج حملة كبرى استطاع من خلالها احتلال دول البلطيق وروسيا البيضاء وأوكرانيا، وتعاونت وزارته بشكل كبير مع قوات هيملر في تنفيذ المذابح بحق اليهود شرق ألمانيا.
لم تكن تلك أهم أعمال روزنبرج، فقد كان هو من وضع الأساس الحقيقي للمحرقة النازية، حيث قام بنشر أفكاره المعادية لليهود في 1919 حينما كان رئيس تحرير صحيفة الحزب وكتب الكثير من المقالات والمنشورات والكتب التي تمكّن من خلالها من نشر رسالة الكراهية التي يتبنّاها.
مليون نسخة
في وقت لاحق، أصبح روزنبرج بمثابة مفوض هتلر للشؤون الأيديولوجية، ودائماً ما كان يتم استقباله في أغلب المدن والقرى عبر الرايخ بحشد جماهيري وترحاب شديد، كما باع كتابه "أسطورة القرن العشرين" أكثر من مليون نسخة، كما تم اعتباره -إلى جانب كتاب "كفاحي" لهتلر- بمثابة كتاب الأسس الأيديولوجية للنازية.
في كتابه الضخم، استعاد روزنبرج الأفكار القديمة حول الأعراق والتاريخ العالمي والتي أنتجها غيره من أشباه المثقفين وقام بصياغتها في صورة نظام ومعتقد أيديولوجي سياسي كامل، في الوقت الذي قام فيه قادة الحزب بنشر ذلك الفكر في آلاف الخطابات التي دائماً ما اقتبسوا فيها كلماته. ما وُجِد في مذكرات روزنبرج كان مزيج
مخزن الأسرار
يطل القصر على الجبال الممتدة في الأفق على امتداد الريف البافاري. كان القصر يعرف باسم "جوتيس جارتن" أو "حديقة الإله".
من بين تلك القرى والمزارع الممتدة بامتداد النهار، استحقت دير شلوس بانز اهتماماً خاصاً. فالأحجار المنتشرة التي تشبه الذهب اللامع مع سقوط أشعة الشمس عليها، وهذان البرجان من النحاس يرتفعان عالياً فوق كنيسته ذات الطراز الباروكي جعلت منه مميزاً للغاية.
يمتد تاريخ المكان إلى أكثر من ألف عام، كمركز تجاري، وكقلعة حصينة ضد الجيوش المعادية، وكدير للبنديكتين، وقد نُهِب ودُمِر بالكامل في إحدى الحروب، ثم أعيد بناؤه من جديد على يد عائلة فيتلسباخ المالكة، وفق ما نشرت صحيفة ديلي بيست الأميركية، 27 مارس/ آذار 2016.
الملوك والدوقات، حتى القيصر فيلهلم الثاني، آخر إمبراطور في تاريخ ألمانيا، دائماً ما دخلوا إلى قاعاته الفخمة. وفي فصل الربيع من عام 1945، كان المكان مليئاً بمجموعة سيئة السمعة، ممن هدفوا إلى احتلال أوروبا عبر حرب كبرى من أجل مجد الرايخ الثالث.
ومع اقتراب هزيمتهم بعد 6 سنوات من الحرب، قام النازيون في أنحاء ألمانيا بإحراق جميع الملفات الحكومية الحساسة قبل أن يتم ضبطها واستخدامها ضدهم، إلا أن من لم يستطع منهم حرق ما يخصه من أوراق، اتجه للاختباء في الغابات والمناجم والقلاع والقصور، تماماً كهذا القصر الذي نتحدث عنه.
في جميع أنحاء البلاد، كانت هناك الكثير من الأسرار الهائلة التي قام الحلفاء بكشفها، بينها سجلات داخلية مفصلة تظهر قبح البيروقراطية الألمانية بوضوح، وغيرها مما يخص الاستراتيجية الوحشية للجيش الألماني، وكذلك الخطة النازية المهووسة التي تهدف لاجتياح أوروبا ومسح ما تصفه بـ"العناصر غير المرغوبة" للأبد.
في الأسبوع الثاني من أبريل/ نيسان 1945، كان جنود الجيش الثالث الأميركي بقيادة الجنرال جورج باتون وجنود الجيش السابع الأميركي بقيادة ألكساندر باتش قد قاموا بغزو المنطقة. فبعد عبورهم نهر الراين منذ أسابيع قليلة، لم يكن هناك ما يوقف تقدم هؤلاء الرجال في الجانب الغربي من البلد المتداعي في تلك الفترة، ولم يعطل تقدمهم سوى بعض الجسور المهدمة والحواجز، وبعض المقاومة العنيدة، إلا أنهم تمكنوا في النهاية من المرور عبر المدن التي دمرتها قنابل الحلفاء مسبقاً. خلال مرورهم على القرى وسكانها، كان كل ما يرفعه هؤلاء هو ورقة أو قطعة قماش بيضاء، وليس الصليب المعقوف النازي على الإطلاق، حيث كان الجيش الألماني نفسه في ذلك الوقت قد تفكك بالكامل، حيث سيموت هتلر بعد ثلاثة أسابيع ونصف فقط.
الصفقة
بعد وقت قليل من وصول الأميركيين إلى المنطقة، واجهوا تلك الأرستقراطية المصقولة التي ترتدي نظارات وأحذية عالية لامعة.
من بين هذه الأرستقراطية كورت فون بير الذي قضى فترة الحرب في باريس، وقام خلال تلك الفترة بنهب الكثير من الأعمال الفنية والمفروشات الثمينة التي يمتلكها عشرات الآلاف من اليهود في فرنسا وبلجيكا وهولندا.
قبل تحرير باريس بفترة قصيرة، فر الرجل وزوجته إلى بانز محملاً بأطنان من الكنوز المسروقة، في قافلة تكونت من عشر سيارات وأربع شاحنات.
وهنا، أراد فونبير عقد صفقة. عندما اقترب من مدينة ليشتنفلز البافارية، قام بالاتصال بضابط أميركي حكومي يدعى صامويل هابر، حيث لم يعتد بير سوى على حياة الملوك تحت تلك الأسقف المزخرفة بعناية ودقة داخل القصور.
كانت الصفقة تقضي بأن يسمح هابر لبير بالبقاء، مقابل أن يطلعه على الكثير من الأوراق النازية بالغة السرية.
أصيب الضابط الأميركي بحيرة شديدة، حيث كان العمل المخابراتي على أشده في تلك الفترة، وكانت المحاكمات على جرائم الحرب تبدو واضحة في الأفق، حيث أمرت قوات الحلفاء بتعقب وحفظ أية وثيقة لها علاقة بالنازية يمكن العثور عليها. كانت هناك فرقة استخباراتية خاصة مع قوات باتون تقوم بهذا الغرض تحديداً. وفي شهر أبريل/نيسان من العام ذاته فقط، استطاع أعضاء تلك الفرقة جمع ثلاثين طناً من الأوراق النازية.
مع تلميحات بير، شق الأميركان طريقهم نحو الجبل وعبر البوابات المختلفة وصولاً إلى ذلك القصر لمقابلته. هنا، قام الرجل النازي باصطحابهم إلى ما يبلغ خمسة طوابق تحت الأرض، وخلف جدار وهمي من الخرسانة، كان يوجد الجزء الأهم والأكثر سرية من الوثائق النازية. ملأت تلك الملفات قبواً ضخماً، في حين انتشرت بعض الأوراق المتناثرة الأخرى في أكوام داخل الغرفة.
الموت بالخمر الفرنسي
بعدما قام بير بتسليمهم السر، أدرك أن مناورته تلك لن تخلصه من ويلات الهزيمة الألمانية، لذلك قرر الانتحار. ارتدى أحد أزيائه باهظة الثمن، واصطحب زوجته إلى غرفتهما داخل القصر. وبعدما احتسيا كأسين من الخمر الفرنسي الممزوج بمادة السيانيد السامة، تذوق الزوجان طعم النهاية أثناء شرب ذلك الكأس.
ووصف أحد الأميركيين المشهد قائلاً إنه كان مليئاً بكل عناصر الميلودراما التي تمتع بها القادة النازيون.
وجد الجنود فون بير وزوجته ميتين وسط ذلك القصر الفاخر. وبفحص جثتهما، كانت الزجاجة مازالت موجودة ونصف ممتلئة على الطاولة، حيث اختار الزوجان زجاجة خمر ثمينة للغاية، تعود لعام 1918 في علامة رمزية، حيث كان هو العام الذي أنهت فيه بلادهم الحرب العالمية الأولى.
أما الأوراق الموجودة في القبو، فكانت تخص ألفريد روزنبرج، فيلسوف الحركة النازية الذي كوَّن عقلية هتلر، وأحد أول الأعضاء في الحزب النازي. كان روزنبرج شاهداً على فترة ولادة الحزب في 1919، عندما اكتشف الألمان القوميون الغاضبون شخصية القائد داخل أدولف هتلر، ذاك القائد المنمق والمحنك بعد الحرب العالمية الأولى.
فيلسوف النازية
في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1923، في الليلة التي حاول فيها هتلر إسقاط الحكومة البافارية، كان روزنبرج يتحرك نحو قاعات ميونيخ الكبرى خلف قائده بخطوة واحدة فقط، وكان في برلين أيضاً بعد ذلك التاريخ بعِقد كامل، عندما كان الحزب قد سيطر على السلطة وقرر سحق أعدائه. وكان بعد ذلك في ساحة القتال، حينما قام النازيون بتغيير شكل ألمانيا بالكامل وفق رؤيتهم. لم يغب روزنبرج عن المشهد حتى النهاية، وتحديداً نهاية الحرب وسقوط الحلم النازي.
في ربيع عام 1945، بدأ المحققون البحث في هذا الكم الهائل من الوثائق، والتي شملت 250 مجلداً من المراسلات الشخصية والرسمية، عندما اكتشفوا شيئاً مميزاً للغاية: مذكرات روزنبرج الشخصية.
كانت تلك المذكرات مكتوبة بخط اليد، ومكونة من 500 صفحة، كان بعضها في ملزمة واحدة، والبعض الآخر أوراقاً منفصلة.
تبدأ تلك التدوينات منذ 1934، أي بعد عامٍ واحد من وصول هتلر للحكم، و من بين كل الرجال المهمين في تصنيف الرايخ الثالث، كان فقط روزنبرج، وجوزيف غوبلز (وزير الدعاية النازية) وهانز فرانك الحاكم الوحشي الألماني على بولندا، هم من تركوا وراءهم مذكرات شخصية. الآخرون، ومن بينهم هتلر، أخذوا أسرارهم معهم عند موتهم.
كانت مذكرات روزنبرج عاملاً مساعداً للغاية في فهم وتسليط الضوء على أعمال الرايخ الثالث من وجهة نظر الرجل الذي بدأ مع الحزب النازي من القاع على مدى ربع قرن من الزمان.
خارج ألمانيا، لم يكن روزنبرج مشهوراً على الإطلاق كغوبلز أو هنريخ هيملر (قائد قوات الأمن الخاصة)، أو هيرمان جورينج (المستشار الاقتصادي لهتلر وقائد قواته الجوية).
كان على روزنبرج أن يكافح ويشق طريقة بين هؤلاء العمالقة النازيين ليصل إلى القوة والنفوذ الذي يرى أنه يستحقه. على الرغم من ذلك، كان روزنبرج يحظى بثقة ودعم الفوهرر (هتلر) من البداية حتى النهاية، حيث واجه هو وهتلر معاً أكثر الاختبارات صعوبة، كان خلالها وفياً دون أن يخطئ ولو لمرة واحدة. لذلك، ولاه هتلر الكثير من المناصب القيادية في الحزب وفي الحكومة، ما رفع اسمه وضمن له تأثيراً كبيراً فيما بعد.
كان أعداؤه في برلين يمتلئون بالكراهية تجاهه، إلا أن درجة وملف روزنبرج في الحزب النازي جعلاه أحد أهم الرموز الألمانية، حيث كان لهذا المفكر الكبير أثرٌ بالغٌ حتى على الفوهرر نفسه. كانت بصمات روزنبرج في عددٍ غير قليل من الجرائم النازية الألمانية.
جرائمه
كان روزنبرج العقل المدبر لسرقة ونهب الأعمال الفنية والمحفوظات والمكتبات من باريس مروراً بخاركوف وكييف، تلك الآثار الشهيرة التي عمل الحلفاء على تتبعها في القلاع والمناجم الألمانية.
في عام 1920، زرع روزنبرج في عقل هتلر، الفكرة القائلة بأن المؤامرة اليهودية العالمية كانت وراء الثورة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي مكرراً هذا الأمر دائماً، حيث كان أحد مؤيدي تلك النظرية التي جعلت من هتلر يخوض حرباً مدمرة ضد السوفييت على مدار عقدين كاملين.
ومع تحضير النازيين لغزو الاتحاد السوفيتي في البداية، تعهد روزنبرج لهتلر بأن تكون تلك الحرب بمثابة "ثورة تطوير بيولوجية عالمية" وأن تلك الحرب من شأنها أن "تبيد كل الجراثيم اليهودية وأتباعهم" وفق رؤيته.
ومع أول عام للحرب، عندما تراجع الجيش الألماني في لحظة أمام موسكو، شن روزنبرج حملة كبرى استطاع من خلالها احتلال دول البلطيق وروسيا البيضاء وأوكرانيا، وتعاونت وزارته بشكل كبير مع قوات هيملر في تنفيذ المذابح بحق اليهود شرق ألمانيا.
لم تكن تلك أهم أعمال روزنبرج، فقد كان هو من وضع الأساس الحقيقي للمحرقة النازية، حيث قام بنشر أفكاره المعادية لليهود في 1919 حينما كان رئيس تحرير صحيفة الحزب وكتب الكثير من المقالات والمنشورات والكتب التي تمكّن من خلالها من نشر رسالة الكراهية التي يتبنّاها.
مليون نسخة
في وقت لاحق، أصبح روزنبرج بمثابة مفوض هتلر للشؤون الأيديولوجية، ودائماً ما كان يتم استقباله في أغلب المدن والقرى عبر الرايخ بحشد جماهيري وترحاب شديد، كما باع كتابه "أسطورة القرن العشرين" أكثر من مليون نسخة، كما تم اعتباره -إلى جانب كتاب "كفاحي" لهتلر- بمثابة كتاب الأسس الأيديولوجية للنازية.
في كتابه الضخم، استعاد روزنبرج الأفكار القديمة حول الأعراق والتاريخ العالمي والتي أنتجها غيره من أشباه المثقفين وقام بصياغتها في صورة نظام ومعتقد أيديولوجي سياسي كامل، في الوقت الذي قام فيه قادة الحزب بنشر ذلك الفكر في آلاف الخطابات التي دائماً ما اقتبسوا فيها كلماته. ما وُجِد في مذكرات روزنبرج كان مزيج
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» هتلر يختبئ في المختبر: كابوس النازية المخيف يلوح من جديد
» التحقيق في اختفاء أدولف هتلر. الجزء الاول
» التحقيق في اختفاء أدولف هتلر.الجزء الثاني
» التحقيق في اختفاء أدولف هتلر.الجزء الثالث والاخير
» كثيرة هي الأشياء تثير الخوف لدى الرجل ما الذي يخيف الرجل ؟
» التحقيق في اختفاء أدولف هتلر. الجزء الاول
» التحقيق في اختفاء أدولف هتلر.الجزء الثاني
» التحقيق في اختفاء أدولف هتلر.الجزء الثالث والاخير
» كثيرة هي الأشياء تثير الخوف لدى الرجل ما الذي يخيف الرجل ؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR