إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الرابع
صفحة 1 من اصل 1
كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الرابع
العقيد وانا
حياتي مع القذافي
رواية: دعد شرعب ترجمة الدكتور علي جماعة علي
الفصل الرابع
وجه لوجه (1)
عندما غادر الجنديان كنت في حالة ذعر أعمى، هل سيتم إعادتي إلى الوطن بطريقة مخزية، مما قد يتسبب في حادث دبلوماسي بين ليبيا والأردن؟ أو هل يمكن أن أكون في ورطة عميقة لاستفزازي القذافي لدرجة أنه سوف يتم القبض علي وألقى في السجن؟ طاشت مخيلتي في كل اتجاه - ربما كل تلك القصص المروعة التي سمعتها عن العقيد كانت صحيحة؟ كانت غريزتي الأولى هي الفرار، لكن حتى في حالة الرعب المطلق لديّ، توصلت سريعًا إلى استنتاج مفاده أن الهروب في منتصف الليل كان بلا جدوى، لذا ارتديت بعض الملابس على عجل وانطلقت إلى الطابق السفلي إلى مكتب كانت تستخدمه صديقتي الجديدة نعيمة، في الواقع لقد بدا لي - حيث كدت أن أتعثر على درج السٌلم - أنها في ليبيا كانت صديقتي الوحيدة وليس لدي خطة بديلة، إذا لم تكن نعيمة موجودة في هذه الساعة المتأخرة، أو أنها أبعدتني وتخلت عني، فماذا يمكن أن أفعل بعد ذلك؟ اقتحمت الغرفة فوجدتها تعمل في وقت متأخر وشرحت لها ما حدث للتو، قلت لها على وانا وشك البكاء: "لا أريد أن أذهب إلى أي مكان". ولدهشتي، انفجرت ضاحكة، قالت نعيمة: "لا تقلقي، ليس هناك ما تخاف منه"، "كل ما يحدث هو أن الرئيس القذافي سيكون له حضور خاص مع عدد قليل من الوفود المنتقين بعناية، أنت محظوظة يا دعد - لقد اختارك، سوف تكون بأمان، فقط اهدئي".
جزء مني رفض تصديقها، لكنني أدركت أن هذه فرصة قد لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر لمقابلة رئيس وجهًا لوجه، كم من الناس يمكن أن يقولوا أنهم حققوا ذلك؟ عندما كنت طالبة في الجامعة، كنت معجبة بالقذافي من بعيد، كنت سأعطي أي شيء لمثل هذه الفرصة الفريدة، في كلتا الحالتين قررت أنه ليس لدي أي خيار حقًا، لقد كنت في ليبيا لمدة يومين فقط لكنني كنت أعرف بالفعل أن القذافي يحصل دائما على ما يريد.
لقد علمت أيضًا أنه لا يمكن اعتبار أي شيء في هذا البلد أمرًا مفروغًا منه، وقد ثبت ذلك مرة أخرى، بعد أن طرنا للتو من بنغازي إلى طرابلس، كنا في طريق العودة إليها مرة أخرى، في ذلك المساء لم يكن هناك متسع من الوقت لحزم بعض الملابس قبل ذهابنا إلى المطار في سيارات الليموزين الرسمية وركوب طائرة خاصة أخرى، هذه المرة كانت طائرة أصغر بكثير، اثني عشر مقعدًا فقط، من النوع الذي تربطه في مخيلتك برجال الأعمال الأثرياء والمشاهير.
كان هذا أول عهدي بهذا النوع من السفر الحصري، حيث لا تذاكر أو جوازات سفر مطلوبة أو إجراءات تسجيل وصول شاقة، فكرت انه يمكنني بسهولة تذوق روعتها، على الرغم من الظروف.
كنت سعيدة لأن نعيمة كانت من بين النساء على متن الطائرة، لأنني كنت قد وضعت ثقتي الكاملة بها، أما الآخرون فكانوا من جنوب لبنان وفلسطين وجبهة البوليساريو، وهي منظمة تسعى للاستقلال عن المغرب في الصحراء الغربية.
وجه لوجه (2)
بالكاد جلسنا في مقاعدنا في الرحلة التي استغرقت تسعين دقيقة وتناولنا المشروبات حتى وصلنا إلى بنغازي، حيث كان الوقت الآن بعد منتصف الليل، كنت أتوقع أن يتم نقلنا إلى الفندق ويتم اصطحابنا في اليوم التالي للقاء القذافي ولكن بدلاً من ذلك تم أخدنا بعيدا عن وسط المدينة، أصبح من الواضح أننا كنا في طريقنا لرؤية العقيد في تلك الليلة بالذات، أو لنكن أكثر دقة، في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وصلت قافلتنا الصغيرة المكونة من ثلاث سيارات سوداء إلى قاعدة عسكرية على بعد حوالي ثلاثين دقيقة بالسيارة من المطار.
سألتٌ نعيمة ، "أي نوع من الرؤساء يلتقي بالناس في الساعة 2 صباحًا؟، في الأردن، يعقد ملكنا اجتماعاته خلال النهار" من خلال الظلام، كان بإمكاني فقط رؤية أشباح لأبراج حراسة وجنود يحملون رشاشات، بدأت أشعر بالتوتر، أتساءل عما إذا كان هذا فخا من أي نوع، أوضحت نعيمة أن القذافي غالبًا ما يعمل في وقت متأخر من الليل في التعامل مع البريد وقراءة الكتب حتى الساعة الثالثة صباحًا، ولم تكن اجتماعات كهذه خارجة عن المألوف، حتى بالنسبة لوزراء حكومته، عندما تعرفت على القذافي بشكل أفضل، أدركت أن الساعة لا تهمه وأن كل من حوله يجب أن يعتاد على ضبط الوقت غير المعتاد، تتمثل إحدى مزايا كونك قائدًا في أنه يمكنك رؤية الأشخاص عندما تختار ذلك، داخل القاعدة، كان هناك عدد من الغرف الصغيرة، وبعد تناول وجبة سريعة، تم نقلنا بشكل متكرر على مدار الساعة التالية أو نحو ذلك، كنت آخر من سيقابل القذافي، لكن مما يثير القلق، مع خروج المندوبات الأخريات المدعوات من لقاءاتهن، كان الكثير منهن يذرفن الدموع، سألت نعيمة: "ماذا يحدث هناك؟ هل يضربهن؟"، قالت: "إنهن يتحدثن معه عن مدى معاناتهن ويتباكن في محاولة لكسب التعاطف لكي يعطي المال لبلدانهن." كانت الساعة تقترب من الثالثة صباحًا عندما حان دوري لرؤية القذافي وحينها كنت أشعر بالإرهاق.
وجه لوجه (3)
أتذكر الآن رائحة البخور القوية، وهو نوع من البخور العربي المصنوع من رقائق الخشب المنقوعة في الزيوت العطرية، الذي صرت، منذ هذا اللقاء، اربطه بشخص القذافي، أرشدتني نعيمة إلى مكتبه الخاص، لم يكن مؤثثًا إلا بمكتب في الزاوية وكرسي واحد، وعلى الطراز العربي التقليدي، كانت هناك بساطات تناثرت وسائد حمراء على الأرض.
كان القذافي، مرتديا جلباب بني، جالسا على كرسي خلف مكتبه لكنه وقف على قدميه عندما دخلنا.
لبرهة فقدت رباطة جأشي، فعلى بعد أمتار قليلة كان الرجل الذي أخبرني الجميع في المنزل أنه إرهابي ووحش، تبعت ذلك دقائق قليلة محرجة كان فيها القذافي يتحدث إلى نعيمة، وتجاهلني تمامًا، لقد كان مجرد حديث صغير يشعرك بأنه ملفق، كما لو أنه لم يقابلها من قبل، في حين كنت مدركة تمامًا أنهما يعرفان بعضهما البعض جيدًا. ربما رأى قلقي وكان الهدف من هذه المسرحية مع نعيمة هو إعطائي فرصة للاسترخاء.
في وقت من الأوقات وقع على وثيقة، شعرت بالخوف أكثر، لكنه التفت نحوي أخيرًا وتصافحنا، ثم بعد انتهاء الإجراءات الأولية، كانت هناك لحظة أخرى أكثر إرباكًا وإحراجًا، دعاني القذافي للجلوس على الأرض، وهي الطريقة البدوية التقليدية لعقد الاجتماعات، وأشار إلى إحدى البساطات المزخرفة، الآن لدي معضلة جديدة، بعد مشاكستي له في قاعة المؤتمرات، كان آخر ما أردت هو التسبب في مزيد من الإهانة، لكنني لم أكن ارتدي ما يناسب جلوسي القرفصاء على الأرض، كان هذا في أواخر الثمانينيات، عصر الأزياء الجريئة، كنت أرتدي سترة سوداء، مع منصات كتف كبيرة، و تنورة سوداء متناسقة وأترنح على الكعب العالي، كانت تنورتي فوق الركبة بالفعل، وفقًا للموضة السائدة في ذلك الوقت، وكانت ضيقة جدًا لدرجة لا تسمح لي بالجلوس على الأرض دون أن ترتفع سترتي إلى الأعلى، لدواعي الراحة والتواضع لم أرغب في الجلوس هكذا، وكم تمنيت لو أنني اخترت بدلة بنطلون أنيقة.
استطعت أن أرى أنه كان يهم بالجلوس على الكرسي، حتى يتمكن من تدوين الملاحظات، اعتذرت، شرحت الصعوبة التي واجهتها للقذافي الذي ابتسم وأعاد ترتيب الوسائد لتوفير
وجه لوجه (4)
بدأ القذافي يرميني بالأسئلة من كل جانب عن خلفيتي وعملي، أخبرته كل شيء عن جذور عائلتي في فلسطين، وتربيتي في المملكة العربية السعودية، ودراستي في الاقتصاد وتعاملاتي التجارية المتنوعة في الشرق الأوسط ولندن وأنحاء أخرى من العالم، من حين لآخر كان يهز رأسه أو يلقي نظرة على نعيمة، في بعض الأحيان كان يمزح معها ويضحك، لحسن الحظ ، لم يكن هناك أي ذكر لسؤالي الوقح في المؤتمر - الأمر الذي أشعرني بالامتنان للغاية، استمر هذا لمدة عشرين دقيقة، ثم انتهى الاجتماع، التفت القذافي إلى نعيمة، قال قاصدا يُسمعني وبابتسامة غامضة: "هذه هدية لطيفة جدًا قدمتها لي"، سألت نفسي: "ماذا حدث للتو؟" هل كنت "الهدية" وإذا كان الأمر كذلك، كيف؟
لا يبدو أن هناك أي غرض من اللقاء وتساءلت مع نفسي لماذا أجهد القذافي نفسه لنقلي جوا إلى بنغازي من طرابلس، كان من الصعب قراءته ولم أكن أعرف ما هو الانطباع الأول الذي تركته على العقيد، كان ينبغي أن أغادر اللقاء وأنا أشعر بالبهجة ولكن في الواقع شعرت بأنني محبطة ومخذولة، وحتى أني تألمت قليلاً أنه لم يعطني نوعاً من هدية الفراق أو تذكار، ومع ذلك، على الأقل لم يكن مقدراً لي أن أذهب إلى السجن.
كانت الساعة الآن الرابعة صباحًا وكنت محطمة، أردت فقط العودة إلى طرابلس في أقرب وقت ممكن، ولكن مرت ثلاث ساعات أخرى قبل أن تعيدنا نفس الطائرة الخاصة جميعًا إلى العاصمة، أخيراً خطفت من النوم بضع ساعات.
أربع ساعات راحة فقط، قبل أن يُدق باب غرفتي في الفندق مرة أخرى، وكان في استقبالي ممثل من مكتب الرئيس، ماذا الآن أيضا؟ سألت نفسي؟ أُبلغت بأدب أنني سأحضر اجتماعًا ولكن، كالعادة، كان هناك الحد الأدنى من المعلومات، مرة أخرى، طلبت النصيحة من نعيمة التي كانت إيجابية للغاية، حثتني "اذهبي"، "هذه الرسالة سوف تأتي مباشرة من الرئيس القذافي نفسه"، كان لدي شعور بأنها تعرف بالضبط ما كان يجري، بعد أقل من ساعة كنت جالسة في مكتب أحمد رمضان، الذي كان لقبه الرسمي الكبير (مدير المعلومات في مكتب معمر القذافي)، في الواقع اكتشفت أنه كان اليد اليمنى للعقيد، على الرغم من أنه بدا غير لافت للنظر، وهو يرتدي بدله رخيصة المظهر، إلا أنه كان من أقوى الشخصيات المرهوبة في النظام الليبي.
وجه لوجه ﴿5﴾
لأسباب لم أفهمها مطلقًا، أُطلق على أحمد رمضان اسم الصندوق الأسود، لا يمكنني إلا أن أفترض أنها إشارة إلى مسجل الرحلة في الطائرة، الذي يحتوي على جميع المعلومات، أبلغني رمضان الآن أن الرئيس القذافي يقدم لي مقترح عمل، كان ينوي أن أصبح مستشارة خاصة لشركة الاستثمارات الأجنبية العربية الليبية (LAFICO) التي تديرها الحكومة، التي كانت تتصرف بجميع الصفقات الأجنبية في البلاد، أصبحت كل أسئلة القذافي والتحقيقات حول خلفيتي العملية منطقية فجأة، يجب أن تصنف رحلتي في وقت متأخر من الليل إلى بنغازي كواحدة من أكثر مقابلات العمل غير التقليدية في التاريخ، لم تكن هناك وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك كانت هذه طريقته في معرفة كل شيء عني، ولكن كان يمكن أن يطلب سيرتي الذاتية! كان الاقتراح ممتعًا بالطبع، لكنني ظللت حذرة، نعم، لقد أتيت إلى ليبيا ونصف عيني على إجراء اتصالات لشركتي وكانت LAFICO سمكة كبيرة تتعامل بملايين الدولارات، لكنني أردت LAFICO كعميل وليس كرئيس عمل.
إغضاب القذافي مرة أخرى لم يكن على جدول أعمالي في تلك اللحظة، ومع ذلك، وافقت على مقابلة محمد الحويج، رئيس الشركة، كتب رمضان خطابًا موجزًا طلب مني تسليمه للحويج، في صباح اليوم التالي، كنت أركب إحدى السيارات الرسمية المألوفة الآن، وهي مرسيدس سوداء، إلى مقر LAFICO ذي المظهر الغريب الذي يشبه الزجاجة المقلوبة، لم يعيرني الحويج الكثير من الاهتمام عندما تم اصطحابي في النهاية إلى مكتبه بشيء من الملل فتح المذكرة التي سلمتها له، وقرأ المحتويات - وفجأة قفز من مقعده كمثل نقرة على مفتاح الضوء، تغير مزاجه وفجأة كان على اكبر قدر من التهذيب والترحيب، أعاد بفرح شديد عملية الترحيب بأكملها للمرة الثانية وكأنه نسي أننا قد تصافحنا بالفعل، لم يكن من الممكن أن يكون أكثر حماسًا وتبجيلا وهو يخبرني عن هيكل LAFICO، تباهى الحويج قائلاً: "نحن مؤسسة تبلغ قيمتها 85 مليار دولار"، وسلم لي كومة من الكتيبات اللامعة التي تشرح كيف أنشأ القذافي شركة LAFICO في عام 1981م.
وجها لوجه ﴿6﴾
أصبح الحويج أكثر رقة عندما رن جرس الهاتف بعد بضع دقائق، مقاطعا تدفق حديثه معي، قال للمتصل وهو ينظر إليّ: "إنها هنا"، استنتجت من الطريقة التي كان يرتجف بها الحويج، أن أحمد رمضان على الطرف الآخر من الخط، من الواضح أنه كان يتأكد من أنني لم أغير رأيي في اللحظة الأخيرة، وأيضا كان يطلع رئيس LAFICO على مستقبلي معهم، إذا حكمنا من خلال ردة فعل الحويج، فليس من الحكمة أن تجعل من أحمد رمضان عدواً، استعرض معي الحويج التفاصيل الدقيقة لعرض العمل، يتضمن دوري في تحديد الشركات، بما في ذلك سلاسل الفنادق الأجنبية والمصانع ومصافي النفط والبنوك التي يمكن للدولة شراؤها، إنها إرادة الحكومة الليبية أو القذافي على وجه الدقة، شخصًا كانت لدي اتصالات جيدة في الشرق الأوسط وفي الخارج بشكل حاسم، لأنني كنت أحمل جواز سفر أردنيًا، كان من المتوقع، بشكل صحيح تمامًا كما اتضح فيما بعد، أنه يمكنني الوصول بشكل أفضل وفتح الأبواب التي كانت ستظل مغلقة بإحكام في وجه ليبيا، في ذلك الوقت كانت ليبيا عازمة على محاولة استعادة سمعتها وبناء الجسور بعد عقود من الانكفاء إلى الداخل.
كانت إحدى تداعيات الغارات الأمريكية على ليبيا في عام 1986م هي العقوبات التي منعت المنظمات الأمريكية من التعامل مع النظام، لم يكن القذافي يريد أن يبقى معزولا عن بقية العالم، لذلك بحث في مكان آخر كانت إحدى أولوياته هي أوروبا، حيث كان يمتلك حصصًا في البنوك وكان أيضًا ينشئ محفظة عقارية في لندن تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات الإسترلينية، كانت المملكة المتحدة قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا في عام 1984م، بعد أن أُطلقت رصاصة من داخل السفارة الليبية في لندن أسفرت عن مقتل الشرطية إيفون فليتشر، الرصاصة كانت تستهدف المتظاهرين المعارضين للقذافي، وعلى الرغم من التوتر بين البلدين استمرت الأموال الليبية في التدفق بشكل قانوني إلى بريطانيا بسبب عدم وجود عقوبات، في إحدى المراحل امتلكت ليبيا حصة في شركة فيات، إلى أن أجبر رونالد ريغان شركة تصنيع السيارات الإيطالية على كبح جماح الشراكة، غالبًا ما كانت لعبة القط والفأر مع الولايات المتحدة التي كما أظهرت قضية فيات يمكن أن تمارس ضغطًا كبيرًا على البلدان التي تتعامل مع ليبيا، بصفتي أردنية سيكون من الأسهل بالنسبة لي أن أعمل تحت الرادار، بينما ليبيا تنفق نقودها بتكتم، هذا الجانب من شخصية القذافي عادة ما يتم تجاهله، لكنه كان رجلاً داهية أدرك أنه من خلال شراء الشركات الأجنبية، يمكنه توليد المزيد من الثروة لليبيا، في وقت لقائي الأول مع الحويج في عام 1988م، كانت البلاد أكبر منتج للنفط في شمال إفريقيا، المال قوة وكان القذافي يعلم أيضًا أن كل دولار سيساعده أيضًا في الاحتفاظ بقبضته على السلطة في بلاده، كان المعروض على الطاولة يتمثل في رسوم الاستشارات السنوية و تبلغ 50000 جنيه إسترليني، التي كانت تافهة مقارنة بالأموال التي كسبتها في شركة مجموعة الثلاثة The Three Group، بالكاد كانت ستغطي تكاليفي غير المباشرة، لكن ما سمعته بعد ذلك صدمني حتى كاد أن يضرب فكي بالطاولة، فبالإضافة إلى الرسوم، سأحصل على عمولة بنسبة 5 في المائة على كل صفقة أنجزها بنجاح، في عقلي أجريت بسرعة حساباتي، سأكون في صميم سياسة الاستثمار الخارجي الليبي، وإذا تحقق جزء بسيط من الصفقات التي تحدث عنها الحويج، فسيكون بمقدوري كسب ثروة هائلة، والأفضل من ذلك، أنه بموجب شروط العرض المقترح، يمكنني مواصلة العمل لدى مجموعة الثلاثة أو أي شركة أخرى أطلقها فيما بعد، لقد كان عرضًا لا يمكنني رفضه، وبغض النظر عن أي مخاوف بشأن ربط مصيري بليبيا، صافحت الرئيس وتم وضع العقد وتوقيعه في الحين وفي ذات المكان، غادرت مبنى LAFICO وأنا أهنئ نفسي، لم أكن قادرة بعد على استيعاب حظي الحسن.
قبل أسبوع كنت ذاهبة إلى ما كان يمكن أن يكون مؤتمرًا عاديًا إلى حد ما، الآن انا ذاهبة إلى المنزل بعد أن قابلت القذافي قابضة بورقة يمكني أن تجعل مني غنية ماليًا مدى الحياة.
على المستوى الشخصي، قد يعني ذلك قضاء المزيد من الوقت في ليبيا، البلد الذي لا يزال يثير اهتمامي، والتعرف على المزيد من شعبه وإقامة روابط تجارية جديدة هناك، بدت الاحتمالات لا حصر لها، عندما عدت إلى المنزل إلى الأردن وإلى عائلتي المطمئنة الآن، كنت لا أزال في قمة النشوة، ومصممة على اغتنام هذه الفرصة الرائعة بكلتا يدي، وكنت على يقين من أن والدي سيكون فخورا.
لو كنت أعرف حينها بالضبط ما كان يفكر فيه القذافي بالنسبة لي، ربما لم أكن لأضع قلم على ورقة ولا وقعت ذلك العقد.
حياتي مع القذافي
رواية: دعد شرعب ترجمة الدكتور علي جماعة علي
الفصل الرابع
وجه لوجه (1)
عندما غادر الجنديان كنت في حالة ذعر أعمى، هل سيتم إعادتي إلى الوطن بطريقة مخزية، مما قد يتسبب في حادث دبلوماسي بين ليبيا والأردن؟ أو هل يمكن أن أكون في ورطة عميقة لاستفزازي القذافي لدرجة أنه سوف يتم القبض علي وألقى في السجن؟ طاشت مخيلتي في كل اتجاه - ربما كل تلك القصص المروعة التي سمعتها عن العقيد كانت صحيحة؟ كانت غريزتي الأولى هي الفرار، لكن حتى في حالة الرعب المطلق لديّ، توصلت سريعًا إلى استنتاج مفاده أن الهروب في منتصف الليل كان بلا جدوى، لذا ارتديت بعض الملابس على عجل وانطلقت إلى الطابق السفلي إلى مكتب كانت تستخدمه صديقتي الجديدة نعيمة، في الواقع لقد بدا لي - حيث كدت أن أتعثر على درج السٌلم - أنها في ليبيا كانت صديقتي الوحيدة وليس لدي خطة بديلة، إذا لم تكن نعيمة موجودة في هذه الساعة المتأخرة، أو أنها أبعدتني وتخلت عني، فماذا يمكن أن أفعل بعد ذلك؟ اقتحمت الغرفة فوجدتها تعمل في وقت متأخر وشرحت لها ما حدث للتو، قلت لها على وانا وشك البكاء: "لا أريد أن أذهب إلى أي مكان". ولدهشتي، انفجرت ضاحكة، قالت نعيمة: "لا تقلقي، ليس هناك ما تخاف منه"، "كل ما يحدث هو أن الرئيس القذافي سيكون له حضور خاص مع عدد قليل من الوفود المنتقين بعناية، أنت محظوظة يا دعد - لقد اختارك، سوف تكون بأمان، فقط اهدئي".
جزء مني رفض تصديقها، لكنني أدركت أن هذه فرصة قد لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر لمقابلة رئيس وجهًا لوجه، كم من الناس يمكن أن يقولوا أنهم حققوا ذلك؟ عندما كنت طالبة في الجامعة، كنت معجبة بالقذافي من بعيد، كنت سأعطي أي شيء لمثل هذه الفرصة الفريدة، في كلتا الحالتين قررت أنه ليس لدي أي خيار حقًا، لقد كنت في ليبيا لمدة يومين فقط لكنني كنت أعرف بالفعل أن القذافي يحصل دائما على ما يريد.
لقد علمت أيضًا أنه لا يمكن اعتبار أي شيء في هذا البلد أمرًا مفروغًا منه، وقد ثبت ذلك مرة أخرى، بعد أن طرنا للتو من بنغازي إلى طرابلس، كنا في طريق العودة إليها مرة أخرى، في ذلك المساء لم يكن هناك متسع من الوقت لحزم بعض الملابس قبل ذهابنا إلى المطار في سيارات الليموزين الرسمية وركوب طائرة خاصة أخرى، هذه المرة كانت طائرة أصغر بكثير، اثني عشر مقعدًا فقط، من النوع الذي تربطه في مخيلتك برجال الأعمال الأثرياء والمشاهير.
كان هذا أول عهدي بهذا النوع من السفر الحصري، حيث لا تذاكر أو جوازات سفر مطلوبة أو إجراءات تسجيل وصول شاقة، فكرت انه يمكنني بسهولة تذوق روعتها، على الرغم من الظروف.
كنت سعيدة لأن نعيمة كانت من بين النساء على متن الطائرة، لأنني كنت قد وضعت ثقتي الكاملة بها، أما الآخرون فكانوا من جنوب لبنان وفلسطين وجبهة البوليساريو، وهي منظمة تسعى للاستقلال عن المغرب في الصحراء الغربية.
وجه لوجه (2)
بالكاد جلسنا في مقاعدنا في الرحلة التي استغرقت تسعين دقيقة وتناولنا المشروبات حتى وصلنا إلى بنغازي، حيث كان الوقت الآن بعد منتصف الليل، كنت أتوقع أن يتم نقلنا إلى الفندق ويتم اصطحابنا في اليوم التالي للقاء القذافي ولكن بدلاً من ذلك تم أخدنا بعيدا عن وسط المدينة، أصبح من الواضح أننا كنا في طريقنا لرؤية العقيد في تلك الليلة بالذات، أو لنكن أكثر دقة، في الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وصلت قافلتنا الصغيرة المكونة من ثلاث سيارات سوداء إلى قاعدة عسكرية على بعد حوالي ثلاثين دقيقة بالسيارة من المطار.
سألتٌ نعيمة ، "أي نوع من الرؤساء يلتقي بالناس في الساعة 2 صباحًا؟، في الأردن، يعقد ملكنا اجتماعاته خلال النهار" من خلال الظلام، كان بإمكاني فقط رؤية أشباح لأبراج حراسة وجنود يحملون رشاشات، بدأت أشعر بالتوتر، أتساءل عما إذا كان هذا فخا من أي نوع، أوضحت نعيمة أن القذافي غالبًا ما يعمل في وقت متأخر من الليل في التعامل مع البريد وقراءة الكتب حتى الساعة الثالثة صباحًا، ولم تكن اجتماعات كهذه خارجة عن المألوف، حتى بالنسبة لوزراء حكومته، عندما تعرفت على القذافي بشكل أفضل، أدركت أن الساعة لا تهمه وأن كل من حوله يجب أن يعتاد على ضبط الوقت غير المعتاد، تتمثل إحدى مزايا كونك قائدًا في أنه يمكنك رؤية الأشخاص عندما تختار ذلك، داخل القاعدة، كان هناك عدد من الغرف الصغيرة، وبعد تناول وجبة سريعة، تم نقلنا بشكل متكرر على مدار الساعة التالية أو نحو ذلك، كنت آخر من سيقابل القذافي، لكن مما يثير القلق، مع خروج المندوبات الأخريات المدعوات من لقاءاتهن، كان الكثير منهن يذرفن الدموع، سألت نعيمة: "ماذا يحدث هناك؟ هل يضربهن؟"، قالت: "إنهن يتحدثن معه عن مدى معاناتهن ويتباكن في محاولة لكسب التعاطف لكي يعطي المال لبلدانهن." كانت الساعة تقترب من الثالثة صباحًا عندما حان دوري لرؤية القذافي وحينها كنت أشعر بالإرهاق.
وجه لوجه (3)
أتذكر الآن رائحة البخور القوية، وهو نوع من البخور العربي المصنوع من رقائق الخشب المنقوعة في الزيوت العطرية، الذي صرت، منذ هذا اللقاء، اربطه بشخص القذافي، أرشدتني نعيمة إلى مكتبه الخاص، لم يكن مؤثثًا إلا بمكتب في الزاوية وكرسي واحد، وعلى الطراز العربي التقليدي، كانت هناك بساطات تناثرت وسائد حمراء على الأرض.
كان القذافي، مرتديا جلباب بني، جالسا على كرسي خلف مكتبه لكنه وقف على قدميه عندما دخلنا.
لبرهة فقدت رباطة جأشي، فعلى بعد أمتار قليلة كان الرجل الذي أخبرني الجميع في المنزل أنه إرهابي ووحش، تبعت ذلك دقائق قليلة محرجة كان فيها القذافي يتحدث إلى نعيمة، وتجاهلني تمامًا، لقد كان مجرد حديث صغير يشعرك بأنه ملفق، كما لو أنه لم يقابلها من قبل، في حين كنت مدركة تمامًا أنهما يعرفان بعضهما البعض جيدًا. ربما رأى قلقي وكان الهدف من هذه المسرحية مع نعيمة هو إعطائي فرصة للاسترخاء.
في وقت من الأوقات وقع على وثيقة، شعرت بالخوف أكثر، لكنه التفت نحوي أخيرًا وتصافحنا، ثم بعد انتهاء الإجراءات الأولية، كانت هناك لحظة أخرى أكثر إرباكًا وإحراجًا، دعاني القذافي للجلوس على الأرض، وهي الطريقة البدوية التقليدية لعقد الاجتماعات، وأشار إلى إحدى البساطات المزخرفة، الآن لدي معضلة جديدة، بعد مشاكستي له في قاعة المؤتمرات، كان آخر ما أردت هو التسبب في مزيد من الإهانة، لكنني لم أكن ارتدي ما يناسب جلوسي القرفصاء على الأرض، كان هذا في أواخر الثمانينيات، عصر الأزياء الجريئة، كنت أرتدي سترة سوداء، مع منصات كتف كبيرة، و تنورة سوداء متناسقة وأترنح على الكعب العالي، كانت تنورتي فوق الركبة بالفعل، وفقًا للموضة السائدة في ذلك الوقت، وكانت ضيقة جدًا لدرجة لا تسمح لي بالجلوس على الأرض دون أن ترتفع سترتي إلى الأعلى، لدواعي الراحة والتواضع لم أرغب في الجلوس هكذا، وكم تمنيت لو أنني اخترت بدلة بنطلون أنيقة.
استطعت أن أرى أنه كان يهم بالجلوس على الكرسي، حتى يتمكن من تدوين الملاحظات، اعتذرت، شرحت الصعوبة التي واجهتها للقذافي الذي ابتسم وأعاد ترتيب الوسائد لتوفير
وجه لوجه (4)
بدأ القذافي يرميني بالأسئلة من كل جانب عن خلفيتي وعملي، أخبرته كل شيء عن جذور عائلتي في فلسطين، وتربيتي في المملكة العربية السعودية، ودراستي في الاقتصاد وتعاملاتي التجارية المتنوعة في الشرق الأوسط ولندن وأنحاء أخرى من العالم، من حين لآخر كان يهز رأسه أو يلقي نظرة على نعيمة، في بعض الأحيان كان يمزح معها ويضحك، لحسن الحظ ، لم يكن هناك أي ذكر لسؤالي الوقح في المؤتمر - الأمر الذي أشعرني بالامتنان للغاية، استمر هذا لمدة عشرين دقيقة، ثم انتهى الاجتماع، التفت القذافي إلى نعيمة، قال قاصدا يُسمعني وبابتسامة غامضة: "هذه هدية لطيفة جدًا قدمتها لي"، سألت نفسي: "ماذا حدث للتو؟" هل كنت "الهدية" وإذا كان الأمر كذلك، كيف؟
لا يبدو أن هناك أي غرض من اللقاء وتساءلت مع نفسي لماذا أجهد القذافي نفسه لنقلي جوا إلى بنغازي من طرابلس، كان من الصعب قراءته ولم أكن أعرف ما هو الانطباع الأول الذي تركته على العقيد، كان ينبغي أن أغادر اللقاء وأنا أشعر بالبهجة ولكن في الواقع شعرت بأنني محبطة ومخذولة، وحتى أني تألمت قليلاً أنه لم يعطني نوعاً من هدية الفراق أو تذكار، ومع ذلك، على الأقل لم يكن مقدراً لي أن أذهب إلى السجن.
كانت الساعة الآن الرابعة صباحًا وكنت محطمة، أردت فقط العودة إلى طرابلس في أقرب وقت ممكن، ولكن مرت ثلاث ساعات أخرى قبل أن تعيدنا نفس الطائرة الخاصة جميعًا إلى العاصمة، أخيراً خطفت من النوم بضع ساعات.
أربع ساعات راحة فقط، قبل أن يُدق باب غرفتي في الفندق مرة أخرى، وكان في استقبالي ممثل من مكتب الرئيس، ماذا الآن أيضا؟ سألت نفسي؟ أُبلغت بأدب أنني سأحضر اجتماعًا ولكن، كالعادة، كان هناك الحد الأدنى من المعلومات، مرة أخرى، طلبت النصيحة من نعيمة التي كانت إيجابية للغاية، حثتني "اذهبي"، "هذه الرسالة سوف تأتي مباشرة من الرئيس القذافي نفسه"، كان لدي شعور بأنها تعرف بالضبط ما كان يجري، بعد أقل من ساعة كنت جالسة في مكتب أحمد رمضان، الذي كان لقبه الرسمي الكبير (مدير المعلومات في مكتب معمر القذافي)، في الواقع اكتشفت أنه كان اليد اليمنى للعقيد، على الرغم من أنه بدا غير لافت للنظر، وهو يرتدي بدله رخيصة المظهر، إلا أنه كان من أقوى الشخصيات المرهوبة في النظام الليبي.
وجه لوجه ﴿5﴾
لأسباب لم أفهمها مطلقًا، أُطلق على أحمد رمضان اسم الصندوق الأسود، لا يمكنني إلا أن أفترض أنها إشارة إلى مسجل الرحلة في الطائرة، الذي يحتوي على جميع المعلومات، أبلغني رمضان الآن أن الرئيس القذافي يقدم لي مقترح عمل، كان ينوي أن أصبح مستشارة خاصة لشركة الاستثمارات الأجنبية العربية الليبية (LAFICO) التي تديرها الحكومة، التي كانت تتصرف بجميع الصفقات الأجنبية في البلاد، أصبحت كل أسئلة القذافي والتحقيقات حول خلفيتي العملية منطقية فجأة، يجب أن تصنف رحلتي في وقت متأخر من الليل إلى بنغازي كواحدة من أكثر مقابلات العمل غير التقليدية في التاريخ، لم تكن هناك وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك كانت هذه طريقته في معرفة كل شيء عني، ولكن كان يمكن أن يطلب سيرتي الذاتية! كان الاقتراح ممتعًا بالطبع، لكنني ظللت حذرة، نعم، لقد أتيت إلى ليبيا ونصف عيني على إجراء اتصالات لشركتي وكانت LAFICO سمكة كبيرة تتعامل بملايين الدولارات، لكنني أردت LAFICO كعميل وليس كرئيس عمل.
إغضاب القذافي مرة أخرى لم يكن على جدول أعمالي في تلك اللحظة، ومع ذلك، وافقت على مقابلة محمد الحويج، رئيس الشركة، كتب رمضان خطابًا موجزًا طلب مني تسليمه للحويج، في صباح اليوم التالي، كنت أركب إحدى السيارات الرسمية المألوفة الآن، وهي مرسيدس سوداء، إلى مقر LAFICO ذي المظهر الغريب الذي يشبه الزجاجة المقلوبة، لم يعيرني الحويج الكثير من الاهتمام عندما تم اصطحابي في النهاية إلى مكتبه بشيء من الملل فتح المذكرة التي سلمتها له، وقرأ المحتويات - وفجأة قفز من مقعده كمثل نقرة على مفتاح الضوء، تغير مزاجه وفجأة كان على اكبر قدر من التهذيب والترحيب، أعاد بفرح شديد عملية الترحيب بأكملها للمرة الثانية وكأنه نسي أننا قد تصافحنا بالفعل، لم يكن من الممكن أن يكون أكثر حماسًا وتبجيلا وهو يخبرني عن هيكل LAFICO، تباهى الحويج قائلاً: "نحن مؤسسة تبلغ قيمتها 85 مليار دولار"، وسلم لي كومة من الكتيبات اللامعة التي تشرح كيف أنشأ القذافي شركة LAFICO في عام 1981م.
وجها لوجه ﴿6﴾
أصبح الحويج أكثر رقة عندما رن جرس الهاتف بعد بضع دقائق، مقاطعا تدفق حديثه معي، قال للمتصل وهو ينظر إليّ: "إنها هنا"، استنتجت من الطريقة التي كان يرتجف بها الحويج، أن أحمد رمضان على الطرف الآخر من الخط، من الواضح أنه كان يتأكد من أنني لم أغير رأيي في اللحظة الأخيرة، وأيضا كان يطلع رئيس LAFICO على مستقبلي معهم، إذا حكمنا من خلال ردة فعل الحويج، فليس من الحكمة أن تجعل من أحمد رمضان عدواً، استعرض معي الحويج التفاصيل الدقيقة لعرض العمل، يتضمن دوري في تحديد الشركات، بما في ذلك سلاسل الفنادق الأجنبية والمصانع ومصافي النفط والبنوك التي يمكن للدولة شراؤها، إنها إرادة الحكومة الليبية أو القذافي على وجه الدقة، شخصًا كانت لدي اتصالات جيدة في الشرق الأوسط وفي الخارج بشكل حاسم، لأنني كنت أحمل جواز سفر أردنيًا، كان من المتوقع، بشكل صحيح تمامًا كما اتضح فيما بعد، أنه يمكنني الوصول بشكل أفضل وفتح الأبواب التي كانت ستظل مغلقة بإحكام في وجه ليبيا، في ذلك الوقت كانت ليبيا عازمة على محاولة استعادة سمعتها وبناء الجسور بعد عقود من الانكفاء إلى الداخل.
كانت إحدى تداعيات الغارات الأمريكية على ليبيا في عام 1986م هي العقوبات التي منعت المنظمات الأمريكية من التعامل مع النظام، لم يكن القذافي يريد أن يبقى معزولا عن بقية العالم، لذلك بحث في مكان آخر كانت إحدى أولوياته هي أوروبا، حيث كان يمتلك حصصًا في البنوك وكان أيضًا ينشئ محفظة عقارية في لندن تبلغ قيمتها ملايين الجنيهات الإسترلينية، كانت المملكة المتحدة قد قطعت العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا في عام 1984م، بعد أن أُطلقت رصاصة من داخل السفارة الليبية في لندن أسفرت عن مقتل الشرطية إيفون فليتشر، الرصاصة كانت تستهدف المتظاهرين المعارضين للقذافي، وعلى الرغم من التوتر بين البلدين استمرت الأموال الليبية في التدفق بشكل قانوني إلى بريطانيا بسبب عدم وجود عقوبات، في إحدى المراحل امتلكت ليبيا حصة في شركة فيات، إلى أن أجبر رونالد ريغان شركة تصنيع السيارات الإيطالية على كبح جماح الشراكة، غالبًا ما كانت لعبة القط والفأر مع الولايات المتحدة التي كما أظهرت قضية فيات يمكن أن تمارس ضغطًا كبيرًا على البلدان التي تتعامل مع ليبيا، بصفتي أردنية سيكون من الأسهل بالنسبة لي أن أعمل تحت الرادار، بينما ليبيا تنفق نقودها بتكتم، هذا الجانب من شخصية القذافي عادة ما يتم تجاهله، لكنه كان رجلاً داهية أدرك أنه من خلال شراء الشركات الأجنبية، يمكنه توليد المزيد من الثروة لليبيا، في وقت لقائي الأول مع الحويج في عام 1988م، كانت البلاد أكبر منتج للنفط في شمال إفريقيا، المال قوة وكان القذافي يعلم أيضًا أن كل دولار سيساعده أيضًا في الاحتفاظ بقبضته على السلطة في بلاده، كان المعروض على الطاولة يتمثل في رسوم الاستشارات السنوية و تبلغ 50000 جنيه إسترليني، التي كانت تافهة مقارنة بالأموال التي كسبتها في شركة مجموعة الثلاثة The Three Group، بالكاد كانت ستغطي تكاليفي غير المباشرة، لكن ما سمعته بعد ذلك صدمني حتى كاد أن يضرب فكي بالطاولة، فبالإضافة إلى الرسوم، سأحصل على عمولة بنسبة 5 في المائة على كل صفقة أنجزها بنجاح، في عقلي أجريت بسرعة حساباتي، سأكون في صميم سياسة الاستثمار الخارجي الليبي، وإذا تحقق جزء بسيط من الصفقات التي تحدث عنها الحويج، فسيكون بمقدوري كسب ثروة هائلة، والأفضل من ذلك، أنه بموجب شروط العرض المقترح، يمكنني مواصلة العمل لدى مجموعة الثلاثة أو أي شركة أخرى أطلقها فيما بعد، لقد كان عرضًا لا يمكنني رفضه، وبغض النظر عن أي مخاوف بشأن ربط مصيري بليبيا، صافحت الرئيس وتم وضع العقد وتوقيعه في الحين وفي ذات المكان، غادرت مبنى LAFICO وأنا أهنئ نفسي، لم أكن قادرة بعد على استيعاب حظي الحسن.
قبل أسبوع كنت ذاهبة إلى ما كان يمكن أن يكون مؤتمرًا عاديًا إلى حد ما، الآن انا ذاهبة إلى المنزل بعد أن قابلت القذافي قابضة بورقة يمكني أن تجعل مني غنية ماليًا مدى الحياة.
على المستوى الشخصي، قد يعني ذلك قضاء المزيد من الوقت في ليبيا، البلد الذي لا يزال يثير اهتمامي، والتعرف على المزيد من شعبه وإقامة روابط تجارية جديدة هناك، بدت الاحتمالات لا حصر لها، عندما عدت إلى المنزل إلى الأردن وإلى عائلتي المطمئنة الآن، كنت لا أزال في قمة النشوة، ومصممة على اغتنام هذه الفرصة الرائعة بكلتا يدي، وكنت على يقين من أن والدي سيكون فخورا.
لو كنت أعرف حينها بالضبط ما كان يفكر فيه القذافي بالنسبة لي، ربما لم أكن لأضع قلم على ورقة ولا وقعت ذلك العقد.
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
dude333- مشرف المنتدى السياسي
-
عدد المشاركات : 5593
العمر : 55
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012
مواضيع مماثلة
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الرابع عشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الرابع والعشرون
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل العاشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الحادي عشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الثاني عشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الرابع والعشرون
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل العاشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الحادي عشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الثاني عشر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» الإكوادور وجهة مثالية لقضاء العطلات وسط المناظر الطبيعية
اليوم في 8:06 am من طرف STAR
» سر ارتفاع دواسة الفرامل عن دواسة البنزين في السيارة
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» ما ميزات شبكات "Wi-Fi 8" المنتظرة؟
اليوم في 8:05 am من طرف STAR
» رد فعل صلاح بعد اختياره أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي
اليوم في 8:04 am من طرف STAR
» هل تعاني من الأرق؟ طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الكبة المشوية على الطريقة الأصلية
اليوم في 8:03 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:00 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR