إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الخامس عشر
صفحة 1 من اصل 1
كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الخامس عشر
#العقيد_وانا
حياتي مع القذافي
رواية: دعد شرعب ترجمة الدكتور علي جماعة علي
الفصل الخامس عشر
مفجر لوكربي (1)
كانت لوكربي الهاجس الأكثر سيطرة على عقل العقيد، في عام 2003م اُستدعيت إلى مكتب القائد حيث أخبرت انه سوف يرسلني إلى سكوتلندا للقاء عبد الباسط المقرحي.
كان للحكومة الليبية مكتب صغير في غلاسكو غرضه فقط دعم المقرحي، واحد من الموظفين الخمسة في المكتب استقبلني في مطار المدينة.
كانت التعليمات موجزة: تفحصي أحوال المقرحي وقدمي له تطمينات انه غير منسي، كان سعيدا بالملابس الرياضية والحذاء الرياضي التي أحضرتها معي وتحدثنا خلال أكثر من ساعتين عن قضيته واحتمالات إطلاق سراحه، رجاني المقرحي أن استخدم علاقاتي مع العائلة المالكة في الأردن، وسلمني رسالة إلى الملك عبدالله شرح فيها براءته وناشده أن يُنقل إلى سجن في أي أراض عربية إلى أن تثبت براءته، هذه مقتطفات من الرسالة:
" اقسم بالله الواحد الجبار وصفات الله الحسنى .... أنني مطلقا لم ابتاع أي ملابس من أي محل في مالطا، وأنني مطلقا لم أر الملابس ولا صاحب المتجر إلا أثناء المحاكمة عندما قدم الشاهد افادته، كما أنني مطلقا لم أتعامل مع حقيبة تحتوي على ما يخالف القانون في أي مطار في العالم، لقد كان وجودي في مالطا، لو كان ذلك حقا بداية هذه الجريمة، لمجرد الحصول على بعض المستلزمات الضرورية" وفيها أيضا " جلالة الملك، أتوسل إليك باسم أسرتي وأطفالي أن تتناول هذه المشكلة مع المعنيين بالأمر في بريطانيا وأمريكا لنقلي إلى سجن في بلادي أو بلادك أو أي دولة عربية أخرى" ومن الرسالة كذلك " جلالة الملك اختم رسالتي بهذه الآية، ربّنَا أَخْرجنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلقرْيَةِ ٱلظّالِمِ أَهْلهَا وَٱجعَل لَّنَا مِن لّدنكَ وَليّا وَٱجعَل لّنا مِن لّدُنكَ نَصيرًا".
الانفصال عن أحبابه أثر في حالة المقرحي النفسية ولم يكن ينام جيدا، كان عنده خمسة أبناء وكان حزين لأنه لن يتمكن من حضور فرح ابنته الوحيدة، قال لي أنها حضرت إلى اسكتلندا بأوراق الزواج ليوقعها وفقا للتقاليد العربية، لقد بكى أسبوع بعد زيارتها، وأضاف " كل يوم أبقى هنا يكبر أطفالي أكثر ابنتي كانت طفلة عندما غادرت ليبيا الآن هي امرأة أرجوك ذكّري الرئيس القذافي ".
أخبرني المقرحي" جاءني السنوسي و قال لي" هناك اتفاقية مع الغرب لإرسالك إلى المحاكمة يقول القائد انك حر في قبولها أو رفضها لا أحد يجبرك على الذهاب وستكون محمي من جانبنا ".
من مشاهداتي، أن المقرحي تمتع بمعاملة حسنة، كان يستطيع أن يطهو طعامه الحلال وأحيانا يستعمل الصالة الرياضية في السجن كما أنه يستطيع مشاهدة القنوات العربية في زنزانته.
أخبرت القذافي عن قلق مواطنه حيال مرور السنوات والعجز الواضح للحكومة الليبية، أجاب" التقيه مرة أخرى، اخبريه أنني استقبلت رسالته وسأجد له حل، اخبريه أنني اعد بأنه سيعود للوطن قريبا"، من تلك اللحظة عمل القذافي كل شيء ممكن لان تبقى قضية المقرحي تحت الأضواء.
عندما زرته في المرة التالية كان المقرحي مرتعبا، أصبح مقتنعا بأن هناك مؤامرة لاغتياله، بالترك المتعمد للأبواب المؤدية لزنزانته الآمنة مفتوحة".
اخبرني " أن السجناء الآخرين يكرهونني" إذا كان ما قاله صحيحا فله سبب وجيه أن يكون مرتعبا لان مفجر لوكربي كان صاحب رأس ثمين، وعدته بنقل مخاوفه وحسب علمي لم يعد يعاني أي ضرر في السجنين.
في ليبيا احتضنت صفية، زوجة العقيد، عائشة زوجة المقرحي تحت جناحها، كانت تُعامل على غرار الشخصيات المرموقة، وبالنسبة لي أحببت المقرحي وبقينا على تواصل، كان عنده رقم موبايلي ومن حين إلى آخر أتلقى مكالمات ونتبادل الرسائل، كنت ارفع معنوياته وأطمئنه انه دائما في تفكير العقيد.
تم الإفراج عنه لأسباب صحية حسب المعلن واُستقبل في طرابلس كبطل على متن الطائرة التي ساعدتُ القذافي على شرائها، كان على متن الطائرة ابن القذافي سيف، كان سيف يتنعم بمجد العودة المظفرة للمقرحي بالرغم انه في الواقع لم يكن له دور يذكر، كنت أغلى من الداخل وانا أراه يسرق أفضال الآخرين بينما أصحاب العمل الشاق الحقيقيين لم يراهم أحد، ذهب سيف بانتظام إلى لندن و لم يكلف نفسه ولو مرة بان يأخذ رحلة محلية قصيرة إلى غلاسكو لزيارة المقرحي في السجن.
مفجر لوكربي (2)
في لحظة يأس في السجن، قال لي المقرحي" أنهم سيكونون سعداء جدا لو مت هنا في السجن"، يخامرني الشك انه لم يحصل على اهتمام صحي جيد في السجن لان سرطان البروستاتا غالبا ما يستجيب إلى العلاج لو تم تشخيصه مبكرا.
توفى المقرحي في أحد ضواحي طرابلس في مايو عام 2012م.
" قيل عند إطلاق سراحه انه سيموت خلال ثلاثة شهور لكنه عاش لثلاث سنوات أخرى حتى انه عمّر أكثر من القذافي الأمر الذي لم يتصوره أحد في ذلك الوقت".
عند إطلاق سراحه رجوت له حياة طيبة وان يعيش في سلام مع أسرته، مؤمنة ببراءته، و بموته اعتبرته الضحية رقم 271 من ضحايا لوكربي.
قبل ذلك، كانت الصكوك المالية الأخيرة للتعويضات قد دُفعت إلى عائلات الضحايا مع استياء كبير من جانب القذافي، بالرغم من أنه قدّر أهمية الاستمرار في الدفعات، كان غالبا ما يثور على ظلمها وكيف سيتم تفسير دفعها.
كان يقول" لماذا افعل هذا وليبيا بريئة" أخيرا استطاع عبد العاطي العبيدي، أبرز مستشاريه في قضية لوكربي، أن يبسط له الأمر بأوضح العبارات، في أحد لقاءاتنا مع القذافي قال للقائد" أنظر، نحن لا نريد لك أن تعاني مصير صدام حسين، لو كانت التكلفة مال، فلدينا منه الكثير، دعنا فقط ندفع لهم، نتخلص من هذا الموضوع، نفتح بلادنا ونحافظ عليها مستقرة، أمريكا تستطيع أن تفعل ما تشاء، هل تريد أن ينتهي بنا الأمر إلى مشاهدتك على التلفزيون مثل صدام حسين"، لقد كانت إشارة صارخة إلى القبض على صدام و أهانته من قبل القوات الأمريكية، الحادثة التي أزعجت القذافي، رغم كل تبجحه كان يعرف أن أمريكا و حلفاءها قادرين على الإطاحة به حالا وبدون تأخير، بعد تدخل العبيدي لم يعد القذافي يثير الضجة حول الأموال اللعينة.
حادثة أخرى تشابه لوكربى هي سقوط الطائرة الفرنسية فوق النيجر في سبتمبر عام 1989م وقُتل فيها 170 إنسان، أدانت محكمة فرنسية غيابيا 6 ليبيين من بينهم عبدالله السنوسي عدوي في مكتب الاستخبارات، حددت المحكمة مبلغ 33 ألف يورو تعويضا عن كل ضحية مقارنة بعشرة مليون عن كل ضحية في لوكربي، شعر الفرنسي بالخجل أن قيمة حياته اقل بكثير من زميله الأمريكي أو البريطاني.
قانونيا لم يكن لفرنسا ما تستند عليه حيث أن محكمتها هي من حددت مبلغ التعويض ولكنها شعرت أن على ليبيا واجب أخلاقي أن تزيد المبلغ المقدم إلى العائلات الفرنسية، استمرت المفاوضات سنوات إلى أن تعكر مسارها بسبب تدخل ابن القذافي سيف، لقد طار إلى باريس و وقع اتفاقية تضيف 185 مليون يورو اضافي (مليون دولار لكل ضحية) الأموال كانت ستأتي من جمعية خيرية يديرها سيف وبحسب الاتفاقية لن تقبل ليبيا المسؤولية عن التفجير.
رضت فرنسا عن الصفقة و تم الإعلان عنها في باريس بصخب احتفالي، أشعل هذا التصرف جحيما في ليبيا حيث ظهر وكأن العقيد ليس عنده فكرة عن تدخل ابنه، احضر وزير الخارجية عبد الرحمن شلقم على تلفزيون الدولة ليقول أن ليس لسيف سلطة رسمية لذلك فالاتفاقية لا قيمة لها، ولتصبح الأمور أكثر سوء، تبين أن سيف أقنع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان بضمان الدفع، ولي العهد تمت مفاتحته من صديق غني لسيف يدعى حسن طاطاناكي فكان غاضبا لجره إلى هذا الخلاف الدبلوماسي، هذا مثال آخر عن الفوضى حول القذافي الذي لم يستطع السيطرة حتى على ابنه.
عند سيف مبالغة في تقدير نفسه وبلا شك كان يأمل في إثارة إعجاب والده لكن هذه المفاوضات غير المرخص بها مع باريس أعطت نتائج عكسية على نحو كارثي.
مفجر لوكربي (3)
كانت الحادثة محرجة جدا للرئيس الفرنسي جاك شيراك ومن المحتمل أن تضر ليبيا التي لا تريد أن تجعل من فرنسا عدوا في وقت كانت فيه المحادثات حول لوكربي تسير بتوازن دقيق.
في الوقت الذي يتكشف فيه كل هذا للعيان، تلقيت مكالمة من جين بول بيرير رئيس شركة (تاليس) الفرنسية للدفاع وصناعة الطائرات المملوكة جزئيا للدولة، كنت التقيته في معرض للسلاح في لندن حالا بعد أن استحوذت تاليس على شركة (ركال) البريطانية للإلكترونيات التي كنت أمثلها في الشرق الأوسط، كنت أرجو أن أتمتع بنفس الترتيبات مع شركة تاليس ولكن بيرير له قول تنصُلي اشتهر به هو "سوف نرى!"، هو الآن يطلب تدخلي في هذه المسخرة التي تورط فيها سيف وطاطاناكي .
رجاني بيرير" هل يمكنك الحديث مع القذافي؟، ان الرأي العام في بلادنا صار ينمو ضد رئيسنا الذي سيواجه انتخابات قادمة، شيراك يحتاج مساعدتك".
وافقت على مقابلة طاطاناكي، الذي تعرفت عليه من خلال صديق مصري مشترك هو شريف حسين، كان طاطاناكي معارضا لنظام القذافي وتم السماح له بالعودة من المنفى بتدخل سيف، العقيد لا يحب هذا الرجل ولهذا كنت قلقة، ومع هذا لما التقيت بيرير وموظف من الاستخبارات الفرنسية يدعى اَلن جوليت كلا الرجلان أيدا رواية طاطاناكي للأحداث.
أخبرني طاطاناكي المذعور انه منذ اندلاع الخلاف حاول الاتصال بسيف وعبدالله السنوسي في مكتب الاستخبارات لكن كليهما لم يرد على الهاتف، كان الأمير محمد بن زايد غاضبا ويبحث عن إجابات من طاطاناكي ولائما عليه بسبب هذه الأزمة، طاطاناكي كذلك ترجاني للتدخل مع القذافي وأخبرني أن ولي العهد طلب تدخلي أيضا.
وافقت على الطيران إلى طرابلس حيث جلست مع القائد، في البداية بدا وكأنه غير مهتما حتى ذُكر اسم محمد بن زايد آل نهيان فطفق يستمع فجأة.
"ماذا تعتقدي؟"، سألني، مدركا أهمية التبعات مع الإمارات، سألني مرتين عن ما إذا كان ولي العهد مازال راغبا في ضمان الصفقة لدفع مبلغ ال185مليون يورو لو تم حل هذه الفوضى التي تورط فيها سيف وطاطاناكي، طمأنت العقيد، بحسب علمي أن الأمر كذلك وسيكون هذا جيدا لليبيا لتحتفظ بالإمارات في جانبها، وكذلك ستكون منفعة سياسية عظيمة في تهدئة فرنسا.
قلت له" انظر، لا يستطيع شيراك إجبارك على الدفع ولكنه سياسي غالبا ما يؤيد الدول العربية وله تأثير على الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية".
واعية بأنه مناصر منذ زمن طويل لدولة فلسطينية أضفت "ويمكن أن يكون حليف مهم في المستقبل ويجب أن تكون حريص ألا تغضبه هو وفرنسا من وراءه، لو أراد فهو يستطيع أن يجعل مهمتك في أفريقيا صعبة، اعمل هذا كترضية شخصية لشيراك، انه ليس بذلك المبلغ الكبير بالنسبة لك ".
اخذ العقيد كل هذا بعين الاعتبار و نطق بالقرار، أولا وجهي دعوة لولي العهد وجون بول بيرير وطاطاناكي لزيارة ليبيا في غضون عشرة أيام، و كان حريص على أن يتصل نوري المسماري، رئيس مراسمه، بمكتب ولي العهد في الإمارات عبر تلفون الثريا وليس الخطوط الليبية حتى لا يتنصت على المكالمة كلا من عبدالله السنوسي وموسى كوسا، وأضاف العقيد" ارجعي إلى باريس غدا واخبريهم بأنني سأحل هذا المشكلة."
قلت له" أرجوك لا ترسلني إلى باريس ثم تصدر أي بيان قد يغضبهم" لأنني كنت حائرة بشأن ما يدور في رأس القذافي في الوقت الذي أستعد فيه للعودة إلى باريس لاطلع بيرير على ما جرى.
" سوف تسمع الإجابة غدا صباحا" قلت للرجل الفرنسي و انا أتأمل خيرا.
في اليوم التالي على تمام التاسعة صباحا، أعلن على قناة الجزيرة أن ليبيا ترسل وزير خارجيتها شلقم إلى فرنسا لتوقيع الاتفاقية رسميا.
عندما حررت الاتفاقية على الورق حملت إمضاء الموظفين الحكوميين الليبيين وليس إمضاء ابنه، كان هذا بمثابة قرصه أذن لسيف أمام الملأ.
أيام قليلة بعد ذلك وصل ولي العهد وبيرير وطاطاناكي إلى ليبيا للقاء القذافي لمباركة الاتفاقية رسميا، في اللحظة الأخيرة وفي ازدراء متعمد لمعارضه السابق، رفض القذافي مصافحة طاطاناكي، وبالرغم من هذا، تنفس طاطاناكي الصعداء لخروجه سالما من الشرك، لاحقا اتصل ليعبر عن امتنانه لتدخلي، وإلى الآن لا اعرف هل اخبر ولي العهد أني انا من أنقد الموقف، أم انه ببساطة نسب الفضل لنفسه.
اما بيرير فقد كان مبتهجا كما انه لم يهدر علاقته الجديدة بالقذافي، لقد كان على متن أول طائرة فرنسية خاصة تهبط في طرابلس بعد رفع العقوبات ليمّكن شركة تاليس من التقدم على منافسيها، أما مكافأتي على التدخل فأني صرت مستشارة لشركة تاليس في الشرق الأوسط.
ملحوظه
وانا ابحث عن اسم جين بول بيرير الوارد ذكره في كتاب دعد شرعب، وجدت أن القضاء الفرنسي وجه له الاتهام في شهر أبريل عام 2022م بخصوص رشاوى تتعلق بصفقة بيع غواصات إلى ماليزيا عام 2002م.
بدأت التحقيقات في سنة 2010 بعد أن ادعت مجموعة حقوقية ماليزية أن البيع نتج عنه مبلغ 130 مليون دولار ذهبت كعمولات إلى شركة مرتبطة برئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق عندما كان وزيرا للدفاع في ذلك الوقت. ((المترجم))
حياتي مع القذافي
رواية: دعد شرعب ترجمة الدكتور علي جماعة علي
الفصل الخامس عشر
مفجر لوكربي (1)
كانت لوكربي الهاجس الأكثر سيطرة على عقل العقيد، في عام 2003م اُستدعيت إلى مكتب القائد حيث أخبرت انه سوف يرسلني إلى سكوتلندا للقاء عبد الباسط المقرحي.
كان للحكومة الليبية مكتب صغير في غلاسكو غرضه فقط دعم المقرحي، واحد من الموظفين الخمسة في المكتب استقبلني في مطار المدينة.
كانت التعليمات موجزة: تفحصي أحوال المقرحي وقدمي له تطمينات انه غير منسي، كان سعيدا بالملابس الرياضية والحذاء الرياضي التي أحضرتها معي وتحدثنا خلال أكثر من ساعتين عن قضيته واحتمالات إطلاق سراحه، رجاني المقرحي أن استخدم علاقاتي مع العائلة المالكة في الأردن، وسلمني رسالة إلى الملك عبدالله شرح فيها براءته وناشده أن يُنقل إلى سجن في أي أراض عربية إلى أن تثبت براءته، هذه مقتطفات من الرسالة:
" اقسم بالله الواحد الجبار وصفات الله الحسنى .... أنني مطلقا لم ابتاع أي ملابس من أي محل في مالطا، وأنني مطلقا لم أر الملابس ولا صاحب المتجر إلا أثناء المحاكمة عندما قدم الشاهد افادته، كما أنني مطلقا لم أتعامل مع حقيبة تحتوي على ما يخالف القانون في أي مطار في العالم، لقد كان وجودي في مالطا، لو كان ذلك حقا بداية هذه الجريمة، لمجرد الحصول على بعض المستلزمات الضرورية" وفيها أيضا " جلالة الملك، أتوسل إليك باسم أسرتي وأطفالي أن تتناول هذه المشكلة مع المعنيين بالأمر في بريطانيا وأمريكا لنقلي إلى سجن في بلادي أو بلادك أو أي دولة عربية أخرى" ومن الرسالة كذلك " جلالة الملك اختم رسالتي بهذه الآية، ربّنَا أَخْرجنَا مِنْ هَٰذِهِ ٱلقرْيَةِ ٱلظّالِمِ أَهْلهَا وَٱجعَل لَّنَا مِن لّدنكَ وَليّا وَٱجعَل لّنا مِن لّدُنكَ نَصيرًا".
الانفصال عن أحبابه أثر في حالة المقرحي النفسية ولم يكن ينام جيدا، كان عنده خمسة أبناء وكان حزين لأنه لن يتمكن من حضور فرح ابنته الوحيدة، قال لي أنها حضرت إلى اسكتلندا بأوراق الزواج ليوقعها وفقا للتقاليد العربية، لقد بكى أسبوع بعد زيارتها، وأضاف " كل يوم أبقى هنا يكبر أطفالي أكثر ابنتي كانت طفلة عندما غادرت ليبيا الآن هي امرأة أرجوك ذكّري الرئيس القذافي ".
أخبرني المقرحي" جاءني السنوسي و قال لي" هناك اتفاقية مع الغرب لإرسالك إلى المحاكمة يقول القائد انك حر في قبولها أو رفضها لا أحد يجبرك على الذهاب وستكون محمي من جانبنا ".
من مشاهداتي، أن المقرحي تمتع بمعاملة حسنة، كان يستطيع أن يطهو طعامه الحلال وأحيانا يستعمل الصالة الرياضية في السجن كما أنه يستطيع مشاهدة القنوات العربية في زنزانته.
أخبرت القذافي عن قلق مواطنه حيال مرور السنوات والعجز الواضح للحكومة الليبية، أجاب" التقيه مرة أخرى، اخبريه أنني استقبلت رسالته وسأجد له حل، اخبريه أنني اعد بأنه سيعود للوطن قريبا"، من تلك اللحظة عمل القذافي كل شيء ممكن لان تبقى قضية المقرحي تحت الأضواء.
عندما زرته في المرة التالية كان المقرحي مرتعبا، أصبح مقتنعا بأن هناك مؤامرة لاغتياله، بالترك المتعمد للأبواب المؤدية لزنزانته الآمنة مفتوحة".
اخبرني " أن السجناء الآخرين يكرهونني" إذا كان ما قاله صحيحا فله سبب وجيه أن يكون مرتعبا لان مفجر لوكربي كان صاحب رأس ثمين، وعدته بنقل مخاوفه وحسب علمي لم يعد يعاني أي ضرر في السجنين.
في ليبيا احتضنت صفية، زوجة العقيد، عائشة زوجة المقرحي تحت جناحها، كانت تُعامل على غرار الشخصيات المرموقة، وبالنسبة لي أحببت المقرحي وبقينا على تواصل، كان عنده رقم موبايلي ومن حين إلى آخر أتلقى مكالمات ونتبادل الرسائل، كنت ارفع معنوياته وأطمئنه انه دائما في تفكير العقيد.
تم الإفراج عنه لأسباب صحية حسب المعلن واُستقبل في طرابلس كبطل على متن الطائرة التي ساعدتُ القذافي على شرائها، كان على متن الطائرة ابن القذافي سيف، كان سيف يتنعم بمجد العودة المظفرة للمقرحي بالرغم انه في الواقع لم يكن له دور يذكر، كنت أغلى من الداخل وانا أراه يسرق أفضال الآخرين بينما أصحاب العمل الشاق الحقيقيين لم يراهم أحد، ذهب سيف بانتظام إلى لندن و لم يكلف نفسه ولو مرة بان يأخذ رحلة محلية قصيرة إلى غلاسكو لزيارة المقرحي في السجن.
مفجر لوكربي (2)
في لحظة يأس في السجن، قال لي المقرحي" أنهم سيكونون سعداء جدا لو مت هنا في السجن"، يخامرني الشك انه لم يحصل على اهتمام صحي جيد في السجن لان سرطان البروستاتا غالبا ما يستجيب إلى العلاج لو تم تشخيصه مبكرا.
توفى المقرحي في أحد ضواحي طرابلس في مايو عام 2012م.
" قيل عند إطلاق سراحه انه سيموت خلال ثلاثة شهور لكنه عاش لثلاث سنوات أخرى حتى انه عمّر أكثر من القذافي الأمر الذي لم يتصوره أحد في ذلك الوقت".
عند إطلاق سراحه رجوت له حياة طيبة وان يعيش في سلام مع أسرته، مؤمنة ببراءته، و بموته اعتبرته الضحية رقم 271 من ضحايا لوكربي.
قبل ذلك، كانت الصكوك المالية الأخيرة للتعويضات قد دُفعت إلى عائلات الضحايا مع استياء كبير من جانب القذافي، بالرغم من أنه قدّر أهمية الاستمرار في الدفعات، كان غالبا ما يثور على ظلمها وكيف سيتم تفسير دفعها.
كان يقول" لماذا افعل هذا وليبيا بريئة" أخيرا استطاع عبد العاطي العبيدي، أبرز مستشاريه في قضية لوكربي، أن يبسط له الأمر بأوضح العبارات، في أحد لقاءاتنا مع القذافي قال للقائد" أنظر، نحن لا نريد لك أن تعاني مصير صدام حسين، لو كانت التكلفة مال، فلدينا منه الكثير، دعنا فقط ندفع لهم، نتخلص من هذا الموضوع، نفتح بلادنا ونحافظ عليها مستقرة، أمريكا تستطيع أن تفعل ما تشاء، هل تريد أن ينتهي بنا الأمر إلى مشاهدتك على التلفزيون مثل صدام حسين"، لقد كانت إشارة صارخة إلى القبض على صدام و أهانته من قبل القوات الأمريكية، الحادثة التي أزعجت القذافي، رغم كل تبجحه كان يعرف أن أمريكا و حلفاءها قادرين على الإطاحة به حالا وبدون تأخير، بعد تدخل العبيدي لم يعد القذافي يثير الضجة حول الأموال اللعينة.
حادثة أخرى تشابه لوكربى هي سقوط الطائرة الفرنسية فوق النيجر في سبتمبر عام 1989م وقُتل فيها 170 إنسان، أدانت محكمة فرنسية غيابيا 6 ليبيين من بينهم عبدالله السنوسي عدوي في مكتب الاستخبارات، حددت المحكمة مبلغ 33 ألف يورو تعويضا عن كل ضحية مقارنة بعشرة مليون عن كل ضحية في لوكربي، شعر الفرنسي بالخجل أن قيمة حياته اقل بكثير من زميله الأمريكي أو البريطاني.
قانونيا لم يكن لفرنسا ما تستند عليه حيث أن محكمتها هي من حددت مبلغ التعويض ولكنها شعرت أن على ليبيا واجب أخلاقي أن تزيد المبلغ المقدم إلى العائلات الفرنسية، استمرت المفاوضات سنوات إلى أن تعكر مسارها بسبب تدخل ابن القذافي سيف، لقد طار إلى باريس و وقع اتفاقية تضيف 185 مليون يورو اضافي (مليون دولار لكل ضحية) الأموال كانت ستأتي من جمعية خيرية يديرها سيف وبحسب الاتفاقية لن تقبل ليبيا المسؤولية عن التفجير.
رضت فرنسا عن الصفقة و تم الإعلان عنها في باريس بصخب احتفالي، أشعل هذا التصرف جحيما في ليبيا حيث ظهر وكأن العقيد ليس عنده فكرة عن تدخل ابنه، احضر وزير الخارجية عبد الرحمن شلقم على تلفزيون الدولة ليقول أن ليس لسيف سلطة رسمية لذلك فالاتفاقية لا قيمة لها، ولتصبح الأمور أكثر سوء، تبين أن سيف أقنع ولي عهد الإمارات محمد بن زايد آل نهيان بضمان الدفع، ولي العهد تمت مفاتحته من صديق غني لسيف يدعى حسن طاطاناكي فكان غاضبا لجره إلى هذا الخلاف الدبلوماسي، هذا مثال آخر عن الفوضى حول القذافي الذي لم يستطع السيطرة حتى على ابنه.
عند سيف مبالغة في تقدير نفسه وبلا شك كان يأمل في إثارة إعجاب والده لكن هذه المفاوضات غير المرخص بها مع باريس أعطت نتائج عكسية على نحو كارثي.
مفجر لوكربي (3)
كانت الحادثة محرجة جدا للرئيس الفرنسي جاك شيراك ومن المحتمل أن تضر ليبيا التي لا تريد أن تجعل من فرنسا عدوا في وقت كانت فيه المحادثات حول لوكربي تسير بتوازن دقيق.
في الوقت الذي يتكشف فيه كل هذا للعيان، تلقيت مكالمة من جين بول بيرير رئيس شركة (تاليس) الفرنسية للدفاع وصناعة الطائرات المملوكة جزئيا للدولة، كنت التقيته في معرض للسلاح في لندن حالا بعد أن استحوذت تاليس على شركة (ركال) البريطانية للإلكترونيات التي كنت أمثلها في الشرق الأوسط، كنت أرجو أن أتمتع بنفس الترتيبات مع شركة تاليس ولكن بيرير له قول تنصُلي اشتهر به هو "سوف نرى!"، هو الآن يطلب تدخلي في هذه المسخرة التي تورط فيها سيف وطاطاناكي .
رجاني بيرير" هل يمكنك الحديث مع القذافي؟، ان الرأي العام في بلادنا صار ينمو ضد رئيسنا الذي سيواجه انتخابات قادمة، شيراك يحتاج مساعدتك".
وافقت على مقابلة طاطاناكي، الذي تعرفت عليه من خلال صديق مصري مشترك هو شريف حسين، كان طاطاناكي معارضا لنظام القذافي وتم السماح له بالعودة من المنفى بتدخل سيف، العقيد لا يحب هذا الرجل ولهذا كنت قلقة، ومع هذا لما التقيت بيرير وموظف من الاستخبارات الفرنسية يدعى اَلن جوليت كلا الرجلان أيدا رواية طاطاناكي للأحداث.
أخبرني طاطاناكي المذعور انه منذ اندلاع الخلاف حاول الاتصال بسيف وعبدالله السنوسي في مكتب الاستخبارات لكن كليهما لم يرد على الهاتف، كان الأمير محمد بن زايد غاضبا ويبحث عن إجابات من طاطاناكي ولائما عليه بسبب هذه الأزمة، طاطاناكي كذلك ترجاني للتدخل مع القذافي وأخبرني أن ولي العهد طلب تدخلي أيضا.
وافقت على الطيران إلى طرابلس حيث جلست مع القائد، في البداية بدا وكأنه غير مهتما حتى ذُكر اسم محمد بن زايد آل نهيان فطفق يستمع فجأة.
"ماذا تعتقدي؟"، سألني، مدركا أهمية التبعات مع الإمارات، سألني مرتين عن ما إذا كان ولي العهد مازال راغبا في ضمان الصفقة لدفع مبلغ ال185مليون يورو لو تم حل هذه الفوضى التي تورط فيها سيف وطاطاناكي، طمأنت العقيد، بحسب علمي أن الأمر كذلك وسيكون هذا جيدا لليبيا لتحتفظ بالإمارات في جانبها، وكذلك ستكون منفعة سياسية عظيمة في تهدئة فرنسا.
قلت له" انظر، لا يستطيع شيراك إجبارك على الدفع ولكنه سياسي غالبا ما يؤيد الدول العربية وله تأثير على الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية".
واعية بأنه مناصر منذ زمن طويل لدولة فلسطينية أضفت "ويمكن أن يكون حليف مهم في المستقبل ويجب أن تكون حريص ألا تغضبه هو وفرنسا من وراءه، لو أراد فهو يستطيع أن يجعل مهمتك في أفريقيا صعبة، اعمل هذا كترضية شخصية لشيراك، انه ليس بذلك المبلغ الكبير بالنسبة لك ".
اخذ العقيد كل هذا بعين الاعتبار و نطق بالقرار، أولا وجهي دعوة لولي العهد وجون بول بيرير وطاطاناكي لزيارة ليبيا في غضون عشرة أيام، و كان حريص على أن يتصل نوري المسماري، رئيس مراسمه، بمكتب ولي العهد في الإمارات عبر تلفون الثريا وليس الخطوط الليبية حتى لا يتنصت على المكالمة كلا من عبدالله السنوسي وموسى كوسا، وأضاف العقيد" ارجعي إلى باريس غدا واخبريهم بأنني سأحل هذا المشكلة."
قلت له" أرجوك لا ترسلني إلى باريس ثم تصدر أي بيان قد يغضبهم" لأنني كنت حائرة بشأن ما يدور في رأس القذافي في الوقت الذي أستعد فيه للعودة إلى باريس لاطلع بيرير على ما جرى.
" سوف تسمع الإجابة غدا صباحا" قلت للرجل الفرنسي و انا أتأمل خيرا.
في اليوم التالي على تمام التاسعة صباحا، أعلن على قناة الجزيرة أن ليبيا ترسل وزير خارجيتها شلقم إلى فرنسا لتوقيع الاتفاقية رسميا.
عندما حررت الاتفاقية على الورق حملت إمضاء الموظفين الحكوميين الليبيين وليس إمضاء ابنه، كان هذا بمثابة قرصه أذن لسيف أمام الملأ.
أيام قليلة بعد ذلك وصل ولي العهد وبيرير وطاطاناكي إلى ليبيا للقاء القذافي لمباركة الاتفاقية رسميا، في اللحظة الأخيرة وفي ازدراء متعمد لمعارضه السابق، رفض القذافي مصافحة طاطاناكي، وبالرغم من هذا، تنفس طاطاناكي الصعداء لخروجه سالما من الشرك، لاحقا اتصل ليعبر عن امتنانه لتدخلي، وإلى الآن لا اعرف هل اخبر ولي العهد أني انا من أنقد الموقف، أم انه ببساطة نسب الفضل لنفسه.
اما بيرير فقد كان مبتهجا كما انه لم يهدر علاقته الجديدة بالقذافي، لقد كان على متن أول طائرة فرنسية خاصة تهبط في طرابلس بعد رفع العقوبات ليمّكن شركة تاليس من التقدم على منافسيها، أما مكافأتي على التدخل فأني صرت مستشارة لشركة تاليس في الشرق الأوسط.
ملحوظه
وانا ابحث عن اسم جين بول بيرير الوارد ذكره في كتاب دعد شرعب، وجدت أن القضاء الفرنسي وجه له الاتهام في شهر أبريل عام 2022م بخصوص رشاوى تتعلق بصفقة بيع غواصات إلى ماليزيا عام 2002م.
بدأت التحقيقات في سنة 2010 بعد أن ادعت مجموعة حقوقية ماليزية أن البيع نتج عنه مبلغ 130 مليون دولار ذهبت كعمولات إلى شركة مرتبطة برئيس الوزراء الماليزي نجيب رزاق عندما كان وزيرا للدفاع في ذلك الوقت. ((المترجم))
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
dude333- مشرف المنتدى السياسي
-
عدد المشاركات : 5593
العمر : 55
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012
مواضيع مماثلة
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الخامس
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الخامس والعشرون الاخير
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل السادس عشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الاول
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل السابع عشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الخامس والعشرون الاخير
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل السادس عشر
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الاول
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل السابع عشر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR