مقالات مختارة : حتى لا نضل الطريق ازدواج الجنسية و تولى الم

المقال يعبر عن رأى الكاتب

عندما صدرت مسودة قانون الأنتخابات عن المجلس الوطنى الإنتقالى اشارت الى ان من شرط المترشح لإنتخابات المؤتمر الوطنى العام " ان يكون ليبى الجنسية و الا يكون متمتعا بجنسية دولة اخرى ما لم يتنازل عنها قبل تقديم طلب الترشح ". و قد اثار ت مسودة القانون هذه ردود افعال متباينة و ابديت الكثير من الملاحظات خاصة حول هذه المادة . بعض هذه الملاحظات اتسمت بالردود العاطفية التى توحى و كأن موضوع حمل جنسية اجنبية هو امر شكلى و لا يعنى شيئا و ليس له علاقة بموضوع الولاء للوطن و قد كان اصحاب هذا الرأى هم من المعنيين بنص هذه المادة . من جانب آخر فإن اغلب الملاحظات اكدت على اهمية هذا الموضوع الا انها و للظروف التى مرت بها بلادنا اثناء حكم القذافى و تقديرا للدور الذى قامت به المعارضة الليبية بالخارج فى التصدى للنظام البائد و ان تواجد الليبيين بالخارج و اضطرارهم للحصول على جنسية اجنبية لم يكن امرا اختياريا بل فرضته ظروف القهر و الإستبداد التى حكمت ليبيا زهاء اربعة قرون رأت بأن من حق الليبين حاملى جنسية دولة اخرى المشاركة فى الإنتخابات و الترشح للمؤتمر الوطنى العام و المساهمة فى تأسيس الدولة الليبية الا انهم رأو ضرورة التخلى عن الجنسية الأجنبية عند نجاحهم فى عضوية المؤتمر الوطنى . نتيجة هذه الضغوط تم التعديل و صدر القانون رقم 4 لسنة 2012 ميلادية بشأن انتخاب المؤتمر الوطنى العام , حيث اكتفى النص فى هذا الخصوص على المترشح " ان يكون ليبى الجنسية متمتعا بالأهلية القانونية " ! ! .
نجح بعض اخواننا اصحاب الجنسية المزدوجة فى الإنتخابات و تطرح الآن مواضيع رئاسة المؤتمر الوطنى و موضوع تشكيل الحكومة فهل سيتخلى هؤلاء الإخوة عن جنسياتهم الأجنبية و قد اصبحوا من النخبة المختارة لحكم ليبيا خلال الفترة القادمة ؟؟
فى رأى هذا موضوع بالغ الأهمية و علينا مناقشته بكل شفافية و تجرد فالموضوع يتعلق بليبيا التى يجب ان تبنى منذ البداية على اسس صحيحة بعيدا عن العاطفة و المجاملات و مصلحة ليبيا و سيادتها يجب ان تكون فوق كل اعتبار .
بداية ان موضوع ازدواجية الجنسية ليس بالأمر العادى كما يحاول ان يصوره البعض بل يعنى ذلك بأن الشخص حامل الجنسية له ارتباط وثيق بالدولة الأخرى فقد حلف يمين الولاء و تعهد بحماية مصالحها , وهذا امر له خطورة كبيرة و خاصة عندما يتولى مزدوج الجنسية منصبا حساسا بالدولة و تكون هناك بعض الفوارق فى مصالح الدولتين . من هنا فإن كثيرا من دول العالم لا تسمح بازدواج الجنسية لمواطنيها و منها على سبيل المثال النمسا و جمهورية التشيك و المانيا و و لاتفيا و ليتوانيا و لوكسمبرغ و هولندا و سلوفاكيا و اسبانيا و اليابان و سنغافورة و غيرها من الدول . بل حتى الهند و هى التى تعد اكبر دولة فى العالم من حيث عدد السكان و لها اكبر جالية متواجدة فى الخارج و لهذه الجالية دور كبير فى الإقتصاد الهندى لا تسمح الهند لمواطنيها بازدواج الجنسية و لكن اعطتهم بعض الإمتيازات منها عدم احتياجهم لتأشيرة لدخول الهند و حق الإقامة و العمل و التملك شريطة عدم تملك الأراضى الزراعية . كما منعتهم من حق العمل بالوظائف العامة و عدم الحق فى الإنتخابات و الترشح و عدم الحصول على جواز سفر هندى . اما بعض الدول مثل استراليا فإنه فى الوقت الذى يسمح قانونها بازدواج الجنسية الا انه غير مسموح للمواطنين الإستراليين مزدوجى الجنسية من دخول البرلمان و تولى مناصب سيادية .
اذا ما اخذنا حالة الجنسية الأمريكية كمثل باعتبارها الأكثر شيوعا لدى اخواننا المتوقع منهم تولى المناصب السيادية فى ليبيا فإن من شروط الحصول على الجنسية الأمريكية و جواز السفر الأمريكى حلف يمين الولاء و الذى جاء فى نصه " انا هنا اعلن و اقسم بولائى الخالص للولايات المتحدة الأمريكية و اتخلى عن اى ولاء سابق لى لأى دولة كنت سابقا من رعاياها و ان ادافع عن الدستور و القوانين الأمريكية و ان احمل السلاح للدفاع عن امريكا متى طلب منى القانون ذلك و ان اقوم بأى عمل ذو طبيعة مدنية يخدم المصلحة الوطنية اذا ما طلب منى القانون ذلك "
فأليس هذا قسم ولاء خالص للولايات المتحدة الأمريكية وهو يتعارض مع المصالح الوطنية الليبية و انا هنا لا اقصد المواطنين الليبيين العاديين حاملى الجوازات الأمريكية و لكنى اقصد الذين سيتولون المناصب السيادية بالدولة . كما تجدر الإشارة الى ان قانون الجنسية الأمريكى يجيز سحب الجنسية الأمريكية اذا ما شارك مواطن امريكى فى العمل السياسى بدولة اخرى و تولى عضوية البرلمان او تولى منصب حكومى بدولة اجنبية , فالا يضع هذا نوعا من الظغط على حامل الجنسية الأمريكية و يجعله حريصا على خدمة المصالح الأمريكية حتى لا تسحب منه الجنسية ما دام حريصا عليها الى هذه الدرجة رغم توليه منصبا قياديا بالدولة الأم !!!!!!!!! و كيف يكون وضعنا عندما يسافر المسئول الليبى الرفيع ( رئيس وزراء او وزير او سفير... الخ) الى امريكا و هو لا يتمتع بأى حصانة دبلوماسية بل سيعامل كمواطن امريكى عادى يتولى منصبا رفيعا بدولة اجنبية حيث ان القانون الأمريكى يفرض على حاملى الجنسية الأمريكية الدخول للولايات المتحدة الأمريكية بجواز السفر الأمريكى و لا يسمح لهم باستعمال جوازات سفرهم الأخرى . فى سنة 2006 كان عمدة لندن السيد بوريس جونسون عضوا بالبرلمان البريطانى و فى اثناء سفره للولايات المتحدة بجواز سفره البريطانى حصلت مشادة حامية بينه و بين ظابط الجوازات الأمريكى بسبب شرطهم له الدخول بجواز السفر الأمريكى حيث لاحظوا بأنه من مواليد نيويورك و انه يحمل الجنسية الأمريكية بالولادة و حسب صحيفة الديلى اكسبرس الصادرة بتاريخ 11 اغطس 2006 فإن السيد بوريس قام على اثرذلك بالتخلى عن جنسيته الأمريكية .
ماذا يعنى ذلك ؟ ذلك بكل وضوح يعنى بأنه عند زيارة اى مسئول ليبى بما فى ذلك رئيس المجلس الوطنى او رئيس الوزراء للولايات المتحدة الأمريكية اذا ما كان حاصلا على الجنسية الأمريكية و لم يتنازل عنها سيستقبل و يتعامل معه كمواطن امريكى يتولى حكم دولة اجنبية !!!! هذه هى الحقيقة التى يجب ان نعيها و ندركها و هذا دون شك امر معيب فى حق ليبيا و لا نرضاه .
ان عملية التخلى عن الجنسية المزدوجة من قبل النشطين السياسين المهاجرين عند عودتهم لبلادهم و دخولهم فى العملية السياسية ببلدانهم هو امر طبيعى و يحدث كثيرا فعلى سبيا المثال لا الحصر عندما استقلت استونيا عن الإتحاد السوفيتى فى بداية التسعينات عاد الناشط السياسى السيد توماس هندريك الى بلاده استونيا و تنازل عن جنسيته الأمريكية و انخرط فى العمل السياسى باستونيا حتى تم انتخابه رئيسا للجمهورية . هناك عشرات الحالات المشابهة التى تخلى فيها العديد من السياسيين المهاجرين عن جنسياتهم الأمريكية بسبب نشاطهم السياسى ببلدانهم و دخولهم الإنتخابات و خاصة من دول ما كان يعرف باوربا الشرقية كما تشمل سياسيين من لثوانيا و جامايكا و تايوان و الدومينيكان و اليونان و غيرها .
فى بلادنا العربية الجميع يعرف بأن السيد المرزوقى عندما انتخب كرئيس لتونس طلق زوجته الفرنسية كما ان مرشح الإخوان بانتخابات الرئاسة المصرية السيد حازم ابواسماعيل قد تم استبعاده من حق الترشح بسبب ان والدته !! كانت تحمل جواز سفر امريكى . القانون المصرى يحرم على شاغلى بعض الوظائف الحكومية الحصول على جنسيات اخرى غير الجنسية المصرية و تشمل هذه الوظائف رئيس الجمهورية و الوزراء و اعضاء مجلس الشعب و الدبلوماسيون و العاملون بالجيش و العاملون بوزارة الداخلية .
هذه ليبيا امانة فى اعناقنا جميعا و المسئولية الكبيرة تقع على اعضاء المؤتمر الوطنى العام فى ارساء دعائم دولة ليبيا على اسس متينة و صلبة .
هذه ليبيا الغالية لا نجامل على حسابها احدا و من اراد ان يشارك فى حكمها عليه ان يكون و لاءه لها فقط و لا يشاركها فى هذا الولاء دولة اخرى .

د. البدرى الشريف المناعى

المقال يعبر عن رأى الكاتب