إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
هناك حالة واحدة فقط تستدعي الغاء دستور 1951 ودفنه إلى الأبد، وذلك في حالة أن يكون التاريخ الليبي مجرد اكذوبة سمجة وهرطقة بشعة تخلو من أي شعور وطني باشكاله الماضية والآتية ، أيّ أنّه ليس إلا من مجرد وهم خادع لا أساس له ، هامشي المعنى والمغزى، فاقد لإنسانيته ورمزيته ويخلو من أية ناموس زماني وجوهره الخالص، أما مُجاهديه فقد كانوا اشباحاً اسطورية لم تدفع – حقيقةً - من ثمن غالٍ أوتضحيات كبيرة من أجل استقلال هذا البلد وحريته وهويته ، بل فرسان طواحين الهباء . إنّ أخطر ما في الأمر هوكونه محكوماً بالسؤال عن التقاطع بين الماضي والحاضر: فما الفارق اذاً بين اغتيال دستور 1951 من قبل الإنقلاب العسكري وبين وأده من قبل "المؤتمر الوطني"؟ أوليست هذه إحدى أهم غرائب تاريخ هذا البلد ، حيث يلتقي العسكري مع المدني في الغاء دستور 1951؟ هل هي ثقافة مزدوجة بين نقيضين أم هو استعلاء يكرر نفسه ؟
أما عن الفارق فهو في المسلك الظاهري فقط ، أما جوهرياً فهما متطابقان لا يفصلهما فاصل بل ويربطهما يقين مماثل. كلاهما يزدري إرث الماضي ولا ينتفع به، وكلاهما يتناغم مع انفصام الذات وضياع الهوية والتنكر لجهد الأولين ، وكلاهما يقع في ذات الفخ وفي مواطن الخلل الكامن فيه . فهل مفروض على هذا البلد بعد أن تخلص من تسلط كان مفروضاً عليه أن يقع في تسلط آخر من طينة أخرى؟ أولم تكن لحظة انجاز دستور 1951 إلا لحظة تاريخية أخرجت البلد آنذاك من عتمة المعاناة إلى مصب الشمس والنور، أولم تكن لحظة من أروع لحظات البدء في صناعة دولة حديثة، ثمّ وفي عزّ الجهل المطلق المتعصب للطبيعة القمعية اغتالها - بغتةً- الإنقلاب العسكري الذي اختصر التاريخ الليبي دفعة واحدة وجزّ به في انفاق أحابيله وطقوسة المظلمة. فهل لحظة كهذه يمكن أن يستباح اغتيالها من جديد وبأعصاب هادئة تمويهاً على التاريخ وعلى المخيال الإجتماعي الليبي؟
وماذا يعني تجريد ذاك الانجاز التاريخي من أي مضمون مستقبلي في مقدوره أن يجعل من هذا التقليد الدستوري حاضراً في أذهان ووعي الناس وتصوراتهم كذاكرة جماعية تنتقل خبراتها بطريقة واعية من جيل إلى الجيل الذي يليه ، تقليد يحفظ تماسك البلد والمجتمع بثقافاته المتعددة سياسياً واجتماعياً ، تقليد يعمل على تأمين الإستمرار في عملية تداول السلطة والتطور الديمقراطي. أما عن التقاء العسكري بالمدني في تقاسم عملية الغاء هذا الدستور و بمطلق العنان، فإنّه لا يعني أكثر من فقدان التواصل مع إرث هذا البلد وتاريخه والتمسك مباشرة- في استفراد في غبن- بمنهج الإعراض والتناسي والوصاية والهيمنة . فبماذا يعلل هذا البلد هذا الإلتقاء؟ هذا شيء لا يحتاج إلى مزيد بيان والفرق فيه راجع إلى الخيال.
استمدت ليبيا دستور الإستقلال من إرادة الناس وتاريخ الأمة ، ولم يكن فرضاً على الناس وما كان بوسع أحد أن يدعي تمثيله من دون ارادة الناس ، ولم يكن خياراً لفئة أو مجموعة أو ملكاً بل كان عنواناً لإرادة بلد بكامله ، دستور استغرق انتاجه التاريخي زمناً ولم يكن حصيلة سهلة لجهد عابر ، بل كان ثمرة صراع مرير وطويل وجهد كبير مضني قام به عينة من الأكفاء الليبين ، دستور فتح أُفقاً تاريخياً جديداً للبدء في بناء دولة عصرية مستقلة، وكان نهجاً أُريد به أن يكون محور مسار الأجيال اللاحقة من حيث انتهى الجيل السابق عليهم ، وها هو هذا البلد يسعى إلى وأده دفعة واحدة بتلقائية مريبة ومقلقة في آن واحد لا تأتي من فراغ بل بكيفية منظمة مزودةً بالوقود اللازم للدفع به في سراديب النسيان وبثمن بخس دون استناد إلى صوت الناس أو هوية هذا البلد التاريخية.
هناك شبه إجماع بين التيارات السياسية والأحزاب الناشئة والساسة المستقلين وغير المستقلين ووسائل الأعلام شديدة الصلة بها وبالثقافة السابحة في بحور الفضاء الإلكتروني على أنّ هذا البلد لا خلاص له إلا بصياغة دستور جديد بمعزل عن أيّ واجب فيه اعتبارتجاه المؤسسين الإستقلاليين أو اعتراف بدستور 1951 متراس بناء الدولة وثمرة كفاحها . هذا الإجماع المتسرع المنبثق من خارج ارادة الناس الحرة والذي لا يعكس فكرة الإحتكام للرأي العام وينفي الفاعلية عن التاريخ الليبي بشكل متماسك مريب، يجعل من هذا البلد يعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى، والذي بدوره يدفع المواطن إلى أن يتساءل ذاتياً إنْ كان بالفعل مواطناً في بلد قد تحرّر بالفعل أم في بلد تديره نخبويات عشائرية لم تخرج من فضائيات القبيلة والغنيمة ، تبدل اسمالها في لمح البرق كأنها الشرارة قبل اشتعال النار . فثمة إرادة صلبة لكن لوأد الأساس التاريخي للكيان الليبي ومن ثمة لوأد بناء تقليد دستوري يوجه مسار هذا البلد المستقبلي نحو التطور والإزدهار والولوج به في معارج التقدم، فثمة اصرار عنيد لكن لطمس كل جهد انساني قام به مؤسسي دولة الإستقلال. فماذا يعني أن تُوجّه إرادة هذا البلد للإستفتاء على دستورجديد بينما تتقاعس هذه الإرادة في البحث عن هويتها الدستوية، دستورية الإستقلال؟
فثمة من استكبار على إرث هذا البلد ، وعلامة هذا الإستكبار ثلاثة : أولها ، الإصرار على الغاء دستور 1951 ورمزيته التاريخية والعملية وتجريده من جهد من صاغه ، وثانيها التوجه عن عمد للشروع في صياغة دستورٍ جديدٍ بتمامه تقرّر سلفاً ، وثالثها التعالي على إنجاز المؤسسين الأوائل مع دوام التعالي في عزّ الإنكارِ بحرفيةٍ صارمةٍ لهذا الإنجاز الذي صنع كياناً سياسياً إحقاقاً لكرامة الإنسان الليبي وخدمة للوطن.
وإنّما كان الأمر كذلك ومازال قائماً في ازدواجيته العسكرية والمدنية من عدة أوجه في صيغ متداخلة:
أحدها : أنّ صياغة دستور جديد فكرة مُتقنة تعمل على اسقاط دستور 1951 تشبثاً بعقيدة التفرد الفئوي ، بل هي فكرة لا تستند إلى أيّ بعد تاريخي أو استفتاء عام تحسمه صناديق الرأي المتعددة واصوات الناس وليس عبر آليات الحسم بمعارف فضاء الفيس بوك ونجومه عبر النقل والتكرار وعبر ادواته ووسائطه وعالمه الصاخب والمثيرالمسكون وعبرهذا السيل المتدفق من الشعارات والخطب المنهمرة تباعاً بما يغير من وعي المتلقي وكفى. إنّ خطورة هذه الفكرة النخبوية أنّها ستلقى كل الدعم الأعلامي الفضائي الذي يعمل بقدارته الفذة في تهيئة المناخ المرغوب فيه سلفاً لخلق مواطن مسلوب الإرادة والتفكير والنقد والتمحيص على النحو الذي تشكله النخبة ذاتها التي تتنافس للانفراد بالسلطة .
الثّاني : في هذا الوضع ليس بوسع دستور جديد من خارج المخزون التاريخي والمستودع المعمد بالدم أن يكون ذو حظ من " ارادة شعبية" لا يُعبر عنها اقتراعياً في مقابل الإرث التاريخي أي في مقابل دستور 1951 حتى بشهادة جميع الفضائيات العربية وابتسامات مذيعاتها الحسان وثقافة مذيعيها العباقرة أنصاف المتعلمين المتخصصين في تلهية الناس وترسيمات الفيسبوك المكرسة لإشباع اللحظة المعلوماتية العابرة وتعميم التهميش الفكري ، وليس من العجيب أنّ هذه الفضائيات المتنكرة تحت عباءة الحداثة تمتلكها حكومات وانظمة سياسية لا تمتلك دستوراً في منزلة وحجم دستور 1951، وغالباً ما يطغى هذا المال المنظم بخطابٍ مزخرفٍ في هذه الفضائيات على صوت الناس القائم في الواقع والذي يسعى لهدم البؤس اليومي بمعاول حقيقية، وهذا شأن الثقافة الجديدة وما طرأ على عقل الإنسان من تحولٍ مترددٍ لا يثبت ولا يستريح في فضاء سديمي يبتلع الفرد ويفنيه.
الثالث : أنّ هناك نسيان متعمد لدى النخب السياسية " المنتخبة" ديمقراطياً للعلاقة العلنية بين التاريخ الخلاق للتأسيس لدستور 1951 وبين حقيقة ولادة الكيان السياسي الجديد آنذاك وبين الحراك الثوري الآني وما يكتبه التاريخ ويخطه ، فيبدو أنّ تورط الساسة في فكرة استحداث " دستور جديد" هو عينه استحداث عملية انقلابية راسخة الإعتقاد في الواحدية اليقينية التي لا تستند على التقليد الإرثي الدستوري المتجسد فعلياً في دستور 1951 بل وتستند على الإنفصال الحاد معه، والتي في آخر المطاف قد لا توافق استعداد قبول اغلبية الناس بها والتي قد لا ينفعها ترميم فيما بعد ولا ترقيع.
الرابع : إنّ القناع يخفي أكثر مما يقول ومن السهل الوقوع في مصائده لذلك ينفرد الساسة بقرار استحداث صياغة دستور جديد على اعتبار انّ دستور 1951 إنْ هو إلا وثيقة تاريخية للموتى وليس لها من سند تاريخي أومن وزن سياسي في عالم الأحياء الآني وفي هذه الظروف السياسية والمجتمعية والفضاءات الإتصالية التي نعيشها بالضرورة ، وثيقة عفى عنها الزمن ومضى ويجب أن يحل محالها دستور جديد . فليس – و الحال هذا - من غير المتوقع ألاّ يرتكب الساسة خطأً بديهياً يهيء إلى توجيه الأستلاب " الوطني" لمعنى المواطنة بإهدار مبدأ الحق في الإختلاف حول المسألة الدستورية بجعل دستور 1951 بالذات طرفاً أساسياً فيها وبالميل نحو جعل القرار السياسي التاريخي والعام حكراً لحزب أو نخبة فئوية دون غيرها في هذه الفترة الحرجة من تاريخ هذا البلد الكامن فيه النكران المتشدد في منطقه العشائري الرافض بتعاليله الجاهزة التلاحم بدستور 1951.
الخامس : إنّ ثمة من رماة مهرة يتهيأون شغفاً باستهداف هدف اصابته وشيكة، إذ شأن هذا الإستهداف ابتداع دستور رعايا منصتين يألفون الخرس ، يقال لهم الكلام وهم يستمعون لكل شفرة من شفراته ليس في تحاورٍ مع الكلم بل فرحين بما لديهم ، منصتين تحفهم شمائل الإستقامة والرضا والقبول مع اسقاط تكاليف النقد والتمحيص من أجل نشدان السلامة ونيل السكينة. فأيّ خيارهذا لأي بلد يتحصن فية رهط نخبوي بفكرة احتكار الكلمة الفصل في صياغة دستور جديد ويعزلها عن الدستور الأصلي ويتخندق في المواقع العشائرية ببراعة فائقة ، لكنّها في آخر المطاف – في مسلكها قرين التحيز لسلطة العصبية- إنْ هي إلا مواقع تسبح في فضاء خارج نطاق التاريخ ؟
السّادس : إنّ مجرد نظرة سريعة عبر كلّ هذه الفضائيات العربية والليبية المعلقة في الهواء الطلق الفسيح والمزدحمة بالثرثرة المملة المتكررة عن المواطنة والمجتمع المدني والديمقراطية وتداول السلطة وصياغة دستور جديد تكفي بالتدليل على أنّ الإصرار في الإستمرار في الغاء دستور 1951 لن يغير من حقيقة بديهية أنّ العلم الذي يرفعه الجميع ويعترفون به فهو منصوص عليه في هذا الدستور، فكيف اذاً تتزين بعلم ترفض هويته الدستورية؟ وبعبارة أخرى النخب السياسية تتجاهل وثيقة تاريخية ليس للعلم الذي تتزين به وتتباهى به في القاعات والمحافل من معنى من دون هذه الوثيقة بالذات، فهو أيّ العلم كالدنانير التي تفر من البنان إن لم يحفظه وعاء الدستور يضيع كسراب في بطن البيد ، فهذه الوثيقة هي مصدر التنصيص على العلم بألوانه وهيئته وابعاده وجغرافيته وتضاريسه وتفاصيله وروحه ومعناه ورمزيته ، فلا قيمة لعلم يُتخذ زينة من دون دستوره ، فطمس هذا الدستور يستتبعه بالضرورة الغاء حقيقة الجهاد الليبي والغاء مفهوم الوطن وطمس معنى العلم ذاته وتفريغه من من محتواه ومضمونه الذي ارتبط بتاريخ استقلال البلاد ، والمدهش أنْ تبصرفي النغمة المزورة فيمن يتزين بهذا العلم بعد أنْ كان يستهجنه ويستهجن من يرفعه.
السّابع : إنّ من براعة الايديولوجية المبهرجة في تلويناتها الفضائية قدرتها على تصدير انجازاتها للرأي العام المتعطش لقطرة ماء في بيداء فسيحة على أنّها مؤشرات " ديمقراطية" أو انجازات سياسية خارقة للعادة أو صحوة بعد اغفاء عميق في بحور الإستبداد. ثمة نخبويات مأسورة بتمثلات الماضي فمنها من كان من فرسان النظام الجماهيري ومنها ممن كان يعارضه وهي نخبويات تعيد انتاج نفسها ببعض الإختلافات في الأسمال والألوان البراقة المزدانة بعلم الإستقلال الذي قبل ثورة 17 فبراير كان يمثل عندها سبة وعار. هذه التمثلات تقفز بالكتل السياسية الجديدة إلى فكرة صياغة دستور جديد في اطار شراكة سياسية هشة لا تستند إلى رؤية سياسية واقعية مستمدة من واقع التاريخ الليبي . التمثلات متعددة وجلال قسمات السلطة واحد.
الثّامن : ثمة كيان سياسي ليبي جديد بدأ يتشكل بشكل سريع – على الأقل اعلامياً- وقد بدأ يؤول بمعزل عن الناس لقوى وتكتلات واحزاب لم تزل تحبو وتنمو تتفق جميعها في البحث عن صيغ مغايرة للهيمنة والسيطرة على البلاد بتبريكات فضائية عربية ، تكتلات تدور في عالم بديع فالخصم القديم شريكاً مُقرّباً والحليف نصير مؤقت و " الجماهيري " قرين " الليبرالي" والأمر المهم أنّ كل سياسي من الساسة يسعى نحو السلطة بقدر المستطاع وبمفردات اديولوجية مختلفة في ليبيا السابحة في مدارج القرن الواحد والعشرين، كما ويسعى إلى نيل مجد تاريخي ناله صناع التاريخ الليبي في فترة الإستقلال وساعة صياغة الدستور وهو سعيٌ يتمتع بشوبِ حلمٍ عجيبٍ ثمرته أنّ السّراب ببطن البيد ختال أو كإتيان البيوت من غير أبوابها.
التّاسع : في مثل هذا المناخ صار واضحاً أنّ تعدد هذه التشكيلات والجهات ، والتي ليست في تعدد سياسي ديمقراطي بل تعدد فئوي ، تعكس التباعد الزمني الواقعي بين ثورة 17 فبراير وبين من دفع ثمنها دماً غالياً وبين اهدافها ، فالغالبية الصامتة مستبعدة والجماهير الثائرة تُحرم من سلطتها الحقوقية المتمثلة في اداة الإستفتاء العام- المجاور للفيس بوك- حول الدستور التاريخي ، ثمة انفصال وقطيعة دستورية تاريخية بين دستور 1951 و بين هذا البلد بدأها الإنقلاب العسكري وبشكل مغاير تقوم النخب السياسية المنتخبة بالإستمرار في نفس الإتجاه وبنفس التوجيه.
العاشر :إنّ الجانب السياسي يتساكن إلى هذه اللحظة مع الأتجاه الجديد الذي يقطع حبل التواصل مع الإرث الليبي ومع عفوية ونقاء انطلاقة الثورة في تجلياتها البطولية، من هنا يعلن " المؤتمر الوطني" تحالفه مع اهداف الثورة ومراميها وقد خوّله الإقتراع الإنتخابي قيادة العملية السياسية ، غير أنه ثمة مفارقة اساسية تتجلى في أنّه بعد أن تقلدت الجماهير مفاتيح حرياتها العامة عشية الثورة هاهي ذات الجماهير وحراكها الفذ تقف عاجزة على انشاء وتكوين تشكيلات وتنظيمات من قواها الذاتية وحدها ودون هيمنة وسيطرة النخب المتشكلة عبرآليات وزارية حكومية و فئوية عشائرية وغيبية تهويمية أو كما قيل: " كأنما حصاد هذا الربيع بات لغير ابنائه". وفي هذا الحصاد العام يدرك المرء معنى اختطاف النصر.
فما الذي والحال هذا ذلك الذي لا يعوّل عليه في هذه اللحظة التاريخية المليئة بالمداورة والمناورة المزدانة بزركشات الفضائيات وزخارفها المثقوبة؟
1- الثقافة التي تمحو ذاكرة المخيال الجمعي الليبي دون البحث عن الأساس التاريخي لدستور 1951، لا يعول عليها :
في خضم مأزق الواقع ينتصر المثقف النخبوي والسياسي الاكاديمي لإختياراته الفكرية المتحيزة لإقرانه الفئويين – حسب انماطها المؤدلجة- متماهياً مع فرادة قراراته وانتمائيه السياسي القديم تعبيراً عن القناعة بما يمليه عليه الوعظ في الكلام السياسي وقد أصبغ عليها اطلالة باسمال جديدة مزدانة بعلم الإستقلال من اجل اقتسام خيرات الثقافة السياسية الجديدة ذات الروح الفضائية و ذات الفيض الإلكتروني الغامر بترف الحكمة غير المتناهية واقتسام خيرات النفط والتحصن به . وإذا كان الأمر يبدو كذلك ، فما الذي يجعل هذا البلد ليس من أمامه إلا الطاعة الصامتة والسير على ما سوف ترسمه وتسنه له النخب العشائرية عبر عقد تحالفاتها المستوحاة من تجاربها القديمة وركوب جناح الدرجة الأولى في قطار " الديمقراطية" .
2- كل فكرة دستور جديد تلغي دستور 1951 وتقفز بزهوٍ فوق كل تضحية قدمها أباء الإستقلال فداءً له ،لا يعوّل عليها :
هذا الإنتصار لفكرة استبعاد وعزل دستور 1951 مع الإلحاح عند هذه النخب على صياغة دستور جديد هو مقف ينطوي على احتقار للإرث التاريخي الدستوري الذي شيده الأباء المؤسسين . ثمّ أنّ الحرص على " دستور جديد" حيث تغطيه الكلمات والشعارات وكل ضروب المعاندة المبشرة بدولة مدنية دستورية فلا يبقى له من أي مدلول حقيقي وواقعي فيما هكذا تظل غطرسة هذه النخب الفئوية تلغي دستور 1951 وتنصاع لفكرة الإنقلاب العسكري لتكرار نفس الخطئة بطرق مختلفة وهي خطئة عانى منها هذا البلد طوال العقود السوالف . وهو حرص ينطوي على بتر الواقع و لا ينفتح على كل شرائح المجتمع لمعرفة ماالذي يفكر فيه الرأي العام في شأن دستور 1951.
3- الدستور الجديد الذي لا يشهد الحق في مواده إذا إقتبس من دستور 1951 ولا يصرح بذلك ، لا يعول عليه:
وفي خضم حصر دستور 1951 في خانة المجهول بالبنان الواضح والفصيح تمّ السطو على بعض مواده نسخاً ولصقاً حيث اُدرجت ضمن مواد " الإعلان الدستوري" الذي صدر عن " المجلس الإنتقالي" عن جدارة واستحقاق من دون مراعاة الإشارة إلى المصدر. والحال هذا ، فهل يرضى الساسة الديمقراطيون وأهل العقد والحل بالتنازل عن بعض كبريائهم الفكري والأيديولوجي والسياسي ويعترفوا أمام هذا البلد بأنّ من قام بصياغة ذلك " الإعلان " قد ارتكب عملية سطوٍ كسولة لبعض مواد دستور 1951 وأنّهم قادمون بهمم عالية وببصيرة نافذة على الغائه مرة أخرى إسوة بفعلة الإنقلاب العسكري سنة 1969م؟
4- كل تجمع سياسي أو مؤتمر وطني تحركه شهوة السلطة والهيمنة والمناهج الإحتكارية لإلغاء دستور 1951 ، لا يعول عليه :
دعاة الدستور الجديد يحكمون على الإرث الدستوري انطلاقاً من مفاهيم غير نابعة أصلاً من صلب دستور 1951 وإنّما من مكابرة عنيدة ورثتها من اشتات الأيديولوجيات المبعثرة العتيقة والبائسة التي برع فيها الخطاب العربي السياسي المعاصر ، وهي مكابرة تزداد غرقاً في المبهمات والمجهول في واقع ملتبس لا يفتأ يتجاهل هذا الدستور . التفكير في بناء دولة حسب اهواء النخب الفئوية هو تفكير بكائن لا وجود له ، تفكير يصلح لايما موضوعات ومشروعات أخرى سوى موضوع الدولة بالذات.
فماذا يعني، إذن، تحت راية الإعراض والتناسي والإلغاء في ساحة المجال السياسي ؟
· ماذا يعني التفكير في المستقبل إذا غاب عن ذهن هذا البلد إحدى أهم اللحظات التاريخية في التاريخ الليبي المعاصر ، لحظة الشروع في بناء كيان سياسي جديد حديث كان قد قام على دستور 1951 الذي تعمّدّ بالدم ثمّ إغتالها العسكر بغتةً؟
· ماذا تعني هذه الهوة السحيقة الساحقة بين ما أنجزه مؤسسي ذاك الكيان وواضعي ذلك الدستور وبين ما تراه هذه البلد الآن من تكرار لما جناه الإنقلاب العسكري بشأن دستور 1951 على نحو يختلف شكلياً ويوافقه في الجوهر؟
· ماذا يعني عندما يبدأ الساسة بالتعبير عن اعجابهم ببعض مواد دستور 1951 والسطو عليها لتزيين " الإعلان الدستوري" ثمّ ينتهوا برميه في عالم النسيان عبر التمويه والمدارات والتحايل والحذلقة السياسية؟ ما أكبر خيبة هذا البلد !
· ماذا تعني المطالبة بصياغة دستور جديد عبر حجب الواقع والشروع في حالة سياسية خيالية تقطع مع أصل بنية الكتاب السياسي الليبي ، دستور 1951، بل من يصدق وضع صياغة دستور جديد بدون التفاتٍ إلى مغزى هذه الصياغة التي قد لا توافق استعداد أغلبية الناس بالقبول بها؟
· ماذا تعني شقشقة الكلام عن دستور جديد عندما ينجح الساسة في استمالة الناس والإقتراب من احلامهم ومشاكلهم حسب منطق مقولاتهم من مواقع خاصة بهم محددة الأهداف سلفاً عبر القفز والتنكر للتاريخ وعبر ما ليس له حاجة عند الناس؟
· ماذا تعني مصادقة المؤتمر الوطني الجماعية على خطيئة انقلاب سبتمبر التي ارتكبها في حق الدستور؟ وكيف تتوقعون بعدها من المواطن احترام دستوركم أو أي دستور آخر بالخطأ أو العمد ومن ثمة التعامل معه بالوعي الملتزم والحريص ليكون المرجعية الكبرى فوق كل المرجعيات ؟
· ماذا يعني وأد دستور 1951 داخل قاعة فسيحة ترفرف عليها وبداخلها – ويا للمفارقة- مادة من مواده في كلّ زاوية وركن ، مادة علم الاستقلال / علم الثورة ( المادة السابعة/7 ) ، والتي يتزين السادة الأعضاء بها على صدورهم في محافلهم واداء شعائرهم وهم فرحين بثمار الوانها ويرسمونهاعلى الأوراق الرسمية التي يُكتب عليها قرارات هذا الؤاد ويخط عليها تشكيل الوزرات المتتابعة و كأنه متاع خاص يمكن نقله من سياق إلى آخر قفزاً على أبسط أعراف الإنصاف والتثبت، إن لم يكن هذا يعني النفاق في أعلى مراتب تجليه في عالم السياسة، فماذا يعني ، إذن، بحق هذا البلد؟
يتلخص الأمر في :
بالإمكان تفهّم دوافع المقبور في سبتمبر 1969 ، ولكن لا يمكن – على الإطلاق- فهم مبررات المؤتمر الوطني العام في التعامل مع دستور 1951بهذا الكم من الجحود والإستعلاء والعدوانية والعداء!
هذا البلد يمرّ الآن بمرحلة بناء قيم ورؤى جديدة للقطع مع العقود التي زرعها الإنقلاب العسكري ورأسه المقبور من إجل إعادة الثقة للمواطن في هويته الوطنية والإنتماء إليها وللوطن ، ألا يتأتى ذلك بتوطيد وترسيخ كل ما من شأنه أن يسهل ذلك على المواطن عن طريق المحافظة على مكتسباته التاريخية من استقلال وعلم ودستور ونشيد وطني و وصلاً بإنجازه العظيم في ثورته الظاهرة ، ثورة 17 فبراير ، وربطاً بتاريخه القديم وإنجازاته الفعلية، تاريخ أجداده في حربهم ضد الإستعمار وفي كفاحهم سعياً لبناء دولة حديثة حتى يغدو عند المواطن العادي وعند المجتمع بأسره سلسلة متواصلة من الأشياء الملموسة دستورياً يتماهى معها ويفتخر بالإنتساب إليها ويتباهى بها جيل بعد جيلٍ حتى يسهل عليه الإنسلال والإنعتاق من إنتمائه الجهوي أو القبلي أو العشائري لصالح الإنتماء للوطن . ومهما يكن من المشقة واستغراق الوقت الطويل في هذه المهمة فإنّ النهج على نهجها يخلق لهذا البلد تقليد سياسي قابل للتطور والتعديل والنمو والإستمرارية ورفع رصيد الحريات للحفاظ على الدولة وعلى العلاقة الدستورية بين المواطن الحر الواعي وبين الوطن ، فكيف التوقع للوصول إلى هذه الإستمرارية الحياتية الدستورية إذا كان ثمة هناك من إصرار عنيد على عزل هذا المواطن والمجتمع عن ماضيه وإرثه التاريخي المتمثل في دستور 1951؟
يبقى إذن عندما يحمل هذا البلد هذه المسالة محمل الجد ويتحرى المنطق وحسب ، فلايمكن لدستور الإستقلال أن يبعد بهذه السّهولة إلى مجرد وثيقة قديمة لا قيمة لها وخارجة عن نطاق التاريخ ، وبرغم الإصرار على إبعاده فإنّ هوية الشجرة الضخمة يندرج في بذرتها.
محمد محمود دربي
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
السيد بوفرقه المحترم
نعم المقال .. ونعم الشرح
امة لا تحترم ماضيها .. لا تحترم من الاخرين
تحياتي لك
التميمي 1- عريف
-
عدد المشاركات : 71
العمر : 50
قوة التقييم : 2
تاريخ التسجيل : 03/02/2010
رد: دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
أخي العزيز بوفرقة أحترم قلمك ومقالك الكريمين
بارك الله فيك مجهود رائع
بارك الله فيك مجهود رائع
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
جمال المروج- مراقب
-
عدد المشاركات : 18736
رقم العضوية : 7459
قوة التقييم : 164
تاريخ التسجيل : 18/10/2011
رد: دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
مشكورين على المرور اجعنكم ماتغيبو
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
شكـــــــ ـــــــــرآ وبـــــــــــــــارك الله فيـــــــــــــــكـ
اسماعيل ادريس- مستشار
-
عدد المشاركات : 15213
العمر : 50
رقم العضوية : 1268
قوة التقييم : 66
تاريخ التسجيل : 28/02/2010
رد: دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
مشكورين على المرور اجعنكم ماتغيبو
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
بوفرقه- مراقب
-
عدد المشاركات : 34697
العمر : 58
رقم العضوية : 179
قوة التقييم : 76
تاريخ التسجيل : 30/04/2009
رد: دستور 1951 : من إغتياله عسكرياً إلى وأده مدنياً
شكرا لك
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» الجزء السادس من دستور ليبيا 1951
» دستور ليبيا [1951-1969]) مترجم
» الجزء الثانى من دستور ليبيا((1951 ))
» الجزء الثالث من دستور ليبيا 1951 م
» الجزء الخامس من دستور ليبيا 1951
» دستور ليبيا [1951-1969]) مترجم
» الجزء الثانى من دستور ليبيا((1951 ))
» الجزء الثالث من دستور ليبيا 1951 م
» الجزء الخامس من دستور ليبيا 1951
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR