إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الواحد والعشرون
صفحة 1 من اصل 1
كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الواحد والعشرون
العقيد وانا
حياتي مع القذافي
رواية: دعد شرعب ترجمة الدكتور علي جماعة علي
الفصل الواحد والعشرون
فقدان الثقة (1)
صارت الحياة في الفيلا نوع من حرب الاستنزاف يحاول فيها سجاني إرهاقي، ستة أسابيع مؤلمة مرت منذ أن رجعت إلى ليبيا صحبة ريم، تلهفت لسماع أخبار عائلتي في الأردن وعن حالة رشا وابنها الذي افترضت انه ولد بسلامة، سيطلق على الولد اسم فراس تكريما لشقيقي المتوفي لذا شعرت فعلا برباط عاطفي وثيق، وشعرت بالمرض بسبب القلق ونقص النوم بالرغم من البيئة المحيطة بي مريحة ولكني مازلت سجينة حتى ولو كان طعامي من فندق خمسة نجوم.
عيد ميلادي في فبراير إنما أضاف إلى قنوطي ويا للغرابة، احضر سجاني لي زهور و تورتة إلى الفيلا ولكن لم أكن في مزاج للاحتفال .
حدث انه في مارس عام 2010م تستضيف ليبيا القمة العربية وعرفت أن الملك عبد الله سيحضرها فهل ستكون زيارته محفز للإفراج عني.
بدا أن هذا ممكنا ذلك انه يومين قبل القمة اُستدعيت للقاء عبد الله منصور مسؤول الإعلام والتلفزيون في ليبيا ذلك الوقت وكنت أعده صديقا.
كان الشفق يلّون الغروب عندما غادرنا الفيلا، تم مرافقتي مرورا بأبواب مختلفة في المجمع إلى مبنى مكتبي غير متميز حيث كان ينتظر.
كان منصور أكبر مسؤول تحدثت إليه منذ احتجازي وفسرت أن هذا علامة إيجابية.
لحظة دخولي الغرفة نهض من كرسيه على الطاولة المستديرة وصافحني، شعرت وكأني لا أرتدي ملابس وانا بالملابس الرياضية والحذاء الرياضي، ابتسم بغرور كما لو أن شيئا لم يحدث وان هذا مجرد لقاء عادي، تفجر كل الغضب المكبوت بسبب احتجازي، صرخت في وجه منصور" لماذا تعتقلوني؟. كيف تتجرؤون، هل تعتقدون انه ليس هناك قوانين، سوف تسبب لكم بلادي مشكلة كبيرة، هل يعرف القذافي حتى أنني هنا؟"
فقدت السيطرة على نفسي، لعنته ونحن نقف لا يفصلنا إلا متر واحد لكن الابتسامة لم تغادر وجهه أبدا، سلوك منصور البارد زاد من اهتياجي.
انتظرني حتى أتوقف لالتقاط أنفاسي وسألني " هل انتهيتِ؟"
و انا أشعر بالإحباط أجبت" نعم"
تحرك في اتجاه الطاولة وسألني" في هذه الحالة، اجلسي إذن وحينها نستطيع التحدث، أنت تعرفين أن الرئيس يعاملك كابنته، لهذا لا تكوني غاضبة منه، لا اعرف لماذا أنت هنا ولكن هناك أوامر لاحتجازك، الآن أنت تعلمين أن الملك عبد الله سيصل ويتوقع القذافي أن يثير قضيتك، وهو يرغب بالإفراج عنك حتى تستطيعي الذهاب معه إلى بلدك".
كانت هذه أخبار رائعة لكن منصور استمر في القول " نرغب منك التوقيع على إفادة انك شاهدة على بعض القضايا المهمة وإننا وضعناك في برنامج حماية ".
فقدان الثقة (2)
كنا ننزلق في عوالم من الخيال والأسوأ سيأتي، فقد باح لي منصور أن احد زملائي السجناء في الفيلات وهو نوري المسماري رئيس المراسم والرجل الذي تركه العقيد في الحمام المعدني في زيارتنا للأردن، الآن يتم الادعاء أن المسماري أساء التصرف في أموال حكومية وقام بتهريب أموال سائلة خارج البلد إلى الأردن، لم يكن هذا كاف، يرغب منصور مني توقيع إفادة ضد صديقتي المقربة سالمة ميلاد الحارسة، زُعم بأنها تأمرت لقتل القذافي.
ليس عندي فكرة ما إذا كان المسماري مذنبا ولكن اعرف يقينا أن سالمة متفانية في خدمتها بالكامل ولا يعنيها المكسب الخاص.
مع نعيمة، كانت هي أقرب صديق لي في ليبيا ولو كان فيه شخص واحد غير فاسد في ليبيا فهي سالمة، كانت دائما هي طريقي إلى القذافي وتوقعت أن هذا قد اُستخدم ضدنا كلينا.
ولهذا قلت لمنصور" رقم واحد، انا لست المصرف المركزي للأردن ولهذا لا اعرف أين يحتفظ المسماري بأمواله، ربما عليك أن تسأل ملك الأردن عندما يصل، رقم اثنان لا استطيع أن اشهد زورا ضد واحدة من أصدقائي المقربين".
ولا لحظة واحدة فكرت في التوقيع، التآمر لقتل القذافي كانت جريمة عقابها الموت ولهذا كنت اعرف أنني إذا وقعت فذلك يعني توقيعي على مذكرة موت صديقتي، لا استطيع أن أعيش مع هذا باقي حياتي.
سحب منصور بعدها رزمة أوراق وبنبرة سخرية قال" لقد حولتي لها مبلغ 2000 دولار من ثلاثة أشهر مضت" كما لو أن هذا هو كل الدليل الذي يحتاجه.
استطعت أن أشرح بالضبط ما الغرض من هذا المال، لم تنحدر سالمة من أسرة غنية وكانت أمها مريضة ولهذا أهديتها هذا المال لتدفع علاج خاص بها، في الماضي أهديتها أيضا مجوهرات، أخبرت منصور وان ذلك لم يكن جزء من مؤامرة ما أيضا، لقد كان ادعاء مناف للمنطق وكان كلانا يعرف أن محاولته هي كحالة غريق يتشبت بالقش.
ظهر على وجه منصور الإحراج ووصلني الإحساس انه كان يكرر ما تم تلقينه له من سطور تم تحضيرها مسبقا.
عاود الجلوس على كرسيه وبسط يديه وقال" حسنا، يرغب القذافي في تعويضك على الوقت الذي قضيته في الاحتجاز هنا على شرط أن تبقي هادئة ولا تثيري المشاكل"
هذه المحادثة كانت تسير إلى الأسوأ، والآن إذا لم أسئ تقدير الحالة، انا الآن أرشى بالمال لأبقي فمي مغلقا.
" اسكت عن ماذا؟". سألت لأعرف ".
أجاب منصور" أنت تملكين أسرار عن الرئيس وأنت الآن غاضبة" و أضاف" نريدك أن تغادري بشروط جيدة، احتفظي بمكتبك هنا وتعود علاقتك مع ليبيا إلى طبيعتها، سندفع لك بضع مليون دولار لتعويضك عن وقتك المُضاع وضياع أعمالك التجارية وانفصالك عن أسرتك".
لقد كان الأسلوب الأخرق المعتاد للنظام لشراء خروجه من المختنقات، لم أكن ارغب مطلقا في قبول هذا.
" لا ارغب في الحصول علي أي أموال من القذافي لأبقى ساكتة، لأنني لا أملك شئ ضده"، قلت هذا ولست راغبة في أن يعتقد منصور أنني أشكل أي نوع من التهديد للقذافي.
غيّر منصور من أسلوبه مرة أخرى، وقال " انظري، لا اعتقد أن القذافي كان يقصد اعتقالك، لقد أساءوا فهم أوامره، هو الآن في وضع صعب".
لقد كان هذا أكثر هراء. كلانا يعرف.
أجبته " القذافي مثل والدي، لا أحتاج إلى أموال لأبقى صامتة" وأضفت " لن أتسبب في أي متاعب".
أعاد منصور ترتيب بعض الأوراق أمامه وقال" لماذا لا توقعي فقط إفادات الشهادة وإعلان السرية" وأضاف" ثم بعدها تعودين إلى بيتك مع الملك عبد الله بعد القمة"
كان نقاشنا يسير في دائرة مغلقة، لم أوقع، انتهى لقائنا.
فقدان الثقة (3)
ومع هذا مازلت واثقة أن صفقة ما ستعقد بين ليبيا والأردن للإفراج عني، لقد صار واضحا أني صرت مصدر إزعاج للعقيد وعلى طريقته يحاول حل معضلة أسمها دعد.
طيلة الثلاثة أيام التالية كنت اجلس على الصالون في الفيلا أشاهد التغطية الشاملة للقمة العربية بما في ذلك لقطات لعبد الله ملك الأردن.
من دواع حزني، أن الوقت الذي قضاه في ليبيا لم يبشر بأي تقدم في قضيتي، حالا ذهب الملك وذهبت معه آمالي.
مازال طعامي يصل يوميا من كورنتيا ومازالت الحديقة مسموحا بها لساعة واحدة يوميا، بعبارة أخرى، لم يتغير شئ.
تملكني اليأس كلما فكرت في والدي المريض متسائلة هل مازال حتى على قيد الحياة وابنتي ذات الستة عشر ربيعا كيف تتأقلم مع المدرسة، كانت نور متعودة على غيابي بسبب الأعمال التجارية فتتواجد معها مربية كاملة الدوام كما أن شقيقاتي دائما حولها، غير أن ما يجري الآن مختلفا تماما، لابد أن محنتها بسبب عدم معرفتها ما يحصل لامها كانت بقسوة محنتي.
وماذا عن عملي التجاري حيث لا أحد في موقع القيادة ومن يدفع الفواتير لموظفي المكتب.
في الانتظار أيضا قضيتي ضد الأمير السعودي حول ملايين الدولارات في العمولة غير المدفوعة على بيع الطائرة الخاصة، خشيت أن لا توافق المحكمة البريطانية على غيابي حيث يقترب موعد استماع مهم، كلما رجوته أن يكون المحامي في لندن ريتشارد والر قد ماطل من أجل الوقت وان أتحصل على يومي الذي طال انتظاره في المحكمة.
على رأس كل هذا، ما كان يستهلكني هو الإحساس بالظلم، انا لم أفعل ما يستحق حبسي ولم يقدم لي أحد شرح لهذه الانتكاسة في مصيري حتى أتمكن على الأقل من محاولة تفنيد الاتهامات ضدي، تجربة ماضية مع النظام القضائي الليبي علمتني أن وضع أي ثقة فيه هو أمرا غير مجد.
لم تكن عندي فكرة عن مستوى أي جهد دبلوماسي تبدله حكومة بلدي لتأمين إطلاق سراحي، هذه الأمور تأخذ وقتها، اقدر هذا، ولكن كلما طال وقت احتجازي كلما زاد خوفي أنني صرت في مجاهل النسيان، شعرت بالإحباط أن الأردن لم يبذل جهدا أكبر، لم يكن عندي وقتها طريقة لمعرفة هل أثار الملك قضيتي أو طالب بالإفراج عني ولكن كنت واعية بوجود بروتوكول في المنطقة يحتم أن طلب كهذا يُسأل مرة واحدة وأن رفض ثان هو بمثابة الاهانة، لقد وُضع في موقف صعب وانا ممنونة لجهوده، عرفت الآن انه تكلم مباشرة مع القذافي بخصوصي وأنني كنت دائما في تفكيره، لهذا انا لا أضع أي لوم على الملك ولكن لا استطيع أن أسامح الدبلوماسيين والمسؤولين لمحاولاتهم الفاترة في حل قضيتي.
منصور صديقي السابق أصبح معذبي الأكبر، بعد كل ثلاث أسابيع يتم اخذي إلى مكتبه فيتكرر ما سبق الحديث فيه، أحيانا يطرح سؤال جديد عادة عن موضوعات أو أفراد لا اعرف عنهم شئ، لم تكن أبدا اتهامات مباشرة ولكن مهمة تصيد للمعلومات، كلما استمر هذا، أكون واثقة أكثر أن القذافي كان نفسه من ينسق لهذه التحقيقات.
مصممة على أن لا يتم خداعي أو التنمر علي، سألته" هل تحاول تلبيسي جريمة، هل تحاول توريطي؟ لن أجيب على أسئلتك بعد الآن"
لقد تيقنت أنني إذا ورطت نفسي ولو بالقليل في أي موضوع فسوف يتم جري إلى المحكمة، ستكون المحصلة معروفة مسبقا وأن وضعي في ليبيا سيكون فقط أسوء إذا ما كانت ثمة إدانة تحوم حولي .
علمت أن من بين جيراني الآخرين رجل سعودي وأخته يتشاركان فيلا هي الأقرب إلى الفيلا المخصصة لي، لمحتهم فتعرفت عليهم، انا من فتح لهذا الرجل الأبواب في ليبيا وتمكن بعدها من تدبير العديد من الصفقات وأتساءل الآن هل سيتشابك مصيره مع مصيري، في مرحلة معينة كنا شريكين في عمل تجاري ولكن افترقنا على شقاق بعد أن اكتشفت انه كان يستغل صلاتي وعلاقاتي ليستغنى بها عني، لم اعتبره رجل صادق وأوضحت كتابيا للحكومة الليبية في ذلك الوقت أن شراكتي معه انتهت، ماذا كان يعمل في العامين الماضيين؟ لم أكن ادري.
لم يكن في سيل الأسئلة التي أمطرني بها منصور سؤال واحد عن السعودي، ربما كانت مجرد صدفة أننا كنا معا رهن الاعتقال المجيد.
زاد إلى مزاجي الكئيب نقل حارستي ذهيبة التي صارت رفيقتي،افترضت أن الليبيين خشوا أننا صرنا أصدقاء أكثر مما ينبغي.
ولا واحد من السفارة الأردنية زارني ولم أُمّكن من الحصول على محام، لقد خبرت أن هذا النوع من المعاملة فُرض على مواطني ليبيا الذين يبدو أنهم لا يتحصلون على حقوق قانونية ولكن ليس بحق شخص من الخارج أبدا.
حصل تحسن واحد في ظروفي الحياتية، من الصباح حتى المغيب تُركت البوابة الخارجية ذات القضبان الخاصة بالفيلا مفتوحة حتى استطيع التجول في الخارج فقط داخل الأسوار العالية للمجمع.
أدرك أحدهم أنني صرت على علاقة ودية مع عادل الرجل الذي يحضر طعامي كل يوم، كان متأسف لحالتي وزودني ببعض المعلومات الموجزة، كان يقضي نصف ساعة في الفيلا في الصباح بينما كنت أتناول طعامي وكنت أتطلع بشوق إلى لقاءاتنا، كان رجل عطوف ولم يكن سعيد بمحنتي، لقد توطدت علاقة حسنة بيننا طيلة التسع شهور لهذا الروتين المتواصل، بعدها في احد صباحات سبتمبر تم استبداله بدون تنبيه بشخص آخر، على عكس عادل كان القادم الجديد عبوسا وغير تواصلي، كنت متأكدة انه كان يتبع التعليمات بأن لا تكون له علاقة بي.
في الشهر التالي سمعت كثير من الصراخ خارج الفيلا ورأيت مجموعة من النساء يرافقهن اللواء عبد الحميد السايح إلى البناية المجاورة، على الفور تعرفت عليهن، كن زوجة وبنات نوري المسماري.
" ماذا يجري؟" صحت على السايح وهو يغادر، توقف قليلا وأجاب " فر المسماري من ليبيا".
هرب المسماري إلى فرنسا حيث انشق هناك عن العقيد، والآن يدفع أفراد من أسرته ثمن تخليه عن الولاء، لاحقا تم الإفراج عنهم دون أن يصبهم أذى.
فقدان الثقة (4)
في كل الوقت كانت صحتي تتدهور، بدأت أعاني من الآلام في البطن وكان ضغطي منخفضا وينتابني صداع مستمر، كانت يدي ترتجف بدون إرادتي، في النهاية تم استدعاء طبيب أعصاب إلى الفيلا ليكشف عني.
رجوت أن يكون متعاطف مع امرأة محتجزة بدون اتهام وانه ربما يمرر رسائل أو يثير قضيتي إلى العالم الخارجي، لكن بينما قال انه يشعر بالأسف لحالي، فأن خوفه من إغضاب النظام تغلب على أسفه، قال لي طبيب الأعصاب" تضرعي إلى الله بالدعاء "
انا متأكدة أنها صادرة من قلب متعاطف ولكن لم أكن احتاج منه إلى هذا النوع من النصيحة.
كان رأى الدكتور أن انُقل إلى المستشفى لكن قوبل طلبه بالرفض، اُعطيت مسكنات الألم واحضروا جهاز لمراقبة القلب، استنتجت انه بالرغم من أنني أصبحت شوكة في خصره، فإن القذافي، لأسباب مازالت غير واضحة، لا يرغب أن أموت في الحبس.
حتى أكتوبر من عام 2010م كانت وجبات طعامي تأتي من الفندق ولكن بعد ذلك وفي أحد الأيام وصل الطعام على هيئة مخصصات التموين العسكري في حقيبة بلاستيكية، كان مقزز فصرخت" هذا يصلح لكلب، لن أتناوله".
جاءت إجابتهم " ماذا تريدين، الأشخاص في الفيلات الأخرى يحصلون على نفس الطعام ".
انا متأكدة انه كان عقوبة لتحطيم معنوياتي والضغط عليّ للتوقيع على اعترافات مزيفة سينتج عنها التعفن في السجن الليبي لسنوات.
شكوت من سوء الأكل إلى اللواء السايح الذي بدأ مندهشا، لم يقل كذلك ولكن ساورني انطباع أن هذا تكتيك استحدثه مكتب الاستخبارات من وراء ظهره.
تمكنت من إقناع اللواء، ولم يكن رجل فظ إن صحتي ستتدهور أكثر إذا تم تقييد نظامي للحمية العدائية، بالرغم من أنني لم اعد احصل على طعامي من فندق كورنتيا، فقد أؤتي بوجبات أكلي من المطاعم المحلية في صناديق بلاستيكية وكان واحد من الصحون يوميا هو السمك على الدوام، كان نصرا صغيرا.
الرجل العبوس الذي كان يحضر طعامي تم استبداله ولخيبة أملي لم يكن عادل هو البديل لكنه رجل في حوالي الأربعين وكان قد تحصل على تدريب في التمريض ويستطيع أن يراقب صحتي، كنت ممنونة لأنه كان ودود، ذلك انه لم يعد هناك ثمة شئ آخر يستحق الامتنان.
بعد مرور عشرة شهور على إقامتي في المجمع فقدت كل ثقتي في القذافي، كنت أعاني الأرق وقرحة المعدة محتملة وكنت بشكل مؤكد أعاني من الاكتئاب السريري، كل وقت تُفتح فيه البوابة المعدنية الثقيلة المؤدية إلى فيلتي، تطحن بضجة مفاصلها، أكون انا فيه متحطمة عصبيا.
حاولت أن اشعر بالارتياح كوني مازلت في واحدة من الفيلات، المتعارف على أنها لحجز الأشخاص لفترة مؤقتة لكن تيقنت أن القذافي لو أراد حقا إطلاق سراحي لتم هذا من فترة طويلة، مازلت محتارة كيف انه بعد كل هذه السنوات من الخدمة المطيعة المفعمة بروح الواجب سيوافق بوضوح على هذه المهانة، كما أنني فقدت الثقة في حكومة الأردن لإطلاق سراحي من خلال الدبلوماسية.
ما نجاني من الانهيار الكامل كان إيماني بالله، جلوسي بمفردي لساعات منحني وقتا كثيرا للتأمل ولكن لم افقد إيماني، في الحقيقة لقد أصبح أكثر قوة عندما فقدت الثقة في الكثير من الناس وضعتها في الله والقدر، وبالتأكيد ما كان لمحنتي أن تكون أسوء من هذا.
ثم بعد ذلك وفي إحدى أمسيات شهر ديسمبر عام 2010م قمت بتقليب القنوات في جهاز التلفزيون.
حياتي مع القذافي
رواية: دعد شرعب ترجمة الدكتور علي جماعة علي
الفصل الواحد والعشرون
فقدان الثقة (1)
صارت الحياة في الفيلا نوع من حرب الاستنزاف يحاول فيها سجاني إرهاقي، ستة أسابيع مؤلمة مرت منذ أن رجعت إلى ليبيا صحبة ريم، تلهفت لسماع أخبار عائلتي في الأردن وعن حالة رشا وابنها الذي افترضت انه ولد بسلامة، سيطلق على الولد اسم فراس تكريما لشقيقي المتوفي لذا شعرت فعلا برباط عاطفي وثيق، وشعرت بالمرض بسبب القلق ونقص النوم بالرغم من البيئة المحيطة بي مريحة ولكني مازلت سجينة حتى ولو كان طعامي من فندق خمسة نجوم.
عيد ميلادي في فبراير إنما أضاف إلى قنوطي ويا للغرابة، احضر سجاني لي زهور و تورتة إلى الفيلا ولكن لم أكن في مزاج للاحتفال .
حدث انه في مارس عام 2010م تستضيف ليبيا القمة العربية وعرفت أن الملك عبد الله سيحضرها فهل ستكون زيارته محفز للإفراج عني.
بدا أن هذا ممكنا ذلك انه يومين قبل القمة اُستدعيت للقاء عبد الله منصور مسؤول الإعلام والتلفزيون في ليبيا ذلك الوقت وكنت أعده صديقا.
كان الشفق يلّون الغروب عندما غادرنا الفيلا، تم مرافقتي مرورا بأبواب مختلفة في المجمع إلى مبنى مكتبي غير متميز حيث كان ينتظر.
كان منصور أكبر مسؤول تحدثت إليه منذ احتجازي وفسرت أن هذا علامة إيجابية.
لحظة دخولي الغرفة نهض من كرسيه على الطاولة المستديرة وصافحني، شعرت وكأني لا أرتدي ملابس وانا بالملابس الرياضية والحذاء الرياضي، ابتسم بغرور كما لو أن شيئا لم يحدث وان هذا مجرد لقاء عادي، تفجر كل الغضب المكبوت بسبب احتجازي، صرخت في وجه منصور" لماذا تعتقلوني؟. كيف تتجرؤون، هل تعتقدون انه ليس هناك قوانين، سوف تسبب لكم بلادي مشكلة كبيرة، هل يعرف القذافي حتى أنني هنا؟"
فقدت السيطرة على نفسي، لعنته ونحن نقف لا يفصلنا إلا متر واحد لكن الابتسامة لم تغادر وجهه أبدا، سلوك منصور البارد زاد من اهتياجي.
انتظرني حتى أتوقف لالتقاط أنفاسي وسألني " هل انتهيتِ؟"
و انا أشعر بالإحباط أجبت" نعم"
تحرك في اتجاه الطاولة وسألني" في هذه الحالة، اجلسي إذن وحينها نستطيع التحدث، أنت تعرفين أن الرئيس يعاملك كابنته، لهذا لا تكوني غاضبة منه، لا اعرف لماذا أنت هنا ولكن هناك أوامر لاحتجازك، الآن أنت تعلمين أن الملك عبد الله سيصل ويتوقع القذافي أن يثير قضيتك، وهو يرغب بالإفراج عنك حتى تستطيعي الذهاب معه إلى بلدك".
كانت هذه أخبار رائعة لكن منصور استمر في القول " نرغب منك التوقيع على إفادة انك شاهدة على بعض القضايا المهمة وإننا وضعناك في برنامج حماية ".
فقدان الثقة (2)
كنا ننزلق في عوالم من الخيال والأسوأ سيأتي، فقد باح لي منصور أن احد زملائي السجناء في الفيلات وهو نوري المسماري رئيس المراسم والرجل الذي تركه العقيد في الحمام المعدني في زيارتنا للأردن، الآن يتم الادعاء أن المسماري أساء التصرف في أموال حكومية وقام بتهريب أموال سائلة خارج البلد إلى الأردن، لم يكن هذا كاف، يرغب منصور مني توقيع إفادة ضد صديقتي المقربة سالمة ميلاد الحارسة، زُعم بأنها تأمرت لقتل القذافي.
ليس عندي فكرة ما إذا كان المسماري مذنبا ولكن اعرف يقينا أن سالمة متفانية في خدمتها بالكامل ولا يعنيها المكسب الخاص.
مع نعيمة، كانت هي أقرب صديق لي في ليبيا ولو كان فيه شخص واحد غير فاسد في ليبيا فهي سالمة، كانت دائما هي طريقي إلى القذافي وتوقعت أن هذا قد اُستخدم ضدنا كلينا.
ولهذا قلت لمنصور" رقم واحد، انا لست المصرف المركزي للأردن ولهذا لا اعرف أين يحتفظ المسماري بأمواله، ربما عليك أن تسأل ملك الأردن عندما يصل، رقم اثنان لا استطيع أن اشهد زورا ضد واحدة من أصدقائي المقربين".
ولا لحظة واحدة فكرت في التوقيع، التآمر لقتل القذافي كانت جريمة عقابها الموت ولهذا كنت اعرف أنني إذا وقعت فذلك يعني توقيعي على مذكرة موت صديقتي، لا استطيع أن أعيش مع هذا باقي حياتي.
سحب منصور بعدها رزمة أوراق وبنبرة سخرية قال" لقد حولتي لها مبلغ 2000 دولار من ثلاثة أشهر مضت" كما لو أن هذا هو كل الدليل الذي يحتاجه.
استطعت أن أشرح بالضبط ما الغرض من هذا المال، لم تنحدر سالمة من أسرة غنية وكانت أمها مريضة ولهذا أهديتها هذا المال لتدفع علاج خاص بها، في الماضي أهديتها أيضا مجوهرات، أخبرت منصور وان ذلك لم يكن جزء من مؤامرة ما أيضا، لقد كان ادعاء مناف للمنطق وكان كلانا يعرف أن محاولته هي كحالة غريق يتشبت بالقش.
ظهر على وجه منصور الإحراج ووصلني الإحساس انه كان يكرر ما تم تلقينه له من سطور تم تحضيرها مسبقا.
عاود الجلوس على كرسيه وبسط يديه وقال" حسنا، يرغب القذافي في تعويضك على الوقت الذي قضيته في الاحتجاز هنا على شرط أن تبقي هادئة ولا تثيري المشاكل"
هذه المحادثة كانت تسير إلى الأسوأ، والآن إذا لم أسئ تقدير الحالة، انا الآن أرشى بالمال لأبقي فمي مغلقا.
" اسكت عن ماذا؟". سألت لأعرف ".
أجاب منصور" أنت تملكين أسرار عن الرئيس وأنت الآن غاضبة" و أضاف" نريدك أن تغادري بشروط جيدة، احتفظي بمكتبك هنا وتعود علاقتك مع ليبيا إلى طبيعتها، سندفع لك بضع مليون دولار لتعويضك عن وقتك المُضاع وضياع أعمالك التجارية وانفصالك عن أسرتك".
لقد كان الأسلوب الأخرق المعتاد للنظام لشراء خروجه من المختنقات، لم أكن ارغب مطلقا في قبول هذا.
" لا ارغب في الحصول علي أي أموال من القذافي لأبقى ساكتة، لأنني لا أملك شئ ضده"، قلت هذا ولست راغبة في أن يعتقد منصور أنني أشكل أي نوع من التهديد للقذافي.
غيّر منصور من أسلوبه مرة أخرى، وقال " انظري، لا اعتقد أن القذافي كان يقصد اعتقالك، لقد أساءوا فهم أوامره، هو الآن في وضع صعب".
لقد كان هذا أكثر هراء. كلانا يعرف.
أجبته " القذافي مثل والدي، لا أحتاج إلى أموال لأبقى صامتة" وأضفت " لن أتسبب في أي متاعب".
أعاد منصور ترتيب بعض الأوراق أمامه وقال" لماذا لا توقعي فقط إفادات الشهادة وإعلان السرية" وأضاف" ثم بعدها تعودين إلى بيتك مع الملك عبد الله بعد القمة"
كان نقاشنا يسير في دائرة مغلقة، لم أوقع، انتهى لقائنا.
فقدان الثقة (3)
ومع هذا مازلت واثقة أن صفقة ما ستعقد بين ليبيا والأردن للإفراج عني، لقد صار واضحا أني صرت مصدر إزعاج للعقيد وعلى طريقته يحاول حل معضلة أسمها دعد.
طيلة الثلاثة أيام التالية كنت اجلس على الصالون في الفيلا أشاهد التغطية الشاملة للقمة العربية بما في ذلك لقطات لعبد الله ملك الأردن.
من دواع حزني، أن الوقت الذي قضاه في ليبيا لم يبشر بأي تقدم في قضيتي، حالا ذهب الملك وذهبت معه آمالي.
مازال طعامي يصل يوميا من كورنتيا ومازالت الحديقة مسموحا بها لساعة واحدة يوميا، بعبارة أخرى، لم يتغير شئ.
تملكني اليأس كلما فكرت في والدي المريض متسائلة هل مازال حتى على قيد الحياة وابنتي ذات الستة عشر ربيعا كيف تتأقلم مع المدرسة، كانت نور متعودة على غيابي بسبب الأعمال التجارية فتتواجد معها مربية كاملة الدوام كما أن شقيقاتي دائما حولها، غير أن ما يجري الآن مختلفا تماما، لابد أن محنتها بسبب عدم معرفتها ما يحصل لامها كانت بقسوة محنتي.
وماذا عن عملي التجاري حيث لا أحد في موقع القيادة ومن يدفع الفواتير لموظفي المكتب.
في الانتظار أيضا قضيتي ضد الأمير السعودي حول ملايين الدولارات في العمولة غير المدفوعة على بيع الطائرة الخاصة، خشيت أن لا توافق المحكمة البريطانية على غيابي حيث يقترب موعد استماع مهم، كلما رجوته أن يكون المحامي في لندن ريتشارد والر قد ماطل من أجل الوقت وان أتحصل على يومي الذي طال انتظاره في المحكمة.
على رأس كل هذا، ما كان يستهلكني هو الإحساس بالظلم، انا لم أفعل ما يستحق حبسي ولم يقدم لي أحد شرح لهذه الانتكاسة في مصيري حتى أتمكن على الأقل من محاولة تفنيد الاتهامات ضدي، تجربة ماضية مع النظام القضائي الليبي علمتني أن وضع أي ثقة فيه هو أمرا غير مجد.
لم تكن عندي فكرة عن مستوى أي جهد دبلوماسي تبدله حكومة بلدي لتأمين إطلاق سراحي، هذه الأمور تأخذ وقتها، اقدر هذا، ولكن كلما طال وقت احتجازي كلما زاد خوفي أنني صرت في مجاهل النسيان، شعرت بالإحباط أن الأردن لم يبذل جهدا أكبر، لم يكن عندي وقتها طريقة لمعرفة هل أثار الملك قضيتي أو طالب بالإفراج عني ولكن كنت واعية بوجود بروتوكول في المنطقة يحتم أن طلب كهذا يُسأل مرة واحدة وأن رفض ثان هو بمثابة الاهانة، لقد وُضع في موقف صعب وانا ممنونة لجهوده، عرفت الآن انه تكلم مباشرة مع القذافي بخصوصي وأنني كنت دائما في تفكيره، لهذا انا لا أضع أي لوم على الملك ولكن لا استطيع أن أسامح الدبلوماسيين والمسؤولين لمحاولاتهم الفاترة في حل قضيتي.
منصور صديقي السابق أصبح معذبي الأكبر، بعد كل ثلاث أسابيع يتم اخذي إلى مكتبه فيتكرر ما سبق الحديث فيه، أحيانا يطرح سؤال جديد عادة عن موضوعات أو أفراد لا اعرف عنهم شئ، لم تكن أبدا اتهامات مباشرة ولكن مهمة تصيد للمعلومات، كلما استمر هذا، أكون واثقة أكثر أن القذافي كان نفسه من ينسق لهذه التحقيقات.
مصممة على أن لا يتم خداعي أو التنمر علي، سألته" هل تحاول تلبيسي جريمة، هل تحاول توريطي؟ لن أجيب على أسئلتك بعد الآن"
لقد تيقنت أنني إذا ورطت نفسي ولو بالقليل في أي موضوع فسوف يتم جري إلى المحكمة، ستكون المحصلة معروفة مسبقا وأن وضعي في ليبيا سيكون فقط أسوء إذا ما كانت ثمة إدانة تحوم حولي .
علمت أن من بين جيراني الآخرين رجل سعودي وأخته يتشاركان فيلا هي الأقرب إلى الفيلا المخصصة لي، لمحتهم فتعرفت عليهم، انا من فتح لهذا الرجل الأبواب في ليبيا وتمكن بعدها من تدبير العديد من الصفقات وأتساءل الآن هل سيتشابك مصيره مع مصيري، في مرحلة معينة كنا شريكين في عمل تجاري ولكن افترقنا على شقاق بعد أن اكتشفت انه كان يستغل صلاتي وعلاقاتي ليستغنى بها عني، لم اعتبره رجل صادق وأوضحت كتابيا للحكومة الليبية في ذلك الوقت أن شراكتي معه انتهت، ماذا كان يعمل في العامين الماضيين؟ لم أكن ادري.
لم يكن في سيل الأسئلة التي أمطرني بها منصور سؤال واحد عن السعودي، ربما كانت مجرد صدفة أننا كنا معا رهن الاعتقال المجيد.
زاد إلى مزاجي الكئيب نقل حارستي ذهيبة التي صارت رفيقتي،افترضت أن الليبيين خشوا أننا صرنا أصدقاء أكثر مما ينبغي.
ولا واحد من السفارة الأردنية زارني ولم أُمّكن من الحصول على محام، لقد خبرت أن هذا النوع من المعاملة فُرض على مواطني ليبيا الذين يبدو أنهم لا يتحصلون على حقوق قانونية ولكن ليس بحق شخص من الخارج أبدا.
حصل تحسن واحد في ظروفي الحياتية، من الصباح حتى المغيب تُركت البوابة الخارجية ذات القضبان الخاصة بالفيلا مفتوحة حتى استطيع التجول في الخارج فقط داخل الأسوار العالية للمجمع.
أدرك أحدهم أنني صرت على علاقة ودية مع عادل الرجل الذي يحضر طعامي كل يوم، كان متأسف لحالتي وزودني ببعض المعلومات الموجزة، كان يقضي نصف ساعة في الفيلا في الصباح بينما كنت أتناول طعامي وكنت أتطلع بشوق إلى لقاءاتنا، كان رجل عطوف ولم يكن سعيد بمحنتي، لقد توطدت علاقة حسنة بيننا طيلة التسع شهور لهذا الروتين المتواصل، بعدها في احد صباحات سبتمبر تم استبداله بدون تنبيه بشخص آخر، على عكس عادل كان القادم الجديد عبوسا وغير تواصلي، كنت متأكدة انه كان يتبع التعليمات بأن لا تكون له علاقة بي.
في الشهر التالي سمعت كثير من الصراخ خارج الفيلا ورأيت مجموعة من النساء يرافقهن اللواء عبد الحميد السايح إلى البناية المجاورة، على الفور تعرفت عليهن، كن زوجة وبنات نوري المسماري.
" ماذا يجري؟" صحت على السايح وهو يغادر، توقف قليلا وأجاب " فر المسماري من ليبيا".
هرب المسماري إلى فرنسا حيث انشق هناك عن العقيد، والآن يدفع أفراد من أسرته ثمن تخليه عن الولاء، لاحقا تم الإفراج عنهم دون أن يصبهم أذى.
فقدان الثقة (4)
في كل الوقت كانت صحتي تتدهور، بدأت أعاني من الآلام في البطن وكان ضغطي منخفضا وينتابني صداع مستمر، كانت يدي ترتجف بدون إرادتي، في النهاية تم استدعاء طبيب أعصاب إلى الفيلا ليكشف عني.
رجوت أن يكون متعاطف مع امرأة محتجزة بدون اتهام وانه ربما يمرر رسائل أو يثير قضيتي إلى العالم الخارجي، لكن بينما قال انه يشعر بالأسف لحالي، فأن خوفه من إغضاب النظام تغلب على أسفه، قال لي طبيب الأعصاب" تضرعي إلى الله بالدعاء "
انا متأكدة أنها صادرة من قلب متعاطف ولكن لم أكن احتاج منه إلى هذا النوع من النصيحة.
كان رأى الدكتور أن انُقل إلى المستشفى لكن قوبل طلبه بالرفض، اُعطيت مسكنات الألم واحضروا جهاز لمراقبة القلب، استنتجت انه بالرغم من أنني أصبحت شوكة في خصره، فإن القذافي، لأسباب مازالت غير واضحة، لا يرغب أن أموت في الحبس.
حتى أكتوبر من عام 2010م كانت وجبات طعامي تأتي من الفندق ولكن بعد ذلك وفي أحد الأيام وصل الطعام على هيئة مخصصات التموين العسكري في حقيبة بلاستيكية، كان مقزز فصرخت" هذا يصلح لكلب، لن أتناوله".
جاءت إجابتهم " ماذا تريدين، الأشخاص في الفيلات الأخرى يحصلون على نفس الطعام ".
انا متأكدة انه كان عقوبة لتحطيم معنوياتي والضغط عليّ للتوقيع على اعترافات مزيفة سينتج عنها التعفن في السجن الليبي لسنوات.
شكوت من سوء الأكل إلى اللواء السايح الذي بدأ مندهشا، لم يقل كذلك ولكن ساورني انطباع أن هذا تكتيك استحدثه مكتب الاستخبارات من وراء ظهره.
تمكنت من إقناع اللواء، ولم يكن رجل فظ إن صحتي ستتدهور أكثر إذا تم تقييد نظامي للحمية العدائية، بالرغم من أنني لم اعد احصل على طعامي من فندق كورنتيا، فقد أؤتي بوجبات أكلي من المطاعم المحلية في صناديق بلاستيكية وكان واحد من الصحون يوميا هو السمك على الدوام، كان نصرا صغيرا.
الرجل العبوس الذي كان يحضر طعامي تم استبداله ولخيبة أملي لم يكن عادل هو البديل لكنه رجل في حوالي الأربعين وكان قد تحصل على تدريب في التمريض ويستطيع أن يراقب صحتي، كنت ممنونة لأنه كان ودود، ذلك انه لم يعد هناك ثمة شئ آخر يستحق الامتنان.
بعد مرور عشرة شهور على إقامتي في المجمع فقدت كل ثقتي في القذافي، كنت أعاني الأرق وقرحة المعدة محتملة وكنت بشكل مؤكد أعاني من الاكتئاب السريري، كل وقت تُفتح فيه البوابة المعدنية الثقيلة المؤدية إلى فيلتي، تطحن بضجة مفاصلها، أكون انا فيه متحطمة عصبيا.
حاولت أن اشعر بالارتياح كوني مازلت في واحدة من الفيلات، المتعارف على أنها لحجز الأشخاص لفترة مؤقتة لكن تيقنت أن القذافي لو أراد حقا إطلاق سراحي لتم هذا من فترة طويلة، مازلت محتارة كيف انه بعد كل هذه السنوات من الخدمة المطيعة المفعمة بروح الواجب سيوافق بوضوح على هذه المهانة، كما أنني فقدت الثقة في حكومة الأردن لإطلاق سراحي من خلال الدبلوماسية.
ما نجاني من الانهيار الكامل كان إيماني بالله، جلوسي بمفردي لساعات منحني وقتا كثيرا للتأمل ولكن لم افقد إيماني، في الحقيقة لقد أصبح أكثر قوة عندما فقدت الثقة في الكثير من الناس وضعتها في الله والقدر، وبالتأكيد ما كان لمحنتي أن تكون أسوء من هذا.
ثم بعد ذلك وفي إحدى أمسيات شهر ديسمبر عام 2010م قمت بتقليب القنوات في جهاز التلفزيون.
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
dude333- مشرف المنتدى السياسي
-
عدد المشاركات : 5593
العمر : 55
رقم العضوية : 9508
قوة التقييم : 36
تاريخ التسجيل : 11/01/2012
مواضيع مماثلة
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الثاني والعشرون
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الثالث والعشرون
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الرابع والعشرون
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الخامس والعشرون الاخير
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الثانى
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الثالث والعشرون
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الرابع والعشرون
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الخامس والعشرون الاخير
» كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الثانى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR