كتاب دعد شربل العقيد و انا الفصل الثالث عشر

من طرف **dude333** 2022-09-18, 5:50 pm

العقيد وانا
حياتي مع القذافي
رواية: دعد شرعب ترجمة الدكتور علي جماعة علي
الفصل الثالث عشر
على الطريق (1)
- بعد تعليق العقوبات صمم القذافي على تغيير صورة بلده في الخارج، قل عنه ما شئت لكن القذافي كان صاحب شخصية جذابة ويثير دائما قدر كبير من الفضول     والانتباه، بعد أن نُبذ سنوات، صار عليه طلب كأنه آخر نجوم البوب، وكان تحت النقاش مسالة تخطيط رحلة لارضاءه.
- في هذه الأثناء، تلقيت مكالمة من احد معارفي في مكتب الحكومة الأردنية طالبين أن أقنع القذافي لزيارة الأردن، بحكم علاقتي القوية به.
- يطيب لي الاعتقاد أنني فهمت ما الذي يؤثر في تصرفات العقيد القذافي وأدركت بسرعة انك إذا أردت منه فعل أي شئ فالأمر يتعلق بطريقة مفاتحته بما تريد، لا أدعي أني كنت العبه على أصبعي الصغير، ولكن معي غالبا كان يقول نعم أكثر من لا، وفي الحقيقة، أدركت انه لا يقول ( لا ) مباشرة، بل يقلها على هذا النحو " احتاج وقت للتفكير بالمسألة".
وفيما يخص رحلة الأردن كنت بسهولة استطيع الدخول فجأة إلى مكتبه و اخبره "يجب أن تذهب إلى عمان هذا في صالح الاقتصاد".
لكنني تعلمت أن اخذ طريق غير مباشر فأبدا كالتالي" أنت تعرف أن صورتك معلقة على حائط مكتبي في الأردن، كان شقيقي هناك ذات مرة وسأل من هذا، هل تصدق انه لم يتعرف عليك، سيكون من الجيد أن يتعرف عليك الجيل الجديد في الأردن      وربما ينبغي أن ترتب هذه الزيارة لان هناك كثير من الفلسطينيين يعيشون هناك      وسيكونون مبتهجين لرؤيتك"، كما لو أن جرس رن في رأس القذافي أجابني " نعم، سوف اذهب، اخبري ملكك".
- شاركتكم هذا الحوار لأوضح للمتشككين أن ما يطلق عليه (سلطتي الخاصة على القذافي) لم تكن جنسية، فبالإضافة إلى الثقة التي بنيتها، كانت قدرتي على الولوج إلى عقله، لذلك في عام 2000م كانت الأردن جزء من رحلة صغيرة شملت السعودية    وسوريا.
- وقع على كاهلي المساعدة في تنظيم الجانب الأردني من الرحلة وأغرقني مكتب المراسم بالأسئلة عن ما يحب وما لا يحب ونوعية البرامج التي ينبغي ترتيبها له، اعرف أن القذافي مهتم بحقوق المرأة، لهذا اقترحت لقاء مع اتحاد نساء الأردن بالإضافة إلى المحادثات التجارية المعتادة.
سُؤلت أيضا عن وجباته الغذائية التي كانت بسيطة جدا، كان خفيف الأكل يبدأ يومه بتناول حليب الإبل والتمر واكل نباتي في الغداء كما أنه يشتهي المكرونة الليبية، في باكر المساء ربما يأكل اللحم المشوي، يصيم الاثنين والخميس لأسباب دينية ويصلي خمس أوقات في اليوم، مطلقا لم أراه يحتسي الخمر الذي منعه بعد وصوله إلى السلطة في عام 1969م. بعد وفاته، انطلقت كل أنواع الادعاءات عن كونه مدمن كوكايين، مطلقا لم أر أي دليل على تعاطي المخدرات، على العكس كان حريص جدا على صحته، كان يملك آلة المشي في مجمعه، أحد الطرق للحفاظ على لياقته كانت مطاردة الأرانب والغزلان على الرجلين في الصحراء بالقرب من مخيمه في سرت.
- قرر القذافي أن يسافر بالبر بدل الجو، وعندما حان الوقت استقبلت مكالمة تليفونية من رئيس المراسم الأردنية قائلا في ذعر" لقد أحصيتهم، وصل الرئيس القذافي بعدد 600 لاندكروزر، لو أتي بهم إلى عمان ستُغلق من الازدحام".
لم يدهشني الرقم فقد ذهب القذافي إلى التوغو بألف سيارة، قررت الحديث معه بأسلوبي الناعم، دققت على باب حجرته في قصر الملك بالعقبة وقلت له " أنت أخبرتني انك تود لقاء الناس العاديين في رحلتك إلى الأردن، هل تريد من الناس العاديين أن يقولوا اخرجوا القذافي من هنا لأننا لا نستطيع بسببه الوصول إلى بيوتنا وأعمالنا؟".
توقف العقيد لحظات وسألني بابتسامة" هل هذا كلام ملكك، أم هي فكرتك؟".
أجبت " أنها فكرتي" لقد كسرت قاعدتي في عدم الكذب عليه لكن في هذه المناسبة كان الأمر ضروريا.
هز القذافي كتفيه وقال" حسنا إذن، أخبريهم أننا سنقلص عدد السيارات إلى 200، اتركي الباقي في العقبة".

على الطريق (2)
- انطلقنا إلى عمان عبر الطريق بنية الوصول إليها قبل غروب الشمس، كنت في السيارة التي تسبق سيارة العقيد مباشرة، أول توقف لنا كان لوضع حجر الأساس لمشروع الديسي لضخ المياه الجوفية من الصحراء، بواسطتي وافق العقيد على تمويل هذا المشروع.
- لمح العقيد من الطريق السريع خيمة بدوية فأمر سائقه بالذهاب إليها شاقا طريقه بعيدا عن الرتل مما احدث ارتباكا في صفوف الرتل وللمروحيات الأردنية المرافقة، جلس العقيد مع عجوز بدوية بالخيمة لم تتعرف عليه حتى ذكرت لها اسمه، قبّل يديها و قال لها " هل تعرفي أن يدا أمي يشبهان في جفافهما يديك بسبب العمل الشاق يسرني أن المسهما"، اخذ حزمة دولار من مرافقه ودسها تحت وسادتها ويممنا صوب العاصمة، وفي لقاءه مع الملك حكى له عن محنة العجوز البدوية قائلا " ارغب منك أن تبني بيت جيد لها مزود بالماء والكهرباء"، تمت الموافقة على رغبته، تأثر القذافي بهذه العجوز بما أثارت فيه من ذكريات، هل تتخيلون قائد آخر يمكن أن يتصرف هكذا؟.
كذلك هناك فنان وهو الآخر بدويا يدعى عمر عبد اللات كان القذافي قد تأثر به عميقا عندما غنى له في ليبيا عدة ساعات في الماضي حتى بح صوته، طلب القذافي من ضيوفه إحضاره للغناء فتدبروا الأمر بسرعة فحضر وغنى له ذلك المساء.
- كانت زيارته الدولية إلى الأردن التي استمرت أربعة أيام ناجحة، عبر القذافي من الأردن إلى السعودية فتنفست الصعداء ذلك لأن نزواته ستكون تحت مسؤولية طرف آخر.
- بعدها بشهور كانت عمان تستعد لعقد القمة العربية ورغبت حضور صديقها الجديد، أما القذافي فيبدو أن له تخطيط آخر، اتصل بي مكتب الملك طالبا التدخل معه، سألتهم،" هل اتصلتم بمكتب القذافي رسميا "أجاب المتصل" نعم اتصلنا و تم إبلاغنا أن عنده التزام آخر في بنغازي.
تمكنت من إقناع القذافي بأن القمة مهمة فوافق على تغيير خططه.
- وصلنا عمان واستقبله الملك شخصيا وانزله في احد قصوره بينما الآخرين في الفنادق، ولأن أعضاء الأسرة الملكية مشغولين في الترتيبات للقمة التي ستنعقد غدا، شعر القذافي بأنه لا يُعطى الاهتمام المناسب خاصة لما قدمه للأردن، فأمر الجميع بالمغادرة إلى ليبيا، انطلقنا إلى المطار وفي الطريق لمح القذافي بائع مثلجات فطلب التوقف ونزل عنده وسببت السيارات في خلق فوضى في ذروة الساعة المسائية.
استقبلت مكالمة من مكتب الملك على الموبايل بأن الملك في القصر في تصرف ضيفه الليبي، أخبرت القذافي " أن الملك في انتظارك وليس من الكياسة كبدوي أن تتركه واقفا هناك".
أومأ القذافي برأسه وركب الليموزين قافلين إلى مقر إقامته في القصر، وجدنا الملك في ملابس التشريفات العسكرية واقفا خارج مقر إقامة القذافي، تقدم في اتجاه القذافي وقبل أن يصل إلى مصافحته بخمس خطوات تراجع مبتعدا، اندهشت معتقدة أن الملك بصدد إهانة القذافي، غير أن الملك نزع حزامه العسكري الذي يحتوى على مسدس في جرابه ثم تقدم ببطء وصافح العقيد، تأثرت بتصرف الملك الشاب في احتواء الموقف حيث أدرك الملك أن التقدم بالسلاح نحو العقيد المهتاج قد يساء تفسيره.
- رتبنا للقذافي رحلة إلى البحر الميت، كان مهووس بفلسطين التي يمكن رؤيتها من الجانب الأردني، فجعلنا إقامته في فندق موفينبك المملوك جزئيا لليبيا في صفقة أدرتها بنفسي، وكالعادة ضرب العقيد بالترتيب عرض الحائط عندما توقف على بائع شاهي و اخذ يتحدث معه وحين انصرف الجميع إلى السيارات أعطى الرجل حزمة دولارات كافية لتغيير حياته في ظل دهشة الرجل بحظه الجيد.
- أميال قليلة توقف القذافي على بائع مشويات بعدها انظم إلى أولاد يلعبون كرة القدم، كل هذا لم يكن على الجدول فصار كوسا المسؤول عن الترتيبات الأمنية يصرخ بأن هذا غير امن، كان مرتعبا من القرب المكاني من إسرائيل مخبرا القذافي أننا في نطاق الصواريخ الإسرائيلية فرد عليه "حياتي بيد الله، دعني استمتع بلعب كرة القدم".
وصلنا إلى الفندق و حدق القذافي عبر المياه إلى فلسطين المحتلة وقال " كيف أن الأردن بهذا القرب ولا تعمل شي لإرجاع هذه الأرض إلى الفلسطينيين " رجوته أن يخفض صوته حتى لا يخاطر بإزعاج ضيوفه فرد" انا لا اهتم".
- في محاولة مني لتحسين مزاجه اقترحت عليه أن يستمتع بجلسة تدليك في الحمام المعدني الملحق بالفندق باستخدام طين البحر الميت الشهير غير أن موسى كوسا      وثلاثة من كبار رجاله الأمنيين رفضوا الاقتراح بحجة أن المكان لم يتم فحصه مسبقا، عوضا عن ذلك ذهب العقيد للراحة قبل أن يتناول وجبة ويعود إلى عمان، لدهشتي اتجه كوسا ورجاله إلى ذلك المكان المفترض انه غير امن لأخذ تدليك بالطين، لم استطع منع نفسي من التسبب في بعض الشقاوة، جريت إلى العقيد و قلت له "هل تعرف أن رجال أمنك الآن يمتعون أنفسهم في الحمام المعدني".
توقف العقيد لحظات للتفكير وقال" حسنا، اجمعي الكل، سنعود إلى عمان ولكن اتركيهم هناك" بينما نحن نستعد للانطلاق، رأى كوسا الذي أنهى التدليك لتوه، ما يجري فقفز في سيارتي وقال بتجهم "اعرف انك أنت من أخبرت الرئيس".
بالطبع أنكرت معرفتي بالأمر ولكن لم استطع منع نفسي من الضحك بعد وصولنا عمان، ذلك أن نوري المسماري رئيس المراسم الليبي كان في انتظارنا بعد أن تدّبر سيارة أجرة للوصول قبلنا، من شدة استعجاله أن طين البحر الميت كان لا يزال ينز من تحت ملابسه، تلك الليلة وبخ القذافي أربعتهم بقسوة.

على الطريق (3)
أتذكر رحلة أخرى تم ترتيبها للقذافي لحضور القمة العربية في السودان، كان من المقرر أن يطير هو للخرطوم بعد أيام قليلة فانتهزت الفرصة انا للطيران إلى الأردن لقضاء بعض الوقت مع ابنتي نور.
ما أن وضعت قدماي في الأردن حتى وصلتني الرسالة أن ارجعي فورا إلى ليبيا.
أخذت الرحلة التالية إلى طرابلس واتصلت بمكتب القذافي، بقيت في الفندق انتظر الرد، لا رد حتى الصباح التالي عندما دق عليّ باب غرفتي رجلان بملابس عسكرية" تعالي معنا" قال أحدهما وأضاف" ستذهبين مع الرئيس إلى السودان" بدون شرح إضافي، التقطا حقيبتي نصف المفرغة وطلبا أن أتبعهما إلى سيارتهما المركونة في الانتظار، في استعجالي نسيت جواز سفري في خزنة الفندق ولكن تم تطميني أن لا تقلقي، فأنت لا تحتاجي إلى جواز، أنت مع القذافي، وتأكد هذا فعلا ونحن نتنسم هواء مطار الخرطوم ثم إلى فندق الهيلتون، كل هذا وانا مازلت معمية بالكامل عن سبب وجودي، فأنا عادة غير منخرطة بأعمال هذه القمم.
مع العاشرة في ذلك المساء اُستدعيت لرؤية القذافي الذي كان يقيم في فيلا خاصة، في الفناء كانت الخيمة البدوية زاهية الألوان وكان هو بداخلها، دخلت فإذا بي أرى تلفزيون مقلوب على الأرضية والقذافي غاضبا.
أصبح واضحا سبب رحلتي المفاجئة إلى الخرطوم، قال وهو محتدم من الغيظ" لقد أعلنوا أن ملكك لن يحضر، اتصلي به الآن" لأول مرة اعمل هذا الخطأ في معارضة القذافي بطريقة مباشرة عندما أخبرته " الوقت متأخر، سأتصل به في الصباح".
صرخ بشكل حاد في وجهي صائحا" اتصلي به الآن أو سأقطع العلاقات مع الأردن"، كان هذا يعني الكثير للقذافي لأنه يعتمد على الأردن في التصويت على موضوعا ما، حاولت تهدئة غضبه بالضرب على بعض الأرقام، حاولت جاهدة أن اوقض أحدا ما، وأخيرا استطعت الاتصال بصديق قديم هو هيثم المفتي مدير المكتب الخاص لملك الأردن، حصل كل هذا أمام القذافي الذي طلب مني أن اُبقى الهاتف على مكبر الصوت، كنت مرتعبة أن الذي على الخط ربما سيقول شيء غير محسوب مما سيزيد في غضب القذافي، لذلك بدأت بالقول" انا اجلس هنا مع العقيد القذافي في السودان، لقد سمع من التلفزيون أن الملك عبد الله لن يحضر القمة وهو غاضب جدا و يود أن يرى الملك هنا ".
بالرغم من أنه تفاجأ بالمكالمة وانقطع عشاءه في المطعم إلا أن صديقي فهم حساسية الموقف ووعد ببذل ما في وسعه.
أصر القذافي آن أبقى معه في الخيمة حتى ينجلي الأمر، لكن مع مرور الدقائق أصبح المزاج يتوتر باضطراد، مخافة أن يثور العقيد إذا انتظرنا حتى الصباح، استطعت أن أقنعه بذهابي إلى الفندق وأن اجري من هناك مزيد من المكالمات، لم يمض وقت طويل حتى اُستجيب دعائي واتصل الصديق مؤكدا أن الملك سيحضر القمة احتراما للقذافي، قفزت سعيدة في اتجاه العقيد وألقيت عليه الأخبار الجيدة بأن قلب الملك تغير إكراما للعقيد فابتسم وتغير مزاجه بسرعة.
الآن وهو مبسوط سألته " لماذا وضعتني في هذا الوضع القاهر، أنت تعرف انه ليس عندي مكانة رسمية في الأردن وأنني اعرف جلالة الملك وإحدى شقيقاته، انا فقط جسر بين دولتيكم وليس عندي نفوذ".
هز القذافي كتفه وأجاب" يا دعد، كنت اعرف انك ستحلين هذا الإشكال وهذا الذي جعلني أمر بسفرك إلى هنا".
لست متأكدة من شعوري بالتبجح لهذا الإطراء أو أنني مغتاظة لثقته و إيمانه بي، لكن كيف كان العقيد سيتدبر الأمر إذا لم انجح في التواصل مع صديقي في المطعم ذلك المساء.
رأيت القذافي غاضبا عدة مرات، لكن التلفزيون المهشم كان جانب عنفي لم أشهده من قبل فيه، لقد كان دليل متزايدا على تقلب مزاجه وعدم إمكانية التنبؤ بتصرفاته.
نهاية الفصل