إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
كتاب المرض والسلطة الجزء 1 و 2 و 3
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
كتاب المرض والسلطة الجزء 1 و 2 و 3
قرارات تاريخية مهمة اتخذها رؤساء مرضى
أي علاقة بين السياسة والطب والسياسيين
والأطباء؟
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير
الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد
أوين دراسة
للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية
تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في
عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي
قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو
الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا
يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل
وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم
أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»،
التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء
الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق
المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة
التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي
نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة
يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب،
وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في
المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في
حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية
المجتمعات من مرض زعمائها!
لقد فتنتني العلاقة بين السياسيين والاطباء
وبين السياسة والطب، طوال حياتي. وما من شك في
ان خلفيتي كطبيب وكسياسي غذّت اهتمامي، واثرت
في وجهة نظري. لقد كنت مهتماً، بشكل خاص، في
تأثير مرض رؤساء الدول على مسار التاريخ. فمثل
هذه الامراض، اثارت الكثير من المسائل المهمة
مثل تأثيرها في عملية اتخاذ القرار والخطر
الناجم عن التكتم على مرض الزعيم وصعوبة
ازاحة المسؤولين المرضى عن السلطة في كل من
الانظمة الديموقراطية والدكتاتورية،
والمسؤوليات المترتبة على الاطباء المعالجين
للزعماء المرضى. فهل يكون ولاؤهم مقتصراً على
المريض فحسب، كما هي الحال في المعتاد؟ أم ان
عليهم الالتزام بأخذ الصحة السياسية
لبلدانهم بعين الاعتبار؟
وعلى مدى أجيال، مارس افراد من عائلتي الطب،
أو عملوا في مهن لها صلة به، وكثيرون منهم
ايضاً، مارسوا العمل السياسي على مستوى محلي
بشكل اساسي، وبعضهم انخرط في الطب والسياسة
معاً.
اللورد ديفيد اوين
- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس
الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات
القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي
وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في
مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء
الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في
المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان»
و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.
الطب والسياسة
وربما يكون هذا هو السبب الذي جعلني ارى من
الطبيعي ان يلعب الطب والسياسة دور الشريك
الطبيعي في الحياة العامة. وعلى الرغم من
طغيان السياسة على الطب لدي احياناً، فإن حبي
للسياسة لم يفتر ابداً. وحين شغلت منصب وزير
الخارجية، كنت اصف نفسي في الوثائق الرسمية
بـ«الممارس الطبي» وكأني لا اجد في وظيفتي
السياسية الا كونها مؤقتة، بل انني لم آخذ
السياسة ابداً كمهنة، وكنت اخوض الانتخابات
تلو الانتخابات. وفي كل مرة لم اكن واثقاً
انني سوف اترشح في الانتخابات التالية،
ولكنني في النهاية، مكثت عضوا في مجلس العموم
لمدة 26 عاماً، وكانت الاطول من بين كل زملائي
النواب.
البداية
وقد بدأت حياتي كمزيج من الطب والسياسة، حين
ترشحت لاول مرة للانتخابات البرلمانية عام 1962
وانا طبيب مبتدئ في مستشفى سانت توماس على نهر
التايمز مقابل قصر ويسمنستر في لندن. وكان
الطب - بشكل أو بآخر - هو الذي ادخلني عالم
السياسة. ففي عام 1959، وحين كنت طالباً في كلية
الطب، انخرطت في حزب العمال بسبب الفقر ونقص
المساكن في جنوب لندن، وهي المنطقة التي
يخدمها مستشفى سانت توماس. وبعد تخرجي عام 1962،
طلب مني الحزب خوض الانتخابات في منطقة ريفية
كبرى، ومازلت اشعر بالحيرة حتى الآن، بقبول
فكرة الترشح، ولكني اعتقد ان السبب هو
للحيلولة دون ان اصبح منهمكاً في الطب وحده،
حيث رأيت عدداً من زملائي الذين تخرجوا
واصبحوا لا يعرفون شيئاً عن الحياة العامة
سوى الطب. لقد توقفوا عن قراءة الصحف او
الاستماع الى الاذاعة او مشاهدة التلفزيون.
وحين حان موعد المعركة الانتخابية عام 1964،
اخذت اجازة خاصة من دون مرتب لمدة ثلاثة
اسابيع ولكني لم احقق الفوز.
وحين عدت الى المستشفى ركزت على الطب وتراجع
اهتمامي بالسياسة. ثم طلب مني الترشح في
انتخابات عام 65، وكنت ادرك ان ذلك ينطوي على
احتمال الاتجاه نحو العمل السياسي، مع اني لم
اكن قد اتخذت قرارا نهائيا في هذا الشأن،
ولكني فوجئت بالفوز في عضوية البرلمان في عام
1966.
في البرلمان.. والمستشفى
وخلال العامين التاليين، بقيت اعمل في
المستشفى اضافة الى عملي البرلماني. ولم يعد
الوضع كذلك بعد تعييني وزيرا للبحرية عام 1968
بسبب تقليد مضى عليه وقت طويل لا يسمح للوزراء
بالعمل لدى اية جهة أخرى. وفي عام 1970، وبعد ان
خسر حزب العمال الانتخابات بقيت عضوا في
البرلمان وعاودت عملي الطبي، ثم عينت وزيرا
للصحة عام 1974 ولم يحدث لأي عمل قمت به او منصب
شغلته ان حقق لي هذا القدر من الرضا الذاتي
بما في ذلك شغلي حقيبة الخارجية من 77 ـ 1979،
وزعيما للحزب الديموقراطي الاجتماعي من 83 ـ
1987 ومن 88 ـ 1990 والرئاسة المشتركة للمؤتمر
الدولي حول يوغو سلافيا السابقة من 92 ـ 1995.
العلاقة السرية
لقد مارست الطب لست سنوات عموما وتعلمت
الكثير من هذه التجربة الجميلة، لقد عملت مع
مجموعة من الاطباء في شتى الاختصاصات ممن
عالجوا سياسيين بارزين وشهدت بنفسي الضغوط
والاجهاد للحياة السياسية في اطار العلاقة
السرية بين السياسي والطبيب.
لقد شاركت في علاج سياسي رفيع ادمن الكحول
وآخر عانى من الاكتئاب الشديد، وقد رأيت
بنفسي الضغوط التي عاشوا تحت تأثيرها حتى
بدأوا يتساءلون عن مدى تأثير الاجهاد على
الاصابة بالمرض. وعالجت مرضى آخرين كانوا
يعانون من الادمان على المخدرات.
وفي تلك السنوات من عملي في الطب، بدأ يتنامى
اهتمامي بمعرفة كيفية اتخاذ القرار في اعلى
مستويات الحكومة. فقد تابعت تطور ازمة
الصواريخ الكوبية عام 1962 ثم حرب فيتنام، ثم
الفت عام 72 بعد عملي في وزارة الدفاع، كتابا
حول عملية اتخاذ القرار وتعقيداتها والاخطار
المترتبة عليها.
فالكل يعرف القول المأثور للورد أكتوز بأن
«السلطة تفسد والسلطة المطلقة فساد كلي»،
وقول المؤرخة باربارة توشمان بأن القوة تولد
الحماقة.
متلازمة الغطرسة
ومدى تأثير المرض على عملية اتخاذ القرار
الحكومي هي مسألة واجهتها في كثير من
المناسبات حين اصبحت وزيرا للخارجية، وحظيت
المسألة باهتمامي منذ لك الحين. لقد كنت
مفتونا بأولئك الزعماء الذين لم يكونوا مرضى
وكانت حواسهم الادراكية تعمل بشكل جيد لكنهم
طوروا ما اصبحت اصفه بـ«متلازمة الغطرسة»،
فالتصرفات الي تنم عن غطرسة شائعة لدى رؤساء
الدول الديموقراطية وغير الديموقراطية اكثر
مما يعرف الكثيرون. وقد طورت المجتمعات
الديموقراطية، لاسيما تلك التي كانت تخضع
لانظمة سلطوية، نظاما للرقابة في محاولة
لحماية انفسهم من مثل هؤلاء القادة، ولكن
آليات تحقيق ذلك ـ كالبرلمان والحكومة
والاعلام ـ ليست فاعلة دائما.
أما تحت الأنظمة الدكتاتورية حيث لا رقابة
ديموقراطية ولا آليات داخلية للرقابة
والضبط، باستثناء الانقلاب العسكري لاطاحة
مثل هذه الأنظمة، ففي الغالب يتعذر عمل الشيء
الكثير، فقد ثبت أن التنديد والعقوبات
الدولية ليست ذات فاعلية كبيرة، كما أن
التدخل العسكري الأجنبي هناك الكثير من
علامات الاستفهام على امكانية نجاحه.
فساد السلطة
لقد كنت محظوظا للعمل في حكومة رئيس الوزراء
هارولد ويلسون ورئيس الوزراء جيمس كالاهان
اللذين لم تفسدهما السلطة، وفشل الأول في
انتخابات 1970، والثاني في انتخابات 1979. لقد
كانت تجربة قاسية. لكن السياسي في النظام
الديموقراطي هو خادم الشعب الذي يمنحه السلطة
ويسحبها منه وقتما يشاء.
خلال فترة ولايته الأولى من 64 ــ 1970، كان
ويلسون يتمتع بسلطة ممتازة على الرغم من أنه
عانى بعض المتاعب الصحية في بداية السبعينات
وهو في صفوف المعارضة. وبعد عودته إلى السلطة
عام 74، كان يعاني مشاكل في الذاكرة وتفاقمت
مشكلاته الصحية مع المشاكل السياسية
والاقتصادية التي واجهته. ففاجأ الجميع
بالتنحي عام 79. وبعد سنوات قليلة أصيب بمرض
الزهايمر مع تدهور شديد في نشاط دماغه.
وخلفه في الحكم جيمس كالاهان على الرغم من أنه
كان يكبره بعدة سنوات. وكان كالاهان قد خضع
لعملية استئصال البروستاتا عام 1972 ثم شفي
منها تماما واصبح وزيرا للخارجية عام 1974. وظل
يتمتع بصحة جيدة أثناء توليه رئاسة الحكومة
ثم خسر الانتخابات أمام مارغريت تاتشر عام
1979، لكنه خرج من «واننغ ستريت» بشرف وكرامة.
وتسنى لي كذلك، أن أتعايش عن قرب مع أربعة
رؤساء وزارات بريطانيين آخرين هم!! إدوارد هيث
ومارغريت تاتشر وجون ميجور وطوني بلير. لقد
حاولت تفحص حالات مرض رؤساء حكومات من مختلف
أنحاء العالم لمحاولة إيجاد صلة بين الحالة
الصحية لهؤلاء الزعماء والحوادث السياسية
التي ارتبطت بهم، حتى يتمكن القراء من الحكم
بأنفسهم على الترابط بين العنصرين.
العضوي والعقلي
وتتم مناقشة مرض القادة السياسيين في العلن
حين يكون عضويا، لكن الأمر يختلف حين يكون
المرض عقليا. لأن أوصاف الأمراض العقلية
كالجنون والهلوسة والغطرسة وجنون العظمة،
كلها مرتبطة بطغاة من أمثال أدولف هتلر وعيدي
أمين وماوتسي تونغ وسلوبودان ميلوسوفيتش
وروبرت موغابي وصدام حسين. من جهة وزعماء
ديموقراطيين مختلفين مثل ثيودور روزفلت
وليندون جونسون وريتشارد نيكسون ومارغريت
تاتشر وطوني بلير وجورج بوش من ناحية أخرى.
فالصحافة والرأي العام يستخدمان لغة هجرها
الطب أو عدلها أو حظر استخدامها.
فأمراض مثل الاكتئاب والأمراض العقلية تصيب
الكثير من الزعماء ولا تنقض أهليتهم لممارسة
الحكم، فمن المعروف ان حالة ابراهام لينكولن
تعتبر من اشهر حالات الاكتئاب التي لم تؤثر في
مقدرته على الحكم, وهناك القليل من الزعماء في
العالم الذين أصيبوا بالاكتتاب لفترة طويلة
مثل لينكولن، ومع ذلك رفض الأخير التنحي عن
الحكم. ففي سنوات شبابه عانى طويلا من تقلبات
مزاجه التي كانت تميل نحو الادنى، بل انه كتب
مقالة ذات يوم اعترف فيها انه فكر في
الانتحار، حتى قال انه يشعر بالسعادة بصحبة
الاخرين، ولكنه حين يكون وحيداً يشعر
بالاكتئاب لدرجة انه يخشى حمل سكين صغيرة.
ويعتبر لنكولن واحداً من اعظم الرؤساء
الاميركيين، ويبدو ان قدرته على التغلب او
التأقلم مع الاكتئاب اسهم كثيرا في تشكيل
شخصية الرئيس لينكولن، فقد وجد احد مؤلفي
الكتب حول لينكولن انه لم يكن مصابا بالجنون،
لكنه يعتقد انه من الممكن ان يكون مصابا باحد
انواع المس المعتدل. وقيل ان كلا من تيودور
روزفلت ونيكيتا خروتشوف كان مصابا به.
يرفضون التشخيص
وكلما حدث ان شخّص الاطباء اصابة احد الزعماء
بمرض عقلي، يرفض الجمهور تصديق هذا التشخيص
لا سيما اذا كان يتعلق بزعماء اصبحوا ابطالاً
قوميين. وزعم ثلاثة اطباء في وثيقة نشرت
مؤخراً ان الرئيسين تيودور روزفلت وليندون
جونسون كانا يعانيان من تقلب المزاج بين
الحالة القصوى من الفرح والاكتئاب الشديد
اثناء فترة رئاستهما، والمثير في الامر ان
الرأي العام يبدو مستعدا لقبول ان يكون بطله
القومي يعاني من الاكتئاب، لكنهم اقل ميلا
لاعتبار ذلك مرضا عقليا. لقد قيل على سبيل
المثال ان وينستون تشرتشل كان مصابا بهذه
الحالة ايضا، ولا احد ينكر انه كان يصاب
بنوبات عميقة من الاكتئاب كان هو نفسه يطلق
عليها مزاج «الكلب الاسود» لكن هناك رفض
للاقرار بكون الغطرسة حالة مرضية.
لقد فتن الكثير من كتاب المسرح بموضوع غطرسة
الحكام، لانه يوفر لهم الفرصة لسبر اغوار
الشخصية الانسانية من خلال الدراما المتوترة.
وكان شكسبير ابرز من ابدع في هذا المجال.
وربما يتوقع الناس او يريدون من زعمائهم ان
يكونوا مختلفين عن المألوف، وان يتمتعوا
بطاقة غير عادية والعمل لساعات اطول، وان
يتمتعوا بدرجة عالية من الثقة بالنفس، اي
باختصار التصرف بطريقة يعتبرها مهنيو الطب،
ضربا من الجنون. وهكذا فطالما يحاول القادة
انجاز ما يريد الجمهور انجازه، فان هذا
الجمهور لن يقبل ان يوصف قادته بالجنون او
الاضطراب العقلي، ولكن حتى يفقد هؤلاء
الزعماء تأييد الرأي العام، يصبح الامر
مختلفا تماماً فيصبح الرأي العام مستعدا
لاستخدام كلمات كانوا يستنكرون استخدام رجال
الطب لها.
الجمهور والطب والزعيم
ولم يعد الطب يتحدث عن «جنون العظمة» كمرض،
ومع ذلك يبدو لي انه لامر مشروع ان يستخدم
الجمهور هذه الكلمة. لقد اتهمت انا نفسي، من
احد الصحافيين بأنني مصاب بشكل من اشكال جنون
العظمة لانني رفضت اندماج حزبي الديموقراطي
الاجتماعي مع حزب العمال عام 1987 لانه كان
يعتقد انني ارتكب بذلك حماقة ناتجة عن اضطراب
عقلي اصابني في وقت ما، ولكن اذا كان الطب
توقف عن استخدام مصطلحات مثل «جنون العظمة»
فهذا لا يعني حظر استخدامها على الجمهور، فقد
يكون جنون العظمة خطيرا بالنسبة للسياسيين،
لاسيما اذا مورس على نحو متغطرس، وقد يكون
موضوعا جيدا للدراسة ضمن مهنة الطب، فالغطرسة
لم تعد مصطلحا طبيا.
فقدان الأهلية
وبالنسبة لي، فان ما يعنيني لدى مراقبة
الزعماء السياسيين هو الغطرسة باعتبارها
شكلا من اشكال فقدان الأهلية، وهذه حالة
مألوفة جدا في عمل القادة السياسيين الذين
يجعلهم نجاحهم يشعرون بثقة مفرطة ويزدرون
نصائح الآخرين التي تتعارض مع ما يؤمنون به،
بل واحيانا يقللون من شأن أي نصيحة مهما كانت،
او اولئك الذين يتصرفون بطريقة تتجافى مع
الحقيقة ذاتها.
لقد اردت استكشاف ما اذا كان السلوك المتغطرس
من هذا النوع من القادة السياسيين يمكن ربطه
بانماط معينة من الشخصية التي تجعله ميالا
للتصرف على نحو متغطرس، وما اذا كان هذا النوع
من الشخصية يخلق ميلا لدى هؤلاء السياسيين
للتصرف بالشكل الذي يتصرفون به، والأكثر
اثارة للاهتمام هو ما اذا كان بالامكان ان
يبدأ بعض القادة السياسيين الذين ليس لديهم
مثل هذا النوع من الشخصية، بالتصرف بشكل
متغطرس - ببساطة - لانهم اصبحوا في سدة الحكم.
بمعنى آخر، هل يمكن لتجربة السلطة بحد ذاتها
ان تحدث تغيرات في الحالة الذهنية للحاكم
تدفعه للسلوك المتعجرف؟
اعتقد انه سيكون من المفيد ان نطلق على ذلك،
متلازمة الغطرسة، التي تؤثر في سلوك من هم في
سدة الحكم.
متى يكون الزعيم متغطرسا؟
وعادة ما تزداد قوة الاعراض السلوكية التي قد
تثير تشخيص متلازمة الغطرسة بازدياد طول فترة
بقاء الحاكم في السلطة، وفي اعتقادي، اننا
حتى نحكم على هذا الحاكم او ذلك انه مصاب
بمتلازمة الغطرسة، فينبغي ان تظهر عليه 3 - 4
اعراض من قائمة الاعراض التالية:
* الميل لرؤية العالم كساحة يمكنهم ممارسة
السلطة فيه والسعي نحو المجد وليس مكانا يعج
بالمشكلات التي تحتاج الى حل بطريقة
براغماتية وبعيدة عن الانانية.
* الميل الفطري لاتخاذ خطوات تجمّل صورته.
* الاهتمام المفرط بصورته وطريقة عرض نفسه على
الجمهور.
* الطريقة التبشيرية في الحديث عما يفعله
والميل نحو تمجيد الذات.
* الصاق النفس بالدولة لدرجة اعتبار الامرين
متطابقين (انا الدولة والدولة انا).
* الرغبة في الحديث عن النفس بلفظ الجمع (نحن).
* الثقة المفرطة بالنفس وبالقدرة على الحكم
على الاشياء وازدراء نصائح وانتقادات
الآخرين.
< المبالغة في الشعور بالقدرة على الانجاز
الشخصي.
< الايمان بانه ليس محاسباً امام القوانين او
الرأي العام، بل امام الله والتاريخ.
< ايمان لا يتزعزع بأن حكم الله والتاريخ
سينصفه.
< عزم لا يلين وتهوّر ودافع قوي.
< انقطاع صلته تماما بالواقع، الذي يكون
مترافقا في العادة بالعزلة المتزايدة عن
العالم.
< الميل لجعل رؤاهم العامة او قناعاتهم ولا
سيما المتعلق منها بالاستقامة الاخلاقية او
اساليب العمل، تلغي البحث عن الجوانب الاخرى
لها كالخصوصية والكلفة وامكانية حدوث نتائج
غير مرغوب فيها، والرفض المطلق لتغيير مثل
هذه القناعات.
< الاتصاف بما يشبه العجز في تنفيذ السياسات،
وهو ما يمكن ان يطلق عليه «العجرفة العاجزة»
اي اتجاه الامور نحو الخطأ بسبب الثقة
الزائدة للقائد بنفسه تحديداً، واحجامه عن
مناقشة ايجابيات وسلبيات هذه السياسات.
مرض سلطة
وتبدأ معظم المتلازمات، متلازمات الشخصية،
بالظهور عند الناس في العادة في الثامنة عشرة
وتمكث معهم حتى نهاية العمر، وتختلف متلازمة
الغطرسة بأنه ينبغي عدم النظر اليها
باعتبارها متلازمة شخصية، بل قد تظهر على اي
زعيم لكن شريطة اي يكون في الحكم، وتحديدا حين
يعزز هذا الزعيم سلطاته لبعض الوقت، وتخبو
هذه المتلازمة حين يفقد هذا الزعيم السلطة،
وبهذا المعنى، فهي مرض مرتبط بالسلطة اكثر من
ارتباطها بالشخص، ومن الواضح ان ظروف تسلم
السلطة تؤثر كثيرا في احتمال استسلام القائد
لها.
اما العوامل الخارجية المؤثرة فهي النجاح
الساحق في الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها،
وتحرر القائد من القيود السياسية بما يسمح له
بممارسة السلطة الشخصية كما يريد، وطول فترة
البقاء في السلطة.
والمجتمع الطبي ليس على استعداد لاضفاء طابع
طبي على السلوك المتغطرس الذي يتحدث عنه
العامة على انه شكل من اشكال الجنون والخبل،
ولكن لان هذا المجتمع (الطبي) شديد الانضباط
(وهو محق في ذلك) في استخدام اللغة، فان ذلك لا
يعني ان هذه التساؤلات ينبغي ان تطرح من قبل
الفلاسفة والمحامين، اضافة الى الاطباء، ولا
ازعم انني قد عثرت في هذا الكتاب على اجابة
قاطعة لكل هذه التساؤلات.
ولكن الكتاب في الفصلين الاول والثاني يبحث
مرض رؤساء الدول في القرن العشرين، ولا سيما
خلال الفترة من 1901 وحتى عام 2007، ثم هناك خمسة
فصول اخرى تتعرض لاحداث تاريخية بعينها،
فالفصل الثالث يتحدث عن مرض رئيس الوزراء
البريطاني ابان ازمة السويس عام 1956 انطوني
ايدن، والفصل الرابع يبحث في تصرف الرئيس جون
كنيدي عام 1961 اثناء ازمة خليج الخنازير وازمة
الصواريخ الكوبية عندما عقد لقاء قمة بينه
وبين الزعيم السوفيتي نيكينا خروتشوف،
وارتباط ذلك بصحته والتغيرات في المعاملة
التي حدثت بين الحالتين، والفصل الخامس يعنى
بمرض شاه ايران اثناء السنوات الخمس الاخيرة
من حكمه، والفصل السادس يبحث في مرض الرئيس
الفرنسي الاسبق فرانسوا ميتران الذي كان
مصابا بسرطان البروستاتا طوال فترة سنوات
حكمه تقريبا، ولم يكن الرأي العام على علم
بذلك طوال احد عشر عاما، وفي الفصل السابع؟
تجري مناقشة السلوك المتغطرس لكل من الرئيس
جورج بوش وطوني بلير، وفي الفصل الثامن، طرحت
بعض الافكار لحماية المجتمعات من الآثار التي
قد تكون مدمرة لمرض بعض زعماء الدول
• لنكولن واحد من اعظم الرؤساء الاميركيين من الممكن ان يكون أصيب باحد انواع المس المعتدل
شاه إيران أصيب بسرطان الغدد اللمفاوية عام 73
• الشاه على فراش المرض محاطا بعائلته (ارشيف)
لقد ثبت أن سقوط شاه إيران في فبراير عام 79 وتولي آية الله الخميني السلطة، كارثة جيوسياسية ما زلنا نعيش تحت تأثيرها حتى الآن، لقد كنت وزيرا لخارجية بريطانيا آنذاك، وكانت علاقات بريطانيا وأوروبا بالشاه معقدة.
لقد كان حليفا للغرب في منطقة ذات مصالح حيوية اقتصاديا واستراتيجيا، ولكنه كان حاكما سلطويا يحاول تغيير بلاده وتحديثها رغما عن معارضة الكثير من القوى الداخلية الفاعلة.
ومع حلول عام 1970، كان واضحا أنه دون شكل من اشكال الاصلاح الديموقراطي، بما في ذلك اقامة ملكية دستورية، فان نظام الشاه يتجه لمواجهة المتاعب. ومما جعل من الصعب للقوى الخارجية التأثير على نظام الشاه للسير في هذا الاتجاه حقيقة انه بالرغم من سلطوية الرجل فإنه كان ضعيف التصميم، فضلا عن زعزعة التزام الولايات المتحدة وبريطانيا بالديموقراطية نتيجة لتواطئهما على اسقاط حكومة رئيس الوزراء الايراني محمد مصدق عام 1953.
في مهب الريح
كانت قلة من الناس تعرف في عام 1973 أن الشاه أصبح يعاني من المرض الشديد، حيث كان مصابا بسرطان الغدد اللمفاوية، وقد أبقي على مرضه سرا حتى اكتوبر 1979 حين ساء وضعه الصحي كثيرا، وفي ذلك الحين، اصبح مصيره السياسي والشخصي في مهب الريح، ويذكر انه توفي متأثرا بالمرض أثناء وجوده في المنفى في مصر في السابع والعشرين من يوليو 1980.
وكان الشاه محمد رضا بهلوي قد خلف والده رضا شاه عام 1941 الذي أعلن نفسه ملكا عام 1926 ولكنه اضطر للتنحي حين غزت القوات البريطانية والسوفيتية بلاده اثناء الحرب العالمية الثانية، فحين التقى روزفلت وتشيرشل وستالين في طهران عام 1943، لم يكن الشاه الشاب شخصية ذات أهمية، وربما كان هؤلاء القادة قد فوجئوا لو علموا ان هذا الشاه سيصبح حاكما لإيران وقوة رئيسية في الخليج خلال ثلاثين عاما.
شخصية عاجزة
وقد برز العجز في شخصية الشاه للمرة الأولى خلال انقلاب مصدق عام 1953، وكان مصدق قد أصدر قرارا بتأميم صناعة النفط الإيرانية مما أثار حفيظة الولايات المتحدة وبريطانيا، لكنه واجه أيضا معارضة شديدة من الداخل، الامر الذي جعل من السهل على وكالة المخابرات المركزية CIA وجهاز المخابرات البريطاني MI6 إطاحته، وكان من الحكمة بالنسبة للبلدين ان تركزا على التأثير على حكومة مصدق وتدفعان نحو ديموقراطية حقيقية، واثناء الانقلاب شعر الشاه بالانفعال الشديد وخشي ان يكون الانقلاب قد فشل فاستقل طائرته مع زوجته ثريا وغادر إلى العراق.
وأثناء وجوده في بغداد تحدث مع السفير الأميركي فنقل السفير البريطاني لحكومته ما قاله الشاه للأميركيين، مما اعطاهم صورة عن موقف الشاه المستقبلي حتى قرر انه لا ينبغي استخدام القوة لانه سيقود إلى حمام دم وفوضى وتدخل سوفيتي.
إلى روما
ولم تكن لدى الشاه اي فكرة عما ينبغي عمله، فطار إلى روما، حيث عاش في فندق من دون ان يكون لديه المال ومن دون أي قدرة للتأثير في الأحداث، ووقف الاميركيون إلى جانب الشاه باعتباره الحاكم الدستوري ولتكريس لا شرعية ما فعله مصدق.
وكان الشارع الايراني مليء بانصار مصدق والشيوعيين من حزب «توده»، لكن الـ«سي. اي. ايه» تمكنت من تمويل وحشد مظاهرات مضادة، وقد شجعت الجماهير المؤيدة للشاه، الجيش للتحرك لمصلحة الشاه والانقلاب على حكومة مصدق، وحين خضع مصدق للمحاكمة أنحى باللائحة على البريطانيين، وهكذا شاع ان بريطانيا هي المخطط الحقيقي للانقلاب مع ان الاميركيين هم الذين قاموا بالجهد الأكبر.
السافاك للقمع
واعتقد الشاه انه مدين للشعب بعودته إلى البلاد عام 1953، وقرر بناء جهاز مخابرات خاص به لحمايته مستقبلا باسم «السافاك» واستعان بمستشارين من «سي. اي. اي» وجهاز المخابرات الاسرائيلي «الموساد» وتحول هذا الجهاز إلى اداة للقمع والتعذيب.
وفي يوليو 1962 عين الشاه أسد الله علام رئيسا للوزراء، وحين اندلعت الاضطرابات دفع علام الشاه المتردد لاستخدام القوة لقمع المظاهرات في عام 63، وفي البداية كان الشاه يريد اعدام اية الله الخميني، لكنه تراجع عن ذلك، وقرر نفيه خارج البلاد اولاً إلى تركيا ثم إلى العراق.
وعلى الرغم من تسليم الغرب وخاصة الولايات المتحدة بحقيقة اضطلاع الشاه بدور الشرطي في منطقة الخليج، فان الشاه لم يكن ألعوبة ولا مخلبا للولايات المتحدة، وكانت واشنطن ولندن تحضانه على تطوير مملكة ديموقراطية.
أسرار بعد الوفاة
ولم تكن الحقائق الاساسية حول صحة الشاه معروفة سوى الى وقت قصير قبل ان تنشر الامبراطورة فرح بهلوي مذكراتها تحت عنوان «الحب الخالد» عام 2004 وحينها فقط كشفت عن الحقيقة الكاملة لمرض الشاه، واشارت فرح بهلوي إلى رسالتين كتبهما الدكتور جورج فلاندرين إلى البروفيسور جين بيرنارد، وهما الفرنسيان اللذان كانا يشرفان على علاج الشاه، وقد واصل فلاندرين مهمته حتى وفاة الشاه، وقد كتبت الرسالتان في عام 1987 وتتضمنان تفاصيل تاريخ الحالة الصحية له.
وفي عام 1974 اتصل مستشار الشاه الدكتور عباس سافافيان ببيرنارد في باريس يطلب منه القدوم إلى طهران. وكان بيرنارد يعمل مديرا لمعهد بحوث اللوكيميا في مستشفى سانت اتييان في باريس، وقد كان مختصا مميزا في أمراض الدم، وكان ايضا الطبيب الخاص للرئيس الفرنسي جورج بومبيدو، ولذلك كان سافافيان يدرك انه يمكن ان يؤتمن على اسرار مرض الشاه. وطلب سافافيان من بيرنارد وفلانردين ان يحضرا معهما أي تجهيزات ضرورية. والغى الطبيبان الفرنسيان مواعيدهما وتوجها الى طهران بعد يومين فقط، وكان ذلك في الأول من مايو 1974.
وعندما حطت طائرة ايرفرانس التي كانت تقلهما في مطار مهرباد في طهران كانت سيارتان تشغلان الاضواء الكاشفة بانتظارهما، واخذتهما الى احد المباني الحكومية، حيث كان سافافيان في استقبالهما. وكان سافافيان قد درس الطب في باريس وربطته صلة دراسة وعمل مع فلاندرين منذ ذلك الحين.
مَن المريض؟
وامام الطبيبان في فندق هيلتون طهران، وحين قابلهما سافافيان ابلغهما انهما استدعيا لإجراء فحوص طبية لوزير البلاط اسد الله علام، ولكن بيرنارد أسرّ لصديقه فلاندرين ان الامر يبدو اكبر من مرض علام. ثم التقيا علام بعد ذلك الذي اخبرهما انهما استدعيا لمعالجة الشاه.
وقد تحدث الشاه الفرنسية بطلاقة حين قابل الطبيبين لأول مرة. وكان يجلس الى جانبه رجل يرتدي الزي العسكري، وكان ذلك الرجل هو طبيبه الخاص الجنرال عيادي. وجلس الجميع حول طاولة واخذ الشاه يشرح مرضه، قائلا انه قبل عدة اشهر، اي في نهاية عام 1973، وبينما كان في جزيرة «كيش»، لاحظ وجود تجويف في ادنى الجزء الايسر من القفص الصدري وانه كان يعتقد انه تضخم في الطحال، ولدى فحصه تبين وجود مثل هذا التضخم فعلا، لكن ليس هناك تصخم في الغدد. وكان الشاه آنذاك في الخامسة والخمسين من عمره.
وأخذ الطبيبان عينات، فتبين ان الشاه مصاب بسرطان الغدد اللمفاوية، وحين ابلغ الجنرال عيادي، قال ان كلمة «لوكيميا» تحديدا يجب عدم استخدامها، وأصر على ابلاغ الشاه بأن كل شيء على ما يرام.، لكن الطبيبين الفرنسيين لم يرق لهما هذا الطرح، لاسيما انهما سوف يبدآن العلاج ولا يمكن القيام بذلك دون شرح الأمر للشاه.
ولم تكن حالة الشاه في هذه المرحلة المبكرة من المرض تدعو الى القلق، فقرر الطبيبان الاحتفاظ بتوصياتهما العملية لحين عودتهما من السفر الى باريس وظهورجميع نتائج التحاليل الطبية. وحين ظهرت هذه التحاليل، اختارا اطلاق اسم مرض والدنستروم WALDENSTROM'S DISEASE على مرض الشاه، رغم ادراكهما عدم دقة التسمية.
وكانت لدى الطبيبين انطباعات مختلفة لدى مغادرتهما القصر الامبراطوري لاول مرة، اذ كان بيرنارد يعتقد ان الايرانيين سوف يستبدلوهما بأطباء اميركيين ولكن ذلك لم يحدث، لرغبة الشاه في عدم اطلاع الاميركيين على وضعه الصحي لما قد يترتب على ذلك من تبعات سياسية، وينطبق الشيء ذاته على البريطانيين، وتبين للطبيبين الفرنسيين ان كل شيء جرى ترتيبه بين الشاه وعلام لضمان اقصى درجات السرية.
5 أشخاص
في البداية، لم يكن يعلم بمرض الشاه سوى خمسة أشخاص: الطبيبان الفرنسيان والجنرال عيادي والشاه وأسد الله علام. ولم يكن في بال سافافيان الدخول في منافسة مع علام، لكن الطبيبين الفرنسيين أصرّا على عدم مواصلة علاج الشاه إلا إذا بقي سافافيان في الصورة. وفي مايو 1974، أبلغاه بالطبيعة الحقيقية لمرض الشاه، لكنهما لم يرغبا في الحديث عن الأمر عبر الهاتف، ولذلك قابلاه في المستشفى الأميركي في باريس، مما جعل عدد العارفين بمرض الشاه يصبح ستة.
فتحاليل الدم أجريت في باريس باسم أحد أقارب فلاندرين، وحين نقل الطبيبان النتائج إلى سافافيان، لم يسمعا منه شيئا حتى سبتمبر 1974. ثم طُلب منهما العودة إلى طهران في الثامن عشر من سبتمبر. ومن المفارقات أن الشاه وزوجته كانا في زيارة رسمية لفرنسا خلال الفترة من 24 ــ 29 يونيو بدعوة من الرئيس المنتخب حديثا، فاليري جيسكار ديستان، لكن لم يجر الشاه أي اتصال بأطبائه أثناء وجوده في باريس.
وعند الزيارة الثانية للطبيبين الفرنسيين إلى طهران في سبتمبر، انضم طبيب يدعى ميليز إلى الدائرة الضيقة التي تعرف بحقيقة مرض الشاه. واعتقد سافافيان ان من المنطقي اشراك ميليز خاصة انه سبق وان عالج كلاً من الرئيس شارل ديغول واحد الملوك السعوديين وكان ثمة شعور انه سوف يحفظ السر، والآن، أصبح سبعة أشخاص، إضافة إلى شخص ثامن يعرف أن الأطباء الفرنسيين يقومون على علاج شاه إيران لكنه لا يعرف طبيعة المرض.
سر حتى على الشاه!
والتقى كل من بيرنارد وفلاندرين وميليز وسافافيان جميعا في القصر الامبراطوري بعد الاستشارة الثانية لبحث كيفية التعامل مع حالة الشاه، واصر سافافيان على ابقاء كل شيء ضمن اقصى درجات السرية حتى عن الشاه في بعض الحالات، وكان يخشى ان يتحدث الشاه عن مرضه لبعض أركان حاشيته. ومن الناحية الطبية، كان الشاه لا يزال في وضع ممتاز، لكن الطحال زاد تضخما وقرر الأطباء، البدء بالعلاج الكلاسيكي لسرطان الغدد اللمفاوية واجراء فحص للدم شهريا.
وبعد مغادرة الطبيبين الفرنسيين، تلقى الشاه العلاج لأسبوع واحد قبل أن يأمر عيادي بإجراء فحص الدم، ولكن مدة أسبوع كانت قصيرة جدا، فأظهر الفحص انخفاضا كبيرا في عدد كريات الدم البيضاء، فسادت حالة من الذعر وأوقف العلاج، ونتيجة لذلك استدعي الطبيبان الفرنسيان لرؤية الشاه للمرة الثالثة. وكان ذلك في الثامن عشر من يناير 1975. وتم اللقاء في زيورخ حيث كان الشاه في رحلة تزلج، وحينها فقط عرف الطبيبان أن الشاه لا يتلقى العلاج. وتمت هذه الاستشارة بحضور عيادي وسافافيان وميليز وبيرنارد وفلاندرين. وشعر الأخير بالخوف الشديد لتطور صحة الشاه وتم الاتفاق على مواصلة العلاج بدواء CHLORAMBUCIL الذي وصف له منذ البداية، وفي الجانب الإيراني، شرح كل من عبادي وسافافيان انه لا سبيل لمواصلة إجراء فحوص الدم في طهران بشكل منتظم والحفاظ على سرية الأمر وطلب من فلاندرين العودة إلى زيورخ لاجراء فحص جديد لدم الشاه لانه سيبقى هناك لشهر آخر، ثم عاد فلاندرين إلى طهران يوم التاسع عشر من فبراير وظل يفعل ذلك بانتظام بعد ذلك، بصحبة بيرنارد حينا ووحيدا حينا آخر، وكانت رحلة فلاندرين الاخيرة إلى طهران في نهاية شهر ديسمبر 1978.
المرض يتطور
وخلال الفترة من يناير حتى ديسمبر 1975 عاد طحال الشاه إلى حجمه الطبيعي، وعلى الرغم من هذا التحسن استمر العلاج بالجرعات ذاتها، وفي فبراير 1976، فوجئ فلاندرين بعودة تضخم طحال الشاه وبرؤية خلايا غير طبيعية في دمه، الأمر الذي دفعه للاعتقاد بانه المرض قد انتشر وان الحاجة اصبحت تستدعي الآن علاجاً مكثفاً، ثم تبين بعد ذلك ان الأمر لم يعد كونه انذاراً كاذباً، وكان قد تم الاتفاق منذ البداية على عدم استخدام الاسم الحقيقي للدواء CHLORAMBUCIL وكان يتم وضع الدواء بصناديق دواء اخرى هو QUINERCYL وكان فلاندرين يشتري الدواء من باريس ويحضره إلى طهران على انه QUINERCYL.
عبء ثقيل
وكانت ضرورة الحفاظ على السرية تضع عبئاً ثقيلاً على سافافيان تحديدا لانه كان الايراني الوحيد ــ على العكس من علام وعيادي ــ الذي يعرف حقيقة مرض الشاه، وبدا واضحاً له انه سيتعرض للتوبيخ من عائلة الشاه أو الشعب الايراني لعدم كشفه الحقيقة، وكان يدرك ان التكتم قد تكون له انعكاسات سياسية، فبعد ان ناقش المسألة مع الطبيبين الفرنسيين اكثر من مرة، قرروا ضرورة ابلاغ زوجة المريض، فقد كان الاطباء الذين خشوا من تدهور حالته الصحية، يريدون ان تعرف الملكة بالحقيقة حتى تكون مستعدة نفسيا، للتدهور الحتمي المتوقع في صحة الشاه، وقبل ذلك، حاولوا اقناع الشاه ان يتولى هو بنفسه أمر ابلاغ زوجته، ولكنه كان يتفادى بحث هذه المسألة في كل مرة، ولذلك قرر الاطباء ان يقوموا بابلاغها بشكل سري، والتقى بيرنارد وميليز وسافافيان وكلاندرين مع الملكة في باريس وابلغوها بالحقيقة، وبالطبع، كان وقع الأمر صعبا عليها، لا سيما وان زوجها يبدو بصحة جيدة، لكنه في الواقع مصاب بمرض خطير في الدم وبالاضافة إلى ذلك كان زوجها يعرف حقيقة مرضه واختار عدم ابلاغها بشيء.
الزوجة تعرف
والأصعب بالنسبة للملكة، هو ابلاغ زوجها انها الآن تعرف الحقيقة كاملة، وتم الاتفاق ان السبيل الوحيد لها هو ان تطلب الاذن من الشاه للحديث رسميا إلى الطبيبين الفرنسيين دون ان تكشف له انها قابلتهما سرا بالفعل وقد حصلت على ذلك الاذن، وحتى عاد الطبيبان إلى طهران دعيا لمقابلة الملكة بمعرفة الشاه، وهكذا، اصبح هناك شخص اضافي يعرف سر مرض الشاه، ولم تقتصر الدائرة على هؤلاء الأشخاص بعد أكتوبر 79 حين ساءت الحالة الصحية للشاه، بينما كان في جزر البهاما ثم المكسيك
وقبل أن يتوجه إلى نيويورك.
وقد قابلت سافافيان عام 2005 مرتين كي يتحدث لي عن مرض الشاه، وكان من اللافت أن يحتفظ سافافيان وبيرنارد وفلاندرين بثقة الشاه والملكة طوال الوقت، على الرغم من الظروف غير العادية التي عملوا خلالها.
وزعم طبيب أميركي يدعى بنيامين كين الذي انضم إلى فريق العلاج لاحقا، أن الشاه رفض طلبات الأطباء المتكررة فحص عينات من الدم عام 74 وهددهم باستبعادهم والاتيان بأطباء آخرين، ولكن الطبيبين الفرنسيين ينفيان هذه المزاعم، ويؤكدان ان علاقة الشاه بأطبائه كانت رسمية ويسودها الأدب والاحترام، وأنه لم يتحدث أبدا مع الاطباء بهذه الطريقة الفظة.
الشاه كان يخطط للبقاء في السلطة حتى 1983
فرح ديبا تضع الزهور على قبر زوجها الشاه
تجاهل وضعه الصحي
أما ما مدى ادراك الشاه لخطورة وضعه الصحي؟، ذلك ترويه زوجته على لسانه أثناء حديث له مع الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان: «مشكلتي أنه ليس لدي متسع من الوقت، فأنا لن أمكث في السلطة طويلا، وأنوي المغادرة خلال 7 أو 8 سنوات حيث سأناهز الستين وافضل الرحيل في وقت مبكر، لكن ابني ما زال صغيرا، وسوف أنتظر حتى يكبر ويكون مستعدا لتسلم السلطة وأريد تهيئة الأمور الأساسية له قبل أن يتولى الحكم، فهو سيواجه الكثير من الصعاب في البداية، وان تغيير إيران مهمة منوطة بي وأنا عازم على ذلك».
ولم تكن التنبؤات الطبية لتتناسب مع خطط الشاه البقاء في السلطة حتى عام 82 ــ 1983 لتسليم السلطة لابنه، ولكنه تجاهل كل ما سمعه عن حالته الصحية، وقالت الملكة إنها لم تعرف قط مدى علم الشاه بوضعه الصحي في ذلك الوقت.
وفي أوقات مختلفة، حاول بيرنارد مناقشة الشاه في وضعه الصحي واحتمالات تطوره، ولكنه أدلى بتصريح في قصره الصيفي في عام 78 تبين منه أنه أصبح مدركا لوضعه الصحي تماما. وكان ابنه في ذلك الوقت يتدرب في كلية أميركية للطيران، فقال الشاه لفلاندرين: «إنني أطلب منكم مساعدتي في الحفاظ على صحتي لمدة عامين فقط، حتى يكمل ولي العهد دراسته في عام ويمضي عاما آخر في طهران».
الإصلاح تأخر طويلاً
في عام 2005 أجريت حواراً مطولا مع فرح بهلوي التي قالت ان الشاه حين أدرك حتمية تدهور حالته الصحية، بدأ إعداد البلاد لتولي ابنه السلطة واجراء اصلاحات ديموقراطية. لكن هذه المهمة لم تكن بالأمر السهل على شاب حديث العهد بالحكم. وكان من الأسهل كثيرا على الشاه نفسه الاضطلاع بهذه المهمة. ولو كان وزير الخارجية الأميركي سايروس فانس وانا بصفتي وزير خارجية بريطانيا علمنا بحقيقة مرض الشاه، حين كنا في طهران في 14 مايو 1977 لحضور مؤتمر لمؤتمر الامن والتعاون الاوروبي لاقترحنا عملية البدء بعملية الاصلاح الديموقراطي الاوروبي بهدف خلق ملكية دستورية يرثها ابنه، وكنت سأنصحه باعتماد تجربة اسبانيا، حيث عيّن الجنرال فرانكو الملك خوان كارلوس ملكاً لملكية دستورية اصبحت ذات ديموقراطية حقيقية. وكان يمكن تكرار التجربة في ايران ايضاً. ولكن كان يتعين على الولايات المتحدة وبريطانيا اقناعه بوضع جدول زمني للانتقال الى الملكية الدستورية بسبب مرضه. لقد كان ذلك امراً ممكناً ومن دواعي المأساة انه لم يحدث.
ومنذ نوفمبر 1973، حين علم الشاه لأول مرة بتضخم الكبد لديه، فكر بتشكيل مجلس وصاية يضع السلطة بكاملها في يدي زوجته الى حين يكبر ابنه لتولي العرش. وفي عام 77-78 حين تفاقمت الاضطرابات الداخلية، كان يتعين على الشاه أن يعلن صراحة انه بحاجة الى الخروج لمقابلة طبيب مختص، حتى لو كان ذلك يعني المبالغة في خطورة مرضه. وكان عليه تشكيل مجلس وصاية ذي سلطات حقيقية ويعهد اليه مباشرة الاصلاح السياسي، فغيابه كان سيخلق مناخاً سياسياً مختلفاً يؤدي الى انتقال سلمي الى الملكية الدستورية.
الشارع يشتعل
ولكن على العكس من ذلك، ظل مرض الشاه سراً ولم يناقشه الحلفاء الغربيون الذين اجتمعوا في طهران عام 77، بل انهم لم يعلموا عنه شيئاً على الرغم من مقابلة وزراء الخارجية للشاه على مائدة عشاء فاخرة اقامها لهم.
لقد تسارعت الاحداث بشكل دراماتيكي في عام 78 حين اندلعت تظاهرات احتجاجية في مدينة قم سقط فيها عدد من المتظاهرين مما اشعل الوضع الداخلي اكثر فأكثر، وامتدت الاضطرابات الى مناطق اخرى مثل تبريز وطهران وغيرها، وتواصلت الاضطرابات حتى مايو 79. وفي يونيو عزل الشاه رئيس جهاز «سافاك» الجنرال نعمة الله ناصري.
وفي اواخر يوليو، وصلت الاضطرابات الى مدينة مشهد، واعلنت الاحكام العرفية في اصفهان في شهر اغسطس. ووعد الشاه بمزيد من الخطوات الاصلاحية وبان الانتخابات البرلمانية الجديدة في يونيو 79 ستكون حرة تماماً ووعد باطلاق حرية التعبير. ولكن قليلين هم الذين وثقوا بوعود الشاه.
ولو كانت الحكومات الغربية تعلم بمرض الشاه لمارست عليه المزيد من الضغوط للتنحي عن السلطة، ولكن دون هذه الضغوط فانه لن يفعل. وبالعكس، فقد كانت الحكومة البريطانية تزوده بالغاز المسيل للدموع لمواجهة التظاهرات الشعبية على الرغم من معارضة السفير البريطاني في طهران آنذاك وليام سوليفان وعارضت ذلك وزارة الخارجية الاميركية، لكن مستشار كارتر لشؤون الامن القومي زبغنيو بريجنسكي، دعم الفكرة.
انسحاب الطبيب الخاص
ومع تدهور الازمة السياسية في ايران، والمسؤولية التي كانت ملقاة على عاتق الاطباء الذين يعرفون وحدهم سر مرض الشاه ازاء وضع الحكومات الغربية في صورة الوضع؟ فقد كانوا يدركون خطورة الوضع السياسي للشاه، وكانوا يرون الاضطرابات في شوارع طهران بأنفسهم، وزاد وضع الأطباء الفرنسيين تعقيداً بعد انسحاب عيادي كطبيب خاص للشاه، ومع اصرار الأخير على الحفاظ على سرية مرضه.
شعور باليأس.. وتوتر
وقام فلاندرين بآخر رحلة الى طهران في ديسمبر 1978، وكان قد زار الشاه 39 مرة منها 35 مرة داخل إيران. وكانت قد بدأت تظهر على الشاه بوادر التوتر المصحوب بالشعور باليأس، فلم يكن يستطيع التوقف عن الاستماع الى الراديو حتى أثناء الفحوصات الطبية التي كان يجريها له فلاندرين.
هل كان ينبغي لأطباء الشاه في هذه المرحلة المتأخرة، ان يشيروا عليه ان يكشف حقيقة مرضه لأبناء الشعب الإيراني؟ وهل كان ينبغي للطبيبين الفرنسيين إبقاء أمر مرض الشاه سرا على الرئيس جيسكار ديستان؟ فالمخاطر السياسية التي تتعرض لها إيران، عالية جدا، ولكن ليس من المألوف ان يتصرف طبيبان حرفيان كسياسيين. لقد ركزا على ما هو جيد (أو غير جيد) لمريضهما، وكان من غير الانصاف ان يطلب منهما موازنة الأمور من الزواية السياسية.
لم يكن بوسع الأطباء الإيرانيين أن يفعلوا شيئا، لكن الوضع مختلف بالنسبة للطبيبين الفرنسيين. فقد ابلغني فلاندرين انه لم يبلغ حكومته، ولا أعرف ان كان البروفيسور بيرنارد أو البروفيسور ميليز قد أوصلا المعلومة الى الرئيس ديستان أم لا؟ وفي كل الأحوال، كان الوضع معقدا أكثر مما لو كانت الحالة في لندن أو واشنطن. وكان يبدو أن باريس تعوّل على الشاه وان كانت تجري اتصالات وثيقة مع الخميني الذي كان يعيش في باريس في ذلك الوقت. وربما جعل ذلك من غير الواضح للطبيبين الفرنسيين انه من مصلحة فرنسا القومية أن يبلغا الرئيس ديستان حول مرض الشاه.
وقد كتب وليام شوكروس في رائعته بعنوان «رحلة الشاه الأخيرة» يقول ان أطباء الشاه كانوا مقتنعين أن المخابرات الفرنسية لم تكن تعلم بمرض الشاه، وبالفعل، لم تكن المخابرات الفرنسية ولا الأميركية تعلم بمرض الشاه. ووفقا لما ذكره شوكروس في كتابه، فإن «الموساد» و«السافاك» والمخابرات البريطانية لم تكن جميعها تعلم بمرض الشاه.
مجرد إشاعة!
وكان دبلوماسي سوفيتي قد حذر نظيره الأميركي الذي كان كثيرا ما يتناول معه طعام العشاء في أحد مطاعم طهران، من أن الشاه مصاب بالسرطان، لكنه اعتبر الأمر مجرد إشاعة سوفيتية، وقد أظهرت سجلات المخابرات السوفيتية (كي. جي. بي) التي كشف النقاب عنها في عهد يلتسين، انها لم تتأكد من هذه الإشاعة. ولم يذكر لي وزير الخارجية السوفيتي اندريه غروميكو حين التقيته وناقشت معه الوضع الإيراني في أواخر عام 78، أي شيء عن مرض الشاه. وليست هناك أي سجلات رسمية تؤكد ان مخابرات ألمانيا الشرقية، كانت على علم بمرضه. ولو كانت مخابرات ألمانيا الغربية تعلم لابلغت لندن وواشنطن بذلك.
لكن في لندن في اواخر عام 79، ابلغني وزير خارجية فرنسا لويس غيرنغاد، وحين لم يكن اي منا في السلطة، انه كشف لي عن مرض الشاه قبل عام مضى، ولكني نفيت ذلك واكدت له انه خاطئ في ذلك، فلا يمكن لطبيب ان تمر عليه مثل هذه المعلومة وينساها، ولكن لماذا يزعم غيرنغاد ان حكومته كانت على علم بمرض الشاه مع حلول صيف 1978؟ لقد كان هذا الرجل صادقاً وربطتني به علاقة صداقة جيدة.
ومن المثير ان يذكر السفير البريطاني الاسبق في طهران سير دينيس راتب في مقابلة مع «بي.بي.سي» بعد تقاعده ان سفيراً فرنسيا سابقاً في موسكو ذكر له انه سمع ان الشاه يعاني من مرض خطير، ويقول راتب انه زار الشاه مباشرة بعد سماع هذه الاخبار ولم يجد ما يثبت مرض الشاه.
وبعد وقت طويل من توليه الرئاسة، سئل ديستان في احدى المناسبات عما اذا كان يعلم شيئاً عن صحة الشاه، اقر انه علم «بطريقة غير مباشرة» ولذلك، من الممكن ان يكون الرئيس ووزير الخارجية قد علما ولكنهما لم يبلغا اجهزة الامن الفرنسية، لشكهما بامكانية تسرب المعلومات الى اجهزة الامن الاميركية والبريطانية.
وانا اعتقد ان ديستان كان يعلم وربما يفسر ذلك سبب سماحه لآية الله الخميني بالاقامة في باريس اثناء الازمة الايرانية، وكان جهاز المخابرات الفرنسية شديد الاستياء لتجاهله، ولكن في النهاية، اشك كثيرا في ان فرنسا قد جنت الكثير من الناحية الاقتصادية او السياسية جراء استضافة الخميني في باريس.
المرض.. وأفول الشاه
في السادس عشر من يناير 79، غادر الشاه طهران متوجهاً الى القاهرة لمقابلة الرئيس أنور السادات ثم اتجه الى المغرب، وساءت حالته الصحية اكثر فأكثر، والتقى الدكتور فلاندرين مرتين، وكان لديه اقتناع عند مغادرته انه قادر على ادارة امور البلاد من الخارج، لكن الحقيقة انه فقد العرش ولم يتمكن من استعادته بعد ذلك ابداً، فقد توافقت مجموعة قوى من الملالي والمثقفين والتجار على اطاحته، كما فعلت كثيراً مع اسلافه من سلالة قاجار QAJAR، ولكنه لم يستوعب دروس التاريخ، والاهم من ذلك انه قلل من شأن نفوذ الملالي، كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولكن السؤال الذي يظل مطروحاً هو ما مدى اسهام مرض الشاه في افول نجمه مقارنة بشخصيته وسياساته؟
يستبعد فلاتدرين ان يكون لمرض الشاه تأثير في ضعف شخصيته وتردده في اتخاذ القرارات، كما يعتقد عدم وجود تأثير كبير لمرض الشاه على القرارات التي اتخذها خلال سنوات حكمه الاخيرة.
لم يكن للمرض أثر في بطء إدراك الشاه لخطورة تطور الأحداث بالشكل الدراماتيكي الذي حدثت فيه.
ولكن تطور مرض الشاه إلى السرطان في الغدد اللمفاوية لابد أن يكون له تأثير على قدرة الشاه على اتخاذ القرار. فالقصة الحقيقية للشاه في جوهرها هي إجهاد وسرطان، أخذ كل منهما يغذي الآخر.
وكان وزير الخارجية الأميركي سايروس فانس قد أوصى في مارس 79 وحين كان الشاه في المنفى، أوصى الرئيس كارتر برفض أي طلب للشاه للقدوم إلى الولايات المتحدة، وقدم التوصية ذاتها لرئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان.
وفي نهاية 79 اصيب الشاه بتورم في الغدة في رقبته، فطار الدكتور فلاندرين لرؤيته فتبين له أن صحة الشاه قد تدهورت كثيرا فأوصى بالعلاج المكثف، ومع ذلك ما زال الشاه يفضل ابقاء أمر مرضه سرا.
استئصال المرارة
وفي أغسطس 79، طار فلاندرين إلى المكسيك التي لجأ إليها الشاه مع عائلته بعد انتهاء تأشيرته إلى الباهاما ورفض تجديدها، من أجل علاجه، فوجد تراجعا كبيرا في عدد كريات الدم البيضاء، فقرر تقليل جرعات العلاج الكيماوي. وفي سبتمبر استدعى الطبيب الأميركي بنجامين كين لعلاجه من وعكة كان يعتقد أنها الملاريا، فوصل إلى المكسيك في التاسع والعشرين من سبتمبر، ووصل فلاندرين من باريس، وعاين الرجلان الشاه معا. فبدأ بينهما صراع على من يقرر في شأن صحة الشاه
أي علاقة بين السياسة والطب والسياسيين
والأطباء؟
يقدم كتاب «المرض والسلطة» لمؤلفه وزير
الخارجية البريطاني الأسبق اللورد ديفيد
أوين دراسة
للمرض وأثره في رؤساء الدول. وينظر في كيفية
تأثير المرض والعلاج البدني والنفسي، في
عملية إدارة الحكم وفي اتخاذ القرارات التي
قد تقود إلى التصرفات الحمقاء أو الغبية أو
الطائشة.
ويهتم الكاتب بصفة خاصة بالزعماء الذين لا
يعانون من المرض بالمعنى العادي، ومن تعمل
وظائفهم الإدراكية بصورة جيدة، ولكنهم
أصيبوا بما يطلق عليه «متلازمة الغطرسة»،
التي أثرت في أدائهم وتصرفاتهم. ومثل هؤلاء
الزعماء يعانون من فقدان القدرة والوثوق
المفرط في النفس، وازدراء النصيحة والمشورة
التي تتعارض وما يعتقدونه، بل وحتى رفض أي
نصيحة مهما كانت.
ولقد ظل الدكتور ديفيد اوين ومنذ فترة طويلة
يهتم بالعلاقة المتبادلة بين السياسة والطب،
وهو يستخدم في الكتاب معرفته الواسعة في
المجالين للنظر في المرض ضمن حالات مختلفة في
حياة السياسيين، وما إذا كان من الممكن حماية
المجتمعات من مرض زعمائها!
لقد فتنتني العلاقة بين السياسيين والاطباء
وبين السياسة والطب، طوال حياتي. وما من شك في
ان خلفيتي كطبيب وكسياسي غذّت اهتمامي، واثرت
في وجهة نظري. لقد كنت مهتماً، بشكل خاص، في
تأثير مرض رؤساء الدول على مسار التاريخ. فمثل
هذه الامراض، اثارت الكثير من المسائل المهمة
مثل تأثيرها في عملية اتخاذ القرار والخطر
الناجم عن التكتم على مرض الزعيم وصعوبة
ازاحة المسؤولين المرضى عن السلطة في كل من
الانظمة الديموقراطية والدكتاتورية،
والمسؤوليات المترتبة على الاطباء المعالجين
للزعماء المرضى. فهل يكون ولاؤهم مقتصراً على
المريض فحسب، كما هي الحال في المعتاد؟ أم ان
عليهم الالتزام بأخذ الصحة السياسية
لبلدانهم بعين الاعتبار؟
وعلى مدى أجيال، مارس افراد من عائلتي الطب،
أو عملوا في مهن لها صلة به، وكثيرون منهم
ايضاً، مارسوا العمل السياسي على مستوى محلي
بشكل اساسي، وبعضهم انخرط في الطب والسياسة
معاً.
اللورد ديفيد اوين
- تولى منصب وزير الخارجية في حكومة رئيس
الوزراء البريطاني جيمس كالاهان في سبعينات
القرن الماضي.
- شارك في تأسيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي
وتولى زعامته في وقت لاحق. وهو الآن عضو في
مجلس اللوردات.
- ظل لفترة طويلة يهتم بأثر الصحة في رؤساء
الحكومات.
- لدى اللورد اوين العديد من المؤلفات في
المجال السياسي مثل «أوديسا البلقان»
و«متلازمة الغطرسة» وغيرهما.
الطب والسياسة
وربما يكون هذا هو السبب الذي جعلني ارى من
الطبيعي ان يلعب الطب والسياسة دور الشريك
الطبيعي في الحياة العامة. وعلى الرغم من
طغيان السياسة على الطب لدي احياناً، فإن حبي
للسياسة لم يفتر ابداً. وحين شغلت منصب وزير
الخارجية، كنت اصف نفسي في الوثائق الرسمية
بـ«الممارس الطبي» وكأني لا اجد في وظيفتي
السياسية الا كونها مؤقتة، بل انني لم آخذ
السياسة ابداً كمهنة، وكنت اخوض الانتخابات
تلو الانتخابات. وفي كل مرة لم اكن واثقاً
انني سوف اترشح في الانتخابات التالية،
ولكنني في النهاية، مكثت عضوا في مجلس العموم
لمدة 26 عاماً، وكانت الاطول من بين كل زملائي
النواب.
البداية
وقد بدأت حياتي كمزيج من الطب والسياسة، حين
ترشحت لاول مرة للانتخابات البرلمانية عام 1962
وانا طبيب مبتدئ في مستشفى سانت توماس على نهر
التايمز مقابل قصر ويسمنستر في لندن. وكان
الطب - بشكل أو بآخر - هو الذي ادخلني عالم
السياسة. ففي عام 1959، وحين كنت طالباً في كلية
الطب، انخرطت في حزب العمال بسبب الفقر ونقص
المساكن في جنوب لندن، وهي المنطقة التي
يخدمها مستشفى سانت توماس. وبعد تخرجي عام 1962،
طلب مني الحزب خوض الانتخابات في منطقة ريفية
كبرى، ومازلت اشعر بالحيرة حتى الآن، بقبول
فكرة الترشح، ولكني اعتقد ان السبب هو
للحيلولة دون ان اصبح منهمكاً في الطب وحده،
حيث رأيت عدداً من زملائي الذين تخرجوا
واصبحوا لا يعرفون شيئاً عن الحياة العامة
سوى الطب. لقد توقفوا عن قراءة الصحف او
الاستماع الى الاذاعة او مشاهدة التلفزيون.
وحين حان موعد المعركة الانتخابية عام 1964،
اخذت اجازة خاصة من دون مرتب لمدة ثلاثة
اسابيع ولكني لم احقق الفوز.
وحين عدت الى المستشفى ركزت على الطب وتراجع
اهتمامي بالسياسة. ثم طلب مني الترشح في
انتخابات عام 65، وكنت ادرك ان ذلك ينطوي على
احتمال الاتجاه نحو العمل السياسي، مع اني لم
اكن قد اتخذت قرارا نهائيا في هذا الشأن،
ولكني فوجئت بالفوز في عضوية البرلمان في عام
1966.
في البرلمان.. والمستشفى
وخلال العامين التاليين، بقيت اعمل في
المستشفى اضافة الى عملي البرلماني. ولم يعد
الوضع كذلك بعد تعييني وزيرا للبحرية عام 1968
بسبب تقليد مضى عليه وقت طويل لا يسمح للوزراء
بالعمل لدى اية جهة أخرى. وفي عام 1970، وبعد ان
خسر حزب العمال الانتخابات بقيت عضوا في
البرلمان وعاودت عملي الطبي، ثم عينت وزيرا
للصحة عام 1974 ولم يحدث لأي عمل قمت به او منصب
شغلته ان حقق لي هذا القدر من الرضا الذاتي
بما في ذلك شغلي حقيبة الخارجية من 77 ـ 1979،
وزعيما للحزب الديموقراطي الاجتماعي من 83 ـ
1987 ومن 88 ـ 1990 والرئاسة المشتركة للمؤتمر
الدولي حول يوغو سلافيا السابقة من 92 ـ 1995.
العلاقة السرية
لقد مارست الطب لست سنوات عموما وتعلمت
الكثير من هذه التجربة الجميلة، لقد عملت مع
مجموعة من الاطباء في شتى الاختصاصات ممن
عالجوا سياسيين بارزين وشهدت بنفسي الضغوط
والاجهاد للحياة السياسية في اطار العلاقة
السرية بين السياسي والطبيب.
لقد شاركت في علاج سياسي رفيع ادمن الكحول
وآخر عانى من الاكتئاب الشديد، وقد رأيت
بنفسي الضغوط التي عاشوا تحت تأثيرها حتى
بدأوا يتساءلون عن مدى تأثير الاجهاد على
الاصابة بالمرض. وعالجت مرضى آخرين كانوا
يعانون من الادمان على المخدرات.
وفي تلك السنوات من عملي في الطب، بدأ يتنامى
اهتمامي بمعرفة كيفية اتخاذ القرار في اعلى
مستويات الحكومة. فقد تابعت تطور ازمة
الصواريخ الكوبية عام 1962 ثم حرب فيتنام، ثم
الفت عام 72 بعد عملي في وزارة الدفاع، كتابا
حول عملية اتخاذ القرار وتعقيداتها والاخطار
المترتبة عليها.
فالكل يعرف القول المأثور للورد أكتوز بأن
«السلطة تفسد والسلطة المطلقة فساد كلي»،
وقول المؤرخة باربارة توشمان بأن القوة تولد
الحماقة.
متلازمة الغطرسة
ومدى تأثير المرض على عملية اتخاذ القرار
الحكومي هي مسألة واجهتها في كثير من
المناسبات حين اصبحت وزيرا للخارجية، وحظيت
المسألة باهتمامي منذ لك الحين. لقد كنت
مفتونا بأولئك الزعماء الذين لم يكونوا مرضى
وكانت حواسهم الادراكية تعمل بشكل جيد لكنهم
طوروا ما اصبحت اصفه بـ«متلازمة الغطرسة»،
فالتصرفات الي تنم عن غطرسة شائعة لدى رؤساء
الدول الديموقراطية وغير الديموقراطية اكثر
مما يعرف الكثيرون. وقد طورت المجتمعات
الديموقراطية، لاسيما تلك التي كانت تخضع
لانظمة سلطوية، نظاما للرقابة في محاولة
لحماية انفسهم من مثل هؤلاء القادة، ولكن
آليات تحقيق ذلك ـ كالبرلمان والحكومة
والاعلام ـ ليست فاعلة دائما.
أما تحت الأنظمة الدكتاتورية حيث لا رقابة
ديموقراطية ولا آليات داخلية للرقابة
والضبط، باستثناء الانقلاب العسكري لاطاحة
مثل هذه الأنظمة، ففي الغالب يتعذر عمل الشيء
الكثير، فقد ثبت أن التنديد والعقوبات
الدولية ليست ذات فاعلية كبيرة، كما أن
التدخل العسكري الأجنبي هناك الكثير من
علامات الاستفهام على امكانية نجاحه.
فساد السلطة
لقد كنت محظوظا للعمل في حكومة رئيس الوزراء
هارولد ويلسون ورئيس الوزراء جيمس كالاهان
اللذين لم تفسدهما السلطة، وفشل الأول في
انتخابات 1970، والثاني في انتخابات 1979. لقد
كانت تجربة قاسية. لكن السياسي في النظام
الديموقراطي هو خادم الشعب الذي يمنحه السلطة
ويسحبها منه وقتما يشاء.
خلال فترة ولايته الأولى من 64 ــ 1970، كان
ويلسون يتمتع بسلطة ممتازة على الرغم من أنه
عانى بعض المتاعب الصحية في بداية السبعينات
وهو في صفوف المعارضة. وبعد عودته إلى السلطة
عام 74، كان يعاني مشاكل في الذاكرة وتفاقمت
مشكلاته الصحية مع المشاكل السياسية
والاقتصادية التي واجهته. ففاجأ الجميع
بالتنحي عام 79. وبعد سنوات قليلة أصيب بمرض
الزهايمر مع تدهور شديد في نشاط دماغه.
وخلفه في الحكم جيمس كالاهان على الرغم من أنه
كان يكبره بعدة سنوات. وكان كالاهان قد خضع
لعملية استئصال البروستاتا عام 1972 ثم شفي
منها تماما واصبح وزيرا للخارجية عام 1974. وظل
يتمتع بصحة جيدة أثناء توليه رئاسة الحكومة
ثم خسر الانتخابات أمام مارغريت تاتشر عام
1979، لكنه خرج من «واننغ ستريت» بشرف وكرامة.
وتسنى لي كذلك، أن أتعايش عن قرب مع أربعة
رؤساء وزارات بريطانيين آخرين هم!! إدوارد هيث
ومارغريت تاتشر وجون ميجور وطوني بلير. لقد
حاولت تفحص حالات مرض رؤساء حكومات من مختلف
أنحاء العالم لمحاولة إيجاد صلة بين الحالة
الصحية لهؤلاء الزعماء والحوادث السياسية
التي ارتبطت بهم، حتى يتمكن القراء من الحكم
بأنفسهم على الترابط بين العنصرين.
العضوي والعقلي
وتتم مناقشة مرض القادة السياسيين في العلن
حين يكون عضويا، لكن الأمر يختلف حين يكون
المرض عقليا. لأن أوصاف الأمراض العقلية
كالجنون والهلوسة والغطرسة وجنون العظمة،
كلها مرتبطة بطغاة من أمثال أدولف هتلر وعيدي
أمين وماوتسي تونغ وسلوبودان ميلوسوفيتش
وروبرت موغابي وصدام حسين. من جهة وزعماء
ديموقراطيين مختلفين مثل ثيودور روزفلت
وليندون جونسون وريتشارد نيكسون ومارغريت
تاتشر وطوني بلير وجورج بوش من ناحية أخرى.
فالصحافة والرأي العام يستخدمان لغة هجرها
الطب أو عدلها أو حظر استخدامها.
فأمراض مثل الاكتئاب والأمراض العقلية تصيب
الكثير من الزعماء ولا تنقض أهليتهم لممارسة
الحكم، فمن المعروف ان حالة ابراهام لينكولن
تعتبر من اشهر حالات الاكتئاب التي لم تؤثر في
مقدرته على الحكم, وهناك القليل من الزعماء في
العالم الذين أصيبوا بالاكتتاب لفترة طويلة
مثل لينكولن، ومع ذلك رفض الأخير التنحي عن
الحكم. ففي سنوات شبابه عانى طويلا من تقلبات
مزاجه التي كانت تميل نحو الادنى، بل انه كتب
مقالة ذات يوم اعترف فيها انه فكر في
الانتحار، حتى قال انه يشعر بالسعادة بصحبة
الاخرين، ولكنه حين يكون وحيداً يشعر
بالاكتئاب لدرجة انه يخشى حمل سكين صغيرة.
ويعتبر لنكولن واحداً من اعظم الرؤساء
الاميركيين، ويبدو ان قدرته على التغلب او
التأقلم مع الاكتئاب اسهم كثيرا في تشكيل
شخصية الرئيس لينكولن، فقد وجد احد مؤلفي
الكتب حول لينكولن انه لم يكن مصابا بالجنون،
لكنه يعتقد انه من الممكن ان يكون مصابا باحد
انواع المس المعتدل. وقيل ان كلا من تيودور
روزفلت ونيكيتا خروتشوف كان مصابا به.
يرفضون التشخيص
وكلما حدث ان شخّص الاطباء اصابة احد الزعماء
بمرض عقلي، يرفض الجمهور تصديق هذا التشخيص
لا سيما اذا كان يتعلق بزعماء اصبحوا ابطالاً
قوميين. وزعم ثلاثة اطباء في وثيقة نشرت
مؤخراً ان الرئيسين تيودور روزفلت وليندون
جونسون كانا يعانيان من تقلب المزاج بين
الحالة القصوى من الفرح والاكتئاب الشديد
اثناء فترة رئاستهما، والمثير في الامر ان
الرأي العام يبدو مستعدا لقبول ان يكون بطله
القومي يعاني من الاكتئاب، لكنهم اقل ميلا
لاعتبار ذلك مرضا عقليا. لقد قيل على سبيل
المثال ان وينستون تشرتشل كان مصابا بهذه
الحالة ايضا، ولا احد ينكر انه كان يصاب
بنوبات عميقة من الاكتئاب كان هو نفسه يطلق
عليها مزاج «الكلب الاسود» لكن هناك رفض
للاقرار بكون الغطرسة حالة مرضية.
لقد فتن الكثير من كتاب المسرح بموضوع غطرسة
الحكام، لانه يوفر لهم الفرصة لسبر اغوار
الشخصية الانسانية من خلال الدراما المتوترة.
وكان شكسبير ابرز من ابدع في هذا المجال.
وربما يتوقع الناس او يريدون من زعمائهم ان
يكونوا مختلفين عن المألوف، وان يتمتعوا
بطاقة غير عادية والعمل لساعات اطول، وان
يتمتعوا بدرجة عالية من الثقة بالنفس، اي
باختصار التصرف بطريقة يعتبرها مهنيو الطب،
ضربا من الجنون. وهكذا فطالما يحاول القادة
انجاز ما يريد الجمهور انجازه، فان هذا
الجمهور لن يقبل ان يوصف قادته بالجنون او
الاضطراب العقلي، ولكن حتى يفقد هؤلاء
الزعماء تأييد الرأي العام، يصبح الامر
مختلفا تماماً فيصبح الرأي العام مستعدا
لاستخدام كلمات كانوا يستنكرون استخدام رجال
الطب لها.
الجمهور والطب والزعيم
ولم يعد الطب يتحدث عن «جنون العظمة» كمرض،
ومع ذلك يبدو لي انه لامر مشروع ان يستخدم
الجمهور هذه الكلمة. لقد اتهمت انا نفسي، من
احد الصحافيين بأنني مصاب بشكل من اشكال جنون
العظمة لانني رفضت اندماج حزبي الديموقراطي
الاجتماعي مع حزب العمال عام 1987 لانه كان
يعتقد انني ارتكب بذلك حماقة ناتجة عن اضطراب
عقلي اصابني في وقت ما، ولكن اذا كان الطب
توقف عن استخدام مصطلحات مثل «جنون العظمة»
فهذا لا يعني حظر استخدامها على الجمهور، فقد
يكون جنون العظمة خطيرا بالنسبة للسياسيين،
لاسيما اذا مورس على نحو متغطرس، وقد يكون
موضوعا جيدا للدراسة ضمن مهنة الطب، فالغطرسة
لم تعد مصطلحا طبيا.
فقدان الأهلية
وبالنسبة لي، فان ما يعنيني لدى مراقبة
الزعماء السياسيين هو الغطرسة باعتبارها
شكلا من اشكال فقدان الأهلية، وهذه حالة
مألوفة جدا في عمل القادة السياسيين الذين
يجعلهم نجاحهم يشعرون بثقة مفرطة ويزدرون
نصائح الآخرين التي تتعارض مع ما يؤمنون به،
بل واحيانا يقللون من شأن أي نصيحة مهما كانت،
او اولئك الذين يتصرفون بطريقة تتجافى مع
الحقيقة ذاتها.
لقد اردت استكشاف ما اذا كان السلوك المتغطرس
من هذا النوع من القادة السياسيين يمكن ربطه
بانماط معينة من الشخصية التي تجعله ميالا
للتصرف على نحو متغطرس، وما اذا كان هذا النوع
من الشخصية يخلق ميلا لدى هؤلاء السياسيين
للتصرف بالشكل الذي يتصرفون به، والأكثر
اثارة للاهتمام هو ما اذا كان بالامكان ان
يبدأ بعض القادة السياسيين الذين ليس لديهم
مثل هذا النوع من الشخصية، بالتصرف بشكل
متغطرس - ببساطة - لانهم اصبحوا في سدة الحكم.
بمعنى آخر، هل يمكن لتجربة السلطة بحد ذاتها
ان تحدث تغيرات في الحالة الذهنية للحاكم
تدفعه للسلوك المتعجرف؟
اعتقد انه سيكون من المفيد ان نطلق على ذلك،
متلازمة الغطرسة، التي تؤثر في سلوك من هم في
سدة الحكم.
متى يكون الزعيم متغطرسا؟
وعادة ما تزداد قوة الاعراض السلوكية التي قد
تثير تشخيص متلازمة الغطرسة بازدياد طول فترة
بقاء الحاكم في السلطة، وفي اعتقادي، اننا
حتى نحكم على هذا الحاكم او ذلك انه مصاب
بمتلازمة الغطرسة، فينبغي ان تظهر عليه 3 - 4
اعراض من قائمة الاعراض التالية:
* الميل لرؤية العالم كساحة يمكنهم ممارسة
السلطة فيه والسعي نحو المجد وليس مكانا يعج
بالمشكلات التي تحتاج الى حل بطريقة
براغماتية وبعيدة عن الانانية.
* الميل الفطري لاتخاذ خطوات تجمّل صورته.
* الاهتمام المفرط بصورته وطريقة عرض نفسه على
الجمهور.
* الطريقة التبشيرية في الحديث عما يفعله
والميل نحو تمجيد الذات.
* الصاق النفس بالدولة لدرجة اعتبار الامرين
متطابقين (انا الدولة والدولة انا).
* الرغبة في الحديث عن النفس بلفظ الجمع (نحن).
* الثقة المفرطة بالنفس وبالقدرة على الحكم
على الاشياء وازدراء نصائح وانتقادات
الآخرين.
< المبالغة في الشعور بالقدرة على الانجاز
الشخصي.
< الايمان بانه ليس محاسباً امام القوانين او
الرأي العام، بل امام الله والتاريخ.
< ايمان لا يتزعزع بأن حكم الله والتاريخ
سينصفه.
< عزم لا يلين وتهوّر ودافع قوي.
< انقطاع صلته تماما بالواقع، الذي يكون
مترافقا في العادة بالعزلة المتزايدة عن
العالم.
< الميل لجعل رؤاهم العامة او قناعاتهم ولا
سيما المتعلق منها بالاستقامة الاخلاقية او
اساليب العمل، تلغي البحث عن الجوانب الاخرى
لها كالخصوصية والكلفة وامكانية حدوث نتائج
غير مرغوب فيها، والرفض المطلق لتغيير مثل
هذه القناعات.
< الاتصاف بما يشبه العجز في تنفيذ السياسات،
وهو ما يمكن ان يطلق عليه «العجرفة العاجزة»
اي اتجاه الامور نحو الخطأ بسبب الثقة
الزائدة للقائد بنفسه تحديداً، واحجامه عن
مناقشة ايجابيات وسلبيات هذه السياسات.
مرض سلطة
وتبدأ معظم المتلازمات، متلازمات الشخصية،
بالظهور عند الناس في العادة في الثامنة عشرة
وتمكث معهم حتى نهاية العمر، وتختلف متلازمة
الغطرسة بأنه ينبغي عدم النظر اليها
باعتبارها متلازمة شخصية، بل قد تظهر على اي
زعيم لكن شريطة اي يكون في الحكم، وتحديدا حين
يعزز هذا الزعيم سلطاته لبعض الوقت، وتخبو
هذه المتلازمة حين يفقد هذا الزعيم السلطة،
وبهذا المعنى، فهي مرض مرتبط بالسلطة اكثر من
ارتباطها بالشخص، ومن الواضح ان ظروف تسلم
السلطة تؤثر كثيرا في احتمال استسلام القائد
لها.
اما العوامل الخارجية المؤثرة فهي النجاح
الساحق في الوصول الى السلطة والاحتفاظ بها،
وتحرر القائد من القيود السياسية بما يسمح له
بممارسة السلطة الشخصية كما يريد، وطول فترة
البقاء في السلطة.
والمجتمع الطبي ليس على استعداد لاضفاء طابع
طبي على السلوك المتغطرس الذي يتحدث عنه
العامة على انه شكل من اشكال الجنون والخبل،
ولكن لان هذا المجتمع (الطبي) شديد الانضباط
(وهو محق في ذلك) في استخدام اللغة، فان ذلك لا
يعني ان هذه التساؤلات ينبغي ان تطرح من قبل
الفلاسفة والمحامين، اضافة الى الاطباء، ولا
ازعم انني قد عثرت في هذا الكتاب على اجابة
قاطعة لكل هذه التساؤلات.
ولكن الكتاب في الفصلين الاول والثاني يبحث
مرض رؤساء الدول في القرن العشرين، ولا سيما
خلال الفترة من 1901 وحتى عام 2007، ثم هناك خمسة
فصول اخرى تتعرض لاحداث تاريخية بعينها،
فالفصل الثالث يتحدث عن مرض رئيس الوزراء
البريطاني ابان ازمة السويس عام 1956 انطوني
ايدن، والفصل الرابع يبحث في تصرف الرئيس جون
كنيدي عام 1961 اثناء ازمة خليج الخنازير وازمة
الصواريخ الكوبية عندما عقد لقاء قمة بينه
وبين الزعيم السوفيتي نيكينا خروتشوف،
وارتباط ذلك بصحته والتغيرات في المعاملة
التي حدثت بين الحالتين، والفصل الخامس يعنى
بمرض شاه ايران اثناء السنوات الخمس الاخيرة
من حكمه، والفصل السادس يبحث في مرض الرئيس
الفرنسي الاسبق فرانسوا ميتران الذي كان
مصابا بسرطان البروستاتا طوال فترة سنوات
حكمه تقريبا، ولم يكن الرأي العام على علم
بذلك طوال احد عشر عاما، وفي الفصل السابع؟
تجري مناقشة السلوك المتغطرس لكل من الرئيس
جورج بوش وطوني بلير، وفي الفصل الثامن، طرحت
بعض الافكار لحماية المجتمعات من الآثار التي
قد تكون مدمرة لمرض بعض زعماء الدول
• لنكولن واحد من اعظم الرؤساء الاميركيين من الممكن ان يكون أصيب باحد انواع المس المعتدل
شاه إيران أصيب بسرطان الغدد اللمفاوية عام 73
• الشاه على فراش المرض محاطا بعائلته (ارشيف)
لقد ثبت أن سقوط شاه إيران في فبراير عام 79 وتولي آية الله الخميني السلطة، كارثة جيوسياسية ما زلنا نعيش تحت تأثيرها حتى الآن، لقد كنت وزيرا لخارجية بريطانيا آنذاك، وكانت علاقات بريطانيا وأوروبا بالشاه معقدة.
لقد كان حليفا للغرب في منطقة ذات مصالح حيوية اقتصاديا واستراتيجيا، ولكنه كان حاكما سلطويا يحاول تغيير بلاده وتحديثها رغما عن معارضة الكثير من القوى الداخلية الفاعلة.
ومع حلول عام 1970، كان واضحا أنه دون شكل من اشكال الاصلاح الديموقراطي، بما في ذلك اقامة ملكية دستورية، فان نظام الشاه يتجه لمواجهة المتاعب. ومما جعل من الصعب للقوى الخارجية التأثير على نظام الشاه للسير في هذا الاتجاه حقيقة انه بالرغم من سلطوية الرجل فإنه كان ضعيف التصميم، فضلا عن زعزعة التزام الولايات المتحدة وبريطانيا بالديموقراطية نتيجة لتواطئهما على اسقاط حكومة رئيس الوزراء الايراني محمد مصدق عام 1953.
في مهب الريح
كانت قلة من الناس تعرف في عام 1973 أن الشاه أصبح يعاني من المرض الشديد، حيث كان مصابا بسرطان الغدد اللمفاوية، وقد أبقي على مرضه سرا حتى اكتوبر 1979 حين ساء وضعه الصحي كثيرا، وفي ذلك الحين، اصبح مصيره السياسي والشخصي في مهب الريح، ويذكر انه توفي متأثرا بالمرض أثناء وجوده في المنفى في مصر في السابع والعشرين من يوليو 1980.
وكان الشاه محمد رضا بهلوي قد خلف والده رضا شاه عام 1941 الذي أعلن نفسه ملكا عام 1926 ولكنه اضطر للتنحي حين غزت القوات البريطانية والسوفيتية بلاده اثناء الحرب العالمية الثانية، فحين التقى روزفلت وتشيرشل وستالين في طهران عام 1943، لم يكن الشاه الشاب شخصية ذات أهمية، وربما كان هؤلاء القادة قد فوجئوا لو علموا ان هذا الشاه سيصبح حاكما لإيران وقوة رئيسية في الخليج خلال ثلاثين عاما.
شخصية عاجزة
وقد برز العجز في شخصية الشاه للمرة الأولى خلال انقلاب مصدق عام 1953، وكان مصدق قد أصدر قرارا بتأميم صناعة النفط الإيرانية مما أثار حفيظة الولايات المتحدة وبريطانيا، لكنه واجه أيضا معارضة شديدة من الداخل، الامر الذي جعل من السهل على وكالة المخابرات المركزية CIA وجهاز المخابرات البريطاني MI6 إطاحته، وكان من الحكمة بالنسبة للبلدين ان تركزا على التأثير على حكومة مصدق وتدفعان نحو ديموقراطية حقيقية، واثناء الانقلاب شعر الشاه بالانفعال الشديد وخشي ان يكون الانقلاب قد فشل فاستقل طائرته مع زوجته ثريا وغادر إلى العراق.
وأثناء وجوده في بغداد تحدث مع السفير الأميركي فنقل السفير البريطاني لحكومته ما قاله الشاه للأميركيين، مما اعطاهم صورة عن موقف الشاه المستقبلي حتى قرر انه لا ينبغي استخدام القوة لانه سيقود إلى حمام دم وفوضى وتدخل سوفيتي.
إلى روما
ولم تكن لدى الشاه اي فكرة عما ينبغي عمله، فطار إلى روما، حيث عاش في فندق من دون ان يكون لديه المال ومن دون أي قدرة للتأثير في الأحداث، ووقف الاميركيون إلى جانب الشاه باعتباره الحاكم الدستوري ولتكريس لا شرعية ما فعله مصدق.
وكان الشارع الايراني مليء بانصار مصدق والشيوعيين من حزب «توده»، لكن الـ«سي. اي. ايه» تمكنت من تمويل وحشد مظاهرات مضادة، وقد شجعت الجماهير المؤيدة للشاه، الجيش للتحرك لمصلحة الشاه والانقلاب على حكومة مصدق، وحين خضع مصدق للمحاكمة أنحى باللائحة على البريطانيين، وهكذا شاع ان بريطانيا هي المخطط الحقيقي للانقلاب مع ان الاميركيين هم الذين قاموا بالجهد الأكبر.
السافاك للقمع
واعتقد الشاه انه مدين للشعب بعودته إلى البلاد عام 1953، وقرر بناء جهاز مخابرات خاص به لحمايته مستقبلا باسم «السافاك» واستعان بمستشارين من «سي. اي. اي» وجهاز المخابرات الاسرائيلي «الموساد» وتحول هذا الجهاز إلى اداة للقمع والتعذيب.
وفي يوليو 1962 عين الشاه أسد الله علام رئيسا للوزراء، وحين اندلعت الاضطرابات دفع علام الشاه المتردد لاستخدام القوة لقمع المظاهرات في عام 63، وفي البداية كان الشاه يريد اعدام اية الله الخميني، لكنه تراجع عن ذلك، وقرر نفيه خارج البلاد اولاً إلى تركيا ثم إلى العراق.
وعلى الرغم من تسليم الغرب وخاصة الولايات المتحدة بحقيقة اضطلاع الشاه بدور الشرطي في منطقة الخليج، فان الشاه لم يكن ألعوبة ولا مخلبا للولايات المتحدة، وكانت واشنطن ولندن تحضانه على تطوير مملكة ديموقراطية.
أسرار بعد الوفاة
ولم تكن الحقائق الاساسية حول صحة الشاه معروفة سوى الى وقت قصير قبل ان تنشر الامبراطورة فرح بهلوي مذكراتها تحت عنوان «الحب الخالد» عام 2004 وحينها فقط كشفت عن الحقيقة الكاملة لمرض الشاه، واشارت فرح بهلوي إلى رسالتين كتبهما الدكتور جورج فلاندرين إلى البروفيسور جين بيرنارد، وهما الفرنسيان اللذان كانا يشرفان على علاج الشاه، وقد واصل فلاندرين مهمته حتى وفاة الشاه، وقد كتبت الرسالتان في عام 1987 وتتضمنان تفاصيل تاريخ الحالة الصحية له.
وفي عام 1974 اتصل مستشار الشاه الدكتور عباس سافافيان ببيرنارد في باريس يطلب منه القدوم إلى طهران. وكان بيرنارد يعمل مديرا لمعهد بحوث اللوكيميا في مستشفى سانت اتييان في باريس، وقد كان مختصا مميزا في أمراض الدم، وكان ايضا الطبيب الخاص للرئيس الفرنسي جورج بومبيدو، ولذلك كان سافافيان يدرك انه يمكن ان يؤتمن على اسرار مرض الشاه. وطلب سافافيان من بيرنارد وفلانردين ان يحضرا معهما أي تجهيزات ضرورية. والغى الطبيبان الفرنسيان مواعيدهما وتوجها الى طهران بعد يومين فقط، وكان ذلك في الأول من مايو 1974.
وعندما حطت طائرة ايرفرانس التي كانت تقلهما في مطار مهرباد في طهران كانت سيارتان تشغلان الاضواء الكاشفة بانتظارهما، واخذتهما الى احد المباني الحكومية، حيث كان سافافيان في استقبالهما. وكان سافافيان قد درس الطب في باريس وربطته صلة دراسة وعمل مع فلاندرين منذ ذلك الحين.
مَن المريض؟
وامام الطبيبان في فندق هيلتون طهران، وحين قابلهما سافافيان ابلغهما انهما استدعيا لإجراء فحوص طبية لوزير البلاط اسد الله علام، ولكن بيرنارد أسرّ لصديقه فلاندرين ان الامر يبدو اكبر من مرض علام. ثم التقيا علام بعد ذلك الذي اخبرهما انهما استدعيا لمعالجة الشاه.
وقد تحدث الشاه الفرنسية بطلاقة حين قابل الطبيبين لأول مرة. وكان يجلس الى جانبه رجل يرتدي الزي العسكري، وكان ذلك الرجل هو طبيبه الخاص الجنرال عيادي. وجلس الجميع حول طاولة واخذ الشاه يشرح مرضه، قائلا انه قبل عدة اشهر، اي في نهاية عام 1973، وبينما كان في جزيرة «كيش»، لاحظ وجود تجويف في ادنى الجزء الايسر من القفص الصدري وانه كان يعتقد انه تضخم في الطحال، ولدى فحصه تبين وجود مثل هذا التضخم فعلا، لكن ليس هناك تصخم في الغدد. وكان الشاه آنذاك في الخامسة والخمسين من عمره.
وأخذ الطبيبان عينات، فتبين ان الشاه مصاب بسرطان الغدد اللمفاوية، وحين ابلغ الجنرال عيادي، قال ان كلمة «لوكيميا» تحديدا يجب عدم استخدامها، وأصر على ابلاغ الشاه بأن كل شيء على ما يرام.، لكن الطبيبين الفرنسيين لم يرق لهما هذا الطرح، لاسيما انهما سوف يبدآن العلاج ولا يمكن القيام بذلك دون شرح الأمر للشاه.
ولم تكن حالة الشاه في هذه المرحلة المبكرة من المرض تدعو الى القلق، فقرر الطبيبان الاحتفاظ بتوصياتهما العملية لحين عودتهما من السفر الى باريس وظهورجميع نتائج التحاليل الطبية. وحين ظهرت هذه التحاليل، اختارا اطلاق اسم مرض والدنستروم WALDENSTROM'S DISEASE على مرض الشاه، رغم ادراكهما عدم دقة التسمية.
وكانت لدى الطبيبين انطباعات مختلفة لدى مغادرتهما القصر الامبراطوري لاول مرة، اذ كان بيرنارد يعتقد ان الايرانيين سوف يستبدلوهما بأطباء اميركيين ولكن ذلك لم يحدث، لرغبة الشاه في عدم اطلاع الاميركيين على وضعه الصحي لما قد يترتب على ذلك من تبعات سياسية، وينطبق الشيء ذاته على البريطانيين، وتبين للطبيبين الفرنسيين ان كل شيء جرى ترتيبه بين الشاه وعلام لضمان اقصى درجات السرية.
5 أشخاص
في البداية، لم يكن يعلم بمرض الشاه سوى خمسة أشخاص: الطبيبان الفرنسيان والجنرال عيادي والشاه وأسد الله علام. ولم يكن في بال سافافيان الدخول في منافسة مع علام، لكن الطبيبين الفرنسيين أصرّا على عدم مواصلة علاج الشاه إلا إذا بقي سافافيان في الصورة. وفي مايو 1974، أبلغاه بالطبيعة الحقيقية لمرض الشاه، لكنهما لم يرغبا في الحديث عن الأمر عبر الهاتف، ولذلك قابلاه في المستشفى الأميركي في باريس، مما جعل عدد العارفين بمرض الشاه يصبح ستة.
فتحاليل الدم أجريت في باريس باسم أحد أقارب فلاندرين، وحين نقل الطبيبان النتائج إلى سافافيان، لم يسمعا منه شيئا حتى سبتمبر 1974. ثم طُلب منهما العودة إلى طهران في الثامن عشر من سبتمبر. ومن المفارقات أن الشاه وزوجته كانا في زيارة رسمية لفرنسا خلال الفترة من 24 ــ 29 يونيو بدعوة من الرئيس المنتخب حديثا، فاليري جيسكار ديستان، لكن لم يجر الشاه أي اتصال بأطبائه أثناء وجوده في باريس.
وعند الزيارة الثانية للطبيبين الفرنسيين إلى طهران في سبتمبر، انضم طبيب يدعى ميليز إلى الدائرة الضيقة التي تعرف بحقيقة مرض الشاه. واعتقد سافافيان ان من المنطقي اشراك ميليز خاصة انه سبق وان عالج كلاً من الرئيس شارل ديغول واحد الملوك السعوديين وكان ثمة شعور انه سوف يحفظ السر، والآن، أصبح سبعة أشخاص، إضافة إلى شخص ثامن يعرف أن الأطباء الفرنسيين يقومون على علاج شاه إيران لكنه لا يعرف طبيعة المرض.
سر حتى على الشاه!
والتقى كل من بيرنارد وفلاندرين وميليز وسافافيان جميعا في القصر الامبراطوري بعد الاستشارة الثانية لبحث كيفية التعامل مع حالة الشاه، واصر سافافيان على ابقاء كل شيء ضمن اقصى درجات السرية حتى عن الشاه في بعض الحالات، وكان يخشى ان يتحدث الشاه عن مرضه لبعض أركان حاشيته. ومن الناحية الطبية، كان الشاه لا يزال في وضع ممتاز، لكن الطحال زاد تضخما وقرر الأطباء، البدء بالعلاج الكلاسيكي لسرطان الغدد اللمفاوية واجراء فحص للدم شهريا.
وبعد مغادرة الطبيبين الفرنسيين، تلقى الشاه العلاج لأسبوع واحد قبل أن يأمر عيادي بإجراء فحص الدم، ولكن مدة أسبوع كانت قصيرة جدا، فأظهر الفحص انخفاضا كبيرا في عدد كريات الدم البيضاء، فسادت حالة من الذعر وأوقف العلاج، ونتيجة لذلك استدعي الطبيبان الفرنسيان لرؤية الشاه للمرة الثالثة. وكان ذلك في الثامن عشر من يناير 1975. وتم اللقاء في زيورخ حيث كان الشاه في رحلة تزلج، وحينها فقط عرف الطبيبان أن الشاه لا يتلقى العلاج. وتمت هذه الاستشارة بحضور عيادي وسافافيان وميليز وبيرنارد وفلاندرين. وشعر الأخير بالخوف الشديد لتطور صحة الشاه وتم الاتفاق على مواصلة العلاج بدواء CHLORAMBUCIL الذي وصف له منذ البداية، وفي الجانب الإيراني، شرح كل من عبادي وسافافيان انه لا سبيل لمواصلة إجراء فحوص الدم في طهران بشكل منتظم والحفاظ على سرية الأمر وطلب من فلاندرين العودة إلى زيورخ لاجراء فحص جديد لدم الشاه لانه سيبقى هناك لشهر آخر، ثم عاد فلاندرين إلى طهران يوم التاسع عشر من فبراير وظل يفعل ذلك بانتظام بعد ذلك، بصحبة بيرنارد حينا ووحيدا حينا آخر، وكانت رحلة فلاندرين الاخيرة إلى طهران في نهاية شهر ديسمبر 1978.
المرض يتطور
وخلال الفترة من يناير حتى ديسمبر 1975 عاد طحال الشاه إلى حجمه الطبيعي، وعلى الرغم من هذا التحسن استمر العلاج بالجرعات ذاتها، وفي فبراير 1976، فوجئ فلاندرين بعودة تضخم طحال الشاه وبرؤية خلايا غير طبيعية في دمه، الأمر الذي دفعه للاعتقاد بانه المرض قد انتشر وان الحاجة اصبحت تستدعي الآن علاجاً مكثفاً، ثم تبين بعد ذلك ان الأمر لم يعد كونه انذاراً كاذباً، وكان قد تم الاتفاق منذ البداية على عدم استخدام الاسم الحقيقي للدواء CHLORAMBUCIL وكان يتم وضع الدواء بصناديق دواء اخرى هو QUINERCYL وكان فلاندرين يشتري الدواء من باريس ويحضره إلى طهران على انه QUINERCYL.
عبء ثقيل
وكانت ضرورة الحفاظ على السرية تضع عبئاً ثقيلاً على سافافيان تحديدا لانه كان الايراني الوحيد ــ على العكس من علام وعيادي ــ الذي يعرف حقيقة مرض الشاه، وبدا واضحاً له انه سيتعرض للتوبيخ من عائلة الشاه أو الشعب الايراني لعدم كشفه الحقيقة، وكان يدرك ان التكتم قد تكون له انعكاسات سياسية، فبعد ان ناقش المسألة مع الطبيبين الفرنسيين اكثر من مرة، قرروا ضرورة ابلاغ زوجة المريض، فقد كان الاطباء الذين خشوا من تدهور حالته الصحية، يريدون ان تعرف الملكة بالحقيقة حتى تكون مستعدة نفسيا، للتدهور الحتمي المتوقع في صحة الشاه، وقبل ذلك، حاولوا اقناع الشاه ان يتولى هو بنفسه أمر ابلاغ زوجته، ولكنه كان يتفادى بحث هذه المسألة في كل مرة، ولذلك قرر الاطباء ان يقوموا بابلاغها بشكل سري، والتقى بيرنارد وميليز وسافافيان وكلاندرين مع الملكة في باريس وابلغوها بالحقيقة، وبالطبع، كان وقع الأمر صعبا عليها، لا سيما وان زوجها يبدو بصحة جيدة، لكنه في الواقع مصاب بمرض خطير في الدم وبالاضافة إلى ذلك كان زوجها يعرف حقيقة مرضه واختار عدم ابلاغها بشيء.
الزوجة تعرف
والأصعب بالنسبة للملكة، هو ابلاغ زوجها انها الآن تعرف الحقيقة كاملة، وتم الاتفاق ان السبيل الوحيد لها هو ان تطلب الاذن من الشاه للحديث رسميا إلى الطبيبين الفرنسيين دون ان تكشف له انها قابلتهما سرا بالفعل وقد حصلت على ذلك الاذن، وحتى عاد الطبيبان إلى طهران دعيا لمقابلة الملكة بمعرفة الشاه، وهكذا، اصبح هناك شخص اضافي يعرف سر مرض الشاه، ولم تقتصر الدائرة على هؤلاء الأشخاص بعد أكتوبر 79 حين ساءت الحالة الصحية للشاه، بينما كان في جزر البهاما ثم المكسيك
وقبل أن يتوجه إلى نيويورك.
وقد قابلت سافافيان عام 2005 مرتين كي يتحدث لي عن مرض الشاه، وكان من اللافت أن يحتفظ سافافيان وبيرنارد وفلاندرين بثقة الشاه والملكة طوال الوقت، على الرغم من الظروف غير العادية التي عملوا خلالها.
وزعم طبيب أميركي يدعى بنيامين كين الذي انضم إلى فريق العلاج لاحقا، أن الشاه رفض طلبات الأطباء المتكررة فحص عينات من الدم عام 74 وهددهم باستبعادهم والاتيان بأطباء آخرين، ولكن الطبيبين الفرنسيين ينفيان هذه المزاعم، ويؤكدان ان علاقة الشاه بأطبائه كانت رسمية ويسودها الأدب والاحترام، وأنه لم يتحدث أبدا مع الاطباء بهذه الطريقة الفظة.
الشاه كان يخطط للبقاء في السلطة حتى 1983
فرح ديبا تضع الزهور على قبر زوجها الشاه
تجاهل وضعه الصحي
أما ما مدى ادراك الشاه لخطورة وضعه الصحي؟، ذلك ترويه زوجته على لسانه أثناء حديث له مع الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان: «مشكلتي أنه ليس لدي متسع من الوقت، فأنا لن أمكث في السلطة طويلا، وأنوي المغادرة خلال 7 أو 8 سنوات حيث سأناهز الستين وافضل الرحيل في وقت مبكر، لكن ابني ما زال صغيرا، وسوف أنتظر حتى يكبر ويكون مستعدا لتسلم السلطة وأريد تهيئة الأمور الأساسية له قبل أن يتولى الحكم، فهو سيواجه الكثير من الصعاب في البداية، وان تغيير إيران مهمة منوطة بي وأنا عازم على ذلك».
ولم تكن التنبؤات الطبية لتتناسب مع خطط الشاه البقاء في السلطة حتى عام 82 ــ 1983 لتسليم السلطة لابنه، ولكنه تجاهل كل ما سمعه عن حالته الصحية، وقالت الملكة إنها لم تعرف قط مدى علم الشاه بوضعه الصحي في ذلك الوقت.
وفي أوقات مختلفة، حاول بيرنارد مناقشة الشاه في وضعه الصحي واحتمالات تطوره، ولكنه أدلى بتصريح في قصره الصيفي في عام 78 تبين منه أنه أصبح مدركا لوضعه الصحي تماما. وكان ابنه في ذلك الوقت يتدرب في كلية أميركية للطيران، فقال الشاه لفلاندرين: «إنني أطلب منكم مساعدتي في الحفاظ على صحتي لمدة عامين فقط، حتى يكمل ولي العهد دراسته في عام ويمضي عاما آخر في طهران».
الإصلاح تأخر طويلاً
في عام 2005 أجريت حواراً مطولا مع فرح بهلوي التي قالت ان الشاه حين أدرك حتمية تدهور حالته الصحية، بدأ إعداد البلاد لتولي ابنه السلطة واجراء اصلاحات ديموقراطية. لكن هذه المهمة لم تكن بالأمر السهل على شاب حديث العهد بالحكم. وكان من الأسهل كثيرا على الشاه نفسه الاضطلاع بهذه المهمة. ولو كان وزير الخارجية الأميركي سايروس فانس وانا بصفتي وزير خارجية بريطانيا علمنا بحقيقة مرض الشاه، حين كنا في طهران في 14 مايو 1977 لحضور مؤتمر لمؤتمر الامن والتعاون الاوروبي لاقترحنا عملية البدء بعملية الاصلاح الديموقراطي الاوروبي بهدف خلق ملكية دستورية يرثها ابنه، وكنت سأنصحه باعتماد تجربة اسبانيا، حيث عيّن الجنرال فرانكو الملك خوان كارلوس ملكاً لملكية دستورية اصبحت ذات ديموقراطية حقيقية. وكان يمكن تكرار التجربة في ايران ايضاً. ولكن كان يتعين على الولايات المتحدة وبريطانيا اقناعه بوضع جدول زمني للانتقال الى الملكية الدستورية بسبب مرضه. لقد كان ذلك امراً ممكناً ومن دواعي المأساة انه لم يحدث.
ومنذ نوفمبر 1973، حين علم الشاه لأول مرة بتضخم الكبد لديه، فكر بتشكيل مجلس وصاية يضع السلطة بكاملها في يدي زوجته الى حين يكبر ابنه لتولي العرش. وفي عام 77-78 حين تفاقمت الاضطرابات الداخلية، كان يتعين على الشاه أن يعلن صراحة انه بحاجة الى الخروج لمقابلة طبيب مختص، حتى لو كان ذلك يعني المبالغة في خطورة مرضه. وكان عليه تشكيل مجلس وصاية ذي سلطات حقيقية ويعهد اليه مباشرة الاصلاح السياسي، فغيابه كان سيخلق مناخاً سياسياً مختلفاً يؤدي الى انتقال سلمي الى الملكية الدستورية.
الشارع يشتعل
ولكن على العكس من ذلك، ظل مرض الشاه سراً ولم يناقشه الحلفاء الغربيون الذين اجتمعوا في طهران عام 77، بل انهم لم يعلموا عنه شيئاً على الرغم من مقابلة وزراء الخارجية للشاه على مائدة عشاء فاخرة اقامها لهم.
لقد تسارعت الاحداث بشكل دراماتيكي في عام 78 حين اندلعت تظاهرات احتجاجية في مدينة قم سقط فيها عدد من المتظاهرين مما اشعل الوضع الداخلي اكثر فأكثر، وامتدت الاضطرابات الى مناطق اخرى مثل تبريز وطهران وغيرها، وتواصلت الاضطرابات حتى مايو 79. وفي يونيو عزل الشاه رئيس جهاز «سافاك» الجنرال نعمة الله ناصري.
وفي اواخر يوليو، وصلت الاضطرابات الى مدينة مشهد، واعلنت الاحكام العرفية في اصفهان في شهر اغسطس. ووعد الشاه بمزيد من الخطوات الاصلاحية وبان الانتخابات البرلمانية الجديدة في يونيو 79 ستكون حرة تماماً ووعد باطلاق حرية التعبير. ولكن قليلين هم الذين وثقوا بوعود الشاه.
ولو كانت الحكومات الغربية تعلم بمرض الشاه لمارست عليه المزيد من الضغوط للتنحي عن السلطة، ولكن دون هذه الضغوط فانه لن يفعل. وبالعكس، فقد كانت الحكومة البريطانية تزوده بالغاز المسيل للدموع لمواجهة التظاهرات الشعبية على الرغم من معارضة السفير البريطاني في طهران آنذاك وليام سوليفان وعارضت ذلك وزارة الخارجية الاميركية، لكن مستشار كارتر لشؤون الامن القومي زبغنيو بريجنسكي، دعم الفكرة.
انسحاب الطبيب الخاص
ومع تدهور الازمة السياسية في ايران، والمسؤولية التي كانت ملقاة على عاتق الاطباء الذين يعرفون وحدهم سر مرض الشاه ازاء وضع الحكومات الغربية في صورة الوضع؟ فقد كانوا يدركون خطورة الوضع السياسي للشاه، وكانوا يرون الاضطرابات في شوارع طهران بأنفسهم، وزاد وضع الأطباء الفرنسيين تعقيداً بعد انسحاب عيادي كطبيب خاص للشاه، ومع اصرار الأخير على الحفاظ على سرية مرضه.
شعور باليأس.. وتوتر
وقام فلاندرين بآخر رحلة الى طهران في ديسمبر 1978، وكان قد زار الشاه 39 مرة منها 35 مرة داخل إيران. وكانت قد بدأت تظهر على الشاه بوادر التوتر المصحوب بالشعور باليأس، فلم يكن يستطيع التوقف عن الاستماع الى الراديو حتى أثناء الفحوصات الطبية التي كان يجريها له فلاندرين.
هل كان ينبغي لأطباء الشاه في هذه المرحلة المتأخرة، ان يشيروا عليه ان يكشف حقيقة مرضه لأبناء الشعب الإيراني؟ وهل كان ينبغي للطبيبين الفرنسيين إبقاء أمر مرض الشاه سرا على الرئيس جيسكار ديستان؟ فالمخاطر السياسية التي تتعرض لها إيران، عالية جدا، ولكن ليس من المألوف ان يتصرف طبيبان حرفيان كسياسيين. لقد ركزا على ما هو جيد (أو غير جيد) لمريضهما، وكان من غير الانصاف ان يطلب منهما موازنة الأمور من الزواية السياسية.
لم يكن بوسع الأطباء الإيرانيين أن يفعلوا شيئا، لكن الوضع مختلف بالنسبة للطبيبين الفرنسيين. فقد ابلغني فلاندرين انه لم يبلغ حكومته، ولا أعرف ان كان البروفيسور بيرنارد أو البروفيسور ميليز قد أوصلا المعلومة الى الرئيس ديستان أم لا؟ وفي كل الأحوال، كان الوضع معقدا أكثر مما لو كانت الحالة في لندن أو واشنطن. وكان يبدو أن باريس تعوّل على الشاه وان كانت تجري اتصالات وثيقة مع الخميني الذي كان يعيش في باريس في ذلك الوقت. وربما جعل ذلك من غير الواضح للطبيبين الفرنسيين انه من مصلحة فرنسا القومية أن يبلغا الرئيس ديستان حول مرض الشاه.
وقد كتب وليام شوكروس في رائعته بعنوان «رحلة الشاه الأخيرة» يقول ان أطباء الشاه كانوا مقتنعين أن المخابرات الفرنسية لم تكن تعلم بمرض الشاه، وبالفعل، لم تكن المخابرات الفرنسية ولا الأميركية تعلم بمرض الشاه. ووفقا لما ذكره شوكروس في كتابه، فإن «الموساد» و«السافاك» والمخابرات البريطانية لم تكن جميعها تعلم بمرض الشاه.
مجرد إشاعة!
وكان دبلوماسي سوفيتي قد حذر نظيره الأميركي الذي كان كثيرا ما يتناول معه طعام العشاء في أحد مطاعم طهران، من أن الشاه مصاب بالسرطان، لكنه اعتبر الأمر مجرد إشاعة سوفيتية، وقد أظهرت سجلات المخابرات السوفيتية (كي. جي. بي) التي كشف النقاب عنها في عهد يلتسين، انها لم تتأكد من هذه الإشاعة. ولم يذكر لي وزير الخارجية السوفيتي اندريه غروميكو حين التقيته وناقشت معه الوضع الإيراني في أواخر عام 78، أي شيء عن مرض الشاه. وليست هناك أي سجلات رسمية تؤكد ان مخابرات ألمانيا الشرقية، كانت على علم بمرضه. ولو كانت مخابرات ألمانيا الغربية تعلم لابلغت لندن وواشنطن بذلك.
لكن في لندن في اواخر عام 79، ابلغني وزير خارجية فرنسا لويس غيرنغاد، وحين لم يكن اي منا في السلطة، انه كشف لي عن مرض الشاه قبل عام مضى، ولكني نفيت ذلك واكدت له انه خاطئ في ذلك، فلا يمكن لطبيب ان تمر عليه مثل هذه المعلومة وينساها، ولكن لماذا يزعم غيرنغاد ان حكومته كانت على علم بمرض الشاه مع حلول صيف 1978؟ لقد كان هذا الرجل صادقاً وربطتني به علاقة صداقة جيدة.
ومن المثير ان يذكر السفير البريطاني الاسبق في طهران سير دينيس راتب في مقابلة مع «بي.بي.سي» بعد تقاعده ان سفيراً فرنسيا سابقاً في موسكو ذكر له انه سمع ان الشاه يعاني من مرض خطير، ويقول راتب انه زار الشاه مباشرة بعد سماع هذه الاخبار ولم يجد ما يثبت مرض الشاه.
وبعد وقت طويل من توليه الرئاسة، سئل ديستان في احدى المناسبات عما اذا كان يعلم شيئاً عن صحة الشاه، اقر انه علم «بطريقة غير مباشرة» ولذلك، من الممكن ان يكون الرئيس ووزير الخارجية قد علما ولكنهما لم يبلغا اجهزة الامن الفرنسية، لشكهما بامكانية تسرب المعلومات الى اجهزة الامن الاميركية والبريطانية.
وانا اعتقد ان ديستان كان يعلم وربما يفسر ذلك سبب سماحه لآية الله الخميني بالاقامة في باريس اثناء الازمة الايرانية، وكان جهاز المخابرات الفرنسية شديد الاستياء لتجاهله، ولكن في النهاية، اشك كثيرا في ان فرنسا قد جنت الكثير من الناحية الاقتصادية او السياسية جراء استضافة الخميني في باريس.
المرض.. وأفول الشاه
في السادس عشر من يناير 79، غادر الشاه طهران متوجهاً الى القاهرة لمقابلة الرئيس أنور السادات ثم اتجه الى المغرب، وساءت حالته الصحية اكثر فأكثر، والتقى الدكتور فلاندرين مرتين، وكان لديه اقتناع عند مغادرته انه قادر على ادارة امور البلاد من الخارج، لكن الحقيقة انه فقد العرش ولم يتمكن من استعادته بعد ذلك ابداً، فقد توافقت مجموعة قوى من الملالي والمثقفين والتجار على اطاحته، كما فعلت كثيراً مع اسلافه من سلالة قاجار QAJAR، ولكنه لم يستوعب دروس التاريخ، والاهم من ذلك انه قلل من شأن نفوذ الملالي، كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا.
ولكن السؤال الذي يظل مطروحاً هو ما مدى اسهام مرض الشاه في افول نجمه مقارنة بشخصيته وسياساته؟
يستبعد فلاتدرين ان يكون لمرض الشاه تأثير في ضعف شخصيته وتردده في اتخاذ القرارات، كما يعتقد عدم وجود تأثير كبير لمرض الشاه على القرارات التي اتخذها خلال سنوات حكمه الاخيرة.
لم يكن للمرض أثر في بطء إدراك الشاه لخطورة تطور الأحداث بالشكل الدراماتيكي الذي حدثت فيه.
ولكن تطور مرض الشاه إلى السرطان في الغدد اللمفاوية لابد أن يكون له تأثير على قدرة الشاه على اتخاذ القرار. فالقصة الحقيقية للشاه في جوهرها هي إجهاد وسرطان، أخذ كل منهما يغذي الآخر.
وكان وزير الخارجية الأميركي سايروس فانس قد أوصى في مارس 79 وحين كان الشاه في المنفى، أوصى الرئيس كارتر برفض أي طلب للشاه للقدوم إلى الولايات المتحدة، وقدم التوصية ذاتها لرئيس الوزراء البريطاني جيمس كالاهان.
وفي نهاية 79 اصيب الشاه بتورم في الغدة في رقبته، فطار الدكتور فلاندرين لرؤيته فتبين له أن صحة الشاه قد تدهورت كثيرا فأوصى بالعلاج المكثف، ومع ذلك ما زال الشاه يفضل ابقاء أمر مرضه سرا.
استئصال المرارة
وفي أغسطس 79، طار فلاندرين إلى المكسيك التي لجأ إليها الشاه مع عائلته بعد انتهاء تأشيرته إلى الباهاما ورفض تجديدها، من أجل علاجه، فوجد تراجعا كبيرا في عدد كريات الدم البيضاء، فقرر تقليل جرعات العلاج الكيماوي. وفي سبتمبر استدعى الطبيب الأميركي بنجامين كين لعلاجه من وعكة كان يعتقد أنها الملاريا، فوصل إلى المكسيك في التاسع والعشرين من سبتمبر، ووصل فلاندرين من باريس، وعاين الرجلان الشاه معا. فبدأ بينهما صراع على من يقرر في شأن صحة الشاه
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: كتاب المرض والسلطة الجزء 1 و 2 و 3
ملاحظة تم حجب الجزء السادس من الجهة التى نشرت الكتاب
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 1و2و3
اضغط هنا للاطلا على الجزء 4
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الخامس
اضغط هنا للاطلاع على الجزء السابع
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الثامن
اضغط هنا للاطلاع على الجزء التاسع
اضغط هنا للاطلاع على الجزء العاشر
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 11
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 12
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 13
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 14
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 15
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 16
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 17 والاخير
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 1و2و3
اضغط هنا للاطلا على الجزء 4
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الخامس
اضغط هنا للاطلاع على الجزء السابع
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الثامن
اضغط هنا للاطلاع على الجزء التاسع
اضغط هنا للاطلاع على الجزء العاشر
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 11
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 12
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 13
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 14
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 15
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 16
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 17 والاخير
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
حبة مسك- مشرف
-
عدد المشاركات : 3906
العمر : 61
رقم العضوية : 263
قوة التقييم : 57
تاريخ التسجيل : 12/06/2009
رد: كتاب المرض والسلطة الجزء 1 و 2 و 3
مشكور على المساهمة الرائعة
عبدالله الشندي- فريق اول
-
عدد المشاركات : 3986
العمر : 41
قوة التقييم : 3
تاريخ التسجيل : 17/05/2016
مواضيع مماثلة
» كتاب المرض والسلطة الجزء الثامن 8
» كتاب المرض والسلطة الجزء التاسع 9
» كتاب المرض والسلطة الجزء العاشر 10
» كتاب المرض والسلطة الجزء الحادي عشر 11
» كتاب المرض والسلطة الجزء الثاني عشر 12
» كتاب المرض والسلطة الجزء التاسع 9
» كتاب المرض والسلطة الجزء العاشر 10
» كتاب المرض والسلطة الجزء الحادي عشر 11
» كتاب المرض والسلطة الجزء الثاني عشر 12
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR