إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
كتاب المرض والسلطة الحزء الخامس 5
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
كتاب المرض والسلطة الحزء الخامس 5
الحلقة الخامسة:
الخداع والحيلة جزء من شخصية ميتران فأخفى مرضه
فرانسوا ميتران مع زوجته
التعتيم الذي استخدمه ميتران، يعود بين أسباب أخرى إلى جهله في ما يتعلق بالأدوية التي وضعت له، حيث كان يقول إن الأدوية التي اعطاه اياها الطبيب غوبار هي لـ«علاج الروماتيزم» غير ان هذا النوع من الخداع يشكل جزءاً من طبيعة ميتران، وشخصيته تعد عاملاً رئيسياً في فهم قرار توخى السرية فهو شخص تعتبر السرية والحيلة جانبا طبيعيا من حياته السياسية ولم يكن من المستغرب انه كان يطلق عليه احيانا اسم «ابو الهول».
جائزة نازية
وقد شاعت هذه السمعة نتيجة الطريقة التي عالج بها مسألة سجل نشاطاته ابان الحرب العالمية الثانية، ففي أواخر أيام تلك الحرب كان يشارك في صفوف المقاومة الفرنسية في تزييف الوثائق والتخطيط لعمليات الهروب لاسرى الحرب.
وخلال عام 1943 وتحت اسم مستعار هو الكابتن مورلان، ومع موريس بينو رئيس القوميسارية، بدأ في تطوير شبكة للمقاومة هي الحركة الوطنية للاسرى ومهجري الحرب ولكن في نوفمبر 1943 تلقى ميتران جائزة من المارشال فيليب بيتان زعيم حكومة فيشي التي تعاونت مع الاحتلال الألماني لفرنسا، وكانت تلك الجائزة تمنح للموظفين الموثوق بهم، ومنحها لميتران اثار جدلا ظل يؤرقه طوال حياته السياسية وهو انه كان متعاوناً في وقت سابق مع الاحتلال النازي، وفي كل مرة كان يهاجم بتلك التهمة، ظل ميتران، ولسنوات يرفض مترفعا التعليق معبرا عن الاعتزاز بكرامته.
زهور على قبر بيتان
ولكنه عندما تولى منصب الرئاسة في نوفمبر 1992 تجاهل منتقديه، واعطى مصداقية للاتهام الذي وجه اليه بالتعاون مع الاحتلال، وذلك بوضعه باقة من الزهور على قبر بيتان، وهذه الخطوة ليست جديدة أو غير مسبوقة، فقد أمر الرئيسان ديغول وجيسكار ديستان بوضع باقة من الزهور عند الاحتفال بالذكرى الخمسين وكذلك الستين على التوالي نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد كان بيتان رئيسا للقوات الفرنسية في معركة فيردون، غير ان تصرف ميتران اثار ضجة كبرى.
وربما يكون ميتران قد شعر انه يدرك حقيقة خفّية حول فرنسا وهي انها لا ترغب في حسم قضية ما حدث فعلا في سنوات حكومة فيشي حسما نهائيا، وان احساسه هذا يعكس فقط رأي جيل الفرنسيين ممن كانوا في سن الرشد خلال تلك الفترة بيد ان مدى تورطه مع حكومة فيشي ما زال يحيطه الغموض.
وفي الحكومة المؤقتة التي كانت تنتظر عودة ديغول في اغسطس 1944، كان ميتران حينها في السابعة والعشرين من عمره، ورشح للعمل كسكرتير عام للجنة اسرى الحرب لمدة اسبوعين ولكنه اثناء الحرب حضر اجتماعا متوترا مع ديغول في الجزائر، حيث رفض طلب دمج ثلاث حركات منافسة لاسرى الحرب ولم يطلب منه البته المشاركة في الحكومة في عهد ديغول، ولكنه شارك في حكومة بول راماديير عام 1947 كوزير للجنود السابقين، ومنذ عام 1947 وحتى 1958 في فترة الجمهورية الرابعة عمل ميتران في احدى عشرة حكومة وكان ينظر اليه على انه غير اشتراكي، حيث كان قد انتخب كنائب مستقل.
حكاية غامضة
لقد انتشرت سمعة ميتران في الحيلة والخداع عن طريق حكاية غامضة ادعى البعض انها كانت مخططا يهدف للدعاية. ففي 16 اكتوبر 1959 نشرت الصحف ان ميتران نجا من محاولة اغتيال، واتهمه النائب اليميني روبير بيسكيه باختلاق تلك الحادثة للحصول على تعاطف شعبي. وتم رفع الحصانة البرلمانية عن ميتران حتى يمثل امام القضاء في اعقاب ذلك الاتهام. غير ان القضية لم تنظر البتّة، حيث فرّ بيسكيه من البلاد. وقد الحقت تلك القضية ضررا بالغا بالنسبة لميتران، ولكن وبسبب عادته اللجوء الى السرّية لم يدافع فيها عن نفسه.
انتقال غامض
ومن الامور الغريبة ايضا انتقال ميتران الغامض من صفوف اليمين الى جماعة اليسار في الساحة السياسية الفرنسية. وهي فترة عاش فيها حياته في جو غامض خلقه لنفسه.
وفي عام 1965 خاض انتخابات الرئاسة في مواجهة ديغول، واثبتت تلك الانتخابات قدرته على تشكيل ائتلاف يضم اليسار، حيث حصل على 45 في المائة من اجمالي الاصوات في الجولة الثانية. ومنذئذ اصبح سياسيا امامه مستقبل باهر. وشخص يرغب في ان ينظر اليه على انه مثقف محب للكتب. وقد وصف بأنه «شخصية خارجة من رواية».
أسرة موازية
وحتى اصابته بالمرض، كان اكبر سرّ لميتران هو وجود حياة اسرية موازية، حيث كان يعيش مع رفيقته آن بينغو لفترة طويلة، وله منها ابنة هي مازارين. وقد اخفى هذا الامر عن المواطنين الفرنسيين حتى تم الكشف عنه لاول مرة على صفحات مجلة «باري ماتش» في 10 نوفمبر 1994. وكانت مازارين قد بلغت سن العشرين حينها، وقد تبقت ستة اشهر قبل مغادرة ميتران لمنصب الرئاسة.
وبحلول عام 1981 عندما تم تشخيص اصابته بسرطان البروستاتا، كان ميتران قد اعتاد على توخي السرّية. واكبر الاضرار ذات الاثر السياسي للسرية التي احاط بها ميتران مرضه هي السرعة التي انتقل فيها من كونه سياسيا ديموقراطيا يميل الى الحزب الاشتراكي، والى الناخبين عامة ويؤيد الحقوق الفردية للمواطنين، الى سياسي متسلط غارق في سلطة الدولة التي احاط بها نفسه. كما ان التأثيرات الديموقراطية التي شكلت جزءا من حياته خلال صعوده نحو السلطة، تحولت فجأة الى خيار، واحتل حزبه والناخبون وحقوق الفرنسيين نساء ورجالا مرتبة ثانوية تجاه رغبته العارمة لابقاء مرضه سراً.
تنصت لمصلحة الرئيس
وشكل ميتران «خلية لمكافحة الارهاب» كانت تخضع له مباشرة حيث كانت تتخطى الاساليب القديمة التي كان يتم بها التعامل مع النشاط الارهابي عن طريق الشرطة الوطنية والجندرمة، اللتين تخضعان لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء. وتولت هذه الخلية، التي لا تتمتع بأساس قانوني مناسب، عمليات التنصت الرئاسية التي كشفت النقاب عنها صحيفة ليبراسيون ان اصرار ميتران على التزام السرية لاخفاء مرضه لاسباب «تتعلق بالدولة»، قاد الى اكثر الحملات غير القانونية شمولاً ضد الخصوصية في التاريخ الجمهوري الفرنسي، اذ بأوامر صادرة عن ميتران تنصت فريق غير مخول من الجندرمة على هواتف المئات من السياسيين، والصحافيين والناشرين والشخصيات الباريسية البارزة، وقد برر الرئيس هذا العمل بذريعة حاجته لمعرفة ان كان اي منهم على استعداد للكشف عن تفاصيل مرضه، ولكن هذا الامر كان في جزء منه تبريراً للحفاظ على سرية حياته الاسرية الموازية وابعاد الانظار عن بينغو وابنتهما، وهما كانتا تقيمان في مسكن محروس على نفقة الخزينة العامة، ونفى ميتران بشدة وجود اي تنصت على الهواتف في لقاء مع التلفزيون البلجيكي عام 1993.
طائرتان للسفر
وقد احاطت هذه السرية ايضا زيارات ميتران للدول الاجنبية، وكان يبعث طائرتين، واحدة له واخرى تصل بعدها بوقت قصير تحمل اسرته السرية، وكان الزعماء الاجانب يدركون ذلك، وربما تكون الصحافة قد تكهنت به ،لكن لم يعلن او يكتب الا القليل حول هذا الامر، وقد تحول الكذب الى عنصر في الحياة اليومية حتى انتقل الى مجالات صنع السياسات، ونحن نعرف الان على سبيل المثال انه بالرغم من كل تصريحات النفي، فإن ميتران خول جهاز الاستخبارات الفرنسي بإغراق سفينة جماعة غرين بيس الداعية للمحافظة على البيئة «رينبو ورير» التي كانت تعد لإرباك الاختبارات النووية الفرنسية في منطقة المحيط الهادئ وقد اكد هذا الامر، في يوليو عام 2005، الادميرال بيير لاكوست.
ولدى الكاتب الفرنسي تييري بفسنر الذي تولى منصب المتحدث الرسمي لرئيس الوزراء بيار ماوروى في حكومة ميتران الاشتراكية الاولى وجهة نظر خاصة حول سلوك ميتران تجاه الحقائق، فقد ادعى ان الجنرال ديغول قال صائحا ذات مرة «الحقائق! هل تعتقد انني كنت سأقيم حكومة فرنسية حرة ضد الانكليز والاميركيين عن طريق الحقائق؟ اننا نصنع التاريخ بالطموح وليس الحقائق».
وقد نقل الكاتب هذا القول لاثبات نظريته القائلة انه في الذهن الفرنسي نجد ان الكذب في السياسة هو العرف السائد وان كل من يحاول ربط مواصفات الحقيقة بسلوك اي سياسي يعد شخصا ساذجاً، ويستطرد بالقول ان الفرنسيين وبصفة خاصة النخبة الفرنسية، لا يفهمون البتة سبب محاولة محاكمة الرئيس بيل كلينتون، فهم يخشون من عواقب تلك المحاكمة، بالنسبة لقدرتهم على الحفاظ على حياتهم الخاصة سراً وبصفة خاصة حياتهم الجنسية.
الاجابة الصعبة
والسؤال الذي تصعب الاجابة عليه هو: هل كان ميتران سيختار سلوك طريق السرية والغموض والتسلط بغض النظر عن حالته الصحية؟
وهل هو في الاساس شخص تسكره السلطة ومزاياها؟
لقد راقبته قبل توليه السلطة ولم اتمكن من ملاحظة ميول كهذه كامنة لديه.
واعتقد ان المرض شكل عاملاً اساسياً في ذلك، ولكن ككل الامور التي تتعلق بميتران لا يستطيع المرء التأكد من اي شيء
سجله الرئاسي
لقد اثبت ميتران ان الرؤساء قد يعانون من المرض، ومن سوء حالتهم الصحية، وصعوبة العلاج ومع ذلك يستطيعون ادارة الحكم بكل كفاءة، وهم في هذه الحالة لا يختلفون عن عامة الناس، وقد حقق علاج السرطان تقدماً كبيراً، ويستطيع المريض حالياً تحمل العديد من طرق العلاج الصعبة بطريقة جيدة، وكان ميتران في هذه المرحلة يتلقى علاجاً هرمونياً فقط، وهو أخف على الجسد من العلاج الكيماوي، وعلى الرغم من ذلك فانه عند النظر في انجازاته السياسية خلال تلك الاعوام، وبصفة خاصة فترة ولايته الاولى (1981-1988)، حقق ميتران انجازات مذهلة.
وقد كان ميتران رئيساً نشطاً في فترة ولايته الاولى، فقد خاطب المواطنين علناً 1700 مرة على الرغم من خوفه من فقد صوته نتيجة الاعراض الجانبية للعلاج، كما انه سافر الى الخارج 154 مرة وقام بستين زيارة رسمية لخمسة وخمسين بلداً.
وحضر 18 اجتماعاً للمجلس الاوروبي وستة اجتماعات قمة، وبالنظر الى هذا السجل يصعب القول انه كان عليه الاستقالة في نوفمبر 1981، كما يصعب الادعاء بان مرضه اضر بقدرته على اتخاذ القرارات خلال السنوات السبع الاولى من رئاسته
الخداع والحيلة جزء من شخصية ميتران فأخفى مرضه
فرانسوا ميتران مع زوجته
التعتيم الذي استخدمه ميتران، يعود بين أسباب أخرى إلى جهله في ما يتعلق بالأدوية التي وضعت له، حيث كان يقول إن الأدوية التي اعطاه اياها الطبيب غوبار هي لـ«علاج الروماتيزم» غير ان هذا النوع من الخداع يشكل جزءاً من طبيعة ميتران، وشخصيته تعد عاملاً رئيسياً في فهم قرار توخى السرية فهو شخص تعتبر السرية والحيلة جانبا طبيعيا من حياته السياسية ولم يكن من المستغرب انه كان يطلق عليه احيانا اسم «ابو الهول».
جائزة نازية
وقد شاعت هذه السمعة نتيجة الطريقة التي عالج بها مسألة سجل نشاطاته ابان الحرب العالمية الثانية، ففي أواخر أيام تلك الحرب كان يشارك في صفوف المقاومة الفرنسية في تزييف الوثائق والتخطيط لعمليات الهروب لاسرى الحرب.
وخلال عام 1943 وتحت اسم مستعار هو الكابتن مورلان، ومع موريس بينو رئيس القوميسارية، بدأ في تطوير شبكة للمقاومة هي الحركة الوطنية للاسرى ومهجري الحرب ولكن في نوفمبر 1943 تلقى ميتران جائزة من المارشال فيليب بيتان زعيم حكومة فيشي التي تعاونت مع الاحتلال الألماني لفرنسا، وكانت تلك الجائزة تمنح للموظفين الموثوق بهم، ومنحها لميتران اثار جدلا ظل يؤرقه طوال حياته السياسية وهو انه كان متعاوناً في وقت سابق مع الاحتلال النازي، وفي كل مرة كان يهاجم بتلك التهمة، ظل ميتران، ولسنوات يرفض مترفعا التعليق معبرا عن الاعتزاز بكرامته.
زهور على قبر بيتان
ولكنه عندما تولى منصب الرئاسة في نوفمبر 1992 تجاهل منتقديه، واعطى مصداقية للاتهام الذي وجه اليه بالتعاون مع الاحتلال، وذلك بوضعه باقة من الزهور على قبر بيتان، وهذه الخطوة ليست جديدة أو غير مسبوقة، فقد أمر الرئيسان ديغول وجيسكار ديستان بوضع باقة من الزهور عند الاحتفال بالذكرى الخمسين وكذلك الستين على التوالي نهاية الحرب العالمية الثانية، فقد كان بيتان رئيسا للقوات الفرنسية في معركة فيردون، غير ان تصرف ميتران اثار ضجة كبرى.
وربما يكون ميتران قد شعر انه يدرك حقيقة خفّية حول فرنسا وهي انها لا ترغب في حسم قضية ما حدث فعلا في سنوات حكومة فيشي حسما نهائيا، وان احساسه هذا يعكس فقط رأي جيل الفرنسيين ممن كانوا في سن الرشد خلال تلك الفترة بيد ان مدى تورطه مع حكومة فيشي ما زال يحيطه الغموض.
وفي الحكومة المؤقتة التي كانت تنتظر عودة ديغول في اغسطس 1944، كان ميتران حينها في السابعة والعشرين من عمره، ورشح للعمل كسكرتير عام للجنة اسرى الحرب لمدة اسبوعين ولكنه اثناء الحرب حضر اجتماعا متوترا مع ديغول في الجزائر، حيث رفض طلب دمج ثلاث حركات منافسة لاسرى الحرب ولم يطلب منه البته المشاركة في الحكومة في عهد ديغول، ولكنه شارك في حكومة بول راماديير عام 1947 كوزير للجنود السابقين، ومنذ عام 1947 وحتى 1958 في فترة الجمهورية الرابعة عمل ميتران في احدى عشرة حكومة وكان ينظر اليه على انه غير اشتراكي، حيث كان قد انتخب كنائب مستقل.
حكاية غامضة
لقد انتشرت سمعة ميتران في الحيلة والخداع عن طريق حكاية غامضة ادعى البعض انها كانت مخططا يهدف للدعاية. ففي 16 اكتوبر 1959 نشرت الصحف ان ميتران نجا من محاولة اغتيال، واتهمه النائب اليميني روبير بيسكيه باختلاق تلك الحادثة للحصول على تعاطف شعبي. وتم رفع الحصانة البرلمانية عن ميتران حتى يمثل امام القضاء في اعقاب ذلك الاتهام. غير ان القضية لم تنظر البتّة، حيث فرّ بيسكيه من البلاد. وقد الحقت تلك القضية ضررا بالغا بالنسبة لميتران، ولكن وبسبب عادته اللجوء الى السرّية لم يدافع فيها عن نفسه.
انتقال غامض
ومن الامور الغريبة ايضا انتقال ميتران الغامض من صفوف اليمين الى جماعة اليسار في الساحة السياسية الفرنسية. وهي فترة عاش فيها حياته في جو غامض خلقه لنفسه.
وفي عام 1965 خاض انتخابات الرئاسة في مواجهة ديغول، واثبتت تلك الانتخابات قدرته على تشكيل ائتلاف يضم اليسار، حيث حصل على 45 في المائة من اجمالي الاصوات في الجولة الثانية. ومنذئذ اصبح سياسيا امامه مستقبل باهر. وشخص يرغب في ان ينظر اليه على انه مثقف محب للكتب. وقد وصف بأنه «شخصية خارجة من رواية».
أسرة موازية
وحتى اصابته بالمرض، كان اكبر سرّ لميتران هو وجود حياة اسرية موازية، حيث كان يعيش مع رفيقته آن بينغو لفترة طويلة، وله منها ابنة هي مازارين. وقد اخفى هذا الامر عن المواطنين الفرنسيين حتى تم الكشف عنه لاول مرة على صفحات مجلة «باري ماتش» في 10 نوفمبر 1994. وكانت مازارين قد بلغت سن العشرين حينها، وقد تبقت ستة اشهر قبل مغادرة ميتران لمنصب الرئاسة.
وبحلول عام 1981 عندما تم تشخيص اصابته بسرطان البروستاتا، كان ميتران قد اعتاد على توخي السرّية. واكبر الاضرار ذات الاثر السياسي للسرية التي احاط بها ميتران مرضه هي السرعة التي انتقل فيها من كونه سياسيا ديموقراطيا يميل الى الحزب الاشتراكي، والى الناخبين عامة ويؤيد الحقوق الفردية للمواطنين، الى سياسي متسلط غارق في سلطة الدولة التي احاط بها نفسه. كما ان التأثيرات الديموقراطية التي شكلت جزءا من حياته خلال صعوده نحو السلطة، تحولت فجأة الى خيار، واحتل حزبه والناخبون وحقوق الفرنسيين نساء ورجالا مرتبة ثانوية تجاه رغبته العارمة لابقاء مرضه سراً.
تنصت لمصلحة الرئيس
وشكل ميتران «خلية لمكافحة الارهاب» كانت تخضع له مباشرة حيث كانت تتخطى الاساليب القديمة التي كان يتم بها التعامل مع النشاط الارهابي عن طريق الشرطة الوطنية والجندرمة، اللتين تخضعان لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء. وتولت هذه الخلية، التي لا تتمتع بأساس قانوني مناسب، عمليات التنصت الرئاسية التي كشفت النقاب عنها صحيفة ليبراسيون ان اصرار ميتران على التزام السرية لاخفاء مرضه لاسباب «تتعلق بالدولة»، قاد الى اكثر الحملات غير القانونية شمولاً ضد الخصوصية في التاريخ الجمهوري الفرنسي، اذ بأوامر صادرة عن ميتران تنصت فريق غير مخول من الجندرمة على هواتف المئات من السياسيين، والصحافيين والناشرين والشخصيات الباريسية البارزة، وقد برر الرئيس هذا العمل بذريعة حاجته لمعرفة ان كان اي منهم على استعداد للكشف عن تفاصيل مرضه، ولكن هذا الامر كان في جزء منه تبريراً للحفاظ على سرية حياته الاسرية الموازية وابعاد الانظار عن بينغو وابنتهما، وهما كانتا تقيمان في مسكن محروس على نفقة الخزينة العامة، ونفى ميتران بشدة وجود اي تنصت على الهواتف في لقاء مع التلفزيون البلجيكي عام 1993.
طائرتان للسفر
وقد احاطت هذه السرية ايضا زيارات ميتران للدول الاجنبية، وكان يبعث طائرتين، واحدة له واخرى تصل بعدها بوقت قصير تحمل اسرته السرية، وكان الزعماء الاجانب يدركون ذلك، وربما تكون الصحافة قد تكهنت به ،لكن لم يعلن او يكتب الا القليل حول هذا الامر، وقد تحول الكذب الى عنصر في الحياة اليومية حتى انتقل الى مجالات صنع السياسات، ونحن نعرف الان على سبيل المثال انه بالرغم من كل تصريحات النفي، فإن ميتران خول جهاز الاستخبارات الفرنسي بإغراق سفينة جماعة غرين بيس الداعية للمحافظة على البيئة «رينبو ورير» التي كانت تعد لإرباك الاختبارات النووية الفرنسية في منطقة المحيط الهادئ وقد اكد هذا الامر، في يوليو عام 2005، الادميرال بيير لاكوست.
ولدى الكاتب الفرنسي تييري بفسنر الذي تولى منصب المتحدث الرسمي لرئيس الوزراء بيار ماوروى في حكومة ميتران الاشتراكية الاولى وجهة نظر خاصة حول سلوك ميتران تجاه الحقائق، فقد ادعى ان الجنرال ديغول قال صائحا ذات مرة «الحقائق! هل تعتقد انني كنت سأقيم حكومة فرنسية حرة ضد الانكليز والاميركيين عن طريق الحقائق؟ اننا نصنع التاريخ بالطموح وليس الحقائق».
وقد نقل الكاتب هذا القول لاثبات نظريته القائلة انه في الذهن الفرنسي نجد ان الكذب في السياسة هو العرف السائد وان كل من يحاول ربط مواصفات الحقيقة بسلوك اي سياسي يعد شخصا ساذجاً، ويستطرد بالقول ان الفرنسيين وبصفة خاصة النخبة الفرنسية، لا يفهمون البتة سبب محاولة محاكمة الرئيس بيل كلينتون، فهم يخشون من عواقب تلك المحاكمة، بالنسبة لقدرتهم على الحفاظ على حياتهم الخاصة سراً وبصفة خاصة حياتهم الجنسية.
الاجابة الصعبة
والسؤال الذي تصعب الاجابة عليه هو: هل كان ميتران سيختار سلوك طريق السرية والغموض والتسلط بغض النظر عن حالته الصحية؟
وهل هو في الاساس شخص تسكره السلطة ومزاياها؟
لقد راقبته قبل توليه السلطة ولم اتمكن من ملاحظة ميول كهذه كامنة لديه.
واعتقد ان المرض شكل عاملاً اساسياً في ذلك، ولكن ككل الامور التي تتعلق بميتران لا يستطيع المرء التأكد من اي شيء
سجله الرئاسي
لقد اثبت ميتران ان الرؤساء قد يعانون من المرض، ومن سوء حالتهم الصحية، وصعوبة العلاج ومع ذلك يستطيعون ادارة الحكم بكل كفاءة، وهم في هذه الحالة لا يختلفون عن عامة الناس، وقد حقق علاج السرطان تقدماً كبيراً، ويستطيع المريض حالياً تحمل العديد من طرق العلاج الصعبة بطريقة جيدة، وكان ميتران في هذه المرحلة يتلقى علاجاً هرمونياً فقط، وهو أخف على الجسد من العلاج الكيماوي، وعلى الرغم من ذلك فانه عند النظر في انجازاته السياسية خلال تلك الاعوام، وبصفة خاصة فترة ولايته الاولى (1981-1988)، حقق ميتران انجازات مذهلة.
وقد كان ميتران رئيساً نشطاً في فترة ولايته الاولى، فقد خاطب المواطنين علناً 1700 مرة على الرغم من خوفه من فقد صوته نتيجة الاعراض الجانبية للعلاج، كما انه سافر الى الخارج 154 مرة وقام بستين زيارة رسمية لخمسة وخمسين بلداً.
وحضر 18 اجتماعاً للمجلس الاوروبي وستة اجتماعات قمة، وبالنظر الى هذا السجل يصعب القول انه كان عليه الاستقالة في نوفمبر 1981، كما يصعب الادعاء بان مرضه اضر بقدرته على اتخاذ القرارات خلال السنوات السبع الاولى من رئاسته
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
رد: كتاب المرض والسلطة الحزء الخامس 5
ملاحظة تم حجب الجزء السادس من الجهة التى نشرت الكتاب
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 1و2و3
اضغط هنا للاطلا على الجزء 4
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الخامس
اضغط هنا للاطلاع على الجزء السابع
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الثامن
اضغط هنا للاطلاع على الجزء التاسع
اضغط هنا للاطلاع على الجزء العاشر
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 11
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 12
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 13
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 14
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 15
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 16
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 17 والاخير
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 1و2و3
اضغط هنا للاطلا على الجزء 4
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الخامس
اضغط هنا للاطلاع على الجزء السابع
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الثامن
اضغط هنا للاطلاع على الجزء التاسع
اضغط هنا للاطلاع على الجزء العاشر
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 11
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 12
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 13
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 14
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 15
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 16
اضغط هنا للاطلاع على الجزء 17 والاخير
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
حبة مسك- مشرف
-
عدد المشاركات : 3906
العمر : 61
رقم العضوية : 263
قوة التقييم : 57
تاريخ التسجيل : 12/06/2009
مواضيع مماثلة
» كتاب المرض والسلطة الجزء الخامس عشر 15
» كتاب المرض والسلطة الجزء 1 و 2 و 3
» كتاب المرض والسلطة الجزء الثاني عشر 12
» كتاب المرض والسلطة الجزء الثالث عشر 13
» كتاب المرض والسلطة الجزء الرابع عشر 14
» كتاب المرض والسلطة الجزء 1 و 2 و 3
» كتاب المرض والسلطة الجزء الثاني عشر 12
» كتاب المرض والسلطة الجزء الثالث عشر 13
» كتاب المرض والسلطة الجزء الرابع عشر 14
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
2024-11-21, 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR