إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 12
صفحة 1 من اصل 1
كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 12
صوريّا رَوَت قصتها بـ «العربي المشبرح» (12)
عُرف عن العقيد معمر القذافي انه كان ماجناً، وكلما تقدم به العمر، كان يحيط نفسه بمزيد من الفتيات، يتحرش بهن، ويعاشرهن، ويعتدي عليهن، وكأنه كان يريد أن يثبت «رجولته الدائمة»، كما كان يُخضع شعبه، رجالاً ونساء، لآلة القمع التي استخدمها بلا رحمة ليحصل على ما يريد ومن يريد.
بعد قصة صوريا تبين ان هناك قصصاً عديدة تشبهها وان فتيات كثيرات كن ضحايا للعقيد.
وفي الجزء الثاني من كتاب «الفرائس في حرم القذافي»، الذي تنشره القبس، تروي الكاتبة الحقائق التي استقتها لتؤكد صحة ما سمعته من صوريا وعنها.
صوريا لا تغش. إنها تخبر ما عاشته، ولا تخجل مما تعرفه ولا تردد بالقول إنها لا تفهم. لم ألمس أي رغبة لديها بالمبالغة في رواية قصتها، أو بتسليط الأضواء على دورها. عندما كنت أطلب منها تفاصيل إضافية أو مزيد من الدقة كانت تقول «آسفة لا أعرف أكثر. لم أكن موجودة». إنها تريد أن يصدقها الناس. وهي تريد أن تكون روايتها ذات مصداقية.
كان هناك اتفاق بيننا يقضي بأن تلزم الصمت عوضا عن أن تحدثني بأشياء غير دقيقة، أو غير صحيحة، لأن أي عملية غش أو تزوير للحقائق، ولو كانت صغيرة، تطيح بشهادتها.
قالت كل شيء. كانت تصحح ما يقوله والدها عندما يحاول أن يأخذ حريته قليل اًبالحديث عن التطورات بشكل يناسبه.
أحياناً، وبينما كانت تروي تفاصيل ما تعرضت له، كانت تستخدم عبارات فجة وتقولها كما هي «بالعربي المشبرح»، رغم معرفتها بأنها عبارات غير لائقة. ولكن كيف كان بمقدورها أن تتصرف بشكل مختلف؟! كانت أحياناً تتسلى عندما تشعر أن هناك صعوبة بالترجمة. وكانت تقول لي «أتساءل عن أي كلمة ستستخدمين لقول هذا! أنا لا أسهل عليك المهمة؟»
ولكنها راوية قصة رائعة. كانت ترد على الأسئلة بشجاعة وجرأة أثرتا بي كثيراً.
كنا نلتقي كل يوم منذ بداية عام 2012 في شقتها المؤقتة في طرابلس. ونادراً في غرفتي في الفندق. كانت تروي لي حكايتها مع القذافي بشغف. تحرك يديها. تقلد الشخصيات تنتقل من القذافي إلى مبروكة.
كيف يمكنني أن أنسى مشاعرها وهي تستعيد بذاكرتها اللحظات المصيرية التي جعلت الفظاعات لا تفارقها؟ أحيانا كان الحزن يغلب على فقدانها الأمل؟ القلق في تخيل مستقبلها؟ ولماذا أخفي انفجارنا بالضحك بعد انتهاء حوارنا الطويل، حيث كانت تضع التلفزيون على قناة تبث الكليبات المصرية وتعقد «المنديل» على خصرها وتعلمني الرقص الشرقي: «قفي مستقيمة الظهر، افتحي ذراعيك، صدرك إلى الأمام، ابتسمي بطريقة ليس بمقدور أحد مقاومتها، يلا.. هزّي خصرك!»
رواية الأب
العلاقة بعائلتها لم تنفك عن التدهور.. والعزلة بينهما زادت اتساعا.
وقد سنحت لي فرصة لقاء والدها في يناير 2012 وكانت الهموم تطغى على محياه. جاء لزيارتها فجأة، ولم يكن يعرف بوجودي، ولم يقل لزوجته.
كان ينظر إليها بحنان لا متناه، ويقول: «كانت، ومنذ نعومة أظافرها، تُشيع الفرح في المنزل. وُلدت ومعها حس الفكاهة. ويوم اختفت غادرت السعادة منزلنا. وحل محلها الحزن، الذي لم يغادرنا إطلاقا».
يلوم نفسه لأنه لم يكن في سرت عندما زار العقيد مدرسة ابنته: «لو بمقدورك تخيل كيف عشت قضية باقة الورد تلك التي قدمتها صوريا للعقيد. أعيد تذكرها يوميا مئات المرات. انني واثق أن هناك متواطئين جاؤوا الى صالون زوجتي للتأكد من أن صوريا موجودة. كما أنني أشك بأن مدير المدرسة كان بدوره متواطئاً مع زمرة القذافي ليضع أمامه فتيات يعجبنه. وكان يكفي بعد ذلك أي حجة لكي تتعرفن عليه».
«بت أعرف الآن، وبكل تأكيد، أنه كان للقذافي عصابات مجرمة في كل المناطق للقيام بهذا العمل القذر».
كان يغلق قبضته بقوة، ويهز رأسه، ويغرق في أفكاره وندمه: «لو كنت موجودا ما كنت تركت صوريا تغادر مع النساء الثلاث بحجة سخيفة حمقاء! عندما أخبرتني زوجتي، من دون أن تتجرأ على قول كل شيء- كل ليبيا تعلم أن هواتفها مراقبة- توجهت الى سرت مباشرة. الجو كان رهيبا. لم نغمض أعيننا لا في الليلة الأولى ولا في الثانية ولا في الثالثة. كدت أصاب بالجنون. تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبتلعني. رفيقات صوريا، أساتذتها، جيراننا وزبونات الصالون يسألون عنها +أين هي؟+ عدت الى طرابلس وبات بمقدور والدتها القول إنها مع والدها في العاصمة. في لحظة من اللحظات فكرت في رفع دعوى. ولكن عند من؟ وضد من؟ ولماذا؟ صوريا غادرت بسيارة تابعة للبروتوكول تحيط بها حارسات القذافي، أي عملية احتجاج كانت مستحيلة. من يفكر في جهنم أن يرفع دعوى على الشيطان؟».
العار أو الموت
عندما تأكد الأهل بعد فترة أن صوريا فريسة القذافي انهاروا.
«الخيار كان العار أو الموت، لأن الاحتجاج أو الشكوى كان يعني حكم الإعدام علينا. ففضلت أن أختفي في طرابلس ونسيت في يومها طعم السعادة».
كان والد صوريا يتمنى لو أن العدالة تنصف ابنته، وأن تعود مرفوعة الرأس الى المنزل، وقد غسل العار أمام العائلة ولكن هذا مستحيل «كل الناس الذين يحيطون بنا يشكون بقصة صوريا، ويعتبرونني جبانا ونصف رجل من أشباه الرجال، وفي مجتمعنا لا توجد شتيمة أقسى من هذه. وهي تلطخ ابنائي، حطمتهم، عقدتهم، غير قادرين على تخيل مخرج لكي يظهروا أنهم رجال سوى قتل أختهم. إن هذا رهيب! لم يعد لديها أي فرصة في ليبيا، إن مجتمعنا تقليدي، أحمق وبلا أي شفقة أو رحمة، هل تعلمين كل ما أرغب به هو أن تتبناها عائلة أجنبية، أقول هذا والأسى يحز في قلبي!».
إلى سرت
كان يتعين علي الذهاب الى سرت، مدينة القذافي، أردت رؤية المنزل الذي كبرت صوريا في داخله، صالون الحلاقة والمدرسة التي قدمت فيها باقة الورود.
رفضت صوريا مرافقتي، ولكنها قالت إنها تتفهمني وكانت تتساءل عما حل بسرت مدينة القذافي، التي حولها من مدينة صغيرة لصيادي الأسماك الى عاصمة للولايات الأفريقية المتحدة، والتي شهدت معارك طاحنة في خريف عام 2011. تعرضت مدينة سرت لقصف الأطلسي العنيف، ويجري الحديث عنها الآن وكأنها مدينة أشباح. تتآكلها أمراض جنون العظمة، التي دمرتها، ومن خلاله الاحتماء بها في ساعاته الأخيرة جذب إليها القذافي حمى النيران والقذائف والقصف، وهو بذلك لم يقدم لها أي خدمة.
بعد أن قطعت مسافة 360 كلم تخللها التوقف على الحواجز، حواجز الثوار، والعواصف الرملية، التي كانت تحجب الرؤية، لاحت المدينة في الأفق. وبشكل أدق بدا هيكلها العظمي.
منازل قتالية خالية، مهجورة، تعرضت للقصف والنهب، مبان حيطانها سوداء وقد فتح القصف فيها فجوات. منازل ومبان رسمية مدمرة كليا.
الجزء الذي توجد فيه شقة صوريا في شارع دبي كان سليما. بالكاد نرى أثر الحرب على المباني البيضاء المؤلفة من ثلاثة أو أربعة طوابق. مداخل البنايات طليت باللون الأخضر. لون القذافي. علما بأن القذاذفة قد أبعدوا من المدينة، وقد يكون السبب باستخدام هذا اللون هو استخدام كميات الطلاء الموجودة فيها. محلات الملابس والعطور قد أعيد فتحها، وفي شارع قريب يقع صالون حلاقة أم صوريا.
تقدمت من إحدى العاملات فيه، فقالت لي بأنه يتعين عليّ أن أعود في يوم آخر، لأن المواعيد ممتلئة حتى المساء، سألت عن صاحبة المحل فقالت لي انها غير موجودة اليوم.
في مدرسة باقة الورد
ذهبت الى المدرسة، التي خطفت منها، مدرسة الثورة العربية، وهي عبارة عن بناء كبير أبيض اللون، لم يُصب بأي طلقة أو أنه أعيد ترميمه بشكل جيد، كانت الساعة الواحدة بعد الظهر، وكانت التلميذات في الملعب يرتدين اللباس الموحد الذي وصفته صوريا لي، بنطلون أسود وقميصا طويلا وغطاء أبيض.
استقبلني المدير محمد علي مفتي وأخبرني أن المدرسة أصبحت تعتمد نظام الدوامين، لأن هناك مدرستين قد دُمرتا كلياً بقصف الأطلسي. وشرح لي حجم المشاكل التي واجهها لكي يتمكن التلامذة ال 913 من بدء العام الدراسي في 15 ديسمبر، أي بعد أسبوعين من بدء العام الدراسي في كل ليبيا، نظراً لأن المعارك في سرت استغرقت وقتاً طويلاً وكان يتعين تغيير النوافذ والأبواب والتمديدات الصحية، وطلاء البناء بكامله. وقالي لي إن الكمبيوترات وأجهزة التلفزيون والمكتبة والمختبرات قد نهبت كلياً.
وقد تبرع السكان لكي لا يتأثر أولادهم، وأخبرني عن تأثير الحرب في التلميذات والأزمات العصبية التي يصبن بها. فبعض العائلات فقدت خمسة من أفرادها.
فأحيانا كلمة أو صورة تفجر هيستيريا لدى بعضهن، لم نعد بحاجة الى مساعدات إجتماعية بل الى أطباء نفسيين. وبالنسبة للبرامج أكد لي أنها لم تشهد تغييراً يذكر باستثناء إلغاء البرامج السياسية.
عندما سألته عن المدير السابق قال لي إنه لا يعرف عنه شيئا، غادر ليبيا، ويبدو أنه من أنصار القذافي.
ولما طرحت عليه السؤال عن زيارة العقيد في ابريل 2004 الى المدرسة والهدايا التي قدمتها له الفتيات الجميلات وخطف إحداهن ليجعلها عبدته ويعتدي عليها رد علي قائلا «إن هذا غير صحيح، لأن القذافي لا يزور المدارس»!
ولكنني التقيت بفتاة شهادتها جدية، وأعطتني الكثير من التفاصيل، قلت هذا بهدوء، ولكنه راح يصرخ بأعلى صوته ويردد «هذا غير صحيح.. هذا هراء».
ولكن الصحف كانت تنشر صوره لدى زياراته للمدارس؟
«لا، ليس في سرت. إنها مدينته، لم يأت الى أي مدرسة في سرت. في هذه المدرسة كان أولاد أقارب القذافي، إن ما تقولينه هو لتوسيخ سمعته.. إنها حقارة. قد يكون توجه للتلميذات عبر مؤتمر فيديو».
ارتأيت أن أكتفي بهذا الحد، ولم أعطه اسم صوريا كي لا يُثأر من أسرتها، لأنه على ما بدا لي من هذا المدير إن سرت لم تطو الصفحة بعد.
حكايا المعلمات
كنت أهم بمغادرة المدرسة، ولكنني لمحت في إحدى القاعات مجموعة من المعلمات الشابات، أحطن بي عندما دخلت الى القاعة. وما إن بدأت أتحدث معهن حتى أقفلن الباب. كن يتحدثن في الوقت ذاته، أخبار الثورة، وعندما طرحت السؤال عليهن حول خطف البنات، كل سرت كانت على علم بهذه الممارسات.
قالت لي إحداهن: «كان يسيطر على سكان المدينة. على قبيلته، عائلته. المدرسة انشأتنا على عبادة شخصه، ولكن الجميع كان يعلم أن القذافي كان حقيراً عندما يتعلق الأمر بالأخلاق والذي يقول إنه يجهل ذلك فهو منافق كبير».
زميلاتها الخمس أكدن الشيء ذاته، وأعربن عن اشمئزازهن مما قاله المدير. وقالت إحداهن «للأسف.. إن المسؤولين الجدد هم من طينة المدير السابق ذاته الذي فر مع أنصار القذافي». وأكدت أخرى أنها درست في المدرسة ذاتها، وأنها شاهدت القذافي عندما زار قاعة الرياضة. لم تتذكر صوريا، ولكنها متأكدة أن القذافي جاء الى المدرسة. وتذكرت مُدرسة أخرى الخطاب الذي ألقاه العقيد في جامعة سرت، وكيف أن الحركة في المدينة قد تعطلت، لأنه عندما كان يأتي كان كل شيء يتوقف.
وقالت لي المدرسات إنه كان يستغل كل المناسبات للقاء الشابات الصغيرات. كان يدعو نفسه لحضور الأفراح في اللحظة الأخيرة، وكانت معظم العائلات تعتبر أن القذافي خصها بالتكريم، «ولكن أخوالي، المنتمين الى عائلته، كانوا يمنعونني من الظهور أمامه، كان يدعو التلميذات لزيارته في كتيبة السعدي. ذهبت مرتين مع المدرسة بمناسبة مهرجان الأغنية، ولكن أهلي منعوني من التوجه لاحقاً، وقال لي أخي إن مقر الكتيبة هو مكان المخاطر، وإذا لم يأت الأمر منه فان الخطر يمكن أن يأتي من زمرته، من كبار ضباطه حتى من أي عسكري لأن أخلاق القذافي السيئة تُعدي من حوله كان عمري 16 عاما وكنت في ثانوية +الفكر الطليعي+، عندما جاءنا أحد المدرسين وقال لنا إن بابا معمر مريض. أقلتنا حافلة نقل إلى الثكنة حيث استقبلنا تحت الخيمة. وكان يحضننا الواحدة تلو الأخرى. وكنا خجولات ولم تظهر عليه أي من علامات المرض».
وتذكرت معلمة أخرى أنها ذهبت مع المدرسة لتحية الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في ثكنة السعدي. «كان القذافي بحاجة دائما لإحاطة نفسه بالفتيات الشابات. وكنا نشكل أداة دعائية له».
قالت مدرسة أخرى، من مصراتة، إن قبيلتها نظمت ذات يوم حفلا كبيرا رسميا للولاء للقائد. «كان يحب هذا النوع من التظاهرات، لأنه كان حريصا على ولاءات القبائل التي كانت تشكل له دائما مصدر قلق. ولفتت نظره شابة صديقة لعريفة الحفل. وفي اليوم الثاني ذهب الحرس الثوري لإحضارها من المدرسة. رفض المدير السماح للتلميذة بمغادرة المدرسة، لأن الفتاة كان لديها امتحانات. ولكن في المساء تم اختطاف الفتاة خلال حفل زفاف. اختفت ثلاثة أيام. اعتدى عليها القذافي. عادت بعد ذلك وتم تزويجها لأحد حراس القذافي. والد الفتاة، وهو أستاذ في المدرسة أخبرني مأساة ابنته وتوسل إلي أن أكون حذرة».
دق جرس عودة الحصص. وقفت المعلمات وطلبن مني ألا أنشر أسماءهن، فالأمور ليست بسيطة في سرت. لأن الكثير من السكان يحقد على السلطة الجديدة، ويعتقد أنها ستدفعه ثمن ارتباطها العضوي مع القذافي.
إن تتبع خطوات صوريا ليست مسألة سهلة. خاصة انني كنت أخشى أن ألفت الانتباه إليها، والى عائلتها، وأن أوقظ غضب أشقائها، والإساءة إلى مستقبلها في ليبيا. إذن يجب أن تبقى قصتها سرّية.
شهادة حياة.. وعادل
وحدها حياة، قريبتها التونسية وصديقتها، كانت تستقبلني بترحاب. وكانت تحنو على صوريا وتشهد على محاولاتها الهادفة للهروب من وطأة ضغط العائلة.
أما الفتيات اللاتي عشن مع صوريا في باب العزيزية أو التقت بهن هناك فقد رفضن لقائي.
أمل (الأولى) تزوجت وتوسلت أن ننساها. أمل.ج. (الثانية) أصبحت مدمنة على الكحول وتعيش على ذكريات الحنين للقذافي وتخشى أن تشي صوريا بها.
سائق واحد وسيدتان كانوا في بروتوكول القذافي تذكروا صوريا. فلم يكن يسمح إلا للقلة بالنزول إلى الطابق الواقع تحت الأرض في منزل القذافي. في باريس ساعدني عادل، صديق صوريا التونسي، على فهم فشل تجربتها الفرنسية. تحدث إليّ عن صوريا بحنين وعطف: «لقد وصلت الى فرنسا محطمة، مدمرة. لم تكن لديها أي تجربة مهنية، لم يكن عندها أي فكرة عن الانضباط بالمواعيد. ولم تكن لديها أي تجربة في الحياة الاجتماعية، كانت كفتاة صغيرة لم تتعلم الحياة، أو كعصفور صغير تعلم الطيران، ولكنه في كل مرة كان يصطدم بزجاج الغرفة عندما يحاول الخروج منها، اهتم بها بقدر استطاعته».
استقبلها في بيته عندما لاحظ أنه لم يعد بمقدورها البقاء عند وردة، حاول أن يساعدها في العثور على عمل- بما في ذلك التدرب في صالون حلاقة نسائية، ولكن للأسف صوريا لم تصمد لأنها لا تتكلم اللغة الفرنسية. اتصل بإحدى المحاميات لكي تحصل على إقامة، كان يسد احتياجاتها اليومية لعدة أشهر. كان الأمر مرعباً عندما يراها تكافح وتفشل دائماً. «خدعتها الوعود الكذب، استغلها رجال لا يفكرون إلا باستغلالها جسديا. خطأ ثريا الأول هو أنها لم تجبر نفسها على تعلم اللغة الفرنسية مباشرة، ثم العلاقات التي أقامتها. وردة وغيرها من الذين التقت بهم في مقهر ماركيز، لأنه من السهل جداً العيش في وسط يتكلم اللغة العربية، ولكن هذا يمنع كل اندماج في المجتمع الفرنسي. كل إمكانية للانخراط فيه. إجراء دورات تدريبية تأهيلية، العثور على عمل. وكان نفس ثريا قصيرا، ونمط حياتها لا يساعدها، فهي غير قادرة على النوم قبل الساعة الرابعة صباحاً، ولا تستيقظ قبل الساعة الحادية عشرة. غير قادرة على التأقلم مع النظام والانضباط، ولا تتحمل أي أمر، من أي كان، وكأنه بعد القذافي لم يعد يحق لأي شخص أن يمارس عليها أي سلطة».
عادل استقبل ثريا كأخته الصغرى، علماً أنه كان مُغرماً بها، «ومن لم يكن يقع في حبها. عندما كانت ترقص في المركز، كانت بقية الفتيات يغرن منها».
كانت تقضي أوقاتها في النهار تدخن، وتتحدث على الهاتف، تشاهد التلفزيون، وتبكي أحياناً بسبب الذكريات والقلق من المستقبل. كانت تقول كل شيء لعادل، وحتى عن القذافي، وكانت تتحدث عنه بخليط من الحقد والغضب والاحترام، وكانت تحتج بشدة عندما يثير المسألة الأخيرة معها. وليس مستغربا أن تختلط مشاعر الاحترام بلفظه، وبالمشاعر تجاه الرجل الذي كان يتحكم بمصيرها.
«كنت أعرف أنها كانت تريد أن أخصص لها المزيد من الوقت، وأن أتنزه معها خلال النهار، وأن أتأقلم مع نمط حياتها بعيداً عن ضغوط الحياة والعمل، ولكن ليس بمقدوري أن ألبي رغباتها، لأنني كنت أعمل طيلة النهار كالمجنون، وهي لم تكن تستوعب أنه ليس من السهل على المهاجر النجاح في فرنسا من دون ذلك. من دون العمل، لم تكن جاهزة وكان التعايش بيننا صعباً في النهاية».
لم يتخل عنها عادل عندما عملت في المقهى الأول، ولا في الثاني. كان يقوم بزيارتها ويتبضع قبل ذلك. كان يرى أنها غير قادرة على الاكتفاء بما تكسبه.
عندما اتصلت به لتقول له، إنها قررت العودة إلى ليبيا لم يصدقها. قال لها إن هذا غير ممكن. اتصلت به بعد ساعات عدة من مطار طرابلس.
فقال لها «لقد ارتكبت يا صوريا خطأ فادحاً». فردت «لم يكن لدي خيار آخر»... «تحملي النتائج إذن»
عُرف عن العقيد معمر القذافي انه كان ماجناً، وكلما تقدم به العمر، كان يحيط نفسه بمزيد من الفتيات، يتحرش بهن، ويعاشرهن، ويعتدي عليهن، وكأنه كان يريد أن يثبت «رجولته الدائمة»، كما كان يُخضع شعبه، رجالاً ونساء، لآلة القمع التي استخدمها بلا رحمة ليحصل على ما يريد ومن يريد.
بعد قصة صوريا تبين ان هناك قصصاً عديدة تشبهها وان فتيات كثيرات كن ضحايا للعقيد.
وفي الجزء الثاني من كتاب «الفرائس في حرم القذافي»، الذي تنشره القبس، تروي الكاتبة الحقائق التي استقتها لتؤكد صحة ما سمعته من صوريا وعنها.
صوريا لا تغش. إنها تخبر ما عاشته، ولا تخجل مما تعرفه ولا تردد بالقول إنها لا تفهم. لم ألمس أي رغبة لديها بالمبالغة في رواية قصتها، أو بتسليط الأضواء على دورها. عندما كنت أطلب منها تفاصيل إضافية أو مزيد من الدقة كانت تقول «آسفة لا أعرف أكثر. لم أكن موجودة». إنها تريد أن يصدقها الناس. وهي تريد أن تكون روايتها ذات مصداقية.
كان هناك اتفاق بيننا يقضي بأن تلزم الصمت عوضا عن أن تحدثني بأشياء غير دقيقة، أو غير صحيحة، لأن أي عملية غش أو تزوير للحقائق، ولو كانت صغيرة، تطيح بشهادتها.
قالت كل شيء. كانت تصحح ما يقوله والدها عندما يحاول أن يأخذ حريته قليل اًبالحديث عن التطورات بشكل يناسبه.
أحياناً، وبينما كانت تروي تفاصيل ما تعرضت له، كانت تستخدم عبارات فجة وتقولها كما هي «بالعربي المشبرح»، رغم معرفتها بأنها عبارات غير لائقة. ولكن كيف كان بمقدورها أن تتصرف بشكل مختلف؟! كانت أحياناً تتسلى عندما تشعر أن هناك صعوبة بالترجمة. وكانت تقول لي «أتساءل عن أي كلمة ستستخدمين لقول هذا! أنا لا أسهل عليك المهمة؟»
ولكنها راوية قصة رائعة. كانت ترد على الأسئلة بشجاعة وجرأة أثرتا بي كثيراً.
كنا نلتقي كل يوم منذ بداية عام 2012 في شقتها المؤقتة في طرابلس. ونادراً في غرفتي في الفندق. كانت تروي لي حكايتها مع القذافي بشغف. تحرك يديها. تقلد الشخصيات تنتقل من القذافي إلى مبروكة.
كيف يمكنني أن أنسى مشاعرها وهي تستعيد بذاكرتها اللحظات المصيرية التي جعلت الفظاعات لا تفارقها؟ أحيانا كان الحزن يغلب على فقدانها الأمل؟ القلق في تخيل مستقبلها؟ ولماذا أخفي انفجارنا بالضحك بعد انتهاء حوارنا الطويل، حيث كانت تضع التلفزيون على قناة تبث الكليبات المصرية وتعقد «المنديل» على خصرها وتعلمني الرقص الشرقي: «قفي مستقيمة الظهر، افتحي ذراعيك، صدرك إلى الأمام، ابتسمي بطريقة ليس بمقدور أحد مقاومتها، يلا.. هزّي خصرك!»
رواية الأب
العلاقة بعائلتها لم تنفك عن التدهور.. والعزلة بينهما زادت اتساعا.
وقد سنحت لي فرصة لقاء والدها في يناير 2012 وكانت الهموم تطغى على محياه. جاء لزيارتها فجأة، ولم يكن يعرف بوجودي، ولم يقل لزوجته.
كان ينظر إليها بحنان لا متناه، ويقول: «كانت، ومنذ نعومة أظافرها، تُشيع الفرح في المنزل. وُلدت ومعها حس الفكاهة. ويوم اختفت غادرت السعادة منزلنا. وحل محلها الحزن، الذي لم يغادرنا إطلاقا».
يلوم نفسه لأنه لم يكن في سرت عندما زار العقيد مدرسة ابنته: «لو بمقدورك تخيل كيف عشت قضية باقة الورد تلك التي قدمتها صوريا للعقيد. أعيد تذكرها يوميا مئات المرات. انني واثق أن هناك متواطئين جاؤوا الى صالون زوجتي للتأكد من أن صوريا موجودة. كما أنني أشك بأن مدير المدرسة كان بدوره متواطئاً مع زمرة القذافي ليضع أمامه فتيات يعجبنه. وكان يكفي بعد ذلك أي حجة لكي تتعرفن عليه».
«بت أعرف الآن، وبكل تأكيد، أنه كان للقذافي عصابات مجرمة في كل المناطق للقيام بهذا العمل القذر».
كان يغلق قبضته بقوة، ويهز رأسه، ويغرق في أفكاره وندمه: «لو كنت موجودا ما كنت تركت صوريا تغادر مع النساء الثلاث بحجة سخيفة حمقاء! عندما أخبرتني زوجتي، من دون أن تتجرأ على قول كل شيء- كل ليبيا تعلم أن هواتفها مراقبة- توجهت الى سرت مباشرة. الجو كان رهيبا. لم نغمض أعيننا لا في الليلة الأولى ولا في الثانية ولا في الثالثة. كدت أصاب بالجنون. تمنيت لو أن الأرض تنشق وتبتلعني. رفيقات صوريا، أساتذتها، جيراننا وزبونات الصالون يسألون عنها +أين هي؟+ عدت الى طرابلس وبات بمقدور والدتها القول إنها مع والدها في العاصمة. في لحظة من اللحظات فكرت في رفع دعوى. ولكن عند من؟ وضد من؟ ولماذا؟ صوريا غادرت بسيارة تابعة للبروتوكول تحيط بها حارسات القذافي، أي عملية احتجاج كانت مستحيلة. من يفكر في جهنم أن يرفع دعوى على الشيطان؟».
العار أو الموت
عندما تأكد الأهل بعد فترة أن صوريا فريسة القذافي انهاروا.
«الخيار كان العار أو الموت، لأن الاحتجاج أو الشكوى كان يعني حكم الإعدام علينا. ففضلت أن أختفي في طرابلس ونسيت في يومها طعم السعادة».
كان والد صوريا يتمنى لو أن العدالة تنصف ابنته، وأن تعود مرفوعة الرأس الى المنزل، وقد غسل العار أمام العائلة ولكن هذا مستحيل «كل الناس الذين يحيطون بنا يشكون بقصة صوريا، ويعتبرونني جبانا ونصف رجل من أشباه الرجال، وفي مجتمعنا لا توجد شتيمة أقسى من هذه. وهي تلطخ ابنائي، حطمتهم، عقدتهم، غير قادرين على تخيل مخرج لكي يظهروا أنهم رجال سوى قتل أختهم. إن هذا رهيب! لم يعد لديها أي فرصة في ليبيا، إن مجتمعنا تقليدي، أحمق وبلا أي شفقة أو رحمة، هل تعلمين كل ما أرغب به هو أن تتبناها عائلة أجنبية، أقول هذا والأسى يحز في قلبي!».
إلى سرت
كان يتعين علي الذهاب الى سرت، مدينة القذافي، أردت رؤية المنزل الذي كبرت صوريا في داخله، صالون الحلاقة والمدرسة التي قدمت فيها باقة الورود.
رفضت صوريا مرافقتي، ولكنها قالت إنها تتفهمني وكانت تتساءل عما حل بسرت مدينة القذافي، التي حولها من مدينة صغيرة لصيادي الأسماك الى عاصمة للولايات الأفريقية المتحدة، والتي شهدت معارك طاحنة في خريف عام 2011. تعرضت مدينة سرت لقصف الأطلسي العنيف، ويجري الحديث عنها الآن وكأنها مدينة أشباح. تتآكلها أمراض جنون العظمة، التي دمرتها، ومن خلاله الاحتماء بها في ساعاته الأخيرة جذب إليها القذافي حمى النيران والقذائف والقصف، وهو بذلك لم يقدم لها أي خدمة.
بعد أن قطعت مسافة 360 كلم تخللها التوقف على الحواجز، حواجز الثوار، والعواصف الرملية، التي كانت تحجب الرؤية، لاحت المدينة في الأفق. وبشكل أدق بدا هيكلها العظمي.
منازل قتالية خالية، مهجورة، تعرضت للقصف والنهب، مبان حيطانها سوداء وقد فتح القصف فيها فجوات. منازل ومبان رسمية مدمرة كليا.
الجزء الذي توجد فيه شقة صوريا في شارع دبي كان سليما. بالكاد نرى أثر الحرب على المباني البيضاء المؤلفة من ثلاثة أو أربعة طوابق. مداخل البنايات طليت باللون الأخضر. لون القذافي. علما بأن القذاذفة قد أبعدوا من المدينة، وقد يكون السبب باستخدام هذا اللون هو استخدام كميات الطلاء الموجودة فيها. محلات الملابس والعطور قد أعيد فتحها، وفي شارع قريب يقع صالون حلاقة أم صوريا.
تقدمت من إحدى العاملات فيه، فقالت لي بأنه يتعين عليّ أن أعود في يوم آخر، لأن المواعيد ممتلئة حتى المساء، سألت عن صاحبة المحل فقالت لي انها غير موجودة اليوم.
في مدرسة باقة الورد
ذهبت الى المدرسة، التي خطفت منها، مدرسة الثورة العربية، وهي عبارة عن بناء كبير أبيض اللون، لم يُصب بأي طلقة أو أنه أعيد ترميمه بشكل جيد، كانت الساعة الواحدة بعد الظهر، وكانت التلميذات في الملعب يرتدين اللباس الموحد الذي وصفته صوريا لي، بنطلون أسود وقميصا طويلا وغطاء أبيض.
استقبلني المدير محمد علي مفتي وأخبرني أن المدرسة أصبحت تعتمد نظام الدوامين، لأن هناك مدرستين قد دُمرتا كلياً بقصف الأطلسي. وشرح لي حجم المشاكل التي واجهها لكي يتمكن التلامذة ال 913 من بدء العام الدراسي في 15 ديسمبر، أي بعد أسبوعين من بدء العام الدراسي في كل ليبيا، نظراً لأن المعارك في سرت استغرقت وقتاً طويلاً وكان يتعين تغيير النوافذ والأبواب والتمديدات الصحية، وطلاء البناء بكامله. وقالي لي إن الكمبيوترات وأجهزة التلفزيون والمكتبة والمختبرات قد نهبت كلياً.
وقد تبرع السكان لكي لا يتأثر أولادهم، وأخبرني عن تأثير الحرب في التلميذات والأزمات العصبية التي يصبن بها. فبعض العائلات فقدت خمسة من أفرادها.
فأحيانا كلمة أو صورة تفجر هيستيريا لدى بعضهن، لم نعد بحاجة الى مساعدات إجتماعية بل الى أطباء نفسيين. وبالنسبة للبرامج أكد لي أنها لم تشهد تغييراً يذكر باستثناء إلغاء البرامج السياسية.
عندما سألته عن المدير السابق قال لي إنه لا يعرف عنه شيئا، غادر ليبيا، ويبدو أنه من أنصار القذافي.
ولما طرحت عليه السؤال عن زيارة العقيد في ابريل 2004 الى المدرسة والهدايا التي قدمتها له الفتيات الجميلات وخطف إحداهن ليجعلها عبدته ويعتدي عليها رد علي قائلا «إن هذا غير صحيح، لأن القذافي لا يزور المدارس»!
ولكنني التقيت بفتاة شهادتها جدية، وأعطتني الكثير من التفاصيل، قلت هذا بهدوء، ولكنه راح يصرخ بأعلى صوته ويردد «هذا غير صحيح.. هذا هراء».
ولكن الصحف كانت تنشر صوره لدى زياراته للمدارس؟
«لا، ليس في سرت. إنها مدينته، لم يأت الى أي مدرسة في سرت. في هذه المدرسة كان أولاد أقارب القذافي، إن ما تقولينه هو لتوسيخ سمعته.. إنها حقارة. قد يكون توجه للتلميذات عبر مؤتمر فيديو».
ارتأيت أن أكتفي بهذا الحد، ولم أعطه اسم صوريا كي لا يُثأر من أسرتها، لأنه على ما بدا لي من هذا المدير إن سرت لم تطو الصفحة بعد.
حكايا المعلمات
كنت أهم بمغادرة المدرسة، ولكنني لمحت في إحدى القاعات مجموعة من المعلمات الشابات، أحطن بي عندما دخلت الى القاعة. وما إن بدأت أتحدث معهن حتى أقفلن الباب. كن يتحدثن في الوقت ذاته، أخبار الثورة، وعندما طرحت السؤال عليهن حول خطف البنات، كل سرت كانت على علم بهذه الممارسات.
قالت لي إحداهن: «كان يسيطر على سكان المدينة. على قبيلته، عائلته. المدرسة انشأتنا على عبادة شخصه، ولكن الجميع كان يعلم أن القذافي كان حقيراً عندما يتعلق الأمر بالأخلاق والذي يقول إنه يجهل ذلك فهو منافق كبير».
زميلاتها الخمس أكدن الشيء ذاته، وأعربن عن اشمئزازهن مما قاله المدير. وقالت إحداهن «للأسف.. إن المسؤولين الجدد هم من طينة المدير السابق ذاته الذي فر مع أنصار القذافي». وأكدت أخرى أنها درست في المدرسة ذاتها، وأنها شاهدت القذافي عندما زار قاعة الرياضة. لم تتذكر صوريا، ولكنها متأكدة أن القذافي جاء الى المدرسة. وتذكرت مُدرسة أخرى الخطاب الذي ألقاه العقيد في جامعة سرت، وكيف أن الحركة في المدينة قد تعطلت، لأنه عندما كان يأتي كان كل شيء يتوقف.
وقالت لي المدرسات إنه كان يستغل كل المناسبات للقاء الشابات الصغيرات. كان يدعو نفسه لحضور الأفراح في اللحظة الأخيرة، وكانت معظم العائلات تعتبر أن القذافي خصها بالتكريم، «ولكن أخوالي، المنتمين الى عائلته، كانوا يمنعونني من الظهور أمامه، كان يدعو التلميذات لزيارته في كتيبة السعدي. ذهبت مرتين مع المدرسة بمناسبة مهرجان الأغنية، ولكن أهلي منعوني من التوجه لاحقاً، وقال لي أخي إن مقر الكتيبة هو مكان المخاطر، وإذا لم يأت الأمر منه فان الخطر يمكن أن يأتي من زمرته، من كبار ضباطه حتى من أي عسكري لأن أخلاق القذافي السيئة تُعدي من حوله كان عمري 16 عاما وكنت في ثانوية +الفكر الطليعي+، عندما جاءنا أحد المدرسين وقال لنا إن بابا معمر مريض. أقلتنا حافلة نقل إلى الثكنة حيث استقبلنا تحت الخيمة. وكان يحضننا الواحدة تلو الأخرى. وكنا خجولات ولم تظهر عليه أي من علامات المرض».
وتذكرت معلمة أخرى أنها ذهبت مع المدرسة لتحية الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في ثكنة السعدي. «كان القذافي بحاجة دائما لإحاطة نفسه بالفتيات الشابات. وكنا نشكل أداة دعائية له».
قالت مدرسة أخرى، من مصراتة، إن قبيلتها نظمت ذات يوم حفلا كبيرا رسميا للولاء للقائد. «كان يحب هذا النوع من التظاهرات، لأنه كان حريصا على ولاءات القبائل التي كانت تشكل له دائما مصدر قلق. ولفتت نظره شابة صديقة لعريفة الحفل. وفي اليوم الثاني ذهب الحرس الثوري لإحضارها من المدرسة. رفض المدير السماح للتلميذة بمغادرة المدرسة، لأن الفتاة كان لديها امتحانات. ولكن في المساء تم اختطاف الفتاة خلال حفل زفاف. اختفت ثلاثة أيام. اعتدى عليها القذافي. عادت بعد ذلك وتم تزويجها لأحد حراس القذافي. والد الفتاة، وهو أستاذ في المدرسة أخبرني مأساة ابنته وتوسل إلي أن أكون حذرة».
دق جرس عودة الحصص. وقفت المعلمات وطلبن مني ألا أنشر أسماءهن، فالأمور ليست بسيطة في سرت. لأن الكثير من السكان يحقد على السلطة الجديدة، ويعتقد أنها ستدفعه ثمن ارتباطها العضوي مع القذافي.
إن تتبع خطوات صوريا ليست مسألة سهلة. خاصة انني كنت أخشى أن ألفت الانتباه إليها، والى عائلتها، وأن أوقظ غضب أشقائها، والإساءة إلى مستقبلها في ليبيا. إذن يجب أن تبقى قصتها سرّية.
شهادة حياة.. وعادل
وحدها حياة، قريبتها التونسية وصديقتها، كانت تستقبلني بترحاب. وكانت تحنو على صوريا وتشهد على محاولاتها الهادفة للهروب من وطأة ضغط العائلة.
أما الفتيات اللاتي عشن مع صوريا في باب العزيزية أو التقت بهن هناك فقد رفضن لقائي.
أمل (الأولى) تزوجت وتوسلت أن ننساها. أمل.ج. (الثانية) أصبحت مدمنة على الكحول وتعيش على ذكريات الحنين للقذافي وتخشى أن تشي صوريا بها.
سائق واحد وسيدتان كانوا في بروتوكول القذافي تذكروا صوريا. فلم يكن يسمح إلا للقلة بالنزول إلى الطابق الواقع تحت الأرض في منزل القذافي. في باريس ساعدني عادل، صديق صوريا التونسي، على فهم فشل تجربتها الفرنسية. تحدث إليّ عن صوريا بحنين وعطف: «لقد وصلت الى فرنسا محطمة، مدمرة. لم تكن لديها أي تجربة مهنية، لم يكن عندها أي فكرة عن الانضباط بالمواعيد. ولم تكن لديها أي تجربة في الحياة الاجتماعية، كانت كفتاة صغيرة لم تتعلم الحياة، أو كعصفور صغير تعلم الطيران، ولكنه في كل مرة كان يصطدم بزجاج الغرفة عندما يحاول الخروج منها، اهتم بها بقدر استطاعته».
استقبلها في بيته عندما لاحظ أنه لم يعد بمقدورها البقاء عند وردة، حاول أن يساعدها في العثور على عمل- بما في ذلك التدرب في صالون حلاقة نسائية، ولكن للأسف صوريا لم تصمد لأنها لا تتكلم اللغة الفرنسية. اتصل بإحدى المحاميات لكي تحصل على إقامة، كان يسد احتياجاتها اليومية لعدة أشهر. كان الأمر مرعباً عندما يراها تكافح وتفشل دائماً. «خدعتها الوعود الكذب، استغلها رجال لا يفكرون إلا باستغلالها جسديا. خطأ ثريا الأول هو أنها لم تجبر نفسها على تعلم اللغة الفرنسية مباشرة، ثم العلاقات التي أقامتها. وردة وغيرها من الذين التقت بهم في مقهر ماركيز، لأنه من السهل جداً العيش في وسط يتكلم اللغة العربية، ولكن هذا يمنع كل اندماج في المجتمع الفرنسي. كل إمكانية للانخراط فيه. إجراء دورات تدريبية تأهيلية، العثور على عمل. وكان نفس ثريا قصيرا، ونمط حياتها لا يساعدها، فهي غير قادرة على النوم قبل الساعة الرابعة صباحاً، ولا تستيقظ قبل الساعة الحادية عشرة. غير قادرة على التأقلم مع النظام والانضباط، ولا تتحمل أي أمر، من أي كان، وكأنه بعد القذافي لم يعد يحق لأي شخص أن يمارس عليها أي سلطة».
عادل استقبل ثريا كأخته الصغرى، علماً أنه كان مُغرماً بها، «ومن لم يكن يقع في حبها. عندما كانت ترقص في المركز، كانت بقية الفتيات يغرن منها».
كانت تقضي أوقاتها في النهار تدخن، وتتحدث على الهاتف، تشاهد التلفزيون، وتبكي أحياناً بسبب الذكريات والقلق من المستقبل. كانت تقول كل شيء لعادل، وحتى عن القذافي، وكانت تتحدث عنه بخليط من الحقد والغضب والاحترام، وكانت تحتج بشدة عندما يثير المسألة الأخيرة معها. وليس مستغربا أن تختلط مشاعر الاحترام بلفظه، وبالمشاعر تجاه الرجل الذي كان يتحكم بمصيرها.
«كنت أعرف أنها كانت تريد أن أخصص لها المزيد من الوقت، وأن أتنزه معها خلال النهار، وأن أتأقلم مع نمط حياتها بعيداً عن ضغوط الحياة والعمل، ولكن ليس بمقدوري أن ألبي رغباتها، لأنني كنت أعمل طيلة النهار كالمجنون، وهي لم تكن تستوعب أنه ليس من السهل على المهاجر النجاح في فرنسا من دون ذلك. من دون العمل، لم تكن جاهزة وكان التعايش بيننا صعباً في النهاية».
لم يتخل عنها عادل عندما عملت في المقهى الأول، ولا في الثاني. كان يقوم بزيارتها ويتبضع قبل ذلك. كان يرى أنها غير قادرة على الاكتفاء بما تكسبه.
عندما اتصلت به لتقول له، إنها قررت العودة إلى ليبيا لم يصدقها. قال لها إن هذا غير ممكن. اتصلت به بعد ساعات عدة من مطار طرابلس.
فقال لها «لقد ارتكبت يا صوريا خطأ فادحاً». فردت «لم يكن لدي خيار آخر»... «تحملي النتائج إذن»
رد: كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 12
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 8
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 7
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 6
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 5
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 13
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 7
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 6
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 5
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 13
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اليوم في 8:56 am من طرف STAR
» مخمورا حافي القدمين يجوب الشوارع.. لماذا ترك أدريانو الرفاهية والنجومية في أوروبا وعاد إلى
اليوم في 8:42 am من طرف STAR
» نصائح يجب اتباعها منعا للحوادث عند تعطل فرامل السيارة بشكل مفاجئ
اليوم في 8:37 am من طرف STAR
» طريقة اعداد معكرونة باللبن
اليوم في 8:36 am من طرف STAR
» الصلاة علي رسول الله+الاستغفار+ذكر الشهادة+كفارة المجلس
اليوم في 8:34 am من طرف STAR
» مشاركة شعرية
أمس في 12:28 pm من طرف محمد0
» لو نسيت الباسورد.. 5 طرق لفتح هاتف أندرويد مقفل بدون فقدان البيانات
2024-11-03, 9:24 am من طرف STAR
» عواقب صحية خطيرة للجلوس الطويل
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» صلاح يقترب من هالاند.. ترتيب قائمة هدافي الدوري الإنجليزي
2024-11-03, 9:23 am من طرف STAR
» زلزال يضرب شرق طهران وسط تحذيرات للسكان
2024-11-03, 9:22 am من طرف STAR
» أحدث إصدار.. ماذا تقدم هيونداي اينيشم 2026 الرياضية ؟
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» بانكوك وجهة سياحية تايلاندية تجمع بين الثقافة والترفيه
2024-11-03, 9:21 am من طرف STAR
» مناسبة للأجواء الشتوية.. طريقة عمل كعكة التفاح والقرفة
2024-11-03, 9:20 am من طرف STAR
» صلى عليك الله
2024-10-30, 12:39 pm من طرف dude333
» 5 جزر خالية من السيارات
2024-10-26, 9:02 am من طرف STAR