إعلانات المنتدي
المواضيع الأخيرة
بحـث
كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 14
صفحة 1 من اصل 1
كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 14
«أمازون».. محاربات القذافي الأسطوريات (14)
عُرف عن العقيد معمر القذافي انه كان ماجناً، وكلما تقدم به العمر، كان يحيط نفسه بمزيد من الفتيات، يتحرش بهن، ويعاشرهن، ويعتدي عليهن، وكأنه كان يريد أن يثبت «رجولته الدائمة»، كما كان يُخضع شعبه، رجالاً ونساء، لآلة القمع التي استخدمها بلا رحمة ليحصل على ما يريد ومن يريد.
بعد قصة صوريا تبين ان هناك قصصاً عديدة تشبهها وان فتيات كثيرات كن ضحايا للعقيد.
وفي الجزء الثاني من كتاب «الفرائس في حرم القذافي»، الذي تنشره القبس، تروي الكاتبة الحقائق التي استقتها لتؤكد صحة ما سمعته من صوريا وعنها.
حارسات القذافي، اللاتي أطلقت الصحافة العالمية عليهن لقب «أمازون»، ويعني محاربات خياليات أو أسطوريات، قد ساهمن كثيراً في أسطورة القذافي وفي مجده الإعلامي. فمن دون شك لعبن دوراً في التأثير على النفس لا يقل شأناً عن شخصية القذافي ذاتها. بنظاراته الشمسية على غرار مغني الروك وخصلات شعره الأسود ووجهه المنتفخ الذي كانت مستحضرات التجميل تخفي آثار الكوكايين.
كن يتبعنه في كل مكان: ملابسهن العسكرية لم تكن لتخفي مفاتنهن، شعرهن يتدلى على أكتافهن أو يخفينه تحت القبعات العسكرية على أنواعها، وغالباً ما كن مُتبرجات ويضعن الأقراط في آذانهن.
كانت محاربات القذافي بمنزلة رايته. يجذبن المصورين ويعملن على إثارة إعجاب قادة الدول لدى استقبالهن لهم في باب العزيزية أو لدى زيارات القذافي إلى الخارج.
كان يريد أن يظهر بأنه مختلف عن الآخرين، فريد من نوعه، لا يتحمل أي منافسة أو مقارنة. كان يمنع ظهور أي اسم في ليبيا غير اسمه حتى ولو كان كاتباً أو موسيقياً أو رياضياً. فممنوع الحديث عن أسماء لاعبي كرة القدم، يتم الحديث عن أرقامهم فقط. وكان طموحه أن يشغل العالم من خلال تقديم نفسه كرئيس الدولة الوحيد في العالم الذي يتألف حرسه الشخصي من السيدات.
كان القذافي يتعمد في خطاباته أن يظهر بأنه مُحرر النساء، ويخاطب الغرب والعرب بالقول «العقيد معمر القذافي صديق النساء».
وسبق له أن طرح أفكاره المتعلقة بالمرأة في الجزء الثالث من كتابه الأخضر: «المساواة بين الجنسين والتمييز غير مُبرر، حق المرأة بالعمل شرط ان تحترم أنوثتها». ولكنه سرعان ما غير رأيه بالنسبة للنقطة الأخيرة. فقد أنشأ الأكاديمية العسكرية للنساء، ولدى تخريج الدفعة الأولى ألقى خطاباً حماسيا مُلهباً، قال فيه: «إن هذه المدرسة الوحيدة في العالم، الفريدة من نوعها، يجب أن تكون مصدر فخر لليبيا». وطلب من الشابات أن يتحلين بالجرأة والتسجيل في الأكاديمية بأعداد كبيرة لتأكيد التحرر.
وفي الفاتح من سبتمبر 1981 دعا إلى ثورة تحرر نساء الأمة العربية. لأن من شأن هذه الثورة إحداث انفجار يهز كل المنطقة العربية ويدفع بسجينات القصور والأسواق إلى الثورة على جلاديهم. لتبدأ نهاية عهد الحريم والعبودية.
كان الغرب يحلل خطاب القذافي على أن العقيد يتبنى قضايا المرأة، ومن هنا تمسكه بحارساته. يا لها من مهزلة. و«أمازون» أو محاربات القذافي، يرضين غروره كرجل قادر على جذب النساء وسحرهن. وهن يقدمن لوحة ليست ببعيدة عن الحريم في قصور الشرق، وذلك على نقيض الرجل المدافع عن حرية المرأة والداعي الى تحررها. ويعزز هذا التناقض غياب زوجته عن المناسبات الرسمية.
محاربات القذافي!
ولكن من هن محاربات القذافي فعليا؟! هل كن تلك الشابات اللواتي كنا نشاهدهن باللباس العسكري؟ ألم يكن القذافي- وبعد خطفهن- يجبرهن على ارتداء ذلك الزي في أوقات معينة ولأهداف محددة وإعطائهن التعليمات بأن يقلدن الحراس الحقيقيين؟ يا لها من مهزلة.
إذ يكفي أن نلاحظ تصرفات حارسات القذافي عندما زار باريس في عام 2007، ورافقهن على متن المراكب السياحية على نهر السين في نزهة للتعرف الى المواقع الأثرية، كن على سطح كابينة مقصورة المركب، ولكن ليس للسهر على أمر قائدهن، وإنما لالتقاط الصور التذكارية قبل أن يتوجهن الى جادة الشانزليزيه للتبضع، وأيضا في شارع نوبور سان هونوريه الفخم. تلك الشابات لم يتلقين دورات تدريبية لحماية الشخصيات، ولم يتخرجن من الأكاديمية العسكرية. نعم، كن عشيقات القذافي.
«كان منظرهن يثير اشمئزازي»، قال لي سيد قذاف الدم، ابن عم العقيد وقائد عسكري في سجنه في مصراته.
التحقيق عن محاربات القذافي في طرابلس كان صعبا، لم يوافق أحد أن يحدثني عنهن، تبخرن مع القائد. والحديث عنهن يزعج ويثير الاحتقار.
في وزارة الدفاع الليبية قال لي عثمان جويلي، وزير الدفاع الجديد، «إن وجودهن قد لطخ صورة الجيش الليبي، لقد كن يشكلن وصمة عار وصفعة للعسكريين الليبيين. كان القذافي يبرزهن لجذب الأضواء إليه ولتلميع صورته، وكان في الوقت نفسه يُدمر الجيش الليبي. وكانت هذه المسألة لا تطاق. كنت نقيبا في الجيش ووصلت بي الأمور الى درجة أنني كرهت المؤسسة العسكرية وقدمت استقالتي لدى أول فرصة أتيحت لي. كيف يمكن أخذ تلك النساء على محمل الجد؟ كان يلقي بهن في الوحل. من كان يتخيل لحظة واحدة أنه يترك حمايته لهن؟ استخدمهن للاستعراض، للتسلية كيف يمكنني أن أعبر. من دون أن يكون كلامي بذيئاً، وكان الأمر مقرفاً».
ردة الفعل ذاتها لمستها لدى العقيد السابق رمضان علي زرموح رئيس المجلس العسكري في مصراته، الذي كان في طليعة المستقيلين من الجيش، وهو لا يكتفي من السخرية من حارسات القذافي، ولكن من كل نساء الجيش: «مسكينات، كن ينخرطن في صفوفنا بمعنويات مرتفعة للغاية، بفضل خطابات القذافي، التي كان يستخدمها لذر الرماد في عيون العالم، ولإرضاء رغباته الشخصية، لكن مستوى التدريب كان متدنيا جداً والتأهيل العسكري أيضاً. كنا ننظر إليهن كضحايا. لم يكن وجودهن لحمايته، لذا كان يضع رجاله خلفهن».
السماح للنساء بالالتحاق بالجيش لم يكن يحظى بدعم القيادة، ولا بالمجتمع التقليدي الليبي. ويجب الإقرار أن القذافي قد حرق المراحل في بلد كانت فيه المرأة مجرد زوجة وأم، وفي الغالب ربة منزل.
«الراهبات الثوريات»
في عام 1975 أطلق القذافي مفهوم الشعب المسلح. وفي عام 1978 أصدر قانوناً حول إلزامية التدريب العسكري للجميع، خاصة في الثانويات، للشباب والشابات على حد سواء، ما أحدث ثورة، لأن الفتيات بتن مُلزمات بارتداء الملابس العسكرية، ويتلقين تدريبات مدرسيهن من الرجال. «ارتداء المرأة لملابس القتال أهم من فساتين الحرير التي ترتديها البرجوازيات الجاهلات والسطحيات»، قال القائد، طارحاً فكرة «الراهبات الثوريات» اللاتي عليهن التخلي عن الزواج، وتكريس حياتهن للدفاع عن الثورة فقط، أي خدمة القائد.
وكان القذافي يأخذ الراهبات المسيحيات كمثال، وينصح الليبيات بالإقتداء بهن: «الراهبات يرتدين اللون الأبيض رمز الطهارة والنقاوة، ويرصدن حياتهن لمثالهن الأعلى المسيح. وانتن تبقين متفرجات؟ هل الراهبات المسيحيات أكبر من الأمة العربية؟ على الراهبات الثوريات الطاهرات النقيات أن يمتنعن عن الزواج، وأن يرتقين الى ما هو أسمى من الأشخاص العاديين ».
لم ألتق براهبات ثوريات. في زمن القذافي كن ينخرطن في المجتمع، ولا أحد يعرف كم كان عددهن. واليوم لا أحد يعلن عن انتمائه إليهن، ولكني أجريت مقابلتين مع امرأتين برتبة عقيد، كن قد انخرطن باكرا في الجيش:
الأولى سرعان ما خاب أملها، وتؤكد أنها كانت تأمل دائما بتنحي القذافي، واستعادة بعد وفاته بعضاً من الاهتمام بمهنتها. والثانية تنتظر في السجن محاكمتها بتهم ارتكاب جرائم قتل خلال الثورة، وهي تتأرجح بين الحنين والغضب.
زمن الحقيقة
العقيد فاطمة صدقت رسالة القذافي وانخرطت في الجيش، وشكلت جزءا من مهزلة التاريخ. فالليبيون، وبالرغم من آلة الدعاية القذافية، لم يحبذوا فكرة انخراط المرأة في الجيش. ومنذ ثورة 2011 يعبرون عن موقفهم هذا بوضوح، وعن رفضهم لوجود النساء في القوات المسلحة. المسألة ليست سهلة إذن، خصوصا بالنسبة للمسكينات اللاتي خدمن في عهد القذافي.
العقيد فاطمة ورغم كرهها للقذافي اليوم فإنها ترفض الفكرة القائلة إنه يجب إبعاد النساء عن الجيش، وأن يتم استغلال مبالغة العقيد ونفاقه للقول ان النساء غير مؤهلات، لأن هذا «غير عادل، ومهين».
ذات مساء زارتني العقيد فاطمة لرؤيتي في غرفتي في الفندق في طرابلس، كانت متوترة ـ وقالت لي: «بعد زمن الدعاية جاء زمن قول الحقائق».
وتابعت «كانت لدي فكرة رائعة عن السلك العسكري، تكونت لدي من المحاضرات التي كان ضباط الجيش يلقونها علينا في الثانويات، حتى أنني بت مقتنعة أن لا مستقبل لي خارج المؤسسة العسكرية: الدفاع عن الوطن، الرجال والنساء متساوون، مهمة نبيلة.. كان الضباط يحدثوننا عن الثورة الجزائرية ودور الشابات فيها مثل جميلة بوحيرد، التي كانت ضابط ارتباط في جبهة التحرير، وغامرت بحياتها لوضع العبوات والمتفجرات. وغيرها من المقاتلات اللاتي ناضلن لتحرير بلدهن. كان الأمر بطوليا. وكانت الأكاديمية العسكرية للنساء قد بدأت تأخذ شهرة وأهمية كبيرتين: تمارين رياضية، لياقة بدنية، التدرب على استخدام الأسلحة، المحاضرات والامتحانات. بذلت أقصى ما عندي، كنت مقتنعة بشعار الشعب المسلح، رغم غضب والداي مني. المجتمع الليبي لم يكن جاهزا لتقبل هذا الأمر، بينما نحن الشابات كنا متلهفات لذلك».
وجاءت الخدمة العسكرية الإجبارية. وكان على كل مواطن ليبي أن يخصص عدة أسابيع في السنة للتدرّب.
وكان على الجميع المشاركة في هذا المشروع، وكان كل ليبي لديه بطاقة الاحتياط. ولكن فاطمة كانت تجهل أن هناك بطاقات مزورة تسمح للأغنياء بتجنب الخدمة العسكرية.
لكن بعد شهر واحد فقط من التخرج خاب أمل فاطمة. «لقد ضحك علينا. الوعود لم تكن سوى أكاذيب. القذافي كان يحتقر جيشه ولم يكن ينتظر شيئاً من النساء سوى صورة ليبني عليها أسطورة، وتكون له مصدراً لتوريد العشيقات».
عُينت فاطمة مسؤولة عن المدرسة العسكرية المجاورة لباب العزيزية. وكانت مسؤولة رسمياً عن التدريب العسكري اليومي. ولكن بنات زمرة القذافي كن يتكبرن عليها. ولم يكن لديها أي سلطة. بعد ذلك نقلت فاطمة إلى مقر هيئة الأركان العامة. وكان سائق يأتي كل صباح ليقلها إلى مكتبها. ولم يكن لها أي دور. كان راتبها زهيدا. ورويدا رويدا بدأ الندم يستفحل بين الفتيات من دورتها العسكرية. إذن كانت عملية نصب عليهن.
حب الأمة أو الموت
قالت خريجات المدرسة الحربية لبعضهن بعضا أنهن قد أضعن حياتهن. بدأت فاطمة تنسى رقمها العسكري، توقفت عن ارتداء زيها العسكري، أهملت كل ما تعلمته في المدرسة العسكرية، وأهملت أيضا لياقتها البدنية حتى أنها نسيت كيف تفك وتركب الكلاشينكوف. ولو أنها كانت قد اختيرت لتكون من بين حارسات القذافي لكان وضعها تغيّر ولكانت ظروفها أحسن لجهة الراتب والامتيازات والسفر. ولكن معايير اختيار الحارسات كان الطول والجمال، وأن تكون قد لوحظت من مساعدي القذافي، أو من العقيد شخصيا، كما حدث مع سلمى، التي لا يمكن لصوريا أن تنساها.
إن حرس القذافي الشخصي كن عشيقاته. كان يستخدمهن كما يريد ولم تكن لديهن إمكانية المقاومة أو الشكوى. الذكيات منهن استطعن الاستفادة منه والحصول على منازل وسيارات، ولكن لم تكن هناك مقاتلات النخبة.
وكان القذافي يتعمد إدخال نساء سوداوات إلى هذا الجسم العجيب للقول إنه ليس عنصرياً، ويستخدم ذلك في العلاقة مع قادة الدول الأفريقية. حراسه الحقيقيون لا يظهرون في الصور، وهم جميعهم من الرجال ومن مدينة سرت تحديدا.
كانت العقيد فاطمة تنظر بفرح إلى تقدم التمرد ضد القذافي وقد التحقت رسمياً بالثوار في 20 مارس 2011، ووضعت بندقيتها بتصرفهم، وكانت تابعة عسكرياً للكتيبة التي يتولى قيادتها عبد الحكيم بالحاج، قائد المجلس العسكري في طرابلس، ما سمح لها بالإيمان والثقة بمهنتها، وهي تعلم أنه يلزم الكثير في الوقت لإصلاح ما أفسد ولإعطاء الثقة بالنساء العسكريات.
العقيد عائشة
في سجن مدينة الزاوية الصغيرة، على بعد 50 كلم من طرابلس التقيت بالعقيد عائشة عبدالسلام ميلاد، وهي كانت قد رفضت أن تقول لي اسمها في بداية المقابلة، ولكنها غيّرت رأيها في النهاية، وكانت تقول لي إنها تثق بي.
كان لون الزنزانة مطلياً بالأصفر. ولها شباك صغير يطل على ساحة داخلية وفيها فراشات على الأرض وسرير معدني. كما كانت هناك مدفأة كهربائية صغيرة، الإضاءة كانت ضعيفة. ظننت أنه توجد سجينات في الزنزانة الصغيرة. ولكن المرأة الثانية، المنزوية على نفسها ويبدو التعب على وجهها، كانت حارسة الزنزانة. وشرحت لي كيف أنها نامت خمس سنوات في سيارتها، لأن أحداً لم يرد أن يؤجر غرفة لامرأة عزباء وفقيرة، فباتت تفضل أن تتقاسم الغرفة مع سجينتها.
العقيد عائشة كانت تبدو في صحة جيدة: طويلة، ممشوقة القامة، تقاسيم وجهها ناعمة، ترتدي ملابس رياضية أنيقة. وبعد تردد وافقت على أن تخبرني قصة حياتها، ولكنها شددت منذ البداية على أنها عسكرية العقيدة. ولم تنضم إلى زمرة القذافي ولا إلى حارساته.
«كلنا تقريباً اقتحمنا باب الأكاديمية عنوة عن أهالينا، فالشعب المسلح كان يجب أن يكون نصفه من النساء، وإلا فإن هذه النظرية بلا معنى»، قالت لي عائشة مستشهدة بما كان يقوله القذافي ونظريته باخراج الفتيات من المنازل.
تمكنت عائشة من الحصول على شهادة في التمريض بالتوازي مع تخرجها في الأكاديمية العسكرية في عام 1985، وتم نقلها إلى سبها في الجنوب ــ مسقط رأسها ــ لتأهيل فتيات أخريات. ارتقت سلم الترقيات العسكرية بسرعة، وعادت بعد عشرين سنة إلى طرابلس لتلتحق بقيادة الحرس الثوري الخاص بحماية القذافي، وكلفت باختيار حارسات القذافي بشكل منتظم.
-كيف ذلك؟ جميلات؟ لهن شخصيات؟
- ليس هذا الأساس. كنت أريد أن يكون لديهن الحضور القوي، وكنت أفضل أن يكن طويلات. واللاتي لم يكن لديهن الطول الكافي كنت أجبرهن على احتذاء الجزم ذات الكعوب العالية. كل الفتيات كن يحلمن بأن أختارهن، وكن يتوسلنني لذلك، لأن هذه المسألة كانت يمكن أن تغير حياتهن رأساً على عقب، خصوصا إذا لم يكنّ من السلك العسكري، فقد كن يرافقن القائد في تنقلاته، يحصلن على مغلفات مالية مهمة. وكوني على ثقة بأنهن كن يبذلن أقصى جهودهن ليكن على مستوى المسؤولية، التبرج الملابس العسكرية النظيفة والمكوية، لأنهن كن يعرفن أن كاميرات التلفزة العالمية مسلطة عليهن.
وعن تصرفات القذافي مع حارساته، رفضت العقيد عائشة التحدث، فهذا الموضوع سرّي للغاية. كانت تقوم بعملها فقط، أما ما يحدث بعد ذلك فلم يكن من اختصاصها.
- ولكن الجميع كان يعلم أن العقيد كان يتخذ منهن عشيقات؟!
لاذت عائشة بالصمت، وتقلصت عضلات وجهها. كما أنها رفضت الحديث عن مبروكة، وهي المرأة الوحيدة التي كانت تقف خلف القائد بملابس مدنية، وكان الجميع يعرف أهمية دورها في إحاطة القذافي بالنساء. وقالت «راتبي الشهري 832 ديناراً، أي حوالي 500 يورو، وهذا يثبت أنه لم يكن لي علاقة مع تلك الزمرة».
وفجأة التقطت قرطها من أذنها وقالت لي «انظري هذا ليس ذهباً. الكثيرات من حارسات القذافي أصبحن ثريات، اما أنا فلا.. حتى انني مُجردة من حريتي». ولكن بقي لديها «شرفها وكرامتها»، كما تقول. وعزتها بنفسها لأنها رفعت لواء المقاتلات الليبيات عاليا. كانت تؤكد أنها بقيت موالية للقائد وللجيش، وكانت تنفذ الأوامر التي تتلقاها لمحاربة التمرد.
مصير محزن
«وضع العسكريات في ظل القذافي كان محزناً».، هكذا قالت لي نجوى الأزرق نائبة وزير الشؤون الاجتماعية المكلفة هذا الملف. فالأكاديمية العسكرية كانت فخاً نصبه القذافي لتزويده بالنساء، وعندما وجد سبلا أخرى للحصول على الفتيات أهمل الأكاديمية التي تراجع مستواها وأفل نجمها.
ولكن خلال الثورة لجأ النظام الى تعبئة العديد من العسكريات حتى اللاتي لم يكن يهتم بهن، وخصوصا من كن في الثكنات. بعضهن أرسلن للقتال الى جانب المرتزقة، وبعضهن استخدمن خلال حصار طرابلس، حيث كن يقفن على الحواجز في المدينة ويدققن في هويات الأشخاص وأوراق سياراتهم.
ألاعيب القذافي ونظامه، خصوصا من العسكريات، مكروهات من الناس والمتمردين، والعديدات منهن هربن، وكثيرات تم اغتيالهن، وبعضهن تم الاعتداء عليهن أو أجبرن على الالتحاق بالثورة، وتم اقتياد مجموعات منهن الى الجبهة لإرضاء شهوات عناصر الكتائب المسلحة.
إن مصير معظم حارسات القذافي يمكن أن يبقى مجهولاً، فقد تم العثور على جثث تحت أنقاض باب العزيزية، وهذا يشير الى أنه تمت تصفية أعداد منهن على يد النظام نفسه، في شهر أغسطس خلال الساعات الأخيرة للنظام، أي لحظة هرب العقيد، وذلك بعد أن أصبحن غير مفيدات.
عُرف عن العقيد معمر القذافي انه كان ماجناً، وكلما تقدم به العمر، كان يحيط نفسه بمزيد من الفتيات، يتحرش بهن، ويعاشرهن، ويعتدي عليهن، وكأنه كان يريد أن يثبت «رجولته الدائمة»، كما كان يُخضع شعبه، رجالاً ونساء، لآلة القمع التي استخدمها بلا رحمة ليحصل على ما يريد ومن يريد.
بعد قصة صوريا تبين ان هناك قصصاً عديدة تشبهها وان فتيات كثيرات كن ضحايا للعقيد.
وفي الجزء الثاني من كتاب «الفرائس في حرم القذافي»، الذي تنشره القبس، تروي الكاتبة الحقائق التي استقتها لتؤكد صحة ما سمعته من صوريا وعنها.
حارسات القذافي، اللاتي أطلقت الصحافة العالمية عليهن لقب «أمازون»، ويعني محاربات خياليات أو أسطوريات، قد ساهمن كثيراً في أسطورة القذافي وفي مجده الإعلامي. فمن دون شك لعبن دوراً في التأثير على النفس لا يقل شأناً عن شخصية القذافي ذاتها. بنظاراته الشمسية على غرار مغني الروك وخصلات شعره الأسود ووجهه المنتفخ الذي كانت مستحضرات التجميل تخفي آثار الكوكايين.
كن يتبعنه في كل مكان: ملابسهن العسكرية لم تكن لتخفي مفاتنهن، شعرهن يتدلى على أكتافهن أو يخفينه تحت القبعات العسكرية على أنواعها، وغالباً ما كن مُتبرجات ويضعن الأقراط في آذانهن.
كانت محاربات القذافي بمنزلة رايته. يجذبن المصورين ويعملن على إثارة إعجاب قادة الدول لدى استقبالهن لهم في باب العزيزية أو لدى زيارات القذافي إلى الخارج.
كان يريد أن يظهر بأنه مختلف عن الآخرين، فريد من نوعه، لا يتحمل أي منافسة أو مقارنة. كان يمنع ظهور أي اسم في ليبيا غير اسمه حتى ولو كان كاتباً أو موسيقياً أو رياضياً. فممنوع الحديث عن أسماء لاعبي كرة القدم، يتم الحديث عن أرقامهم فقط. وكان طموحه أن يشغل العالم من خلال تقديم نفسه كرئيس الدولة الوحيد في العالم الذي يتألف حرسه الشخصي من السيدات.
كان القذافي يتعمد في خطاباته أن يظهر بأنه مُحرر النساء، ويخاطب الغرب والعرب بالقول «العقيد معمر القذافي صديق النساء».
وسبق له أن طرح أفكاره المتعلقة بالمرأة في الجزء الثالث من كتابه الأخضر: «المساواة بين الجنسين والتمييز غير مُبرر، حق المرأة بالعمل شرط ان تحترم أنوثتها». ولكنه سرعان ما غير رأيه بالنسبة للنقطة الأخيرة. فقد أنشأ الأكاديمية العسكرية للنساء، ولدى تخريج الدفعة الأولى ألقى خطاباً حماسيا مُلهباً، قال فيه: «إن هذه المدرسة الوحيدة في العالم، الفريدة من نوعها، يجب أن تكون مصدر فخر لليبيا». وطلب من الشابات أن يتحلين بالجرأة والتسجيل في الأكاديمية بأعداد كبيرة لتأكيد التحرر.
وفي الفاتح من سبتمبر 1981 دعا إلى ثورة تحرر نساء الأمة العربية. لأن من شأن هذه الثورة إحداث انفجار يهز كل المنطقة العربية ويدفع بسجينات القصور والأسواق إلى الثورة على جلاديهم. لتبدأ نهاية عهد الحريم والعبودية.
كان الغرب يحلل خطاب القذافي على أن العقيد يتبنى قضايا المرأة، ومن هنا تمسكه بحارساته. يا لها من مهزلة. و«أمازون» أو محاربات القذافي، يرضين غروره كرجل قادر على جذب النساء وسحرهن. وهن يقدمن لوحة ليست ببعيدة عن الحريم في قصور الشرق، وذلك على نقيض الرجل المدافع عن حرية المرأة والداعي الى تحررها. ويعزز هذا التناقض غياب زوجته عن المناسبات الرسمية.
محاربات القذافي!
ولكن من هن محاربات القذافي فعليا؟! هل كن تلك الشابات اللواتي كنا نشاهدهن باللباس العسكري؟ ألم يكن القذافي- وبعد خطفهن- يجبرهن على ارتداء ذلك الزي في أوقات معينة ولأهداف محددة وإعطائهن التعليمات بأن يقلدن الحراس الحقيقيين؟ يا لها من مهزلة.
إذ يكفي أن نلاحظ تصرفات حارسات القذافي عندما زار باريس في عام 2007، ورافقهن على متن المراكب السياحية على نهر السين في نزهة للتعرف الى المواقع الأثرية، كن على سطح كابينة مقصورة المركب، ولكن ليس للسهر على أمر قائدهن، وإنما لالتقاط الصور التذكارية قبل أن يتوجهن الى جادة الشانزليزيه للتبضع، وأيضا في شارع نوبور سان هونوريه الفخم. تلك الشابات لم يتلقين دورات تدريبية لحماية الشخصيات، ولم يتخرجن من الأكاديمية العسكرية. نعم، كن عشيقات القذافي.
«كان منظرهن يثير اشمئزازي»، قال لي سيد قذاف الدم، ابن عم العقيد وقائد عسكري في سجنه في مصراته.
التحقيق عن محاربات القذافي في طرابلس كان صعبا، لم يوافق أحد أن يحدثني عنهن، تبخرن مع القائد. والحديث عنهن يزعج ويثير الاحتقار.
في وزارة الدفاع الليبية قال لي عثمان جويلي، وزير الدفاع الجديد، «إن وجودهن قد لطخ صورة الجيش الليبي، لقد كن يشكلن وصمة عار وصفعة للعسكريين الليبيين. كان القذافي يبرزهن لجذب الأضواء إليه ولتلميع صورته، وكان في الوقت نفسه يُدمر الجيش الليبي. وكانت هذه المسألة لا تطاق. كنت نقيبا في الجيش ووصلت بي الأمور الى درجة أنني كرهت المؤسسة العسكرية وقدمت استقالتي لدى أول فرصة أتيحت لي. كيف يمكن أخذ تلك النساء على محمل الجد؟ كان يلقي بهن في الوحل. من كان يتخيل لحظة واحدة أنه يترك حمايته لهن؟ استخدمهن للاستعراض، للتسلية كيف يمكنني أن أعبر. من دون أن يكون كلامي بذيئاً، وكان الأمر مقرفاً».
ردة الفعل ذاتها لمستها لدى العقيد السابق رمضان علي زرموح رئيس المجلس العسكري في مصراته، الذي كان في طليعة المستقيلين من الجيش، وهو لا يكتفي من السخرية من حارسات القذافي، ولكن من كل نساء الجيش: «مسكينات، كن ينخرطن في صفوفنا بمعنويات مرتفعة للغاية، بفضل خطابات القذافي، التي كان يستخدمها لذر الرماد في عيون العالم، ولإرضاء رغباته الشخصية، لكن مستوى التدريب كان متدنيا جداً والتأهيل العسكري أيضاً. كنا ننظر إليهن كضحايا. لم يكن وجودهن لحمايته، لذا كان يضع رجاله خلفهن».
السماح للنساء بالالتحاق بالجيش لم يكن يحظى بدعم القيادة، ولا بالمجتمع التقليدي الليبي. ويجب الإقرار أن القذافي قد حرق المراحل في بلد كانت فيه المرأة مجرد زوجة وأم، وفي الغالب ربة منزل.
«الراهبات الثوريات»
في عام 1975 أطلق القذافي مفهوم الشعب المسلح. وفي عام 1978 أصدر قانوناً حول إلزامية التدريب العسكري للجميع، خاصة في الثانويات، للشباب والشابات على حد سواء، ما أحدث ثورة، لأن الفتيات بتن مُلزمات بارتداء الملابس العسكرية، ويتلقين تدريبات مدرسيهن من الرجال. «ارتداء المرأة لملابس القتال أهم من فساتين الحرير التي ترتديها البرجوازيات الجاهلات والسطحيات»، قال القائد، طارحاً فكرة «الراهبات الثوريات» اللاتي عليهن التخلي عن الزواج، وتكريس حياتهن للدفاع عن الثورة فقط، أي خدمة القائد.
وكان القذافي يأخذ الراهبات المسيحيات كمثال، وينصح الليبيات بالإقتداء بهن: «الراهبات يرتدين اللون الأبيض رمز الطهارة والنقاوة، ويرصدن حياتهن لمثالهن الأعلى المسيح. وانتن تبقين متفرجات؟ هل الراهبات المسيحيات أكبر من الأمة العربية؟ على الراهبات الثوريات الطاهرات النقيات أن يمتنعن عن الزواج، وأن يرتقين الى ما هو أسمى من الأشخاص العاديين ».
لم ألتق براهبات ثوريات. في زمن القذافي كن ينخرطن في المجتمع، ولا أحد يعرف كم كان عددهن. واليوم لا أحد يعلن عن انتمائه إليهن، ولكني أجريت مقابلتين مع امرأتين برتبة عقيد، كن قد انخرطن باكرا في الجيش:
الأولى سرعان ما خاب أملها، وتؤكد أنها كانت تأمل دائما بتنحي القذافي، واستعادة بعد وفاته بعضاً من الاهتمام بمهنتها. والثانية تنتظر في السجن محاكمتها بتهم ارتكاب جرائم قتل خلال الثورة، وهي تتأرجح بين الحنين والغضب.
زمن الحقيقة
العقيد فاطمة صدقت رسالة القذافي وانخرطت في الجيش، وشكلت جزءا من مهزلة التاريخ. فالليبيون، وبالرغم من آلة الدعاية القذافية، لم يحبذوا فكرة انخراط المرأة في الجيش. ومنذ ثورة 2011 يعبرون عن موقفهم هذا بوضوح، وعن رفضهم لوجود النساء في القوات المسلحة. المسألة ليست سهلة إذن، خصوصا بالنسبة للمسكينات اللاتي خدمن في عهد القذافي.
العقيد فاطمة ورغم كرهها للقذافي اليوم فإنها ترفض الفكرة القائلة إنه يجب إبعاد النساء عن الجيش، وأن يتم استغلال مبالغة العقيد ونفاقه للقول ان النساء غير مؤهلات، لأن هذا «غير عادل، ومهين».
ذات مساء زارتني العقيد فاطمة لرؤيتي في غرفتي في الفندق في طرابلس، كانت متوترة ـ وقالت لي: «بعد زمن الدعاية جاء زمن قول الحقائق».
وتابعت «كانت لدي فكرة رائعة عن السلك العسكري، تكونت لدي من المحاضرات التي كان ضباط الجيش يلقونها علينا في الثانويات، حتى أنني بت مقتنعة أن لا مستقبل لي خارج المؤسسة العسكرية: الدفاع عن الوطن، الرجال والنساء متساوون، مهمة نبيلة.. كان الضباط يحدثوننا عن الثورة الجزائرية ودور الشابات فيها مثل جميلة بوحيرد، التي كانت ضابط ارتباط في جبهة التحرير، وغامرت بحياتها لوضع العبوات والمتفجرات. وغيرها من المقاتلات اللاتي ناضلن لتحرير بلدهن. كان الأمر بطوليا. وكانت الأكاديمية العسكرية للنساء قد بدأت تأخذ شهرة وأهمية كبيرتين: تمارين رياضية، لياقة بدنية، التدرب على استخدام الأسلحة، المحاضرات والامتحانات. بذلت أقصى ما عندي، كنت مقتنعة بشعار الشعب المسلح، رغم غضب والداي مني. المجتمع الليبي لم يكن جاهزا لتقبل هذا الأمر، بينما نحن الشابات كنا متلهفات لذلك».
وجاءت الخدمة العسكرية الإجبارية. وكان على كل مواطن ليبي أن يخصص عدة أسابيع في السنة للتدرّب.
وكان على الجميع المشاركة في هذا المشروع، وكان كل ليبي لديه بطاقة الاحتياط. ولكن فاطمة كانت تجهل أن هناك بطاقات مزورة تسمح للأغنياء بتجنب الخدمة العسكرية.
لكن بعد شهر واحد فقط من التخرج خاب أمل فاطمة. «لقد ضحك علينا. الوعود لم تكن سوى أكاذيب. القذافي كان يحتقر جيشه ولم يكن ينتظر شيئاً من النساء سوى صورة ليبني عليها أسطورة، وتكون له مصدراً لتوريد العشيقات».
عُينت فاطمة مسؤولة عن المدرسة العسكرية المجاورة لباب العزيزية. وكانت مسؤولة رسمياً عن التدريب العسكري اليومي. ولكن بنات زمرة القذافي كن يتكبرن عليها. ولم يكن لديها أي سلطة. بعد ذلك نقلت فاطمة إلى مقر هيئة الأركان العامة. وكان سائق يأتي كل صباح ليقلها إلى مكتبها. ولم يكن لها أي دور. كان راتبها زهيدا. ورويدا رويدا بدأ الندم يستفحل بين الفتيات من دورتها العسكرية. إذن كانت عملية نصب عليهن.
حب الأمة أو الموت
قالت خريجات المدرسة الحربية لبعضهن بعضا أنهن قد أضعن حياتهن. بدأت فاطمة تنسى رقمها العسكري، توقفت عن ارتداء زيها العسكري، أهملت كل ما تعلمته في المدرسة العسكرية، وأهملت أيضا لياقتها البدنية حتى أنها نسيت كيف تفك وتركب الكلاشينكوف. ولو أنها كانت قد اختيرت لتكون من بين حارسات القذافي لكان وضعها تغيّر ولكانت ظروفها أحسن لجهة الراتب والامتيازات والسفر. ولكن معايير اختيار الحارسات كان الطول والجمال، وأن تكون قد لوحظت من مساعدي القذافي، أو من العقيد شخصيا، كما حدث مع سلمى، التي لا يمكن لصوريا أن تنساها.
إن حرس القذافي الشخصي كن عشيقاته. كان يستخدمهن كما يريد ولم تكن لديهن إمكانية المقاومة أو الشكوى. الذكيات منهن استطعن الاستفادة منه والحصول على منازل وسيارات، ولكن لم تكن هناك مقاتلات النخبة.
وكان القذافي يتعمد إدخال نساء سوداوات إلى هذا الجسم العجيب للقول إنه ليس عنصرياً، ويستخدم ذلك في العلاقة مع قادة الدول الأفريقية. حراسه الحقيقيون لا يظهرون في الصور، وهم جميعهم من الرجال ومن مدينة سرت تحديدا.
كانت العقيد فاطمة تنظر بفرح إلى تقدم التمرد ضد القذافي وقد التحقت رسمياً بالثوار في 20 مارس 2011، ووضعت بندقيتها بتصرفهم، وكانت تابعة عسكرياً للكتيبة التي يتولى قيادتها عبد الحكيم بالحاج، قائد المجلس العسكري في طرابلس، ما سمح لها بالإيمان والثقة بمهنتها، وهي تعلم أنه يلزم الكثير في الوقت لإصلاح ما أفسد ولإعطاء الثقة بالنساء العسكريات.
العقيد عائشة
في سجن مدينة الزاوية الصغيرة، على بعد 50 كلم من طرابلس التقيت بالعقيد عائشة عبدالسلام ميلاد، وهي كانت قد رفضت أن تقول لي اسمها في بداية المقابلة، ولكنها غيّرت رأيها في النهاية، وكانت تقول لي إنها تثق بي.
كان لون الزنزانة مطلياً بالأصفر. ولها شباك صغير يطل على ساحة داخلية وفيها فراشات على الأرض وسرير معدني. كما كانت هناك مدفأة كهربائية صغيرة، الإضاءة كانت ضعيفة. ظننت أنه توجد سجينات في الزنزانة الصغيرة. ولكن المرأة الثانية، المنزوية على نفسها ويبدو التعب على وجهها، كانت حارسة الزنزانة. وشرحت لي كيف أنها نامت خمس سنوات في سيارتها، لأن أحداً لم يرد أن يؤجر غرفة لامرأة عزباء وفقيرة، فباتت تفضل أن تتقاسم الغرفة مع سجينتها.
العقيد عائشة كانت تبدو في صحة جيدة: طويلة، ممشوقة القامة، تقاسيم وجهها ناعمة، ترتدي ملابس رياضية أنيقة. وبعد تردد وافقت على أن تخبرني قصة حياتها، ولكنها شددت منذ البداية على أنها عسكرية العقيدة. ولم تنضم إلى زمرة القذافي ولا إلى حارساته.
«كلنا تقريباً اقتحمنا باب الأكاديمية عنوة عن أهالينا، فالشعب المسلح كان يجب أن يكون نصفه من النساء، وإلا فإن هذه النظرية بلا معنى»، قالت لي عائشة مستشهدة بما كان يقوله القذافي ونظريته باخراج الفتيات من المنازل.
تمكنت عائشة من الحصول على شهادة في التمريض بالتوازي مع تخرجها في الأكاديمية العسكرية في عام 1985، وتم نقلها إلى سبها في الجنوب ــ مسقط رأسها ــ لتأهيل فتيات أخريات. ارتقت سلم الترقيات العسكرية بسرعة، وعادت بعد عشرين سنة إلى طرابلس لتلتحق بقيادة الحرس الثوري الخاص بحماية القذافي، وكلفت باختيار حارسات القذافي بشكل منتظم.
-كيف ذلك؟ جميلات؟ لهن شخصيات؟
- ليس هذا الأساس. كنت أريد أن يكون لديهن الحضور القوي، وكنت أفضل أن يكن طويلات. واللاتي لم يكن لديهن الطول الكافي كنت أجبرهن على احتذاء الجزم ذات الكعوب العالية. كل الفتيات كن يحلمن بأن أختارهن، وكن يتوسلنني لذلك، لأن هذه المسألة كانت يمكن أن تغير حياتهن رأساً على عقب، خصوصا إذا لم يكنّ من السلك العسكري، فقد كن يرافقن القائد في تنقلاته، يحصلن على مغلفات مالية مهمة. وكوني على ثقة بأنهن كن يبذلن أقصى جهودهن ليكن على مستوى المسؤولية، التبرج الملابس العسكرية النظيفة والمكوية، لأنهن كن يعرفن أن كاميرات التلفزة العالمية مسلطة عليهن.
وعن تصرفات القذافي مع حارساته، رفضت العقيد عائشة التحدث، فهذا الموضوع سرّي للغاية. كانت تقوم بعملها فقط، أما ما يحدث بعد ذلك فلم يكن من اختصاصها.
- ولكن الجميع كان يعلم أن العقيد كان يتخذ منهن عشيقات؟!
لاذت عائشة بالصمت، وتقلصت عضلات وجهها. كما أنها رفضت الحديث عن مبروكة، وهي المرأة الوحيدة التي كانت تقف خلف القائد بملابس مدنية، وكان الجميع يعرف أهمية دورها في إحاطة القذافي بالنساء. وقالت «راتبي الشهري 832 ديناراً، أي حوالي 500 يورو، وهذا يثبت أنه لم يكن لي علاقة مع تلك الزمرة».
وفجأة التقطت قرطها من أذنها وقالت لي «انظري هذا ليس ذهباً. الكثيرات من حارسات القذافي أصبحن ثريات، اما أنا فلا.. حتى انني مُجردة من حريتي». ولكن بقي لديها «شرفها وكرامتها»، كما تقول. وعزتها بنفسها لأنها رفعت لواء المقاتلات الليبيات عاليا. كانت تؤكد أنها بقيت موالية للقائد وللجيش، وكانت تنفذ الأوامر التي تتلقاها لمحاربة التمرد.
مصير محزن
«وضع العسكريات في ظل القذافي كان محزناً».، هكذا قالت لي نجوى الأزرق نائبة وزير الشؤون الاجتماعية المكلفة هذا الملف. فالأكاديمية العسكرية كانت فخاً نصبه القذافي لتزويده بالنساء، وعندما وجد سبلا أخرى للحصول على الفتيات أهمل الأكاديمية التي تراجع مستواها وأفل نجمها.
ولكن خلال الثورة لجأ النظام الى تعبئة العديد من العسكريات حتى اللاتي لم يكن يهتم بهن، وخصوصا من كن في الثكنات. بعضهن أرسلن للقتال الى جانب المرتزقة، وبعضهن استخدمن خلال حصار طرابلس، حيث كن يقفن على الحواجز في المدينة ويدققن في هويات الأشخاص وأوراق سياراتهم.
ألاعيب القذافي ونظامه، خصوصا من العسكريات، مكروهات من الناس والمتمردين، والعديدات منهن هربن، وكثيرات تم اغتيالهن، وبعضهن تم الاعتداء عليهن أو أجبرن على الالتحاق بالثورة، وتم اقتياد مجموعات منهن الى الجبهة لإرضاء شهوات عناصر الكتائب المسلحة.
إن مصير معظم حارسات القذافي يمكن أن يبقى مجهولاً، فقد تم العثور على جثث تحت أنقاض باب العزيزية، وهذا يشير الى أنه تمت تصفية أعداد منهن على يد النظام نفسه، في شهر أغسطس خلال الساعات الأخيرة للنظام، أي لحظة هرب العقيد، وذلك بعد أن أصبحن غير مفيدات.
رد: كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 14
اضغط هنا للجزء الاول
اضغط هنا للجزء الثاني
اضغط هنا للجزء الثالث
اضغط هنا للجزء الرابع
اضغط هنا للجزء الخامس
اضغط هنا للجزء السادس
اضغط هنا للجزء السابع
اضغط هنا للجزء الثامن
اضغط هنا للأطلاع على الجزء 9
اضغط هنا للأطلاع على الجزء العاشر
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الحادي عشر
اضغط هنا للجزء الثاني عشر
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الثالث عشر
اضغط هنا للجزء الثاني
اضغط هنا للجزء الثالث
اضغط هنا للجزء الرابع
اضغط هنا للجزء الخامس
اضغط هنا للجزء السادس
اضغط هنا للجزء السابع
اضغط هنا للجزء الثامن
اضغط هنا للأطلاع على الجزء 9
اضغط هنا للأطلاع على الجزء العاشر
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الحادي عشر
اضغط هنا للجزء الثاني عشر
اضغط هنا للاطلاع على الجزء الثالث عشر
-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~-~
اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله
مواضيع مماثلة
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 9
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 16
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 17
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 10
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 11
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 16
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 17
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 10
» كتاب جديد الفرائس في حرم القذافي الجزء 11
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أمس في 8:36 am من طرف STAR
» ارخص غسالات ملابس
2024-11-18, 10:29 am من طرف محمدوعبدو
» "لسنا عيادة طبية".. رئيسة بالميراس البرازيلي تعلق بشأن التعاقد مع نيمار
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» لا تستخدم مياه "الحنفية" لتبريد محرك سيارتك.. إليك السبب
2024-11-18, 7:49 am من طرف STAR
» هل يطرد النوم "السموم من الدماغ"؟.. دراسة تكشف السر
2024-11-18, 7:48 am من طرف STAR
» لمستخدمي "ميتا" في أوروبا.. إليكم هذه الميزة الجديدة!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» احرصوا على تهوية المنزل حتى في الطقس البارد!
2024-11-18, 7:47 am من طرف STAR
» العناية بالبشرة في فصل الخريف.. نصائح مهمة لذلك
2024-11-18, 7:46 am من طرف STAR
» الأرز الإسباني
2024-11-18, 7:45 am من طرف STAR
» عن مشاركة نيمار في مونديال الاندية.. هذا موقف الهلال
2024-11-16, 8:14 am من طرف STAR
» لضمان نوم هادئ ومريح.. تجنب 5 عادات
2024-11-16, 8:13 am من طرف STAR
» ترتيب المنتخبات العربية في تصفيات آسيا لكأس العالم 2026
2024-11-16, 8:12 am من طرف STAR
» الخضار الأعلى كثافة بالمغذيات
2024-11-16, 8:11 am من طرف STAR
» رونالدو يثير التفاعل بتصرف رائع خلال مباراة البرتغال
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR
» غرامة بمليار دولار تُهدد "ميتا" بالتفكك وسط ضغوط تنظيمية دولية
2024-11-16, 8:09 am من طرف STAR